الكتاب : كتاب الأحكام في الحلال والحرام |
الأحكام (1/1)
الإمام يحيى بن الحسين ج 1
---
[ 26 ] (1/26)
كتاب الأحكام في الحلال والحرام ج 1
---
[ 27 ] (1/27)
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وصلى الله على محمد واله (وعليه نتوكل وهو حسبنا ونعم الوكيل) قال أبو الحسن على ابن الحسن بن احمد بن ابى حريصه: بعد حمد الله بمحامده كلها، والثناء عليه بمدائحه وفضلها، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى وآله الاتقياء: هذا كتاب الاحكام الذى صنفه والفه الامام الهادى إلى الحق يحيى ابن الحسين عليه وعلى آبائه السلام حسب ما قال، إذ قال: فرأينا ان نضع كتابا مستقصى، فيه أصول ما يحتاج إليه من الحلال والحرام، مما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله ليعمل به ويتكل عليه من ذكرنا، قال أبو الحسن: وإنى وجدت في هذا الكتاب أبوابا متفرقة، وعن مواضعها نادة في خلال الابواب غير المشاكلة لها غير مرتبة، ولقد سألني غير واحد ما باله لم ينظمه نسقا واحدا، ويتبع كل فن منه فنا؟ فأجبته بأن امره رضى الله عنه كان أشهر وأدل من أن يغبى عذره في ذلك، إذ كان حلس فرسه، وضجيع سيفه ليلا ونهار الاحياء دين الله، وإنفاذ أمره جاهدا مجتهدا، لا يكاد تؤيه دار ولا يلزمه قرار، وكلما وجد فيقه أو اغتنم في أيامه فرصة أثبت الفصل من كتابه، ورسم الباب من أبوابه، إذ كان رحمة الله عليه إنما ألفه خشيك الذي ذكر في الفصل الذي يقول فيه: فنظرنا في أمورنا وأمور من نخلفه من بعدنا فإنه رضي الله عنه إنما جعله جزءا من دينه وبعض مفترضاته، ليهدي به حائرا أو يرد به عن البينات جائرا، سالكا في ذلك سبيل من أخذ الله عليه ميثاقه، لتبيننه للناس ولا
---
[ 28 ] (1/28)
تكتمونه، فكان لا يكاد يتم ذلك الفصل حتى ينجم منتهك لحرمات الله سبحانه، أو جاحد لكتابه، يروم إطفاء نوره ودرس آياته، فيخلي ما هو فيه من ذلك صارفا وجهه بل باذلا مهجته دون دين الله تعالى أن يبتك، وعن حرماته أن تنتهك، ومع ذلك لا ينفك من سائل متفهم، أو باحث مسترشد، أو سائل متعنت. ولقد حدثنى من رحمه الله أنه شاهده في يوم من أيام حروبه بنجران وأن سائلا يسأله من لدن أن أمر بإسراج فرسه، إلى أن استوي في متنه، إلي أن زحف إلي عدوه، وهو يجيبه، فلما تراءي الجمعان وألح عليه ذلك الانسان، أنشد هذه الابيات من شعر الغروي: ويل الشجي من الخلي فانه نصب الفؤاد بشجوه مغموم وتري الخلى قرير عين لاهيا وعلى الشجي كآبة وهموم ويقول مالك لا تقول مقالتي ولسان ذا طلق وذا مكظوم فيجيبه عن المسألة بباب، ويفهمه ذلك بأوسع جواب، ليبالغ في هدايته، ويوسع في تعريفه، ثم يرسم عنه ذلك الجواب في غير موضعه، ويقرن بغير فنه، ناسقا ذلك على ما معه من الاصول المتقدمة في أول كتابه، فخشيت إذ ذاك أن يفزع إليه ذو النازلة، أو يرومه باغي الفائدة، فتغبى عنه فايدته إذا هو طلبها في كتابه، أو تأملها في فنها المعبر عنها، فيظن أن مؤلفها رضي الله عنه أغفلها تاركا، وأطرحها من تصنيفه جانبا، فألحقت كل فن ببابه، وأتبعت كل فرع بأصله، مع أني ما زدت في ذلك حرفا، ولا نقصت من معناه شيئا، وأني ذلك! وإنما به وبآبائه عليهم السلام اهتدينا، وبهم طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وآله اقتدينا، ومن بحور نتائجهم وبرائكهم ارتوينا، نسأل الله فوزا بمرافقة نبيه المصطفى وآله الاتقياء، فإنه حسبنا ونعم الوكيل.
---
[ 29 ] (1/29)
مبتدأ كتاب الاحكام
---
[ 31 ] (1/31)
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا الحسن بن أحمد بن محمد (1) الضهري *، قال: حدثنا محمد بن الفتح بن يوسف قال: قرأت هذا الكتاب على محمد بن الهادي إلي الحق يحيى بن الحسين صلوات الله عليه وسألته أروي عنك ما قرأت عليك؟ قال: نعم. قال محمد بن يحيى: قال يحيى بن الحسين بن القاسم بن ابراهيم بن اسمعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه وعلي آبائه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي لا تراه العيون، ولا تحيط به الظنون، ولا يصفه الواصفون، ولا يجزي أنعمه العاملون (2)، المحمود على السراء والضراء والشدة والرخاء، الذي ليس له حدينال، ولا شبه تضرب له به الامثال، وهو ذو القوة والقدرة والمحال، الذي دنا فنأى، وأحاطبا لاشياء علما وخبرا، وفطرها كيف شاء فطرا، فلم يمتنع من مفطوراتها عليه سبحانه
---
(1) في نسخة محمد بن أبي الفتح.
(2) في نسخة العاملون. * بالضاد نسبة إلى وادي ضهر وهو واد قريب من صنعاء وقد نص الكتاب بأن وادي ضهر يكتب بالضاد لا بالظاء كما هو المشهور في غيره
---
[ 32 ] (1/32)
مفطور، ولم يستتر عنه من محجوبات سرائرها مستور، بل علمه بما سيكون من كل مكون كعلمه بما كان وظهر وتبين، لا يخفى عليه شئ مما تنطوي عليه الجوانح والقلوب، ولا يحتجب عنه شئ من خفيات الغيوب، الذي نبتت بأمره الاشجار، واستقلت بقدرته الاقطار، وزخرت بقوته البحار، وهطلت بمشيته الامطار. وأشهد أن لا إله إلا الله حقا حقا، أقولها تعبدا لله سبحنه ورقا، مقالة مخلص من العباد قايل صدقا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلى خلقه، وأمينه على وحيه، أرسله برسالاته فبلغ ما أمر بتبليغه، وجهد لربه ونصح لامته، وعبد إلهه حتى أتاه اليقين، جاهدا مجتهدا ناصحا صابرا محتسبا متعبدا، حتى أقام دعوة الحق، وأظهر كلمة الصدق، ووحد الله جهارا، وعبده ليلا ونهارا، ثم قبضه الله إليه وقد رضي عمله، وتقبل سعيه، وشكر أمره، فعليه أفضل صلوة المصلين، وعلى أهل بيته الطيبين. ثم نقول من بعد الحمد لله والثناء عليه، والصلوة والسلام على محمد وعلى آله: أما بعد فإنا نظرنا في أمورنا وأمور من نخلفه من بعدنا، من أولادنا واخواننا، وأهل مقالتنا، ممن يميل إلى آل الرسول صلى الله عليه وعليهم ويتعلق بحبلهم، ويتمسك بدينهم، وينتحل ولايتهم، ويقول بما أوجب الله عزوجل عليه من تفضيلهم، فلما أن نظرنا في ذلك علمنا أنا ميتون، والى الله صائرون، ومن دار الغرور خارجون، وإلى دار المجازات آيبون، وإلى المناقشة والحساب راجعون، من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون،
---
[ 33 ] (1/33)
وعلمنا ما قد زخرفه بعض الجهلة المخالفين لآل الرسول عليهم السلام، المدعين للعلم والتمام، وقالوا فيه بأهوائهم، وتركوا الاقتداء بعلمائهم الذين أمرهم الله بالاقتداء بهم، من أهل بيت نبيهم، الذين أمروا بقصدهم وسؤالهم، وذلك قول الله سبحانه: (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (3) وأهل الذكر فهم آل محمد، الذين أنزل الله عليهم الكتاب، وهدوا به إلى القول بالصواب، فرفضوا آل الرسول ظلما وطغيانا، وأبدوا لله في ذلك خلافا وعصيانا، وقالوا في كل نازلة نزلت من حلال أو حرام بأهوائهم، اجتراء على ذي الجلال والاكرام وتعمدا في ذلك لخلاف آل محمد عليهم السلام، وجنبوا في كثير من أقاويلهم عن الكتاب والسنة والمعقول، فتبارك الله ذو الجلال والطول ثم لم يقتصروا على ذلك، حتى كفروا من لم يكن كذلك، فكلهم يدعوا الجهال إليه، ويزعم لهم أن الصواب في يديه، وهو مجنب عن الحق حاير عن طريق الصدق يعند عن الحق والهدى، ويتبع الغي والهوى، قد صدوا عن الله عباده وأظهر وجهارا عناده، وأزاحوا الحق عن مغرسه الذي اختاره الله له، فجعله سبحنه وركبه لعلمه به فيه، وبنى دعائم الدين عليه، وذلك قوله عزوجل: (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة) (4) ويقول: (الله أعلم حيث يجعل رسالاته) (5) ويقول: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) (6) فرأينا أن نضع كتابا مستقصى،، فيه أصول ما يحتاج إليه من الحلال والحرام، مما جاء به السول عليه السلام، ليعمل به ويتكل
---
ص 33 (3) الانبياء 7.
(4) القصص 68.
(5) الانعام 124.
(6) فاطر 32.
---
[ 34 ] (1/34)
عليه من ذكرنا، ولا يلتفت إلى ما في ايدي الجهلة الضلال، أهل التكمه في المحال مذوي البغي والايغال. فكان أول ما ينبغي لنا أن نذكره، ونصفه وندل عليه ونشرحه، توحيد ربنا، والقول بالحق في خالقنا، فقلنا: إن أول ما ينبغي لمن أراد التخلص من الهلكة والدخول في باب النجاة، أن يعلم أن الله واحد أحد، ليس له ند ولا شبيه ولا نظير، وأنه سبحنه على خلاف ما يتوهم المتوهمون، أو يظن المتظننون (7)، فينفي عنه جل جلاله عن أن يحويه قول، أو يناله شبه خلقه، وكل ما كان فيهم ولهم من الادوات والآلات من الايدي والارجل والوجوه والشفاه، والالسن والاسماع والابعاض والاعين، حتى يخرج من قلبه، ويصح في عقله وعقده، أنه بخلاف ما ذكرنا من خلقه، ويعلم أن لكل ما ذكر الله من ذلك في نفسه معنى وتأويلا معروفا عند أهل التنزيل الذين أو تمنوا عليه، وأمروا بالقيام فيه والدعاء إليه، وقد فسرنا جميع ما يحتاج إليه من ذلك في كتاب التوحيد، الذي وضعناه لمن أراد معرفة الله من العبيد، فإذا علم ذلك، وصح عنده كذلك، ونفى عن الله تعالى شبه خلقه، ما عظم منه وما صغر وما دق منه وما كبر، وجب عليه أن يعلم ان ألله سبحانه وعزوجل عن كل شأن شأنه عدل في جميع أفعاله، وأنه برئ من مقالة الجاهلين، متقدس عن ظلم المظلومين، بعيد عن القضاء بالفساد للمفسدين، متعال عن الرضى بمعاصي العاصين، برئ من أفعال العباد، غير مدخل لعباده في الفساد، ولا مخرج لهم من الخير والرشاد، وكيف يجوز ذلك على حكيم، أو يكون من صفة رحيم، فتعالى الله عن ذلك وتقدس عن أن
---
ص 34 (7) في نسخة المبطلون.
---
[ 35 ] (1/35)
يكون كذلك، وكيف يقضي بالمعاصي، وهو ينهى عنها، ويذم العاصين ويأمر بالطاعة ويشكر المطيعين، ولو كان كذلك لما سمى ولا دعا أحدا ممن خلق بالعصيان، بل كانوا كلهم عنده في حد الطاعة والايمان، إذ قوله الصدق وفعله الحق، لانه كان لو قضى بالفجور والكفر على الكافرين، وبالتقى والايمان على المؤمنين، لكان كل عباده لامره سبحانه مطيعين، ولقضائه منفذين، وفي ارادته ساعين، ولما كان يوجد في الخلق ذو عصيان، بل كان كلهم ذا طاعة لله وايمان، فإذا علم أن الله سبحانه لا يقضي بالفواحش والمنكر، ولا يشاء غير ما به من الطاعة أمر، وفي ذلك ما يقول ذو الجلال والطول: (أن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون) (8) ويقول (ان الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) (9) وجب عليه أن يعلم أن كل ما وعدو أوعد الواحد ذو الجلال الصمد حق لامرية فيه، ولا لبس من الحساب والحشر، وما أعد الله للمؤمنين من الثواب، وأعد للكافرين من العقاب، وأن من دخل الجنة أو النار، من الابرار والفجار، فأنه غير خارج من أيهما صار إليها، وحل بفعله فيها، أبد الابد، لا ما يقول الجاهلون: من خروج المعذبين من العذاب المهين، إلى دار المتقين، ومحل المؤمنين، وفي ذلك ما يقول رب العالمين: (خالدين فيها أبدا) (10) ويقول عزوجل: (يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم) (11) ففي كل ذلك يخبر أن كل من
---
ص 35 (8) الاعراف 48.
(9) النحل 90.
(10) النساء 57.
(11) المائدة 22.
---
[ 36 ] (1/36)
دخل النار فهو مقيم فيها غير خارج منها، من بعد مصيره إليها، فنعوذ بالله من الجهل والعمى، ونسأله العون والهدى، فإنه ولي كل نعماء، ودافع كل الاسواء. فإذا عرف ذلك واعتقده، فقد صحت له معرفة خالقه، وصار بأذن الله بالله من العارفين، وله سبحانه من الموحدين، القائلين على الله بالحق واليقين. فحينئذ يجب عليه أن يعلم أن كل ما جاء به الرسول عليه السلام، وشرعه من حلال أو حرام، أو سنة وكدها، وعلى الامة فرضها - فرض من ذي الجلال والاكرام، لقوله الله سبحنه: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب) (12) وقوله عزوجل: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول) (13) وأنه لم يفرض ولم يقل من الامور صغيرا ولا كبيرا إلا وهو الله رضا، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم قد نصح لله في عباده، وأصلح جاهدا له في بلاده، حتى قبضه الله إليه راضيا عنه، قابلا لذلك منه وأنه لم يترك الامة في عميا من أمرها، بل قد أوضح لها جميع أسبابها، ودلها على أبواب نجاتها، وشرع لها ما تحتاج إليه من أمورها بالدلالات النيرات، والعلامات الواضحات، والاشارات الكافيات، والاقاويل الصادقات.
(ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة وأن الله لسميع عليم) (14). فأذا فهم ذلك، وكان في ضمير قلبه كذلك، وجب عليه أن يعرف ويفهم، ويعتقد ويعلم، أن ولاية أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب رحمة الله عليه (15) واجبة على جميع المسلمين فرض من الله
---
ص 36 (12) الحشر 7.
(13) التغابن 12.
(14) الانفال 42.
(15) في نسخة عليه السلام.
---
[ 37 ] (1/37)
رب العالمين، ولا ينجو أحد من عذاب الرحمن، ولا يتم له اسم الايمان، حتى يعتقد ذلك بايقن الايقان، لان الله سبحانه يقول: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكوة وهم راكعون) (16) فكان ذلك أمير المؤمنين رحمة الله عليه، (17) دون جميع المسلمين، إذ كان المتصدق في صلاته، المؤدي لما يقربه من ربه من زكاته، وفيه ما يقول الرحمن فيما نزل من واضح القرآن (والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم) (18) فكان السابق إلى ربه غير مسبوق، وفيه ما يقول تبارك وتعالى: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فمالكم كيف تحكمون) (19) فكان الهادي إلى الحق غير مهدى، والداعي إلى الصراط السوي، والسالك طريق الرسول الزكي، ومن سبق إلى الله، وكان الهادي إلى غامض أحكام كتاب الله، فهو أحق بالامامة، لان أسبقهم أهداهم، واهداهم أتقاهم، وأتقاهم خيرهم، وخيرهم بكل خير أولاهم، وما جاء له من الذكر الجميل في واضح التنزيل فكثير غير قليل، وفيه انزل الله على رسوله بغدير خم: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته والله يعصمك من الناس) (20) فوقف صلى الله عليه وآله وسلم وقطع سيره، ولم يستجز أن يتقدم خطوة واحدة، حتى ينفذ ما عزم به عليه في علي عليه السلام، فنزل تحت الدوحة مكانه وجمع الناس ثم قال: (يا أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم قالوا:
---
ص 37 (16) المائدة 55.
(17) وفي نسخة عليه السلام.
(18) الواقعة 10 - 12.
(19) يونس 35.
(20) المائدة 67.
---
[ 38 ] (1/38)
بلى يارسول الله فقال: اللهم اشهد، ثم قال: اللهم اشهد، ثم قال: فمن كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، واخذل من خذله، وانصر من نصره)، وفيه يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (علي مني بمنزلة هرون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) وفي ذلك دليل على أنه قد أوجب له ما كان يجب لهرون مع موسى ما خلا النبؤة. وهرون صلى الله عليه فقد كان يستحق مقام موسى، وكان شريكه في كل أمره، وكان أولى الناس بمقامه، وفى ذلك ما يقول موسى عليه السلام حين سأل ذاالجلال والاكرام فقال: (واجعل لى وزيرا من أهلى هرون اخي أشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا) (21) فقال الله سبحانه قد أوتيت سؤلك يا موسى) (22) فاعطاه الله سؤله في إشراكه لهرون في أمر موسى، فمن أنكر أن يكون علي أولى الناس بمقام الرسول صلى الله عليه وآله فقد رد كتاب الله ذي الجلال والاكرام والطول، وأبطل قول رب العالمين، وخالف في ذلك ما نطق به الكتاب المبين، وأخرج هارون من أمر موسى كله، وأكذب رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله، وأبطل ما حكم به في أمير المؤمنين، فلابد أن يكون من كذب بهذين المعنيين في دين الله فاجرا، وعند جميع المسلمين كافرا. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن إمامة علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أفرض هي من الله؟ فقال: كذلك نقول وكذلك يقول العلماء من آل الرسول عليه وعلى آله السلام، قولا واحدا لا يختلفون فيه. لسبقه إلى الايمان بالله، ولما كان عليه من العلم بأحكام الله، وأعلم العباد بالله
---
ص 38 (21) طه 29.
(22) طه 36.
---
[ 39 ] (1/39)
أخشاهم الله. كما قال الله سبحنه: (إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور) (23) فأخشاهم أهداهم، وأهداهم أتقاهم، وقد قال الله سبحانه: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فمالكم كيف تحكمون) (24) وقال تبارك وتعالى: (والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم) (25) فأسبق المؤمنين إلى ربه أولاهم جميعا به، وأدناهم إليه وأكرمهم عليه. وأكرم العباد على الله ربه أولاهم جميعا به، وأدناهم إليه وأكرمهم عليه. وأكرم العباد على الله ألاهم بالامامة في دين الله، وهذا بين والحمد لله لكل مرتاد طالب في علي بن أبي طالب رحمة الله عليه، لا يجهله ألا متجاهل جائر ولا ينكر الحق فيه إلا ألد مكابر. حدثنى أبى عن أبيه أنه سئل عن من حارب أمير المؤمنين؟ وعمن تخلف عنه في حربه فلم يكن معه ولا عليه؟ فقال: من حاربه فهو حرب لله ولرسوله، ومن قعد عنه بغير إذنه فضال هالك في دينه. وحدثني أبي عن أبيه أنه سئل عمن يشتم أمير المؤمنين، أو قذفه استخفافا بالفضل وأهله، وجهلا بما جعل الله لامير المؤمنين عليه السلام من فضله؟ فقال: يحكم عليه الامام بما يرى ويكون بشتمه إياه فاسقا كافرا، فأذا فهم ولاية أمير المؤمنين عليه السلام واعتقدها، وقال في كل الامور سرا وعلانية بها، وجب عليه التفضيل والاعتقاد، والقول بإمامة الحسن والحسين الامامين الطاهرين، سبطي الرسول المفضلين، اللذين أشار إليهما الرسول، ودل عليهما، وافترض الله سبحانه حبهما، وحب من كان مثلهما في فعلهما من ذريتهما، حين
---
ص 39 (23) فاطر 28.
(24) يونس 35.
(25) الواقعة 10 - 12.
---
[ 40 ] (1/40)
يقول لرسوله صلى الله عليه وآله: (قل لا اسألكم عليه أجرا ألا المودة في القربى) (26) ويقول: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) (27) ويقول في جدهما وأبيهما وأمهما وفيهما: (أن الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا - ألى قوله - فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) (28)، وفيهما ما يقول الرسول عليه السلام: كل بني أنثى ينتمون إلى أبيهم إلا ابني فاطمة فأنا أبوهما وعصبتهما)، فهما ابناه وولداه بفرض الله وحكمه، وفي ذلك ما يقول الله تبارك وتعالى في ابراهيم صلى الله عليه: (ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهرون وكذلك نجزي المحسنين وزكرياء ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين) (29) فذكر أن عيسى من ذرية ابراهيم، كما موسى وهرون من ذريته، وإنما جعله الله ولده وذريته بولادة مريم، وكان سواء عنده سبحانه في معنى الولادة والقرابة ولادة الابن وولادة البنت، إذ قد أجرى موسى وعيسى مجرى واحدا من أبراهيم صلى الله عليه، ويقول بالرسول صلى الله عليه وآله: " الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة "، ويقول الرسول عليه السلام: " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي إن الطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " ويقول صلى الله عليه وآله: " مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبهانجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى "، ويقول صلى الله عليه وآله: " ما أحبنا أهل البيت أحد
---
ص 40 (26) الشورى 23.
(27) التوبة 119.
(28) الدهر 5 - 7.
(29) الانعام 84 - 85.
---
[ 41 ] (1/41)
فزلت به قدم الا ثبتته قدم حتى ينجيه الله يوم القيامة " وفيهم يقول: ب " النجوم أمان لاهل السماء، فإذا ذهبت النجوم من السماء أتى أهل السماء ما يوعدون، وأهل بيتي أمان لاهل الارض، فإذا ذهب أهل بيتي من الارض، أتى أهل الارض ما يوعدون ". قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أولئك الصالحون من آله صلى الله عليه وعليهم أجمعين وما جاء لهم من الذكر الجميل، في كتاب الله ذي الجلال والاكرام، وما قاله فيهم الرسول عليه السلام، مما يطول به الكتاب، وتتصل به الاقاويل في كل الاسباب، مما يجزي قليله عن كثيره، ويكتفي إهل الايمان عن كثيره بيسيره. فإذا أقام معرفة ولايتهما، وقال بتفضيلهما وإمامتهما، وجب عليه أن يعرف أولي الامر من ذريتهما، الذين أمر الخلق بطاعتهم، فيعلم أن الامر والنهي والحكمة والامامة من بعدهما في ذريتهما دون غيرهما، لا تجوز إلا فيهم ولا ترد إلا إليهم وأن الامام من بعدهما من ذريتهما من سار بسيرتهما، وكان مثلهما، واحتذا بحذوهما فكان ورعا تقيا، صحيحا نقيا، وفي أمر الله سبحانه جاهدا، وفي حطام الدنيا زاهدا، وكان فهما بما يحتاج إليه، عالما بتفسير ما يرد عليه، شجاعا كميا، بذولا سخيا، رؤوفا بالرعية رحيما، متعطفا متحننا حليما، مواسيا لهم بنفسه، مشركالهم في أمره، غير مستأثر عليهم، ولا حاكم بغير حكم الله فيهم، قائما شاهر السيفه، داعيا إلى ربه، رافعا لرايته، مجتهدا في دعوته، مفرقا للدعاة في البلاد، غير مقصر في تألف العباد، مخيفا للظالمين، ومؤمنا للمؤمنين، لا يأمن الفاسقين ولا يأمنونه، بل يطلبهم ويطلبونه، قد باينهم وباينوه، وناصبهم وناصبوه، فهم له خائفون، وعلى إهلاكه جاهدون، يبغيهم الغوائل، ويدعو إلى جهادهم القبائل،
---
[ 42 ] (1/42)
متشردا عنهم، خائفا منهم، لا يردعه عن أمر الله رادع، ولا تهوله الاخواف، ولا يمنعه عن الجهاد عليهم كثرة الارجاف، شمري مشمر، مجتهد غير مقصر فمن كان كذلك من ذرية السبطين الحسن والحسين، فهو الامام المفترضة طاعته، الواجبة على الامة نصرته، ومن قصر عن ذلك ولم ينصب نفسه لله، ويشهر سيفه له، ويباين الظالمين ويباينوه، ويبين أمره، ويرفع رايته، ليكمل الحجة لربه على جميع بريته، بما يظهر لهم من حسن سيرته، وظاهر ما يبدو لهم من سريرته، فتجب طاعته على الامة والمهاجرة إليه والمصابرة معه ولديه، فمن فعل ذلك من الامة معه من بعد أن قد أبان لهم صاحبهم نفسه، وقصد ربه وشهر سيفه، وكشف بالمباينة للظالمين رأسه، فقد أدى إلى الله فرضه، ومن قصر في ذلك كانت الحجة عليه لله قائمة ساطعة منيرة بينه قاطعة (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة أن الله لسميع عليم) (30) مثل من قام من ذريتهما من الائمة الطاهرين الصابرين لله المحتسبين. مثل زيد بن علي رضي الله عنه إمام المتقين، والقائم بحجة رب العالمين. ومثل يحيى ابنه المحتذي بفعله، ومثل محمد بن عبد الله، وابراهيم أخيه المجتهدين لله، المصممين في أمر الله، الذين لم تأخذهما في الله لومة لائم، الذين مضيا قدما قدما، صابرين محتسبين، وقد مثل بابائهما وعمومتها أقبح المثل، وقتلوا أفحش القتل، فما ردعهما ذلك عن إقامة أمر خالقهما والاجتهاد في رضا ربهما فصلوات الله على أرواح تلك المشايخ وبركاته، فلقد صبروا الله واحتسبوا وما وهنوا ولا
---
ص 42 (30) الانفال 42. في نسخة المطهرين.
---
[ 43 ] (1/43)
جزعوا بل كانوا كما قال الله وذكر عمن مضى من آبائهم حين يقول: (فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين) (31). ومثل الحسين بن علي الفخي، الشهيد المحرم المجرد لله سبحانه، المصمم الباذل نفسه لله في عصابة قليلة من المؤمنين، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويضربون ويضربون، حتى لقوا الله على ذلك وقد رضي عنهم، وقبل فعلهم منهم، فرحمة الله وبركاته عليهم. ويحيي بن عبد الله ابن الحسن القائم لله، المحتسب الصابر لله على الشدة والغضب، ومحمد بن ابراهيم بن اسمعيل القائم بحجة الله الجليل الداعي إلى الحق، والناهي عن الفسق، المتفرد لله، الصابر له في كل أمره، الحاكم في كل الامور بحقه. ومثل القسم بن ابراهيم الفاضل العالم الكريم، المجرد لسيفه، المصمم الباذل لنفسه، المباين للظالمين، الداعي إلى الحق المبين صلوات الله عليهم أجمعين ورحمته وبركاته، فمن كان كذلك من ذرية الحسن والحسين، فهو إمام لجميع المسلمين لا يسعهم عصيانه، ولا يحل لهم خذلانه، بل يجب عليهم طاعته وموالاته، ويعذب الله من خذله، ويثيب من نصره، ويتولى من تولاه، ويعادي من عاداه. فأما من عبث بنفسه وتمنى، وإقام في أهله وولده وتلهى، وساير الظالمين وداجاهم، وقضوا حوائجه، وقضى حوائجهم، وعاشروهم، وعاشرهم، وأمنوه وأمنهم، وكفوا عنه وكف عنهم، وغمد سيفه وطوى رايته، وستر منهم نفسه، وموه على الجهال، وأهل الغفلة من الظلال،
---
ص 43 (31) آل عمران 146.
---
[ 44 ] (1/44)
وادعى الامامة، ووهمهم أنه يريد القيام، وهو عند الله من القاعدين النيام، ذوي الفترة والوناء، طلاب الراحة والرخاء، وهو يظهر للرعية ويعرض لهم، ويدخل قلوبهم أنه قائم غير قائد، وأنه مباين للظالمين مجاهد، يوهمهم ذلك ويعرض لهم أنه كذلك، ليحتلب من درهم حلبا وخيما دويا، ويأكل بذلك من أموالهم حراما دنيا، قد لبس عليهم أمورهم بتمويهه عليهم، وقعدلهم بطريق رشدهم، يصدهم بتمويهه عن ربهم، ويمنعهم بتلبيسه عليهم من أداء فرضهم، والقيام بما يجب لخالقهم فهو دائب في التحيل لاكل إموالهم بما يلبس عليهم من إحوالهم، وتمويهه لجاهلهم (32) أنه قائم غير قائد، وأنه أحد يوميه ناهض على الظالمين مجاهد، والله يعلم من سرائره وباطن أمره غير ما يوهم الجاهلين، ويكتبه بذلك عنده أنه من الصادين عن سبيله، الذين يبغونها عوجا، فهو يهلك نفسه عند ربه بفعله وفعل غيره، ويفرق عن الحق والمحقين الانام، ويجمع بذلك عليه الآثام، ويمكن بذلك دعوة الظالمين، ويقيم عمد ملك الفاسقين ويوهن دعوة الحق والمحقين بما يموه به على الجاهلين للترؤس عليهم، ولاكل أوساخ أيديهم، يأكل سحتا تافها حراما، ويجترم العظائم بالصد عن الله العظيم إجتراما، يفرق كلمة المؤمنين ويشتت رأي المسلمين، ولا يألوا الحق خبالا، يتأول في ذلك التأويلات ويتقحم على الله فيه بالقحمات ضميره إذا رجع إلى نفسه، وناقشها في كل فعله، وأوقفها على على خفي سره، مخالف لظاهره وفعاله في باطنه فغير ما يبديه الناس في ظاهره، يخادع الله والذين آمنوا وما يخادع إلا نفسه، كما قال الله تعالى، (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا
---
ص 44 (32) في نسخة لجهالهم.
---
[ 45 ] (1/45)
ولهم عذاب أليم) (33) كأن لم يسمع الله عزوجل يقول: (وأسروا قولكم أو جهروا به إنه عليم بذات الصدور) (34) فهو يمكر بالله وبالمؤمنين، والله يمكر به وهو خير الماكرين. فهو في بلية من نفسه، من تحيله لديناره ودرهمه، والاستدامة لما هو فيه من تافه نعمته، يلبس الحرير والديباج والقز، ويلتحف ويفترش السمور والفتك والخز، لا يرتمض في أمور الله، ولا يصلح شأن عباد الله، فأين من كان كذلك، فقط من الامامة. كلا لعمره أنه عنها لبعيد مجنب، ومنها غير دان ولا مقرب، وان لعب بنفسه، وخدع من كان من شكله بزخرف قوله وكذبه واجترائه على الله: (ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) (35) فلعمري إن من كان كذلك فقط لبعيد عما يدعي وينتحل مما لم يجعله الله له أهلا، ولم يشرع له إليه سبيلا، فكيف لو ذكرنا بعض ما يذكر عن بعض من يدعي ذلك، من الغلو والمهالك، مما ينقله عنهم أشياعهم، ويذكره من قولهم في أنفسهم اتباعهم، مما نرجوا أن يكونوا عليهم فيه كاذبين وبغير الحق فيهم قائلين من ادعاء صفات الجبار، والمشاركة له في علم خفيات الاسرار، والاطلاع على ما أجنت بطون البحار، والقدرة على صرف ما يشاء صرفه وأثبات ما يشاء اثباته، ومن إباحه الفروج، وإظهار الفواحش والهروج وتناول الشهوات، وإرتكاب اللذات، من معاصي الرحمن وما تنهى عنه آيات القرآن، وترك الصلوات وغلول الزكوات، ورفض صيام شهر رمضان، وتعطيل كلما نطق به الفرقان، وترك الاغتسال من
---
ص 45 (33 البقرة 9 - 10.
(34) الملك 13.
(35) الفرقان 68 - 69.
---
[ 46 ] (1/46)
الجنابات، وارتكاب جميع الفاحشات، وغير ذلك مما يجل ذكره، ويعظم أمره من الغلو والمنكر. وذلك أنهم في أصل قولهم يقولون أعرف إمامك، واعمل ما شئت غير معاقب ولا مأثوم وذلك من قولهم عند جميع الامة فمعلوم مع يأتون به ويقولون به من الكفران والافتراء على الله والجحدان للرحمن، وجعلهم لخالقهم بزعمهم جسما ينتقل في صورة الانسان، ويؤاكلهم ويشاربهم ويداخلهم ويخارجهم، ويبايعهم، ويشاريهم، ويجعلونه، مرة موسى، وثانية عيسى، وثالثه عليا، ينتقل في صورة الآدميين، وكذلك رووا عن الشياطين أنها تتصور في صور المربوبين، فتبارك الله عن ذلك رب العالمين، وتقدس عما يقول فيه الجاهلون، وينسب إليه الضالون. فيا لمن قال بذلك الويل الطويل، والعويل والعذاب الجليل، لقد أتى شيئا إدا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا. فإذا علم المسترشد ذلك وعرف كل من ذكرنا بصفاتهم، ووقف على أولي الامر منهم بدلالتهم، ودان الله سبحانه بولايتهم، وجب عليه من بعد ذلك أن يعتقد معرفة فضل الجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يعلم أن ذلك أكبر فروض الله المفترضة عليه، فيظهر جهاد الظالمين، وينوي مباينة الفاسقين، بيده ولسانه وقلبه وبما يقدر عليه من طاقته، ثم يجب عليه من بعد. أن يتطهر للصلوات بطهورهن ويصليهن ويقيمهن بحدودهن، ويحافظ عليهن في الاوقات اللواتي جعلها الله لهن أوقاتا من الساعات، وأن يؤدي ما أمر الله به من الزكوات على ما شرعه الرسول عليه السلام، وجعله فرضا مثبتا على ذوي المقدرات من الانام وأن يصوم شهر رمضان الذي افترض صومه الرحمن وأن يحج إلى البيت
---
ص 46 في نسخة الآدميين.
---
[ 47 ] (1/47)
المعمور وأن يؤدي جميع ما افترض عليه الله في حجه من الامور، وأن يفعل كلما أمره الله ورسوله بفعله، وأن يترك كلما أمره الله ورسوله بتركه، ويقول الحق ولو على نفسه، ويقيم الشهادة ويأتي بها على وجهها، ويؤدي الامانة، ويعتزل الخيانة، ويبر والديه، ويصل رحمه، فإذا فعل ذلك وكان حقا كذلك، فهو المؤمن حقا حقا، المتعبد لله بما أمره به سبحانه من ذلك صدقا، فإذا قد صح له اسم الايمان، ووجب له على الله الثواب والاحسان، وكان من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ثم يجب عليه من بعد ذلك النظر فيما يحتاج إليه من أمره من حلاله وحرامه وجميع أسبابه، فإن الله جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله لا يرضى لعباده المؤمنين وأوليائه الصالحين الجهل والنقصان، بل يشاء منهم التزيد في كل خير وإحسان، فيجب عليه أن يطلب من ذلك ما ينبغي له طلبه، من علم أهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله فيتبع من ذلك أحسنه، وأقربه إلى الكتاب، فإن الله سبحانه يقول (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الالباب) (36). وسنضع انشاء الله بتوفيق الله من ذلك ما ينتفع به في الدين والدنيا، ونقول فيه بما يثبت وينير في قلب من كان ذا حجا، والقوة بالله وله وإياه نستعين في كل أمرنا، وعليه نعتمد في كل شأننا، وحسبنا الله وكفى، ونعم الوكيل، عليه توكلنا، وهو رب العرش العظيم.
---
ص 47 (36) الزمر 17 - 18.
---
[ 48 ] (1/48)
باب القول فيمن أراد الغائط وما يستحب له وما ينبغي أن يتقيه
قال يحيى بن الحسين بن القاسم بن ابراهيم صلوات الله عليهم: يستحب لمن أراد الغائط لحاجته، - والغائط فهو الجانب من الارض الستير - أن لا يكشف عورته حتى يهوي للجلوس، وأن يتعوذ بالله من شر إبليس الملعون، الرجس النجس، ولا يجلس مستقبل القبلة ولا مستدبرها، وأن يجعلها عن يمينه أو عن شماله، فإذا قضى حاجته، ونهض إلى طهوره حمد الله على ما أماط عنه من الاذى وكذلك روى عن أمير المؤمنين رحمة الله عليه أنه كان إذا خرج من المتبرز قال: الحمد لله الذي عافاني في جسدي، الحمد لله الذي أماط عني الاذى. وينبغي له أن لا يستنجي بيمينه فإنه بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله: " أنه نهى أصحابه عن استقبال القبلة واستدبارها في الغائط وعن استنجائهم بأيمانهم. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وإنما نهى وكره استقبال القبلة واستدبارها في الغائط اجلالا لها وتعظيما لما عظم الله من قدرها، إذ جعلها للناس مثابا ومؤتما يأتمونه، ومقصدا لما افترض الله عليهم يقصدونه، ولما جعل فيها من البركة وآثار الانبياء المطهرين، فلذلك وبه وجب إجلالها على العالمين. وأما النهي عن الاستنجاء باليمين فإنما نهى النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك نظرا منه للمؤمنين، لمالهم فيها من المنافع في المأكل، وغير ذلك من إفاضة الماء للتطهر على غيرها من الاعضاء، فلذلك نهى عن الاستنجاء بها ليبعد كل قذر ودرن منها. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وينبغي للمسلمين أن لا يغفلوا إجالة المساويك في أفواههم عندما يحدثون من التطهر عند كل
---
[ 49 ] (1/49)
غداة لصلواتهم، وليس ذلك بواجب عليهم، ولكنا نستحبه لهم وفيهم، لما بلغنا في ذلك عن زيد بن علي رحمة الله عليه عن ابائه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لولا أني أخاف أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك مع الطهور، فمن أطاق السواك مع الطهور فلا يدعه).
باب القول في صفة التطهر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أول ما يجب على المتوضي أن يغسل كفيه فينقيهما ثم يغسل فرجه الاعلى، فإذا أنقاه وأنقى ما حوله وما عليه من درن أو قذر، غسل بعد ذلك وانحدر إلى فرجه الاسفل فأنقاه، ثم غسل يسرى يديه فأنقاها من أثر ما أماط من الاذى عن فرجيه بها، ثم يتمضمض ويستنشق من غرفة واحدة ثلاثا، ثم يستنثر حتى ينقي أنفه وينقي فاه، ثم يغسل وجهه أسفله وأعلاه بالماء غسلا، ولا يمسحه به مسحا، ولا يجزيه حتى يحمل الماء في كفيه، ثم يغسل به وجهه وخديه وجبهته وصدغيه، ويخلل لحيته، ثم يغسل ذراعه اليمنى بكفه اليسرى ثلاث مرات غسلا إلى المرفق، سواء، سواء ثم يغسل يده اليسرى باليمنى كما غسل يده اليمنى ثم يمسح برأسه ثلاثا ما قبل منه وما دبر، حتى يجيل يديه على كل ما في رأسه من الشعر، ويجيل يديه على أذنيه ظاهرهما وباطنهما وأسفلهما وأعلاهما. ويستحب له أن يذكر اسم الله عند مبتدأ طهوره، وفي وسطه وآخره، فيقول ما روي عن أمير المؤمنين عليه صلوات رب العالمين. فقد بلغنا عنه أنه كان يقول إذا وضع طهوره أمامه: بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم يغسل فرجه فيقول: اللهم حصن فرجي برحمتك عن معاصيك، ثم يتمضمص فيقول: اللهم لقني
---
[ 50 ] (1/50)
حجتي يوم ألقاك، ثم يستنشق، فيقول: اللهم لا تحرمني رائحة الجنة برحمتك، ثم يغسل وجهه فيقول: اللهم بيض وجهي يوم تبيض الوجوه، وتسود وجوه، ثم يغسل يده اليمنى فيقول: اللهم أعطني كتابي بيميني، واغفر ذنبي ثم يغسل يده اليسرى فيقول: اللهم لا تؤتني كتابي بشمالي وتجاوز عن سئ أفعالي، ثم يمسح رأسه فيقول: اللهم غشني رحمتك وأتمم على نعمتك، ثم يجيل يده على رقبته ثم يقول: اللهم قني الاغلال في يوم الحساب، ثم يغسل رجليه إلى الكعبين فيقول: اللهم ثبت قدمي على الصراط المستقيم يوم تزل الاقدام يا ذا الجلال والاكرام ثم يخلل بين أصابعهما ويبدأ في الغسل باليمنى منهما. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وإن قال غير ذلك أجزأه، واليسير من ذكر الله يجزي، ولو نسيه ناس لم يكن لينقض عليه وضوءه ولا يفسد عليه طهوره، لان الملة تكفيه، والاقرار بتوحيد الله يجزيه، فإذا أسبغ الوضوء فقد أدى ما يجب عليه من مفتاح الصلوة وهو الطهور. وفي إسباغ الوضوء ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (ما من مؤمن يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يصلي إلا غفر الله له ما بينه وبين الصلوة الاخرى حتى يصليها) (37). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: هذا الحديث موافق لكتاب الله وذلك قوله سبحانه (أقم الصلوة طرفي النهار وزلفا من الليل ان الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) (38) فأخبر الله سبحانه بأن الحسنات يذهبن السيئات، والصلوة فهي أكبر حسنات العباد، من بعد ما حض الله عليه من الجهاد، وهذا فانما يكون للمؤمنين
---
ص 50 (37) في نسخة أمره. في نسخة امرء.
(38) هود 114.
---
[ 51 ] (1/51)
التائبين الصالحين، فأما من كان مصرا على المعاصي مقيما عليها، زاهدا في الطاعة تاركا، لها فان الله لا يقبل منه فرائضه، فكيف نوافله، وفي ذلك ما يقول رب العالمين: (إنما يتقبل الله من المتقين) (39) فمن لم يكن من المتقين فليس عند الله من المقبولين، ولا من المثابين، بل هو عند الله من المقبوحين، وفي الآخرة بلا شك من المعذبين. وفي أسباغ الوضوء ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: " ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلوة بعد الصلوة، فذالكم الرباط، فذالكم الرباط ". قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: فأما ما يقال به من أن الاستنشاق والمضمضة سنة ليستا بفريضة، فلا يلتفت إلى ذلك لان الله أمر، بغسل الوجه أمرا وهما من الوجه حقا، ففرضه عليهما واجب كوجوبه عليه، إذ هما بلا شك منه وفيه، وهما فمأوي الادران من وجه كل انسان، وإنما يؤمر بغسل العضو من الاعضاء لكي يماط ما فيه من الاذى وينقى، فكيف يأمر الله سبحانه بغسل ما نقي من وجه الانسان، ولا يأمر بغسل ما يحمل منه الاوساخ والادران!. وفي ذلك ما حدثني أبي عن أبيه القسم بن ابراهيم رحمة الله عليهم فيمن نسي المضمضة والاستنشاق فقال: لا يجزيه إلا أن يتمضمض ويستنشق لان الفم والمنخرين من الوجه، وقد أمر الله بهما فقال: (فاغسلوا وجوهكم) (40) وهما من الوجه.
---
ص 51 (39) المائدة 27.
(40) فاغسلوا وجوهكم.
---
[ 52 ] (1/52)
باب القول فيما ينقض خروجه الوضوء وما يجب اعادته منه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ينتقض الوضوء وتجب إعادته من الدود يخرج من الدبر، ومن الريح والغائط والبول والودي والمذي والمني إن جاء لغير شهوة نقض ولم يوجب الغسل، وإن جاء المني لشهوة أوجب الغسل. وألقئ الذارع، والدم المسفوح وهو الذي يسيل أو يقطر من أي الجراح كان، من حجامة أو رعاف أو غيرهما، والقيح يسيل من الدمل والجراح وما كان مثلها، والنوم المزيل للعقل. فإذا ابتلي أحد بذلك فليعد إلى طهوره فليتطهر، ثم ليعد إلى صلاته فليستأنف الصلوة من أولها، فمن لم يعد الوضوء ممن كان كذلك فلم يصل، لان الطهور مفتاح الصلوة والتكبير تحريمها والتسليم تحليلها. حدثني أبي عن أبيه قال: سئل أبي القسم بن ابراهيم رضي الله عنه عن الشيخ الكبير والمريض أو من به علة يخرج من دبره الدود بعد الوضوء هل عليه اعادة؟ فقال يتوضأ من ذلك، إلا أن يكون شيئا غالبا لا ينقطع، لانه لا يخرج من ذلك ما يخرج إلا ومعه غيره من العذرة، ومن لم يصل بطهورهم لم تقبل صلاته، كما لا تقبل من الغلول صدقته. وفي ذلك ما بلغنا عن زيد بن علي عن آبائه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لا تقبل الصلاة إلا بطهور، ولا تقبل صلوة إلا بقرآن، ولا تتم صلوة إلا بزكوة، ولا تقبل صدقة من غلول). حدثني أبي عن أبيه قال: حدثنا أبو بكر بن أبي أويس عن الحسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب
---
[ 53 ] (1/53)
رضي الله عنه قال: من رعف وهو في صلوته فلينصرف فليتوضأ وليستأنف الصلاة.
باب القول فيما روي عن النبي صلى الله عليه وآله في الطهور للصلاة بالمد من الماء، والغسل من الجنابة بالصاع
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: هذا حديث قد روي والله أعلم بصدقه، وإن يكن ذلك فرسول الله صلى الله عليه وآله كان طاهرا مطهرا، عالما بحدود التطهر، ولرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من البركة في طعامه وشرابه وطهوره ما ليس لغيره، وليس عندنا في ذلك حد محدود، ولا أمر مقصود، ولا مقدار معلوم بكيل، ولا وزن مفهوم، غير أن ما أتى على جميع الاعضاء، وغسل ما أمر الله بغسله من قليل الماء، فهو مجز لمن تطهر به، وتوضأ، وكذلك ما غسل من الماء جميع الاعضاء من الجنب حتى يأتي على شعرها وجلدها ومقبلها ومدبرها حتى ينقي ذلك، ويغسل به المتوضي ما أمر بغسله من جميع بدنه فقد أجزأه وأدى عنه فرضه وكفاه، قليلا كان ذلك أو كثيرا لان الله سبحانه لم يذكر من الماء قليلا ولا كثيرا، وإنما أمر بالتطهر به جملة تطهيرا، فما طهر وأنقى فقد أغنى المتطهرين به وكفى.
باب القول في فنون الوضوء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من نام من النساء والرجال فزال عقله على أية ما حال، من قيام أو قعود أو ركوع أو سجود فقد انتقض وضوءه، وعليه الاعادة لما كان فيه من الصلوة إن كانت الصلوة من الفرائض اللازمة. وإن كانت تطوعا فهو بالخيار إن شاء أعاد
---
[ 54 ] (1/54)
الوضوء والصلوة، وإن شاء ترك ذلك، ولم يكن ما نام فيه من الصلوة له بصلوة. حدثني أبي عن أبيه في المتوضي ينام جالسا، أو يخفق برأسه محتبيا أو متربعا أو مستندا أو ساجدا أو قائما فقال: لا ينقض الوضوء ولا الصلوة من النوم إلا ما غلب العقل على أي حال ما كان النوم، إذا زال به عقل صاحبه لزمه بزوال عقله إعادة وضوءه وصلواته. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وأحب لمن توضأ ثم اشتغل بشئ من أمور الدنيا فأطال في ذلك حتى ينسى ماله توضأ، من بيع أو شراء أو حديث إذا لم يكن في ذلك منتظرا للصلاة، متوقعا لدخول وقتها، أن يعود لتطهره فيتطهر، لانه إذا كان قد اشتغل بغير الصلوة فلم يقم إليها، وإنما قال الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين أمنوا إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) (41) فأوجبت الآية الوضوء للصلاة إذا قام إليها. ومن اشتغل بغيرها فلم يقم إليها. قال فإن كذب كذبه وجب عليه إعادة الوضوء، وكذلك قولي فيمن رفث وتعدى وأفحش في المقال وأساء قال: ولو أن رجلا قبل امرأته أو ضمها أو لمسها أو شمها لم ينقض ذلك وضوءه إلا أن يكون خرج منه شئ. حدثني أبي عن أبيه في متوضي قبل امرأته قال: لا ينقض وضوءه إلا أن يكون خرج منه شئ. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولو أن رجلا توضأ فنسي غسل يده اليمنى حتى قام في صلوته قال: يعود فيغسل يده اليمنى، ثم يغسل بعدها يده اليسرى، ثم يمسح الرأس والاذنين، ويغسل الرجلين
---
ص 54 (41) المائدة 6.
---
[ 55 ] (1/55)
إلى الكعبين، لانه غسل ما غسل على الفساد، ومن أفسد في فرض أعاد. وقال في رجل توضأ فلم يدر أغسل وجهه أم لا؟ إنه يرجع فيغسل وجهه، وما بعد الوجه من اليدين، ثم يمسح الرأس ويغسل القدمين إلى ما أمر الله به من الكعبين والغسل اليهما فهو أن يدخلا في الغسل حتى يأتي الماء عليهما، ويلقى الغسل قصبة الساق، وذلك منتهى ما أمر بغسله الواحد الخلاق. قال: وكذلك من ترك بعض عقبه أو بعض بطن قدمه فلم يغسله وجب عليه أن يغسل ما ترك من ذلك، ثم يبتدئ في صلواته ويؤدي به وفيه فريضته. وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (ويل للعراقيب من النار) وقال: (ويل لبطون الاقدام من النار) يريد بذلك صلى الله عليه وآله الحض على غسلهما، وإيجاب العقوبة على من تركهما أو ترك بعضهما. قال: وكذلك يجب على كل من لم يخلل أصابعه - حتى ينقي ما بينها ويأتي الماء على ما ينضام عليه منها - أن يعود فيخلل، ثم يبتدئ صلاته على يقين من طهارته. وفى ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (خللوا الاصابع بالماء قبل أن تخلل بالنار). وقال يحيى بن الحسين رضي الله عنه في رجل توضأ، ثم صلى وانصرف من صلاته، ثم خطر على قلبه من بعد ذلك خاطر شك فقال: لا أدري أغسلت وجهي قبل أم يدي؟ فقال: إذا كان قد صلى ولم يداخله قبل صلاته ولا فيها ما داخله من بعدها فصلاته تامة وطهوره، ولا يلتفت إلى ما عارضه من بعد ذلك. وإن أيقن أنه قدم مؤخرا، أو أخر مقدما عاد فتطهر على ما أمر به، وعاد من بعد ذلك لصلوته.
---
[ 56 ] (1/56)
باب القول فيما لا يجوز التطهر بفضله من الدواب، وما ينجسه منها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ينجس الطهور أن يلغ فيه الكلب أو الخنزير أو أن يشرب منه كافر بفيه أو يدخل يده فيه. قال: واما الفرس والبغل والحمار وغير ذلك من البهائم فما تبين في فضله تغير من ريح أو طعم أو لون فلا يتوضأ به، وما لم يتبين في فضله شئ من ذلك فلا بأس بالتطهر به. قال: ولا بأس أن يتطهر الرجل من سور المرأة الحائض، إذا لم يصبه من القذر شئ، ولم تدخل يدها فيه قبل أن تغسلها. وقال في رجل تطهر من الجنابة من ماء في مركن كبير فأفضل فيه ماء، فقال: لا بأس أن يتطهر بفضله، ما لم يكن تراجع فيه من غسالة بدن الجنب شئ، أو يكون أدخل يديه فيه قبل أن يطهرهما، فإن تراجع فيه شئ من غسالة بدنة، أو أدخل يديه فيه قبل أن يطهرهما فلا يتوضأ به هو ولا غيره. وقال في قطرتين أو ثلاث قطرات من بول أو خمر قطرن في إناء: إنه لا يتطهر به وإنه نجس، يدفق ذلك من الاناء، ويطهر الاناء من نجاسة ما قطر فيه، وكذلك لا يجوز شربه. وإن كان لم يبين منه في الاناء والماء لون ولا طعم لانه فيه وإن لم يبين ويظهر عليه، وقد حرم الله عزوجل شرب قليله، كما حرم شرب كثيره، فإذا صح له أنه قد شاب طهوره وشرابه شئ مما حرمه الله عليه لم يجز له شربه ولا التطهر به، ووجب عليه دفقة والتجنب له، وليس هذا الاناء مثل البيار والغدرات والبرك التي لا يستوعى ماؤها بشرب ولا تطهر لكثرة ما فيها من الماء
---
[ 57 ] (1/57)
وعظمه، والاناء يستوعبه المتوضي والمتوضيان والثلاثة في تطهرهم وشربهم له. وبين ما استوعي وما لم يستوع فرق بين. وقال في بول الحمار والفرس والبغل وكل ما لا يؤكل لحمه إذا قطر منه شئ في إناء: إنه لا يتطهر بما في الاناء من الماء، ولا يحل شربه، ولا يجوز الانتفاع به، وقال في بول الجمل والشاة يصيب الطهور منه شئ ويقع فيه فقال: لا بأس بالتطهر به ما لم يتغير له لون أو ريح أو طعم.
باب القول في الغسل من الجنابة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجب على كل من كان جنبا أن يغسل يده اليمنى، يفرغ عليه الماء بالاناء افراغا حتى ينقيها، ثم يغسل يده اليسرى، يغرف بيده اليمنى من الماء عليها حتى ينقيها ثم يغسل فرجه فينقيه، ثم يضرب بيده على الارض حتى تحمل التراب ثم يغسل به فرجه، ثم يضرب بها الارض ضربة أخرى فيغسلها بما تحمل من التراب ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يغرف على رأسه ثلاث غرفات، أو يصب على رأسه الماء صبا إن كان الماء في كوز حتى ينقي رأسه، ويدلكه بيده حتى يصل الماء إلى بشرته، ثم يفيض الماء على جوانبه يمينا ويسارا ويدلك جسده كله حتى ينقى، ثم يتوضأ من بعد ذلك لصلاته فإن الوضوء للصلاة لا يقع إلا على طهارة من البدن. حدثني أبي عن أبيه ان رسول الله صلى الله عليه وآله اغتسل من الجنابة فتوضأ فغسل يديه ثم غسل فرجه، وكان يفيض الماء بيمينه على يساره، ثم غسل يده، ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه، ثم غسل ذراعيه ثلاثا ثلاثا، ثم مسح رأسه، ثم أفاض الماء على رأسه،
---
[ 58 ] (1/58)
ثم غسل سائر جسده، ومسح جسده بيده، ثم تنحى عن الموضع الذي أفاض على جسده الماء فيه، ثم غسل رجليه بعد ذلك، ثم أعاد وضوءه لصلاته. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ومن اجتنب ثم اغتسل ولم يبل فلا أرى أنه طهر لانه يبقى من المني في الاحليل ما يخرج من بعد الغسل. ألا ترى أنه لو خرج من بعد الغسل شئ من المني كان عليه إذا لم يكن بال أن يعيد غسله. فإن بال ثم خرج منه شئ من بعد الغسل فلا إعادة عليه وإنما ذلك ودي لا مني. حدثني أبي عن أبيه في الجنب يخرج منه المني بعد الغسل قال: إن كان خرج منه ماء دافق لشهوة أعاد الغسل، وإن كان مذيا أو شيئا رقيقا اكتفى بالوضوء منه دون الغسل. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: إن فرق الجنب غسل أعضائه فغسلها عضوا بعد عضو أجزأه ذلك، وإن يبس العضو الاول قبل غسل العضو الثاني، إذا أتى في ذلك على ما أمره الله من غسل بدنه كله، وسواء في ذلك الرجال والنساء.
باب القول فيما يجب به الغسل على فاعله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجب الغسل على المحتلم في المنام من الماء الدافق على كل إنسان، ويجب في الانتباه على اليقظان إذا التقى الختانان. حدثني أبي عن أبيه في الرجل يجامع المرأة فلا ينزل هل عليهما الغسل أم لا؟ فقال قد اختلف في ذلك عن النبي عليه السلام، وعن
---
[ 59 ] (1/59)
علي رحمة الله عليه، واختلف المهاجرون والانصار، وكثرت فيه الروايات غير أن الاحتياط أن يغتسل، وقد قيل إن ما أوجب الحد أوجب الغسل. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه ولو أن رجلا رأى في المنام أنه يجامع ثم انتبه ولم ينزل لم يكن عليه في ذلك غسل، ولو دنا يقظان حتى يمس ختان ختانا لوجب عليه الاغتسال، وذلك سواء في النساء والرجال. قال ولو رأى في منامه أنه جامع فاستيقظ فلمس فوجد رطوبة فنظر فوجد مذيا، وأيقن أنه لم ينزل من ذلك منيا لم يجب عليه الاغتسال، ولو وجد في ثوبه منيا، ولم يذكر جنابة لوجب عليه الاغتسال لانه قد رأى في ثوبه ما يجب فيه الغسل، وقد يمكن أن ينسى ما يرى في المنام، ولا يمكن أن يمني في ثوبه إلا من احتلام.
باب القول في المجدور والجريح إذا اجتنبا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا خشي المجدور من الغسل وكان جدريه لم يتفقأ صب عليه الماء صبا، وان كان جدريه قد تفقأ أو خشي عليه تيمم بالصعيد، وأجزأ ذلك عند الواحد الحميد لان الله سبحانه يقول: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) (42) ويقول: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) (43) ويقول: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (44).
---
ص 59 (42) البقرة 198.
(43) النساء 29.
(44) البقرة 185.
---
[ 60 ] (1/60)
قال: وكذلك من كان به قروح أو جراح فخاف من الماء اجزأه أن يغسل ما سوى ذلك الجرح، ويغسل ما حواليه غسلا، ويجزيه ذلك دون غسل ما يخشى عليه من جراحه. حدثني أبي عن أبيه في المجدور يجتنب ولا يقدر على الغسل، ولا على الوضوء، قال: من خشى التلف أو العنت من مجدور أو مريض أو جريح تيمم وكان ذلك له مجزيا.
باب القول في الكسير كيف يعمل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من كسر فجبر، فخشي إن هو أطلق الجبائر العنت من الماء لم يجز له إطلاقها، وجاز له ترك غسل ذلك العضو، ووجبت عليه الصلوة. من غير غسل ذلك العضو المكسور، فأما ما يقال به من المسح على ذلك العضو فليس ذلك عندنا بشئ. لان الله أوجب الغسل عند الامكان وأطلق تركه عند المخافة للتلف في غسله، والضرر على غاسله، ومن جاز له بحكم الله ترك غسل عضو من أعضائه لعلة نازلة به فليس عليه مسح جبايره، لان الجبائر خلاف العضو الذي أمر الله بغسله، وليس عليه في كتاب ولا سنة غسل خرق الجباير وعيدانها عند الوضوء، كما عليه أن يغسل يديه ورجليه، فإن أمن من العنت في إطلاقها لم يجز له تركها ووجب عليه غسلها كما أمر الله سبحانه. والمبتلى بذلك مستأمن على دينه ناظر في ذلك لنفسه، فلينظر كيف يفعل وليتحر الحق فيما يعمل، فإنه يعامل من لا يخفى عليه خافية، سرا كانت أو علانية هو كما قال سبحانه: (يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور) (45).
---
ص 60 (45) غافر 19.
---
[ 61 ] (1/61)
باب القول فيما ينبغي للجنب أن يفعله إذا أراد أن يأكل أو ينام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ينبغي له أن يغسل فرجه ويديه ويتمضمض قبل أن يأكل أو ينام، وإن فعل غير ذلك لم يحرم عليه، غير أنه يكون مخالفا للاثر. حدثني أبي عن أبيه في الجنب يريد أن يأكل أو ينام قال لا بأس به وأحب إلينا أن يغسل يديه، ثم يغسل فرجه إذا أراد أن يأكل أو ينام.
باب القول في اجتماع الجنابة والعلة المانعة من الغسل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا اجتنب، ثم سقط في نار قبل أن يغتسل فتنفط بدنه، فخشي من الماء، فإنه يتيمم بالصعيد الطيب، ولا يغتسل ويكون تيممه لوقت كل صلوة، فإذا برئ اغتسل من جنابته.
باب القول في اجتماع الحيض والجنابة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا اجتنبت المرأة ثم حاضت من قبل أن تغتسل فإن كان الدم مقصرا اغتسلت لجنابتها، وإن غلب دم طمثها أجزأها أن تغتسل عند وقت طهرها غسلا واحدا لطهرها وجنابتها. حدثني أبي عن أبيه في المرأة تجتنب ثم تحيض قبل أن تغتسل من جنابتها قال: أحب الينا أن تغتسل من جنابتها ان لم يكن دم طمثها غالبا عليها. وإن لزمها الدم ولم يفارقها ولم يجف عنها تطهرت منهما جميعا طهورا واحدا.
---
[ 62 ] (1/62)
باب القول في غسل المرأة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجب على المرأة أن تنقض شعرها عند اغتسالها من حيضها، وليس عليها أن تحله عند اغتسالها من الجنابة، ولكن عليها أن تجمعه في كفها ثم تصب عليه الماء صبا وتحركه وتعصره ثلاثا حتى تعلم أن الماء قد وصل إلى أصوله، وجال في جوانبه، وكذلك من كان ذا لمة من الرجال. حدثني أبي عن أبيه في المرأة هل تنقض شعرها عند اغتسالها من الجنابة؟ فقال: لا تنقض شعرها لان الماء يأتي على ذلك كله، ولكن تجمع شعرها على رأسها، وتصب عليه الماء، حتى تأتي على ذلك كله، وتعصره وتحركه حتى تعلم أن الماء قد وصل إلى أصوله، وكذلك روي عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله أنه أمرها بذلك، وكانت كثيرة الشعر شديدة الظفر فلم يأمرها أن تنقض شعرها. وأما عند طهرها من الحيض فيجب عليها أن تنقض شعرها.
باب القول في الرجل يطأ أهله ثم يريد المعاودة قبل أن يتوضأ
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا جامع أهله ثم أراد أن يعود قبل التوضئ لم يضق ذلك عليه، وجاز له أن يعاود أهله مرارا وان لم يكن اغتسل بين ذلك ولا توضأ. وكذلك إن كان له أربع زوجات فجائز له أن يطأهن وان لم يحدث وضوءا بين وطئهن. حدثني أبي عن أبيه في الرجل يجامع أهله ثم يريد أن يعاود أهله هل يتوضأ بينهما؟ فقال: لا بأس أن يعود من غير وضوء وما آخر ذلك الا كأوله.
---
[ 63 ] (1/63)
باب القول في الجنب يغتمس في الماء اغتماسة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن جنبا اغتمس اغتماسة في ماء يغمره ويحمل نجاسته، ودلك ما يجب عليه دلكه من بدنه حتى ينقيه في اغتماسه، ويأتي الماء عليه اجزأه ذلك عن غيره. وإن هو اغتمس ولم ينق بدنه ويمط بالماء عنه درنه حتى يصل ذلك إلى غامض شعره داخله وخارجه من إبطيه وأرفاغه، وما يستكن من الشعر بين إليتيه. فلم ينق ولم يطهر ولو اغتمس كذلك في البحر مرارا تكثر، لان كثير الماء. إذا لم ينق ما أمر العبد بانقائه في الغنى. دون قليله إذا أتى قليله على ما يجب غسله من الاعضاء. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: ان سأل سائل عن جنب اغتمس اغتماسة واحدة في ماء يغمره هل يطهره ذلك؟ قيل له: نعم يجزي إلا أن يكون لم ينق ما أمر بانقائه من قبله ودبره، فإن ذلك ربما لم ينق بالاغتماسة الواحدة، فأما إذا أنقى جميع أعضائه فقد نظف وطهر.
باب القول فيما يكره الوضوء به من ماء الغدرات والبيار وما لا يكره من ذلك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا ينجس ماء الغدير ولا يفسد ماء البير إلا ما غير ماءهما، فأفسد بالتغيير لونه أو ريحه أو طعمه فإذا تغير من ذلك ريح مائهما، أو طعم ذوقهما، أو استحال له لونهما لم يجز التطهر بمائهما، فأما إذا لم يكن شئ مما ذكر نافلا يفسد على المتطهر التطهر بمائهما كان الواقع فيهما ما كان. من ميتة أو غير ذلك من النجس والادران.
---
[ 64 ] (1/64)
حدثني أبي عن أبيه في البيار والغدرات والبرك التي يقع فيها الشئ النجس فقال: لا يفسد إلا أن تغلب النجاسة عليها، ولا ينجسها ما وقع فيها من ميتة أو ما أشبهها، إذا لم يغلب عليها النجس في لون أو ريح أو طعم. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وكذلك كلما وقع في ماء يسيرا كان أو كثيرا، في إناء أو حفرة أو وقيعة (46) أو جرة فغير لونه أو طعمه أو ريحه، من جلاب (47) أو سكنجبين أو مرق أو سكر أو قند أو غير ذلك مما ينفي عنه اسم الماء القراح، الذي جعله الله طهور أو ذكره وامتن به على عباده ونزله، فليس لاحد أن يتوضأ بما كان كذلك من الماء، وعليه إن لم يجد غيره أن يتيمم بالصعيد الطيب تيمما، لانه لم يجد الماء الذي أمر الله بالتطهر به فيلزمه فرض التيمم لجنابته أو لصلاته. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: إذا تغير طعم الماء أو لونه أو ريحه فليس لاحد أن يتوضأ به ولا يتطهر، كان تغيره بخل أو لبن أو جبن، إذا غلب ذلك عليه وزال عنه اسم الماء القراح المفرد الطاهر، فليس لاحد أن يتوضأ به، ولا أن يتطهر منه لزوال اسم الماء عنه، وإنما جعل الله الطهارة بالماء القراح المفرد فقال: وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) (48) وقال عزوجل (وأنزلنا من السماء ماء طهورا) (49) وقال سبحانه (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) (50) فإذا وجد الماء متغيرا فلم يجد الماء.
---
ص 64 (46) الوقيعة: الحفرة المنقورة في الحجر.
(47) الجلاب: ماء الورد.
(48) الانفال 11.
(49) الفرقان 48.
(50) النساء 43.
---
[ 65 ] (1/65)
باب القول في الذي لا ينقطع عنه البول والجرح الذي لا ينقطع سيلانه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا لزم الرجل تقطير البول، أو سيلان الجرح، فلم يبرح ولم ينقطع، صلى صاحب ذلك من النساء والرجال ولم يلتفت إلى ما جاء من ذلك، ولا ما سال، إذ لا حيلة له في قطعه. وأحب لصاحب التقطير أن يحتشي بقطنة إن كان ذلك يلزم عنه بعض العلة، ولصاحب الجرح أن يسد عليه بخرق أو كرسف، فإن جاء من بعد ذلك شئ غالب صلى، ولم يلتفت إلى ما جاء من بعد الاستقصاء والحرص وقلة الوناء. حدثني أبي عن أبيه في الذي لا ينقطع عنه تقطير البول إنه يتوضأ للصلاة ويصلي ولا يضره دوام البول لانه لا حيلة له فيه.
باب القول فيما يصيب ثوب ذي العلة من علته من الدم والقيح وغير ذلك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه فيمن ابتلي بذلك: فليغسل ثوبه مما أصابه منه، فإن كان شيئا لا ينقطع وقتا من الاوقات، فلا ضير عليه في تركه، ولا نحب له أن يتركه في ثوبه أكثر من صلاة يوم وليلة، في الخمس الصلوات، إذا لم يكن له غيره، فإن أمكنه ثوب غيره عزله لصلاته، ثم صلى في ذلك الثوب، فإذا فرغ من صلاته غسل ما نال ثوبه من دم جراحه لكل صلاة، وإن لم يكن يمكنه ذلك، وشق وعسر عليه لسبب من الاسباب أجزأه غسله في يوم أو يومين أو ثلاثة أيام على قدر ما يمكنه، ولا يجوز له التفريط في غسله إلا من عذر مانع
---
[ 66 ] (1/66)
قاطع، لانه ليس له أن يتركه يتراكم في ثوبه، لما في ذلك من فحاشة الرائحة والقذر. حدثني أبي عن أبيه في الرجل يكون به القرح أو الجرب أو الحكة في جسده فيصيب ثوبه منه شئ فقال: إذا لم ينقطع ذلك عن صاحبه بالغسل والانقاء، فلا وضوء عليه، وإن كان مما يزول بالغسل وجب عليه غسله وقد رخص فيه أيضا فيما روي من الاحاديث.
باب القول في التيمم ومتى يجب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: التيمم يجب على من لم يجد الماء المفرد الطاهر، فمن لم يجد الماء المفرد الطاهر على ما ذكرنا، من حاضر أو مسافر وجب عليه التيمم. والتيمم فلا يجوز لاحد أن يتيمم إلا في آخر الوقت، إن كان في ليل تيمم قبل طلوع الفجر وعند أياسه من وجود الماء، وخوفه من فوات وقت الصلوة. وكذلك إن كان في نهار تيمم في آخر وقت النهار، قبل غروب الشمس وصلى صلاة نهاره، ولا يجوز للمتيمم أن يصلي صلاتين بتيمم واحد، إلا أن تكون صلوة ونافلتها فيجزيه ذلك عن التيمم مرتين، مثل من صلى صلوة العصر قبل الغروب وفي آخر وقت وعند اياسه من الماء. فذلك لا يجوز له أن يصلي المغرب بذلك التيمم. لان عليه الاراغة (51) للماء، والطلب له والاجتهاد فيه مادام عليه من وقت المغرب شئ، وإذا كان عليه طلب الماء للصلاة إلى آخر وقتها لم يجز له أن يصليها بتيمم تيممه لغيرها، لانه في ذلك ومع أياسه طامع من الله بتهيئته له، والمن به عليه، بمطر أو غيره من الاسباب.
---
ص 66 (51) الاراغة: طلب الماء.
---
[ 67 ] (1/67)
حدثني أبي عن أبيه في التيمم. متى يتيمم المتيمم؟، قال: يتيمم في آخر الوقت وعند أياسه من وجود الماء. وحدثني أبي عن أبيه في المتيمم كم من صلوة يصلي به؟ فقال: صلوة واحدة، ويتيمم لوقت كل صلوة. وحدثني أبي عن أبيه أنه قال: إن سأل سائل عن رجل لا يجد الماء، وكان في موضع لا يقدر فيه على طيب الصعيد كيف يصنع؟ وما الذي يجب عليه؟، قيل له عليه أن يصلي، ولا يتيمم بشئ غير الصعيد، إلا أن يجد الصعيد الذي أمر الله به فيتيمم به، لان الله تبارك وتعالى لم يذكر الطهارة إلا بالماء أو بالصعيد الطيب، وقد علم الله سبحانه مكان غيرهما من جميع الاشياء، فلم يأمر الله المؤمنين به، فمتى لم يجد الجنب ماء طاهرا، ولا صعيدا طيبا فقد زال عنه فرض الطهارة التي أمر الله بها، وعليه أن يصلي وإن كان غير طاهر. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الوقت - الذي يجب للمتيمم التيمم فيه - هو الوقت الذي لو وجد بعده وبعد انصرافه من صلاته تلك ماء لم يجب عليه التطهر فيه، ولا الاعادة لما صلى من الصلوة. ولا يجوز لمتيمم أن يتيمم في وقت يكون بعده وقت لو وجد فيه ماء لوجب عليه أن يتوضأ بذلك الماء، ويعيد ما صلى من تلك الصلاة، لانه قد وجد الماء في وقت من أوقاتها، يجب عليه فيه صلوتها.
باب القول في حد التيمم وتفسيره
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: حد التيمم إلى المرفقين ولا يجوز لاحد أن يتيمم إلى الرسغين. وحد التيمم لمن لم
---
[ 68 ] (1/68)
يجد الماء كحد الغسل لمن وجد الماء كما قال الله سبحنه حين يقول: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) فأوجب سبحانه غسل الوجه كله، من مقاص الشعر إلى حد الاذنين إلى اللحيين إلى الذقن، وأوجب غسل اليدين إلى المرفقين، ومعنى قوله إلى المرافق فهو حتى المرافق، فأراد بقوله فاغسلوا وجوهكم وأيديكم حتى المرافق، فقامت إلى مقام حتى، وكذلك قوله إلى الكعبين أراد حتى الكعبين، وهذه الحروف التي تدعا حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض وتجزي بعضها عن بعض وفي ذلك ما يقول الشاعر. شربن بماء البحر ثم ترفعت لدى لجج خضر لهن نئيج فقال: لدى لجج وإنما أراد على لجج، فقامت لدى مقام على، والشاهد لذلك قول الله سبحانه فيما عبر من قول فرعون حين يقول سبحانه ويحكي عنه من قوله: (ولاصلبنكم في جذوع النخل) (53) وإنما أراد على جذوع النخل، فقامت في مقام على. فيجب على المتيمم إذا أراد التيمم أن يعتمد الصعيد الطيب الطاهر الذي لا قذر فيه ولا درن، فيضرب بيديه مصفوفتين على الصعيد الطيب ضربتين، ضربة لوجهه، وضربة لذراعيه، يمسح بالاولى وجهه، ثم يمسح في الآخرة بيده اليسرى من أظافير يده اليمنى إلى أن يجوز مرفقها، ثم يرد كفه اليسرى على باطن ذراعه اليمنى، ثم يمسح بما في كفه اليمنى من الصعيد يده اليسرى على ما فعل باليمنى. حدثني أبي عن أبيه قال: حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن
---
ص 68 (52) المائدة 6.
(53) طه 71.
---
[ 69 ] (1/69)
الحسين بن عبد الله بن ضميره عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. أنه قال في التيمم: الوجه واليدان إلى المرفقين. حدثني أبي عن أبيه في التيمم قال: حد التيمم بالصعيد إلى المرفقين كحد الوضوء. وقد ذكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان يأمر بذلك.
باب القول فيما يعمل الجنب إذا لم يجد الماء ولا الصعيد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أي جنب أو غير جنب لم يجد الماء ولا الصعيد فعليه أن يصلي بغير تيمم، ولا يتيمم بغير الصعيد الذي أمر الله بالتيمم به، وجعله طهورا لمن لم يجد الماء. والصعيد فهو التراب لا غيره. فمن لم يجد التراب فهو كمن لم يجد الماء، وعليه أن يؤدي ما افترض الله عليه من الصلاة، وإن لم يكن طاهرا، إذا لم يجد ما يطهره من الماء أو الصعيد، لان زوال التطهر عنه لعدمه لما يتطهر به لا يزيل عنه ما افترض الله عليه من الصلاة، لانه في ترك ما لم يستطع فعله، ولم يجد السبيل إليه معذور، وعليه أن يأتي بما سوى ذلك من الفروض في كل الامور.
باب القول في المسافر يجتنب ومعه ماء وهو يخشى أن اغتسل بالماء على نفسه تلفا من العطش
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من خشي من المسافرين على نفسه تلفا إن هو توضأ بما معه من الماء، لم يجز له أن
---
[ 70 ] (1/70)
يتطهر بما معه من الماء، وكان واجبا عليه أن يتيمم بالصعيد، لان الله سبحانه لم يكلف أحدا من عباده عسرا بل كلفهم من أمورهم يسرا، وأعطاهم على ذلك كثيرا، ونهاهم عن قتل أنفسهم، وعن الالقاء إلى التهلكة بأيديهم، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) (54) وقال سبحانه: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) (55) ويقول سبحانه: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (56) فيجب على من خشي على نفسه إن هو تطهر بما معه من الماء تلفا أن لا يتطهر به، لان تطهره به حرام، وعليه استبقاؤه لنفسه لا يسعه غير ذلك، ولا يجوز له أن يفعل إلا كذلك. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: إن سأل سائل عن رجل معه بقية من الماء وهو مسافر فخاف إن تطهر به أن يهلك عطشا؟ قيل له لا يحل له أن يتوضأ بالماء الذي معه إذا كان أمره كذلك، لان الله سبحانه حرم عليه إتلاف نفسه وإهلاكها فقال: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا) (57) وعليه أن يتيمم صعيدا طيبا، كما أمره الله سبحانه فيمسح به وجهه ويديه، ويمسك الماء على نفسه وكذلك من خاف على نفسه سلطانا جائرا أو لصوصا أو سبعا إن هو طلب الماء فعليه أن يتيمم بالصعيد الطيب، ومحرم عليه في جميع ذلك أن يعترض نفسه للتلف والعطب. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: معنى قوله رضوان الله
---
ص 70 (54) البقرة 198.
(55) النساء 29.
(56) البقرة 185.
(57) النساء 29.
---
[ 71 ] (1/71)
عليه إن خاف على نفسه سلطانا أو سبعا أو لصوصا إن هو طلب الماء يريد الرجل يكون معه الماء وهو يعلم موضع ماء، وهو يخاف إن هو ورد ذلك الماء ما ذكر من السلطان أو السبع أو اللصوص. فقال: عليه أن يستبقي الماء الذي معه لنفسه، ويتيمم لكيلا يرد الماء الذي يخاف فيه التلف.
باب القول في وجود الماء ومتى يكون الانسان له واجدا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من علم مكان المياه، وعلم أنه يدركها في بعض أوقات الصلوة، ولم يخف على نفسه مخافة، ولا دونه له متلفة فهو واجد له، وعليه في الفرض أن يطلبه، وكذلك إن وجده يباع بثمن، وكان كذلك الثمن واجدا، فهو بوجوده الثمن واجد للماء، وكان بشرائه له متعبدا، لان من وجد ثمنه فقد ناله ووجده، ما لم يخف على النفقة نفاذا أو تقصيرا، يدخل بذلك على نفسه تهلكة وتدميرا، فمن لم يخف دون الماء مخافة ولا من النفقة إن اشتراه جائحة، وجب عليه أن يبتاعه ويشتريه، ويطلبه بجهده أو يصير إليه، قال ومن أصابته جنابة في ليله أو نهاره، وكان الماء منه على مسافة يعلم أنه يلحقه، أو يبلغه في الليل قبل طلوع الفجر، أو في النهار قبل مغيب الشمس، وجب عليه طلبه، والمصير إليه، إلا أن يمنعه منه مانع، أو يقطعه عن بلوغه قاطع. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: أيما مسافر وجد مع غيره ماء فلم يعطه إياه إلا بثمن غال، وكان المسافر لثمنه واجدا، فعليه أن يشتريه، لانه واجد له بما وجد من ثمنه لقول الله سبحانه: (فلم تجدوا ماء
---
[ 72 ] (1/72)
فتيمموا صعيدا طيبا) (58) فهو واجد له في اللغة بوجود ثمنه، إلا أن يكون في دفعه ثمن الماء إجحاف بنفسه، أو تعريض لها للعطب والتلف، فيكون له حينئذ أن لا يشتري الماء، وأن يتيمم صعيدا طيبا. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وأيما جنب تيمم ثم وجد الماء بعد أن صلى وجب عليه أن يغتسل، ويعيد ما صلى من تلك الصلاة، إذا كان في وقت من أوقاتها. قال: فإن لم يجد الماء إلا بعد يوم أو ليلة أو يومين أو ليلتين، ثم وجده اغتسل ولم يقض ما صلى بتيممه، وهو مؤد في ذلك لفرضه، قائم بما أمر به منه.
باب القول في الحيض وكم أكثره وأقله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أقل ما يكون وقت الحيض ثلاث ليال، وأكثر ما يكون الحيض عشر ليال، فما كان أقل من ثلاث ليال في وقت الحيض، فهو فساد من الحيض ويجب على المرأة ترك الصلوة فيه، حتى تنقى فإذا نقيت اغتسلت وصلت وصامت، وم كان منه في غير وقت الحيض فليس بحيض، وهو عارض من مرض، لا يجوز ترك الصلاة لها فيه، وكذلك فقد يكون الحيض أربعا وخمسا وستا وسبعا وثمانيا وتسعا وعشرا على قدر ما تعلم النساء من أنفسهن، وما جربنه من حيضهن، فأما إذ جاوز العشر وطال بقاء الدم بهن فهن مستحاضات يفعلن ما تفعل المستحاضة، تقف عن الصلاة في وقت طمثها الذي تعرفه من نفسها، وتغتسل في وقت طهرها الذي تعرفه من نفسها، وتصلي وتصوم، ويأتيها زوجها، ولا تترك الصلاة إلا عشرا. والعشر فهو أكثر الحيض، وما زاد فهو استحاضة لا حيض.
---
ص 72 (58) النساء 43.
---
[ 73 ] (1/73)
باب القول فيما لا يجوز للحائض أن تفعله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز للحائض أن تدخل المسجد، ولا تحمل المصحف، ولا تقرأ القرآن، ولذلك منعت الصلوة لانه لا صلاة إلا بقراءة والحايض لا تقرأ القرآن، ولا يجوز أن يدنو منها زوجها في موضع حرثها. حدثني أبي عن أبيه في الجنب والحايض يقرآن القرآن أم لا؟ فقال: يسبحان، ويذكر ان الله، ولا يقرآن القرآن.
باب القول فيما يستحب للحايض أن تفعله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يستحب للحايض أن تطهر وتنظف، ثم تأتي موضعا طاهرا فتجلس فيه، وتستقبل القبلة في وقت كل صلوة ثم تسبح وتهلل، وتستغفر الله، ثم تنصرف، ويستحب لها أن تكحل عينيها، وتمشط شعرها، وتزين في بيتها، ولا تعطل نفسها، ولا تشعث رأسها، ولا تهاون بنفسها وتتبع الحسن من أمرها.
باب القول فيما تعمل الحامل إذا رأت الدم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا رأت الحامل الدم فينبغي لها أن تغسله عن نفسها بجهدها، وتحتشي له إن احتاجت إلى ذلك، وهو حادث حدث عليها وليس بحيض، وإن كان في وقت الحيض الذي كانت تعرفه من نفسها، لان الحيض لا يكون مع الولد أبدا، لان الله سبحانه جعله كذلك وركبه على ذلك فالرحم لا يشتمل على ولد وحيض، فإذا اشتملت على ولد ذهب الحيض، ولذلك ما
---
[ 74 ] (1/74)
جعل الله ذهاب الحيض للتي لم تيئس دليلا على الحمل، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) (59) فجعل الثلاثة الاشهر أمدا للتي قد يئست من الحيض واللاء لم يحضن من الصبايا، فمتى قعدت ذات الحيض من ذوات البعول عن حيضها، وجب عليها أن تتوقى ما يتوقاه ذوات الحمل مثلها، حتى يتبين لها أمرها، وتستبري من ذلك رحمها، فلذلك قلنا: إنه يجب على من كان كذلك من النساء توقي ما يجب توقيه من الاشياء، مثل الادوية التي يخاف على الجنين منها، وغير ذلك مما يخاف أن يضرها، ولذلك ما قيل به في المرأة، يطلقها زوجها فتحيض حيضة، ثم ينقطع عنها الحيض، وهي من ذوات الحيض اللواتي لم ييئسن منه لكبر السن: إنها تنتظر بنفسها الحيض، إلى وقت الاياس منه وهي أن تبلغ ستين سنة، فإذا بلغت ستين سنة، ولم ترد ما، اعتدت بالاشهر ثلاثة أشهر، ثم حلت للازواج. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وعلى هذا القياس يجب على كل من كانت عنده امرأة، فأراد أن يتوزج أختها فطلقها، فحاضت حيضة، وكانت غير مؤيسة، ثم لم تر بعد تلك الحيضة دما، أن لا يتزوج اختها حتى تحيض ما بقي من حيضها، وتستوفي عدتها بالحيض، أو حتى يأتي عليها من السنين ما تكون فيه وبه آيسة من الحيض، فتعتد حينئذ بالاشهر، ثلاثة أشهر ثم تحل للمطلق من بعد ذلك اختها، ولا يجوز له غير ذلك فيها، لانها غير آيسة، وإذا كانت كذلك فلا عدة لها إلا بالحيض، وهذا الحبس فإنما هو مرض نزل بها، وليس يجب عليها أن تعتد بغير ما جعل الله من الحيض لها، فهي ما
---
ص 74 (59) الطلاق 4.
---
[ 75 ] (1/75)
دامت في علتها هذه أبدا في عدتها ترثه ويرثها، وإذا كانت كذلك لم يجز له أبد نكاح اختها. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: إن سأل سائل عما ترى الحامل من الدم هل يكون عندكم حيضا؟ قيل له لا ليس بحيض ولكنه حدث حدث عليها فيه كالذي حدث (60) عليها في غيره من الاحداث.
باب القول في النفاس وتفسير ما يجب فيه وكم تقعد المرأة النفساء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تقعد المرأة النفساء أربعين يوما إلا أن ترى قبل الاربعين طهرا فتطهر إذا رأت الطهر ونقيت من الدم، فإن لم تر قبل الاربعين طهرا أقامت أربعين يوما، ثم تطهرت ولا تقعد أكثر من ذلك، فإن رأت بعد ذلك دما فعلت فيه ما تفعل المستحاضة، وكذلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (تقعد النفساء أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك)، وكذلك بلغنا عن علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أنه قال: (وقت النفساء أربعون يوما، فإذا جاوزت الاربعين اغتسلت وصلت، وكانت بمنزلة المستحاضة تصوم وتصلي، ويأتيها زوجها). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: والنفساء تطهر من النفاس كما تطهر الحايض من حيضها، لان الحيض والنفاس واحد في المعنى لما يأتي فيهما من الدماء، والعرب تدعو الحيض نفاسا. وفي ذلك ما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله (أنه كان مع امرأة من نسائه فوثبت فقال لها مالك أنفست)؟ يريد أحضت؟ وفصحاء
---
ص 75 (60) في نسخة: يحدث.
---
[ 76 ] (1/76)
العرب يدعو الطمث نفاسا، والله تبارك وتعالى فقد أوجب الغسل من الحيض، فلذلك أوجبناه في النفاس لانه محيض في الاصل والمعنى، وإن اختلفت بهما في اللفظ الاسماء.
باب القول في المستحاضة وتفسير الاستحاضة والعمل في ذلك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ليس في الاستحاضة عندنا وقت مؤقت غير ما تعلم المرأة من نفسها في أيام أقرائها، فإن كانت ممن قد حاضت، وعرفت أيام أقرائها، فلتحتسب لذلك، فإذا كان وقت قرئها لم تصل ولم تصم، ولم تقرأ القرآن، ولم يغشها زوجها، فإذا نفدت أيام الاقراء صلت وصامت وقرأت، وغشيها زوجها إن أحب، ويجب عليها إذا قعدت أيام أقرائها، ثم أتت أيام طهرها أن تغتسل كما تغتسل عند الطهر من الحيض، ثم تحتشي قطنا، وتستذفر استذفار الرجل، ثم تصلي صلاتها، وتؤخر الظهر إلى أول وقت العصر، ثم توضأ وتحتشي وتستذفر، ثم تصلي الظهر والعصر معا، وكذلك تفعل في المغرب والعشاء الاخرة، وكذلك يروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه أمر امرأة بذلك، وحد لها في أوقات صلواتها، وأمرها بالجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في آخر وقت الاولى وفي أول وقت الاخرى. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وإنما أمرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله رحمة منه لها ولغيرها ممن تبتلى بمثل بلائها، ولو أن امرأة توضأت واحتشت واستذفرت لوقت كل صلوة، كان ذلك أفضل إن هي قدرت على ذلك وقويت، وإلا فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
---
[ 77 ] (1/77)
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وإن كانت المستحاضة لم تحض قبل تلك الحيضة، فاستمر لها الدم فلتقعد أكثر ما تعرف من حيض نسائها، من أخواتها وعماتها، ولسنا نوقت لمثل هذه ولا لغيرها أياما معدودة، إلا أنها لا تجاوز العشر ليال، فإن أكثر الحيض عشر ليال. حدثني أبي عن أبيه القسم بن ابراهيم رضي الله عنه في المستحاضة كيف تصنع؟ وهل يأتيها زوجها؟ فقال تقعد أيام أقرائها، ثم تغتسل وتوضأ لكل صلاة، ويغشاها زوجها إن أحب، وتستنقي من الدم إذا أراد أن يغشاها، فإن غلب حيضها فهو كدم جرح أو عرق لو كان بها. وأكثر الحيض عندنا على ما تعرف المرأة، وعلى ما جربت من نفسها، فإن كانت ممن لم يحضن قبل ذلك قط، ثم نفست أو استحيضت، فعلى قدر أكثر ما في نسائها، وليس عندنا فيه وقت معلوم كما قال غيرنا، ولسنا نوقت فيه وقتا، غير أنها لا تجاوز عشرا، وبذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة ابنة ابي حبيش أن تقعد أيام أقرائها، ولم يوقت لها في ذلك وقتا، والقياس في هذا لا يمكن إلا أن يتقحم فيه متقحم فيقول فيه برأيه. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض، وحكمه حكم الدم، وفي غير أيام الحيض استحاضة، وقال إذا خرجت الصفرة والكدرة وظهرت، أو بلغت حيث يبلغها الماء عند استنجاء المرأة فهو سواء، وهو حيض في وقت الحيض، تترك المرأة الصلاة له، وتعتزل ما تعتز له الحائض من دخول المسجد، وقراءة القرآن، والصلاة والصوم، ولا يغشاها زوجها فيه. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: إن سأل سائل عن الصفرة والكدرة قيل له: أما ما كان في أيام الحيض فهو حيض، وحكمه حكم الدم، وأما ما كان منه في غير أيام الحيض فليس بحيض، ولكنه استحاضة.
---
[ 78 ] (1/78)
باب القول في الرجل متى يغشى امرأته الحايض عند انقطاع دمها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يغشى الرجل امرأته، وإن نقيت من الدم ورأت الطهر حتى تغتسل وتطهر بالماء، وتنقى من آثار الدرن والاذى كما قال الله عزوجل: (ولا تقربوهن حتى يطهرن) (61) ومعنى يطهرن فهو أن يغتسلن ويتطهرن، لا ما ينقطع عنهن من دمائهن، ألا ترى أن الطهر لا يقع اسمه على شئ حتى يطهر، وأنه لا يكون طاهرا حتى يطهر، وتطهيره هو غسله وانقاؤه بالماء، فلذلك قلنا: إن معنى قول الله عزوجل (حتى يطهرن) (62) فهو يغتسلن ويتطهرن من أدرانهن، وينقين بالماء أوساخهن، وماكن فيه من دمائهن. حدثني أبي عن أبيه في الحائض إذا طهرت من حيضها وانقطع عنها دمها هل يغشاها زوجها قبل أن تغتسل أم لا؟ فقال: لا يغشاها زوجها حتى تغتسل، ولذلك قال الله سبحنه (ولا تقربوهن حتى يطهرن) (63) تأويله حتى يغتسلن.
باب القول في المسح على الخفين والشراكين والرجلين والخمار والعمامة والقلنسوة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أجمع آل رسول الله صلى الله عليه وآله أنه لا مسح على شئ من ذلك، وان من مسح على شئ من ذلك فلم يتوضأ، وأنه لا صلاة إلا بوضوء، فأماما يقول به
---
ص 78 (61) البقرة 222.
(62) البقرة 222.
(63) البقرة 222.
---
[ 79 ] (1/79)
الروافض من المسح على الرجلين فهذا باطل محال، فاسد من المقال، وإنما حرم المسح على الخف والقدم والنعل لقول الله سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين) (64) فقال وأرجلكم نصبا ردا على غسل الوجه. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: لم أر أحدا من آل رسول صلى الله عليه وآله يشك في أن قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله، وعلي بن أبي طالب رحمة الله عليه، وجميع آلهما، وجميع المهاجرين من بعدهما، وأرجلكم بالنصب يردونها بالواو نسقا على غسل الوجه، وإنما حرم المسح على الرجل بالآية، والآية فإنما أوجبت الغسل لما في الرجل من القذر والدرن والوسخ والاذى، فإذا مسح فوقهما فلم يغسلهما وإذا لم يغسلهما فلم ينقهما، وإنما تعبده الله بغسلهما لانقائهما، وإماطة الاقذار عنهما، ومن مسح أعلاهما فلم ينقهما، ولم ينق جوانبهما وأسافلهما. وفي الاستقصاء عليهما بالغسل، وإيجاب الغسل، ما يروى عن الرسول صلى الله عليه وآله من قوله (ويل للعراقيب وبطون الاقدام من النار) فدل بذلك صلى الله عليه وآله على أنه واجب على المتوضي أن يغسلهما بأجمعهما ظاهرهما وباطنهما، ولو كانت القراءة في الارجل بالخفض لكان المسح واجبا، ولو وجب المسح لما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ويل للعراقيب وبطون الاقدام من النار) لانه إنما أراد صلى الله عليه وآلله بذلك الاستقصاء على الارجل بالغسل، تأكيدا لما أمر الله به من الغسل لهما، وعنه في ذلك ما يروى من أنه قال: (خللوا
---
ص 79 (64) المائدة 6.
---
[ 80 ] (1/80)
الاصابع بالماء قبل أن تخلل بالنار) فدل بذلك على أن تخليلهما و تنظيفهما، وغسل ما بطن وما ظهر منهما واجب على كل مسلم متطهر. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ما أبالي أمسحت على رجلي أم مسحت على خفي، وما أبالي أمسحت على خفي أم مسحت على سرجي، ولان تقطع رجلي أحب إلي من أن أمسح على خفي، أو أمسح عليهما، أو أترك غسلهما، لان الفرض في غسلهما لما ذكرناه، واحتججنا به في أول كلامنا، من قول الله تبارك وتعالى ومن قول الرسول الله صلى الله عليه وآله. ومن الحجة على من قال بمسح الرجل وقرأ الآية بالخفض (وأرجلكم) قول الله (إلى الكعبين) (65)، فلما أن قال إلى الكعبين علمنا بتحديده أنه إنما أراد الغسل، وأنها نصب عطف. على غسل الوجه، لان المسح لا يقال فيه: امسح إلى الكعبين، ولا يقال إلى الكعبين إلا في الغسل فقط.
---
ص 80 (65) المائدة 6. في نسخة (وإنما نصب عطفا).
---
[ 81 ] (1/81)
كتاب الصلاة
---
[ 83 ] (1/83)
بسم الله الرحمن الرحيم مبتدأ أبواب الصلوة وتفسير فرضها من الكتاب قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلوة ويؤتوا الزكوة وذلك دين القيمة) (1) وقال سبحانه: (فأقيموا الصلوة إن الصلوة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) (2) وقال لنبيه صلى الله عليه وآله: (وأمر أهلك بالصلوة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى) (3) يريد بقوله أهلك أي قومك، وقال سبحانه: (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون وأقيموا الصلوة وآتوا الزكوة واركعوا مع الراكعين) (4)، وقال سبحانه: (حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى وقوموا لله قانتين) (5).
باب القول في الاذان وذكره في القرآن
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله تبارك وتعالى:
---
ص 83 (1) البينة 5.
(2) البقرة 138.
(3) طه 132.
(4) البقرة 42.
(5) البقرة 138.
---
[ 84 ] (1/84)
(وإذا ناديتم إلى الصلوة اتخذوها هزؤا ولعبا ذالك بأنهم قوم لا يعقلون) (6)، وقال سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلوة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون،) (7). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الاذان والاقامة مثنى مثنى، والاذان أن يقول المؤذن: الله أكبر الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا اله إلا الله. أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلوة، حي على الصلوة. حي على الفلاح، حي على الفلاح. حي على خير العمل، حي على خير العمل، الله أكبر، الله أكبر. لا إله إلا الله، وكذلك في الاقامة عندنا مثنى مثنى، فإذا قال حي على خير العمل، قال قد قامت الصلوة، قد قامت الصلوة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وقد صح لنا أن حي على خير العمل كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله يؤذن بها، ولم تطرح إلا في زمن عمر بن الخطاب فإنه أمر بطرحها، وقال: أخاف أن يتكل الناس عليها وأمر باثبات الصلاة خير من النوم مكانها. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: والاذان فأصله أن رسول الله صلى الله عليه وآله علمه ليلة المسرى، أرسل الله إليه ملكا فعلمه إياه، فأما ما يقول به الجهال من أنه رؤيا رآها بعض الانصار فأخبر بها النبي صلى الله عليه وآله فأمره أن يعلمه بلالا فهذا من القول محال
---
ص 84 (6) المائدة 58.
(7) الجمعة 19.
---
[ 85 ] (1/85)
لا تقبله العقول لان الاذان من أصول الدين وأصول الدين فلا يعلمها رسول الله صلى الله عليه وآله على لسان بشر من العالمين. حدثني أبي عن أبيه في الاذان والاقامة قال: قد اختلف في ذلك وأصح ما سمعناه فيه أنه مثنى مثنى. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ويستحب لمن سمع الاذان أن يقول كما يقول المؤذن، فإذا بلغ حي على الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك، وجل ثناؤك، وتعالى جدك، ولا اله غيرك، فإذا قال: حي على الفلاح قال: اللهم اجعلنا من المفلحين الآمنين الفائزين في يوم الدين، فإذا قال: حي على خير العمل، قال اللهم: اجعلنا ممن يؤديها على ما تحب من أدائها، وممن يقيم حدودها، ويواضب عليها إنك سميع الدعاء، فإذا أقام الصلوة، فقال: قد قامت الصلوة، قال: اللهم اهدنا للصواب من أعمالنا، ووفقنا لما يرضيك عنا، وصل على محمد نبينا، وعلى أهل بيته الطيبين الاخيار، الصادقين الابرار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
باب القول في أجر المؤذن
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس بأن يأخذ المؤذن على أذانه أجرا أو برا إذا لم يشترط في ذلك شرطا به يؤذن إن فاته لم يؤذن، ولا بأس بالتطريب في الاذان إذا أتم المؤذن أذانه وبين قوله ومقاله. حدثني أبي عن أبيه في التطريب في الاذان، قال: لا بأس بالتطريب في الاذان إذا أتم وبين، ولا بأس بأخذ الجعل على الاذان إذا لم يعقد على ذلك عقدة مشارطة.
---
[ 86 ] (1/86)
باب القول في الاذان قبل طلوع الفجر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز الاذان قبل الفجر، إنما الاذان لاوقات الصلوات الخمس المفروضات اللواتي يدعا فيهن إلى الصلوات الناس ويحضون عليهن، فأما في غير وقت الصلاة وقبل دخول وقتها فلا ينبغي أن يؤذن في ذلك الوقت لما فيه من التخليط على الناس والالتباس، وقد روي أن بلالا أذن بليل فدعاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (ما حملك على أن تجعل صلوة الليل في صلاة النهار، وصلاة النهار في صلاة الليل، عد فناد إن العبد نام) فصعد بلال وهو يقول ليت بلالا ثكلته امه وابتل من نضخ دم جبينه، قال: فنادى بلال إن العبد نام فلما طلع الفجر أعاد، وبلغنا عن زيد بن علي رحمة الله عليه أنه قال: من أذن قبل طلوع الفجر فقد أحل ما حرم الله وحرم ما أحل الله، وبلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: من أذن قبل طلوع الفجر أعاد ومن أذن قبل الوقت أعاد.
باب القول في الاذان على غير وضوء والكلام في الاذان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يؤذن المؤذن وهو على غير ضوء ولا يقيم إلا على وضوء وطهور لانه ليس بعد الاقامة إلا الصلوة ولا نحب له أن يدعو إليها إلا وهو على تهيئة لها. وقال: لا يتكلم المؤذن في الاذان ولا في الاقامة إلا من ضرورة تضطره إلى ذلك. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: لا يتكلم المؤذن في أذانه ولا في اقامته إلا من ضرورة أو حاجة لابد له منها.
---
[ 87 ] (1/87)
باب القول في أذان الاعمى وولد الزنا والمملوك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يؤذن هؤلاء كلهم إذا كانوا من أهل الدين والمعرفة واليقين، ولا بأس أن يؤموا ويصلوا بالناس. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولا بأس بأن يؤذن الرجل ويقيم آخر إذا اضطروا إلى ذلك، حدثني أبي عن أبيه أنه قال: لا بأس بأذان الاعمى قد كان ابن أم مكتوم يؤذن للنبي صلى الله عليه وآله وهو أعمى، ولا بأس أن يؤذن ويؤم الاعمى وولد الزنا والمملوك إذا كانوا من أهل الطهارة والعفاف، حدثني أبي عن أبيه أنه قال: لا بأس أن يقيم الصلوة للقوم غير مؤذنهم الذي أذن لهم إذا اضطروا إلى ذلك. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ليس على النساء أذان ولا إقامة لان الاذان والاقامة دعاء إلى الصلوة ولا يدعو إليها إلا من يؤم كل من حضر من النساء والرجال، والنساء لا يصلين بالرجال، والدعاء إلى الصلاة فلا يكون إلا برفع الصوت، والنساء فإنما أمرن بالتستر، وعليهن من ستر أصواتهن ما عليهن من ستر وجوهن وزينتهن.
باب القول في تسمية الصلوات وعدهن في الكتاب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله سبحانه: (أقم الصلوة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) (8)، فكان قوله سبحانه (لدلوك الشمس) (9) فرضا لصلوة الظهر ودلوكها فهو زوالها، وكان قوله سبحانه (إلى غسق
---
ص 87 (8) الاسراء 79.
(9) الاسراء 79.
---
[ 88 ] (1/88)
الليل) (10) دليلا على فرض المغرب، وغسق الليل دخوله، ودخوله فهو ظهوره، وظهوره فهو ظهور الكواكب كواكب الليل التى لا ترى إلا في الظلام، لا كواكب النهار الدرية التي قد ترى نهارا في كل الايام، ولذلك وفيه ما قال الله وذكر عن نبيه ابراهيم صلى الله عليه حين يقول: (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا) (11) فذكر أن علامة الليل وغشيانه ظهور كوكب من كواكبه وما لم يغسق الليل ويجن وتبين بعض الكواكب فلا تجوز الصلاة ولا الافطار وكان قوله (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) (12) دليلا على فرض صلاة الصبح، ولا تجوز صلاة الصبح حتى يعترض الفجر ويتبين وينتشر نوره وضوءه في الافق فإذا انتشر وأنار واستطار وأضاء لذوي الابصار وجبت الصلوة على المصلين وبذلك حكم رب العالمين، ثم قال: (والعصر إن الانسان لفي خسر) (13) فذكر العصر باسمها فدل بذكره اياها، وقسمه بها على توكيد ما بين رسول الله صلى الله عليه وآله من فرضها، ثم قال: (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا) (14)، ثم قال: (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرأوا ما تيسر من القرآن) (15) فامرهم بالقراءة لما تيسر من القرآن في قيامهم وصلاتهم، فدل بما افترض عليهم من القراءة
---
ص 88 (10) الاسراء 79.
(11) الانعام 76.
(12) الاسراء 78.
(13) العصر 1 - 2.
(14) المزمل 1 - 2.
(15) المزمل 20.
---
[ 89 ] (1/89)
في أي هذه الاوقات كان قيامهم فيه - على فرض العتمة التي بينها الرسول عليه السلام وهي العشاء التي سماها الله في قوله (ومن بعد صلوة العشاء) (16)، والعشاء فهي التي يدعوها الناس العتمة، فهذه الخمس الصلوات اللواتي افترض الله سبحنه على المؤمنين، وهذه الاوقات فأوقات لهن ودلالات على عددهن وشواهد على ما سمي منهن.
باب القول في تحديد الاوقات للصلوات
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أول وقت الظهر زوال الشمس وميلانها، فإذا زالت الشمس ومالت واستبان زوالها فهو أول وقت الظهر، وأول وقت العصر حين يصير ظل كل شئ مثله في الطول، وأول وقت المغرب دخول الليل، ودخوله ظهور كوكب من كواكبه التي لا ترى إلا في غسق الليل وفي ذلك ما يقول الله سبحانه فيما حكى عن نبيه ابراهيم الاواه الحليم حين يقول (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا) (17) وأول وقت العتمة غيبوبة الشفق، والشفق فهو الحمرة لا البياض، لان البياض لا يغيب إلا بعد ذهاب جزء من الليل كثير والحمرة فتغيب لمقدار سبع من الليل (18) وهو أول وقت العتمة. وأول وقت الصبح طلوع الفجر وسطوعه واعتراضه ونوره، فهذه أوقات للمقيمين أهل عمارة المساجد من المصلين، وما بين هذه الاوقات فوقت لما فيهن من الصلوات، فما بين زوال الشمس إلى اصفرارها، والخوف من ذهابها، فوقت الظهر والعصر لمن كان مريضا أو خائفا أو مشتغلا بشغل من أمر الله سبحانه، وللمرأة الحائض ترى الطهر في آخر النهار وفيما ذكرنا من الاصفرار،
---
ص 89 (16) النور 58.
(17) الانعام 76.
(18) قال في حاشية الام الصواب نصف السبع وهو هكذا في بعض النسخ.
---
[ 90 ] (1/90)
وكذلك المرأة لو رأت الطهر في آخر وقت من النهار يمكنها فيه أن تطهر وتصلي خمس ركعات وجب عليها أن تصلي الظهر والعصر معا وإن غربت الشمس في باقي صلاة عصرها. وكذلك المغمى عليه من المرض لو أفاق في وقت يصلي فيه خمس ركعات وجب عليه أن يصلي الظهر والعصر معا والنهار كله وقت لمن كان في شئ مما ذكرنا، كما الليل كله وقت سواء إذا كان إلى ذلك مضطرا، وفي أن الليل كله وقت لصلاة الليل من المغرب والعشاء الآخره ما يقول الله لنبيه صلى الله عليه وآله: (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا) (19) فكان ذلك من الله عزوجل توقيتا لما افترض من الصلاة في الليل من المغرب والعتمة فرضا، والدليل علي أنه عنى بذلك الفرض قول الله سبحانه من بعد ذلك (والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرأوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرأوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) (20) فدل سبحانه بقوله (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكوة) (21) على أن ذلك من الصلوة فرض كفرض ايتاء الزكوة إذ ضمه إليها، ولو كانت صلوة النافلة لم يضمها إلى الزكوة المؤكدة، وكذلك وجدنا الله سبحانه يقول في كل ما ذكر فيه الصلوة والزكوة من القرآن، فلم يذكر صلوة مع زكوة إلا وهي صلوة فريضة مؤكدة كتأكيد الزكوة، فدل بذلك على أنها صلاة الفريضة المفترضة، ولو كان ذلك ذكر نافلة لذكر الله سبحنه أمرها، كما ذكر أمر غيرها من النوافل،
---
ص 90 (19) المزمل 1.
(20) المزمل 20.
(21) المزمل 20.
---
[ 91 ] (1/91)
وما جعل لنبيه بها وفيها من القربة إليه فقال سبحانه: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) (22) فجعل تبارك وتعالى بين أمره بالفريضة والنافلة والاباحة فصولا بينة، وحدودا واضحة.
باب القول في افتتاح الصلاة وتحريمها وتحليلها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: مفتاح الصلوة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم، ولا تجزي صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وقرآن معها. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أحسن ما سمعنا في الافتتاح وما نراه أن يستقبل المصلي القبلة ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، ثم يقول وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، ثم يقول: الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل، ثم يكبر فيقول: الله أكبر، ثم يقرأ فيبتدي ببسم الله الرحمن الرحيم، فهذا أحسن ما سمعنا في الافتتاح وما تخرجه جدي القسم بن ابراهيم رضي الله عنه من القرآن وذلك أن الله سبحانه أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وآله فقال: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا)، (23) يقول لا تجهر بالقراءة في صلوات الظهر والعصر، ولا تخافت بالقراءة في صلوة المغرب والعشاء والفجر وابتغ بين ذلك سبيلا أي فصلا تفصل بينهن بذلك، ثم قال يأمره إذا
---
ص 91 (22) الاسراء 79.
(23) الاسراء 110.
---
[ 92 ] (1/92)
أراد الدخول في الصلاة: (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل) (24) ثم أمره أن يكبر ويفتتح الصلاة بالتكبير فقال: (وكبره تكبيرا) (25) وهو أن يقول المصلي الله أكبر، ثم يقرأ فيبتدي بفاتحة الكتاب، ويتلوها بسورة مما تيسر من القرآن فهذا أصح ما عندنا في الافتتاح وأحسنه وأشبهه بالتنزيل. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: التعوذ ثم الافتتاح ثم يقول الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل، ثم التكبير من بعد الافتتاح كله، ولسنا نرى أن يفتتح بعد التكبير مصل لان الله أمر بالافتتاح قبل التكبير في قوله.
(وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل) (26) ثم قال: (وكبره تكبيرا) (27) فأمره بالتكبير من بعد الافتتاح فلذلك قلنا أنه ليس بعد التكبير إلا القراءة. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: الافتتاح قبل التكبير، والتكبير بعد الافتتاح وذكر الآية وكبره تكبيرا. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولا نرى أن يرفع المصلي يديه عند التكبير في الاولى ولا في غيرها من ركوع ولا سجود وفي ذلك ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (ما بال قوم يرفعون أيديهم كأنها أذناب خيل شمس لان لم ينتهوا ليفعلن الله بهم وليفعلن).
---
ص 92 (24) الاسراء 111.
(25) المزمل 20.
(26) الاسراء 111.
(27) المزمل 20.
---
[ 93 ] (1/93)
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: حدثني أبي عن أبيه أنه قال: لا ترفع اليدان عند التكبير، ولتسكن الاطراف، لان الصلوة إنما هي خشوع لله وخضوع، والتسكين أقرب إلى الخضوع والخشوع، وأشبه بالتذلل لله سبحانه.
باب القول في الدخول في الصلوة والعمل فيها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من قام في صلوته فافتتح ثم كبر وجب عليه أن يقرأ بأم الكتاب وبما تيسر من السور معها، ثم يكبر ويركع فيقول في ركوعه سبحان الله العظيم وبحمده ثلاثا، ثم يرفع رأسه من ركوعه، ويقول سمع الله لمن حمده فإذا اعتدل قائما خر لله ساجدا ثم قال: الله أكبر، ثم يسجد فيمكن جبهته من الارض ووضع أنفه مع جبهته على الارض، وخوى في سجوده، ومد ظهره، وسوى آرابه ونصب قدميه وجعل كفيه حذاء خديه وفرج آباطه وأبان عضديه ومرفقيه عن جنبيه، ثم قال: في سجوده سبحان الله الاعلى وبحمده ثلاثا، ثم قعد فافترش قدمه اليسرى ونصب قدمه اليمنى فإذا اطمأن على قدمه اليسرى قاعدا كبر وسجد السجدة الثانية فسبح فيها بما سبح به في السجدة الاولى وفعل فيها ما فعل في الاولى ثم ينهض بتكبيره حتى يستوي قائما ثم يقرأ بفاتحة الكتاب وبما تيسر له من سور المفصل أو ما أحب من القرآن كما قال: الله تبارك وتعالى (فاقرؤا ما تيسر من القرآن) (28) وقد قيل إنه يجزي مع الحمد أن يقرأ المصلي ثلاث آيات من أي القرآن شاء وقال: من قرأ ثلاث آيات إنه قاس ذلك على سورة إنا أعطيناك الكوثر فقال هي ثلاث آيات وأحب ما في ذلك الينا نحن أن يقرأ مع فاتحة
---
ص 93 (28) المزمل 20.
---
[ 94 ] (1/94)
الكتاب بسورة كاملة من المفصل ثم يخر راكعا بتكبيره فيطا من ظهره في ركوعه، ويفرج آباطه، ويسوي كفيه على ركبتيه، ويستقبل بهما القبلة ولا يحرفهما على شئ من جوانب ركبتيه، ويعدل راسه ولا يكبه إلى الارض جدا، ولا يرفعه إلى السماء رفعا، يبتغ بين ذلك سبيلا حسنا، ويسبح في ركعته هذه بما سبح به في الركعة الاولى، ثم يرفع رأسه من ركوعه فيقول سمع الله لمن حمده، فإذا اعتدل قائما حتى يرجع مفاصل ظهره إلى مواضعها كبر وخر ساجدا ففعل في سجوده في الركعة الثانية كما فعل في سجوده في الركعة الاولى سواء سواء.
باب القول فيما يقال في الجلوس الاول في الركعتين الاولتين من كل أربع أو ثلاث
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا جلس المصلي في الركعتين الاولتين من الظهر، أو في الركعتين من العصر، أو في الركعتين من المغرب، أو الركعتين من العشاء الآخرة، فأحسن ما سمعنا وما نرى أن يتشهد به المصلي في جلوسه أن يقول: بسم الله وبالله والحمد لله والاسماء الحسنى كلها لله أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. ثم ينهض فيستوي قائما.
باب القول في العمل في الركعتين الآخرتين من كل أربع والركعة الثالثة من المغرب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الذي صح لنا عن أمير المؤمنين رحمة الله عليه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يسبح في الآخرتين يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر يقولها ثلاث مرات، ثم يركع، وعلى ذلك رأينا مشائخ آل الرسول صلى الله
---
[ 95 ] (1/95)
عليه وعليهم، وبذلك سمعنا عمن لم نر منهم، ولسنا نضيق على من قرأ فيهما بالحمد ولكنا نختار ما روي لنا عن أمير المؤمنين رحمة الله عليه، وذلك أنا نعلم أنه لم يختر ولم يفعل إلا ما اختاره رسول الله صلى الله عليه وآله وفعله، ورسول الله صلى الله عليه وآله فلم يفعل إلا ما أمره الله عزوجل بفعله واختاره له في دينه. حدثني أبي عن أبيه القسم بن ابراهيم عليه السلام أنه قال: يسبح في الركعتين الآخرتين وقال: على ذلك رأينا مشائخ آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك روي لنا عن أمير المؤمنين رحمة الله عليه أنه قال: يسبح في الآخرتين يسبح في كل ركعة ثلاثا يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
باب القول في إيجاب الحجة بالتسبيح في الركعتين الآخرتين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يقال لمن قال إنه لا يجوز التسبيح في الركعتين الآخرتين من الظهر والعصر والعتمة والثالثة من المغرب، وقال: ان الفرض في ذلك القراءة بالحمد: ما حجتك في ذلك؟ وما علمك بأن ذلك كذلك؟ فان قال: لان الله يقول فاقرؤا ما تيسر من القرآن، قيل له: أو لم يقرأ في صلاته بما تيسر من القرآن من قرأ في الركعتين الاولتين، وقد نعلم أن من قرأ في الركعتين الاولتين من كل صلاة فقد قرأ فيها فيها بما تيسر من القرآن إلا أن تكون معك آية يرحمك الله توجب بها القراءة في كل ركعة نصا وأن الله فرض ذلك على الخلق فرضا فأما إن لم تجد معك لذلك من قولك دليلا، ولم تنل إلى اثباته سبيلا، فلا حجة لك على من قرأ في الركعتين الاولتين وسبح في الآخرتين لانه قد قرأ بما تيسر كما أمره الله العلي الاكبر فإن قال: ومن حجتي في ذلك
---
[ 96 ] (1/96)
إيضا ما قد روى عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله (كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج) قيل له قد احتججت في ذلك بغير ما احتجاج ألا ترى أنك تقول صلى فلان العصر وصلى فلان الظهر تريد بقولك أنه صلى العصر أي صلى أربع ركعات معا، وكذلك الظهر تريد صلى أربعا وفقا ولو صلى ثلاثا العصر أو صلى ركعتين الظهر في حضر لم تقل أنه صلى عصرا ولم يجزأ أيضا أن تقول انه صلى ظهرا لانه صلى العصر ثلاث ركعات وهي أربع متتابعات، وكذلك الظهر فلا تكون في الحضر اثنتين فقد بان لك في كلتا الحالتين أنهن أربع متتابعات مجتمعات غير ناقصات ولا متفرقات تمام أولهن معقود بتمام آخرهن، وتمام آخرهن معقود بتمام أولهن، فإذا كان ذلك كذالك فقد صح ما قلنا به من ذلك، وثبت أن من قرأ في أول الصلاة أو في بعضها فقد أدى ما أمر به من فرضها من القراءة بما تيسر فيها، وأتى بما أمر منها وليست تلك الصلاة بخداج لانه قد قرأ فيها إذا كان قد قرأ في بعضها، ألا ترى أن العرب تقول رمى فلان بسهم أو سهمين في العسكر فقالت: رمى في العسكر وإنما رمى في بعض العسكر فجاز ذلك عندهم في القول والخبر، وكذلك تقول العرب أنخنا البارحة بالروحاء، وإنما أناخت في جانب منها، وتقول رمى فلان بحجر أو حجرين في دار فلان وإنما رمى به في بعضها أو في ناحية منها، فقالت فيها: إذا كانت متصلة معا كلها أو بعضها معروف ببعضها، فعلى هذا من القول والمعنى ما يخرج قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج) الا أن تكون معك حجة من كتاب الله، أو رواية مجمع عليها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: كل ركعة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج فتظهر لك الحجة علينا، وتفسد بذلك ما في أيدينا وإلا فقد قام من قرأ في
---
[ 97 ] (1/97)
الاولتين، وسبح في الآخرتين بما قال الله عزوجل من قوله: (فاقرؤا ما تيسر من القرآن) (29) بأوضح ما يكون من الحجة والبرهان ثم يقال لمن قال ذلك: ألسنا وإياكم مجمعين، والناس معنا أجمعون على أنه لا يجهر في الآخرتين من كل أربع وفقا ولا في الثالثة من المغرب أصلا فلا يجد بدا من أن يقول نعم نحن وغيرنا مجمعون معك على ذلك وبه قائلون، فإذا قال: ذلك وكان الامر عنده كذلك قيل له، فهل في القرآن فيما نزل الله من النور والبرهان شئ هو أعظم من سورة الحمد لانها أم الكتاب ولما فيها من أسماء الله رب الارباب وتوحيده جل جلاله وتقدست سبحانه أسماؤه وفيما عظم الله من قدرها وشرف سبحانه من أمرها ما يروى عن النبي صلى الله عليه وآله فيها أنه قال: (والذي بعثني بالحق نبيا ما في التوراة ولا في الانجيل الكريم ولا في الزبور ولا في الفرقان العظيم مثلها وانها للسبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته) ومن ذلك ما يروى (أنها لم تقرأ على مريض قط الا شفي ولم يقرأها مكروب إلا كفي ونجي ولا توسل بها أحد إلى الله سبحانه إلا أعطي) فإذا قال: إنها لكذلك وعلى أفضل من ذلك قيل له فإذا كانت عندكم كذلك فلم أخفيتموها ولم تجهروا في صلاة الليل بها فيما تقرأونها فيه وغيرها وبأي سبب قرأتموها في الآخرتين ولم تجهروا بها وهي أعظم ما به نقرأ وتقرأون وفيها من الروايات ما نروي وتروون، فإن قال: نحن لم نخفها وإنما أتبعنا الرواية في ترك الجهر بها في الآخرتين، وجهرنا بها وبغيرها في الاولتين قيل له أنت رويت وأصحابك ذلك، وغيركم فليست الرواية عنده فيها كذلك، وهذا أمر لم نجمع نحن وأنتم عليه بل نحن فيه على خلاف ذلك نقتدي به ونرويه، وأنت فلا تجد
---
ص 97 (29) المزمل 20. في نسخة ثم يقال له من بعد ذلك.
---
[ 98 ] (1/98)
لنفسك حجة تزيح بها ما تكره من قولنا وتنفيه، وتدفع بها فاحش ما ألزمناك في مخافتتك بها وترك الجهر بقراءتها فكيف تنسبه وقد استفظعته من قولك وكرهته من نفسك إلى نبيك صلى الله عليه وآله، أقم لنا بذلك حجة وتبيانا وأثبت لنا على قولك شاهدا وبرهانا فإن قال: حجتي أن الله يقول: لنبيه عليه السلام (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا) (30) فجهرنا في بعض الصلوة وخافتنا في بعضها بالقراءة، قيل له إن معنى قول الله سبحانه ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا إنما هو في الاوقات والصلوات أنفسها، وفيما فرق الله به بين الساعات من الليل والنهار والاوقات والسبيل بين هذين الحالين فهو الاوسط من الامرين، لا ما ذهبت إليه من التفرقة بين ما جمع الله سبحانه من الركعات فأمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله أن يجهر فيما قرأ فيه من صلاة الليل والاسحار وأمره أن يخافت فيما قرأ فيه من جميع صلاة النهار لقوله وابتغ بين ذلك سبيلا، وقد يحتمل أن يكون معنا ذلك نهيا منه سبحانه لرسوله صلى الله عليه وآله عن الجهر الشديد الفظيع الذي ينكره السامعون وعن المخافتة التي لا يستمعها المستمعون فأمره جل جلاله، عن أن يحويه قول أو يناله أن يبتغي بين هاتين المنزلتين سبيلا وأن يقول في القراءة قولا وسطا وقيلا، والسبيل بين هاتين الحالتين فهو الوسط من الامرين، ولو كان كما ذكرت أنه أمره أن يجهر بالقراءة في الركعتين الاولتين وأن يخافت فيما سوى ذلك من الآخرتين للزمه أن يجهر في الاولتين من الظهر والعصر كما يجهر في الاولتين من المغرب والعشاء سواء سواء، لان الآية لم تبين ليلا من
---
ص 98 (30) الاسراء 110. في نسخة لم يتبين نهارا من ليل ولا ليلا من نهار.
---
[ 99 ] (1/99)
نهار، ولا نهارا من ليل، وإلا فما الفرق بين ذلك؟ وما حجتك في ترك الجهر نهارا إن كان ذلك كذلك فلا تجد بدا من الرجوع إلى ما به قلنا والاقرار لنا بما ذكرنا أو المقام على الباطل والمحال والتعلق بما لا حجة فيه من فاحش المقال فلما أن صح إجماعنا وإجماعكم وثبت مقالنا ومقالكم على أن الرسول صلى الله عليه وآله لم يسمع منه قراءة في الركعتين الآخرتين، وأنه خافت بما قال: من القول فيهما باجماع المسلمين علمنا أنه لم يقرأ فيهما قرآنا ولم يتل فيهما فرقانا وأنه لو كان قرأ شيئا من كتاب الرحمن لجهر به وأبانه غاية البيان لانه كله نور وهدى وضياء مستبين وشفاء وليس فيه شئ حقير يخفى، وانما جعل الله القرآن منفعة لكل انسان وأمر نبيه بتبيينه للعالمين، وإيقاره في آذان السامعين، وأمر العباد بالاستماع له والانصات، والاعتبار بما يستمعون فيه من البينات، والتصديق بما ينطق به نواطق الآيات، والقرآن فأعظم وأجل من أن يخافت ببعض قراءته أو يخفى على السامعين شئ من آياته فلما أسر رسول الله صلى الله عليه وآله قوله في الركعتين الآخرتين علمنا أنه قد ذكر الله فيهما بغير ما ذكره في الاولتين قبلهما، فذكره سبحانه في الاولتين بالقرآن فجهر، وذكره في الآخرتين بالتسبيح فستر ليفرق صلى الله عليه وآله وسلم بين التسبيح والقرآن تعظيما منه لما عظم الله من منزل الفرقان الذي جعله حجة، وهدى لكل انسان فكان إخفاؤه في الآخرتين لما يقول دليلا على أنه ذكر الله عزوجل بغير القرآن من القول وأنه سبح كما قال: من قال بالتسبيح، ألا ترى أن الصلوة كلها بنيت على اللفظ فيها بستة أصناف من القول والكلام لا يجوز غيرهن في القعود والقيام ولا ينطق فيها بسواهن، ولا يتكلم أبدا بغيرهن.
(فأولهن) الدعاء إلى الصلوة وهو الآذان وذلك قول الله سبحانه
---
[ 100 ] (1/100)
(يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون).
(31) و (الثاني) الافتتاح وهو أن يقول المتوجه للصلوة: (32) الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا، ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن ولي من الذل، وذلك قول الله عزوجل لرسوله صلى الله عليه وآله (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل).
(33) و (الثالث) التكبير وهو تحريمها وذلك أمر الله لنبيه من بعد الافتتاح بالتكبير فقال: من بعد قوله ولم يكن له ولي من الذل (وكبره تكبيرا) (34) فأمره بالتكبير. و (الرابع) فهو القراءة فيها وذلك قوله عزوجل فأقرأوا ما تيسر من القرآن. و (الخامس) التسبيح وذلك قوله سبحانه (سبح اسم ربك الاعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى).
(35) و (السادس) تحليلها وهو التسليم وذلك قول الله سبحانه (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) (36) يريد بقوله قضيت فرغ من أداء (37) فرضها وحل بالتسليم ما كان حراما فيها من كلام المتكلمين وغيره من أفعال الفاعلين
---
ص 100 (31) الجمعة 9.
(32) في نسخة إلى الصلاة.
(33) الاسراء 111.
(34) المزمل 20.
(35) الاعلى 1.
(36) الجمعة 20.
(37) في نسخة: أدائها.
---
[ 101 ] (1/101)
فكان الآذان معلوما، والافتتاح فبين مفهوم، والتكبير فمسموع بين البرهان، والقراءة في صلوة الليل فمجهور فيها بأبين البيان، (38) وكان التسبيح مخافتا به على كل - الحالات في السجدات من الصلوة والركعات، والتسليم فظاهر مسموع غير مسر به ولا مكتوم، وحده عند الامة كلها معروف بذلك مفهوم، فلما أن عرفنا جميع ما يتكلم به للصلوة وفيها ويدعون الداعون إليها لم نجد شيئا مما يتكلم به لها وفيها يخافت به إلا التسبيح فقط والافتتاح، وقد قيل إنه لا يضيق على المفتتح أن يجهر بالافتتاح ووجدنا النداء يجهر به والتكبير والقراءة والتسليم ولم نجد التسبيح أبدا إلا مخافتا به، سنة فيه ماضية وعليه من الرسول صلى الله عليه وآله جارية ثم وجدنا الرسول صلى الله عليه وآله قد خافت في الركعتين الآخرتين فعلمنا، أنما روي لنا من التسبيح عنه فيهما حق من كلتا الجهتين: جهة الرواية عن الثقاة من آل الرسول وجهة ما تبين لنا في العقول لانه خافت فيهما بقوله ولا يخافت في الصلوة الا بالتسبيح كما يخافت به في الركوع والسجود فوجدنا التسبيح مخافتا به أبدا راكعا وساجدا ووجدناه صلى الله عليه وآله قد خافت في بعض الركعات فعلمنا أنه قد قال: فيهما ما يقول في الركوع والسجود مما يخافت به من التسبيح للواحد المعبود، فهذا إلى قوله سبحانه: (أقم الصلوة لذكرى) (39) يريد أقم الصلاة بذكرى وأفضل الذكر بعد القراءة ما اختاره من التسبيح الواحد الرحمن. وهو ما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أنه كان يسبح به في الآخرتين، وهو سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، يقول ذلك ثلاث مرات فكل ذلك يصح لنا به
---
ص 101 (38) بيان.
(39) هود 114.
---
[ 102 ] (1/102)
الرواية عن سلفنا وتصحح لنا التسبيح في الآخرتين من صلاتنا وفيما احتججنا به من الحجج ما أغنى وكفى من أنصف من ذوي العلم والحجى. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عما يقال: في الركعتين الآخرتين من كل أربع من الصلوات؟ فقال: يسبح فيها بسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وكذلك روي لنا عن علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أنه كان يسبح فيهما. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لم يفعل ذلك أمير المؤمنين حتى أيقنه من فعل خاتم النبيين. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: فإذا جلس في آخر صلاته الاربع أو الثلاث قال: بسم الله وبالله والحمد لله والاسماء الحسنى كلها لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم إنك حميد مجيد، ثم يسلم، وينصب إلى الله بما شاء من الدعاء. وكذلك حدثني أبي عن أبيه في التشهد وكان يرويه عن زيد بن علي رحمة الله عليه عن آبائه عن علي بن أبي طالب رحمة الله عليه.
باب القول في تفسير الوقوف في الصلوة مع الامام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا صلى الامام برجل واحد فليقف الرجل عن يمين الامام، فإن كانا اثنين اصطفا وراءه صفا وتقدمها وصلى بهما، وإن كانوا جماعة اصطفوا وراءه صفا أو صفين أو أكثر على قدر ما يكون الناس وسعة المكان، وسووا بين مناكبهم ولم
---
[ 103 ] (1/103)
يتركوا بينهم خللا، ولا يختلفوا في مواقفهم فانه بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (أقيموا صفوفكم ولا تختلفوا فيخالف الله بين قلوبكم). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولا يجوز للرجل أن يصلي بالنساء ولا رجل معهن، فإن كان معهن رجل فلا بأس أن يصلي به وبهن، يقف الرجل عن يمين الامام ويصطف النساء من ورائهما صفا واحدا، وإن كانت امرأة واحدة ورجل واحد وقف الرجل عن يمين الامام ووقفت المرأة من وراء الامام فان كان مع الرجل والمرأة خنثى فإن كان بول الخنثى سبق من الذكر فهو ذكر، اصطف هو والرجل وراء الامام ووقفت المرأة من ورائهما، وإن سبق بوله من الفرج فهو أنثى فليقف الرجل عن يمين الامام، واصطفاهما من وراء الامام فان أتى البول من الفرجين جميعا فهو خنثى لبسة فليقف الرجل عن يمين الامام، وليقف الخنثى من وراء الامام، ولتقف المرأة من وراء الخنثى، فإن حدث بالامام حدث فليخرج وليتم كل واحد من هؤلاء صلوته لنفسه ولا يقدم الرجل الذي عن يمينه مكانه ليتم صلوته لانه إذا قدمه فقد صلى الرجل بالمرأة والخنثى ولا يجوز لرجل أن يصلي بمرأة ولا يكون معها رجل إلا أن يكون رجل يصلي بأهله فلا بأس أن يصلي الرجل بأهله وحرمه في منزله صلوة نافلة فقط فان كان مع الامام رجلان وخنثيان لبسة وامرأتان، فليتقدم الامام وليصطف الرجلان من ورائه ثم ليقم الخنثيان، من وراء الرجلين، ولتقم المرأتان من وراء الخنثيين، فإن حدث بالامام حدث ينقض وضوءه فليقدم أحد الرجلين فيوقفه مكانه وليرجع الرجل الآخر فليقف عن يمين صاحبه، ثم ليتم به الصلوة ولا يعتد بالركعة التي فسد فيها الوضوء على الامام.
---
[ 104 ] (1/104)
باب القول في صلوة النساء بعضهن ببعض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يصلي النساء بعضهن ببعض، وتؤمهن أطهرهن وأعفهن وأقرأهن لكتاب ربهن، ولتكن التي تؤمهن واقفه في وسط صفهن وهن على يمينها وعن يسارها، ولا تتقدم أمامهن، فإن كانتا امرأتين فأمت احداهما الاخرى فلتقف المؤتمة عن يمين الامة، وان كن ثلاثا وقفت التي تؤمهن بينهما متوسطة عليهما ووقفت واحدة عن يمينها والاخرى عن يسارها، وكذلك فلتؤمهن المملوكة والعمياء إذا كانتا من أهل العفة والثقة والتقوى وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه دخل على أم سلمة وعندها نسوان يصلين أو قد صلين فقال لها: صلى الله عليه وآله (ألا أممتهن) فقالت: يارسول الله أيصلح ذلك. قال: (نعم لا هن أمامك ولا خلفك ولكن عن يمينك وعن شمالك).
باب القول فيما روي عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله كل صلوة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: كل صلوة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج، وكذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أنه قال: كل صلوة بغير قراءة فهي خداج. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: والخداج فهي الناقصة التي لم تتم وما لم يتم فهو باطل.
---
[ 105 ] (1/105)
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وإنما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك الصلاة كلها الاربع والثلاث، فأما إذا قرأ في ركعة أو ركعتين من تلك الصلاة فليست بخداج وهي تامة لان رسول الله صلى الله عليه وآله إنما أبطلها إذا لم يقرأ شئ من القرآن في بعضها، وعلى ذلك اجماع آل الرسول صلى الله عليه وآله كلهم مجمع على أن من نسي القراءة في إحدى ركعتيه سجد سجدتي السهو وكانت صلوته تامة إذا كان قد قرأ في بعض الركعات.
باب القول في الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا صلوة عندنا لمن لم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، والحجة عندي في ذلك أنها لا تخلو من أن تكون آية من القرآن أو لا تكون آية، فإن كانت آية فهي من القرآن يجب أن تقرأ عند قراءة الحمد، وهي آية ثابتة في كل سورة من القرآن كررها الله تبارك وتعالى فيهن وجعلها مفتاحاو أولا لهن وكان تكريره اياها تعظيما منه سبحانه لها لانها كلها أسماؤه العظام وذكر لذي الجلال والاكرام فإذا كان ذلك كذلك فلا يجوز أن تطرح، ولا أن يخافت بها لانها من كل سورة أولها ومبتدأها، ومتى خوفت بها في الحمد فقد انتقصت وغيرت ولم يجهر بها كلها إذ قد خوفت ببعضها وأول السورة أولى بالاظهار والجهر به لانه مفتاحها مع ما ذكرنا وشرحنا في بسم الله الرحمن الرحيم من الفضل والتفضيل إذ كلها تمجيد وذكر وأسماء للواحد الجليل، وإن كانت ليست من القرآن فما ينبغي لاحد ولا يجوز أن يقرأها ولا يقولها في صلوته خافت بها أم جهر لانها إن كانت كذلك وحاشا لها أن تكون على ذلك زيادة في الصلوة وكلام ليس يجب الكلام به فيها.
---
[ 106 ] (1/106)
حدثني أبي عن أبيه القسم بن ابراهيم صلوات الله عليه عن أبي بكر بن أبي أويس عن الحسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب رحمة الله عليه قال: من لم يجهر في صلاته ببسم الله الرحمن الرحيم فقد أخدج صلاته. وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (كل صلاة لا يجهر فيها ببسم الله الرحمن الرحيم فهي آية اختلسها الشيطان).
باب القول فيما يكره في الصلوة من العمل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يكره للمصلي أن ينفخ في صلوته أو يشير أو يمسح جبهته من تراب السجود، أو يعبث بلحيته أو يفرقع أصابعه أو يرفع احدى رجليه في قيامه عن الاخرى أو يعبث بتنقية أنفه أو يلتفت في صلوته عن يمينه أو عن شماله، وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه نظر إلى رجل يعبث بلحيته في صلوته فقال: لو خشع قلب هذى لخشعت جوارحه. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولم أر أحدا من علماء آل الرسول صلى الله عليه وآله ولم أسمع عنه يقول آمين بعد قراءة الحمد في الصلوة، ولسنا نرى قولها في الصلوة لانها ليست من القرآن، وما لم يكن من القرآن فلا يجوز قوله ولا الكلام به في الصلوة لانسان، حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن قول آمين في الصلوة فقال: ما أحب أن تقال لانها ليست من القرآن.
---
[ 107 ] (1/107)
باب القول في العمل خلف الامام وما يقرأ فيه من الصلوة خلفه وما لا يقرأ
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يقرأ خلف الامام فيما جهر فيه ويقرأ فيما لم يجهر فيه لان الله سبحانه قد أمر بالانصات والاستماع، ومن قرأ فلم ينصت ومن لم ينصت فلم يستمع وذلك قول الله سبحانه (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) (40) فأمر تبارك وتعالى بالانصات والاستماع لقراءة الامام فلذلك قلنا إنه لا يجوز أن يقرأ خلف الامام فيما جهر فيه، فأما ما لم يجهر فيه من الصلوة فلابد أن يقرأ من خلف الامام فيه بالحمد وما تيسر من القرآن لان الانصات إنما يجب للاستماع فإذا لم يكن من الامام جهر يستمع بطل الانصات ووجبت القراءة فيما كان كذلك من الصلوات. حدثني أ بي عن أبيه القسم بن ابراهيم عليه السلام أنه كان يرى القراءة خلف الامام فيما خافت فيه ويكره القراءة خلفه فيما جهر فيه وكان يقول قد أمر الله سبحانه بالانصات والاستماع وإذا قرأ فلم يستمع ولم ينصت.
باب القول في القنوت وفي أي الصلوات هو
قال يحيى بن الحسين صلوات الله: لا نرى القنوت إلا في الصبح والوتر. والقنوت عندنا والذي نستحبه ولا نحب تركه، فقنوت الصبح. والقنوت عندنا من بعد الركوع، ولسنا نراه قبله وليس بعد القنوت عندنا إلا التكبير والانحطاط ساجدا. والقنوت سنة من تركها لم
---
ص 107 (40) الاعراف 204.
---
[ 108 ] (1/108)
يفسد عليه شئ من دينه ولا نحب له اغفاله ولا تركه ولسنا نقول إن وجوبه كوجوب غيره من فرائض الصلوات المعلومات. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن القنوت فقال: ليس بفريضة لازمة وهو سنة حسنة يستحب فعلها.
باب القول فيما يقال في القنوت
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أحب ما يقنت به الينا ما كان آية من القرآن، مما فيه دعاء وتمجيد وذكر الله الواحد الحميد مثل قول الله عزوجل (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين) (41) ويقول الله سبحانه (ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) (42) وإن شئت قنت بعد التسليم من الوتر بالقنوت الذي علمه النبي صلى الله عليه وآله ابنه الحسن بن علي رحمة الله عليه ويروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن قال: إن جبريل صلى الله عليه علم هذا القنوت النبي صلى الله عليه وآله فعلمه النبي صلى الله عليه وآله ابنه الحسن وهو: " اللهم اهدني فيمن هديت، وتولني فيمن توليت، وعافني فيمن عافيت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت "، قال: وزاد فيها رسول الله صلى الله عليه وآله (اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفة
---
ص 108 (41) البقرة 286.
(42) البقرة 201.
---
[ 109 ] (1/109)
والغنى وأعوذ بك من غلبة الدين وغلبة العدو) وهذا القنوت يقنت به بعد التسليم من الوتر، ولا نحبه قبل التسليم لانه ليس بقرآن ولا يقنت في الصلوة إلا بما كان من كتاب الله عزوجل وقد قيل مما روى في هذي القنوت عن رسول الله صلى الله عليه وآله كان قبل تحريم الكلام في الصلاة. ومن أحب أن يقنت بقنوت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قنت به بعد التسليم من الوتر كذلك كان أمير المؤمنين يقنت به وكان يقول: اللهم إليك رفعت الابصار، وبسطت الايدي وأفضت القلوب، ودعيت بالالسن، وتحوكم إليك في الاعمال، اللهم افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين، نشكو إليك غيبة نبينا وكثرة عدونا، وقلة عددنا، وتظاهر الفتن، وشدة الزمن، اللهم أعنا بفتح تعجله، ونصر نعزبه، وسلطان حق تظهره، اله الخلق آمين، وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقنت بهذا فيلعن رجالا يسميهم بأسمائهم منهم معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وأبو الاعور السلمي وأبو موسى الاشعري. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل قنوت يكون بغير القرآن فهو غير جائز ولا نرى القنوت في الفرض ولا في غيره إلا بالقرأن.
باب القول في لباس المصلي وما يجزى الرجال والنساء من اللباس
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجزى الرجل أن يصلي في ثوب واحد إن كان قميصا زره عليه، وإن كان رداء عقد طرفيه في قفاه وكذلك روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه صلى بالناس
---
[ 110 ] (1/110)
آخر صلاة صلاها في مرضه الذي قبض فيه في شملة خيبرية عاقدا بين طرفيها في قفاه. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولا يصلى في ثوب واحد حتى يكون ثوبا صفيقا لا يوصف المصلي ويكون سابغا ينحدر عن الركبتين ويقارب حد الوضوء من الكعبين، وينبغي لمن صلى في رداء أن يعقده ويرخي جوانبه على رؤوس منكبيه حتى تستتر هبرتاهما، وان كان المصلي في الرداء محرما لم يعقد طرفيه في القفا وردهما على صدره ردا حتى يستمسك على الكتفين الرداء ويستتر المنكبان بجوانبه معا. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ويجزي المرأة أن تصلي في رداء واحد غامر لرأسها وجسدها إذا لم يمكنها خمار تخمر به راسها، ويجب عليها أن ترد جوانب الرداء على ذراعيها وعضديها، وتلتف في الرداء التفافا ساترا لظهرها وبطنها ومناكبها ورأسها وصدرها وساقيها، وإن كان قميصا واحدا سابغا، وكانت إذا أدخلت رأسها في جيبه لم ينكشف من ورائها شئ من ساقيها جازت لها الصلاة فيه، ووجب عليها أن تتحفظ من جيبه حتى لا يبدو عند ركوعها وسجودها منه صدرها. ويجوز للرجل أن يصلي في سراويل ومنديل على كتفيه سابغ وإن لم يكن منديل وكانت عمامة فليرددها على منكبيه ويسدل أطرافها من جانبيه أو بين يديه وكذلك إن ائتزر بمئزر فليرفعه إلى قرب السرة ثم يسدل ما أمكنه من اللباس من منديل أو عمامة أو غيرهما من الرياش على منكبيه. ويرد أطراف ذلك على صدره وثدييه.
---
[ 111 ] (1/111)
باب القول فيمن ضحك في الصلاة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من ضحك في صلاته فقهقه، أوملا فاه ضحكا أو ما هو دون ذلك من الضحك الذي يقطع عليه ما هو فيه من قراءته أو شغله عما هو فيه من صلوته فقد انقطعت عليه الصلوة، ووجب عليه الاستئناف لها والاعادة، فأما ما يقول به أهل العراق من أن القهقهة تقطع الصلوة وتنقض الوضوء فلسنا نقول فيه بقولهم ولا نذهب فيه إلى مذهبهم، لان القهقهة إنما قطعت الصلوة لانها شغلت عن الصلوة وقطعت على صاحبها ما كان فيه من القراءة وهو صوت يخرج من القهقهة يسير ولو قطع هذا الصوت الحقير، الوضوء لقطعه الصوت الكبير لا الحقير والكلام الدائم الخطير، والكلام فلا يقطع الوضوء منه إلا ما كرهه الرحمن، وعاقب عليه المتكلم به من الانسان، والوضوء فلا يقطعه إلا ما قد شرحناه في باب الوضوء وحددناه.
باب القول فيمن يجوز أن يؤتم به في الصلاة ومن لا يؤتم
به قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تجوز الصلوة خلف أهل الديانة والورع والعفاف والصدق والوفاء كائنا من كان، من أعمى أو مملوك أو ولد زنا إذا كانوا عارفين بحدود الصلوة حافظين لما يحتاجون إليه لها من قراءة القرآن. وكذلك البدوي إذا كان عارفا بأمور صلاته حافظا لما يجب عليه حفظه من القرآن. وكان ورعا عفيفا مسلما معروفا بذلك فلا بأس بالصلوة خلفه، وإنما تكره الصلوة خلف البدوي إذا كان جاهلا بما لا يسعه جهله. ولا تجوز الصلوة خلف ذي جرأة في دينه عندنا من فاسق،
---
[ 112 ] (1/112)
ولا شارب مسكر، ولا خاين أمانة، ولا صاحب كبيرة، ولا ظالم، ولا آكل حرام، ولا جائر في حكم، ولا شاهد زور، ولا عاق بوالديه، ولا قابل رشوة في الحكم، ولا معروف بالكذب، وقول الزور لان الله سبحانه يقول (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤم نون بأيات الله) (43) ولا ذي معصية وجبت على صاحبها العقوبة من الله، لان الصلوة المؤتمين معقودة بصلوة إمامهم يقومون بقيامه ويقعدون بقعوده، ويسلمون بسلامة ويفسد عليهم من صلوتهم ما فسد عليه، وصلوة من كان من الفاسقين فغير مقبولة عند رب العالمين، لان الله سبحانه يقول: (إنما يتقبل الله من المتقين) (44) وإذا كانت صلوة الامام غير مقبولة فهي فاسدة باطلة، وإذا فسدت صلاة الامام عليه فسدت صلوة المؤتمنين به ألا ترى أنه لو سهى ولم يسه المؤتمون به لوجب عليه وعليهم أن يسجدوا سجدتي السهو وإن كانوا هم لم يسهوا. وكذلك لوصلى بهم على غير وضوء لكانت صلوته باطلة، وكانت صلوتهم لصلاته تابعة في فساد أو صلاح. وفي ذلك ما يروى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (إن سركم أن تزكوا صلوتكم فقدموا خياركم) وفي ذلك ما يروى من القول عنه صلى الله عليه وآله أنه أتى بني مجمم فقال: (من يؤمكم قالوا فلان فقال لا يؤ منكم ذو جرأة في دينه). حدثني أبي عن أبيه القسم بن ابراهيم أنه سئل عن إمامة الاعمى والمملوك وولد الزنا؟ فقال: تجوز إمامتهم كلهم ما لم يعرف واحد منهم بكبيرة ولا ريبه. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ومن ابتلي بحضور
---
ص 112 (43) النحل 105.
(44) المائدة 27.
---
[ 113 ] (1/113)
صلوة من لا تجوز إمامته، ولم يأمن إن هو خرج عنهم، وتركهم على نفسه ضررهم، تاقاهم بالقيام معهم ولم يعتقدها له صلاة لان إمام القوم وأفدهم إلى الله، ولا ينبغي أن يكون وافد المسلمين إلا رضى في الدين.
باب القول فيما يعمل الرجل إذا دخل مع قوم في صلاتهم ولم يجد له في صفهم مكانا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من دخل في جماعة وقد وقفت واصطفت من وراء إمامها فلم يجد له في صفها مكانا يقف فيه فليجذب رجلا من الصف فليقمه معه، وليصليا بصلاة إمامهما فإنه لا ينبغي أن يصلي الرجل وحده من وراء الصفوف إلا لعلة بينه، ولا ينبغي للذي يجذبه إليه أخوه المسلم أن يمتنع عليه، وصلاته مع أخيه، وصلته لجناحه أفضل من صلاته حيث كان في مقامه. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وأفضل صفوف الرجال أولها إلى الامام، وشر صفوف النساء أولهن إلى الرجال، وينبغي للنساء إذا وقفن من وراء الرجال أن يغضضن أبصارهن عن الرجال في ركوعهم وسجودهم وينبغي للنساء أن يشغلن أبصارهن بالنظر إلى الارض فذلك أزكا لصلاتهن وأقرب لهن إلى ربهن.
باب القول في الامام يقرأ سجدة في الصلوة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا أحب لمن قرأ في صلوة الفريضة سجدة أن يسجد لان السجدة زيادة في الفريضة، ولا ينبغي أن يزاد فيها كما لا ينبغي أن ينقص منها، والواجب أن يؤتى بها على ما فرضها الله عليه فإن فرضها لا زيادة فيه ولا نقصان، فإن ذلك
---
[ 114 ] (1/114)
أقرب إلى الهدى والاحسان وأما النوافل فصاحبها مخير فيها، ولا نضيف عليه ما فعل فيها من ذلك وأحب الامرين إلي أن لا يزيد فيما قام فيه ونوى من الصلوة أن يصليه نافلة ولا فريضة، وقد قال: غيرنا بغير ذلك وروى فيه روايات ولسنا نلتفت إلى روايته ولا نفعل في صلاتنا ما يفعل في صلاته لان ذلك لا يصح لنا عن الرسول عليه السلام ولا يثبت لنافي حجج العقول. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: لا نرى أن يسجد في صلوة فريضة سجدة زائدة قرئت في سورة.
باب القول في السهو في الصلوة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: سجدتا السهو تجبان على من قام في موضع جلوس، أو جلس في موضع قيام، أو ركع في موضع سجود، أو سجد في موضع ركوع، أو سبح في موضع قراءة، أو قرأ في موضع تسبيح، وقد قيل: من سلم في غير موضع تسليم، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه صلى بالناس الفجر فصلى ركعة ثم انصرف فقام رجل يقال له ذو الشمالين فقال: يا رسول الله أنسيت أم رفعت الصلاة؟ فقال: وما ذاك يا ذا الشمالين فأخبره فجعل يطوف به في الصفوف فقال: أصدق هذا؟ زعم أني صليت واحدة فقالوا: نعم يا رسول الله إنما صليت واحدة قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصلى بالناس ركعة أخرى ثم سجد سجدتي السهو ثم سلم. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا أدري ما صحة هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله في الصلوة بعد التسليم ولا أرى أنه صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله بل القول (45) عندي فيمن
---
ص 114 (45) في نسخة بل أقول إنه من نسي.
---
[ 115 ] (1/115)
نسي فسلم في غير موضع التسليم ثم ذكر قبل أن يتكلم بكلام أو يحرف (46) وجهه عن ذلك المقام أن صلوته قد انقطعت، ويجب عليه الاستيناف لها فليبتد صلوته، وليؤدها على ما فرضت عليه من حدودها، فأما سجدتا السهو فلا يتمان صلوة، ولا ينقصان منها، وإنما جعلتا مرغمتين للشيطان، ولا تكونان إلا من بعد التسليم والفراغ من الصلاة التي سها فيها، فأما قبل التسليم فلا يجوز عندنا لانهما يكونان حينئذ زيادة في الصلوة لان التسليم هو تحليلها وما كان قبله من الفعل فهو لها ومنها. حدثني أبى عن أبيه أنه سئل سجدتي السهو قبل التسليم أم بعده؟ فقال: سجدتا السهو بعد التسليم لانهما إن كانتا قبله كانتا زيادة في الصلوة، وإنما السجدتان بدل من السهو وإرغام للشيطان، كما قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله أنه سجد سجدتي السهو بعد التسليم.
باب القول فيما يعمل الرجل إذا لحق الامام وقد صلى بعض صلاته
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن الحق الامام راكعا كبرو ركع معه ثم صلى معه ما بقي من صلاة الامام، فإذا سلم الامام قام فأتم ما بقي عليه من صلوته واعتد بتلك الركعة التي لحق الامام فيها راكعا، وإن كان لم يقرأ فيها، فإن لحقه ساجدا سجد معه فإذا قام الامام كبر الرجل ونوى أنه مبتدئ لاول صلاته، ثم يصلي ما بقي من صلاة الامام يقعد بقعوده ويقوم بقيامه، فإذا سلم الامام قام فأتم ما بقي عليه
---
ص 115 (46) في نسخة أو حرف وجهه.
---
[ 116 ] (1/116)
من صلوته ولا يعتد بذلك السجود الذي سجده مع الامام لانه قد فاته الركوع وإذا فاته الركوع فقد فاتته تلك الركعة، لان الله سبحانه قال في كتابه: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا) (47) فجعل الصلاة ركوعا وسجودا فمن لحق الركوع فقد لحق تلك الركعة ومن فاته ركوعها لم يحتسب بسجودها، وقد قال غيرنا إنه إذا لحق الامام ساجدا كبر لصلاته ثم سجد ثم قام بقيام الامام وكان تكبيره أولا مجزيا له عن التكبير بعد قيامه، ولسنا نرى ذلك ولا نرى أن يكبر إلا من بعد قيام الامام وقيامه، لان تكبيره دخول منه في حدود صلاته ولسنا نرى له أن يدخل بين التكبير وبين القراءة جلوسا ولا سجودا ولا نرى بعد التكبير إلا القراءة إن كان الامام مخافتا، والاستماع والانصات إن كان الامام بقراءته جاهرا، فإن لحقه وقد صلى واحدة وهو راكع في الثانية فليكبر وليركع وليعتد بهذه الركعة وليعتقد أنها أول صلوته، ثم يسجد بسجود إمامه، فإذا قعد الامام في الثنتين فليقعد معه بقعوده، وإن كانت تلك الركعة أول صلاته، ثم ليقم بقيام الامام، فإذا أتم الامام صلوته فليجلس معه حتى يسلم الامام فإذا سلم الامام فليقم هو فليتم صلوته ولا بأس بالقعود مع الامام فيما لا يقعد فيه من صلوة المؤ تم به، ولو قعد في كل ركعة إذا كان الامام يقعد في موضع قعوده. من ذلك رجل لحق الامام في صلوة المغرب، وهو في الركعة الثانية، فكبر ودخل معه في الصلوة، ثم ركع الامام وسجد (48) وركع معه وسجد هذا الرجل، فجلس الامام في هذه الركعة التي هي ثانية له فينبغي لهذا الرجل أن يقعد معه بقعوده وإن كان في الاولى من صلوته ثم
---
ص 116 (47) الحج 77.
(48) ثم ركع الامام وركع معه وسجد وسجد هذا الرجل.
---
[ 117 ] (1/117)
يقوم الامام ويقوم معه فإذا صلى الامام الثالثة من صلوته وجلس في التشهد فليجلس الرجل فليتشهد في الثانية من صلوته ثم لا يبرح جالسا حتى يسلم الامام، فإذا سلم الامام فليقم المؤتم فليصل ركعته، الثالثة، ثم ليقعد فليتشهد وليسلم، وقد جلس في كل ركعة جلسة وذلك له جائز إذا كان الامام الذي فعله، ولا يجوز للمؤتم أن يخالف الامام في شئ من فعله ولا يقوم وهو قاعد ولا يقعد وهو قائم، ولا يركع، وهو ساجد، ولا يسجد وهو راكع، بل يعمل كعمله ويفعل في صلوته كفعله. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وكذلك النساء إذا لحقن الصلوة، كما يفعل الرجال في ذلك فليفعلن، ولو أن رجلين أو رجالا دخلوا مسجدا يجمع فيه فوجدوا الناس قد قضوا الصلاة فهم بالخيار إن شاؤا أمهم أحدهم وجمعوا كما جمع غيرهم وإن أحبوا صلوا فرادى، وأدوا ما افترض الله عليهم أشتاتا. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن قوم دخلوا مسجدا وقد فاتتهم فيه الجماعة هل يجمعون فيه أم يصلون فرادى؟ فقال: لا بأس بالجمع فيه وإن صلت قبلهم فيه جماعة. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: فضل الجماعة على الفرادى كفضل يوم الجمعة على سائر الايام وكذلك روي لنا وبلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله (لن تزال امتي يكف عنها ما لم تظهر خصالا عملا بالربا، واظهار الرشا، وقطع الارحام وترك الصلاة في الجماعة، وترك هذا البيت أن يؤم، فإذا ترك هذا البيت أن يؤم لم يناظروا). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وكذلك كل كبيرة وعد الله عليها النار.
---
[ 118 ] (1/118)
باب القول متى يكبر الامام وما يقطع الصلاة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أقام المؤذن فقال: حي على الصلاة حي على الصلاة قام الامام ومن يريد الصلوة معه فوقفوا في مواقفهم واعتدلوا في صفوفهم وقام الامام أمامهم فإذا قال: قد قامت الصلوة كبر الامام ولم ينتظر شيئا وكذلك بلغنا عن علي بن أبي طالب رحمه الله أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا قال: المؤذن قد قامت الصلوة كبر ولم ينتظر شيئا). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولا أرى أن شيئا يقطع الصلوة على المسلم وليدرأ المسلم عن نفسه ما استطاع، ولا يصلي إن قدر إلا إلى ستره فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه كان يغرز عنزة له وهي الحربة ثم يصلي إليها، وبلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وقد غرز عنزته بين يديه فمر بين يديه كلب ثم مر حمار ثم مرت امرأة فلما انصرف قال: قد رأيت الذي رأيتم وليس يقطع الصلوة على المسلم شئ ولكن ادرأوا ما استطعتم). قال يحيى ابن الحسين صلوات الله عليه: ومن صلى في فضاء من الارض، ولم يجد ما يجعله ستره بين يديه فلا بأس له أن يصلي في الفضاء، إذا لم يجد له من دون ذلك سترا، وقد قيل يخط بين يديه خطا ولا بأس بذلك إن فعله فاعل، ولا يفعله فاعل وهو يجد إلى ستره سبيلا. ولا بأس بالصلوة في أعطان الابل ومراحات الغنم إذا لم يكن فيها نجاسة من قذر ولا أثر صديد ولا دبر، وقد روى عن رسول الله صلى الله
---
[ 119 ] (1/119)
عليه وآله وسلم أنه كره الصلوة في أعطان الابل ودمن الغنم وليس ذلك بصحيح عندنا. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الصلوة في أعطان الابل ومراحات الغنم؟ قال: لا بأس بذلك وقد روي عن ابن المغفل وغيره (أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن الصلوة في أعطان الابل) وليس ذلك بصحيح عندنا. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الناس مجمعون على أن أبوال الابل لا تنجس الثوب إذا أصابته، ولا أبعارها فكيف يكرهون الصلوة في أعطانها إذا لم يكن فيها شئ من أقذار دبرها، ولا شئ من مسفوح دمائها، فكيف ينجس الارض أبعارها وأبوالها ولا ينجس الثياب من ذلك ما أصابها وهم يزعمون أن الشمس تطهر ما وقعت عليه من الارض، ولا يقولون أنها تطهر ما وقعت عليه من الثياب. فكيف تجوز الصلوة في الثوب الذي فيه أبوال الانعام ولا تجوز في مبارك الابل من الاودية والآكام فهذا لعمر أبيهم قول يفسد قياسه، ويعدل عن الحق والانصاف مقاله، وتنفيه عن الحق ثواقب العقول، ولا يجوز ذكره واضافته إلى الرسول، لما فيه من الاختلاف، ولبعده عن الحق، والانصاف.
باب القول فيمن صلى إلى غير القبلة جاهلا وما يعاد من الصلوة في وقتها وبعد خروج وقتها وما لا يعاد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل من صلى إلى غير القبلة وهو لا يعلم ثم علم بعد ذلك وكان في وقت من تلك الصلاة أعادها
---
[ 120 ] (1/120)
ولم تجزه عندي غير اعادتها إذا كان في وقت منها فإن خرج وقتها فلا يجب عليه إعادتها، لانه قد صلاها وهو يرى أنه متوجه إلى القبلة، ثم لم يعلم بخطأه في صلوته حتى خرج ما كان لها وقتا من أوقاتها. ومن الصلوة التي تعاد ما دام وقتها، صلوة من تطهر بماء نجس وهو لا يعلم ثم علم وهو في وقت من الصلوة فعليه إعادة الوضوء بماء طاهر، وإعادة الصلوة، ومن ذلك صلوة متيمم وصلى ثم وجد بعد صلاته بتيممه ماء وهو في وقت من تلك الصلوة فعليه أن يتوضأ بالماء ثم يعيد ما صلى من صلوته، وما كان مثل هذا مما يقع فيه الخطأ من غير تعمد ولا اجتراء فعليه الاعادة ما كان في الوقت وإن خرج الوقت فلا إعادة عليه. وأما الصلوة التي تعاد من بعد خروج الوقت فهي صلوة الناسي للصلوة حتى يخرج وقتها فعليه إعادتها عندما يكون من ذكره لها، ومثل صلوة من توضأ بماء نجس وهو يعلم بنجاسته ويوقن بها فعليه الاعادة لما صلى من بعد خروج الوقت، والتوبة إلى ربه من سوء فعله. ومثل من نسي أنه جنب فتوضأ وصلى ثم ذكر من بعد خروج وقت الصلوة أنه صلى جنبا فعليه الاغتسال والاعادة لما صلى من الصلوة، ومثل من توضأ ونسي غسل وجهه ثم ذكر بعد خروج الوقت أنه لم يغسل وجهه فعليه الاعادة للوضوء والصلاة. وأما ما لا يعاد من الصلوة في حال من أحوال العباد فهو ما لم يدخل عليهم فيه نقص ولافساد.
---
[ 121 ] (1/121)
باب القول في صلاة المريض وكيف يصلي وما يقضي (49) المغمى عليه من الصلاة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: المريض يصلي على قدر ما يمكنه، إن أمكنه قائما فقائما وإن أمكنه جالسا فجالسا، وإن صلى جالسا قعد متربعا ثم كبر وقرأ ثم وضع يديه على ركبتيه وانثنى راكعا ثم عاد فجلس مستويا ثم خر ساجدا ونصب رجليه، ثم عاد فجلس على رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى ثم يعود للسجدة، ثم يجلس فيتربع تربعا ثم يقرأ، ويفعل في باقي صلوته ما فعل في هذه الركعة فإن لم يقدر على السجود أوما برأسه إيماء وكان سجوده أخفض من ركوعه، وإن لم يقدر على الجلوس توجه إلى القبلة ثم أومأ ايماء ويفعل من ذلك على قدر ما يمكنه ويتهيأ له في صلوته، لان الله إنما كلفه الميسور وقد طرح عنه برحمته المعسور، وذلك قوله سبحنه وتعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) (50) وقال تبارك وتعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (51) وقد قال: غيرنا إنه يقرب من وجهه شيئا أو يقرب منه حتى يوضع على وجهه وضعا وهذا فليس له عندنا معنى إنما هو سجود إذا أطاق ذلك أو إيماء. قأما المغمى عليه فإن أفاق في آخر نهاره أعاد صلوة يومه، وإن أفاق في آخر ليلته أعاد صلوة ليلته، وإن أغمي عليه يوما أو يومين أو ثلاثا ثم أفاق صلى صلوة ذلك الوقت الذي أفاق فيه، فإن أفاق نهارا صلى صلاة ذلك النهار، وان أفاق ليلا صلى صلوة تلك الليلة.
---
ص 121 (49) أي يفعل: لما روي عن عائشة أنه صلى الله عليه وآله، لما صلى جالسا تربع، أخرجه النسائي والدار القطني وابن حيان والحاكم من لطف الغفار الموصل إلى هداية الافكار لعلامة الفترة صلاح بن أحمد بن المهدي بن حسن بن علي بن الحسين بن الامام عز الدين عليهم السلام.
(50) البقرة 286.
(51) البقرة 185.
---
[ 122 ] (1/122)
حدثني أبي عن أبيه في المريض كيف يسجد: أيومئ إيماء أم يسجد على وسادة إذا لم يقدر على السجود على الارض؟ فقال: إن أطاق السجود على الارض سجد عليها وإن لم يمكنه ذلك لضعفه أومأ برأسه فكان إيماؤه لسجوده أخفض من إيمائه لركوعه.
باب القول في صلوة السفينة وصلاة العريان وصلوة من كان واقفا في الماء لا يجد أرضا يبسا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يصلي صاحب السفينة على قدر ما يمكنه ويجد السبيل إليه ويطيقه سائرة جارية في بحرها أو واقفة كافة عن سيرها، غير أنه يتتبع القبلة ويدور لها بدوران السفينة في مائها، وأما العريان فإنه يتربع ويضع على عورته ما قدر عليه من حشيش الارض ثم يومئ إيماء كإيماء المريض إيماء لا يستقل معه من الارض، لان في إستقلاله ما يبدي عورته في صلوته، وإن لم يجد من الحشيش شيئا ستر عورته بيده اليسرى، ثم فعل كما ذكرنا أولا، فإن كان معه جماعة عراة فأمهم جلسوا كلهم جلوسا، وستروا عوراتهم بأيديهم، واصطفوا صفا واحدا، كما يصطف في الصلوة مع المرأة الآمة بالنساء ويجلس أمام العراة في وسط صفهم ولا يتقدمهم ويصلون عن يمينه وعن يساره صفا واحدا، وأما الواقف في الماء فيومي إيماء، إن كان يمكنه الجلوس فيه لقلته جلس وصلى يومئ إيماء، وإن لم يمكنه الجلوس صلى على حاله قائما وان كانوا جماعة فأمهم أحدهم فإن كان الماء لا يستر عورة المتقدم المصلي بهم لصفائه وقلة كدره صلى بهم وهو قائم في وسطهم كما يصلي العريان بالعراة وإن كان الماء ساترا
---
[ 123 ] (1/123)
غامرا كدرا تقدم إمامهم فصلى بهم وصلوا وأومأ في الركوع والسجود وأومأوا.
باب القول في صلوة الجمعة وفضلها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: " أكثروا علي من الصلوة يوم الجمعة فإن الاعمال تضاعف فيه ". قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يستحب للمصلين أن يصلوا ليلة الجمعة في المغرب بسورة الضحى وسورة إنا أنزلناه، وفي العتمة بسورة الجمعة وسورة المنافقين، وفي الصبح بسبح اسم ربك الاعلى وهل أتاك حديث الغاشية. فإذا زالت الشمس في أول وقت زوالها أتى الامام والمسلمون معه المسجد، فإذا رقى الامام المنبر سكت كل من كان في المسجد فإذا قال: المؤذن في آخر أذانه الله أكبر، الله أكبر قام الامام، فإذا قال: المؤذن في آخر أذانه لا إله إلا ألله تكلم الامام، وانقطعت صلاة من كان يصلي من الناس، ووجب عليهم الاستماع والانصات، فإذا خطب خطبته الاولى جلس جلسة خفيفة، ثم قام فخطب بالخطبة الاخرى التي يذكر الله فيها ويصلي على النبي صلى الله عليه وأهل بيته ويدعو للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤ منات فإذا فرغ نزل وأقام المؤذن الصلاة فإذا قال: حي على الصلاة وقف الامام في مصلاه، واصطف المسلمون من ورائه فإذا قال: المؤذن قد قامت الصلاة كبر الامام ثم قرأ سورة الحمد وسورة الجمعة يجهر بقراءتهما ثم يقرأ في الركعة الثانية بالحمد وسورة المنافقين أو سورة سبح اسم ربك الاعلى وسورة الغاشية أي ذلك فعل فله فيه كفاية وقدوة وأثر،
---
[ 124 ] (1/124)
فإذا سلم تنحى من مكانه يمينا أو يسارا فتطوع إن أحب التطوع وإلا فانتشر في الارض وانتشر معه المسلمون. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ويستحب لمن حضر الجمعة أن يغتسل قبل حضورها، ويستحب للامام أن يأتيها راجلا وإن أمكنه كان حافيا المرة بعد المرة لان ذلك قد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أنه كان يفعله المرة بعد المرة ولا ينبغي أن يبطأ بصلاة الجمعة جدا ولا أن يعجل بها قبل زوال الشمس في أفق السماء. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: صلوة الجمعة هي عندنا الصلاة الوسطى التي ذكر الله العلي الاعلى، وهي في سائر الايام الظهر، وكذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رحمة الله عليه ورضوانه. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: حدثني أبو بكر ابن أبي أويس عن حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أنه قال: الصلوة الوسطى هي صلوة الجمعة، وهي في سائر الايام الظهر. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ينبغي للمسلمين أن يظهروا الزينة في يوم الجمعة، فيلبسوا خيار لباسهم، ويرتاشوا بأحسن رياشهم، ويتطيبوا بأحسن طيبهم، ويأكلوا أطيب طعامهم، ويريحوا أنفسهم من أعمالهم وكذلك فليرفهوا على أرقائهم فإنه يوم عظيم البركة اختاره الله عزوجل لهذه الامة وفضله على سائر الايام وجعله عيد الاهل الاسلام ويجب عليهم أن يفرقوا بينه وبين غيره من أيام دهرهم لان الله عزوجل قد فرق بينه وبين غيره من أيامهم نعمة أنعم بها عليهم، وفضيلة بينها لهم وفيهم.
---
[ 125 ] (1/125)
باب القول في قصر الصلاة وفي كم تقصر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه إذا عزم المسافر على سفر بريد وهو اثنا عشر ميلا قصر حين يخرج من منزله، وتتوار ى عنه بيوت أهله، فإذا نوى المسافر المقام في بعض ما مر به من البلاد عشرا أتم الصلاة، وإن لم ينو مقام عشر وأقام في بلد، يقول اليوم أخرج أو غدا أخرج قصر الصلاة حتى يستتم شهرا في شكه ذلك، فإن دام شكه من بعد قصر شهر أتم، ولو أقام بعد الشهر يوما واحدا، والقصر فهو يقع فيما كان أربعا من الصلوات ولا يقع فيما دون الاربع من الثلاث، لان القصر هو تنصيف الصلاة وتنصيفها فهو أن يصلي في السفر نصف ما كان يصلي في الحضر منها، والثلاث فلا نصف لها يوقف عليه، ولا يؤدي فرض الله منها فيه فلذلك لم تقصر، وكذلك الصبح لم تقصر لا نها اثنتان وليس فيما دون الاثنتين من الصلاة صلاة يفهم لها عدد في فريضة ولا نافلة، وفي ذلك ما أجمع عليه آل الرسول صلى الله عليه وآله من أن صلاة نوافل الليل والنهار مثنى مثنى وليس فيما دون المثنى صلاة تصلى، فلذلك لم يقع القصر في الصبح فأما قول من يقول إنه لا قصر إلا في خوف فلا يلتفت إليه ولا يعمل أحد عليه، بل القصر فرض من الله على كل مسافر سافر في بر أو بحر، في بر أو فجور، لان أول ما افترض الله من الصلاة على المؤمنين افترضها سبحانه ركعتين عليهم ثم زاد فيها ركعتين آخرتين فجعلها أربعا في الحضر، وأقرها على فرضها الاول ركعتين في السفر، فصار للسفر فرض يجب اداؤه على المسافر، وصار للحضر فرض يجب إتمامه على الحاضر، فالمتم في سفره كالقاصر في حضره لان المتم في السفر لم يأت بما افترض الله عليه من فرضه،
---
[ 126 ] (1/126)
كذلك الناقص في الحضر لم يأت بما جعل الله عليه من الصلاة في حضره. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: أحسن ما سمعنا في القصر من القول قول الاكثر من آل رسول الله صلى الله عليه وعلى أهل بيته أنهم قالوا: في بريد والبريد أربعة فراسخ بالميل الاول وكذلك يقصر أهل مكة في خرو جهم للحج إلى غرفة قال: ويتم المسافر إذا أتى إلى بلد فعزم على المقام فيه عشرا وإن لم يعزم على المقام قصر شهرا ثم أتم بعد الشهر صلاته، ثم يقال لمن قال: إنه لا تقصر الصلاة إلا في الخوف والحروب وما صلاة الخوف عندكم؟ وما سبيلها في قولكم؟ فلا يجد بدا من أن يأتي بها على وجهها وأن يصفها بما جعلها الله عليه من صفتها، فإذا قال: صلاة الخوف أن يقتسم (52) المسلمون قسمين فيصلي مع الامام نصف المسلمين ويقف قسم منهم في وجوه المحاربين يدفعون عن اخوانهم المصلين، ويحرسونهم من الكافرين حتى يصلوا ركعة مع الامام، ثم يقوم الامام فيقرأ ويطول القراءة، ويتم الذين صلوا معه ركعة - ركعة أخرى وحدهم ثم يسلمون ويذهبون فيقفون مواقف إخوانهم مع العدو ويأتي الآخرون فيصلون مع الامام ركعته الباقية ثم يسلم الامام ويقومون هم فيتمون الركعة الباقية وحدهم ثم ينصرفون إلى حرب عدوهم فيكون كلهم قد صلى مع الامام ركعة وعلى حدته ركعة فإذا قال: ذلك وكانت الصلاة عنده في الخوف كذلك قيل له، فإذا كانت عندك صلاة الخوف على ما ذكرت من اقتسام المسلمين لها، وقصرهم مع الامام إياها فقد قصرت الصلاة إذا قصرين ونصفت مرتين مرة من الاربع إلى الاثنتين ومرة
---
ص 126 (52) أن ينقسم.
---
[ 127 ] (1/127)
يقسمها المصلون مع امامهم بينهم قسمين، فيصلون هؤلاء مع إمامهم منها جزءا ثم يأت الآخرون فيصلون معه منها شقصا، فهذا بأبين التبيان قصران، وهذا فلم يذكره الله لنا في القرآن، وما لم يقل به من الناس كلهم انسان لان الله سبحانه إنما ذكر قصرا واحدا، ولم يذكر قصرا ثانيا، فإن قال: بلى قد ذكر الله قصرين، سئل عن ذلك القصر الذي ذكر أنه في القرآن مرتين، فلا يجد إنشاء الله إلى اثبات ذلك سبيلا ويستغنى بجهله عن مناظرته ويتبين له في نفسه دون غيره ما أظهر من مكابرته، وإن أنصف ورجع إلى الحق وتعلق بنور الصدق علم أن ليس في الصلاة إلا قصر واحد، وأنه قصر المسلمين لصلاة سفرهم، وقسمها بينهم مع إمامهم عند ملاقاة أعدائهم وخوفهم على أنفسهم فكل يأخذ بحظه فيها ويصلي مع إمامه جزاء منها، ولو كانت الصلاة في السفر أربعا كماهي في الحضر إذا لم تكن مخافة من الاعداء لكانت تصلى عند المخافة والبلاء قسمين، ويجزئها بينهم المسلمون جزئين فيقف مع الامام منهم نصفهم، ويقف النصف الثاني في وجوده عدوهم حتى يصلي إخوانهم نصف صلاتهم مع إمامهم وهو ركعتان في قول من زعم أن الصلاة في السفر لا تقصر وأنها أربع كصلاة الحضر، ثم يتمون وحدهم ما بقي من صلاتهم ثم ينهضون لحرب عدوهم ويأتي الباقون فيصلون مع الامام كما صلوا فيكون الكل قد أخذ من صلاة الامام جزأ ويكون كلهم قد اقتسموا صلوتهم بينهم قسما، وهذا فليس يقول به أحد من العلماء ولا غيرهم ممن عقل الحق من الجهلاء، فإذا قد ثبت أن صلوة الخوف ركعتان، وأن الركعتين يقسمان قسمين فقد ثبت أن صلوة السفر ركعتان، وأنهما فرض من الله على كل انسان لا يجوز له الزيادة فيه ولا النقصان وأن قول الله عزوجل (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلوة إن
---
[ 128 ] (1/128)
خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا) (53) هو قصرها مع الامام عما جعل الله من فرضها الذي هو ركعتان، وذلك والحمد لله فأبين البيان لمن أنصف من العالمين، وكان عارفا بتأويل قول أرحم الراحمين، ألا تسمع كيف يقول ربنا تبارك وتعالى لرسوله: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة) (54). فقال: في أول الآية فإذا سجدوا يريد فإذا أتموا ركعة وسجدوا سجدتيها فليتموا الركعة الثانية وحدهم ثم لينصرفوا إلى عدوهم ولتأتي الطائفة الاخرى التي لم تصل فلتصل معك الركعة الثانية الباقية فكل قد قسم صلوته قسمين وصلاها جزئين جزءا مع إمامه وجزءا وحده فهذا معنى القصر. حدثني أبي عن أبيه أنه كان يقول القصر في كل سفر واجب على كل من سافر وكان يقول: قلنا بقصر الصلوة للمسافر من كل برا وفاجر، لان فرضها المقدم كان في السفر والحضر على ركعتين، وقلنا بذلك وأخذناه لما فهمناه عن كتاب الله المبين ولم نأخذ ذلك عن رواياتهم وإن كانوا قد رووه ولم نقبله عنهم والحمد لله وإن رأوه، قال الله سبحانه: فيما قلنا به من ذلك بعينه وفيما فهمنا عن الله بالكتاب من تبيينه فيه لرسوله صلى الله عليه وآله (وإذا ضربتم في الارض) (54) والضرب فيها فهو المسافرة إليها (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلوة إن
---
ص 128 (53) النساء 101.
(54) النساء 102.
(55) النساء 101.
---
[ 129 ] (1/129)
خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا) (55) فأبان في هذه الاية نفسها قصرها في السفر تبيينا ودل على أن فرضها فيه ركعتان، وأنهما عليهم كلما ضربوا في الارض ثابتتان، وقصرها في هذه الآية إنما هو تنصيفها مع الامام مجمعين جميعا معه في مقام ألا تسمع كيف يقول الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وآله (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلوة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا) (56)، يقول فإذا أتموا ركعة وسجدوها فلتأت الطائفة الاخرى التي لم تصل فلتصل معك الركعة الثانية بعدها، فكل طائفة من الطائفتين فقد قصرت صلاتها عن أن تتمها إذ لم تصل مع الرسول عليه السلام إلا بعضها، وهو القصر للصلاة في الخوف، الذي ذكره الله عنهم وهذا الذي أمرهم الله إذا صلوا خائفين أن يكون منهم، فقد قصروا من صلاتهم ما لم يكونوا يقصرون فإذا أمنوا أتموا مع الامام ركعتين ركعتين كما كانوا يتمون، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه (فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون) (57). يقول سبحانه أتموا مع رسولكم إذا أمنتم ولا تقصروا، والاتمام مع الامام فهو ما أمروا به (58)، وكان صلوتهم الظهر والعصر ركعتين كما ترى في السفر وزيد عليهما فأتمت أربعا في الحضر فليس لفاجر ولا بر سافر في خير أو شر أن يزيد في صلاته في سفره ولا ينقص منها شيئا في حضر، ومن زاد على ما فرض الله عليه من الصلوة في السفر فعليه أن يعود لصلاته كما لو زاد على
---
ص 129 (55) النساء 101.
(56) النساء 102.
(57) البقرة 196.
(58) ما به أمروا.
---
[ 130 ] (1/130)
صلوته في الحضر لفسدت عليه الصلاة، فأعادها. والقضر إنما هو كما قلنا مع الامام، والركعتان في السفر، فهو أتم التمام وكذلك كان فرضها أولا في كل سفر وحضر، ثم لم يكن القصر فيهما إلا بما قلنا من القصر وليس يجوز أن يقال: قصرت الصلوة إلا على ما قلنا من القصر. ولا وجه للقصر فيها إلا من طريق ما تأولنا، وإنما يقال: في الصلوة زيد عليها ولا يقال: بشئ من القصر فيها لانه إذا قيل فيها قصرت الصلوة إلا بما ذكرنا كان كأنه خلاف لما كنا به فيها أمرنا من الركعتين اللتين كانتا في الحضر والسفر علينا لله فرضا، فزيد في صلوة الحضر وأقرت صلاة السفر وكان ذلك كله لله فرضا فما نقص من ذلك كله أو زاد لزم فيه أن يعاد.
باب القول في الجمع بين الصلاتين في السفر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من حضرته الصلوة وهو في المنزل فليجمع عند الزوال إذا أراد الرحيل فليصل الظهر ثم ليصل العصر، وإن أحب أن يتطوع بينهما فليفعل فإن زالت الشمس وهو يسير فليؤخر الظهر ويمضي في سيره حتي يكون ظل كل شئ (59) مثله أو مثل نصفه إن أحب، ثم لينزل فليصل الظهر والعصر معا، وكذلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وكذلك فليفعل في المغرب والعشاء، يجمع بينهما إذا كان نازلا في المنزل حين تبين له النجوم الليلية، ولا ينظر من ذلك إلى ما بان من الدرية النهارية، وإن كان في السير سار حتى يغيب الشفق، ثم ينزل عند غيبوبته أو قبل غيبوبته فيجمع بين صلاتيه.
---
ص 130 (59) مثل نصفه أو مثله إن أحب.
---
[ 131 ] (1/131)
(وحدثني أبي عن أبيه أنه قال: يجمع من أراد الجمع قبل غيبوبة الشفق وبعده). وحدثني أبي عن أبيه أنه قال: لا بأس بالجمع بين الصلاتين في السفر)، وقل من صحبنا من مشايخ آل محمد عليه السلام في سفر إلا رأيناه يجمع في سفره إذا زالت الشمس بين ظهره وعصره، وكذلك يجمع بين المغرب والعشاء إذا أظلم وأغشى وهذه العامة فكلهم تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله جمع في الحضر من غير علة ولا مطر وهم يجمعون إذا كانت الامطار ولم تكن علة ولا أسفار.
باب القول فيما يصلى عليه وإليه والقول في التسليم والصلاة في بقاع الارض والقول في اللباس
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يصلى في كل شئ من اللباس ما خلا الحرير، وأكره الصلوة في الفرو إذا لم يكن معه غيره والصلوة في ثوب المشبع صبغا للرجال ولا يصلى من الثياب إلا فيما كان طاهرا نقيا من القذر والادران، قال: وأكره الصلوة في الخز لاني لا أدري ما هو ولا ما ذكاة دوابه ولا أمانة عماله وأخاف أن يكونوا يجمعون فيه الميت والحي والمتردي والذكي. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولا أحب أن يسجد الساجدون إلا على ما أنبتت الارض من نباتها، وقد قيل ما جازت الصلوة فيه جاز السجود عليه وتوقي ذلك أحب إلي وأفضل عندي لان التصاق الجبهة بحضيض الارض أوما كان منها من الحلا في (60) مثل البردى
---
ص 131 (60) الحلافي: شجر ينبت في الماء أسود يميل إلى البياض.
---
[ 132 ] (1/132)
وما ينبت فيها من الكرسف والكتان وغير ذلك مما فيها من نبات الالوان. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن المسوح واللبود وأشباههما فقال: أحب لكل مصل أن يضع جبهته على التراب وحضيض الارض فإن كان لابد مما يتوقى به كان مما تنبت الارض من الحلافي ومثلها من نابته الارض إلا أن يخشى ضرر الحر والبرد فيتوقى بما يوقيه، ويسجد من ذلك على ما أحب. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: في ثياب القطن والكتان ما وقا وكفا كل إنسان وإلى ذلك ذهب جدي القسم بن ابراهيم رحمة الله عليه في قوله يسجد من ذلك على ما أحب. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولا أحب السجود على كور العمامة وقد جاء في ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله النهي فإن خشي الساجد حرا أو بردا، ثنى طرفها ثم سجد على ماثنى منها. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن السجود على كور العمامة (61) قال: ما أحب أن يسجد على كور العمامة إلا أن يخشى ضررا من حر أو برد على نفسه، ويستحب له أن يلصق جبهته بالارض ويعفر وجهه في التراب فإنه من التذلل لله والاكبار له ويلصق أنفه إذا سجد إلصاقا خفيفا وإن لم يفعل ذلك بأنفه لم يدخل عليه نقص في صلوته ولا بأس أن يتقي بثوبه حر الارض وبردها وقد روى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: إذا فرغ المصلي من صلوته وأراد التسليم فليسلم عن يمينه تسليمة وعن يساره تسليمة ينوي بذلك إن كان وحده السلام على الملكين الذين ذكر الله أنهما عن يمينه وعن
---
ص 132 (61) في السجود على كور العمامة. وفي نسخة من نبات الارض.
---
[ 133 ] (1/133)
شماله وذلك ما يقول الله سبحانه: (إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) (62) وإن كان إماما نوى أن يسلم على الملكين وعلى من عن يمينه وعن شماله من المؤمنين، فأما ما يقول به غيرنا: من تسليمه واحدة عن يمينه أو التسليم أمامه فلسنا نعرف ذلك ولا نراه ولا نقول به ولا نشاؤه. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل كيف التسليم من الصلوة فقال: يسلم تسليمتين تسليمه عن يمينه وتسليمة عن يساره، إماما كان أو غير إمام، ينوى بذلك الملكين إن كان وحده، وإذا كان في جماعة كان التسليم على الملكين وعلى من معه من المصلين يقول: السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يصلي من بيوت الحمامات فيما يدلك فيه، واغتسل من الجنابات، وأميط فيه أدران الابدان، وما أمر بإماطته عنه كل إنسان، من الوسخ والشعر والعذرة والبول والقذر فأما ما كان من بيوتها ولا يدخله من ذلك داخل ولا يميط فيه عالم ولا جاهل، فلا بأس أن يصلي فيه المسلمون، ويتخذه مجلسا المتطهرون، وأما المقابر فلا نرى الصلوة عليها ولا بينها ولا في شئ دارس أو عامر منها وأنما كرهنا ذلك وكرهه من أسلافنا غيرنا لان حشوها لا يخلو من أن يكون ذا بر وإيمان وطاعة لله وإحسان، أو يكون ذا فجور و عصيان وفسوق في دين الله وجحود وكفران، فمن كان لله منهم مطيعا وفي أمره سبحانه ماضيا سريعا، فهو أهل للتوقير عن الصلوة عليه والوقوف بينه وفيه ومن كان منهم لله غير خائف وكان عن الحق عادلا متجانفا وكان عليه سبحانه مجتريا وله جل جلاله غير متق فلا يجوز
---
ص 133 (62) ق. 17.
---
[ 134 ] (1/134)
الصلوة عنده ولا قربة، كما لا يجوز الترحم عليه ولا له، لانه نجس عظيم وخلق عند الله غير كريم، فلذلك كرهت الصلوة بين المقابر للمسلمين، وتجنبها من تجنبها من المؤمنين، ولا نرى الصلوة على قارعة الطريق السابل الذي لا ينقطع ما روه، ولا يزال فيه أبدا سالكوه، لما في الصلوة عليه من الضرر بالمار فيه، ولا يجوز الضرر لمسلم باهل (63) الاسلام، لما في ذلك من نهي الله ورسوله، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه عز وجل: (لا تضار والدة بولدها ولا مولد له بولده) (64)، ويقول عزوجل: (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) (65) ويقول عزوجل: (أو دين غير مضار) (66) وفي ذلك ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام). حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الصلوة على قارعة الطريق، وفي الحمام وبين المقابر فقال: أما بيوت الحمام الخارجة النقية التي ليس فيها قذر فلم ينه عن الصلوة فيها، وإنما كرهت الصلوة في البيوت الداخلة لقذرها، وأما المقابر فكرهت الصلوة عليها لاكرام أهلها إن كانوا مؤمنين، ولقذرهم ونجاستهم إن كانوا كافرين، وأما الصلوة على قارعة الطريق فإنما نهي عنها لمعنى الاقذار والمضرة بالمار، وليست المضرة من أخلاق المؤمنين (67)، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام).
---
ص 134 (63) في نسخة: على أهل.
(64) البقرة 233.
(65) البقرة 31.
(66) النساء 12.
(67) وفي نسخة المسلمين.
---
[ 135 ] (1/135)
باب القول في الصلوة في الخف والنعل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس بالصلوة في الخف والنعل إذا لم يعلم أن ذابح دوابهما كافر ولم ير فيهما نجس ولا قذر فإن كان ذابحهما. كافرا حربيا أو يهوديا أو مجوسيا أو من لا يعرف الرحمن أو من لا يدين له بما افترض من الاديان فلا تجوز الصلوة في أدم ذبيحته ولا نرى أنه يحل أكلها للمسلمين ولا يجوز الانتفاع بشئ منها للمنتفعين وكذلك ما كان من الثياب قد أصابه شئ من الدم بمامثله لو كان على رأس جرح لقطر، أو أصابه شئ كثير من الخمر أو حقير أو أصابه من البول شئ يسير فلا يجوز الصلوة فيه ولا يحل للمصلي أن يصلي عليه ولا يجوز للمصلي أن يصلي في بيعة ولا كنسية لنجاسة من فيهما وأنهم ينجسونهما بوطيهم وعرقهم وأبدانهم وكفرهم لانهم لا يجوز أن يدخلوا المساجد التي يصلى فيها لقول الله عزوجل: (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) (68) فمنعهم الله من دخول المساجد لعلمه بتنجيسهم لها، وتقذيرهم اياها، فإذا قد وضح دفع الله لهم عن مواضع صلوات المسلمين، فلا يجوز أن يصلي في مواضع مجالس المشركين، لانهم نجس حيث كانوا وكل مكان دخلوه فقد تنجس لقربهم، فلذلك قلنا: لا تجوز الصلوة في آثارهم ومواطنهم ولا يجوز أن يجعل المسلم ما كان من الجدر فيه صورة له قبلة يصلي إليه إلا أن يجعل من دونه ما يستره منه بين عينيه أو يحكها أو يقلعها من الجدار من بين يديه.
---
ص 135 (68) التوبة 28.
---
[ 136 ] (1/136)
باب القول في المصلي يحصي صلوته بالحصى أو الخطوط وفي الرجل يعتمد على الارض أو يحصي الآي في الصلوة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يخط الرجل عدد ما يركع في الارض أو يحصي ذلك بالحصى أو يعد الآي إذا كان يفعل ذلك تحفظا منه واستقصاء في دينه وخوف الشك والنسيان في صلوته ولا بأس بأن يعتمد الرجل على الارض أو على الجدار إذا نهض لصلوته إذا أحتاج إلى ذلك لعلة أو كبر وفي ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله من الاثر أنه كان يعتمد على عود كان في قبلته حين ينهض في صلوته وذلك العود اليوم فهو في قبلة مسجده بالمدينة.
باب القول في الفتح على الامام في الصلوة وفي صلوة المسافر مع المقيم والمقيم مع المسافر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا حار الامام وشك في القراءة حتى يطول شكه ويكثر تردده في طلب ما ظل من القران عن فهمه فلا بأس أن يفتح عليه بعض المؤتمين به وقد روي ذلك عن أمير المؤمنين رحمة الله عليه ورضوانه. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الامام يتحير في القراءة فيقف هل بفتح عليه من خلفه فقال: إذا طال تحيره فلا بأس أن يفتح عليه من خلفه، وما من فتح عليه بمخطئ، وقد روي ذلك عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أنه كان يأمر بذلك. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لا ينبغي للمسافر أن يدخل في صلوة الحاضر ولا بأس بأن يدخل الحاضر في صلوة المسافر، وإنما
---
[ 137 ] (1/137)
قلنا بذلك وكان الامر فيه عندنا كذلك لانه ليس لمؤتم بإمام في صلوته أن يسلم إلا من بعد تسليم إمامه، ولا بأس أن يسلم الامام ويتم المؤتم به من بعد تسليم إمامه ما بقي عليه من صلوته ألا ترى أنه لو لحق مصل من صلوة الامام في الظهر ركعتين وجب عليه إنتظار الامام حتى يسلم ثم يتم ما بقي من صلوته من الركعتين الآخرتين وأنه لا يجوز لرجل لو قام فصلى في مسجد من ظهره ركعتين ثم جاءت جماعة قد دخلت فجمعت أن يدخل في صلوتهم فيصلي ما بقي من صلوته معهم وهو ركعتان ثم يسلم ويمضي القوم في باقي صلوتهم فلما لم يجز له ذلك كرهنا للمسافر أن يصلي مع الحاضر ثم ينصرف ويسلم قبل إنصراف الامام وتسليمه. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن المسافر هل يدخل في صلوة المقيمين؟ والمقيم هل يدخل في صلوة المسافرين؟ فقال: لا نرى أن يدخل المسافر في صلوة المقيمين، لان فرضه خلاف فرضهم، وحكمه غير حكمهم في صلوته، فإذا دخل المقيم في صلوة المسافرين أتم ما بقي من صلوته إذا سلم المسافرون
باب القول في صلوة كسوف الشمس والقمر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أحسن ما سمعنا في صلوة الكسوف عشر ركعات في أربع سجدات وتفسير ذلك أن يقوم الامام ويصطف المصلون ورائه فيكبر ويقرأ بالحمد وقل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق سبع مرات ثم يركع ثم يرفع رأسه، فيقرأ بالحمد وقل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق سبع مرات ثم يركع ثم يرفع رأسه، ويعود لمثل ما قرأ أولا، ثم يركع حتى يستوفي خمس ركعات، يقرأ بين كل ركعتين بما ذكرت لك، ثم يسجد بعد خمس ركعات سجدتين، ثم
---
[ 138 ] (1/138)
يقوم فيقر أو يركع، ثم يقرأ ويركع، حتى يركع خمسا أخر يقرأ بين كل ركعتين منهن ما قرأ أولا في الركعات الأولات، ثم يسجد سجدتين ثم يتشهد ثم يسلم ثم يثبت مكانه ويكثر من الاستغفار والدعاء والتهليل والتكبير ويسمع من ورائه ولا يجهر بذلك جهرا شديدا ويدعو بما حضره لنفسه وللمسلمين ويسأل الله إتمام المحبوب من النعم وصرف المكروه من جميع النقم ثم ينصرف. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: هذا الذي ذكرنا من القراءة في صلوة الكسوف لم يذكر عن أحد ولكني أنا استحسنته وتخيرته، وأما عدد الركعات فقد ذكر. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن صلوة الكسوف؟ فقال قد اختلف في ذلك وكل جايز، فقد ذكر عن النبي صلى الله عليه وآله: أنه صلى ست ركعات في أربع سجدات وذكر غير ذلك، ولم يصح لنا ذلك عنه، وذكر عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أنه صلى في صلوة الكسوف عشر ركعات في أربع سجدات رواية صحيحة عنه، ولم يفعل ذلك صلى الله عليه إلا بيقين أخذه عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
باب القول في صلوة الاستسقاء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الذي اختار وأحب في صلوة الاستسقاء أن يخرج المسلمون الذين هم في البلد الذي أصابه الجدب إلى ساحة بلدهم فيجتمعون ثم يتقدم إمامهم فيصلى بهم أربع ركعات يسلم في كل اثنتين وتكون قرائته في كل ركعة سورة الحمد وإذا جاء نصر الله والفتح وبهذه الآيات الثلاث من سورة الفرقان أولهن: (وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء
---
[ 139 ] (1/139)
طهورا لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا) (69) وبآخر سورة الحشر من قوله تعالى: (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون) (70) إلى آخر السورة، فإذا صلى أربع ركعات، وقرأ في كل ركعة بما سمينا من الآيات، استغفر الله واستغفره المسلون، وجأروا بالدعاء ومسألة الرحمة والمغفرة، وأحدثوا لله توبة وسألوا القبول لتوبتهم، والغفران لما تقدم من خطاياهم ثم قال إمامهم: اللهم إياك دعونا، وقصدنا، ومنك طلبنا، وبرحمتك تعرضنا، وأنت إلهنا وسيدنا وخالقنا وراحمنا فلا يخيب عندك دعاءنا، ولا تقطع منك رجاءنا، إنك أرحم الراحمين. ثم يقلب شق ردائه الذي على منكبه الايمن فيجعله على منكبه الايسر ويقلب الشق الذي على منكبه الايسر فيجعله على منكبه الايمن ثم ينصرف وينصرف معه الناس إلى منازلهم ويقرأ في طريقه وانصرافه بياسين حتى يختمها، ثم يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، عليه توكلنا وهو رب العرش العظيم، سبع مرات، ثم يقرأ آخر آية من البقرة.
باب القول في صلوة العيدين والعمل فيهما
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجب على الامام إذا كان يوم الفطر أن يخرج إلى ساحة بلده، أو إلى جانب منه فيصلي بالناس ركعتين، يقرأ في الركعة الاولى بالحمد وسورة معها من مفصل القرآن، ثم يكبر سبع تكبيرات يقول: في كل تكبيرة الله أكبر كبيرا،
---
ص 139 (69) الفرقان 48.
(70) الحشر - 20.
---
[ 140 ] (1/140)
والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا حتى يقول ذلك سبع مرات، ثم يركع بالثامنة، ثم يقول ثم يسجد سجدتين ثم يعود فيقوم فيقرأ الحمد وسورة، ثم يكبر خمسا على مثال ما كبر أولا، ثم يركع (71) ثم يرفع رأسه ثم يسجد سجدتين، ثم يتشهد ويسلم، ثم يكبر في دبر صلوته ثلاث تكبيرات ثم ينهض، ويعلو راحلته أو منبرة فيخطب الناس ويكبر قبل أن يتكلم بالخطبة تسع تكبيرات، ويكبر بعد الفراغ منها سبع تكبيرات ويحضهم على إخراج فطرتهم ويعلمهم أنها سنة من نبيهم وأنها لازمة لهم وأنها واجبة عليهم ويأمرهم بأدائها عن جميع عيالهم حرهم ومملوكهم صغيرهم وكبيرهم ويذكر لهم كم هي وكم يجب على كل انسان منها وهي صاع من تمر، أو ذرة، أو الشعير، أو زبيب أو صاع من بر. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: يخرج كل قوم مما يأكلونه وعلى عيالهم ينفقونه، وكذلك إن كان عدسا أو حمصا أو إقطا أو لوبيا بعد أن يكون أهل ذلك المنزل يأكلونه ويستنفقونه وليس عليهم تكلف ما لا يجدون ولا إخراج من غير يستنفقون لان الله سبحانه وتعالى يقول: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) (72)، (وإلا ما آتاها) (73)، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: في الوصية بالمماليك (الله الله فيما ملكت أيمانكم أطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم (74) مما تلبسون) وأمر صلى الله عليه وآله أن تطعم المماليك مما يأكل أربابهم فلذلك قلنا: يجب أن يكون زكوته مما ينفقه على نفسه، فإذا فرغ الامام
---
ص 140 (71) في نسخة: ثم يركع بسادسة.
(72) البقرة 286.
(73) الطلاق 7.
(74) في نسخة وأكسوهم.
---
[ 141 ] (1/141)
من الخطبة جلس جلسة خفيفة ثم عاد فخطب الخطبة الاخرى التي يمجد (75) الله فيها ربه العلي الاعلى ثم يكبر سبعا وينزل فينصرف يمن معه من المسلمين. وإذا خرج لصلوة عيد الاضحى صلى قبل خطبته كما فعل في صلوة الفطرة بلا أذان ولا إقامة وكذلك صلوة الفطر بلا أذان ولا إقامة فيكبر في الركعتين لعيد الاضحى كما كبر في الركعتين في الفطر سبعا وخمسا، ثم يعلو راحلته أو منبره فيكبر تسعا، ثم يبتدي الخطبة فيخطب الناس ويفصل بين كلامه بالتكبير فيقول: الله أكبر الله أكبر لا اله إلا الله والله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا على ما أعطانا وأولانا وأحل لنا من بهيمة الانعام ثم يعود إلى حيث بلغ من خطبته فيتكلم ثم يوشك أن يكبر ثم يعود إلى الكلام حتى يكبر في خطبته ثلاث مرات فإذا فرغ منها جلس جلسة خفيفة ثم قام قخطب بالخطبة الثانية ثم كبر سبعا ونزل.
باب القول فيما يعمل الامام في الحج وكيف يصلي؟ وكم يصلي؟ وأين يخطب؟ وما يقول في خطبته؟
قال يحيى بن الحيسين صلوات الله عليه: ينبغي للامام أن يخطب الناس بمكة قبل التروية بيوم، فيفهمهم (76) مناسكهم ويعلمهم بيوم حجهم، ويشرح لهم ما يكره من العيوب في ضحاياهم، ويأمرهم بما يفعلون في جميع مناسكهم وسننهم وسبلهم وإحرامهم، ثم يخطبهم يوم عرفة، ويأمرهم وينهاهم، ويبصرهم بما يجب أن يبصرهم، سمعه من سمعه، وقصر كلامه عمن قصر، ويفصل بين كلامه في الخطب بالتلبية، فيقول: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد
---
ص 141 (75) في نسخة: يمجد الله.
(76) في نسخة: فيفقههم.
---
[ 142 ] (1/142)
والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك ذا المعارج لبيك، ثم يعود إلى موضعه من خطبته ثم يوشك أن يلبي ثم يعود إلى الخطبة ثم يلبي ثم يعود إلى الخطبة ثم يلبي حتى يلبي ثلاثا أو خمسا أو سبعا على قدر الخطبة طولها وقصرها.
باب القول في اجتماع العيد والجمعة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا اجتمع العيد والجمعة فمن شاء حضر الجمعة ومن شاء اجتزى عن حضورها بصلوة العيد وخطبته، كذلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه اجتمع على عهده عيدان فصلى بالناس صلوة العيد، وخطبهم ثم قال: (من شاء فليأت الجمعة ومن شاء فلا يأتي) قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ومن اغتسل لصلوة العيد الذي اجتمعت معه الجمعة ونوى أنه اغتسل للعيد والجمعة، أجزاه ذلك عن الغسل يوم الجمعة، والغسل في يوم الجمعة فليس بفرض واجب، وإنما أمر به رسول الله صلى الله عليه وآله اصحابه، لانهمم كانوا يكونون في مكاسبهم وأعمالهم فيصيبهم الغبار والتراب، ويتراكم عليهم العرق، ثم يأتي وقت الصلوة يوم الجمعة فيحضرون للصلوة وهم على تلك الحال، فيزدحمون فتثور منهم رائحة ذلك الغبار مع العرق، فيتأذى بعضهم من بعض، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بالغسل يوم الجمعة ففعلوا، فذهبت تلك الرائحة وأما طوا بالماء ما كان يعلوهم منها. قال يحيى بن الحسين رحمة الله عليه: الجمعة واجبة على كل مسلم إلا على الصبي والمرأة، والعبد المملوك، والمريض ومن أطاق إتيانها من هؤلاء كلهم فأتاها فذلك حسن وليس هو عليه بواجب والتستر
---
[ 143 ] (1/143)
للنساء أصلح الامور. ولزوم البيوت أعظم لاجرهن، (حدثني أبي عن أبيه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله) أنه قال: (النساء عي وعورات فاستروا عيهن بالسكوت وعوراتهن بالبيوت).
باب القول فيمن لم يجد ماء هل يجوز له أن يتيمم ويؤم المتوضين أم لا؟
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز أن يؤم المتيمم المتطهرين بالماء، وكذلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (لا يؤم المتيمم المتوضي بالماء) وبلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أنه قال: لا يؤم متيمم متوضين.
باب القول في صلوة العريان بذوي اللباس وصلوة القاعد بالقيام من الناس
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يؤمن عريان لابسا ولا قاعد قايما وذلك لما جعل الله من الفضل في ستر العورة للمستترين وما جعل من الفضل للمصلي قائما على المصلى قاعدا، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال لاصحابه: وقد خرج عليهم يوما وبهم وهن المرض وهم يصلون قعدوا فقال: (صلوة القاعد نصف صلوة القائم).
باب القول في الترغيب في صلوة الليل تطوعا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أحب لمن قدر وقوي وصح جسمه وشفي أن لا يدع أن يصلي في آخر الليل ثماني ركعات مثنى مثنى يقرأ في كل ركعة بما تيسر له من القرآن فإن في ذلك فضلا
---
[ 144 ] (1/144)
عظيما، وخيرا كثيرا في الدنيا والآخرة، وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (من صلى ثماني ركعات في الليل سوى الوتر يداوم عليهن حتى يلقى الله بهن فتح الله عليه اثنى عشر بابا من الجنة)، وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (ركعتان في نصف الليل الآخر أفضل من الدنيا وما فيها ولولا أن أشق على أمتي لفرضتهما عليهم). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ما: أحب لمن قوي على ذلك أن يدعه ولو على ظهر راحلته يؤمئ إيماء يكون سجوده أخفض من ركوعه، إن كان في محمل حول وجهه نحو القبلة وإن كان على راحلته صلى حيث توجهت راحلته، فأما إذا جاءت الفريضة فالارض الارض إلا من بلاء عظيم. وخوف مانع جسيم فإذا كان ذلك فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها كما قال تبارك وتعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقال: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) (77) يريد تبارك وتعالى بقوله وسعها طاقتها وما تستطيعه من أمورها وقد بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه كان يتطوع على ظهر راحلته حيثما توجهت به.
باب القول في صلوة الامام صلوة العيد والجمعة في السفر وتكبير العيدين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا سافر الامام والمسلون معه فأدركتهم الجمعة أو أحد العيدين الفطر أو الاضحى في قرية من قرى المسلمين فليجمع وليصل وليخطب بالمسلمين، يصلي
---
ص 144 (77) البقرة 286.
---
[ 145 ] (1/145)
الجمعة ركعتين وكذلك أقول: أنه يجب على أهل القرى والمناهل إذا كان في القرية منهم جماعة ومسجد يجمع فيه، إن الجمعة تجب عليهم وإنه ينبغي لهم أن يختاروا لانفسهم إماما يخطب بهم ويصلي بهم، وإنما أرى ذلك لهم وأوجبه عليهم إذا كان إمامهم الذي يدعون له في خطبتهم ويذكروه إماما عادلا محقا ممن تجوز له الامامة، لان الله عزوجل قد أمر الناس جميعا ولم يستثن منهم أحدا بالسعي إلى صلوة الجمعة فقال: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) (78) فأما تكبير عيد الفطر فهو من حين يخرج الامام إلى أن يبتدي الخطبة، وأما التكبير في عيد الاضحى فمن صلوة الصبح يوم عرفة إلى صلوة العصر من آخر أيام التشريق، وهو يوم النفر الاكبر، كذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أنه كان يفعل ذلك. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن التكبير فقال: من صلوة الصبح يوم عرفة إلى صلوة العصر من آخر أيام التشريق. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: والتكبير؟ فهو في دبر كل صلوة فريضة أو نافلة وهو أن يقول المكبر: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا.
باب القول في الرجلين ينوي كل واحد منهما أن يؤم بصاحبه وصاحبه لا يعلم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أصطف رجلان جاهلان بمقام الامام فصلى كل واحد منهما وهو ينوي أنه إمام لصاحبه
---
ص 145 (78) الجمعة 19.
---
[ 146 ] (1/146)
فصلوتهما تامة وإن كان كل واحد منهما لم ينو أن يأتم بصاحبه فصلوتهما تامة أيضا وإنما قلنا ذلك لانا وجدنا كل واحد منهما مصليا لنفسه غير مؤتم بصاحبه فلذلك قلنا إن صلاتهما تامة، فإن كان كل واحد منهما مؤتما بصاحبه معتقدا لصلاة صاحبه فقد جعله في نفسه له إماما، ونوى الاقتداء به في القعود والركوع والسجود والقيام، وكلاهما لا يعلم أن صاحبه به مؤتم فصلاتهما باطلة لانهما لم يصليا لانفسهما ولم يصل واحد منهما بصاحبه، وكانت نية كل واحد منهما أنه تابع متكل على أخيه وأخوه لا يعلم فلذلك قلنا إن صلاتهما لم تتم ولو أن رجلا كان قد صلى الظهر فدخل الامام فصلى في جماعة فقام الرجل الذي قد صلى فوقف معهم يصلي تطوعا فحدث بالامام حدث نقض طهوره فاجتذب ذلك الرجل الذي قد صلى من ورائه فأوقفه مكانه، وهو لا يعلم بأن صلوة ذلك كانت تطوعا فأتم بهم صلوتهم كانت صلوتهم باطلة، لانهم ائتموا في فريضتهم بمن يصلي تطوعا، ولا يؤم في الفريضة إلا من يصليها فأما من صلى غيرها فلا يؤمن غيره فيها، فيجب عليهم أن يقدموا غيره إذا علموا ويعيدوها ولا يعتدوا بما صلوا منها.
---
[ 147 ] (1/147)
كتاب الجنائز
---
[ 149 ] (1/149)
بسم الله الرحمن الرحيم مبتدأ أبواب الجنائز قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ينبغي لمن حضرته الوفاة أن يوصي ويشهد على وصيته ويكون أول ما يشهد عليه ويلفظ به ما يدين الله به من شهادة الحق ويقول: بسم الله الرحمن الرحيم هذى ما أوصى به فلان بن فلان أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله أرسله بالهدى وبدين الحق، لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، اللهم أني أشهدك وكفى بك شهيدا، وأشهد حملة عرشك وأهل سماواتك وأرضك، ومن خلقت وفطرت وصورت وقدرت بانك الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك ورسولك، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، أقوله مع من يقوله، وأكفيه من أبى قبوله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم من شهد على مثل ما شهدت عليه فاكتب شهادته مع شهادتي ومن أبى فاكتب شهادتي مكان شهادته، واجعل لي به عهدا توفينه يوم ألقاك فردا إنك لا تخلف الميعاد وهذا الكلام فهو شبيه بوصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم يفرش فراشه مستقبل القبلة ثم يقول: اللهم بارك لي في الموت وفيما بعد الموت وهون علي خروج نفسي وسهل علي عسير
---
[ 150 ] (1/150)
أمري بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله حنيفا مسلما وما أنا من المشركين ثم يوصي بما أحب من وصيته ولا يجاوز ثلث ماله إلا بإذن ورثته ثم يشهد على وصيته شهودا ويدفعها إلى ثقة لينفذها بعد وفاته.
باب القول في توجيه الميت إلى القبلة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أحسن التوجيه إلى القبلة، وأفضله عندي وأعد له أن يلقى الميت عند موته وعند غسله على ظهره، ويستقبل بوجهه القبلة تصف قدماه مستقبل القبلة ليعتدل وجهه مستقبلا لها بكليته. ولا ينبغي ولا يجوز ولا يحل الصياح عليه ولا الصراخ، ولا لطم الوجه ولا خمشه، ولا شق الجيب، وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله: أنه نهى عن ذلك أشد النهي فقال صلى الله عليه وآله: (تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب) قال: وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (صوتان ملعونان فاجران في الدنيا والآخرة، صوت عند مصيبة وشق جيب وخمش وجه ورنة شيطان وصوت عند نعمة صوت لهو ومزامير شيطان).
باب القول في ثواب غسل الميت وتعجيل دفنه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (أيما امرء مسلم غسل أخاه المسلم فلم يقذره، ولم ينظر إلى عورته ولم يذكر منه سوءا ثم شيعه وصلى عليه، ثم جلس حتى يدلى في قبره خرج عطلا من ذنوبه). قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لا ينبغي لمن مات في أول
---
[ 151 ] (1/151)
النهار أن يبيت إلا في قبره، ومن مات في أول الليل أحببنا له أن لا يصبح الا في قبره إلا أن يضر ذلك بأهله، الا أن يكون غريقا أو صاحب هدم، أو مبرسما، فإننا نحب التأني بهم، وقد بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قريب من ذلك.
باب القول في غسل رسول الله صلى الله عليه وآله وكفنه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: لما أخذت في غسل رسول الله صلى الله عليه وآله سمعت مناديا ينادي من جانب البيت لا تخلعوا القميص، قال: فغسلنا رسول الله صلى الله عليه وآله وعليه القميص فلقد رأيتني أغسله وإن يد غيري لتردد عليه، وإني لاعان على تقليبه، ولقد أردت أن أكبه فنوديت أن لا تكبه، وبلغنا عنه أنه قال: كفنت رسول الله صلى الله عليه وآله في ثلاثة أثواب: ثوبين يمانيين احدهما سحق والثاني قميص كان يتجمل به. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ويستحب لغاسل الميت أن يغتسل وكذلك بلغنا عن علي عليه السلام، حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن غاسل الميت هل يغتسل؟ قال نعم يغتسل غاسل الميت وهو قول علي عليه السلام وغيره من الصحابة والتابعين.
باب القول فيمن مات في السفر ومعه ذو محرم والقول في الرجل وامرأته يموت احدهما في السفر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا مات الرجل بين النساء، أو ماتت امرأة بين الرجال، وكان مع الميت منهما محرم أزره ثم
---
[ 152 ] (1/152)
سكب عليه الماء سكبا، وغسل بدنه بيديه ولم يمس العورة ولم يدن منها وسكب الماء عليها سكبا، قال: وكذلك الرجل إذا مات في السفر ومعه زوجته أو ماتت المرأة ومعها زوجها. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يغسل الرجل امرأته وتغسل المرأة زو جها. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ويتقيان النظر إلى العورة، وقد غسل علي عليه السلام فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وعليها. حدثني أبي عن أبيه في الرجل تموت ابنته في السفر وليس معها نساء فقال: يغسلها ويتجنب النظر إلى العورة. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الرجل هل يغسل زوجته؟ والمرأة هل تغسل زوجها؟ فقال: لا بأس بذلك لان عليا عليه السلام غسل فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وعلى الاخيار من آلهما.
باب القول في المرأة تموت في السفر وليس معها محرم ولا يوجد لها من يغسلها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا ماتت المرأة مع الرجال ولا محرم لها فيهم يممت إلا أن يكون الماء ينقيها فيسكب الماء عليها سكبا ولا يكشف لها يد ولا رجل ولا شعر، وإذا مات الرجل مع النساء سكبن الماء عليه سكبا.
باب القول في العمل بالشهيد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الشهيد إذا مات في المعركة دفن في ثيابه التي مات فيها، إلا أن يكون خفا أو منطقة أو فروا، فإنه يقلع عنه أو سراويل فإن ذلك يقلع عنه، إلا أن يصيبه دمه فيدفن
---
ص 152 قال الامام محمد بن يحيى وأوصى أبو بكر أن تغسله أسماء ابنة عميس فغسلته تمت.
---
[ 153 ] (1/153)
معه، ولا يغسل إذا مات في المعركة وإن حول من المعركة التي أصيب فيها وفيه شئ من الحياة فعل به كما يفعل بالموتى وغسل وكفن وصلي عليه ودفن، وكذلك يصلى عليه إذا مات في المعركة لان الشهيد أحق بالصلاة والتزكية، وأهل بالاستغفار والبركة. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الشهيد هل يغسل؟ فقال: الشهيد إذا مات في المعركة لم يغسل وأن نقل وفيه حياة ثم مات غسل وعمل به كما يعمل بالاموات، حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الشهيد هل يصلى عليه أم لا يصلى عليه؟ فقال: الشهيد يصلى عليه لان النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى على عمه حمزة رضي الله عنه وكبر عليه سبعين تكبيرة يرفع قوم ويوضع آخرون وحمزة موضوع مكانه يكبر عليه وعلى من استشهد يوم أحد. ومن لم ير الصلاة على الشهيد كان مبتدعا ضالا، ومن أحق بالصلاة والترحم عليه من الشهيد.
باب القول في الصلاة على المولود والمحترق بالنار والغريق والمرجوم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا استهل المولود صلي عليه وفعل به كما يفعل بالموتى وورث وورث وسمي، فإن لم يستهل لم يجب له من ذلك شئ، واستهلاله صياحه فإذا شهد على ذلك أربع نسوة أو امرأتان تقيتان مؤمنتان كان أمره وحكمه حكم المستهل. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: إذا احترق المحترق بالنار صب عليه الماء صبا ولم يدلك جلده دلكا لما يخشى عليه من تزلعه وتقطعه، وأما الغرقى فيغسلون كما يغسل الموتى ويصلى عليهم ويحنطون ويفعل بهم كما يفعل المسلون بموتاهم، وأما المرجوم فان كان معترفا وعلى نفسه مقرا فلا اختلاف عند الامة في غسله وتكفينه
---
[ 154 ] (1/154)
والصلاة عليه، وأما المرجوم بالبينة فان سمع منه استغفارا وتوبة أستغفر له إذا صلى على جنازته وإلا فصلى عليه على طريق المداراة إن احتيج إلى ذلك فيه، وإن لم يحتج إلى مداراة في أمره لم يصل عليه ويجتنب الاستغفار له إذا كان قد مات على خطيته ولم يتب منها إلى ربه. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن المرجوم هل يصلى عليه؟ فقال: أما المقر التايب فلا اختلاف في الصلاة عليه ويكفن ويفعل به كما يفعل بموتى المسلمين كذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه أمر بما عزبن مالك الاسلمي لما رجم، وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في مرجومة رجمت من همذان فأمر بها أن تكفن وتغسل ويصلى عليها وأما المرجوم بالبينة فمنهم من قال: يصلى عليه ومنهم من قال: لا يصلى عليه لان الصلاة ترحم واستغفار ومن أتي كبيرة مما يوجب له بها النار لم يصلى عليه لانه ملعون إذا كان غير تايب يلعن كما ذكر عن الحسين بن علي عليه السلام ودعائه على سعيد بن العاص حين مات، وقد قال: الله تبارك وتعالى في المخلفين: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) (1). حدثني أبي عن أبيه في الغريق يغسل؟ قال يغسل الغريق كما يغسل غيره، حدثني أبي عن أبيه في السقط يصلى عليه؟ قال: لا يصلى عليه ألا أن يكون قد استهل فيصلى عليه.
باب القول في الصلاة على ولد الزنا والاغلف
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يصلى على ولد الزنا كما يصلى على غيره ويستغفر له إذا علم صلاحه لانه لا يضر فسق والديه إذا
---
ص 154 (1) التوبة 84.
---
[ 155 ] (1/155)
كان مؤمنا، وأما الاغلف فان كان ترك الاختتان استخفافا بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله واطراحا لما أوجب الله عليه من ذلك لم يصل عليه وإن كان ترك ذلك لعلة من خوف على نفسه، أو ما يعذر به عند ربه صلى عليه كما يصلى على غيره، وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن رجلا من أهل الكتاب أسلم وهو شاب وكان أغلف، فقال له: صلى الله عليه وآله أختتن فقال: أخاف على نفسي فقال له: إن خفت على نفسك فكف ثم أهدى إليه فأكل من هديته ومات فصلى عليه. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الصلاة على ولد الزنا؟ فقال: يصلى على ولد الزنا كما يصلى على غيره لانه ليس من فعل أبويه في شئ.
باب القول في حمل الجنازة وتشييعها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يبدأ بميامن السرير فيحمله بها حامله، ثم بمؤخر ميامنه فيحمله بها حامله، ثم يدور فيحمل بمقدم مياسره، ثم يحمله بمؤخر مياسره. وينبغي لمن صحب الجنازة أن يمشي خلفها ولا يمشي أمامها لانه تابع غير متبوع. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن حمل الجنازة بأي جوانب السرير يبدأ؟ فقال: بميامنها ثم يدور بها إن شاء في كل جانب فأي ذلك فعل لم يضيق عليه. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن المشي أمام الجنازة فقال: ذكر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام المشي خلفها وأنه قال إنما أنت تابع ولست بمتبوع، وهو أحب ما في ذلك إلى آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلا من تقدمها لحملها.
---
[ 156 ] (1/156)
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: أكره للنساء اتباع الجنازة فان كان لابد فليتنحين وليكن بمعزل عن الرجال، ولا يرفعن بالبكاء صوتا، ولا يبدين لهن وجها، فإذا دفن انصرفن إلى منازلهن، ولا أحب لهن زيارة القبور. حدثني أبي عن أبيه في خروج النساء مع الجنازة وهل تزور المرأة القبور. فقال: قد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله الكراهية لذلك، وأرجوا أن لا يكون باتباع المرأة للجنازة بأس إذا تنحت عن الرجال ومخالطتهم، واستترت بما يسترها من الثياب، وأكره للمرأة أن تزور القبور. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لا أرى أنه يجوز هذا الذي يفعل الناس من الصياح على الجنازة في موت الميت والنعي له في الاسواق والطرق ولكنن يؤذنون به من أرادوا الايذان بالرسل من أولياء الميت. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكراهية فيه. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الايذان في الجنازة، فقال: ما أحب أن يصرخ به وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله: أنه نهى عن النعي وقال: (إنه من فعل أهل الجاهلية) ولا بأس بالايذان بل ذلك حسن أن يؤذن به أصحابه واخوانه ومعارفه وأقاربه.
باب القول في جعل المسك في الحنوط وكم يكون كفن الميت من ثوب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يكون حنوط الميت شئ من المسك، ولقد كرهه قوم ولسنا نكرهه لما جاء فيه من الاثر أنه كان في حنوط رسول الله صلى الله عليه وآله وفي حنوط أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. وأما الكفن فعل قدر
---
[ 157 ] (1/157)
ما يحب أصحابه ويمكن، إن كان سبعة فحسن، وإن كان خمسة فحسن وإن كان ثلاثة فحسن. وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله كفن في ثلاثة أثواب، فإن لم يكن غير واحد أجزأ، وقد كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه الحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه في بردة خيبرية إذا غطى بها رأسه انكشف رجلاه، وإذا غطى بها رجليه أنكشف رأسه، فغطى بها رأسه وجعل على رجليه شيئا من نبات الارض. ومن كفن في ثلاثة أزر بواحد ولف في أثنين لفا، ومن كفن في خمسة أثواب ألبس قميصا وعمم بعمامة وأدرج في ثلاثة، ومن كفن في سبعة أثواب ألبس قميصا وعمم بعمامة وأزر بميزر وأدرج في أربعة. وإن كانت أمرأة جعل بدل العمامة خمار يعصب به رأسها عصبا. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن المسك في الحنوط، فقال: رأيت آل محمد عليهم السلام منهم من يكرهه ومنهم من لا يرى به بأسا وقد ذكر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه جعل في حنوطه مسك وذكر عن علي عليه السلام أنه أمر أن يجعل في حنوطه مسك كان فضل من حنوط النبي صلى الله عليه وآله. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل في كم يكفن الرجل والمرأة والصبي؟ فقال: يكفن الرجل في ثوب واحد إذا لم يوجد غيره وفي ثلاثة أثواب إذا وجدت، وقد كفن رسول الله صلى الله عليه وآله في ثلاثة أثواب وقد كفن رسول الله صلى الله عليه وآله عمه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه في بردة خيبرية وهي الشملة. وتكفن المرأة على قدر ما يمكن من السعة والجدة، من ثوب أو ثوبين أو ثلاثة، وتخمر المرأة بخمار يعصب على رأسها عصبا. وسئل عن شعر المرأة الميتة هل يمشط أو يفتل؟ فقال: يضم بعضه ألى بعض ولا يضم برباط من غيره.
---
[ 158 ] (1/158)
باب القول في التكبير على الجنايز وكم هو وما يقال في كل تكبيرة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أجمع آل رسول الله صلى الله عليه وآله على أن التكبير على الجنايز خمس تكبيرات وذكر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يكبر خمسا. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ليس يضيق على المصلي ما قال في صلاته ولا ما دعا به في تكبيره، بعد أن يصلي على الانبياء والمرسلين، ويدعو للميت ويستغفر له، وقد يستحب له أن يقول في الاولة بعد أن يكبر: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شئ قدير. ثم يقرأ الحمد، ثم يكبر ثم يقول: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وخيرتك من خلقك وعلى أهل بيته الطيبين الاخيار الصادقين الابرار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، ثم يقرأ قل هو الله أحد، ثم يكبر ثم يقول: اللهم صل على ملائكتك المقربين، اللهم شرف بنيائهم وعظم أمرهم، اللهم صل على أنبيائك المرسلين، اللهم أحسن جزائهم، وأكرم عندك مثواهم، وارفع عندك درجاتهم، اللهم شفع محمدا في أمته واجعلنا ممن تشفعه فيه برحمتك، اللهم اجعلنا في زمرته وأدخلنا في شفاعته، واجعل موئلنا إلى جنته ثم يقرأ قل أعوذ برب الفلق ثم يكبر ثم يقول: سبحان من سبحت له السموات والارضون سبحان ربنا الاعلى سبحانه وتعالى، اللهم إن هذا عبدك وإبن عبديك وقد صار إليك وقد أتينا معه متشفعين له سائلين له المغفرة، فاغفر له ذنوبه وتجاوز عن سيئاته، وألحقه بنبيه محمد صلى الله عليه وآله أللهم وسع عليه قبره وأفسح
---
[ 159 ] (1/159)
له أمره وأذقه رحمتك وعفوك يا أكرم الاكرمين، اللهم أرزقنا حسن الاستعداد لمثل يومه ولا تفتننا بعده واجعل خير أعمالنا أخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك، ثم يكبر ثم يسلم تسليمتين عن يمينه وعن يساره. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وهذا الدعاء فإنما يجب أن يدعى به للمؤمنين الصالحين المتقين، فأما الفسقة الخاينون الظلمة المخالفون فلا يجوز ذلك فيهم، ولا نحب لهم بل يبرأ إلى الله تعالى منهم ويسأله الاخزاء لهم وتجديد العذاب عليهم. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن التكبير على الجنايز كم هو؟ وبماذا يدعا في كل تكبيرة وهل يرفع يديه في كل تكبيرة أم لا؟ فقال: أما التكبير على الجنايز عن آل رسول الله صلى الله عليه وآله فخمس تكبيرات، وقد ذكر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كبر على النجاشي خمسا ورفع يديه في أول تكبيرة. وبعد ذلك يسكن أطرافه كتسكينها في الصلاة ويقرأ في التكبيرة الاولى بفاتحة الكتاب ويصلى على النبي صلى الله عليه وآله وفي الثانية يدعوا للمرسلين والمسلمين، ثم يدعوا فيما بقي للميت بما تيسر وحضر من الدعاء ولا يترك الدعاء للميت إن كان من الاولياء. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ومن فاته شئ من التكبير على الجنازة أتم تكبيره عند إنصراف الناس وقبل أن يرفع الميت، قال: ومن خشي أن تفوته الصلاة على الجنازة تيمم وصلى. حدثني أبي عن أبيه في رجل خشي أن تفوته الصلاة على الجنازة وهو على غير وضوء قال: يتيمم إذا خاف فوات الصلاة عليها.
---
[ 160 ] (1/160)
باب القول في ذمية تموت وفي بطنها ولد مسلم، وفي تعزية أهل الذمة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس بتعزيتهم إذا لم يدع لهم ولم يثن على ميتهم وقيل لهم في ذلك قول حسن، ولا ينبغي أن تشهد جنائزهم لان الله سبحانه قد نهى عن الصلاة والقيام على قبور إخوانهم المنافقين فقال: لنبيه صلى الله عليه وآله: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) (2) وأما الذمية التي في بطنها ولد لمسلم فإذا ماتت كذلك دفنت في مقابر أهل ملتها، ولم ينظر إلى ما في بطنها من ولدها، لانه لم ينفصل ولم يخرج من بطنها فيكون أحكامه أحكام غيرها. قال: ولو أن كافرا شهد بشهادة الحق مرة واحدة قبل خروج نفسه لكان حكمه في التكفين والدفن والصلاة والغسل حكم المسلمين لانه قد خرج بما شهد به من حد المشركين وصار بإذن الله بإقراره. من المؤمنين. حدثني أبي عن أبيه في اليهودية والنصرانية تموت وفي بطنها ولد من مسلم قال: يدفن في مقابر أهل دينها إذا لم ينفصل الولد من بطنها. وحدثني أبي عن أبيه في الكافر يشهد شهادة الحق عند ما يحضره الموت مرة واحدة من يدفنه وأين يدفن؟ قال: حاله في الصلاة عليه والتكفين حال المسلمين.
باب القول في اللحد والضرح
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الواجب على أمة محمد صلى الله عليه وآله أن تلحد لموتاها لحدا في جوانب القبور، إلا
---
ص 160 (2) التوبة 84.
---
[ 161 ] (1/161)
أن تكون القبور في موضع منهار لا يطاق فيه اللحد ولا يتهيأ ولا يمكن فيضرح له من بعد إبلاء العذر والجهد، مثل أهل مكة وما شابهها من البلاد وفي ذلك ما بلغنا أنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله قال القول ما ترون أين يدفن النبي صلى الله عليه وآله؟ فقال علي عليه السلام: إن شئتم حدثتكم قالوا: حدثنا قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " لعن الله اليهود والنصارى كما اتخذوا قبور أنبيائكم مساجد إنه لم يقبض نبي إلا دفن في مكانه الذي قبض فيه ". فلما خرجت من فيه نحوا فراشه ثم حفروا موضع الفراش فلما فرغوا قالوا: ما ترى أنلحد أم نضرح؟ قال على عليه السلام: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (اللحد لنا والضرح لغيرنا فلحدوا لرسول الله صلى الله عليه وآله). حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن اللحد والضرح؟ فقال: لحد للنبي صلى الله عليه وآله لحدا واللحد أحب إلينا لان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (اللحد لنا والضرح لغيرنا). أي لاهل الجاهلية من قريش ومن تابعهم من مشركي العرب.
باب القول في الفرش للميت في قبره وتجصيص القبور وتزويقها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا أحب أن يبسط للميت شئ في قبره ولا يدخل معه سوى أكفانه غيرها، فأما تزويق القبور فلا نحبه لان الميت أذا مات فقد ذهبت عنه الزينة وغيرها، ومن ذهبت عنه الزينة في نفسه فالزينة أبعد من بيته وقبره، فأما تحديدها بنصب الحجارة من حولها وطرح الرضراض فوقها لتعرف من غيرها فلا بأس بذلك فيها،
---
[ 162 ] (1/162)
وكذلك التطيين فلا بأس بتطيينها لتبقى معالمها لمن أحب بقائها في أهلها. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل هل يبسط للميت ثوب أو لبد فقال: لا يوضع الميت بعد تكفينه في قبره إلا على حضيض الارض في لحده. وحدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن تطيين القبور وتجصيصها وإدخال الآجر فيها فقال أما الآجر فيكره إدخاله فيها وكذلك التجصيص إيضا يكره ولا بأس بالتطيين.
باب القول في دفن الجماعة في القبر الواحد عند الضرورة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا وضع الميت على شفير قبره أستل من نحو رأسه أستلالا، ويحرف إلى القبلة تحريفا حسنا، ويوسد بعد قبره إما ترابا وإما نشزا من اللحد يعمل له، ولا يوسد في قبره شيئا سوى بعض لحده. قال: وأن أضطر الناس في دفن جماعة في قبر واحد حجز بينهم بحواجزه من تراب أو حجارة أو لبن. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الميت من أين يدخل قبره فقال: يؤخذ الميت إذا أدخل قبره من منكبيه وصدره ويوجه القبلة ويدخل من قبل رجليه يسل سلا. حدثني أبي عن أبيه في الرجلين والثلاثه إذا دفنوا في قبر واحد كيف يدفنون فقال: لا يدفنون في قبر واحد ما وجد من ذلك بد وأن دفنوا ضرورة حجز بينهم بحاجز من الارض والتراب، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد أن يدفنوا أثنين أثنين وثلاثة ثلاثة في قبر واحد، وذلك أن أصحابه كثرت فيهم الجراحات.
---
[ 163 ] (1/163)
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (من حثا على قبر أخيه ثلاث حثيات من تراب كفر الله عنه من ذنوبه ذنوب عام). وبلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان إذا حثا على ميت قال: (اللهم إيمانا بك وتصديقا برسلك وأيقانا ببعثك هذى ما وعد الله ورسوله وصدق الله ورسوله). ثم قال: (من فعل ذلك كان له بكل ذرة من تراب حسنة).
باب القول فيمن لم يوجد له كفن وفي الجنايز يجتمع الرجال والنساء والصبيان والعبيد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا لم يوجد للميت كفن بحيلة ولا سبب ووري بما أمكن من نبات الارض فإن لم يكن نبات دفن على قدر ما يمكن، لان الله تبارك وتعالى يقول: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) (3). قال: وإذا اجتمعت الجنائز قدم الرجال الاحرار فوضعوا أمام الامام، ثم يوضع الصبيان الاحرار الذكور من ورائهم ثم يجعل رجال المماليك من وراء الصبيان، ثم يجعل النساء الحراير من وراء العبيد ثم يجعل الاماء من وراء النساء الحراير ثم يكبر الامام عليهم كلهم معا كما يكبر على الواحد خمس تكبيرات وينوي بذلك الصلاة عليهم كلهم. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الميت لا يوجد له كفن فقال: يوارى بما قدر عليه من نبات الارض وإن لم يوجد ذلك دفن دفنا على ما يمكن من دفنه. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن جنايز يجتمع رجال ونساء وعبيد
---
ص 163 (3) البقرة 286.
---
[ 164 ] (1/164)
وصبيان فقال: يقدم الرجال ثم الصبيان الاحرار الذكور ثم العبيد ثم النساء الحراير وراء ذلك مما يلي القبلة.
باب القول في تفسير غسل الميت وكيف هو
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أول ما تبدأ به من أموره أن يوضع على المغتسل، ويمد على قفاه مستلقيا وجهه إلى القبلة، ثم تستر عورته، ويجرد من ثيابه، ثم يمسح بطنه ثلاث مسحات، مسحا رفيقا، إلا أن يكون الميت إمرأة حاملا فلا يمسح بطنها، ثم يلف الغاسل على يده خرقة، ثم ينقي الفرجين إنقاء نظيفا يسكب الماء على يديه سكبا، ويغسل به الفرجين غسلا، ويتجنب النظر إلى العورة هو وغيره ممن يعينه، ولا يلي غسل الميت إلا أولى الناس به وأطهر من يقدر عليه من أهل ملته، ثم يوضيه وضوء الصلوة يغسل كفيه ثم يغسل فمه وأسنانه وشفتيه وأنفه فينقي ما قدر عليه منه ثم يغسل وجهه غسلا نظيفا، ثم يغسل ذراعه اليمني إلى المرفق، ثم يغسل كذلك ذراعه اليسرى إلى المرفق، ثم يمسح رأسه، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين، فيبدأ باليمنى ثم باليسرى، ثم يغسل رأسه فينقيه ثم يغسل بدنه يقلبه يمينا وشمالا، يبدأ بميامنه قبل مياسره، ويستقصى على غسله كله ظهره وبطنه، ثم يغسل بالحرض في ذلك الغسل وفي تلك الغسلة حتى ينقى به، ثم يغسل عنه ذلكا لحرض كله، ثم يغسل بالسدر، ويبدأ برأسه فينقى ولحيته، وإن كان إمرأة لم يسرح شعرها بمشط، ثم يغسل البدن كله بالسدر، جوانبه وظهره وبطنه، ثم يغسل عنه ذلك السدر، ثم يغسل غسلة ثالثة بماء فيه كافور ويغسل به جميع بدنه ورأسه ووجهه ويديه ورجليه وبطنه وظهره، فإن حدث بعد ذلك حدث أتم الغسل خمس مرات فإن حدث به حدث
---
[ 165 ] (1/165)
أتم سبعا، فما حدث بعد ذلك الغسل احتيل في رده عن الكفن بالكرسف وما سقط من شعر الميت غسل ورد في كفنه حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن غسل الميت، ما الذي يجزى منه قال: غسل الميت كالغسل من الجنابة. ويكره أن يسخن للميت الماء إلا أن يحتاجوا إليه لضرورة من برد غالب، أو وسخ يكون بجسد الميت فيسخن له الماء حينئذ. حدثني أبي عن أبيه في الجنب والحايض، هل يغسلان الميت؟ فقال ما أحب أن يفعلا إلا أن لا يوجد غيرهما فإن فعلا أجزيا إذا أنقيا ونظفا. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن أحتيج إلى غسلهما أغتسل الجنب ببعض طهور الميت إن كان فيه فضل، وإن لم يكن فيه فضل ولم يقدر على ماء تيمم، وأما الحايض فتغسل يديهما على كل حال فتنقيها ثم تغسل الميت. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الميت يسقط منه ظفر أو شعر؟ فقال يستحب إن سقط من الميت شئ أن يرد في كفنه ولا تقلم أظفاره.
باب القول في أوقات الصلاة على الميت
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أفضل أوقات الصلاة على الميت أوقات الصلوات المفروضات، والنهار كله والليل كله وقت للصلاة على الموتى إلا الثلاثة الاوقات التي جاء النهي عن الصلاة فيها وهي عند بزوغ الشمس حتى تستقل وتبياض، وعند أعتدالها حتى تميل للزوال، وعند تدليها وتغير لونها حتى يستتم غروبها. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الاوقات التي يدفن فيها الميت
---
[ 166 ] (1/166)
ويصلي عليه فقال: يستحب إذا لم يكن في ذلك إضرار بأهل الجنازة ولا بمن شهدها أن يدفن في مواقيت الصلاة ولا بأس بدفنها بعد الصبح وبعد العصر ويصلى عليها. وإذا حضرت الجنازة والصلاة بدأ بأيهما شاء وليس يضيق على أهلها ما لم يخف فوات الصلاة المكتوبة.
باب القول في وقوف الامام في الصلاة على الميت
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يقف الامام في الصلاة من الرجال حذاء السرة ويقف من النساء حذاء الصدر والمنكبين. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن موقف الامام، فقال: يقف الامام من جنايز الرجال ما بين صدورهم وسررهم، وأما المرأة فيقوم الامام حذاء صدرها ووجهها.
باب القول في عمل القبور
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تربيع القبور أحب إلى من تدويره وإن دور فلا بأس بتدويره ولا بأس أن ينقش إسمه في صخرة تنصب عند رأسه، والصخور أحب إلي من الالواح ولا بأس بذلك.
باب القول في المرأة تموت وفي بطنها ولد حي
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا ماتت المرأة الحامل وأوقن بموتها إيقانا وولدها حي يتحرك في بطنها استخرج ولدها إستخراجا رفيقا ثم يخيط بطنها تخيطيا جيدا وفعل بها كما يفعل بالموتى من الغسل والتكفين والدفن.
---
[ 167 ] (1/167)
كتاب الزكاة
---
[ 169 ] (1/169)
بسم الله الرحمن الرحيم
مبتدأ أبواب الزكاة قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب رحمة الله عليه ورضوانه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تتم صلاة إلا بزكاة ولا تقبل صدقة من غلول). وبلغنا عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: (مانع الزكاة وآكل الربا حرباي في الدنيا والآخرة). وبلغنا عن أمير المؤمنين رحمة الله عليه أنه دعا إبنه الحسن حين حضره الموت فقال: (أوصيك بإتاء الزكاة عند محلها فإنه لا تقبل الصلاة ممن منع الزكاة). وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (الزكاة هي قنطرة الاسلام). قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: الزكاة فرض من الله عزوجل على كل إنسان كفرض الصلاة لا يتم لاحد الايمان إلا بأدائها، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين) (1) وقال عزوجل: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) (2) وقال: (وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة) (3) فسماهم المشركين لتركهم لاداء زكاتهم
---
ص 169 (1) البقرة 43.
(2) البينة 55.
(3) فصلت 6 - 7.
---
[ 170 ] (1/170)
ولرفض إخراج ما أمرهم الله باخراجه من أموالهم ثم أمر تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وآله بالاخذ للصدقة من أموالهم فقال: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم والله سميع عليم) (4) فأوجب الله بذلك على النبي صلى الله عليه وآله أخذها وعلى المؤمنين إخراجها ودفعها ثم قال: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب) (5) فوجب على الامة بذلك قبول ما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله به، وفعل ما أمرهم بفعله، ثم فسر صلى الله عليه وآله عن الله تبارك وتعالى ما أوجب على الامة في الزكاة من فرضها، وبين في كم يؤخذ، ومتى يؤخذ، ومن كم يؤخذ، وعفى عن القليل ألا أن يبلغ الحد الذي حده صلى الله عليه وآله وسلم وجعله، وعفى عن الاوقاص وهي ما بين الفريضتين إلى مبلغ العددين من الحيوان.
باب القول في زكاة الذهب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا تجب الزكاة في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقلا، فإذا بلغ عشرين مثقالا وفقا ففيها ربع عشرها وهو نصف دينار، ثم ما زاد من ذلك على العشرين مثقالا من قليل أو كثير ففيه ربع عشر على الحساب الاول وفي أربعين مثقالا من الذهب مثقال وهو ربع عشرها وما زاد فبحساب ذلك.
باب القول في زكاة الفضة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجب في الفضة زكاة حتى تبلغ مأتي درهم قفلة سواء، ثم فيها ربع عشرها وهي خمسة دراهم
---
ص 170 (4) التوبة 103.
(5) الحشر 7.
---
[ 171 ] (1/171)
فإن، زادت على المأتين درهم درهما أو أقل أو أكثر ففي جملتها ربع عشرها قليلا كانت زيادتها بعد المأتين أو كثير فعلى قدر هذا الحساب، فإن بلغت أربع مائة درهم كان فيها عشرة دراهم فإذا بلغت ثمان مائة كان فيها عشرون درهما، فإذا بلغت ألفا كان فيها خمسة وعشرون درهما وما زاد فبحساب ذلك من قليل أو كثير. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: ليس فيما دون مائتي درهم من الدراهم زكاة، فإذا تممت ففيها خمسة دراهم، وليس فيما دون عشرين مثقالا من الذهب زكاة فإذا تمت عشرين مثقالا ففيها ربع عشرها وهو نصف دينار، وما زاد فبحساب ذلك وكذلك عن علي رحمة الله عليه.
باب القول في زكاة الابل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ليس فيما دون خمس من الابل زكاة، فإذا بلغت خمسا وكانت إبلا سائمة مرعية ففيها شاة، وفي عشر شاتان، ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ خمسة عشر، ثم فيها ثلاث شياه ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ عشرين ثم فيها أربع شياه ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ خمسا وعشرين، ثم فيها إبنة مخاض إلى خمس وثلاثين، فإن زادت واحدة ففيها إبنة لبون إلى خمس وأربعين، فإن زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين، فإن زادت واحدة ففيها جذعه إلى خمس وسبعين فإن زادت واحدة ففيها إبنتا لبون إلى تسعين، فإن زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين ومائة فإن كثرت الابل ففي كل خمسين حقة. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: ليس فيما دون خمس من الابل صدقة فإذا تمت خمسا ففيها شاه وفي عشر من الابل شاتان، وفي خمس
---
[ 172 ] (1/172)
عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمسة وعشرين إبنة مخاض، فإن لم توجد إبنة مخاض فإبن لبون ذكرا إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت واحدة ففيها إبنة لبون إلى خمس وأربعين، فإن زادت واحدة ففيها حقه إلى ستين فإن زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإن زادت واحدة ففيها إبنتا لبون إلى تسعين، فإن زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين ومائة فإن كثرت الابل ففي كل خمسين حقة.
باب القول في زكاة البقر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ليس فيما دون ثلاثين من البقر زكاة فإذا بلغت ثلاثين بقرة ففيها تبيع أو تبيعة، والتبيع فهو الحولي أو الحولية، ثم ليس فيها شئ غير الحولي حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة ثم لا شئ فيها حتى تكون ستين ثم فيها تبيعان، ثم لا شئ فيها حتى تكون سبعين ثم فيها تبيع ومسنة ثم لا شئ فيها حتى تبلغ ثمانين ثم فيها مسنتان ثم لا شئ فيها حتى تبلغ تسعين، ثم يكون فيها ثلاث تبايع، ثم لا شئ فيها حتى تكون مائة فيكون فيها مسنة وتبيعان، ثم لا شئ فيها حتى تكون عشرا ومائة فيكون فيها مسنتان وتبيع ثم لا شئ فيها حتى تكون عشرين ومائة فيكون فيها ثلاث مسنات، ثم لا شئ فيها حتى تكون ثلاثين ومائة، فيكون فيها مسنة وثلاث تبايع ثم لا شئ فيها حتى تكون أربعين ومائة فيكون فيها مسنتان وتبيعان، ثم لا شئ فيها حتى تكون خمسين ومائة فيكون فيها ثلاث مسنات وتبيع، فما زاد من البقر فعلى حساب ذلك في كل أربعين مسنة وفي كل ثلاثين تبيع أو تبيعة. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: ليس فيها دون ثلاثين من البقر صدقة حتى تبلغ ثلاثين، ثم في الثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة وفي كل أربعين مسنة.
---
[ 173 ] (1/173)
باب القول في زكاة الغنم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ليس فيما دون أربعين شاة من الغنم زكاة فإذا تمت أربعين ففيها شاة، ثم ليس فيها شئ حتى تزيد على المائة والعشرين شاة، فإذا زادت شاة واحدة ففيها شاتان إلى مائتين فإن زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاث مائة، فإن كثرت الغنم ففي كل مائة شاة وكذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم فقال: (في الغنم في كل أربعين شاة شاة إلى عشرين ومائة فإن زادت واحدة فشاتان إلى مائتين فإن زادت واحدة على المأتين فثلاث شياه إلى ثلاث مائة، فإن كثرت الشاء ففي كل مائة شاة، لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة، ولا يأخذ المصدق فحل الغنم ولا هرمة ولا ذات عوار). قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: يريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: ذلك أن لا يأخذ المصدق خيار الغنم ولا شرارها، ويأخذ من أوساطها ما لا عيب فيه منها.
باب القول في تفسير قول النبي صلى الله عليه وآله لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تفسير المفترق الذي لا يجمع هو ما فرق الملك بينه وإن أجتمع على راع واحد وتفسير المجتمع الذي لا يفرق فهو ما جمع الملك بينه وإن أفترق به الرعاء وتفسير ما جمعه ملك الرجل الواحد الذي لا يفرق أن يكون له ثلاثة أغنام على ثلاثة رعاء فيجب على المصدق أن يجمع ذلك كله ثم يعده ويأخذ
---
[ 174 ] (1/174)
منه صدقته ولا ينظر إلى إفتراق رعاته إذ قد جمعه ملك مالكه. وتفسير المفترق الذي لا يجمع أن يكون على راع واحد مائتا شاة لستة أناسي لواحد منهم تسع وثلاثون ولواحد ثمان وثلاثون ولآخر سبع وثلاثون ولآخر ست وثلاثون ولآخر خمس وثلاثون ولآخر خمس عشرة فلذلك مائتا شاة قد فرق الملك بينها فلا يجب للمصدق أن يأخذ صدقة منها لانه لا يحب له شئ فيها إذ لا يملك واحد منهم أربعين شاة وبذلك حكم خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وينبغي للمصدق أن لا ينزل على أحد ممن يصدقه ولا يقبل له هدية مخافة التهمة فإن قبل شيئا من ذلك فهو لبيت مال المسلمين لا يحل له منه شئ إلا أن يطلقه له إمام المسلمين فإن أطلق له ذلك أو بعضه جاز له ما أطلق له منه وحرم عليه ما لم يطلق عليه، وكذلك كل من قبل هدية من عمال الامام على شئ من جبايات المسلمين لانهم إنما يهدون له لمكانه من الولاية، والولاية فإنما هي أمانة لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وللامام في رقبته، فكلما جرته إليه الولاية من المنافع فلا يجوز له ولا يحل، لانهم لم يعطوه ما أعطوه إلا بسبب الولاية فلذلك قلنا إن كل منفعة جرتها الولاية فهي من أموال الله ولا يجوز ولا يحل للمولى إلا بتجويز ولى أموال الله الناظر في أمور الله والمصلح له في أرضه، ولا يجوز للامام ولا ينبغي أن يجوز ذلك لعامل ولا لغيره إلا على طريق النظر للمسلمين وإبتغاء الاصلاح في أرض رب العالمين ولعمال الجبايات أن يأكلوا من أموال الله التي في أيديهم ويشربوا ويلبسوا ويركبوا ويختدموا ويسكنوا بالمعروف من بعد أذن الامام لهم فيه. وينبغي للمصدق إذا ورد الماء الذي ترده المواشي أن يقسم غنم كل رجل قسمين ثم يخيره في القسمين ثم يأخذ الصدقة من القسم الذي
---
[ 175 ] (1/175)
ترك صاحب الغنم ثم يخلي باقيها إلى صاحبها، وكذلك يفعل في البقر والابل. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن صدقة الغنم؟ فقال: ليس فيما دون الاربعين من الغنم صدقة فإذا بلغت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة فإن زادت واحدة ففيها شاتان، ثم ليس فيها شئ حتى تكون مائتي فإن زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاث مائة فإن كثرت الغنم ففي كل مائة شاة شاة لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة ولا يؤخذ في الصدقة تيس ولا هرمة ولا ذات عوار ولا خيارها ولا شرارها يؤخذ الوسط منها.
باب القول في الاوقاص وما عفى رسول الله صلى الله عليه وآله عنه من ذلك وتفسير ما يعد من الماشية المصدق فيها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الاوقاض التي عفا عنها رسول الله صلى الله عليه وآله هي ما بين الاسنان من الابل والبقر والغنم والعدد الذي جعله بين السنين مثل ما عفا عنه بين ما يجب فيه أبنة المخاض وبين ما يجب فيه إبنة اللبون وذلك عشر من الابل فعفى رسول الله صلى الله عليه وآله عن هذه العشر وذلك أن في خمس وعشرين أبنة مخاض، ثم لا شئ فيها حتى تبلغ خمسا وثلاثين، ثم فيها إن زادت على الخمس وثلاثين أبنة لبون فلم يجعل صلى الله عليه وآله وسلم فيما بين هذين السنين ولا بين هذين العددين زكاة، وكذلك فيها كلها، وكذلك أوقاص البقر ما بين الثلاثين والاربعين وهو ما بين الحولي والمسنة فلم يجعل بعد الحولي الذي يجب في ثلاثين شيئا حتى تفي
---
[ 176 ] (1/176)
أربعين فيرتفع التسنين إلى المسنة، وكذلك أوقاص الغنم فلم يجعل فيما دون الاربعين شاة شيئا ثم جعل في الاربعين شاة شاة، ثم جعل ما زاد على الاربعين أوقاصا لا زكاة فيه إلى مائة وعشرين، فإن زادت شاة وجب فيها شاتان إلى مائتن، فهذه التي ما بين التوظيفات والزيادات والاسنان فهي الاوقاص التي عفى عنها رسول الله صلى الله عليه وآله. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يعد المصدق من الماشية ويحتسب به في العدد ما سرح في المرتع وتقرم، وأكل من صغار الماشية كلها أبلها وبقرها وغنمها. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: يعد المصدق من الماشية صغارها وكبارها ويؤخذ من الصغار على قدر ذلك ولا يؤخذ شرارها ولا خيارها.
باب القول في تسمية ما عفى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وشرح معنى عفوه عنه ومتى يقع عليه العفو
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: عفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الابل العوامل تكون في المصر، تعلف ويحمل عليها، وإن بلغت خمسا، وعفي عن أربعين شاة تكون في المصر تعلف وتحلب ولا ترع، فإذا رعيت خارج المصر وآبت وجب عليها الزكاة. وكذلك البقر إن لم ترع وعفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الدور والخدم والكسوة والخيل. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وإنما عفى عن ذلك صلى الله عليه وآله وسلم إذا لم يكن صاحبه أتخذه للتجارة ولا اشتراه لطلب ربح، فأما إن كان أشترى شيئا من ذلك كله أو من غيره، من بسط أو
---
[ 177 ] (1/177)
كيزان صفر أو جرار أو رصاص أو حديد أو أهب أو آجر أو صخر أو خشب أو غير ذلك من الاشياء كلها بعد أن يشتريه صاحبه لطلب الربح ويستغل فيه المال للتجارة، فعلى من أراد به ذلك الزكاة يزكيه على قدر ثمنه إذا كان ثمنه مما يجب في مثله الزكاة فأما الدر والياقوت ففيه إذا خرج من معدنه الخمس.
باب القول في تسمية الارضين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الارضون تجري على أرض أفتتحها المسلمون عنوة فقسموها بينهم فصارت ميراثا يجب فيها الاعشار وهي أرض خيبر إفتتحها رسول الله صلى الله عليه وآله فقسم بعضها فجرى مجرى الميراث، ووجب على أصحابه فيه العشر، وعامل على بعضها بالنصف، فتركها في أيدي الذين كانت لهم أولا، يعملونها ويؤدون نصف ما يخرج منها، فما أخذ مما كان كذلك فهو في بين جميع المسلمين يرد إلى بيت مالهم وأرض أفتتحها المسلمون وهي أرض خراج كائنة مع من كانت مثل سواد الكوفة وغير ذلك من البلاد من مصر والشام وخراسان وغير ذلك من البلاد فكلما أخذ من هذا فهو في يرد إلى بيت مال المسلمين. وأرض صالح عليها أهلها وهم في منعة فلا يؤخذ منهم إلا ما صولحوا عليه، مثل أهل نجران وغيرهم من البلاد فهذه أيضا لبيت مال المسلمين. وأرض أجلى عنها أهلها وخلوها من قبل أن يوجف عليهم بخيل أو ركاب أو يقاتلوا مثل فدك فما كان من الارضين على هذا فإمام المسلمين أولى بها يصرفها حيث شاء ورأى. وجميع ما سمينا من هذه الاموال تحل لآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم فيها المقدمون على غيرهم لان غيرهم ينال من الاعشار وهم لا ينالون، ويجوز لامام المسلمين أن يصيب معهم من هذه الاموال
---
[ 178 ] (1/178)
فيأكل ويشرب ويركب وينكح بالمعروف ويرزق نفسه فيها كما يرتزق المسلمون. وأرض أسلم عليها أهلها فهي أرض عشر مثل أرض اليمن والحجاز، على أهلها فيها إذا بلغت ثمرتها خمسة أوسق الزكاة، فما أخذ منها فهو صدقات تخرج حيث سمى الله من قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) (5) وأرض أحياها رجل مسلم فهي له ولورثته من بعده ويؤخذ منه فيها العشر وكذلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (من أحيا أرضا فهي له). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يريد بقوله: هي له الارض التي لم يملكها أحد قبله ولم يزرعها أحد سواه وليس لاحد فيها أثر ولا دعوى. قال: ومن تحجر محجرا فضرب عليه أعلاما يستحقه بها ويعرفه ثم لم يعمره ولم (6) يعانه ثلاث سنين فقد جاءت في هذا أقاويل بأنه إن أعطلها ثلاث سنين وأحياها غيره فهي لمن أحياها.
باب القول في تقبل الذميين أرض المسلمين واستئجارهم لها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قد قيل في ذلك أقاويل مختلفة، وأحب ذلك إلي والذي أراه أن لا يخلى أهل الذمة وذلك - وأن يمنعوا من زرع أراضي المسلمين لان في ذلك تحيفا لاموال المسلمين واضرارا بهم لان أهل الذمة لا زكاة عليهم فيما خرج من زرعهم والزكاة
---
ص 178 (5) التوبة 60.
(6) في نسخة ولم يغله.
---
[ 179 ] (1/179)
واجبة على المسلمين وإذا لم يزرعها الذميون زرعها المسلمون فرجعت منافعها على فقرائهم وفي مصالحهم، وكذلك لا أرى أن تباع الارضون منهم التي في أيدي المسلمين لئلا تبطل الاعشار التي (7) تجب فيها إذا كانت في أيدي المسلمين، فأما ما كان لهم وفي أيديهم قديما فلا يمنعون من تبايعهم إياه فيما بينهم لانه شئ لم يكن للمسلمين فيه منفعة قديما (8) أو حديثا.
باب القول فيما يؤخذ من تجار أهل الذمة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يؤخذ من تجار أهل الذمة نصف عشر ما يأتون به من أموالهم ويتجرون فيه على المسلمين في أرض الاسلام، وانما يؤخذ ذلك ممن أتى من بلد شاسع إلى بلد مثل تجار أهل الذمة الذين بالشام إذا أتوا بتجارتهم إلى الحجاز أو إلى العراق أو إلى اليمن أو غير تجار أهل الشام إذا اتجروا من بلد بعيد إلى بلد من بلاد المسلمين، وأما من كان في الامصار منهم فلا يؤخذ منهم في الامصار التي هم فيها متسكنون شئ، وإنما يؤخذ ممن انتجع بتجارته من بلد هو فيه متسكن إلى بلد بعيد، فأما تجار في بلد فلا يؤخذ منهم فيه شئ. وان خرجوا إلى غيره أخذ منهم فيه كما يؤخذ من غيرهم. باب (9) القول في زكاة ما أخرجت الارض قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تجب الزكاة عندي
---
ص 179 (7) في نسخة اللاتي.
(8) في نسخة ولا حديثا.
(9) في نسخة: باب زكاة ما أخرجت الارض والقول في ذلك.
---
[ 180 ] (1/180)
ويلزم في قولي على كل ما أخرجت الارض وفي كل ما أخذ منها مما يكال أو لا يكال، لان الله سبحانه يقول لنبيه صلى الله عليه وآله: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم والله سميع عليم) (10) والاموال فهي كل ما أغلته العباد وتمولوا به وفيه واتكلوا في معايشهم عليه مما يكال أولا يكال، لاننا نجد كثيرا مما يسقطه غيرنا يصاب منه، ويكتسب فيه الاموال كل من يملكه من النساء والرجال، حتى ربما كان ما لا يكال أكثر فضلا وأعظم أمرا مما يكال، فلذلك أوجبنا فيه كله الزكاة ولقد أوجب الله تبارك - وتعالى في جميع الاموال بابين البيان (11)، عند من عقل وفهم واقتدى بكتابه فعلم بقوله سبحانه: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) (12) فلا تخلوا هذه الاشياء الخطيرة من أن تكون لمالكيها أموالا أو لا تكون لهم أموالا، فان كانت لهم أموالا وجب فيها ما أوجب الله على الاموال، وان لم تكن تسمى في اللغة والبيان أموالا فلا شئ فيها عند كل انسان فلن توجد إن شاء الله تعالى أبدا في اللسان ولا عند أهل الفصاحة والبيان الا مسماة أموالا لا تعرف إلا بهذا الاسم من بين الاسماء وتدعى به كما يدعى غيرها من الاشياء وسنفسر إن شاء الله تعالى ما يجب فيما يكال منها بالمكيال، وما لا يكال من ساير الاموال. فأصل ما يجب في جميع ذلك كله قليله أو كثيره فانه ما سقي منه سيحا يفيح (13) الماء في أرضه فيحا، أو ما شرب بما السماء، أو ما كان من الشجر (14) بعلا، فواكه كان
---
ص 180 (10) التوبة 103.
(11) في نسخة: التبيان.
(12) التوبة 103.
(13) في نسخة تفتح للماء أرضه فتحا.
(14) لبعل ما يشرب من النخل بعروقه غير سقي سماء ولا غيرها.
---
[ 181 ] (1/181)
ذلك أم نخلا ففيه العشر، وما سقي بالسواني (15) والخطارات (16) والدوالي (17) من الزرانيق (18)، وغيرها مما ينشط ماؤه نشطا، ويسقى به ففيه نصف العشر إذا بلغ كل ما يكال من ذلك خمسة أوسق والوسق فهو ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وآله وذلك ما وقته رسول الله صلى الله عليه وآله وجعله له مدا، فوقت له خمسة أوسق سواء، فان نقص كل صنف مما يكال عن خمسة أوسق فلا زكاة فيه ولا يجب شئ عليه. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: كلما أخرجت الارض من نباتها من شئ ففيه الزكاة وهذا أحب الاقوال الي لقول الله عزو جل: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) (19). وحدثني أبي عن أبيه أنه قال: لا تجب الزكاة فيما دون خمسة أوسق مما يكال، والوسق ستون صاعا وما زاد على الخمسة الاوسق أخذ منه بحساب ذلك. وسئل عن وزن الصاع فقال: لا يكون إلا بالكيل لان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (الوسق ستون صاعا) فدل بذلك على الكيل فلا يصح بالوزن.
باب القول في أخذ زكاة العنب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أما ما كان من العنب يزبب أخذ فيه عشره أو نصف عشرة عند كمال تزبيبه كما قال سبحانه:
---
ص 181 (15) السواني: جمع سانية وهي الناقة التي يسقى عليها.
(16) والخطارات: يقال خطر البعير بذنبه إذا رفعه مرة بعد مرة.
(17) والدوالي: المنجتون الذين تديره البقر.
(18) في الضياء الزروق: الناقة الطويلة الرجلين الواسعة. الخطا. وفي قاموس الزرنقان منارتان بينتان على رأس البير.
(19) التوبة 123.
---
[ 182 ] (1/182)
(وآتوا حقه يوم حصاده) (20) وما لم يكن يزبب أدخل فيه من ينظر خرصه ويعرف قدره فيخرصه، فأي كرم أو كروم في ملك رجل واحد كان جملة ما يأتي فيه بعد يبوسه خمسة أوسق زبيبا أخذ منه نصف عشره عنبا أو عشره عنبا، والعمل فيه أن يرسل إليه من ينظر قسمته فيقسمه أجزاء عشرة غير حايف ولا جاير يحضره صاحبه، ثم يقول له: اختر خمسة أجزاء من هذه الاجزاء العشرة، وقد علم كل جزء منها بعلامة تفهم وتعرف فإذا اختار صاحب الكرم من العشرة الاجزاء خمسة أخذ القاسم الذي مع المصدق من الخمسة الباقية جزءا وهو عشر ذلك كله إن كان كرمه مما يجب فيه العشر، وإن كان مما يجب فيه نصف العشر قسم ذلك الجزء بينه وبين صاحب الكرم ثم عرضه لبيع، فإن أحب صاحب الكرم شراؤه من بعد الاستقصاء فيه للبيع، فهو أولى به أخذ منه ثمنه نقدا ودفع إليه، وإلا فيبيع من غيره. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن بلاد بها الاعناب كثيرة لا تزبب هل عليهم العشر في عصيرها أو في أثمانها؟ فقال: يزكى ذلك على قدر خرصه ويؤخذ منه على مقياس قدره.
باب القول في أخذ صدقة مالا يكال من الاموال
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أما الرمان والتفاح والفرسك والسفرجل والمشمش والخرنوب والتين والاجاص وقصب السكر والموز والكمثرى، وما كان غير ذلك من الفاكهة وغيرها مما تخرج
---
ص 182 (20) الانعام 141.
---
[ 183 ] (1/183)
الارض مما لا يكال فإن العمل فيه أن يرسل (21) إليه من ينظر كل صنف منه، فإذا لم يشك المرسل وصاحب المال أن كل صنف من ذلك الثمر يبلغ إذا بيع مائتي درهم قفلة أخذ منه عشرة أو نصف عشره على قدر شرب أرضه، فيؤخذ من كل ثمرة زكاتها، ولا يؤخذ فيها ذهب ولا فضة، وإن قصر مبلغ كل صنف من ذلك عن مائتي درهم لم يؤخذ من صاحب ذلك الصنف المقصر في ذلك الصنف شئ، فهذا أحسن ما أرى من العمل في مثل هذه الاشياء التي لا تكال.
باب القول في زكاة البطيخ والقثاء وغير ذلك مما يأتي ثمره شيئا بعد شئ لا يوقف على كل شئ منها ولا يحصى
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أحسن ما أرى من العمل في تزكية ما لم يكن خروجه كله معا، مما ذكرنا من هذه الاصناف التي يأتي بعضها بعد ذهاب بعض ولا يمكن حبس أولها على آخرها، أن يوكل بما يخرج منها وكيل يعرف ذلك، ويحصيه أو يستأمن على ذلك صاحبه إن كان أمينا، (22) ويترك عنده إذا علم منه الاداء لما يجب عليه والاحتياط على نفسه لله فيه، فإن اتهم أستحلف على ما يتهم عليه حتى إذا استقصى بيع ثمره نظر إلى ما حصل من ثمنه، فإن كان مائتي درهم أخذ منه في ذلك العشر أو نصف العشر، وإن كان ثمن ذلك أكثر من المائتين فعلى حساب ذلك، وإن كان أقل من المائتين لم يؤخذ منه زكاة.
---
ص 183 (21) في نسخة: ان يبعث.
(22) ورجي عنده الاداء.
---
[ 184 ] (1/184)
باب القول في زكاة العناب والتوت والفستق والبندق والبلوط والجلوز وغير ذلك مما تخرجه الارض مما يكال
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل ما كيل من شئ مما تخرجه الارض بالمكيال، مما يملكه الناس من الاموال، ففيه العشر أو نصف العشر على ما ذكرنا من سقي الارض، وما لم يكل عمل في أخذ زكاته على ما ذكرنا أولا فيما لا يكال.
باب القول في زكاة الكتان والقنب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كلما سقي من هذه بالسواني والدوالي والخطارات، وغير ذلك من الامور المتعبات ففيه نصف العشر. وما سقي فيحا أو بماء السماء أو من الانهار أو من العيون فيحا ففيه العشر كاملا، ولا يؤخذ من هذه الاشياء شئ حتى يجب في مثله الزكاة، ووجوب الزكاة فيه فهو أن يبلغ عند ما يكون من قطعه أقل ما يجب في مثله الزكاة من الاموال، وهو مائتا درهم، فإذا بلغها أخذ ما يجب فيه عشر أو نصف عشر.
باب القول في زكاة الحنا والقطن والقضب والعمل في ذلك، ومتى يؤخذ منه زكاة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: هذه الثلاثة الاشياء ينظر إلى كل واحد من هذه الاصناف فإن كانت جزته تساوي مائتي درهم أخذ منه في كل جزة أو قطفة نصف عشر أو عشر على قدر شراب أرضه، وكذلك إن كانت جزته لا تبلغ مائتي درهم إلى مبلغ ثمن جميع ما
---
[ 185 ] (1/185)
يخرج منه من سنة إلى سنة، فإن كان يخرج منه في السنة الكاملة ما قيمته مائتا درهم أخذ ما يجز منه، أو يقطف في كل جزة جزها سنته كلها، فإن كان ذلك شيئا يسيرا لا يؤدي كل صنف منه في كل سنة (23) ما قيمته مائتا درهم لم يؤخذ من ذلك كله شئ، جز أو قطف في السنة مرة أو مرارا. إذا لم يكن يودي في جزاز السنة كلها مائتي درهم. وانما وظفنا لما كان من هذا على هذه الحال مائتي درهم في السنة لانه أصل ثابت لا يبرح الارض دهرا، ولا يخرج ثمره في السنة معا، فأنزلناه منزلة الاصول التي يؤخذ ثمرها في كل سنة من الفواكه وغيرها، مما يحمل في الزكاة على قيمة ثمرها، فجعلنا السنة لما ذكرنا من القطن والقصب والحنا مدى يعرف به منتهى قيمة ثمرهن، كما يعرف قيمة ما كان من الفواكه غيرهن عند ينوعه في كل سنة، فرأينا أن السنة لذلك وقت حسن إذا كان لا يبلغ من الثمن مائتي درهم إلا على رأس السنة، فإذا كان أمرا تافها لا يبلغ في كل سنة مائتي درهم، فلا شئ فيه أبدا ولا زكاة عليه أصلا إلا أن يزاد في أصوله فتكثر غلاته وتعظم جزاته فيلحقه ما بينا من ذلك وشرحنا، وإنما قلنا: إنه إذا لم يكن يبلغ جزاته وقطفه في كل سنة مائتي درهم أنه لا شئ فيه على أربابه ومالكيه، وذلك أنا قسناه بمثله من ذوات الاصول التي تغل في كل سنة من الفواكه وغيرها، فلما أن وجدنا هذه الاصول إذا قصر ثمن (24) كل صنف منها في كل سنة عن بلوغ مائتي درهم لم يؤخذ منها زكاة، ولم يجب فيها صدقة، قلنا: إنه لا شئ على هذه التي يأتي ثمرها لسنتها متقطعا إذا لم يبلغ المائتي درهم، كما لا يجب في هذه التي يقصر ثمرها الذي يأتي في كل سنة معا عن مائتي درهم شئ
---
ص 185 (23) في نسخة في كل سنة قيمة مائتي درهم.
(24) في نسخة إذا قصر ثمرة تمت.
---
[ 186 ] (1/186)
من الزكاة، ولان المائتي درهم مدى لما لا يكال، كما أن الخمسة الاوسق مدى لما يكال، وذلك عندنا وفي اختيارنا وما نراه أعدل الامور وأقربها من الحق في مثل ذلك إن شاء الله ولا حول ولا عون ولا قوة لنا إلا بالله سبحانه.
باب القول في الاصناف إذا اجتمعت ولم يتم كل صنف منها خمسة أوسق مما يكال
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا لم يتم كل صنف من كل ما يكال خمسة أوسق فليس فيه زكاة، ولا تضم حنطة إلى شعير ولا تمر إلى زبيب، ولا شئ مما يكال إلى صنف غيره مما يكال ليلحق فيه الزكاة، أو يؤخذ من صاحبه عنه صدقة. وتفسير ذلك أنه لو كان خمسة أوسق إلا ربعا حنطة وأربعة أوسق شعيرا لم يضم هذا إلى هذا، ولم يكن في شئ منهما زكاة. وكذلك كل ما كان من الثمار فلا يضم صنف إلى غيره من الاصناف.
باب القول في زكاة أصناف الفواكه إذا لم يبلغ ثمن كل صنف منها مائتي درهم (25)
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وكذلك الفواكه وغيرها مما لا يكال إذا لم يبلغ ثمن كل صنف منها مائتي درهم لم يكن في شئ من ذلك زكاة، ولا يضم بعض ذلك إلى بعض. وتفسير ذلك: رجل له رمان يبلغ مائة وثمانين درهما، وله خوخ يبلغ مائة وتسعين درهما فليس يجب عليه في ذلك كله زكاة، لانه لم يبلغ صنف منهما مائتي درهم ولا يضم صنف إلى غيره وعلى هذا فليكن
---
ص 186 (25) في نسخة مائتي درهم قفلة.
---
[ 187 ] (1/187)
العمل في كل ما أنبتت الارض، وسقي بالماء لا يضم شئ منه إلى (26) غيره عند وقت ما تجب الزكاة في الاشياء، ويؤخذ من الاموال.
باب القول في اجتماع الذهب والفضة والعمل عندنا في ذلك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا كان عند الرجل خمسة عشر مثقالا من الذهب ومائة وخمسون درهما، ضم الدراهم إلى الدنانير وحسب حساب صرفها، ثم أحصي ذلك دنانير ثم أخرج في العشرين مثقالا نصف دينار، وما زاد فبحساب ذلك. وإن كان عنده خمسون درهما وعشرة دنانير ضم الدنانير بحساب صرفها دراهم، إلى الخمسين درهما ثم أخرج الزكاة بحساب ذلك في المائتين خمسة دراهم، وما زاد فبحساب ذلك. فإن كان عنده مائة درهم وستة دنانير ضم الدنانير إلى الدراهم بحساب صرف ذلك دراهم حتى تفي المائتان، ثم يخرج زكاتها. وتفسير ذلك أن الستة دنانير بحسب صرفها فصرفها على العشرين بدينار مائة وعشرون درهما، فهذه المائة والعشرون تضم إلى المائة، فيكون ذلك مائتين وعشرين فيخرج منها ربع عشرها زكاة. وكذلك لو كان عند رجل ثمانية عشر مثقالا وخمسون درهما لكان يجب عليه في قولنا أن يضم الخمسين درهما بصرفها دنانير إلى الثمانية عشر مثقالا، فيكون على صرف عشرين درهما بدينار دينارين ونصفا، فيكون ذلك كله عشرين مثقالا ونصفا يجب فيها ربع عشرها، وهو نصف دينار وربع قيراط بالقراريط العراقية، حساب الدينار عشرون قيراطا، وكذلك كل ما
---
ص 187 (26) في نسخة إلى شئ غيره.
---
[ 188 ] (1/188)
كان من الذهب والفضة فإنه يضم بعضه إلى بعض فيضم الذي بضمه إلى صاحبه تجب الزكاة على مالكه، ولا يضم صنفان أحدهما إلى الآخر غير الذهب والفضة فقط.
باب القول كيف تؤخذ الزكاة من كل مزكي
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تؤخذ الحنطة من الحنطة، والشعير من الشعير والزبيب من الزبيب، والتمر من التمر، وكل شئ وجبت فيه الزكاة مما تنبت الارض، فمن ذلك الشئ تؤخذ زكاته، ولا يؤخذ زكاة شئ من غيره، وكذلك الخف من الخف والظلف من الظلف، ولا بأس أن يؤخذ الذهب من الفضة والفضة من الذهب بحسابه على صرفه، وإنما أجزنا ذلك في الذهب والفضة، لانا نرى ضم أحدهما عند التزكية إلى صاحبه وكأنه في المعنى مال واحد في الزكاة فقط، فأما في غيرها فلا، الذهب بالذهب عند المبايعة، والفضة بالفضة مثلا بمثل.
باب القول متى تؤخذ الزكاة من كل ما تجب فيه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تؤخذ الزكاة مما أنبتت الارض عند حصاده، وذلك قول الله عزوجل: (وآتوا حقه يوم حصاده) (27) فأما الذهب والفضة والابل والبقر والغنم، فإذا حال على الشئ من ذلك الحول عند مالكيه وجبت فيه الزكاة ولا تجب الزكاة في شئ من ذلك حتى يحول عليه الحول.
---
ص 188 (27) الانعام 141. وفي نسخة مزكا. تمت.
---
[ 189 ] (1/189)
باب القول في زكاة الحلي
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: في كل حلي كان لمرأة أو على سرج أو سيف أو مصحف، أو غير ذلك من المنطقة واللجام، وما كان من الحلي عند أهل الاسلام ففيه ربع عشره على ما ذكرنا من التحديد، في العشرين مثقالا نصف مثقال، وفي المائتي درهم خمسة دراهم، فإن كان الحلي من الصنفين جميعا، وكان كل واحد منهما على جهت لا يبلغ ما يجب فيه الزكاة، ضم أحدهما إلى الآخر يضم الذي تجب بضمه الزكاة إلى صاحبه. ثم يخرج زكاة ذلك كله وهو ربع عشر جميعه.
باب القول في المعدن (28) من الذهب والفضة وما يجب فيها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كلما أخذ من المعادن من مثقال أو ألف مثقال فهي غنيمة غنمها الله إياها وأوجدها. وفيه ما حكم الله به في الغنيمة وهو الخمس، وذلك قوله تبارك وتعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن الله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) (29) فيجب على صاحبه عند وقت وجوده إياه إن كان يعلم إماما ما يصلح له أن يدفعه إليه، لم يجز له إلا دفعه إليه، وتصييره في يديه، وإن لم يعلم موضعه فرقه هو فيمن جعله الله لهم، وكان أحق الناس بذلك آل رسول الله صلى الله عليه وآله
---
ص 189 (28) في نسخة: في المعادن.
(29) الانفال: 41.
---
[ 190 ] (1/190)
ليتاماهم ومساكينهم وابن سبيلهم لان غيرهم يأخذ من الصدقات، وهم لا يأخذون ويأكل منها وهم لا يأكلون فإذا أخرج الخمس من ذلك الذي أصابه في المعدن، لم يجب عليه من بعد ذلك فيه شئ حتى يحول عليه الحول فيجب عليه فيه ما يجب عليه في ساير أمواله ربع عشره إذا حال الحول عليه وهو عشرون مثقالا، أو مائتا درهم فصاعدا.
باب القول فيما يجب في العنبر والدر واللؤلؤ والمسك وما غنم من ذلك في بر أو بحر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: معنى ذلك كله، ما غنم منه في بر أو بحر قليلا كان ذلك أو كثيرا كمعنى المعدن يجب فيه الخمس، يصرف حيث يصرف خمس المعدن.
باب القول في زكاة العسل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أحسن ما أرى في زكاة العسل أن يؤخذ منه العشر إذا خرج منه في كل سنة قيمة مائتي درهم، وفي ذلك ما بلغنا عن أبي سيارة المتعي أنه قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يارسول الله إن لي نحلا قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (فأد العشر من كل عشر قرب قربة) حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن العسل هل فيه زكاة؟ فقال: ذكر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يأخذ منه العشر، وذكر عن أبي سيارة أنه ذكر للنبي صلى الله عليه وآله أن له نحلا فأمره أن يؤدي العشر منه، وما هو عندي إلا كغيره مما ملكه الله عباده من أموالهم وأرزاقهم.
---
[ 191 ] (1/191)
باب القول فيما يجب في الركاز والركاز (30) فهو كنوز الجاهلية
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: هي غنيمة لمن رزقه الله اياها، وفيها ما في المعدن من الخمس، يصرف حيث يصرف خمس المعدن للذين سمى الله سبحانه، وجعل الخمس لهم.
باب القول في تزكية مال اليتيم، وتزكية الدين يكون للرجل على الرجل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يزكى مال اليتيم، وفي ذلك ما روى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أنه كان يزكي مال بني أبي رافع. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ويستحب للوصي أن يقلبه لهم ليرجع بعض الربح في الزكاة، وإلا أفنته الزكاة. ومن كان له دين تجب في مثله الزكاة زكاة إذا (31) قبضه لما مضى من السنين. الا أن ينقص في بعض ما يزكي عن ما تجب فيه الزكاة.
باب القول في أخذ السلطان الجائر زكاة الاموال والقول فيما أخذ
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا أرى أنما أخذ السلطان الجاير يجزي من يأخذه منه بل أرى أن عليه أن يخرج الزكاة ويضعها حيث أمره الله تعالى، ولا يعتد بما أخذ السلطان الجاير منه.
---
ص 191 (30) في نسخة فهي الكنوز الجاهلية.
(31) في نسخة: إذا اقتضاه لما مضى من السنين.
---
[ 192 ] (1/192)
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل هل يجزى ما يأخذ السلطان الجاير؟ فقال: لا يجزى وعلى رب المال الاعادة. قال يحيى بن الحسين عليه السلام: السلطان الجاير الذي لا يرد الزكاة في أبوابها لا يجوز أن يدفع إليه منها شئ، ومن دفع إليه منها شيئا فليس يخلو من أن يكون مختارا لذلك أو مضطرا، فإن كان مختارا وهو يقدر أن لا يدفع إليه ذلك فدفعه إليه فقد أتلف ما كان لله تعالى عنده، ولم يؤده إلى من أمره الله أن يدفعه إليه، وحكم به له من الثمانية الاصناف، فعلى من أتلف ذلك ولم يؤده إلى أصحابه الغرم له، وهو له ضامن حتى يخرجه إلى أهله ويؤده إلى أربابه. وإن كان دفع ذلك إليه مغلوبا مضطرا اضطره إليه وأخذه قسرا من يديه فماله هو أولى بأن يكون ظلم السلطان الداخل عليه من مال الله الذي جعله لعباده، فعليه من الجهتين أن لا يعتد بأخذ الظالم من ماله على ربه في زكاته.
باب القول في أخذ الزكاة من أربابها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: للامام أن يجبر الرعية على دفع الزكاة إليه من كل ما يجب فيه الزكاة لان الله سبحانه قال: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم) (32) فأمر بأخذها ولن تؤخذ إلا طوعا أو كرها، فمن أبى الطوع فلابد أن تؤخذ منه كرها وقد قال غيرنا إن الناس مؤتمنون على الذهب والفضة وأنهم هم يضعون زكاته حيث شاؤا، إن شاؤا دفعوها إلى الامام، وإن شاؤا فرقوها هم على أيديهم، وهذا عندي فاسد من القول لا تصح به رواية إن رويت ولا أثر إن ذكر، لانه مخالف لكتاب الله،
---
ص 192 (32) التوبة 103.
---
[ 193 ] (1/193)
وما خالف الكتاب فليس من الحق، ولا ما قبل به فيه من الصدق، وما أحسب أن من قال: بذلك قاله إلا ليستر النعم والاموال على أهل الناض خوفا منه على أموالهم، من جورة ملوكهم فتأول بالقول به هذا المعنى وانما فسد بذلك عندي من أن هذه الزكاة زكاة هذه الاموال الناضة لا تخلو من أن يكون لله فيها فرض عليهم أن يخرجوه (33) لمن سمى الله، أولا يكون عليهم فيها فرض إخراج شئ، فإن يكن عليهم في ذلك فرض إخراج زكاتها فعليهم أن يؤدوها إلى ولي المسلمين الذي أمره الله بأخذها منهم وشدد الله عليهم وعليه في قبضها من أيديهم ليصرفها حيث أمر ويوديها إلى من جعلها الله له على يديه، وأمر بتسليمها إليه، وفي أمر الله له بأخذها منهم ما يقول سبحانه: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم والله سميع عليم) (34) وهذه الدنانير والدراهم فلا تخلو (35) إما أن تكون أموالا أوغير أموال فان كانت أموالا فعلى الامام أن يأخذ منها ما يجب فيها، وليس يقول خلق إنها ليست بأموال، بل هي خيار الاموال ووجوهها، وإن لم يكن عليهم لله في هذه الاموال فرض زكاة فما يجب عليهم أن يدفعوا شيئا منها إلى أهل الصدقات من الفقراء والمساكين سرا ولا علانية على أيديهم ولا على يدي إمامهم ثم يقال لمن قال: إنهم مؤتمنون عليها وإنهم يخرجونها دون الامام، ما حجتك في ذلك؟ أوجدنا فيه بذلك حجة من الكتاب المبين؟ أو أثرا مجمعا عليه لا اختلاف فيه عن رسول رب العالمين؟ أو حجة في ذلك من المعقول يرضى بها ويفهمها ذووا العقول؟ كما أوجدناك في قبض ذلك منهم آية
---
ص 193 (33) في نسخة أن يؤدوه.
(34) التوبة 103.
(35) في نسخة فلا تخلومن أن تكون. في نسخة ولن يقول.
---
[ 194 ] (1/194)
من الكتاب محكمة، وهي قول الله تبارك وتعالى: (خذ من أموالهم صدقة) (36) وكما أوجدناك عن الرسول صلى الله عليه وآله في قبض ذلك وأخذه من أقرب الناس به العباس عنه، وقد نروي وتروون أن رسول الله صلى الله عليه وآله تعجل من العباس زكاة ماله قبل وقت وجوب الزكاة عليه، وكما أوجدناك في حجة العقول في أول كلامنا من أنها لا تخلو من أن تكون أموالا أو غير أموال، فان كانت أموالا ففيها ما في الاموال، والامام أولى بقبضها كما أمر بأخذها وان لم تكن أموالا لم يكن للامام أن يأخذ منها زكاة، ولا يجب على أربابها أن يدفعوا إلى أحد منها صدقة، سرا ولا علانية، فلا يجدون إن شاء الله إلى دفع ذلك سبيلا، ولا يقدر منصف أن يكرر في ذلك قالا ولا قيلا.
باب القول في من تجب الصدقات (37) له ومن تحرم عليه، وتسمية أصنافهم بما سماهم الله سبحانه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تجب الصدقات لمن سمى الله تبارك وتعالى من عباده وذلك قوله سبحانه: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) (38) فهي بين ثمانية أصناف، كلما استغني صنف منهم رجعت حصته على أحوج من فيهم، فإن رأى إمام المسلمين أن يصرف ذلك كله في صنف واحد ممن سمى الله عزوجل، صرفه، من غير إجحاف، ولا إجاحة لاحد ممن سمى الله تعالى من هذه الجماعة. فأما الفقراء
---
ص 194 (36) التوبة 103.
(37) في نسخة في من تجب الزكاة له.
(38) التوبة 60.
---
[ 195 ] (1/195)
فهم الذين لا يملكون إلا المنزل والخادم وثياب الابدان فهؤلاء هم الفقراء. والمساكين الذين نحب لهم أن يأخذوا من الصدقة فهم أهل الحاجة والفاقة والاضطرار إلى أخذها. والعاملون عليها فهم الجباة لها، المستوفون لكيلها من أيدي أربابها و أخذها. والمؤلفة قلوبهم فهم أهل الدنيا المائلون إليها الذين لا يتبعون المحقين إلا عليها ولا غنى بالمسلمين عنهم ولا عن تألفهم إما ليتقوى بهم على عدوهم وإما تخذيلا لهم، وصدا عن معاونة أضدادهم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله. ويجب على الامام أن يتألفهم لذلك وعليه، وينيلهم بعض ما يرغبون فيه. وأما الرقاب فهم المكاتبون الذين يكاتبون مواليهم على شئ معلوم، فيجب على الامام أن يعينهم في ذلك بقدر ما يرى على قدر ضعف حيلتهم وقوتها. وأما الغارمون فهم الذين قد لزمتهم الديون من غير سرف ولا سفه ولا إنفاق في معصيته، فيجب على الامام أن يقضي عنهم ما عليهم من ديونهم، ويعطيهم من بعد ذلك ما يقيمهم ويحييهم ويقوتهم ويكفيهم. وأما السبيل فهو أن يصرف جزء السبيل في التقوية للمجاهدين والاستعداد بالقوة للظالمين، مما يتقوى به من الخيل والسلاح والآلات عليهم، وذلك ما أمر الله سبحانه فيهم فقال: (وأعدوا لهم ما استطعتمم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) (39). وأما ابن السبيل فهو مار الطريق، المسافر الضعيف، (40) فيعان بما يقويه ويكفيه من قليل أو كثير، يدفع إليه الامام مما له في يده ما يقوم به
---
ص 195 (39) الانفال 60 (40) في نسخة فيعاونه.
---
[ 196 ] (1/196)
في كراءه ونفقته، وما يكون إن كان عاريا في كسوته، حتى ينتهي ويصل إلى بلده، وأما الذين لا حق لهم في الصدقات فهم آل رسول الله صلى الله عليه وآله الذين حجبهم الله عن أخذها، وطهرهم عن أكلها، ونزههم عن أوساخ فضلات أيدي المسلمين، وعوضهم من ذلك خمس غنائم المشركين، من الاموال والارضين، وكلما أجلب به أهل البغي على المحقين. وذلك قول الله سبحانه: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن الله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) (41) فهذا لهم بدل مما ذكرنا من الصدقات التي لا تجوز لهم. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا من آل رسول الله صلى الله عليه وآله ارتفق وأكل واستنفق من الصدقات وهو بتحريمها عليه جاهل، وجب عليه قضاء ذلك ورده وجعله حيث جعله الله من أهله، وإن كان فعله واجترأ عليه وهو عالم بتحريم الله له عليه وجب عليه رده وإخلاص التوبة من ذلك إلى ربه، وإن كان الآخذ منهم محتاجا مضطرا إليه لا يجد غيره أكل منه واستنفق، إذا خاف التلف على نفسه حتى يجد عنه متعدا، ثم يجب عليه من بعد ذلك القضاء لما أخذ من ذلك طرا، وإن وجد من الزكاة شيئا ووجد ميتة فليس له أن يأكل من الصدقات شيئا على طريق الاستحلال ورفض الاضمار لقضاء ما يأكل منها، وهو يجد عند الضرورة (42) شيئا من الميتة، إلا أن يخاف من أكل الميتة على نفسه تلفا، أو غير ذلك من الامراض، وحوادث الآفات والاعراض، فيتركها إن خاف ذلك على نفسه، لان الله سبحانه يقول في
---
ص 196 (41) الانفال 41.
(42) في نسخة وهو يجد عنده ضرورته.
---
[ 197 ] (1/197)
كتابه: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (43) ويقول: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) (44) ويقول: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) (45) وإن لم يخف من ذلك شيئا على نفسه لم يجز له أكل الصدقة عند حال الضرورة إلا على طريق الاستسلاف لها وإضمار قضاء ما أكل منها، فأما على طريق الاستحلال لها بما هو فيه من الضرورة فلا، إلا على ما ذكرنا وبه من القضاء، قلنا لان الله سبحانه أطلق له عند الضرورة أن يأكل من الميتة ما يلزم نفسه ويقيم روحه، ولم يطلق في كتابه تبارك وتعالى لآل رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا، مما حرم عليهم من الصدقة، فلذلك قلنا إنه لا يجوز لمن كان من آل رسول الله صلى الله عليه وآله أن يأكل عند الضرورة من الصدقة شيئا، إلا على وجه الاستسلاف لها، والاضمار لقضاء ما يأكل منها، ولو أن رجلا من غيرهم ممن له يسار ومال، أضطر في حال من الحال إلى الصدقة فأكل منها لم يكن عليه قضاء لها، لانه في تلك الحال ممن ذكر الله سبحانه من المساكين، وابن السبيل، وإنما أوجبنا على آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قضاء ذلك لانه لغيرهم لا لهم، وليس حالهم فيه كحال غيرهم، بل حالهم فيها حال من أخذ ما ليس له، فعليه أن يرده إلى أربابه ويسلمه إلى أهله. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل في الصدقة لبني هاشم؟ فقال: لا تحل الصدقة لهم، لما أكرم الله به نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم
---
ص 197 (43) البقرة 185.
(44) النساء 29.
(45) البقرة 193.
---
[ 198 ] (1/198)
من الخمس الذي جعله فيهم، ولما جاء في ذلك من التشديد عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم على نفسه وعليهم.
باب القول في الزكاة تخرج من بلد إلى بلد وفي أرض الخراج وما يجب (46) عليها
قال يحيى بن الحسين عليه السلام: لا ينبغي أن يخرج زكاة قوم من بلدهم إلى بلد غيرهم وفيهم من يحتاج إليها، إلا أن يرى الامام أن غيرهم من أهل الاسلام أحوج إليها فليفعل برأيه، لانه الناظر في أمور المسلمين، والمستأمن على عباد الله المؤمنين. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الزكاة هل تخرج من بلد إلى بلد؟ فقال: أمر الزكاة إلى الائمة وإنما يفرقها الامام على قدر ما يرى من القسمة، وما يلم بالمسلمين من نائبة (47) قال يحيى بن الحسين رحمة الله عليه ورضوانه: كل من كان في يده شئ من أرض الفتوح التي قد وضع عليها الخراج لزمه إخراج كراء الارض وهو الخراج ولزمه فيها أيضا ما ألزمه الله فيما أخرج له من نباتها من عشرها أو نصف عشرها الذي تكمل له بأدائه التطهرة، والزكاة فهي خلاف الخراج والخراج خلاف الزكاة لان الارض ليست له وإنما هي لله ولرسوله وللمسلمين (48) وإنما استأجرها بما عليها من الخراج منهم استيجارا وليس كراء رقبة الارض مما أزال ما أوجب الله على المسلم من الزكاة فيما أنبتت له فيها، بل عليه أداء ذلك يوم حصاده كما أمر الله سبحانه، وإنما مثل أرض الخراج في يد الزراع لها مثل إنسان استأجر
---
ص 198 (46) في نسخة فيها.
(47) في نسخة وما يلم بالاسلام.
(48) في نسخة ولرسوله والمؤمنين.
---
[ 199 ] (1/199)
من انسان أرضا باجرة معلومة فزرع فيها زرعا، فعليه أن يؤدي إلى صاحب الارض خراجها، وكراءها الذي شارطه عليه، وأن يخرج ما لله فيما أنبتت وأخرجت من الثمر يوم حصاده، من عشره أو نصف عشره، وذلك فعلى قدر شرب أرضه. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن أرض فتحت عنوة ووضع عليها الخراج هل يؤدى عنها العشر مع الخراج أم لا؟ فقال: يؤدي العشر لانه ليس من قبالتها ولا أجرتها في شئ، الاجرة في وقبالة الارض في، والعشر زكاة وصدقة في مال المسلم. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: واجب على الامام أن يأخذ منهم كرا أرض الله وهو هذا الذي يسمونه الخراج الذي وضع على أرض الفتوح لانه كراء وإن كان يسمى خراجا، فيضعه في أموال الله التي جعلها فيا، تجري على صغير المسلمين وكبيرهم، هاشميهم وعربيهم، وفارسيهم وأعجميهم، وأن يأخذ منهم ما افترض الله عليهم من الزكاة فيما يخرج من هذه الارض إذا بلغ الصنف الواحد منه خمسة أوسق، أخذ مما سقى سيحا أو فيحا بعين أو سيح أو ماء السماء، أو كان بعلا مستبعلا لا يحتاج إلى المعاهدة بالماء العشر كاملا، ومما سقي بالسواني والدوالي والزرانيق والخطارات نصف العشر، فيصرف ما أخذ من ذلك عشرا كان أو نصف عشر إلى من سمى الله من أهل الصدقات، لان ما يؤخذ من هذه الارض مختلف في الحكم، وإن كانت واحدة، فما أخذ من كرائها الذي هو خراجها فحاله في للمسلمين كحالها، وحكمه في التصريف والمعنى كحكمها، وحكم ما أخذ من زكاة المسلمين مما أخرج الله له فيها من الثمرة كحكم غيره من أنواع الصدقة، يصرف إلى من سمى الله من الثمانية الاصناف في قوله سبحانه: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب
---
[ 200 ] (1/200)
والغارمين، وفي سبيل الله وابن السبيل) (49) فإن رأى الامام أن صرف ذلك كله في وجه واحد أصلح للمسلمين صرفه، وكان جايزا له، والامر فيه إليه والنظر للمسلمين واجب عليه.
باب القول في تفسير من يأخذ من الصدقة ومن لا يأخذ منها وكم يأخذ منها المحتاج إليها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يأخذ من الصدقة من كان في ملكه ما يجب فيه الصدقة من أي الاصناف كان، طعاما أو نقدا أو ماشية أو عرضا، إذا كان مستغنيا عن ذلك العرض ويأخذ من الصدقة من كانت له غلة لا يجب عليه فيها الصدقة وذلك أن يكون أقلا من الخمسة الاوسق فله أن يأخذ من الزكوة فإن جائت غلته بخمسة أوسق وكان يخشى أتفنى غلته، أو كان يوقن أنها لا تكفيه وعياله سنتهم، فلا يأخذ من الزكاة شيئا وإن خشي على نفسه وعياله الحاجة، لان عنده وفي ملكه ما تجب فيه الزكاة، ولا يجب له بتخوفه ولا يقينه شئ من أموال المسلمين، لان مع اليوم غدا، ولعل الله أن يبطل خوفه، ويوسع غدا ما ضاق اليوم من رزقه، فإنه سبحانه يقول: " فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) (50) ويقول سبحانه: (وما من دابة في الارض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين) (51) ومع هذا الرجل اليوم من غلته ما يكفيه طرفا من مدته، وغيره من فقراء المسلمين ممن لا شئ معه، أحوج إلى هذا الذي يطلب هذا أخذه من الصدقة.
---
ص 200 (49) التوبة 60.
(50) ألم نشرح 5 - 6.
(51) هود 6.
---
[ 201 ] (1/201)
باب القول كم يأخذ المحتاج من الصدقة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز لفقير ولا محتاج أن يأخذ من الصدقة ما يجب في مثله الصدقة، ولكن يأخذ ما دون ذلك بيسير أو كثير على قدر حاجته وكثرة عياله إن كان فردا برأسه أخذ خمسين درهما أو قيمتها من سائر الاشياء، وإن كان ذا عيال فأخذ نقدا ذهبا أخذ تسعة عشر مثقالا، وإن أخذ فضة أخذ مائتي درهم إلا خمسة دراهم، وإن أخذ كيلا أخذ خمسة أوسق إلا ثلث وسق، وإن أخذ إبلا أخذ منها أربعا، وإن أخذ بقرا أخذ منها تسعا وعشرين بقرة، وإن أخذ غنما أخذ تسعا وثلاثين شاة وإن أخذ شيئا من ثمر عضاة الارض من رمانها أو تفاحها أو غير ذلك من ثمارها أخذ ما يساوي مائتي درهم إلا خمسة دراهم. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: إذا لم يكن امام عادل ممن يستأهل أن تدفع إليه الزكوات فرقها أهلها الذي يجب عليهم وفي أموالهم على من ذكر الله. وسمى إخوانهم، ويبدأ صاحب الصدقة بمن لا يجب عليه نفقته من أقاربه ومواليه وجيرانه، ثم يعم من أمكنه وبلغته صدقته من المسلمين ممن يستحقها، من أهل الورع من المسلمين، ومن كان من أقاربه مخالفا في الدين فالاباعد من المؤمنين أحق بها منه.
باب القول فيمن أكتسب مالا وعنده قبله مال يجب فيه الزكاة والقول في زكاة المال الضال والمال المسروق، والمال المغلوب عليه صاحبه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من كان عنده خمسة وعشرون مثقالا، فأقامت عنده أقل من حول ثم أكتسب إليها مالا فإنه يزكي الاخر مع الاول إذا تم للاول حول، وكذلك لو أشترى به عبدا
---
[ 202 ] (1/202)
أو فرسا أو متاعا للتجارة ينتظر به الربح، ثم أفاد مالا آخر فاشترى به فرسا، آخر فإنه يزكي عن ذلك كله على قدر قيمته يوم حال على الاول الحول، ولا ينظر إلى قرب مكتسب المال الاخر، فإن الزكاة تجب في المال المكتسب حديثا إذا ملكه ذومال محيل. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وأما من ضاع منه مال أو ضل فأقام سنين ثم وجده بعد ذلك فإنه يجب عليه أن يزكي عنه لما مضى من تلك السنين التي كان فيها ضالا عنه، وتفسير ذلك: رجل سقطت منه خمسة وعشرون دينارا فلم يجدها إلا بعد سنتين، فإنه إذا وجدها أخرج منها ما يجب فيها في كل سنة، يخرج على الاولى ربع عشر خمسة وعشرين وهي أثنا عشر قيراطا ونصف بالقراريط العراقية، حساب الدينار عشرون قيراطا، ويخرج عليه للسنة الثانية أثني عشر قيراطا ونصف حبة وربع ربع الحبة، وكذلك المال المسروق إذا رد، أخرج منه زكاة ما أقام مسروقا من السنين وكذلك كل ما غلب عليه مسلم في دار الاسلام، لانه وإن كان في يد الغالب عليه لصاحبه المغلوب عليه غير خارج من ملكه يحكم له بأخذه إمام المسلمين وينتزعه له من يد غالبه عليه بحكم رب العالمين.
باب القول فيما غلب عليه المشركون من أموال المسلمين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو غلب المشركون على مال لبعض المسلمين، من ماشية أو غيرها، فأقام في أيديهم سنة أو سنتين، ثم غلب عليه المسلمون بعد ذلك فصاحبه أولى به، ما لم تجر فيه المقاسمة بين المسلمين، فإذا أخذه فلا زكاة عليه فيه لانه
---
[ 203 ] (1/203)
لم يكن له في عداد مال حين غلب عليه المشركون، وكان في أيديهم، وإنما قلنا إنه لا يعتد به، وإنه ليس كغيره من أمواله من أنها لو جرت فيه المقاسم من قبل أن يدعيه صاحبه أو يتعرفه مالكه، لم يجب له أخذه ممن وقع في قسمه إلا أن يخرج قيمته، فيكون أولى به من بعد إخراج ثمنه فهذا الفرق بين ما غلب عليه المشركون وحازوه عن المسلمين ثم رجع إلى صاحبه في غنايم المسلمين من المشركين، وبين ما يغلب عليه في أرض الاسلام أهل الطغيان والعدوان، مما يحكم برده عليهم أهل الايمان.
باب القول في الرجل يكون له غلة وعليه دين أو يكون معه مال يجب في مثله الزكاة وعليه مثله دينا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من كان عليه وسقان من طعام وخرج له من أرضه خمسة أوسق طعاما فإنه يزكي الخمسة الأوسق ولا يحتسب في غلته بما يجب عليه من دينه، لانه لو أخرج من ذلك ما عليه لم يبق له من غلته ما تجب فيه الزكاة ولكن الزكاة، ثم الدين من بعد ما يجب لله في أرضه، وكذلك إن كانت غلته عشرة أوسق وعليه عشرة أوسق أخرج الزكاة من جميع ذلك ثم قضى الدين، وكذلك من كان عليه عشرون دينارا، وفي ملكه عشرون دينارا، فعليه أن يزكي ما يملكه، وإن كان عليه مثلها دينا ولا يلتفت إلى قول من قال بغير ذلك من المرخصين لانه لا يخلوا من أن تكون هذه الدنانير له ملكا يملكها وإن كان عليه من الدين مثلها، أو لا تكون له ولا في ملكه، بما زعموا عليه من دينه، فإن كانت له وفي ملكه جاز له أن يتصدق منها وينكح فيها ويأكل ويشرب، فإذا جاز له ذلك منها وجب عليه الزكاة فيها، وإن كان لا يجوز له أن ينكح
---
[ 204 ] (1/204)
فيها ولا يتصدق ولا يأكل ولا يشرب منها فلا يجب عليه الزكاة فيها وهذا فلا أعلم بين من حسن علمه وجاد قياسه وفهمه إختلافا في أنه يأكل منها وينكح فيها. وكذلك من كان عليه مائتا درهم وله مائتا درهم فإذا حال الحول عليها وجبت عليه فيها الزكاة، ولا ينظر إلى ما هو عليه من الدين.
باب القول في الرجل يصرف ماله في التجارة فيشتري به عروضا فينقص ثمنها أو يزيد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا صرف مالا يجب في مثله الزكاة في عروض يتجر فيها من بز أو قز، أو طعام أو حيوان، فإنه يزكيه عندما يحول عليه الحول، على قدر قيمته، في ذلك الوقت الذي يجب على مثله فيه الزكاة، ولا ينظر إلى تقلب سعره وزيادة ثمنه أو نقصانه، قبل رأس الحول ولا بعد رأسه، ولكن ينظر إليه عند وقت وجوب ما يجب عليه من زكاته، وتفسير ذلك رجل أشترى فرسا بمائة دينار، فحال عليه الحول وهو يسوى على رأس الحول مائة وخمسين دينار، فإنه يخرج زكاة مائة وخمسين دينار، وكذلك لو حال عليه الحول وغشيه وقت الزكاة، وهو يسوى خمسين دينارا لم يجب عليه أن يخرج زكاة ما ليس في يده، ولكنه يزكي عنه على قدر ما في يده من قيمته، في وقت وجوب الزكاة على ماله، لان الاموال تزيد وتنقص، والزكاة فإنما يجب عليها في رأس الحول فإن لحقت الزكاة زيادة في المال، ضربت فيها بسهمها، وإن صادفت نقصانا أخذت مما وجدت فيه في وقتها.
---
[ 205 ] (1/205)
باب القول في زكاة المال من الابل تكون بين الرجلين نصفين سواء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا كان بين انسانين ثمان من الابل لكل واحد منهما أربع فلا زكاة عليها في شئ من ذلك، فإن كان بينهما عشر من الابل فعلى كل واحد منهما شاة، فان كان بينهما ست عشرة فلا شئ عليهما غير الشاتين، وكذلك لا شئ عليهما فيما دون العشرين فإذا تمت عشرين فعليهما أربع شياه على كل واحد منهما شاتان وأن كان بينهما ثلاثون من الابل نصفين فعلى كل واحد منهما ثلاث شياة وإن كان بينهما أربع وثلاثون من الابل أو ست وثلاثون فلا شئ فيهما غير ثلاث شياة على كل واحد، فإن كانت أربعين فعلى كل واحد منهم أربع شياة فإن كان بينهما ست وأربعون فليس فيها غير ذلك حتى توفى خمسين، فيكون عليهما ابنتا مخاض، على كل واحد ابنة مخاض في حقه، فإن كانت بينهما ستون فلا شئ عليهما غير ابنتي مخاض، فإن كانت سبعين فليس فيها شئ غيرهما فإن بلغت اثنتين وسبعين فعليهما ابنتا لبون على كل واحد منهما ابنة لبون فان كانت ثمانين فلا شئ فيها ولا في التسعين غير ابنتي لبون، فإن كانت اثنتين وتسعين ففيها حقتان على كل واحد منهما حقة، فإن كانت مائة فلا شئ فيها عليهما غير الحقتين ولا في مائة وعشر ولا في مائة وعشرين حتى تزيد على المائة والعشرين اثنتين فيكون فيها حينئذ جذعتان على كل واحد منهما جذعة، فإن كانت ثلاثين ومائة فلا شئ فيها غير ذلك ولا في أربعين ومائة ولا في خمسين ومائة، فإن زادت على الخمسين والمائة اثنتين ففيها أربع بنات لبون على كل واحد منهما ابنتا لبون، فإن كانت ستين ومائة فلا شئ فيها غير ذلك، ولا في سبعين ومائة، ولا في ثمانين
---
[ 206 ] (1/206)
ومائة، فإن زادت على الثمانين ومائة اثنتين ففيها أربع حقاق، على كل واحد منهما حقتان، ثم ليس فيها غير ذلك، حتى تبلغ أربعين ومائتين فيكون فيها أيضا أربع حقاق، على كل واحد منهما حقتان، فإذا كثرت الابل ففي كل خمسين ملكها واحد منهما حقة، وما كان من هذا الباب فعلى هذا الحساب الذي شرحت لك فأحسبه إن شاء الله وقس عليه.
باب القول في زكاة المال من البقر يكون بين الرجلين نصفين سواء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن كان بين انسانين خمسون بقرة فلا شئ فيها عليهما إذا كانت شركتهما فيها سواء، ولم يكن لاحدهما منهما ما يجب عليه فيه الزكاة، وان كانت ستين ففيها تبيعان أو تبيعتان والتبيع فهو الحولي، وإن كانت سبعين فلا شئ فيها غير التبيعين فإن كانت ثمانين ففيها مسنتان على كل واحد منهما مسنة، وإن كانت مائة أو مائة وعشرا فلا شئ فيها غير ذلك، وإن كانت مائة وعشرين ففيها أربع تبايع على كل واحد منهما تبيعان، ثم لا شئ فيها حتى تبلغ أربعين ومائة فإذا بلغت أربعين ومائة ففيها مسنتان وتبيعان على كل واحد منهما مسنة وتبيع إلى ستين ومائة، فإذا بلغت ستين ومائة ففيها أربع مسان، على كل واحد منهما في حقه مسنتان إلى ثمانين ومائة، فإذا بلغت ثمانين ومائة فعلى كل واحد منهما ثلاث تبايع إلى مائتين فإذا تمت مائتين ففيها مسنتان وأربع تبايع على كل واحد منهما مسنة وتبيعان في حقه إلى مائتين وعشرين، فإذا بلغت مائتين وعشرين ففيها أربع مسان وتبيعان على كل واحد منهما مسنتان وتبيع إلى أربعين ومائتين فإذا بلغت أربعين ومائتين ففيها ست مسان على كل واحد منهما ثلاث مسان في
---
[ 207 ] (1/207)
حقه، وما أتاك من هذا الباب فقسه على هذا الحساب الذي شرحت لك إن شاء الله تعالى.
باب القول في زكاة الغنم تكون بين الرجلين نصفين سواء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا كان بين الشريكين أربعون شاة، أو خمسون شاة أو ستون شاة، أو سبعون شاة فليس فيها عليهما زكاة، فإذا تمت ثمانين شاة ففيها عليهما شاتان، على كل واحد منهما شاة، فإن كانت مائتين فلا شئ فيها غير الشاتين وكذلك إن كانت مائتين وأربعين فلا شئ فيهما غيرهما، فإن زادت على الاربعين ومائتين شاتين فعليهما فيها أربع شياة إلى أربع مائة، فإن زادت على الاربع مائة شاتين، فعليهما ست شياة وإن كانت خمس مائة فلا شئ فيها غير ذلك وكذلك إن كانت ست مائة فإذا كثرت الغنم فبلغت عددا كثيرا ففي كل مائتين شاتان، على كل واحد منهما شاة، وفي ثماني مائة ثمان شياة وفي ألف شاة عشر شياة، وما أتاك من هذا الباب فقسه على هذا الحساب.
باب القول فيما يعمل الشريكان اللذان يترادان الفضل بينهما وكيف تؤخذ زكاتهما
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تفسير ذلك أن يكون سبعون شاة بين رجلين لاحدهما أربعة أسباعها ولاخر ثلاثة أسباعها فينبغي للمصدق المستعمل على قبض الزكاة أن يأخذ من هذه الغنم شاة ويترادان الفضل بينهما يرد الذي وجبت عليه الزكاة وهو صاحب الاربعة أسباع وهي أربعون شاة على الذي لم تجب عليه زكاة وهو صاحب الثلاثة أسباع والثلاثة الاسباع ثلاثون شاة فيرد ثلاثة أسباع شاة وهو الذي
---
[ 208 ] (1/208)
يجب له في الشاة التي أخذ العامل من غنمهما على صاحب الاربعين شاة وكذلك إذا كان بينهما مائة شاة لاحدهما ثلاثة أرباعها وللاخر ربعها فأخذ المصدق منها شاة وجب على صاحب الثلاثة الارباع أن يرد على صاحب الربع ربع شاة، يعطيه قيمته أو ما تراضيا عليه في ذلك، لان الزكاة إنما وجبت على صاحب الثلاثة أرباع لان الثلاثة أرباع خمس وسبعون شاة ففيها شاة وصاحب الربع لا يجب عليه زكاة لان الربع خمس وعشرون ولا يجب في خمس وعشرين شئ، وكذلك لو كان بين رجلين مائة وخمسون شاة، لواحد ثلثاها وللاخر ثلث كان ينبغي للمصدق أن يأخذ من ذلك شاتين، ويرد صاحب الثلث على صاحب الثلثين ثلث شاة، لان الصدقة واجبة عليهما جميعا يجب على صاحب المائة شاة شاة واحدة وعلى صاحب الخمسين شاة شاة فإن كانت بينهما أربعون ومائة شاة لاحدهما منها ثلاثة أخماسها وللاخر خمساها، فأخذ المصدق منها شاتين فإنه ينبغي لصاحب الخمسين أن يرد على صاحب الثلاثة أخماس خمس شاة، وكذلك القول إن كانت بينهما مائة وستون شاة لاحدهما ثلاثة أرباعها وللاخر ربعها فإنه ينبغي للمصدق أن يأخذ منها شاتين ويرد صاحب الربع على صاحب الثلاثة أرباع نصف شاة، من قبل أن الزكاة واجبة عليهما جميعا على صاحب الربع شاة لان له أربعين شاة، وعلى صاحب الثلاثة أرباع شاة، لان له مائة وعشرين فيقول: صاحب المائة وعشرين لصاحب الاربعين يجب علي شاة وعليك شاة وقد أخذ المصدق شاتين، فلي فيهما ثلاثة أرباعهما وهو شاة ونصف، وأنت إنما أخرجت نصف شاة وقد أخرجت عنك نصف شاة فاردده علي، ولولا أن صاحب الاربعين يرد على صاحب المائة وعشرين نصف شاة لما كان أخرج في زكاة الاربعين إلا نصف شاة وهذا لا يكون.
---
[ 209 ] (1/209)
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وكذلك يفعل الشريكان في غير الغنم.
باب القول فيما لم يؤخذ من الابل من الاسنان الواجبة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تفسير ذلك أن يكون لرجل تسع وثلاثون من الابل فتجب عليه فيها ابنة لبون، فلا يكون في الابل إبنة لبون ويكون فيها إبنة مخاض فإن المصدق يأخذ إبنة المخاض، ويأخذ فضل ما بينهما نقدا، وقد رويت فيما بينهما روايات وقيل فيه بأقاويل، ولسنا ندري ما صحيح ذلك، غير أن أخذ ما يعلم الناس بينهما من الفضل أصلح الامور وأعدلها، وكذلك لو كان له خمسون من الابل، فوجبت عليه فيها حقة فإن لم توجد الحقة وكان في الابل ابن لبون أخذه وأخذ معه ما بينهما من الفضل وكذلك إن لم يكن فيها ابن لبون وكان فيها جذعة أخذها ورد فضل ما بين الحقة والجذعة على صاحب الابل بقيمة عدل.
باب القول في تأخر زكاة المواشي سنتين أو ثلاثا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تفسير ذلك أن يكون لرجل تسع من الابل فلا يكون صاحبها أخرج زكاتها سنتين فإنه بجب عليه أن يخرج عنها الآن شاتين، ثم يستأنف في كل سنة شاة، فإن وفت عشرا ففيها في كل سنة شاتان، فإن كان لرجل مائة وإحدى وعشرون شاة فتأخرت زكاتها سنتين فإنه يخرج الآن ثلاث شياة للسنة الاولى شاتين من مائة واحدا وعشرين شاة، وللسنة الثانية شاة زكاة تسع عشرة ومائة شاة
---
[ 210 ] (1/210)
فإن كانت له مائتا شاة وسبع شياة ولم يزكيها ثلاث سنين وهي على حالها من العدد، فإنه يجب عليه أن يخرج الآن للسنة الاولى ثلاث شياة، وللسنة الثانية ثلاث شياة، وللسنة الثالثة ثلاث شياة، فقد بقي له مائتان الا شاتين، فإن دار الحول على ما بقي من هاتين المائتين الا شاتين ففيها شاتان، وكذلك كلما أتاك من هذا الباب مما أخر صاحبه زكاته سنتين. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا كان له إحدى وأربعون بقرة فلم يخرج زكاتها سنتين وجب عليه فيها الآن مسنتان فإن لم يخرج زكاة هذه الاحدى وأربعين ثلاث سنين وجب عليه فيها على رأس الحول الثالث مسنتان وتبيع وانما قلنا ذلك لان الزكاة وجبت على الاحدى وأربعين في أول سنة مسنة وكأنه بقي أربعون، ثم حال الحول الثاني على أربعين فوجبت فيها مسنة أيضا فبقيت تسع وثلاثون فحال عليها الحول الثالث وهي تسع وثلاثون فوجب فيها تبيع أو تبيعة، فقس كلما أتاك من هذه الاموال التي توخر زكاتها حولا أو أكثر على ما فسرت لك إن شاء الله تعالى.
باب القول في تأخر زكاة الذهب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو كان لرجل ثلاثون مثقالا فتأخرت زكاتها سنتين لوجب عليه أن يخرج للسنة الاولى ربع عشر ثلاثين مثقالا، وأن يخرج للسنة الثانية ربع عشر تسعة وعشرين مثقالا (52) وربع، وكذلك لو كان أربعون دينارا فحبس زكاتها حولا ونصفا، فلما أن كان في النصف من الحول الثاني ضاع منها عشرون ثم لم يخرج زكاة
---
ص 210 (52) وذلك لان الواجب عليه في السنة الاولى مثقالا الا ربعا.
---
[ 211 ] (1/211)
شئ من ذلك حتى تم حولان فإنه يجب عليه أن يخرج على الاربعين التي كان حال عليها الحول الاول مثقالا سواء، ويخرج لهذه العشرين التي لحقت معه رأس الحول الثاني نصف مثقال، ولا شئ عليه في الذي ضاع في نصف الحول، لانه لم يحل عليه حول ثان، إلا أن يجدها يوما من الدهر فيزكيها لما مضى من الدهر في غيبتها عنه.
باب القول في تأخر زكاة الفضة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا كانت عنده مائتا درهم فحال عليها ثلاثة أحوال، ولم يخرج لشئ منها زكاة فإنه يجب عليه أن يخرج عنها زكاة عام واحد خمسة دراهم وهو أول حول حال عليها ثم لا شئ عليه في الحولين الآخرين لانه لما أن لزمه من المائتين في أول حول خمسة دراهم بقيت مائة وخمسة وتسعون درهما فحال الحولان الآخران على ما لا يجب فيه الزكاة منها، فان كان عند رجل مائتان وخمسة دراهم فحال عليها حولان ولم يخرج لها زكاة فانه يجب عليه أن يخرج للحول الاول خمسة دراهم وثمن درهم، ولا يجب عليه في الحول الثاني شئ، لانه حال عليها وهي أقل من المائتين بثمن، فان كان عنده ألف درهم فحال عليها حولان لم يخرج لها زكاة، فانه يجب عليه أن يخرج للحول الاول ربع عشر ألف ويخرج للحول الثاني ربع عشر تسعمائة وخمسة وسبعين درهما.
باب القول في الجمع بين الذهب والفضة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو كان عند رجل خمسة دنانير ومائة درهم فحال عليها حولان ولم يؤد فيها زكاة كان الواجب عليه عندنا أن يجمع الدنانير إلى الدراهم بصرفها، لان بجمع هذه الدنانير
---
[ 212 ] (1/212)
إلى هذه الدراهم بصرفها تجب الزكاة في الدراهم، فإن كان الصرف عشرين درهما بدينار، فكأن هذه مائتا درهم، مائة صرف الدنانير وهذه المائة درهم الاولى فيجب عليه أن يخرج من ذلك لاول حول خمسة دراهم ولا شئ عليه في الحول الثاني لانه حال والدراهم أقل من المائتين بما نقص منها من زكاة الحول الاول، وكذلك لو كان عنده خمسة عشر دينارا ومائة درهم فحال عليه حول واحد، ضمت الدراهم إلى الدنانير بصرفها وكانت المائة درهم خمسة دنانير وكأنها إذا ضمت إليها عشرون دينارا فيجب عليه أن يخرج عنها نصف مثقال.
باب القول في الحكم في أهل الصدقات إذا أبطأ عنهم المصدق وقتا ثم أتاهم فذكروا أنهم قد أخرجوها لمن كانوا يرون دفعها إليهم من فقرائهم ومساكينهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ينبغي له أن يسأل عن ذلك ويسألهم البينة عليه ويفتش عن ذلك تفتيشا حسنا، فإن صح له ذلك أمضى ذلك لهم في ذلك الحول، وشدد عليهم فيما كان من جهلهم ويقدم إليهم أن لا يعودوا لمثلها، وأعلمهم أنهم أن عادوا لمثل ذلك لم يجزه لهم، وأخذ منهم ما يجب عليهم، فإن عادوا في السنة المقبلة، لم يجز ذلك لهم من بعد التقدمة إليهم وأخذها كاملة منهم، وإن زعموا أنهم قد أخرجوا بعضها ولم يكن تقدم إليهم في ذلك، بحث عن قولهم وسألهم البينة فإن صح ما قالوا عنده أجازه لهم وتقدم إليهم أن لا يعودوا لمثلها، وإن لم تقم لهم بذلك بينة ولم يصح عنده ما ادعوا لم يلتفت إلى قولهم وضمنهم جميع ما يجب عليهم من الصدقة كاملة.
---
[ 213 ] (1/213)
باب القول فيما يؤخذ من بني تغلب نصارى الجزيرة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بنو تغلب هؤلاء كانوا قد ضجوا من الجزية وأنفوا عنها وسألوا أن تضاعف عليهم الصدقة فأجيبوا إلى ذلك وشرط عليهم ألا يصبغوا أولادهم، ومعنى قوله: أن لا يصبغوا أولادهم أي لا يدخلوهم في ملتهم، ثم قد صبغوا أولادهم وخالفوا شرطهم ولو أظهر الله إمام الحق لرأيت له أن يدعوهم إلى الاسلام فإن أبوا أن يدخلوا فيه قتل مقاتلهم، وسبى ذراريهم واصطفى أموالهم لانهم قد نقضوا ما عوهدوا عليه، وكذلك يروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان يقول: لئن مكن الله وطأتي لاقتلن رجالهم ولاسبين ذراريهم، ولآخذن أموالهم لانهم قد نقضوا عهدهم وخالفوا شرطهم بادخالهم أولادهم في دينهم. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: فأما ما لم تظهر كلمة الحق وتخفق راية الصدق فإنه يؤخذ منهم في كل أموالهم ضعف ما يؤخذ من المسلمين، يؤخذ منهم في الذهب والفضة نصف العشر من العشرين مثقالا ومن الاربعين مثقالا مثقالان وما زاد فبحساب ذلك نصف العشر كاملا ويؤخذ منهم في مائتي درهم عشرة دراهم وفي أربعمائة درهم عشرون درهما نصف العشر كاملا وكذلك يؤخذ منهم في كل خمس من الابل شاتان، وفي عشر أربع شياة، وفي خمس وعشرين ابنتا مخاض وفي ست وثلاثين ابنتا لبون وفي ست وأربعين حقتان، وفي إحدى وستين جذعتان، وفي ست وسبعين أربع بنات لبون وفي احدى وتسعين أربع حقاق، فإن كثرت الابل ففي كل خمسين حقتان، وكذلك يؤخذ منهم في البقر في ثلاثين تبيعان أو تبيعتان، وفي أربعين مسنتان، وفي ستين
---
[ 214 ] (1/214)
أربع تبايع، وفي سبعين مسنتان وتبيعان، وفي ثمانين أربع مسان، وفي تسعين ست تبايع، وفي مائة مسنتان وأربع تبايع، وما زادت فبحساب ذلك، وفي كل ثلاثين تبيعان، وفي كل أربعين مسنتان، وكذلك يؤخذ منهم في الغنم، يؤخذ منهم في الاربعين شاة شاتان، وفي احدى وعشرين ومائة أربع شياه، وفي احدى ومائتين ست شياة، وفي ثلاث مائة شاة ست شياه أيضا، فإن كثرت الغنم ففي كل مائة شاتان، وكذلك يؤخذ منهم فيما أخرجت الارض الخمس كاملا والعشر كاملا، ما سقي سيحا أو فيحا بالعيون أو بماء السماء ففيه الخمس إذا بلغ خمسة أوسق، وما سقي بالسواني والدوالي والخطارات ففيه العشر كاملا، إذا وفي ذلك خمسة أوسق، ولا يؤخذ منهم في شئ من أموالهم صدقة حتى تبلغ ما يجب على المسلمين في مثله الزكاة من العشرين مثقالا والمائتي درهم والخمس من الابل والثلاثين من البقر والاربعين من الغنم والخمسة أوسق من المكيل، وما يسوى مائتي درهم من الثمر الذي لا يكال فإذا بلغ ذلك أخذ منهم ضعف ما يؤخذ من المسلمين فيه. قال يحيى بن الحسين رحمة الله عليه: وما أخذ من بني تغلب فهو في يجوز ويحل للهاشمي وغيره من أهل ديوان المسلمين، وليس ذلك كأعشار المسلمين وزكواتهم، لان ذلك صدقة أفترضها الله عزوجل على المسلمين يطهرهم ويزكيهم بها، ويرفع لهم الدرجات في الآخرة عليها وهذه التي أخذت من هؤلاء النصارى بدل من جزيتهم إخزاء وأذلالا لهم ليتركوا على دينهم، كما أخذت من اليهود والنصارى جزيتهم وتركوا على دينهم مقيمين فلذلك قلنا إن كلما أخذ من هؤلاء التغلبيين خلاف ما أخذ من المسلمين، وقلنا إنه يجرى مجرى جزية أهل الذمة، ولا يجرى مجرى اعشار أهل الملة ولا يؤخذ من بني تغلب على رؤوسهم جزية،
---
[ 215 ] (1/215)
لانهم قد صولحوا بهذه الاعشار عليها فطرح عنهم ما يؤخذ من أهل الذمة منها. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وقد قال بعض من قال إنه لا يؤخذ من أموال صبيانهم كما لا تؤخذ الجزية من صبيان أهل الذمة وليس ذلك عندي بشئ بل أرى أن يؤخذ من كل من كان له مال من رجالهم ونسائهم وصبيانهم لانهم أبوا الجزية التي تؤخذ من أهل الذمة لئلا يجروا مجرى الاسرائليين، ورضوا بأن يجروا مجرى المسلمين في أخذ الاعشار منهم وتضاعف عليهم الاعشار فرقا بين المسلمين وبينهم فأجروا في ذلك مجرى من يؤخذ منه الاعشار والاعشار فقد يؤخذ من كل ذي مال من المسلمين من رجل أو امرأة أو صبي فلذلك قلنا إنه يؤخذ ممن طلب أن يجرى مجرى الاعشار ولا يجرى مجرى الجزية ويؤخذ من هؤلاء التغلبيين ما يؤخذ من ذوي الاعشار من كل من يؤخذ منه في ماله عشر.
باب القول في زكاة الفطر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: زكاة الفطر تجب على كل عيل من عيال (53) من كان من المسلمين يجد، السبيل إليها وهي شئ جعله رسول الله صلى الله عليه وآله وفرضه على المسلمين وأمرهم بأدائه صلى الله عليه وآله في يوم فطرهم شكر الله عز وجل على ما من به عليهم من تبليغهم لاستتمام ما فرض عليهم الله من صومهم وتزكية لما تقدم في شهرهم من عملهم ونظرا منه صلى الله عليه
---
ص 215 (53) في نسخة من عيال المسلمين.
---
[ 216 ] (1/216)
وعلى آله وسلم لفقرائهم وأغنيائهم (54) في مثل ذلك اليوم العظيم والعيد الشريف الكريم، فأراد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يصيب الاغنياء من المسلمين في ذلك اليوم أجرا عند رب العالمين، بما يطعمون من الطعام ويوسعون به على ضعفة الانام وأراد أن يتسع الفقراء في ذلك اليوم في فطرة الاغنياء، كما يتسع أهل الاموال في فضل أموالهم ففسح صلى الله عليه وآله بذلك للمساكين والمعسرين، حتى نالوا في ذلك اليوم من السعة (55) منال المتوسعين، رحمة منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم للعباد واصلاحا بذلك في البلاد.
باب القول في تسمية زكاة الفطر وتحديدها وتسمية من تجب عليه من الناس
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تجب الزكاة الفطر على الحر والمملوك والصغير والكبير والذكر والانثى من المسلمين وواجب على كل من كان يعول أحدا من المسلمين أن يخرج عنهم زكاتهم في يوم فطرهم، وهي صاع من بر، أو صاع من شعير، أو صاع من تمر، أو صاع من ذرة أو صاع من أقط، لاصحاب الاقط، أو صاع من زبيب أو غير ذلك مما يستنفقه المزكون.
باب القول في زكاة الفطر متى تخرج والى كم يجوز للمؤخر أن يؤخرها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تجب الزكاة مع وجوب الافطار وهي في أول ساعة من أول يوم من شوال وهو يوم الفطر ويستحب
---
ص 216 (54) في نسخة واغتنائهم.
(55) في نسخة مثل ما نال.
---
[ 217 ] (1/217)
أن يصيب المؤدون لها شيئا عند اخراجهم لها قبل أن يخرجوها ولو شربوا ماء ثم يخرجونها قبل صلاة عيدهم، وهذا فأحسن أوقاتها عندي، وليس بضيق على من خلفها إلى وسط يومه ولا إلى آخره غير أنا نستحب له أن يعجل إخراجها إلى من جعلت له لينال فيها فقراء المسلمين من الاتساع في ذلك اليوم ما ينال الاغنياء المزكون لانه يوم سعة، وعيد وسرور للعبيد، ولا ينبغي لاحد أن يؤخرها عن يوم العيد، ولا أن يحبسها على أصحابها الذين حكم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لهم بها، الا أن لا يجد المخرج لها قربه أهلا ولا مستحقا، فيحبسها حتى يأتي لها أهل، أو يعلم لها مستحقا بغير بلده، فيوجه بها إليه، ولا يبطئ بعد الامكان بها عليه، فإن لم يمكنه رسول يرسله بها ولم يتهيأ قربه من يستأهلها فهو في فسحة من أمرها إلى أن يتهيأ ذلك له فيها، لان الله تبارك وتعالى يقول: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) (56).
باب القول فيمن لم يجد طعاما يخرجه في زكاة الفطر هل يجوز له أن يخرج نقدا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا ينبغي أن تخرج زكاة الفطر إلا طعاما، فإن لم يجد المزكي حيلة إلى شئ من الطعام فلا بأس أن يخرج قيمة الطعام دراهم، يخرج عن كل إنسان قيمة صاع من طعام، وتكون تلك القيمة قيمة صاع مما يأكل هو وعياله ويستنفقون، إلا أن يحب أن يخرج قيمة صاع من أفضل الاشياء وهو البر، فتكون له تلك فضيلة، فأما الواجب فليس يجب إلا مما يأكل هو وعياله ويستنفقون وإن لم يكن عنده من يستأهل النقد ولا الطعام، وعلم
---
ص 217 (56) البقرة 289.
---
[ 218 ] (1/218)
بمكان فيه من يستأهل زكاته وجه إليه بطعام، فإن لم يمكنه بطعام وجه بنقد، وأمر أن يشتري بذلك النقد طعام، ثم يفرق على من يستأهله من أهل ديانته، قال: وإنما حظرنا عليه إخراج زكاته دراهم إلا من ضرورة، وأوجبنا واستحببنا له أن يخرج كيلا لان الكيل أيسر وأهون وأعجل خيرا للمساكين في يوم عيدهم، وأن الموسر المتصدق أقدر على بغية الطعام وطلبه من الفقراء والمساكين.
باب القول فيما ينبغي لصاحب الزكاة التي تجب عليه الفطرة أن يفعل فيها من التأهب لها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ينبغي لمن وجبت عليه بالجدة والمقدرة فطرة أن كان في بلد يخاف أعواز الطعام به، ويخشى أن لا يجده يوم فطرة، أن يتأهب لذلك ويرسل له ويطلبه حتى يشتريه، ويحصل عنده ما يجب عليه منه يتأهب لذلك ويطلبه في أول شهر رمضان، أو في بعضه على قدر ما يتهيأ له من أمره، وإن أحتاج أن يتأهب له من قبل دخول شهر رمضان فليفعل فإن ذلك أقرب له إلى ربه وأعظم إن شاء الله لاجره
باب القول فيما يعمل من كان له مال غايب ولم يحضره في وقت فطره ما يخرجه عن عياله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من كان ذا مال ومقدرة واستطاعة لاخراج الفطرة وكان ماله غائبا عنه ولم يجد له يوم عيده حيلة إلى أخراج فطرته فليرغ (57) السلف من إخوانه فإن قدر على ذلك أخذه
---
ص 218 (57) أراغ بالعين المعجمة أراده وطلبه.
---
[ 219 ] (1/219)
وأدى به فطرته، وإن لم يجد ذلك ولم يمكنه فهو دين عليه إلى وقت رجوع ماله إليه فإذا صار إليه من ماله ما يؤدي عنه زكاته زكى منه، وأخرج ما كان عليه، وإنما أمرنا بإراغة السلف لان يكون قد إجتهد حتى بلغ المنتهى، وجاز له من بعد ذلك الترك لاخراج زكاته إلى وقت مقدرته، فرأينا له الاجتهاد في ذلك، فإن لم يجده بحيلة كان ممن قال الله سبحانه: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) (58).
(وإلا ما آتاها) (59).
باب القول فيمن كانت له ثمرة من رطب أو عنب أو غيره تجب في مثلها الزكاة ولم يمكنه تركها إلى وقت يبسها بسبب من الاسباب مخافة عليها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من كان له نخل يسير أو عنب يسير وكان يحتاج إلى أكله رطبا أو بيعه، ولم يمكنه أن ييبسه ولا أن يترك مقدار ما يجب عليه من ذلك في شجره مخافة عليه من التلف، فلا بأس أن يخرجه عند وقت كمال جودته واستوائه كله إذا لم يبق فيه بلح ولا خضرة وصار إلى الحد الذي ينتفع به أهله، ولا يسقط عنهم فيه بعضه ويدفعه إلى أربابه بخرصه رطبا كما يخرص النخل كلها لان خرص كل رطب خلاف خرس اليابس، فيجب عليه أن يخرجه بخرصه في روس النخل معدلا تمرا، ولا يخرجه رطبا كيلا ويحتاط على نفسه في ذلك. وإنما يجوز له أن يخرج ذلك إلى أصحابه الذين جعله الله لهم على ما ذكرنا إذا لم يكن إمام يقبضه، ويجوز له دفعه إليه، فأما إذا كان إمام فهو الناظر في ذلك إن أحب أن يأخذه رطبا أخذه وإن أحب أن يأمره
---
ص 219 (58) البقرة 289.
(59) الطلاق 7.
---
[ 220 ] (1/220)
بتركه في روس شجرة، ويأمر الامام به من يحفظه فعل، وإن رأى أن يأمر ببيعه فعل، وإنما أحببنا لمن عدم الامام أن يخرج زكاة تلك الثمرة رطبة على حالها ويسلمها عند وقت جودتها إلى أربابها لان يكون قد أخرج زكاة كل شئ منه وبذلك جاءت السنة، فإذا كان شجر هذا يذهب كله رطبا، ولا ييبس صاحبه منه شيئا أحببنا له أن يخرج زكاته منه دون غيره
باب القول في تفسير مخارج الزكاة وتفسير معانيها وشرحها في الكتاب والسنة واللغة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تخرج الزكاة في اللغة على ثلاثة معان فأولها: زكاة الابدان وتزكيتها بما يدنيها من الله ويقربها من الاعمال الزاكية المزكية عند الله للمؤمنين، المطهرة لهم من دنس رجس الفاسقين وذلك قول الله سبحانه: (قد أفلح من زكاها) (60) يريد قد أفلح من طهرها من عصيان الله ونقاها، حتى زكت عند الله تعالى بالطاعات، وكرمت عنده باكتساب الخيرات ومن ذلك قوله سبحانه: (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) (61) يقول: قد أفلح من تزكى أي قد أفلح من زكى نفسه بالطاعة لله فزكى، وخافه في معاده فآمن به، وذكر اسم ربه فصلى، وأطاع الله سبحانه وأتبع أمره وأتقى وجنب عن معاصيه، وراقبه في نهيه له فانتهى. ويقول سبحانه في ذلك: فيما حكى عن نبيه موسى صلى الله عليه وسلم: (أقتلت نفسا زاكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا) (62) فأراد بقوله: زاكية يريد نفسا لم تعلم عليها سوءا فتخرجها به عن طريق التقوى، فسمى صلى الله عليه وسلم ذلك
---
ص 220 (60) الشمس 9.
(61) الاعلى 14.
(62) الكهف 74.
---
[ 221 ] (1/221)
الغلام نفسا زاكية إذ غاب عنه أمره ولم يدر ما علم غيره من أمره ومن ذلك قول الله سبحانه: (وسيجنبها الاتقى الذي يؤتي ماله يتزكى) (63) يريد سبحانه يتقرب إلى الله سبحانه فيقرب إليه بالانفاق والاخراج لماله في طاعة ربه، والاقراض لخالقه تزكية منه بذلك لبدنه، وتزيدا منه في خالص دينه، وليس الزكاة الواجبة، يعني بذلك الرحمن، ألا تسمع كيف يقول فيما نزل من النور والفرقان: (وما لاحد عنده من نعمة تجزي إلا إبتغاء وجه ربه ألاعلى) (64) ولو كانت زكاة الاموال هي المذكورة هاهنا لم يقل وما لاحد عنده من نعمة تجزى، لان الزكاة شئ من الله حكم به، وجعله لكل فقير معسر، عند كل ذي جدة موسر.
(والوجه الثاني): فهو ما فرض الله سبحانه على الخلق من أداء الزكاة وإخراجها عند وقتها من أموالهم وذلك قوله سبحانه: (وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة) (65). وقوله: " وأتوا حقه يوم حصاده ". وقوله: لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) (66) فهذا معنى كل جزء يخرج من أجزاء أموالهم، وليس كالتزكية لانفسهم بأعمالهم.
(والمعنى الثالث: فهو سنة من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم واجبة على المسلمين، وهي زكاة فطرهم التي يخرجونها يوم عيدهم، عن كل أنسان منهم، صغيرهم وكبيرهم، وحرهم ومملوكهم).
باب القول في فنون الزكاة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: زكاة أموال العبيد على
---
ص 221 (63) الليل 17.
(64) الليل 19.
(65) البقرة 43.
(66) التوبة 103.
---
[ 222 ] (1/222)
مواليهم، عليهم أن يخرجوها مما في أيدي عبيدهم أو مما في أيديهم، أي ذلك شاؤا فجايز لهم، لان عبيدهم وما ملكوا لهم فلذلك قلنا إن زكاة أموالهم عليهم. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وكذلك أم الولد والمدبر زكاة أموالهم على سيدهما لانه لم يبتهما بعتق وهو مالك لهما، وإذا كان مالكا لهما فهو مالك لاموالهما. قال: واما زكاة مال المكاتب الذي أكتسبه المكاتب بعد مكاتبه سيده له وشرطه ما شرط من الثمن عليه وإشهاده بذلك له على نفسه فلا زكاة عليه حتى يعتق المكاتب بأدائه إلى سيده ما كاتبه عليه، أو يرجع بالعجز عن أداء ذلك في ملك سيده، فأيهما صار المال إليه زكاة عما مضى من السنين، وإن عتق العبد وأدى ما كوتب عليه فالمال ماله وواجب عليه تزكيته وإن عجز فالمال مال سيده وعليه أن يزكيه، (67) وإنما قلنا إنه لا يزكي حتى يتبين أمره وأوجبنا تزكيته لما مضى من السنين على من صار له لان هذا المال مالهما (68) جميعا مشرفان عليه، لم يصح ملكه لاحدهما، ولم يخرج الطمع فيه من أيديهما، لان السيد يقول: إن عجزت ملكتك ومالك، والعبد يقول: إن أديت إليك ما كاتبتني عليه طرا لم تأخذ من مالي درهما، فلما كان أمر المال أمرا ملتبسا، (69) لم توجب على أحدهما أن يزكي مالا لا يدري هوله أو لغيره، ولم ير أن يضل ويبطل ما في هذا المال من الزكاة فجعلنا أمره كأمر مال كان دينا لرجل على رجل فأوجبنا على صاحبه إذا أقتضا دينه أن يزكيه لما مضى من السنين. وقال: في رجل زرع أرضا فلما حصدها باع ثمرها
---
ص 222 (67) في نسخة وعليه تزكيته.
(68) في نسخة مال لهما.
(69) فلما كان أمر المال كذلك أمرا ملتبسا.
---
[ 223 ] (1/223)
من رجل جزافا وهو في سنبله وأخذ الثمن منه ثم أتى المصدق فوجده قد باعه فإنه يأخذ ما يجب فيه منه ويرجع المشترى على البايع بقيمة ما أخذ المصدق من ذلك، وقد قال غيرنا: إنه يجزيه أن يأخذ من البايع قيمة ما يجب له في ذلك الزرع، ولا يأخذ من المشترى شيئا، ولسنا نرى ذلك لانه يجب على صاحب الزرع أن يخرج عشر زرعه منه لا من غيره، فإذا أخطأ رد عن خطائه ولم يسوغ له ما لا يسوغ، لان الثمرة التي أوجب الله فيها ما أوجب قائمة بعينها في يد هذا المشتري الذي أشترى ما لا يجوز له أن يشتريه، فعليه أن يرده إلى أصحابه، ويرجع بقيمته على من باعه إياه ولو جاز أن يأخذ من البايع عشر ما أخرجت أرضه نقدا لجاز أن يؤخذ عشر الحنطة من التمر، وعشر التمر من الحنطة، وأن يأخذ من ذلك وفيه نقدا ذهبا وفضة، وهذا خلاف قول الله سبحانه حين يقول: (وءآتوا حقه يوم حصاده) (70) لانه أراد بقوله: (وءآتوا حقه يوم حصاده) (71) أخرجوا منه ما يجب فيه، وفي ذلك ما قال (72) رسول الله صلى الله عليه وآله: (الحنطة من الحنطة، والتمر من التمر والخف من الخف والظلف من الظلف)، قال: فإن لم يأت المصدق حتى أستهلك المشترى الطعام، فهذا خلاف المسألة الاولى، لان الطعام كان قائما في الاولى بعينه، (73) وهو في هذه مستهلك فله أن يأخذ من البايع عشر قيمة الطعام، وكذلك لو أستهلكه صاحبه الذي باعه وبين ما أستهلك وما لم يستهلك فرق بين عند من عقل وفهم. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وكل مال تلف قبل
---
ص 223 (70) الانعام 141.
(71) الانعام 141.
(72) وفي نسخة وفي ذلك ما يقول رسول الله.
(73) في نسخة لان الطعام كان في الاولى قائما بعينه.
---
[ 224 ] (1/224)
وجوب العشر فيه فلا زكاة على صاحبه فيه، ووقت وجوب الزكاة فهو أن يصير فيه حبه ويؤمن فساده ويبين صلاحه، مثل حب العنب ونوى التمر فإذا صار فيه حبه وجب أن يخرص، فإذا حصد أو جذ أو قطف، أخذ منه عشر ما كان خرص فيه. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن أرضا أو نخلا سقيت بالسيح نصف سنتها (74) وبالسواني النصف الاخر لوجب فيها أن يؤخذ على قدر ذلك بحسابه، مما سقي سيحا العشر، ومما سقي بالسواني نصف العشر، وقال: تؤخذ أعشار الزرع من قبل أن يرفع منها شئ، أو يعزل في مؤنة من مؤناتها لا في حفر ولا دلو ولا نفقة عمال، ولا في شئ من الاشياء التي تحتاج إليها الارض، يبدأ قبل كل شئ بالعشر. حدثني أبي عن أبيه في الرجل يكون له أرض فيزرعها ثم يحصدها هل يجوز له أن يعزل نفقة عمالها؟ أو بعض مصالحها، ثم يخرج العشر من الباقي؟ فقال: لا، حتى يخرج العشر قبل ذلك كله. قال يحيى بن الحسين رحمة الله عليه لا يجوز للرجل أن يعطي من زكوته أباه ولا أمه ولا ولده لان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " أنت ومالك لابيك " فنفقة هؤلاء واجبة على الاب والابن على كل حال فلذلك لم يجز أن يعطي الوالد من زكاته ولده، ولا الولد من زكاته والده، ويجوز له أن يعطي أخاه، وغيره من أقاربه وذوي أرحامه، إذا لم يكونوا في حد تلزمه النفقة عليهم، ولم يكن منه ذلك فرار عن حق لازم له، أو تكفيا عن واجب لهم عليه. وكذلك لا يجوز له أن يدفع من زكاته شيئا
---
ص 224 (74) في نسخة سقيت بالسيح نصف سقيها.
---
[ 225 ] (1/225)
إلى مملوكه ولا مدبره ولا أم ولده إلا أن يكون قد بت عتقهم، فإن بت عتقهم فهم في زكاته كغيرهم من سائر المسلمين، وهم أولى من غيرهم لانهم مواليه، وهو ولي نعمتهم.
(تم كتاب الزكاة والحمد لله على نعمته وتوالي منته وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. يتلوه أبواب الصيام)
---
[ 227 ] (1/227)
كتاب الصيام
---
[ 229 ] (1/229)
بسم الله الرحمن الرحيم
مبتدأ أبواب الصيام
باب القول في فروض (1) الصيام وشرائطه في الكتاب وشرح ما أمر الله به منه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن الله تبارك وتعالى افترض على عباده الصيام من غير حاجة منه إلى صيامهم، ولا منفعة تناله بشئ من أعمالهم، بل خلقهم عبيدا مأمورين ومنهيين، وجعلهم في ذلك سبحانه مخيرين، ثم أمرهم ونهاهم، وبصرهم غيهم وهداهم، ومكنهم من العملين، وهداهم النجدين، وجعلهم لكل ذلك مستطيعين، ولما أمروا به من العمل مطيقين، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة، وإن الله لسميع عليم. فكان مما أمرهم بعمله وافترض عليهم ما افترض من فعله، ما افترض على من كان قبلهم من بني اسرائيل من الصيام وذلك قول الله سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) (2) يقول سبحانه: (لعلكم تتقون مخالفتي، وتتبعون أمري وطاعتي، فتتبعون حكمي، ولا تبدلون فرضي كما بدله من كان قبلكم من بني اسرائيل، الذين أنزلت عليهم وفيهم ما أنزلت من الانجيل)، وذلك أن الله كتب في الانجيل على بني اسرائيل أن يصوموا شهر رمضان، وأن لا ينكحوا فيه ما أحل لهم نكاحة في غيره من النسوان، فبدلوا ذلك وغيره، وخالفوا ما أمروا به فيه ورفضوه، جزعا من دورانه عليهم في اشتداد حرهم
---
ص 229 (1) في نسخة باب القول في فرض الصيام.
(2) البقرة 183.
---
[ 230 ] (1/230)
وسبرات بردهم، فنقلوا الصيام إلى غير رمضان من الايام، وزادوا فيها عشرين يوما كفارة بزعمهم لما غيروا، فلعنهم الله وأخزاهم وأهلكهم بذلك وأرادهم، وذلك قوله سبحانه: (كما كتب على الذين من قبلكم) (3) يعني النصارى ثم قال: (أياما معدودات فمن شهد منكم الشهر) (4) يعني شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، فجعل الله عدد شهر رمضان ثلاثين يوما، وتسعة وعشرين يوما، يكون ثلاثين يوما إذا وفي وتسعة وعشرين يوما إذا نقص، فإن كانت في السماء علة من سحاب أو غبار أو ضباب أو غير ذلك من سبب من الاسباب أوفيت أيام الصيام ثلاثين يوما، وكذلك يروى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما) يريد صلى الله عليه وآله (5) من يوم رأيتموه وصح عندكم أنه قد أهل فيه. وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (الشهر هكذا وهكذا وهكذا، ثم قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: وهكذا قد يكون وهكذا وهكذا ونقص من أصابعه واحدة، وأشار في الاولى بكفيه جميعا ثلاث مرات، وأشار بكفيه في الثانية ثلاث مرات، ونقص في الثالثة أصبعا، فدل ذلك منه صلى الله عليه وآله على أن الشهر قد يكون مرة ثلاثين يوما سواء، ومرة تسعة وعشرين يوما سواء، وقال الله سبحانه: (يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس) (6) يقول جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله: مواقيت لاحكامهم. وما جعل الله عليهم من فرائضهم، من صومهم وزكاتهم وحجهم، وغير ذلك من أسبابهم فافترض الله سبحانه الصوم على أمة محمد صلى الله عليه وآله في أول مرة على ما كان افترضه على من
---
ص 230 (3) البقرة 183.
(4) البقرة 184.
(5) في نسخة عدوا من يوم رأيتموه.
(6) البقرة 189.
---
[ 231 ] (1/231)
كان قبلهم، لا يأكلون ولا يشربون فيه نهارا ولا ينكحون فيه نسائهم حتى ينسلخ عنهم شهرهم وينقضي فيه صومهم، لا يأتونهن ليلا ولا نهارا فأقاموا (8) بذلك يصومون النهار، ويأكلون وقت الافطار إلا أن يناموا، فإن ناموا لم يجز لهم أكل ولا شرب، حتى يكون من الغد عند دخول الليل، حتى كان من أمر الانصاري ما كان وهو رجل يقال له أبو قيس: واسمه صرمة بن أنس، فعمل في بعض حوائط المدينة فأصاب مدا من تمر فأتى به امرأته (9) وهو صايم فأبدلته له بمد من دقيق، فعصدته له فنام لما به من الوهن والتعب قبل أن تفرغ مرأته من طعامه، ثم جاءت به حين فرغت، فأيقظته ليأكل فكره أن يعصي الله ورسوله فطوى تلك الليلة مع ما تقدم من يومه، ثم أصبح صائما من غده، فمر برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرآه مجهودا فقال له: (لقد أصبحت يا أبا قيس طليحا) فأخبره بما كان من خبره فسكت صلى الله عليه وعلى آله عنه، وكان عمر بن الخطاب في رجال من أصحابه قد أصابوا نساءهم في شهر رمضان، فخافوا أن يذكر أمر أبي قيس في شئ من القرآن فيذكروا معه، فقام عمر في أولئك الناس. فقالوا استغفر لنا يارسول الله فإنا قد واقعنا النساء، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ما كنت جديرا بذلك يا عمر)، فأنزل الله تعالى في أبي قيس وعمر وأصحابه ما أنزل، ونسخ أمر الصيام الاول فقال جل جلاله وعظم عن كل شأن شأنه: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالان باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى تبين لكم الخيط
---
ص 231 (8) في نسخة فأقاموا كذلك.
(9) في نسخة وهم صيام.
---
[ 232 ] (1/232)
الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) (10) فأطلق سبحانه الاكل والشرب في الليل كله قبل النوم وبعده حتى يتبين لهم الخيط الابيض من الخيط الاسود. والخيط الابيض فهو عمود الفجر ونوره، والخيط الاسود فهو الليل وظلمته، يقول: كلوا واشربوا حتى يخرج الليل وظلامه، ويدخل النهار وإسفاره (11)، ومعنى دخوله هاهنا فهو قربه وغشيانه ودنوه وإتيانه فللناس أن يشربوا ويأكلوا حتى يخافوا هجوم الصباح، فإذا قرب دنو الصباح وجب عليهم أن يكفوا وعن المأكول والمشروب يمتنعوا، وأجاز لهم سبحانه غشيان نسائهم متى أحبوا من ليليهم حتى يخافوا هجوم صبحهم فإذا دنا ذلك اعتزلوهن، وكفوا عن مجامعتهن وإتيانهن وقال سبحانه: في من كان من عباده مريضا لا يستطيع لضعفه صياما، وفي الشيخ الكبير الذي قد عجز عن أداء فرض الصيام: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون) (12). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: معنى قوله سبحانه وعلى الذين يطيقونه هو وعلى الذين لا يطيقونه فطرح لا وهو يريدها والقرآن فهو عربي مبين، وهذا فموجود في لغة العرب، وفي آي كثير من الكتاب موجود، والعرب تأتي بلا في كلامها وهي لا تريدها، وتطرحها وهي تريدها، استخفافا لها، فأما مجيؤها بالكلام الذي تريدها فيه وقد
---
ص 232 (10) البقرة 187.
(11) في نسخة وإشراقه.
(12) البقرة 184.
---
[ 233 ] (1/233)
طرحتها منه فهو مثل ما ذكرها (13) في الآيتين المتقدمتين، وفي مثل ذلك ما يقول الشاعر: نزلتم منزل الاضياف منا فعجلنا القرى أن تشتمونا فقال: فعجلنا القرى أن تشتمونا، وإنما أراد فعجلنا القرى أن لا تشتمونا، فطرحها وهو يريدها وأما ما كان من كلامها مما تثبت لا فيه وهي لا تريدها، مثل قول الشاعر: بيوم جدود لافضحتم أباكم وسالمتموا والخيل تدمي شكيمها فقال: لافضحتم أباكم وإنما أراد بيوم جدود فضحتم أباكم فأدخل لا لغير سبب ولا معنى صلة للكلام، والشاهد لذلك في كتاب الله تعالى قول الله سبحانه: (لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شئ من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) (14) فقال: لئلا يعلم أهل الكتاب، وإنما أراد تبارك وتعالى: ليعلم أهل الكتاب ومن ذلك قول موسى صلى الله عليه (يا هرون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعني أفعصيت أمري). فقال: ألا تتبعني، وإنما أراد أن تتبعني، وهذا عند العرب فأعرب إعرابها، وأفصح ما تأتي به من خطابها أن تطرح لا وهي تريدها فيخرج لفظ كلامها لفظ إيجاب ومعناه معنى نفي، وتثبت، لا وهي لا تريدها فيخرج لفظ كلامها لفظ نفى ومعناه معنى إيجاب، وكذلك تفعل أيضا بالالف وحدها تطرحها وهي تريدها وتثبتها وهي لا تريدها فيأتي لفظ ما طرحتها منه لفظ نفي، وإن كان معناه معنى إيجاب ويأتي لفظ ما أثبتتها فيه وهي لا تريدها لفظ شك، وإن كان معناه معنى خبر وإيجاب، فأما ما طرحتها منه وهي تريدها فمثل قولها
---
ص 233 (13) في نسخة فهو مثل ما ذكرنا في الآيتين الاوليين.
(14) الحديد 29.
---
[ 234 ] (1/234)
لا تنهض بنا في كذا وكذا، لا تكلم بنا فلانا في أمر كذا وكذا، فيخرج لفظ هذا الكلام لفظ نفي ونهي، ومعناه معنى إيجاب وأمر، أراد القائل ذلك ألا تنهض بنا، ألا تكلم بنا، فلانا، فطرحها وهو يريدها، وفي ذلك ما يقول له سبحانه: (لا أقسم بيوم القيامة) ويقول: (لا أقسم بهذا البلد) (15) يريد ألا أقسم بيوم القيامة ألا أقسم بهذا البلد فطرح منهما الالفين وهو يريدهما، وأما ما تثبتها فيه وهي لا تريدها فهو مثل قول القائل: كلم لي زيدا أو عمرا، يريد كلم لي زيدا أو عمرا، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: (وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون) (16) فقال: أو يزيدون فخرج لفظها لفظ شك وإنما معناها معنى إيجاب وخبر، أراد وأرسلناه إلى مائة ألف ويزيدون فقال: (أو يزيدون) (17) فأثبتها وهو لا يريدها فعلى ذلك يخرج معنى قول الله سبحانه: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين) (18) يريد وعلى الذين لا يطيقون الصيام ممن كان ذا ضعف وهلاك من الانام، فدية طعام مساكين، يقول: يطعم ثلاثين مسكينا عن الشهر كله عن كل يوم مسكينا غداه وعشاه، ثم قال: (فمن تطوع خيرا فهو خير له) (19) يريد سبحانه من زاد فأطعم عن كل يوم مسكينين وحمل على نفسه وأن أضر ذلك به في بعض حاله فهو خير له، ثم قال جل جلاله: عن أن يحويه قول أو يناله في المريض والمسافر: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر
---
ص 234 (15) القيامة 1.
(16) الصافات 147.
(17) الصافات 147.
(18) البقرة 184.
(19) البقرة 185.
---
[ 235 ] (1/235)
فعدة من أيام أخر) (20) فأطلق للمريض والمسافر الافطار وحكم عليهم بقضاء ما أفطروا من الايام. ثم قال سبحانه: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (21) فأخبر بييسيره على عباده وتخفيفه عنهم بما أجاز لهم من الافطار، وترك الصيام الذي لم يجز تركه لاحد مقيم من الانام ثم قال سبحانه: في ايجاب القضاء لما أفطر المسافرون من أيامهم التي أجاز لهم إفطارها في أسفارهم (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) (22). ثم قال سبحانه: فيما حرم من مباشرة النساء على المعتكفين في مساجد رب العالمين: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها) (23) فحرم سبحانه النساء على من اعتكف في الليل والنهار فلا يحل لمعتكف أن يطأ امرأته حتى ينقضي اعتكافه، ولا يكون إعتكاف إلا بصيام، والاعتكاف فهو إقامة الرجل في المسجد لا يدخل بيتا غيره ولا يخرج منه إلا لحاجة لا بد له منها، أو في شئ مما يرضي الله سبحانه فيه، والصوم مع الاعتكاف سنة من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جعلها على المعتكف.
باب القول فيما جاء في فضل صيام شهر رمضان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن زيد بن علي عن آبائه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال صعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم المنبر فقال: (يا أيها الناس إن
---
ص 235 (20) البقرة 185.
(21) البقرة 185.
(22) البقرة 185.
(23) البقرة 187.
---
[ 236 ] (1/236)
جبرئيل أتاني فاستقبلني فقال: يا محمد من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فمات فدخل النار فلعنه الله قل آمين فقلت آمين، ثم قال: من لحق إماما عادلا فلم يغفر له فلعنه الله قل آمين فقلت آمين، ثم قال: من لحق والديه فلم يغفر له فلعنه الله قل آمين فقلت آمين) وبلغنا (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم اعتكف العشر الاواخر وأحيا الليل وكان يغتسل ويشد المئزر، ويشمر حتى انسلخ الشهر). قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: معنى شد المئزر فهو اعتزاله للنساء، ومعنى شمر فهو أقبل على طاعة ربه العلي الاعلى. وبلغنا عن زيد بن علي عليه السلام عن آبائه عن علي رضوان الله عليه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة يوم القيامة ينادى مناد أين الظامية أكبادهم وعزتي وجلالي لاروينهم اليوم). قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ويروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان إذا جاء شهر رمضان خطب الناس فقال: إن هذا الشهر المبارك الذي أفترض الله صيامه ولم يفترض قيامه قد أتاكم ألا إن الصوم ليس من الطعام والشراب وحدهما، ولكن من اللغو والكذب والباطل.
باب القول فيما ينبغي للصائم اعتزاله من الكلام وغيره
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ينبغي للصائم وغير الصائم أن يعتزل ويتقي ويتجنب الكذب وشهادة الزور، وشهادات الزور فهي أكبر الكذب وهو الكذب الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه
---
[ 237 ] (1/237)
وعلى آله وسلم: (الكذب مجانب للايمان) فسر ذلك وميزه وفيهما وفي غيرهما من الكذب الذي يدفع به حق أو يثبت به باطل أو يضر به مسلم ما يقول الله سبحانه: (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله) (24) والكذب منازل بعضها دون بعض، وكله فينبغي للصائم أن يعتزله في صيامه ولغير الصائم أن يتجنبه ويتحرز منه المسلم في قعوده وقيامه، وينبغي للصائم أن يعتزل اللفظ بالفحش والنظر إلى ما لا يجوز له النظر إليه وأن لا يسمع ما لا يجوز له سماعه من ضرب معزفة أو طنبور أو غير ذلك من الملاهي والمزامير التي هي حرام على الصائم وغيره من الانام وعليه أن لا يمشي إلى ما لا ينبغي له المشي إليه وألا يكثر جماعة لا يجوز له تكثيرها، وأن يتحفظ على نفسه في قيامه وقعوده ولا يهملها في شئ من أسبابه، وأن يتحفظ عند تمضمضه واستنشاقه ويحذر أن يدخل في فيه أو في خياشيمه شئ يصل إلى حلقه ويدخل في جوفه من ماء طهوره، وينبغي له أن يتحرز ويتيقظ في نهاره من النسيان، مخافة أن ينسى الصيام فيصيب ما لا يجوز له اصابته من الطعام والشراب.
باب القول فيما ينبغي للرجل أن يتقي من أهله في صيامه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ينبغي للصائم أن لا يضاجع امرأته في ثوب واحد مخافة أن تغلبه الشهوة فيوقعه الشيطان في الفتنة، وينبغي له أن لا يقبل لشهوة، ولا يلمس للذة، ولا ينظر لطربة، ولا يعابث عبثا يدعوه إلى حركة، بل ينبغي له أن يتقي ذلك كله (25)، ويحفظ صيامه، يتقي ربه ويكثر ذكره.
---
ص 237 (24) النحل 105.
(25) وفي نسخة ويحوط صيامه.
---
[ 238 ] (1/238)
باب القول فيما ينبغي (26) للصائم أن يفعله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: استحب للصائم أن يقرأ في غدواته القرآن فانه أفضل عبادة الرحمن ويكثر في ساير نهاره التسبيح والاستغفار ويقرأ في عشيه (27)، ما أمكنه أيضا من القرآن، ويسبح الله ويكبره ويسأله قبول ما افترض عليه من صومه فإذا غابت الشمس أخذ سواكه فسوك فاه، ويحذر أن يدخل في فيه شئ من خلاف ريقه، وما جمعه السواك من ريقه بصقه، ثم يغسل فاه ويتحرز من الماء إن كان وقت الافطار لم يأت فإذا رأى النجوم قال: الله أكبر، الله أكبر الحمد لله الذي جعل في السماء بروجا، وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وزينها بمصابيح زينة للناظرين، وجعلها علامة الليل عند العالمين، ومنتهى صوم من صام لله سبحانه من الصائمين، فإذا أراد أن يفطر قال: اللهم إنك أمرتنا بصيام النهار فصمناه، وأطلقت لنا إفطار الليل فأفطرناه فلك صمنا، وفرضك أدينا، ورضاك طلبنا، وعلى رزقك أفطرنا، فتقبل صومنا، واغفر ذنوبنا، وبلغنا صيام شهرنا كله، انك قريب مجيب، فإذا وضع في افطاره قال: بسم الله وبالله أفطرت على رزق الله، شاكرا له عليه حامدا له فيه، فإذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم على ما رزقنا من حلال رزقه، وأطعمنا من طيبات ما أخرج لنا من أرضه، اللهم أجعلنا لك من الشاكرين ولك عليه من الحامدين، يا رب العالمين.
---
ص 238 (26) في نسخة (فيما يستحب).
(27) في نسخة ويقرأ في آخر عشية.
---
[ 239 ] (1/239)
باب القول في صيام يوم الشك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الذي رأينا عليه أشيا خنا، ومن سمعنا عنه من أسلافنا أنهم كانوا يصومون يوم الشك وفي ذلك ما حدثني أبي عن أبيه عن علي أمير المؤمنين رحمة الله عليه أنه قال: لان أصوم يوما من شعبان أحب الي من أن أفطر يوما من رمضان. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وينبغي لمن صام يوم الشك أن ينوي إن كان هذا اليوم من شهر رمضان فصيامي من رمضان وإن كان من شعبان فهو تطوع، فإنه إذا فعل ذلك وكان ذلك اليوم من شهر رمضان فقد أدى صومه بما أعتقد من نيته وإن لم يكن من رمضان كتب له من تطوعه. قال: ولا ينبغي لاحد يفهم أن يفطره، لانه إن كان من شهر رمضان لم يستخلفه ولم يلحق يوما مثله (28) ويوم من شهر رمضان أهل أن يحتاط له ويطلب بكل سبب صومه، وإن كان يوما من شعبان لم يرزأه صيام يوم وكان له تطوعا وأجرا، فأما ما يزخرفه كثير من الناس في ترك صيامه فذلك ما لا يصح ولا يجوز القول به لبعده من الاحتياط والصواب، وقربه من التفريط في الصوم والارتياب، بل الصحيح في ذلك ما لا يشك فيه من أنصف من أن صوم يوم الشك والاحتياط فيه أفضل وأقرب إلى الله وأسلم. حدثني أبى عن أبيه أنه سئل عن صوم يوم الشك فقال حسن لا بأس بصومه وقد بلغنا عن علي عليه السلام أنه قال: لان أصوم يوما من شعبان أحب الي من أن أفطر يوما من رمضان.
---
ص 239 (28) في نسخة (ولم يلحق يوما مثله أبدا).
---
[ 240 ] (1/240)
باب القول في وقت الافطار
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وقت الافطار عندنا وعند كل من كان ذا احتياط في دينه ومعرفة بصحيح فعل نبيه صلى الله عليه وآله وسلم تسليما فهو غشيان الليل للصائم وغشيانه له فهو أن يجن عليه وعلامة دخوله وحقيقة وقوعه أن ترى كوكبا من كواكب الليل التي لا ترى إلا فيه، كما قال الله سبحانه: (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا) (29) فأما ما يرويه من قل تميزه وجهل وقت ليله من الرواية فلا يصدق بها ولو رويت عن بعض العلماء فكيف بالرسول المصطفى، وهي أنهم زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمرهم أن يفطروا قبل غشيان الليل لهم وهجومه عليهم فأفطر كثير من الناس بهذه الرواية، والشمس ساطع نورها في مغربها، لم يمت شعاعها، ولم يتغير لون مغربها، فأبطلوا بذلك صيام يومهم، ولبسوا الحق على أنفسهم، وخلطوا على المسلمين برواياتهم. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن وقت الافطار فقال: وقته أن يغشى الليل ويذهب النهار وبيدو نجم في أفق من آفاق السماء لان الله سبحانه يقول: (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا) (30)
باب القول في صوم يوم عاشوراء وصيام الدهر والايام البيضة وصوم يوم عرفة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس بصيام يوم عاشوراء وصيامه حسن، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله
---
ص 240 (29) الانعام 76.
(30) الانعام 76.
---
[ 241 ] (1/241)
وسلم أنه خص بالامر بصيامه بني أسلم، وحباهم بذلك وكذلك صيام الدهر لمن أطاقه ولم يضر بجسمه ولا ببدنه، لان الله سبحانه لم يرد من عباده المعسور وإنما أراد منهم الميسور، وذلك قوله سبحانه: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (31) فمن قوي على صيامه صامه، ويفطر يوم الفطر ويوم الاضحى، وأيام التشريق، لان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن صيام هذه الايام. وقال هي أيام أكل وشرب ومن أفطر هذه الايام فلم يصم الدهر. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن صوم يوم عاشوراء، وأي يوم هو وعن صوم يوم عرفة فقال: حسن جميل صومهما ولا حرج على من ترك أن يصوم فيهما، وقد جاء فضل كثير فيمن صام يوم عرفة، كان له كفارة سنة. ويوم عاشوراء فهو يوم عاشر لا اختلاف فيه. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن صوم الدهر فقال: لا بأس به إذا أفطر في العيدين وأيام التشريق، ومن أفطر في هذه الايام لم يصم الدهر وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: لا صام ولا أفطر من صام الدهر. وقد يكون هذا من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إرشادا ونظرا وتخفيفا وتيسيرا ليس على التحريم. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وصوم أيام البيض فيه فضل كبير وقد جاء فيها من الذكر والخير ما يرغب في صومها، وهي يوم ثلاثة عشر من كل شهر، ويوم أربعة عشر، ويوم خمسة عشر، وما أحب افطارها لمن قدر على صومها. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: في صوم الايام البيض وفي رجب
---
ص 241 (31) البقرة 185.
---
[ 242 ] (1/242)
وشعبان والاثنين والخميس قال: صوم ذلك كله حسن جميل، وقد جاء من الفضل في صوم أيام البيض فضل كبير وليس ذلك مما يجب كوجوب الواجب.
باب القول في احتجام الصائم والكحل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس بالحجامة للصائم إذا أمن على نفسه ضعفا (32) ووثق مع ذلك بقوته عليها، وإن خاف منها ضعفا لم يجز له التعزير بنفسه. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الحجامة للصائم فقال: لا بأس بالحجامة للصائم إذا لم يخش على نفسه منها ضررا. قال يحيى بن الحسين عليه السلام: ولا بأس بالكحل لانه ليس مما يفطر وليس بغذاء وإنما هو دواء ظاهر ولا يدخل الجوف ولا ينال الحلق. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: لا بأس بالكحل للصائم.
باب القول في الصائم يواقع أهله في شهر رمضان ناسيا أو يأكل أو يشرب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أكثر ما يجب على من أكل أو شرب ناسيا قضاء يوم مكان يومه، وقد روى عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: لا قضاء عليه ولو صح (33) لنا ذلك لم نتعده، فأما من جامع ناسيا فقد قيل إن عليه الكفارة التي على
---
ص 242 (32) في نسخة ضعفها. في نسخة (التعريض).
(33) في نسخة (ولو صح ذلك لنا).
---
[ 243 ] (1/243)
المعتمد، وليس ذلك عندي كذلك، لانه لابد أن يكون بين المعتمد والناسي فرق، والقول عندي في ذلك أنه لا شئ عليه أكثر من الاستغفار وقضاء يوم مكانه.
باب القول فيمن واقع أهله في شهر رمضان متعمدا أو يقبل أو ينظر فيمني
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من جامع أهله في رمضان متعمدا وجب عليه أن يتوب إلى الله توبة نصوحا، ويقضي يوما مكان يومه، ويتوب إلى الله من عظيم ذنبه، ومن قبل أو نظر أو لمس فأمنى فلا شئ عليه أكثر من قضاء يوم مكان يوم والتوبة إلى ربه. حدثني أبي عن أبيه في الصائم يجامع في شهر رمضان متعمدا قال: عليه قضاء يوم مكان يومه ويستغفر الله ويتوب إليه من كبير ذنبه وما جاء به من عظيم فعله.
باب القول في الصيام في السفر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله تبارك وتعالى: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) (34) فرخص الله سبحانه للمسافرين في الافطار، رحمة منه لهم وتوسعة عليهم، فمن سافر فقد جعل الله له أن يفطر إن أحب وإن صام فهو أفضل له لقول الله سبحانه (وأن تصوموا خير لكم) (35) فأطلق الافطار رخصة منه ورحمة وأخبر أن لمن صام ولم يفطر فضيلة. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الصوم في السفر فقال: نحن
---
ص 243 (34) البقرة 184.
(35) البقرة 184.
---
[ 244 ] (1/244)
نقول إن الصوم في السفر أفضل فقيل له فحديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي روي عنه أنه قال: (ليس من البر الصوم في السفر)، فقال: يعني بذلك التطوع وليس بالفريضة. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: هذا الحديث إن كان قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنما أراد به ما قال: جدي رحمة الله عليه من صيام التطوع لا الفريضة، وكيف يقول ذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: في الفريضة وهو يسمع صلى الله عليه وعلى آله وسلم قول الله سبحانه: (وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون).
(36) هذا ما لا يقول به عاقل فيه ولا يثبته ذو علم عليه.
باب القول في الرجل يدركه شهر رمضان فيصوم بعضه ثم يدركه سفر وفي كم يجوز له من المسافة الافطار
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من صام شهر رمضان بعضه ثم أدركه من بعد ذلك سفر فسافر، فلا بأس بأن يفطر وعليه أن يصوم مادام مقيما في بلده، وله أن يفطر إذا دخل في سفره وليس ينظر في ذلك إلى دخول الصوم عليه في الحضر لان الله سبحانه إنما قال: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (37) وإذا دخل المسافرون في الاسفار فقد أحل الله لهم برحمته ما كان قبل حراما عليهم من الافطار، قال: والافطار فهو
---
ص 244 (36) البقرة 185.
(37) البقرة 185.
---
[ 245 ] (1/245)
والقصر معا وجوازهما عند ذوى الفهم سواء فإذا وجب القصر جاز الافطار وهو عندنا في أثني عشر ميلا وهو بريد. حدثني أبي عن أبيه في الرجل يدركه شهر رمضان فيصوم ثم يسافر قال: يصوم ما أقام وحضر ويفطر إذا سافر وضعن، وإنما الافطار في السفر رخصة من الله عزوجل لعباده ويسر لان الله سبحانه يقول: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (38) حدثني أبي عن أبيه أنه قال: يفطر الصائم فيما يقصر فيه الصلاة، وهو عندنا مسيرة بريد وهو أثنا عشر ميلا.
باب القول في الصائم يصبح جنبا في شهر رمضان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس بذلك لان الله تبارك وتعالى إنما كلف العباد الميسور منهم ولم يكلفهم المعسور من شأنهم، فإذا أصبح جنبا فاغتسل فلا شئ عليه، وقد روي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه خرج في شهر رمضان ورأسه يقطر فصلى بالناس الصبح وكانت ليلة أم سلمة فأتيت فسئلت فقالت: نعم إنه كان لجماع من غير إحتلام فأتم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك اليوم ولم يقضه. حدثني أبي عن أبيه في الرجل يصبح جنبا أنه قال: لا بأس بذلك يجزيه صومه، فقد ذكر ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
---
ص 245 (38) البقرة 185.
---
[ 246 ] (1/246)
باب القول فيما تقضي الحائض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تقضي الحائض الصوم ولا تقضي الصلاة، وإنما قلنا بذلك لان الله حكم على المريض بقضاء الصوم، ولم يحكم على المريض بقضاء صلاة مما فاته من الصلوات في حال ما يغمى عليه، فلما أن وجدناه تبارك وتعالى قد حكم بقضاء الصوم على المريض الذي لا يستطيع أن يصوم لقوله: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) (39) ولم نجده حكم على من لم يقدر على الصلاة أياما من المرضى بقضاء ما فاته من صلاة تلك الايام، وكان أكثر ما يجب على من كانت تلك حاله من المرضى أن يصلي عند إفاقته صلاة اليوم الذي يفيق في آخره، أو الليلة التي يفيق في آخرها، ووجدنا الحيض مرضا وعلة تدخل على المرأة حتى ربما طرحتها (40) أمراض الحيض عند مجيئه كأشد ما يكون من طرح الامراض، فألزمناها ما يلزم المريض، وطرحنا عنها ما يطرح عن المريض، ولم نلتفت إلى تمادي المرض وشدته، ولا إلى سهولته وقلته من بعد أن بان لنا أنه مرض من الامراض، وعلة عارضة كسائر الاعراض، ومما وافق قولنا في ذلك من الروايات الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أنه لم يأمر أحدا من نسائه بقضاء الصلاة كما أمرهن بقضاء الصوم) وكذلك وعلى ذلك رأينا جميع مشايخ آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلمائهم، لم يسمع بأحد منهم أوجب على حايض قضاء صلاتها كما يوجبون عليها قضاء (41) ما أفطرت من أيامها.
---
ص 246 (39) البقره 185.
(40) في نسخة (في).
(41) في نسخة (صيام ما أفطرت).
---
[ 247 ] (1/247)
حدثني أبي عن أبيه أنه قال: الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: بلغنا عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام أنه قال: كان أزواج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمهات المؤمنين يرين ما ترى النساء فيقضين الصوم ولا يقضين الصلاة، وقد كانت فاطمة أبنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (42) ترى ما يرى النساء فتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، وبلغنا عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (تقضي المستحاضة الصوم). قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: معنى هذا الحديث أنها تقضي ما أفطرت في وقت حيضها والايام التي كان يكون فيها طمثها فإذا ذهبت تلك الايام التي كانت تحيض في مثلها وتعلم أنها وقت لاقرائها تطهرت المستحاضة وصلت وصامت وأتاها زوجها واستشفرت للصلاة واحتشت إن كان الدم غالبا عليها.
باب القول فيمن نوى الصيام تطوعا ثم أفطر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ليس عليه في ذلك شئ إلا أن يكون أوجبه لله على نفسه إيجابا ويكون قد فرضه له سبحانه فرضا، فإن كان قد فعل ذلك فلا نحب له الافطار، وإن أفطر بعد ذلك قضى ذلك اليوم الذي أوجبه لله على نفسه. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: في رجل أصبح وقد نوى أن يصوم تطوعا ثم أصبح مفطرا فقال: ليس عليه إعادة إلا أن يكون قد أوجبه وتكلم به وليس يجب ذلك بالضماير والنيات دون القول الظاهر.
---
ص 247 (42) في نسخة (صلى الله عليه وعليها).
---
[ 248 ] (1/248)
قال يحيى بن الحسين عليه السلام: يريد بقوله: لا تلزم النية دون الكلام إذا كان ذلك نذرا أو أمرا أوجبه لله إيجابا يحتاج فيه إلى الكلام.
باب القول فيمن أفطر وهو يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب والقول في قضاء شهر رمضان وكيف يقضى؟
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من أفطر وهو يظن أن الشمس قد غابت لعلة سحاب أو سبب غير ذلك من الاسباب، فليس يلزمه في دينه فساد، وعليه أن يقضي يوما مكان ذلك اليوم، وكذلك لو تسحر وهو يظن أن الفجر لم يطلع، ثم علم أنه تسحر وقد سطع الفجر، لم يكن عليه أكثر من قضاء يوم مكان يومه، وينبغي للمسلمين أن يتحرزوا من مثل ذلك ولا يكونوا في الغفلة كذلك فال: ومن أفطر في رمضان صام ما أفطر كما أفطر إن كان أفطر أياما متواصلات قضى أياما متواترات وإن كان أفطر أياما متفرقة قضاهن كما أفطرهن أياما مختلفة، وإن واترهن كان ذلك أفضل. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: في صائم ظن أن الشمس قد غابت فأكل ثم طلعت الشمس بعد ما أفطر قال يقضي يوما مكان يومه إذا تبين له أنه أكل في شئ من نهاره. حدثني أبي عن أبيه في رجل تسحر وهو يرى أن عليه ليلا وقد طلع الفجر قال: يتم ذلك اليوم ويقضي مكانه إن أكل وشرب بعد طلوع الفجر. حدثني أبي عن أبيه أنه قال في رجل شك في طلوع الفجر طلع أم لا. هل يأكل؟ فال: إن أكل ما لم يبن له أو يخبره عنه مخبر أنه أكل بعد طلوع الفجر فلا يلزمه قضاء يومه، وأن صح عنده أنه أكل بعد طلوع الفجر
---
[ 249 ] (1/249)
قضى يومه الذي أفطر فيه. والفجر فهو البياض المعترض وهو الخيط الابيض كما قال الله سبحانه. حدثني أبي عن أبيه في قضاء رمضان أنه قال: يقضيه كما أفطر، إن أفطر متصلا قضاه متصلا وإن أفطره متفرقا قضاه متفرقا. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: هذا أحسن ما سمعت في هذا المعنى وأقربه إلى العدل والهدى أن يقضي كما أفطر.
باب القول في الاعتكاف وما ذكر من صوم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الاعتكاف لا يكون إلا بالصيام وإعتزال النساء في ليله ونهاره حتى يفرغ من إعتكافه وأقل الاعتكاف يوم، ويجب على من أعتكف يوما أن يدخل المسجد قبل طلوع الفجر، ويخرج منه في العشاء وقد قيل إنه لا يكون إعتكاف إلا في مسجد جماعة وجمع، وليس ذلك عندي كذلك بل الاعتكاف عندي جائز في كل مسجد كان من المساجد، لان الله سبحانه لم يفرق بينها بل سماها بيوتا كلها فقال سبحانه: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار) (43) فلما أن سماها الله بيوتا كلها وكانت كلها له مساجد أجزنا الاعتكاف فيها كلها معا. وأما صوم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد روي أنه كان يصوم حتى يقال لا يفطر ويفطر حتى يقال: لا يصوم وكان أكثر صومه من الشهور في شعبان وكان يقول: (شعبان
---
ص 249 (43) النور 37.
---
[ 250 ] (1/250)
شهري ورجب شهرك يا علي ورمضان شهر الله تعالى)، وقال: لا بأس أن يخرج المعتكف من مسجده لحاجة أو لشهادة جنازه ويلزم مسجده. حدثني أبي عن أبيه في الاعتكاف وكيف هو فقال: يعتكف في مسجد جماعة ولا يخرج من معتكفه إلا لحاجة، ولا بأس أن يشهد الجنازة، ويلزم مسجد معتكفة ويصوم فإنه لا إعتكاف إلا بصوم ولا يلم بشئ مما أحل الله من النساء بليل ولا نهار حتى يخرج مما هو فيه من الاعتكاف الذى أوجبه على نفسه وصار إليه. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: أراد جدي رضي الله عنه بقوله: في مسجد جماعة أي مسجد صلى فيه جمع فيه أثنان وأكثر، صليت فيه جمعه أم لم تصل.
باب القول في وقت السحور
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وقت السحور ما لم يدخل الشك في أول الفجر، وينبغي للمسلمين أن يحتاطوا في دينهم ولا يقاربوا شيئا من الشك في أمرهم، وألا يقاربوا الشبهات، وأن يتبعوا الاعلام النيرات، ومن تسحر في فسحة من أمره كان أفضل له في دينه، فأما ما يقال: به من تأخير السحور، فانما معنى تأخيره إلى آخر الليل، ومن تسحر في الثلث الآخر فقد أخره، وينبغي له أن يتقي دنو الفجر بجهده، والسحور فيه فضل، وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (إن الله وملائكته يصلون على المستغفرين بالاسحار والمتسحرين فليتسحر أحدكم ولو بجرعة من ماء). قال يحيى بن الحسين عليه السلام: ولو أن إنسانا تسحر يوما أو
---
[ 251 ] (1/251)
أياما في رمضان وهو يرى أنه قد تسحر، في وقت ثم علم بعد ذلك أنه تسحر عند طلوع الفجر فانه يجب عليه أن يقضي تلك الايام، ولا كفارة عليه، لانه لم يعلم في وقت ما تسحر بطلوع الفجر.
باب القول فيمن أفطر يوما أو أياما متعمدا من شهر رمضان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن فاسقا أفطر متعمدا يوما أو أياما من شهر رمضان وجب عليه قضاء تلك الايام، والتوبة النصوح إلى الله من سوء ما صنع، فإن كان الامام ظاهرا أدبه في فعله، وأستتابه فإن تاب والا قتل لانه قد خالف حكم الله، وضاد أمره، وترك فرضه، ومن فعل ذلك فقد كفر، ويجب عليه ما يجب على المرتد، يستتاب فإن تاب والا قتل، وقد قيل في ذلك عتق رقبة، والتوبة له عندنا مجزية ومن أحب أن يتطوع ويفعل خيرا فهو خير له.
باب القول في الذرور للصائم والحقنة وصب الدهن في الاحليل وفي الاذن من علة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قد كره ذلك غيرنا ولسنا نرى به بأسا، والحجة لنا في ذلك أن الله تبارك وتعالى لم يرد بعباده شقا (44) ولا تلفا، ولم ينههم عن التداوى في حال البلاء، وانما تعبد الخلق بالصيام، لما فيه من الصبر له على الجوع والظمأ وليس فيما دخل من غير الفم وجرى في غير الحلق عندنا قضاء، ولا يلزم صاحبه فساد صومه، وقد يكره السعوط للصائم لانه لا يسلم أن يدخل في حلقه بعضه
---
ص 251 (44) الشق بالكسر المشقة ومن قوله عزوجل فلم فلم تكونوا بالغية إلا بشق الانفس.
---
[ 252 ] (1/252)
ويعاود إلى وفيه صبابته وطعمه، فأما ما لم يصل إلى الحلق منه شئ يرطب الحلق ويصل مع الريق إلى الجوف فلا بأس به، مثل الكحل وغيره مما يتداوى به الصائم في جميع الاعضاء، وأماكن بدنه.
باب القول فيمن قبل أو لمس فأمنى
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا ينبغي لاحد أن يتعرض لذلك، وأن فعله مخطئ فعليه قضاء يوم مكان يومه الذي أخطأ فيه وكذلك إن ضمها إليه لشهوة فأمنى وجب عليه التوبة من ذلك والقضاء ومن جامع امرأته فعليه قضاء يوم مكان يومه والتوبة إلى الله تعالى من فعله وجرأته فإن أقلع والا استتيب فان تاب والا قتل لما كان من جرأته على خالقه، وقد قيل إن عليه في ذلك كفارة، فجعلوا في المني إذا جاء لجماع أو غيره بدنة، أو عتق رقبة، وفي المذى بقرة، وفي الودى شاة، وقيل في ذلك صيام شهرين متتابعين، والتوبة عندنا مجزية له عن ذلك لانا لم نجد عليه في كتاب الله ولا في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كفارة، ولو كان ذلك لذكره الله كما ذكر كفارة الظهار، وكفارة الحج وكفارة اليمين، ومن أحب أن يتطوع ويكفر فذلك إليه وهو أجر له كما قال الله سبحانه: (فمن تطوع خيرا فهو خير له) (45) وهذه الكفارات عندنا فانما تلزم في الحج والعتق والصيام يلزمان في الظهار وفي قتل المؤمن خطأ.
---
ص 252 (45) البقرة 184.
---
[ 253 ] (1/253)
باب القول في تقيؤ الصائم وما يفطره مما يدخل حلقه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يقطع الوضوء ما يخرج، ويقطع الصوم ما يدخل، فان أيقن هذا المتقيئ أنه رجع (46) إلى حلقه من فيه شئ فعليه القضاء وإن لم يرجع في حلقه ولا في جوفه منه شئ مضى على صومه ولم يكن عليه قضاء ليومه. حدثني أبي عن أبيه في الذي يتقيأ وهو صائم أو يبدره القئ قال: ليس للصائم أن يتقيأ ومن قاء أو بدره القئ فأيقن أنه لم يعد منه شئ في جوفه مضى على صومه ولا قصاء عليه. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: كل من ابتلع دينارا أو درهما أو فلسا أو زجاجا أو حصاة أو غير ذلك مما على وجه الارض متعمدا فعليه القضاء والتوبة مما أتى وقد قال: بالترخيص في ذلك غيرنا وليس ذلك مما يلتفت إليه عندنا لانه قددخل في جوفه، وجرى ذلك في حلقه، وقد حرم الله تعالى على الصائمين إدخال مثل ذلك في حلوقهم إلى أجوافهم، ولو جاز ذلك لهم لجاز ابتلاع الطين والمدر وغير ذلك مما يدخل الاجواف ويتلذذ بادخاله وان يكن طعاما، وكذلك إن تمضمض واستنشق لصلاة فدخل في جوفه من مضمضته أو استنشاقه شئ من الماء فعليه في ذلك القضاء. وقال: في الذباب والغبار والدخان وغير ذلك مما لا يضبط ولا يمتنع منه أنه لاقضاء عليه فيه ويتحرز من ذلك كله.
---
ص 253 (46) في نسخة (انه رجع في حلقة من قيئه شئ).
---
[ 254 ] (1/254)
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الذباب يدخل في حلق الصائم فقال: لا يفسد ذلك عليه ما هو فيه من الصيام. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولا يفسد الصوم ذوق الشئ بطرف اللسان لان الله سبحانه إنما حرم على الصائم إدخال الشئ إلى جوفه من الطريق التي جعلها الله مسلكا لغذائه، فأما الفم فلا يفسد ما دخله الصيام ولو أفسد ما دخله الصيام، وان لم يصل إلى جوفه لافسدته المضمضة بالماء، ولو أفسدت المضمضة الصيام لم يكن يجتمع صيام وصلاة، وكان الصيام يبطل الصلاة، وكانت الصلاة تبطل الصيام، لانه لا صلاة إلا بوضوء ولا وضوء الا بمضمضة والصلاة واجبة على المسلمين كما الصيام واجب عليهم، فلذلك قلنا إن كان ما دخل الفم ولم يصل إلى الجوف من عسل أو خل أو ماء غير مفسد للصيام.
باب القول فيمن جعل على نفسه لله صوما مسمى
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يعمل من ذلك على نيته، إن قال: عشرين يوما ونواها مجتمعة صامها مجتمعة كما نوى، وإن كان أوجب على نفسه عددا، ولم يوجب على نفسه أن يكون ذلك معا فلا بأس بتفريقها عند ما يكون من صيامه لها، وكذلك لو جعل على نفسه صيام سنة لكان ينبغي له أن يفطر العيدين، وأيام التشريق، ويقضي ذلك وكذلك أرى عليه أن يقضي شهر رمضان، لانه ليس من نذره، لان النذر إنما هو إيجاب ما لا يجب، وشهر رمضان فواجب صومه لله عزوجل على كل إنسان، فلذلك قلنا إن عليه أن يأتي بشهر غيره حتى يتم به نذره، وما ألزم لله على نفسه، فإن نوى أنه فيها فليس يلزمه قضاؤه
---
[ 255 ] (1/255)
وهو فانما نذر حين نذر صيام أحد عشر شهرا، لان صيام شهر رمضان كان لله عليه فرضا لازما إلا أن يكون نوى أن يصوم سنة بعينها شهر رمضان فيها.
باب القول في الحايض تطهر في وسط النهار وقد أكلت في أوله والمسافر يقدم على أهله في آخر النهار وقد أكل في أوله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يستحب لهما أن يقفا عن الاكل باقي بومهما، لانهما قد خرجا من الحد الذي كان يجوز لهما الاكل فيه.
باب القول فيمن يجوز له الافطار في شهر رمضان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجوز ذلك من النساء للحامل إذا خافت من الصوم على ما في بطنها تلفا، وللمرضع التي تخاف أن ينقطع لبنها إن صامت فيهلك ولدها، وللحائض والنفساء وللمسافرة وللمريضة بأي أنواع المرض كان، وللمستعطشة التي لا تصبر عن الماء وللكبيرة التي لا تطيق الصوم فلها أن تفطر وتطعم على كل يوم مسكينا، ويجوز الافطار من الرجال الاربعة: المستعطش الذي لا يصبر عن الماء، والشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم فله أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيتا، والمريض، والمسافر. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ويجب على صاحب العطش وصاحبة العطش أن يطعما عن كل يوم أفطراه كل واحد منهما مسكينا، ويجب عليهما أن يتداويا لذلك إن كان لسبب علة فإن ذهب
---
[ 256 ] (1/256)
عنهما قضيا ما أفطرا من جميع صيامهما وإن لم يزل ذلك أبدا عنهما فحالهما في فرض صيامهما كحال الهرمين الكبيرين اللذين هما لضعفهما للصيام غير مطيقين ويلزمهما من الاطعام ما يلزمهما ويسقط عنهما من فرض الصيام ما يسقط عنهما ومن كان سوى هذين فعليه القضاء لكل ما أفطر عند خروجه مما كان فيه من علته التي منعته من صيامه. وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنه لما نزل عليه فرض صيام شهر رمضان، أتته امرأة حامل فقالت: يا رسول الله إني امرأة حامل، وهذا شهر رمضان مفروض، وأنا أخاف على ما في بطني إن صمت، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنطلقي فافطري فإذا أطقت فصومي). وأتته امرأة مرضع فقالت: يا رسول الله هذا شهر رمضان مفروض، وأنا أخاف إن صمت أن ينقطع لبني فيهلك ولدي فقال لها: (انطلقي فافطري فإذا أطقت فصومي)، وأما صاحب العطش فأتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: يا رسول الله هذا شهر رمضان مفروض ولا أصبر عن الماء ساعة واحدة وأخاف على نفسي إن صمت، فقال: (أنطلق فأفطر فإذا أطقت فصم)، وأتاه شيخ كبير يتوكأ بين رجلين فقال: يا رسول الله هذا شهر رمضان مفروض، ولا أطيق الصيام فقال: (فاذهب فأطعم عن كل يوم نصف صاع مسكينا)، ويقال: إنه أمرهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد ذلك أن يصوموا اليوم واليومين وأن يفطروا اليوم واليومين. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ينبغي أن يكون أمر صلى الله عليه وعلى آله وسلم بصيام اليوم واليومين من يطيق صومهما فأما من لم يطق فلا شئ عليه، ولو وجب على من لا يطيق الصوم أصلا
---
[ 257 ] (1/257)
صيام يوم أو يومين لوجب عليه صيام الشهر كله، لان المعنى في تكليف الايسير مما لا يطاق، كالمعنى في تكليف كثيره، وقد قال الله عزوجل: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) (47)، وقال: (لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) (48). وفي ذلك ما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من قوله: (إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام وجب عليه صيام الشهر كله)، وكذلك يجب على كل ذي علة من العلل. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ويجب على الحامل المرضع أن يصوما اليوم واليومين ويفطرا كذلك إذا لم يخافا في ذلك إضرارا بأولادهما.
باب القول فيمن أفطر رمضان ثم لم يقض ذلك حتى دخل عليه شهر الصوم المقبل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا ترك ذلك لعلة من العلل مانعة له من قضائه فليصم هذا الشهر الذي دخل عليه، ويطعم في كل يوم صامه مسكينا، كفارة لتخليف ما خلف، مما كان عليه من دين شهره الماضي، حتى يطعم بعدد ما أفطر من الايام من قليل أو كثير، فإذا فرغ من صوم فرضه وأكمل لله ما أمره به من صومه صام من بعد يوم عيده ما كان عليه أولا من صومه، وهذا أحسن ما أرى في ذلك وإن صام ولم يطعم أجزأه، والله الموفق لكل صواب وسداد، وإياه نسأل العون والتوفيق والارشاد.
---
ص 257 (47 البقره 286.
(48) الطلاق 7. في نسخة حتى دخل عليه شهر رمضان. تمت.
---
[ 258 ] (1/258)
باب القول في صيام الظهار
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من ظاهر من أمرأته فعليه ما أوجب الله من الكفارة، يجب عليه أن يعتق رقبة من قبل أن يمسها، فإن لم يجد عتق رقبة فعليه صوم شهرين متتابعين، من قبل أن يدنو منها، فإن لم يستطع ذلك أطعم ستين مسكيا مدين (49) مدين، قال: ولا يجوز له أن يقطع صومه في الظهار في حضر ولا سفر من الاسفار، إلا من علة يدنف فيها أو يخاف إن صام على نفسه منها، فيجوز له الافطار ما دام في علته، فإذا وجد رخصة من أمره صام وإن شق ذلك على نفسه في كثير من شأنه وأمره، بعد أن يأمن على نفسه التلف، ويكون قد خرج من شدة علته وصار إلى ما يستطيع معه الصوم لربه، فإذا قضى الشهرين وهما ستون يوما أياما متتابعات، إلا أن يفصل بينهما ما ذكرنا من هذه العلات، فإن فصلت العلة بين هذه الايام بنا على ما تقدم من صومه عند وقت إفاقته من علته، حتى يوفي الشهرين كاملين من قبل ملامسة زوجته، فإن قطع صومه شئ يقدر على دفعة بحيلة من الحيل، أو معنى من المعاني، وجب عليه الاستئناف للشهرين حتى يكملهما كما أمر الله متتابعين. وقد قال غيرنا: إنه إن قطع صومه بعلة من العلل عظمت أو سهلت قدر على دفعها أو لم يقدر فإن عليه الابتداء للصوم، وليس ذلك عندنا كذلك، لان في ذلك غاية الشطط على المسلمين، والتهلكة لكثير من المؤمنين، لانه ليس كل الناس يسلم من فوادح الامراض، ولا ينجو شهرين تامين من نوازل الاعراض، بل قد يكون كثير من الناس صاحب علل وأسقام، لا يقدر على المتابعة بين
---
ص 258 (49) قال في التحرير قال أبو العباس رحمه الله إنما يجب مدان أذا كان ذلك من البر على أصل يحيى عليه السلام فيكون حنطة أو دقيقا وإن كان تمرا أو شعيرا أو غيرهما فهو صالح.
---
[ 259 ] (1/259)
شهرين في الصيام، ولا يجد ما يجده غيره من الانام، من العتق في كفارة أو الاطعام، ثم يقال: لمن شدد في ذلك ولم ير أن صاحب الصيام في الفسحة عند الضرورة كذلك. ما تقول في رجل ظاهر من امرأته، وكان معسرا في ذات يده، لا يطيق أن يعتق رقبة لكفارة، ولا ينال اطعاما لشدة فاقته، ولا يستطيع أن يواصل بين شهرين لفوادح ما هو فيه من علته، وقد يطيق بالمشقة الشديدة أن يصوم شهرا واحدا، ولا يطيق أن يزيد عليه يوما فردا، وكان معروفا بشدة الاسقام، مبتلى بهجوم الفوادح منها بين الانام؟ أتحرمون عليه امرأته أبدا إذا لم يطق غير ما به أتى؟ أم تقولون له كما قال له ربه العلي الاعلى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) (50) وكما قال تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) (51)؟ فإن قالوا بل نقول له ما قال الله: ونطلق لذلك المبتلى ما أطلق الله، أصابوا في قولهم، واتبعوا الرشد من أمرهم، ورجعوا إلى ما به قلنا، وتكلموا في ذلك بما به تكلمنا، وإن قالوا: بل نقول لمن لم يجد إلى العتق والاطعام سبيلا، وكان في جسمه أبدا مبتلى عليلا، وقد يطيق أن يصوم شهرا ثم يفطر يوما أو يومين، عند تراكم سقمه وهجوم فادح علته، فإذا أفاق من هائل سقمه عاد إلى ما كان فيه من صومه، فيكمل ما أمر به من الشهرين، فإن قالوا: امرأتك عليك حرام أبدا حتى تأتي بما لا تستطيع، وتفعل من الامور المستصعبة مالا تطيق، فقد خالوا في ذلك كتاب ربهم وشددوا فيما جاء مسهلا من عند خالقهم، لان الله سبحانه يقول: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (52) ويقول: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) (53) ويقول:
---
ص 259 (50) البقرة 286.
(51) الطلاق 7.
(52) البقرة 185.
(53) البقرة 276).
---
[ 260 ] (1/260)
(ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) (54) ويقول: (ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة) (55) ومن خالف أمر الله وشدد ما سهل الله كان حقيقا بالابطال، وبأن لا يتبع في شئ مما يأتي به من المقال. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وكذلك الواجب على المظاهر أن يعتق، فإن لم يجد صام، فإن صام بعض صومه ثم وجد السبيل إلى العتق قطع صومه وأعتق، وكذلك إن لم يستطع الصيام لعلة فأطعم بعض المساكين، ثم صح واستطاع أن يصوم صام، ولم يعتد بما أطعم، لان الله سبحانه إنما أجاز له الصوم إذا لم يجد ما يعتق، فإذا وجد أعتق وإن كان في صومه فقد سقط الصوم ووجب عليه العتق، وكذلك في الاطعام إذا أطاق الصوم، فإن لم يجد العتق حتى قضى صومه فلا عتق عليه، وكذلك إن لم يستطع الصوم حتى أطعم ستين مسكينا فلا صوم عليه، وإنما قلنا بذلك لان كل شئ كان فيه صاحبه فلم يقضه، وإذا لم يقضه كله ثم نال ما هو أفضل له منه مما لا يجوز له فعله معه سقط عنه الاول، ووجب عليه الآخر وقياس ذلك الصبية تطلق وهي لا تحيض، فتعتد بالشهور فتمضي من عدتها شهران ثم تحيض، فالواجب عليها أن تستقبل ثلاث حيض، ولا تعتد بما مضى من الشهور، لانها قد صارت من ذوات الاقراء، فعليها ما عليهن ولها ما لهن، وكذلك المتمتع إذا لم يجد هديا فصام ثلاثة أيام في الحج، ثم وجد هديا في بعض أيام منى، وقدر على الذبح، وجب عليه أن يذبح، ولا ينظر إلى ما كان من صيامه لانه قد وجد الهدى في بعض أيامه، فبطل بوجود الهدى في تلك الايام عنه الصيام، ولزمه الهدى.
---
ص 260 (54) النساء 29.
(55) البقرة 193.
---
[ 261 ] (1/261)
باب القول متى يجب الصوم على الصبي والصبية
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجب الصيام عليهما إذا بلغا خمسة عشرة سنة، وإن أطاقا الصيام فيما دون ذلك وجب عليهما أن يصوما، وقد روي عن النبي صلى الله غليه وعلى آله وسلم أنه قال: (إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام وجب عليه الصيام). قال يحيى بن الحسين عليه السلام: وانما قلنا خمس عشرة سنة لمن لم يدرك من الرجال والنساء فأما إن أدرك أحدهما لعشر أو تسع أو لا حدى عشرة وجب عليه الصيام، وقد قيل في ذلك بأقاويل مختلفة، وأحسن ما فيه عندنا الاطاقة للصوم أو البلوغ فيما دون الخمس عشرة سنة والا فبلوغ الخمس عشرة سنة أكثر ما يكون من حده.
باب القول في الشهادات على رؤية الهلال
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا شهد شاهدان على رؤية الهلال في الصوم والافطار جازت شهادتهما وقبل قولهما، إذا كانا عدلين ثقتين ورعين تقيين، وكذلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أن أهل المدينة أصبحو ا صياما في آخر يوم من شهر رمضان، فشهد بعضهم عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنهم رأوا الهلال بالامس، فأمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الناس أن يفطروا، وأن يعودوا إلى صلاتهم)، وبلغنا عن أمير المؤمنين
---
ص 261 * وفي نسخة في الشهادة. تمت.
---
[ 262 ] (1/262)
علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: " إذا شهد رجلان ذوا عدل (56) أنهما رأيا الهلال فصوموا وأفطرو ا ". قال يحيى بن الحسين عليه السلام: وان رأى الهلال رجل واحد، جاز له فيما بينه وبين الله تعالى أن يصوم إن كان رأى هلال شهر رمضان، وأن يفطر إن كان رأى هلال شوال، ولا ينبيغي له أن يبدي ذلك للناس لما فيه من الشنعة واختلاف القالة فيه.
باب القول فيما ينبغي أن يدعو به الانسان عند رؤية الهلال
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ينبغي لمن رأى الهلال أن يستقبله بوجهه ويقول: ربي وربك الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم الذي خلق السموات والارض، وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، لا نشرك بالله شيئا ولا نتخذ من دونه إلها ولا وليا، الحمد لله الذي جعل في السماء بروجا، وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، والحمد لله الذي جعلك آية الليل، وقدرك منازل اللهم إني أسألك خير هذا الشهر، وأعوذ بك من شره، اللهم أجعلنا لك فيه من العابدين، فان كان الهلال هلال شهر رمضان ألحقت في هذا الدعاء اللهم إن هذا شهر عظمته وفرضت صومه، فأعنا على أداء فرضك، وتقبل منا ما نعمله لك، ولا تسلخه عنا إلا برضاك وعفوك ورحمتك إنك سميع الدعاء. ويروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان يقول إذا رأى الهلال اللهم إني أسألك خير هذا الشهر فتحه ونصره ونوره ورزقه، وأعوذ بك من شره وشر ما بعده. وبلغنا عنه عليه السلام أنه كان
---
ص 262 (56) في نسخة (عدلان).
---
[ 263 ] (1/263)
يقول: إذا رأى هلال شهر رمضان اللهم رب هلال شهر رمضان أدخله علينا بسلام، وأمن وأيمان، وصحة من السقم، وسلامة من الشغل، عن الصلاة والصيام.
باب القول في فنون الصيام والاعتكاف
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا نوى الرجل أن يصوم يوما تطوعا فصامه إلى نصفه، فهو فيه بالخيار وإن شاء أفطر واستحب له إن كان جعله لله أن يقضيه، ولا ينبغي له أن يفطره إلا من علة أو لسرور أخيه المسلم، وكذلك روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أنه أمر بذلك للاخ المسلم). قال والمعتكف يخرج لحاجته التي لابد له منها ويحضر الجنازة ويعود المريض. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ومن جعل على نفسه أن لا يكلم أحدا في اعتكافه فينبغي له أن لا يفعل، ويطعم عشرة مساكين، ويتكلم لان في الكلام رد السلام، وهو فرض من ذي الجلال والاكرام ولا ينبغي لاحد أن يوجب على نفسه ترك فرض هو لازم له، قال: ولو أن رجلا أوجب لله على نفسه صيام شهر كامل، أو شهرين متتابعين، أو ثلاثة أشهر متتابعة، فانه يجب عليه أن يصومها كما أوجبها، وان قطع بين ذلك بافطار يوم وجب عليه أن يستأنف الصيام، الا أن يكون رجلا لا يفارقه السقم، ولا يطمع من نفسه بمواصلة ذلك أبدا، لضعف بدنه ودوام سقمه، ويخاف إن فعل ذلك على نفسه، فان كان ذلك كذلك جاز له أن يفطر في العلة الشديدة التي لا يطيق الصيام معها، ويبني عند افاقته على ما مضى من صومه. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: والاعتكاف أن ينوي الرجل
---
[ 264 ] (1/264)
ويعتقد اعتكاف أيام بعينها أو يلفظ بذلك فيقول: لله علي أن اعتكف كذا وكذا يوما، فإذا أوجب ذلك على نفسه، بعقد نيته أو بلفظ تلفظ به، فليدخل المسجد في أول ذلك الوقت الذي عقد على نفسه، ثم يصوم تلك الايام التي نوى فانه لا اعتكاف الا بصيام، ثم ليحترز من كل رفث أو كذب أو خصومة أو جدال، أو غير ذلك من فاحش الافعال والمقال، وليكثر في اعتكافه من قراءة القرآن والذكر والاستغفار والتسبيح للرحمن، ولا يخرج من مسجده الا ما ذكرنا من قضاء حاجته، أو عيادة أحد من المسلمين أو اتباع جنايز المؤمنين وان احتاج أن يأمر أهله وينهاهم وقف عليهم وأمرهم ونهاهم قائما ولم يجلس وعاد إلى مسجده. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولا يجوز للمعتكف غشيان النساء في ليل ولا نهار ويفسد الاعتكاف ما يفسد الصوم، ويجوز فيه ما يجوز في الصوم، وان أفسد المعتكف على نفسه صيامه، في اعتكافه فقد فسد عليه ما كان فيه من اعتكافه. قال: وان أوجب رجل على نفسه اعتكاف جمعة ولم يسم أي جمعة هي ولا في أي شهر هي فمتى شاء من الشهور والاوقات إعتكفها، وإن سمى جمعة بعينها لزمه اعتكافها الا أن يمنعه منها مانع لا حيلة له فيه فيعتكف جمعة مكانها إذا خرج مما كان منعه من اعتكاف الجمعة التي سمى. قال: ومن أوجب على نفسه اعتكاف أياما مسماة، فاعتكف ثم جامع في اعتكافه فقد أفسد اعتكافه، وعليه أن يبتدي ما أوجب على نفسه من الاعتكاف ابتداء ويتوقى فيه ما كان له مفسدا حتى يؤديه اعتكافا صحيحا. قال: ومن قال علي أن أعتكف لله عشرين يوما ونوى أن يعتكف نهار تلك الايام ولا يكون ليلها معتكفا فله نيته من ذلك وعليه أن يعتكفها
---
[ 265 ] (1/265)
كذلك ويجب عليه أن يدخل في كل يوم المسجد قبل طلوع الفجر ولا يخرج منه حتى يكون وقت الافطار إلا لما ذكرنا من عيادة مريض أو حضور جنازة أو خروج لحاجة لابد له منها. قال: ولو أن رجلا أوجب على نفسه أن يعتكف لله شهرا إن تخلص من مرض هو فيه، فأوجب على نفسه أن يصومه ساعة يخرج من مرضه، ويطيق ما فرض من اعتكافه على نفسه، فخرج من علته وقد دهمه شهر رمضان، واطاق الاعتكاف في آخر شعبان، فليبدأ بفرض الله الذي افترض عليه فإذا قضى شهر رمضان فليفطر يوم العيد لانه يوم نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن صومه (57) ثم ليبتدى، بعد ذلك فيما أوجب على نفسه فيعتكف ثلاثين يوما، وانما قلنا: إن عليه أن يعتكف عليه من بعد شهر رمضان، ولم نر أن اعتكافه في شهر رمضان يقضي عنه ما أوجب على نفسه، لانه أوجب على نفسه اعتكاف شهر، ولا يكون اعتكاف الا بصيا م، فكأنه أوجب على نفسه صوم شهر بما أوجب من اعتكافه، فلم يجزه صيام شهر مفروض عليه صومه عما الزمه نفسه وأوجب عليها من صيام شهر لربه وكان الفرض أولى من التطوع لان ما ألزمه الله عبيده، وافترضه عليهم أولى بالتقدمة مما أوجبوه (58) هم على نفوسهم والتقرب إلى الله بأداء ما افترض من فرائضه أقرب إليه مما أوجبه له العبد على نفسه من نوافله. قال: ولا بأس بأن يكتحل ويدهن ويتطيب بأي طيب شاء من مسك أو غيره، ويستحب له أن لا يبيع ولا يشتري، وإن فعل لم يفسد ذلك عليه.
---
ص 265 " (57) في نسخة عن صيامه.
(58) في نسخة فما أوجبوه على أنفسهم.
---
[ 266 ] (1/266)
قال: ولو إن إمرأة جعلت على نفسها أن تعتكف شهرين أو أقل أو أكثر وجب عليها ما أوجبت على نفسها، وكانت في اعتكافها وفيما يجب عليها من صيامها كالرجل، يفسد عليها من الامر ما يفسد عليه ويصلح لها ما يصلح له فيه، فإن (59) حاضت في معتكفها فلتخرج من مسجدها، فإذا طهرت فلتطهر ولترجع إلى معتكفها، ولتقض من بعد فراغها ما أوجبت لله على نفسها، مما أفطرت من أيام حيضها من الاعتكاف والصيام حتى يتم ما جعلت لله على نفسها من الايام. قال: وأي معتكف أو معتكفة خاف على نفسه في مسجد معتكفه، فله أن يخرج منه إلى مسجد غيره، فان كان على انسان اعتكاف قد أوجبه على نفسه، فحضره ما لابد له منه من وفاته فأوصى أن يعتكف عنه تلك الايام، فليخرج من ثلثه ما يستأجر له به رجل من أهل الاسلام فيعتكف عنه، فيؤدي ما أوصى به الميت منه، وواجب على الاولياء أن ينفذوا عن الميت ما به أوصى. قال يحيى بن الحسين عليه السلام: ولا بأس أن يتزوج المعتكف ولكن لا يدخل بأهله حتى يخرج من اعتكافه ولا بأس أن يزوج غيره من المسلمين، وأن يشهد على تزويج المتزوجين في مسجده، وأن يمنع الظالمين من المظلومين، ويعين الضعيف على ظالمه، ويمنعه منه بلسانه، وان لم يمتنع الا بيده فبيده. قال: ولو أن رجلا قال: لله علي أن أعتكف يوما فاعتكف ذلك اليوم فنسي وأكل أو شرب بطل اعتكافه وكان عليه أن يقضي يوما مكان ذلك اليوم.
---
ص 266 " (59) في نسخة حاضت.
---
[ 267 ] (1/267)
باب القول فيمن حلف بالاعتكاف
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا قال: لله علي إعتكاف شهرين إن كلمت فلانا، فليس يجب عليه الاعتكاف حتى يكلمه، فان كلمه وجب عليه الاعتكاف لانه قد حنث في يمينه، فوجب عليه ما أوجب في ذلك على نفسه، وكذلك لو قال: علي اعتكاف يوم الفطر إن كلمت فلانا شهر رمضان كله، فكلمه قبل أن ينقضي شهر رمضان كان حانثا، وليس له أن يصوم يوم الفطر لان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد نهى عن صيامه ويفطر ذلك اليوم، ويعتكف بعد العيد بيوم. فال يحيى بن الحسين عليه السلام: وإذا جعل المملوك على نفسه اعتكاف أيام مفهومة فعليه أن يؤدي ذلك عن نفسه إلا أن يمنعه سيده وللسيد أن يمنع عبده إن أراد من ذلك، ويستحب للسيد أن لا يمنعه من ذلك إذا كان إنما أراد به التقرب إلى ربه وكذلك حال المدبر وأم الوالد كحال المملوك، فأما إن كان الموجب للاعتكاف على نفسه مكاتبا فليس لسيده أن يمنعه وعليه أداء ما أوجب على نفسه لانه في حال مكاتبته كالحر في منزلته. قال يحيى بن الحسين عليه السلام: ولا ينبغي لاحد أن يواصل بين يومين في الصيام ولا أن يصمت يوما إلى الليل في اعتكاف ولا غيره، وفي ذلك ما بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: " لا وصال في صيام ولا صمت يوم إلى الليل " وبلغنا عنه عليه السلام أنه قال: " صيام ثلاثة أيام في كل شهر صيام الدهر وهن يذهبن وحر الصدر فقيل له وما وحر الصدر؟ فقال: " إثمه وغله " وكان عليه السلام يقول: من كان متطوعا صائما يوما من الشهر فليصم يوم الخميس
---
[ 268 ] (1/268)
ولا يصم يوم الجمعة فانه يوم عيد فيجمع الله له يومين صالحين، يوم صيامه ويوم عيد يشهده مع المسلمين. وبلغنا عنه عليه السلام أنه قال: (لا تتعمدن صيام يوم الجمعة الا أن يوافق ذلك صومك) وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أن سلمان دخل عليه يوما فدعاه إلى الطعام فقال يا رسول الله: إني صائم، فقال: يا سلمان يوما مكان يوم ولك بذلك حسنة بادخالك السرور على أخيك).
باب القول في الصيام في قتل الخطأ
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله سبحانه: (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما) (60) فمن قتل مؤمنا خطأ فعليه العتق، فان لم يجد العتق فصيام شهرين متتابعين إلا أن يكون صاحبه من العلة فيما أطلقنا لصاحب الظهار، فيسعه فيه الافطار فإذا كان كذلك جاز له أن يفطر، وكان حاله في ذلك كحال المظاهر، وليس له ولا للمظاهر أن يتعرضا لسفر، ولا أن يفطرا من علة يسيرة يطيقان الصيام معها بحيلة من الحيل، وهما مؤتمنان على أديانهما وعليهما أن ينظرا لانفسهما فإنه لا يغبا على ربهما شئ من أمرهما، ولا يغيب عنه خفي من سرهما (تم جزء أبواب الصيام والحمد لله ذي الانعام وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم يتلوه كتاب الحج مبتدأ أبواب الحج).
---
ص 268 " (60) النساء 92.
---
[ 269 ] (1/269)
كتاب الحج
---
[ 271 ] (1/271)
بسم الله الرحمن الرحيم (مبتدأ أبواب الحج) قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن الله تبارك وتعالى افترض على خلقه ما افترض عليهم من حجهم، وأمرهم فيه بأداء مناسكهم، فوجب عليهم ما أوجب ربهم، وكان ذلك فرضا على جميع العالمين، واجبا على جميع المؤمنين ليميز الله به المطيعين من العاصين، ويفرق به بين الكافرين والمؤمنين، وفي ذلك ما يقول: رب العالمين: * (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) * (1) وقال سبحانه: * (وأتموا الحج والعمرة لله) * (2) يقول تبارك وتعالى: قوموا بما افترض عليكم منه، وأدوا ما دخلتم فيه منهما، وقوموا بما افترض الله على من دخل فيهما من جميع مناسكهما وفي ذلك ما قال الله تبارك وتعالى لنبيه ابراهيم الاواه الحليم، صلى الله عليه وسلم، * (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا على كل ضامر يأتين من كل فج عميق) * (3) فأمره صلى الله عليه ربه جل ذكره بالحج له إلى بيته الحرام، فحج كما أمره الله كما حج أبوه آدم صلى الله عليه،
---
ص 271 " (1) آل عمران 97.
(2) البقرة 196.
(3) الحج 47.
---
[ 272 ] (1/272)
فحج ابراهيم صلى الله عليه بأهله والمؤمنين، حتى انتهى إلى بيت رب العالمين وأمره الله سبحانه بالاذان بالحج، فأذن ودعا إلى الله فأسمع وأجابه إلى ذلك من آمن بالله واتبع أمره، واجتمعوا إلى ابراهيم صلى الله عليه وسلم فخرج بمن معه متوجها إلى منى. فيقال: إن إبليس اعترض له عند جمرة العقبة فرماه بسبعة أحجار يكبر مع كل حجرة تكبيرة، ثم اعترض له عند الجمرة الثانية، ففعل به ما فعل عند الجمرة الاولى، ثم اعترض له عند جمرة الثالثة، فرماه كما رماه عند الجمرة الثانية، فأيس من إجابته له وقبوله لقوله فيقال: إنه صده وضلله عن طريق عرفة فأتى صلى الله عليه وسلم ذا المجاز فوقف به فلم يعرفه، إذ لم ير فيه من النعت مانعت له فسار عنه وتركه، فسمي ذلك المكان لمجاز ابراهيم به ذا المجاز، فلما أتى ابراهيم صلى الله عليه وسلم الموضع الذي أمر باتيانه عرفه بما فيه من العلامات التي نعتت له، فقال صلى الله عليه: " قد عرفت هذا المكان، فسمي عرفات، فنزل بها حتى صلى الظهر والعصر معا، ثم وقف بالناس وجعل اسمعيل إماما، فوقف مستقبلا للبيت حتى غربت الشمس، ثم دفع بالناس فصلى المغرب والعشاء الاخرة بالمزدلفة "، ويقال والله أعلم: إنها سميت مزدلفة لازدلاف الناس منها إلى منى وأنما سمي موضعها جمعا لانه جمع بين الصلاتين بها، ثم نهض صلى الله عليه وسلم حين طلع الفجر فوقف على الظرب (4) الذي يقال له: قزح، ووقف الناس حوله وهو المشعر الحرام الذي أمر الله بذكره عنده، ثم أفاض قبل طلوع الشمس فرمى جمرة العقبة بسبع حصيات، ثم نزل منى فذبح وحلق وصنع ما يصنع الحاج، وأرى الناس مناسكهم، فاستمر عليه المؤمنون معه وبعده، وكان الحج فرضا على
---
ص 272 " (4) الضرب الروابي الصغار. ضرب ككتف قال في القاموس. وهو ما نتأمن الحجارة وحد طرفه أو الجبل المنبسط أو الصغير.
---
[ 273 ] (1/273)
من وجد إليه سبيلا والسبيل فهو الزاد والراحلة والامان على النفس ثم قال سبحانه وتعالى عن كل شأن شأنه في الدلالة على وقت الحج: (الحج أشهر معلومات) (5) فكانت أشهر الحج شوالا وذا القعدة والعشر من أول ذي الحجة ثم قال الله سبحانه: (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) (6) ومعنا قوله فرض هو أوجب بالاحرام ودخل.
باب القول في مواقيت الاحرام التي وقت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ثم وقت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لاهل الآفاق في الاحرام مواقيتهم فوقت لاهل المدينة ذا الحليفة، ولاهل الشام الجحفة، ولاهل العراق ذات عرق، ولاهل نجد قرنا، ولاهل اليمن يلملم، وقال: هن مواقيت لاهلهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن.
باب القول في الدخول في الحج
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أردت انشاء الله فرض الحج على نفسك والدخول فيه بفعلك، فليكن ذلك في أشهر الحج، فأت ذا الخليفة وهو الموضع الذي يدعى الشجرة، الموضع الذي أحرم فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فاغتسل لما تريد من فرض الحج على نفسك، وفرضك له فهو الدخول فيه، والدخول فيه فهو الاهلال به، والاهلال فهو الاحرام له وذلك قول الله
---
ص 273 " (5) البقرة 197.
(6) البقرة 197.
---
[ 274 ] (1/274)
تبارك وتعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) (7) فإذا اغتسلت وكنت في وقت صلاة فريضة فصل ما أوجب الله عليك منها فإذا سلمت فقل: اللهم إني أريد الحج رغبة مني فيما رغبت فيه ولطلب ثوابك، وتحريا لرضاك فيسره لي وبلغني فيه أملي، في دنياي وآخرتي، واغفر لي ذنبي، وامح عني سيئاتي، وقني شر سفري، واخلفني بأحسن الخلافة في ولدي وأهلي ومالي، ومحلي حيث حبستني، أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وما أقلته الارض مني، ونطق لك به لساني، وعقد عليه قلبي ثم يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، لبيك ذا المعارج لبيك، وضعت لعظمتك السموات كنفيها، وسبحت لك الارض ومن عليها، اياك قصدنا بأعمالنا ولك أحرمنا بحجنا فلا تخيب عندك آمالنا، ولا تقطع منك رجاءنا، ثم تنهض خارجا نحو مكة، وكذلك إن كنت قد صليت ما عليك من الفريضة فصل في المسجد ركعتين ثم قل من القول ما ذكرت لك ثم سر حتى تستوي بك البيداء، وأنت تسبح في طريقك وتهلل وتكبر وتقرأ القرآن، وتستغفر الله وتخلص لربك النية، وتتوب إليه سبحانه من الخطيئة، وتحذر الرفث والفسوق والجدال والكذب فانه من الفسوق.
باب القول في التلبية
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: فإذا استويت بظهر البيداء ابتدأت التلبية ورفعت بها صوتك رفعا حسنا متوسطا، تسمع من أمامك ومن ورائك، تقول لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك،
---
ص 274 " (7) البقرة 197.
---
[ 275 ] (1/275)
إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، لبيك ذا المعارج لبيك، لبيك لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت.
باب القول فيما يستحب للحاج أن يقوله عندما يريد الركوب بعد احرامه بالبيداء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: نحب له حين يريد الركوب لدابته أن يقول: بسم الله وبالله والحمد لله على نعم الله، وصلى الله على خير خلق الله، محمد رسول الله، فإذا استوى في محمله أو على ظهر راحلته أو في سرج دابته قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، والحمد لله رب العالمين، ثم يلبي ولا يفحش في التلبية بشدة الصياح، ولا يخاف بها ويبتغي بين ذلك سبيلا حسنا، فكل ما علا من الارض نشزا قال: الله أكبر الله أكبر لا اله الا الله والله أكبر. وإذا انحدر لبى بما شرحنا من التلبية ولا يغفل التلبية الفينة بعد الفينة.
باب القول فيما يجب على المحروم توقيه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجب عليه أن يتوقى ما نهاه الله عنه من الرفث والفسوق والجدال والرفث فهو الدنو من النساء، وذلك قول الله في كتابه سبحانه: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) (8) ومن الرفث أيضا الفراء على الناس، واللفظ بالقبيح مما يستشنعه أهل الخير، والفسوق فهو الفسق والتجني والكذب والظلم
---
ص 275 " (8) البقرة 187.
---
[ 276 ] (1/276)
والتعدي والتجبر على عباد الله، والغشم، والطعن على أولياء الله، والادخال لشئ من المرافق على عدو من أعداء الله، والتحامل بالقبيح على ذي الرحم، وكثرة المخاصمة والمجادلة له، ولا يقتل صيدا، ولا يعين عليه، ولا يشير إليه، ولا يمس طيبا، ولا يلبس ثوبا مصبوغا، ولا يدنو من النساء، ولا يلبس قميصا بعد إغتساله لاحرامه ولايجز من شعره شعرة، ولا يتداوى بدواء فيه طيب، ولا يكتحل، ولا يقتل من قمل ثوبه شيئا، وإن أراد تحويل قملة من مكان إلى مكان فعل ذلك، وإن قتلها تصدق بشئ من طعام، ولا يتزوج ولا يزوج، ولا يأكل لحم صيد له ولا لغيره، وما أشبه ذلك والجدال الذي نهي الله عنه فهو المجادلة بالباطل، ليدحض به الحق، ومن المجادلة شدة المخاصمة التي تخرج إلى الفاحشة، التي لا يملك صاحبها نفسه معها. واعلم أنه ليس يتقى في الاحرام لبس الثياب ولا مجامعة النساء ولا مس الطيب فقط ولكن يتقى هذا وغيره من كل ما ذكرت لك وفسرت من جميع معاني الرفث وجميع معاني الفسوق، وجميع معاني الجدال.
باب القول فيما يستحب للحاج أن يفعله عند نزوله المنازل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: فإذا نزل الحاج منزلا فليقل عند وضعه لرحله: رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين، ثم ليحتفظ فيما يأكله ويشربه من طعامه، ولا يشربن (9) ولا يأكلن صيدا من طير ولا ظلف ولا حافر ولا شيئا من صيد الارض، كان ذلك مما صيد له أو لغيره فإن ذلك أصل قول أمير المؤمنين عليه السلام في الصيد وقول
---
ص 276 " (9) في نسخة ولا يشترين.
---
[ 277 ] (1/277)
علماء أهل بيته من بعده، فإنهم لا يرون للمحرم أكل شئ من الصيد صيد له أو لغيره من أجله أو من أجل سواه (10). باب ما يجوز للمحرم أن يقتله قال يحيى بن الحسين عليه السلام: لا بأس أن يقتل المحرم الحدأة والغراب والفأرة والحية والعقرب والسبع العادي إذا عدى عليه، والكلب العقور إن ألحمه نفسه وخشي المحرم عقره، والبرغوث والكتان والبق والدبر وكل دابة عظم بلاؤها وخشي على المسلمين ضرها فلا بأس في قتل المحرم لها وإستيصاله لشافتها.
باب القول في حاجة المحرم إلى لبس الثياب للعلة النازلة والبرد الشديد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن أحتاج المحرم إلى لبس شئ من الثياب مما لا يجوز له لبسه لعلة نزلت به من مرض أو غرض أو غير ذلك مما يخاف على نفسه منه تلفا إن لم يلبس الثياب مثل البرد الشديد أو الصداع الملازم أو غير ذلك من آفات الدنيا فليلبس الذي يحتاج إلى لبسه لعلته من الثياب ويكون عليه الفداء، والفداء فهو ما قال الله سبحانه وجل جلاله حين يقول: (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففديه من صيام أو صدقة أو نسك) (11) والصيام فهو صيام ثلاثة أيام، والصدقة فهي إطعام سنة مساكين، والنسك فأقله شاة، ومن عظم فهو خير له عند ربه، وكذلك إن هو احتاج إلى أخذ دواء فيه مسك ساطع الريح فأخذه وتداوى به المحرم لحرج أو لغير حرج، كان عليه
---
ص 277 " (10) في نسخة أو من أجل غيره.
(11) البقرة 184.
---
[ 278 ] (1/278)
ما على اللابس للثياب من الكفارة التي ذكرنا، وكذلك إن احتاج إلى لبس الخف لعلة نازلة فلبسه فعليه ما ذكرنا من الفدية، وإن لبس الخف والعمامة والثياب في وقت واحد معا لم يكن عليه إلا فدية واحدة.
باب القول في دخول الحاج الحرم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: فإذا انتهى المحرم إلى قرب الحرم فيستحب له أن ينزل فيغتسل ثم يدخل الحرم فإذا وضعت راحلته أو دابته قوائمها في طرف الحرم قال: اللهم هذا حرمك وأمنك والموضع الذي أخترته لنبيك وافترضت على خلقك الحج (12) إليه وقد أتيناك راغبين فيما رغبتنا فيه، راجين منك الثواب عليه، فلك الحمد على حسن البلاغ، وإياك نسأل حسن الصحابة في المرجع فلا تخيب عندك دعاءنا ولا تقطع منك رجاءنا واغفر لنا وارحمنا وتقبل منا سعينا واشكر فعلنا وآتنا بالحسنة إحسانا وبالسيئة غفرانا يا أرحم الراحمين ويارب العالمين.
باب القول فيما يقول الحاج إذا رأى الكعبة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: فإذا أنتهى المحرم إن شاء الله إلى الكعبة ورآها فليقطع التلبية إن كان معتمرا عند مصيره إلى الكعبة، ولا يلبي بعد ذلك حتى يهل بالحج، ولكنه يطوف بالبيت سبعة أشواط، يرمل في ثلاثة أشواط، ويمشي الاربعة الباقية، ويقول: في طوافه
---
ص 278 " (12) في نسخة على خلقك الحج لك إليه.
---
[ 279 ] (1/279)
حين يبتديه، ويكون إبتداؤه من الحجر الاسود: بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فإذا حاذى باب الكعبة قال وهو مقبل بوجهه إليها، اللهم هذا البيت بيتك، والحرم حرمك، والعبد عبدك، وهذا مقام العائذ بك من النار، اللهم فأعذني من عذابك، وأختصني بالاجزل من ثوابك، ووالدي وما ولدا، والمسلمين والمسلمات، يا جبار الارضين والسموات ثم يمضي في طوافه ويقول: رب أغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الله الأعز الاكرم، ويردد هذا القول حتى ينتهي إلى الحجر الاسود فإذا انتهى إليه استلمه وقال: اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك واتباعا لامرك واقتداء بسنة نبيك محمد صلى الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين الاخيار الصادقين الابرار اللهم أغفر لي ذنوبي وكفر عني سيئاتي وأعني على طاعتك إنك سميع الدعاء. ثم يمضي حتى يواجه البيت ثانية، ثم يقول ما قال أولا: ويفعل في طواقه كما فعل في أوله، ثم يستلم الاركان كلها، وما لم يقدر عليه منها أشار إليه بيده، ويقول عند استلامه للاركان: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار، فإذا فرغ من السبعة الاشواط، وقف بين الحجر الاسود والباب ثم دعا فقال: اللهم أنت الحق وأنت الاله الذي لا إله غيرك إياك نعبد، وإياك نستعين، وأنت ولينا في الدنيا والآخرة، فاغفر لنا ذنوبنا وتجاوزنا عن سيئاتنا، وتقبل سعينا، ويسر لنا ما تعسر علينا من أمرنا، ووفقنا لطاعتك، واجعلنا من أوليائك الفائزين، يا رب العالمين، ثم يمضي فيصلي ركعتين وراء المقام.
---
[ 280 ] (1/280)
باب القول في صلاة الركعتين بعد الطواف وراء المقام ودخول زمزم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ثم يأتي مقام إبراهيم صلوات الله عليه، فيصلي وراءه ركعتين يقرأ في الاولى بالحمد، وقل يا أيها الكافرون، وإن شاء قرأ في الاولى بقل هو الله أحد، وفي الثانية بقل يأيها الكافرون، وإن شاء قرأ غيرهما من سور مفصل القرآن غير أنا (13) لا نحب له أن يقرأ إلا صغار السور لان ينفذ، ولا يحبس غيره، ولا يضر بمن يطلب مثل طلبته، ثم ينهض فيستقبل الكعبة ثم يقول: اللهم ربنا فاغفر لنا ذنوبنا، وزك لنا أعمالنا، ولا تردنا خائبين، ثم يدخل أن أحب زمزم فإن في ذلك بركة وخيرا، فيشرب من مائها ويطلع في جوفها ويقول: اللهم أنت أظهرتها وسقيتها نبيك إسمعيل رحمة منك به يا جليل، وجعلت فيها من البركة ما أنت أهله، فأسألك أن تبارك لي فيما شربت منها وتجعله لي دواء وشفاء تنفعني به من كل داء، وتسلمني به من كل ردى إنك سميع الدعاء مستجيب من عبادك لمن تشاء.
باب القول في الخروج إلى الصفا والعمل وعلى المروة وبينهما
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ثم يخرج إلى الصفا من بين الاسطوانتين المكتوب فيهما، فإذا استوى على الصفا فليستقبل القبلة بوجهه، ثم ليقل بسم الله وبالله والحمد لله، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم ثم ليقرأ الحمد والمعوذتين، وقل هو الله أحد وآية الكرسي وآخر الحشر ثم ليقل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، نصر عبده
---
ص 280 " (13) في نسخة غير أنا نحب له أن يقرأ صغار السور لان يتفقد.
---
[ 281 ] (1/281)
وهزم الاحزاب وحده، لا شريك له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده حقا لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، اللهم إغفر لي ذنبي وتجاوز عن خطيئتي ولا تردني خائبا يا أكرم الاكرمين، واجعلني في الآخرة من الفائزين، ثم لينزل عن الصفا ويمضى، حتى إذا كان عند الميل الاخضر المعلق في جدار المسجد هرول، حتى يحاذي الميل المنصوب في أول السراجين ثم يمضي (14) حتى ينتهي إلى المروة ويقول: في طريقه رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الله الاعز الاكرم، يردد هذا القول وغيره من الذكر الحسن لله، والدعاء حتى يفرغ من سعيه، فإذا انتهى إلى المروة فليرق عليها حتى يواجه الكعبة، ثم ليدع بما دعا به على الصفا، ويقول: ما قال على الصفا وما حضره من سوى ذلك ثم يرجع ويفعل ما فعل أولا في طريقه حتى ينتهي إلى الصفا، ثم على ذلك الفعال فليكن فعله حتى يوفي سبعة أشواط ثم ينصرف ويقصر من شعره المعتمر ولا يحلق رأسه إذا كان في أشهر الحج وكان عازما على أن يحج، ثم قد حل له كل شئ وجاز له ما يجوز للحلال من النساء والطيب والثياب.
باب القول في الاهلال بالحج يوم التروية بمكة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا كان يوم التروية فليهل بالحج من المسجد الحرام وليفعل وليقل ما فعل وقال في ابتداء إحرامه أولا، ثم ينهض حاجا ملبيا ثم يستقيم إلى منى فإن أمكنه صلى بها الظهر والعصر معا. وإن لم يمكنه الخروج إلا في بعض الليل
---
ص 281 " (14) في نسخة ثم يمشي.
---
[ 282 ] (1/282)
فليخرج متى أمكنه كل ذلك يسعى بعد أن يدرك صلاة الفجر بمنى. فأما الامام إذا كان إمام فينبغي له أن يخرج من مكة نصف النهار عند زوال الشمس حتى يصلي الظهر والعصر بمنى، ويقيم بها حتى يصلي العشاء والعتمة، والصبح ثم يتوجه إلى عرفه وكذلك ذكر عن النبي صلى الله عليه وعلى أهل بيته وسلم: أنه صلى بها خمس صلوات آخرهن صلاة الفجر يوم عرفة.
باب القول فيمن دخل مكة مفردا بالحج أو معتمرا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من أراد العمرة أهل في أول ما يصير إلى ميقاته بالعمرة مفردا ويقول: اللهم إني أريد العمرة متمتعا بها إلى الحج فيسرها لي ثم يقول ما يقول: في إحرام الحج وإن أراد الافراد بالحج قال عند وقت إحرامه: اللهم إنى أريد الحج فيسره لي، ويقول: ما شرحناه أولا من القول، ويقول: لبيك اللهم لبيك لبيك بحجة تمامها وأجرها عليك، فإذا دخل مكة فلا يقطع التلبية حتى يرمي جمرة العقبة من بعد رجوعه يوم النحر من عرفه وذلك رأي أهل البيت جميعا لا يختلفون في ذلك وأو أحب أن يبدأ حين يدخل مكة فيطوف لحجه، ويسعى فليفعل ثم ليثبت على إحرامه، حتى إذا كان يوم التروية أو ليلة عرفة فليتوجه إلى منى فإن أتاها نهارا أقام بها حتى يصلي الفجر (15) من يوم عرفة، وإن أتاها ليلا فكذلك وإن أتاها في آخر الليل عرس بها ساعة، فإذا صلى الصبح سار إلى عرفة.
---
ص 282 " (15) في نسخة حتى يصلي الصبح.
---
[ 283 ] (1/283)
باب القول فيما يقول القارن وما يعمل وكيف يحرم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أراد الاهلال بالعمرة والحج معا، فلا يجوز له ذلك عندنا إلا بسوق بدنة يسوقها من موضعه الذي أحرم فيه بهما ويقول: حتى يريد الاحرام في دبر صلاته اللهم إني أريد الحج والعمرة فيسرها لي ثم يقول: ما شرحناه من قول المحرم في ابتداء إحرامه ثم يلبي فيقول: لبيك اللهم لبيك لبيك بحجة وعمرة معا، فإذا أتى مكة طاف طوافين وسعى سعيين سعيا وطوافا لعمرته، وسعيا وطوافا لحجته، وهذا الذي لا اختلاف فيه عند علماء آل رسول الله صلى الله عليه وعليهم أجمعين، من عمل القارن، فإذا كان يوم التروية أو ليلة عرفة توجه إلى منى ففعل بها ما يفعل المفرد ثم توجه إلى عرفة غداة يوم عرفة.
باب القول في التكبير في أيام التشريق
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أول ما يبتدئ التكبير يوم عرفة في دبر صلاة الفجر من ذلك اليوم ساعة يسلم الامام من صلاته يقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا ثم يلبي وينهض ويسير إلى عرفة ويلزم التكبير في دبر كل صلاة فريضة صلاها حتى يكون آخر أيام التشريق فيكبر في دبر صلاة العصر من يوم النفر الآخر ثم ليقطع التكبير فذلك ثلاث وعشرون صلاة. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: التكبير من صلاة الصبح من يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النفر الآخرة وكذلك يروى عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام.
---
[ 284 ] (1/284)
باب القول في الوقوف بعرفة والعمل فيها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: فإذا انتهى الحاج إلى عرفة نزل بها وأقام حتى يصلي الظهر والعصر فإذا صلى الظهر والعصر ارتجل فوقف في أي عرفة شاء، ويحرص أن يدنو من موقف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين الجبال، وأن لم يقدر على ذلك الموضع لكثرة الزحام فيقف بأي عرفة شاء، ما خلا بطن عرنه فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (عرفة كلها موقف إلا بطن عرفه) قال: فإذا وقف ذكر الله سبحانه وتعالى عن كل شأن شأنه وسبحه ومجده ويخلص النية له ويقول: اللهم أنت ورب آبائنا الاولين، وإياك قصدنا، ولك استجبنا، وعليك توكلنا، وإياك رجونا، ومنك سألنا، فأعطنا سؤلنا، وتجاوز عن سيئاتنا، واهد قلوبنا، وثبتنا على الهدى، وآتنا تقوانا، ولا تكلنا إلى أنفسنا، وتقبل حجنا، ولا تردنا خائبين (16)، وأقلبنا مستوجبين. لثوابك، آمنين لعذابك ناجين من سخطك، يا إله السموات والارضين، اللهم لك الحمد على نعمائك، ولك الحمد على آلائك، ولك الحمد على ما أوليتنا وأبليتنا وأعطيتنا، فأمتعنا بنعمائك، ولا تزل عنا ما عودتنا من فضلك وآلائك يا إله العالمين، ويدعو بما أحب من الدعاء سوى ذلك لنفسه ولو الديه، ويسأل الله ما أحب أن يسأله من الرزق وغير ذلك من مراده، فإنه سميع الدعاء قريب الاجابة رحيم كريم، فإذا توارت الشمس عنه بالحجاب فليقض من عرفة ملبيا مقبلا نحو مزدلفة وعليه السكينة والوقار والخشوع لله الجبار، وليكثر في طريقه من قراءة القرآن والاستغفار والدعاء والتكبير والتهليل والاجلال لله الواحد الجليل، وإن
---
ص 284 " (16) في نسخة واجعلنا مستوجبين.
---
[ 285 ] (1/285)
حضره شئ فليتصدق منه على من يرى من الضعفاء والمساكين، وإن أمكنه أن يكون ذلك اليوم صائما فليفعل، ولا يصلي المغرب ولا العتمة حتى يرد مزدلفة وهي جمع فينزل بها، ويحط رحلة، ثم يجمع بها بين المغرب والعتمة، وللجمع بها سميت جمعا.
باب القول في العمل بمزدلفة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: فإذا انتهى إلى مزدلفة فلينزل بها، ويصلي المغرب والعشاء الآخرة، وهي العتمة بأذان واحد وأقامتين، ثم يبيت بها حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر فليرتحل، وليمض حتى يقف عند المشعر الحرام، ويذكر الله سبحانه وجل عن كل شأن شأنه.
باب القول في العمل عند المشعر الحرام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: فإذا أتى المشعر الحرام فليقل: اللهم هذا المشعر الحرام الذي تعبدت عبادك بالذكر الجميل لك عنده وأمرتهم به فقلت: (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام) (17) ولا ذكر لك أذكرك به أعظم من توحيدك، والاقرار بعدلك في كل أمورك والتصديق بوعدك ووعيدك، فأنت إلهي لا إله لي سواك ولا أعبد غيرك تعاليت عن شبه خلقك وتقدست عن ممائلة عبيدك، فأنت الواحد الذي ليس لك مثيل، ولا يعدلك عديل لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا أحد، الاول قبل كل شئ، والآخر بعد كل شئ، والمكون لكل كائن، خالق الاولين والآخرين، والباعث لكل
---
ص 285 " (17) البقرة 198.
---
[ 286 ] (1/286)
الخلائق في يوم الدين، البرئ عن أفعال العباد المتعالى عن القضاء بالفساد، صادق الوعد والوعيد، الرحمن الرحيم بالعبيد، أسألك يا رب الارباب، ويا معتق الرقاب في يوم الحساب أن تعتقني من النار، وتجعلني بقدرتك في خير دار، في جنات تجري من تحتها الانهار، فإنك واحد قادر جبار، ويقول: اللهم اغفر لي ولوالدي وما ولدا وللمسلمين والمسلمات، الاحياء منهم والاموات، اللهم لك الحمد كما ابتدأت الحمد ولك الشكر وأنت ولي الشكر ولك المن يا ذا المن والاحسان اللهم فأعطني سؤلي في دنياي وآخرتي فإنك جواد كريم.
باب القول في الافاضة من المشعر الحرام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ثم ليسر راجعا إلى منى عليه الخشوع والوقار، ويقرأ في طريقه ما تيسر له من القرآن، ويدعو بما شاء أن يدعو به، ويذكر الله بما هو أهله، ويستغفر لذنوبه، ويتوب إليه من خطيئته، فإنه لا يغفر إلا للتائبين ولا يقبل إلا للراجعين، فإذا انتهى إلى بطن محسر وهو الوادي الذي بين منى ومزدلفة فليسرع في سيره حتى يقطع بطن الوادي فإنه يروى أن رسول الله صلى الله على وآله وسلم أسرع في ذلك الموضع. وليس الاسراع في ذلك الموضع بسنة واجبة لان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما فعل ذلك لعلة كانت ولسبب حدث، ولو ترك الاسراع في ذلك الموضع تارك لم يبطل عليه حجه ولم يفسد عليه أمره. فإذا انتهى إلى منى فليمض على حاله حتى يأتي جمرة العقبة من بطن منى فيرميها بسبع حصيات يقول: مع كل حصاة، لا إله إلا الله والله أكبر كبيرا والحمد لله حمدا كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا. ثم ليقطع التلبية مع أول حصاة يرمي بها، ثم يأتي رحله فينحر إن كان معه فضل أو يجب عليه هدي ويذبح هديه أو ينحره،
---
[ 287 ] (1/287)
ويقول حين يضع الشفرة عليه: بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا إله إلا الله والله أكبر. ثم يذبح ويقول: اللهم منك وإليك فتقبل من عبدك ابن عبديك. ثم يأمر به فيصنع له منه. فيأكل هو وأخوانه، ويأمر ببعضه فيتصدق به على المساكين، وأولى المساكين بصدقته من قرب من منزله ومن رحله. من أهل الفاقة والحاجة ثم يحلق رأسه أو يقصر، ويلبس ما أحب من الثياب، ويتطيب بما شاء من الطيب، وقد حل له كل شئ، إلا النساء، فإذا كان في آخر يومه أو أي يوم من أيام منى شاء، أتى الكعبة فإن كان مفردا وكان لم يطف لحجه، ولم يسع، طاف لحجه سبعة أشواط وسعا بين الصفا والمروة سبعة أشواط، يفعل في كل طوافه وسعيه ما شرحت لك في أول كتابي هذا، ثم يرجع إلى الكعبة فيطوف بها طواف النساء سبعة أشواط أيضا لا يرمل في شئ منها ثم يصلى ركعتين لطوافه خلف مقام ابراهيم صلى الله عليه. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وإن كان فد طاف لحجه سبعة أشواط وسعى قبل خروجه إلى عرفة، طاف حين يرجع إلى الكعبة من منى، في أي أيام منى شاء أو بعد، نفره من منى طواف النساء، وهو الذي يسميه الناس طواف الزيارة، وهو طواف الحج اللازم الذي قال الله فيه: (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق) (18) ثم قد حل له النساء. وإن كانت زيارته في أيام منى فدخل مكة ليلا في أول الليل فليخرج منها في ليلته وإن دخلها نهارا فليخرج منها في يومه، فإنه إن دخلها في أول الليل فأدركه الصباح بها، أو دخلها نهارا فأدركه الليل بها - وجب عليه دم، فإذا كان اليوم الثاني رمى الجمار.
---
ص 287 " (18) الحج 29.
---
[ 288 ] (1/288)
باب القول في رمي الجمار والعمل في ذلك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: فإذا كان يوم الثاني من يوم النحر وهو اليوم الذي يسمى يوم الرؤوس فلينهض طاهرا متطهرا بعد زوال الشمس، ويحمل معه من رحله أحدى وعشرين حصاة من الحصى الذي أخذه من مزدلفة وليكن مغسولا، فإن ذلك يروى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى يأتي الجمرة التي في وسط منى وهي أقربهن إلى مسجد الخيف فيرميها بسبع حصيات من بطن الوادي يقول: مع كل حصاة لا إله إلا الله والله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا، ثم يستقبل القبلة ويجعل الجمرة التي رماها من وراء ظهره ثم يقول: اللهم إيمانا بك، وتصديقا بكتابك، واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم اللهم إني عبدك وإبن عبديك، طالب منك، ضارع إليك، فأعطني بفضلك إقالة عثرتي، وغفران خطيئتي، وستر عورتي، والكفاية لكل ما أهمني، منك طلبت، وإليك قصدت فلا تخيبني، إنك أنت إلهي لا إله لي غيرك، بيدك ناصيتي وإليك رجعتي، فأحسن مثواي في آخرتي (19)، وأمن يوم ألقاك روعتي، وأعذني من عذابك، وأنلني ما أنت أهله من ثوابك، إنك لطيف كريم رؤوف رحيم. ثم ليمض حتى ينتهي إلى الجمرة الوسطى جمرة علي عليه السلام فيرميها بسبع حصيات يقول مع كل حصاة: لا إله إلا الله والله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا ثم يستقبل القبلة ويجعل الجمرة من ورائه ثم يقول: اللهم أغفر لي الذنوب التي تهتك العصم،
---
ص 288 " (19) في نسخة في آخرتي ودنياي.
---
[ 289 ] (1/289)
وأغفر لي الذنوب التي تورث الندم، وأغفر لي الذنوب التي تغير النعم، وأغفر لي الذنوب التي تحبس القسم، وأغفر لي الذنوب التي تكشف الغطاء، وأغفر لي الذنوب التي ترد الدعاء، وأغفر لي الذنوب التي تحبس غيث السماء، وأغفر لي الذنوب التي تدخل في الهوى، اللهم وفقني لما تحب وترضى واعصمني من الزلل والخطاء إتك أنت الواحد العلي الاعلى، ثم يأتي جمرة العقبة فيرميها بسبع حصيات يقول مع كل حصاة منهن: لا إله إلا الله والله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا. ثم ينصرف ولا يقف عندها ويقول في طريقه: اللهم تولني فيمن توليت، وعافني فيمن عافيت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضي عليك، تباركت ربنا وتعاليت لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت سبحانك لا إله إلا أنت عز من نصرت وذل من خذلت وأصاب من وفقت، وحار عن رشده من رفضت واهتدى من هديت وسلم من الآفات من صحبت ورعيت، أسألك أن ترعاني، وتصحبني في سفري ومقامي، وفي كل أسبابي يا إله الاولين ويا إله الآخرين. ثم ينصرف إلى منزله، فإذا كان من الغد وزالت الشمس فعل من رمي الجمار ما فعل بالامس، ثم إن أحب التعجيل إلى أهله نفر في هذا اليوم من بعد زوال الشمس ورميه للجمار ولا يجوز لاحد أن ينفر ولا أن يرمي في هذا اليوم وهو يوم النفر الاول إلا من بعد زوال الشمس.
باب القول في النفر الاول والعمل فيه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله تبارك وتعالى: (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى
---
[ 290 ] (1/290)
واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون) (20) فإذا عزم على النفر نفر من منى فأتى الكعبة فطاف بها سبعة أشواط وصلى ركعتين ثم أستقبل القبلة ثم قال: اللهم البيت بيتك، والحرم حرمك، والعبد عبدك، وهذا مقام العائذ بك من النار، اللهم أجعله سعيا مشكورا، وحجا مبرورا، وذنبا مغفورا، وعملا متقبلا، اللهم لا تجعله آخر العهد من بيتك الحرام الذي جعلته قبلة لاهل الاسلام، وفرضت حجه على جميع الانام، اللهم اصحبنا في سفرنا، وكن لنا وليا وحافظا، اللهم إنا نعوذ بك من كآبة السفر وسوء المنقلب وفاحش النظر، في أهلنا وأولادنا ومالنا ومن أتصل بنا من ذوي أرحامنا وأهل عنايتنا، اللهم لك الحمد على ما مننت به علينا من أداء فرضك العظيم، ولك الحمد على حسن الصحابة والبلاغ الجميل، اللهم فلا تشمت بنا الاعداء، ولا تسوء فينا الاصدقاء، ولا تكلنا إلى أنفسنا، ربنا وهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما، ربنا أصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما إنها ساءت مستقرا ومقاما، ثم يدخل زمزم فيشرب من مائها، ويطلع فيها، ويقول: اللهم أنت أخرجتها وجعلت الماء فيها، وأقررته وأسكنته في أرضها، تفضلا منك على خلقك، بما سقيتهم منها، ومننت عليهم بما جعلت من البركة فيها، فأسقنا بكأس محمد نبيك صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم الظمأ واجعلنا من حزبك وحزبه وأدخلنا في زمرته وأمنن علينا بشفاعته وأسكنا في جواره وأمنن علينا في الآخرة بقربه، واحشرنا يوم الدين على ملته، إياك وحدنا، وإليك العدل في كل أفعالك نسبنا، وبجميع وعدك ووعيدك صدقنا، وسنة نبيك أتبعنا، وإياك على أداء جميع فرضك استعنا فأعنا بعونك وافتح لنا أبواب رحمتك ووسع علينا
---
ص 290 " (20) البقرة 203.
---
[ 291 ] (1/291)
پفي الارزاق، وارفق علينا بأعظم الارفاق. ثم يسير إلى بلده إن شاء الله تعالى فإن عزم على المقام إلى النفر الثاني أقام إن شاء الله تعالى.
باب القول في النفر الثاني والعمل فيه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: فإذا كان ذلك اليوم وهو اليوم الرابع من يوم النحر وهو آخر يوم من أيام التشريق فلينفر إذا ارتفع الضحى ويرمي الجمار في ذلك الوقت إن أحب التعجيل إلى مكة، وإن أحب رمى الجمار ونفر من بعد الزوال، فإذا رمى الجمار فليفعل في رميها كما فعل أولا، وليدع بما دعا في الايام الخالية من الدعاء، ثم يسير إلى مكة حتى يطوف طواف الوداع ثم يصلي ركعتين، ثم يقف مستقبل القبلة فيدعو بما ذكرنا من الدعاء، في النفر الاول، ثم يدخل زمزم فيشرب من مائها، سبع جرع ويدعو بما فسرت له من الدعاء، في دخوله إياها، في النفر الاول وإن كان له بمكة مقام، أخر الوداع إلى يوم خروجه، ثم ودع ودعا بما فسرت له إن شاء الله تعالى فإن الوداع لا يكون إلا في يوم الرحيل، ويستحب للحاج عند وقت نفره من منى أن يتصدق بما حضره فيما بين مكة ومنى وأن يتصدق بما أمكنه وحضره في يوم خروجه من مكة، وتوجهه إلى بلده.
باب القول في الهلال بالعمرة والحج معا إذا أراد صاحبهما أن يقرنهما
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أراد الحاج ذلك فليهئ، بدنة يسوقها معه ولا نرى أن يقرن قارن إلا بسوق بدنة من الموضع الذي يحرم منه، فإن لم يجد بدنة فلا يقرن وذلك قول جميع
---
[ 292 ] (1/292)
علماء آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد قال: غيرنا بغير ذلك ولسنا نلتفت إليه ولا نتكل في ذلك عليه فإذا أعد البدنة فلينخها في ميقاته، ثم ليغتسل ويلبس ثوبي إحرامه، ثم يشعرها يشق في شق سنامها الايمن شقا حتى يدميها، ويقلدها فرد نعل ويجللها بأي الاجلال كان من صوف أو قطن أو كتان، ثم ليصل ركعتين، ثم ليقل: اللهم إني أريد الحج والعمرة معا قارنا لهما طالبا في ذلك لثوابك، متحريا لرضاك، فيسرهما لي وبلغني فيهما أملي في دنياي وآخرتي، وأغفر لي ذنوبي، وأمح عني سيئاتي، وقني شر سفري، وأخلقني بأحسن الخلاقة في ولدي وأهلي ومالي، ومحلي بحيث حبستني، أحرم لك بالحج والعمرة معا شعري وبشري ولحمي ودمي وما أقلته الارض مني، ونطق لك بذلك لساني، وعقد عليه قلبي، ثم يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك بعمرة وحجة معا لبيك، لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، لبيك ذا المعارج لبيك، وضعت لعظمتك السموات كنفيها، وسبحت لك الارض ومن عليها اللهم إياك قصدنا بعملنا، ولك أحرمنا بعمرتنا وحجنا، فلا تخيب آمالنا ولا تقطع منك رجاءنا، ثم يلبي وينهض ويسير، فيقطرها في قطاره، ويتوقى في طريقه ما قد شرحته له في أول الكتاب ويتوقى ما نهيته عنه، ولا يركب بدنته ولا يحمل عليها شيئا ولا يركبها له خادم إلا أن يضطر إلى ركوبها ضرورة شديدة فيركبها ركوبا لا يعقرها، وإن رأى راجلا ضعيفا من المسلمين قد فدحه المشي فليحمله عليها العقبة والعقبتين والليلة والليلتين، فإن في ذلك أجرا وخيرا، والبدنة فهي لله والمضطر إلى ركوبها فعبد من عبيد الله. فإذا انتهى إلى مكة فليطف بالبيت سبعة أشواط، ثم ليصل ركعتين وينوي بذلك الطواف أنه طواف عمرته ثم
---
[ 293 ] (1/293)
يخرج إلى الصفا فيقف عليه ويقول: ما شرحت له من القول أولا، ثم يأتي المروة فيقف عليها ويقول عليها ما فسرت له من القول أولا حتى يوفي سبعة أشواط بين الصفا والمروة، ولا يقصر من شعره ثم يرجع إن أحب أن يعجل ذلك، فليطف بالبيت سبعة أشواط لحجه، ثم ليصل ركعتين ثم ليخرج أيضا فيسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط لحجه ثم يثبت على إحرامه، وما أهل به على حاله ولا يترك التلبية، فإذا كان يوم التروية خرج إلى منى وعرفة، وفعل ما يفعل الحاج من الوقوف والافاضة والرمي، ثم ينحر بدنته يوم النحر ثم يحلق رأسه من بعد نحره، كما قال الله عزوجل: (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) (21) ثم يمضي فيزور البيت، ويطوف طواف النساء طوافا فردا واحدا، ثم قد أحل من إحرامه وحل له كل شئ يحرم على المحرم من النكاح وغيره، وهذا قول جميع علماء آل رسول الله عليه وعليهم أجمعين، لا يرون قرانا إلا بسوق بدنة، ويرون أنه يجزيه في العمرة والحج المقرونين أقل من طوافين وسعيين طوافا وسعيا لعمرته وطوافا وسعيا لحجته، وقد قال غيرهم بغير ذلك فقالوا: يجتزى بطواف واحد وسعي لعمرته وحجته، وهذا عندنا فغير معمول به (22)، ولسنا نجيزه ولا نراه ولا نرخص فيه ولا نشاءه.
باب القول فيما يعمل المتمتع عند إحرامه وعند إحلاله من عمرته
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أراد المعتمر أن يهل بعمرة فليغتسل، ويلبس ثوبي إحرامه ثم ليصل ركعتين في ميقاته كما
---
ص 293 " (21) البقرة 196.
(22) في نسخة فغير معمول عليه.
---
[ 294 ] (1/294)
يفعل في إحرامه لحجه ثم يقول: اللهم إني أريد العمرة متمتعا بها إلى الحج فيسرها لي، والطف لي في أدائها عني، ويلغني فيها أملي ومحلي بحيث حبستني، أحرم لك بها شعري وبشري ولحمي ودمي وما أقلت الارض مني، ثم يقول: لبيك اللهم لبيك لبيك بعمرة لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، لبيك ذا المعارج لبيك ثم ينهض في سفره قاصدا لوجهه ويتوقى في سفره ما شرحت له ويفعل ما أمرته بفعله فإذا رأى الكعبة قطع التلبية ثم طاف لعمرته سبعة أشواط يرمل في ثلاثة منها ويمشي في الاربعة الباقية ثم يخرج فيسعى بين الصفا والمروة، ويقصر من شعره ثم فد خرج من إحرامه وحل له ما يحل لغيره من النساء والطيب وغير ذلك، فإذا كان يوم التروية أهل بالحج من المسجد الحرام أو من حيث شاء من مكة، وخرج إلى منى ففعل كما يفعل الحاج.
باب القول فيما يعمل المحصر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أحصر المحرم بمرض مانع له عن السفر قاطع له عن السير لا يقدر معه على ركوب ولا حركة، أو بعد ويخافه أمامه على نفسه، أو بحبس من ظالم له متعد عليه ولا يقوى على مدافعته، ولا يطيق التخلص من يديه بعث بما استيسر له من الهدى وواعد رسوله يوما من أيام النحر ينحره عنه فيه، ووقت له وقتا من ذلك اليوم في بكرة ذلك اليوم أو في انتصافه أو في آخره، فإذا كان بعد ذلك الوقت بقليل حلق المحصر رأسه وأجل من احرامه، وأحب لله إن كان واعده بكرة ذلك اليوم أن يحلق نصف النهار، وإن كان واعده نصف النهار أن يحلق إذا دخل في الليل فإن الحيطة في ذلك أصلح إنشاء الله تعالى، فإن هو تخلص من إحصاره حتى يأتي مكة، فإن لحق الحج
---
[ 295 ] (1/295)
وأنتفع بهديه، ولم يجب عليه نحره ولا ذبحه، وإن فاته الحج أهل بعمرة وأهدى هديا مع عمرته، فإن لم يجد هديا صام عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة بعد أيام التشريق ثم أحل.
باب القول متى يلحق المحصر وغيره الحج
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن لحق المحصر وغيره الوقوف بعرفة قبل طلوع الفجر من ليلة النحر فقد لحق الحج، وهو فيه كمن وقف عشية عرفة، وإن طلع الفجر قبل أن يقف بعرفة فقد فاته الحج ولا سبيل للمحصر إلى الانتفاع بهديه ووجب عليه نحره.
باب القول فيما لا يسع المحصر غيره إن تخلص في وقت يطمع بلحوق حجه فيه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن محصرا تخلص من إحصاره فوجد دابة سريعة يعلم أنه يلحق على مثلها الحج فطلب شراءها أو اكتراءها فطلب منه صاحبها ثمنا غاليا مسرفا كان عليه إذا أيقن أنه يلحق الحج عليها أن يشتريها أو يكتريها بما أعطيها به، إلا أن يخاف على نفسه إن هو أخرج ذلك تلفا بتقصير النفقة، فإنه إن خاف ذلك لم يجز له أن يلقي بيده (* *) إلى التهلكة ولا يشرك في قتل نفسه، وعليه أن يلزم نفقته على نفسه، لان الله تبارك وتعالى يقول: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) (23) ويقول: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) (24)
---
ص 295 " (23) البقرة 193. في نسخة (قبل الحج).
(24) النساء (29).
(* *) في نسخة (أن يلقي بنفسه).
---
[ 296 ] (1/296)
فإن كان إخراج ما يخرج في الدابة لا يخاف معه ولا منه تقصيرا من النفقة، يخشى مع ذلك التقصير على نفسه تلفا، وكان فضل يجزيه، وجب عليه إخراج ما طلب منه في الدابة، ولم يجزه غير ذلك، لانه بوجوده لما يخرج منه فيما يلحقه بحجة قادر على لحوقه غير محصر عنه، وحاله في ذلك حال المسافر الذي لا يجد الماء إلا بالثمن الغالي فعليه شراؤه بكل ثمن إذا كان يأمن مع اخراجه إتلاف نفسه بنفاد نفقته، ولا يجوز له ترك شرائه إذا كان ذا فضل مجز له عما يشتري به ذلك الماء. فلا يجوز لمن كان كذلك التيمم بالصعيد لانه بوجود ثمن الماء واجد لما أمره الله بالتطهر به من الماء. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا حج معه ببعض حرمه فأحصر ولم تستطع حرمه الذهاب في حجهن لتخلفه عنهن، ولمخافة الضيعة بعده على أنفسهن، فكل من حج به معه من حرمه محصر معه بإحصاره وعليه وعليهن الارسال بما استيسر من الهدى عنه وعنهن إلا أن يكون معه ومعهن ذو محرم لهن يجوز له ولهن السفر بهن فإن كان معهن ذو محرم يجوز له السفر بهن لم يكن بمحصرات ووجب عليهن الاستقامة إلى ما إياه قصدن وله أحرمن إلا أن يكون المحصر أحصر لعلة من مرض لا يكون فيه معه لنفسه منفعة ويخشين إن ذهبن كلهن عليه ضيعة وتهلكة فيجوز أن يتخلف معه منهن امرأة تقوم بشأنه وتكون بمخافتها عليه التلف محصرة بإحصاره، ويجب عليها ما يجب عليه من البعثة بما استيسر من الهدى وتفعل كما يفعل المحصر.
---
ص 296 " في نسخة (يكفيه).
---
[ 297 ] (1/297)
باب القول فيما يجوز للمحرم فعله عند الضرورة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يخرج المحرم من رجله الشوكة، وأن يعصر الدماميل إذا آذه وعيها (25)، وان أضر برجليه الحفا ولم يجد نعلين فلا بأس أن يقطع الخف من تحت الكعبين ويلبسه، ولا بأس بأن يحرم المحرم إذا لم يجد مئزرا في سراويل يحتزم به إحتزاما وإن لم يجد رداء ارتدى بكمي القميص أو بجانبيه معترضا، وان لامس قبل احرامه قرب ميقاته النساء ثم لم يتهيأ له في الميقات ماء تيمم تيمما واحدا ونوى بذلك أنه للجنابة والاحرام وأجزاه ذلك عند ذي الجلال والاكرام ثم أهل بما يريد الاهلال به من حجته أو عمرته ولبس ثوبي احرامه ثم أحرم ولبى، وإذا وجد الماء اغتسل غسلا واحدا ويكون ذلك له مجزيا. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الغسل للاحرام أواجب هو؟ فقال: هو من السنن وخلق من الاخلاق حسن، ومن أحرم ولم يغتسل لزمه احرامه ومضى لحجه أو لعمرته إن كان فيها.
باب القول فيمن أتى ميقاته عليلا لا يعقل احراما ولا يطيق عملا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من أتى ميقاته عليلا في حال من علته لا يطيق معه الدخول في عمل حجته فانه ينبغي له أن يخلف احرامه إلى آخر المواقيت التي بينه وبين مكة فإذا بلغ آخر ميقات
---
ص 297 " (25) الوعي: القيح والمدة وفي نسخة وعثها، وأصل الوعث الدهش لانه يشق السير عليه فجعل مثلا لكل ما يشتد على صاحبه ويؤذيه، ذكره في الشفاء.
---
[ 298 ] (1/298)
بينه وبينها أحرم قبل جوازه آخر مواقيتها، فان لم يطق الاحرام ولم يعقل حدوده ولم يفهم لعلته أموره أهل بالحج له غيره وأحرم عنه به. واحرامه به عنه أن يجرده من الثياب ويفيض الماء عليه إن قدر على ذلك منه ثم يقول: اللهم إن عبدك فلانا خرج قاصدا لحج بيتك الحرام، متبعا في ذلك لسنة نبيك عليه السلام، فأدركه من المرض ما قد ترى، ثم قد جردناه من ثيابه وقصدنا به ما علمنا أنه قصده من احرامه وقد أحرم لك شعره وبشره ولحمه ودمه، ثم يلبي عنه ويسير به، ويجنبه ما يجتنب المحرم من الطيب وغيره، فإن أضربه التجريد ألبس ما يحتاج إليه من الثياب وكفر عنه، فإذا دخل مكة فأفاق من علته قضى ما يجب عليه من أعمال حجته، وان طاوله ما كان أولا به من علته وضعف النحيزة (26) وآلمته الحركة والقعود طيف به في محفة على رؤوس الرجال، ووجب له ما دخل فيه من احرامه من حجته أو عمرته، ثم يمضى به إلى عرفة فيوقف بها ويفاض به وقت الافاضة منها، ثم يحضر به جمعا ويبات به فيها، ويوقف به عند المشعر الحرام ثم يسار به إلى الجمرة جمرة العقبة فيرمى عنه، ويحلق رأسه، ثم يرمى الجمار كلها عنه، ثم يرد إلى الكعبة فيطاف به طواف الزيارة ثم قد أحل وصار كغيره ممن كان احرم، ثم أحل له ماله وعليه ما عليه. قال: وإن مات قبل احلاله مما كان فيه من احرامه لم يغط رأسه ولم يحنط بشئ من الطيب وكذلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في رجل محرم وقصته ناقته فقلته فأمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم به أن يغسل ولا يغطأ رأسه وقال: إنه يبعث يوم القيامة ملبيا.
---
ص 298 " (26) قال في الضياء، النحيزة: الطبيعة.
---
[ 299 ] (1/299)
باب القول فيما يفعل المحرم، وما يلزمه من فعل ما لا يجوز له فعله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا لبس المحرم قميصا ناسيا، أو أحرم فيه جاهلا، فانه ينبغي له أن يشقه من قبل صدره حتى يخرج منه، وكذلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه فعل حين نسي، ولا يجوز له أن يأخذ صيدا فان أخذه وجب عليه ارساله ويتصدق بشئ من الطعام بقدر افزاعه له، ولا يجوز (27) له أن يقطع الشجر الاخضر إلا أن يكون شيئا يأكله أو يعلفه (28) راحلته، والمحرم لا يتزوج ولا يزوج، فان فعل شيئا من ذلك كان ذلك باطلا، وكان عقدة لما عقد منه فاسدا، وإن جامع المحرم أهله فقد أبطل إحرامه، وأفسد عليه حجه، وعليه أن ينحر بدنة بمنى كفارة لما أتى ويمضي في حجه ذلك الباطل وعليه الحج من قابل، وعليه إن يحج بالمرأة التي أفسد عليها حجها، وإن كانت طاوعته فيما نال منها فعليها في الكفارة مثلما كان عليه بدنة تنحرها، وان كان غلبها على نفسها وقسرها ولم تطاوعه على ما نال منها فلا كفارة في ذلك عليها، فإذا حجا في السنة المستقبلة وصار إلى الموضع الذي أفسدا فيه احرامهما وجب الافتراق من ذلك الموضع عليهما، والافتراق فليس هو الترك من الرجل لمرأته ولا التخلية في سفره عن حرمته، وانما معنى الافتراق ألا يركب معها في محمل، ولا يخلو معها في بيت، ولا بأس أن يكون على بعيره وهي تكون على بعيرها وتكون قاطرة إليه أو يكون قاطرا إليها. قال: ولا يجوز للمحرم أن يأكل لحم صيد حلال ولا محرم، وما ذبح المحرم
---
ص 299 " (27) وهو محمول على شجر الحرم.
(28) محمول على ما يزرعه الناس في الحرم.
---
[ 300 ] (1/300)
من صيده أو ذبح من صيد غيره فهو حرام عليه وعلى كل حلال، ولا يحل له ولا للحلال أكله في حكم ذي الجلال، وانما قلنا بذلك وكان الامر فيه عندنا كذلك لان الله سبحانه يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم) (29) فلما أن حرم الله قتل الصيد على المحرمين لم يجز لهم ذبحه لان الذبح هو القتل فكان ما قتل منه المحرم فاسد الذكاة غير ذكي، ولا حلال الاكل ولا ذكي، فلما أن فسد على ذابحه ذبحه ولم يتم له ذكاته لما كان من احرامه وتحريم الله عليه في تلك الحال لاصطلامه، كان كمن قتل بهيمة قتلا، ولم يذبحها كما أمره الله ذبحا، فحرمت على الآكلين بقتله إياها، واحداثه ما أحدث من خلاف ما أمره به فيها، فكذلك أيضا تحريم ما ذبح المحرم من الصيد لمخالفة الذابح لربه في ذبحه، فكان ذبح المحرم للصيد، وقد حرم عليه ذبحه كقتل الحلال من الدواب، ما أمر بتذكيته، فلذلك قلنا إنه لا يجوز لحلال ولا لمحرم أكل ما ذبح المحرم، لانه قد نهى عن ذبحه وحرم عليه ذلك من فعله، كما قلنا إن أكل كلما قتله من النعم قاتل بوقذ أو بضرب أو غير ذلك مما لا يكون لما قتله قاتله له مذكيا حرام أكله على قاتله وغيره، لان الموقوذة انما حرم أكلها بتحريم الله له، وكذلك ما ضرب بالعصا حتى يقتل فهو حرام على قاتله وغيره، وانما حرم هذا لحظر الله له فكذلك حرم ما قتل المحرم بذبح أو غيره من الصيد بتحريم الله لقتله عليه. قال يحيى بن الحسين عليه السلام: فإن اضطر مضطر محرم إلى أكل الصيد أو الميتة كان له أن يأكل من الميتة دون الصيد، فان خاف على نفسه من الميتة أكل من الصيد وفدى، ولا يجوز له أكله إلا من بعد المخافة على نفسه.
---
ص 300 " (29) النساء 95.
---
[ 301 ] (1/301)
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولو أن رجلا حلالا اضطر إلى أكل ما ذبح المحرم من الصيد أو الميتة لكانا في المعنى والتحريم سواء عليه يأكل من أيهما شاء ما يعلق روحه ويلزم نفسه.
باب القول في البدنة عن كم تجزى والبقرة والشاة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تجزى البدنة عن عشرة، والبقرة عن سبعة من أهل بيت الواحد، والشاة عن واحد، وتجزى البدنة عن عشر متمتعين من أهل بيت واحد، فان اشترك سبعة في بدنة أو بقرة فضلت عنهم أو سرقت، فعليهم أن يبدلوا بدلها فان وجدوها من قبل أن ينحروا التي استخلفوها بعدها فلينحروا أيهما شاؤوا ولينتفعوا بثمن الذي تركوا لانه إنما عليهم هدي واحد وليس عليهم هديان. قال: ولو أنهم اشتركوا في هدي تطوعا لا يجب عليهم فضل منهم أو سرق منهم ثم وجده أصحابه وقد أخلفوا غيره مكانه لوجب عليهم أن ينحروهما جميعا لان هذا الهدي الاول كان تطوعا فلما أن ضل لم يجب عليهم أن يخلفوا مكانه فأخلفوا، وكأنهم تطوعوا بهدي آخر فصارا جميعا خارجين من ملكهم يجعلهم أياهما لربهم فلذلك قلنا بوجوب ذبحهما عليهم.
باب القول فيما تعمل المرأة الحايض إذا جاءت الميقات، أو دخلت مكة حايضا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الحائض تحرم كما يحرم غيرها غير أنها لا تصلي، ولكن تتطهر وتغتسل إن شاءت وتحتشي وتستثفر
---
[ 302 ] (1/302)
وتلبس ثيابا نظيفة ثم تهل بالحج وتحرم وتفعل كما يفعل الحاج فان طهرت قبل دخول مكة اغتسلت لطهرها ولبست ثياب احرامها ودخلت فقضت ما تقضيه من النساء مثلها من الطواف والسعي، وإن دخلت مكة وهي في طمثها لم تدخل المسجد حتى تطهر من حيضها، فإذا طهرت قضت مناسكها وسواء عليها إن كانت مفردة بالحج طافت قبل خروجها إلى عرفة أو بعد رجوعها منها، ولا يضيق من ذلك شئ عليها ولا على غيرها.
باب القول في المرأة تدخل بعمرة حائضا ولا تطهر حتى تخرج إلى الحج
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا دخلت المعتمرة بعمرة فلم تطهر حتى جاء وقت الخروج إلى الحج فانها ترفض تلك العمرة، ورفضها لها أن تنوي أنها قد رفضتها، وتفرغت منها لغيرها ثم تغتسل وتلبس ثوبا نظيفا من الاقذار، نقيا من دنس الآثار، ثم تهل بالحج من مكة، وتمضي إلى منى وعرفة، فتؤدي ما يؤدي الحاج من فروض حجه، وتقوم بما يقوم به من جميع أمره، من الوقوف بعرفات والرمي للجمرات، فإذا طهرت بمكة دخلت فطافت طوافا لحجها وسعت بين الصفا والمروة ثم عادت فطافت طواف النساء، وهو الذي يدعا طواف الزيارة، ثم قد أحلت ويحل لها كل شئ كان عليها حراما، وعليها دم تريقه بمنى لما كان من رفضها لعمرتها، وعليها أن تقضي تلك العمرة التي رفضتها، تحرم لها من أقرب المواقيت إلى مكة، ان شاءت من مسجد عايشة، وإن شاءت من الشجرة، وان شاءت من الجعرانة، ثم تطوف لها وتسعى، وتقصر من شعرها من بعد ما كان من تقصيرها منه
---
[ 303 ] (1/303)
لحجها تقصيرا ثانيا لعمرتها، تقصر منه في كل مرة. مقياس أنملة وهي طرف الاصبع.
باب القول في لباس المرأة في الاحرام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تلبس المرأة القميص والقمص والجبة والسراويل والمقنعة والبرد والرداء، وما أحبت من سوى ذلك من الاشياء، ولا يكون في لباسها ثوب مصبوغ بزعفران ولا ورس ولا غيره مما كان مشبعا في صبغه ظاهر الزينة في لونه ولا تتنقب ولا تتبرقع، لان إحرام المرأة في وجهها، ولا بأس أن ترخي الثوب على وجهها، إرخاء لتستتر به فتسد له عليها إسدالا، ولا تلبس الحلي للزينة، وتتجنب ما يتجنبه المحرم كله ولا ينبغي لها أن تزاحم الرجال في طوافها وسعيها، ولا تطلب إستلام الحجر في الزحام بيدها، والاشارة من بعيد تجزيها وليس عليها في طوافها وسعيها هرولة، ولا أن ترتفع فوق الصفا والمروة والوقوف في أسفلهما في الزحام آجر لها والتوقي لملاكزة الرجال أزكا لحجها.
باب القول في الصبي يبلغ والمملوك يعتق في أيام الحج والذمي يسلم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن صبيا بلغ ليلة عرفة أو عبدا أعتق أو ذميا أسلم، فان أمكنه أن يرجع تلك الليلة إلى مكة فيغتسل بها ويبتدئ بالاحرام من مسجدها ثم يلحق بأصحابه وكذلك الذمي عند اسلامه فيقف بعرفة مع الناس فيمضي في مناسكها حجه وقد
---
ص 303 في نسخة (من المسجد الحرام).
---
[ 304 ] (1/304)
لحق ما لحق غيره من المسلمين وأدى ما وجب عليه من فرض رب العالسين. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وكذا لو كان منهم ما ذكرنا بعرفة مع زوال الشمس أو بعد زوالها فليحرموا منها وليمضوا فليقفوا مع الناس بموقفها ثم ليفيضوا إذا أفاض الناس منها وليؤدوا ما يؤديه الحاج من مناسكه كلها وقد تم حجهم وأدوا في ذلك فرضهم. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولو أنهم كان ذلك منهم ليلة النحر بجمع في وقت من الليل يمكنهم فيه أن يرجعوا إلى عرفة فيقفوا بها قبل طلوع الفجر وقفة فلا بأس أن يحرموا بمزدلفة ثم ينهضوا من ساعتهم حتى يقفوا بعرفة، فان وقفوا بها قبل طلوع الفجر من ليلة النحر فقد لحقوا حجهم وكمل لهم منه ما كمل لغيرهم وعليهم أن يتموا ما بقي من مناسكهم.
باب القول في وقت الاهلال بالحج
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا ينبغي لمسلم أن يخالف تأديب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أن يهل بالحج في غيره أشهره، ولا أن يعقد الاحرام في غير وقته، ووقت الاحرام بالحج فهو أشهر الحج وذلك قول الله تبارك وتعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) (30) وأشهر الحج فهي شوال وذي القعدة وعشر من ذي الحجة، وهو الوقت الذي جعله الله وقتا لحج عباده إلى بيته الحرام، ولا ينبغي لهم أن يتقدموه بل يجب عليهم أن ينتظروه، فمن
---
ص 304 " (30) البقرة 197.
---
[ 305 ] (1/305)
أحرم من قبلة فقد أخطأ على نفسه وأساء وخالف ما أمر به وتعدى، ويجب عليه ما أوجب على نفسه، وان كان قد خالف في ذلك تأديب ربه. قال يحيى بن الحسين عليه السلام: وإنما وقت الله تبارك وتعالى لهم هذا الوقت نظرا منه لهم وعايدة بالفضل عليهم لان لا يطول احرامهم، فيسمج الحسن من حالهم، وتتفاقم الامور عليهم في أسبابهم، من طول شعرهم وأظفارهم، وتمادي تركهم للذاتهم مما أحل الله لهم من أزواجهم ولذيذ مأكلهم وسني ما يلبسون، ولذيذ ما به يتطيبون فسهل الله عليهم بقصر المدة ما يشدده المتعدي على نفسه من المحنة، فتبارك الله أرحم الراحمين المتفضل على العالمين.
باب القول في الخطأ باللفظ بغير النية عند التلبية في الاحرام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا أراد الحج مفردا فغلط فلفظ فلبى بعمرة، ونسي أن يلبي بحجه لم يلزمه ما لفظ به من عمرته، ووجب عليه أن يعود فيلبي بما نوى من حجته، وكذلك لو أراد التمتمع بالعمرة إلى الحج فغلط فلبى بالحج لم يلزمه ما لفظ به مخطئا من الحج ولزمه الذي عقد عليه نيته من العمرة لان الله سبحانه يقول: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما) (31) قال: ولو أن رجلا أحرم بحجتين معا، كان عليه أن يمضي في حجته هذه فيقضيها ويرفض الثانية إلى السنة المقبلة ويكون عليه لرفضها دم، وعليه أن يؤدي ما كان رفض منها في السنة المقبلة،
---
ص 305 " (31) الاحزاب 5.
---
[ 306 ] (1/306)
قال: وانما يجب ذلك عندنا على من تعمد ذلك ونواه ولفظ به وشاء ه فعقدهما معا ذاكرا غير ناس، وأما من أخطأ فيما بين اللفظ والمعنى فكانت نيته ومعناه حجة واحدة فذكر معها حجة ثانية لم يرد ذكرها ولم يعقد على نفسه إيجابا لها فلا يلزمه غير ما نوى ولا يؤاخذ بما أخطأ، وقال: لو أن رجلا أهل بعمرتين معا وكان رافضا لاحداهما، وعليه أن يمضي حتى يقضي الاولى التي لزمه عقدها، ثم يقضي الاخرى التي كان منه رفضها وعليه دم لما رفض منها، فإن كان ذلك في وقت الحج فسواء عليه قضاء التي رفض من عمرتيه قبل الحج أو بعده إذا كان في فسحة من أمره، ويذبح الهدي الذي وجب عليه في العمرة بالجزارين من مكة لانه محل المعتمرين كما منى محل الحاجين.
باب القول في العمرة لاي شهر هي أللشهر الذي أهل بها فيه أم الذي أحل منها فيه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: المجمع عليه عند آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن العمرة للشهر الذي عقدت فيه وأهل بها، دون الشهر الذي يحل منها فيه. قال يحيى بن الحسين عليه السلام: الواجب في ذلك أن تكون للشهر الذي يهل بها ويعقدها المعتمر فيه على نفسه ألا ترى أنه ساعة أهل بها لزمته حدودها، ووجب عليه إحرامها، ودعي معتمرا ووجب عليه التلبية باسمها وثبت عليه جميع حكمها، فلما ان وجدناها لزمته، ووجبت عليه في الشهر الذي عقدها على نفسه فيه، إنها لهذا الشهر دون غيره من الشهور مع ما في ذلك لنا من شواهد الخبر المذكور أنها للشهر
---
[ 307 ] (1/307)
الذي يهل بها فيه دون الشهر الذي يحل فيه منها، وفي أقل ما ذكرنا ما كفى أهل الانصاف وأغنى.
باب القول في المعتمر متى يكون متمتعا بالعمرة إلى الحج؟
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يكون المعتمر متمتعا حتى يهل بالعمرة في أشهر الحج فإذا أهل بها في أشهر الحج فهو متمتع إن حج في تلك السنة، ووجب عليه دم لانه من الذين قال الله تبارك وتعالى: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) (32) ولو أن رجلا اعتمر وأهل بالعمرة في شهر رمضان وطاف لها وسعى في شوال ثم أقام بمكة حتى يهل بالحج ويحج لم يكن عندنا متمتعا لان عمرته كانت لشهر رمضان إذ عقدها فيه ولم تكن لشوال، ولو أهل بها في شوال كان متمتعا ورأينا عليه في ذلك دما. قال: ولو أن رجلا من أهل الشام أو اليمن دخل بعمرة في غير أشهر الحج فقضاها، ثم أقام بمكة حتى دخلت عليه شهور الحج فاعتمر وهو بمكة عمرة أخرى أو عمرتين ثم أقام حتى يحج تلك الحجة في تلك السنة كان حكمه حكم أهل مكة وليس هو من المتمتعين إلى الحج بالعمرة وليس يجب عليه في ذلك دم الفدية، الذي يجب على المتمتعين. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وإن خرج هذا الرجل إلى ميقات بلده فجاوزه بميل (33) ثم عاودها محرما بعمرة أو عاود فأحرم بها
---
ص 307 " (32) البقرة 196.
(33) يستفاد من كلام الهادي عليه السلام أن من خرج من بلد حتى تعدى ميلها صار حكمه غير حكم أهلها فليتأمل الناظر والله الهادي.
---
[ 308 ] (1/308)
بمكة أو فيما بين ذلك بعد أن يكون قد جاوز ميقاته فهو من المتمتعين وعليه ما عليهم من الدم أو الصيام.
باب القول متى يجوز لمن رفض عمرة أن يقضيها ومتى لا يجوز له
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز لمن كانت عليه عمرة قد رفضها أن يقضيها حتى تنسلخ عنه أيام التشريق، وكذلك من أراد التطوع بعمرة فلا يتطوع حتى تخرج عنه هذه الايام. قال: ومن جهل وأهل بعمرة بمكة أو بمنى أو بعرفة وهو مفرد بالحج فليرفض تلك العمرة التي أهل بها، ويمضي فيما كان فيه من الحج لان العمرة لا تدخل على الحج، فإذا قضى ماكان عليه من حجه، قضى من بعد خروج أيام التشريق ما رفض من عمرته التي كان قد أهل بها وأوجبها على نفسه، وكذلك ذكر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فيمن فعل مثل ذلك أنه أمره برفض العمرة، وأن يقضيها إذا انقضت أيام التشريق ويهريق دما لرفضه إياها.
باب القول (34) فيما يجب من الكفارات فيما يلبس المحرم في الاوقات المفترقات
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا لبس المحرم لباس بدنه مثل القميص والجبة والسراويل والقباء والدرع والجوشن وغير ذلك مما يقع على البدن ففيه كفارة واحدة، لبس ذلك كله معا أو متفرقا، لانه إنما عليه كشف بدنه وطرح اللباس عن بدنه، فإذا غطاه لعله نازلة فسواء عليه غطاه بواحد أو بثلاثة، سواء كان ذلك في وقت أو وقتين، في يوم أو
---
ص 308 " (34) في نسخة باب القول كيف تجب الكفارة فيما يلبس المحرم في الاوقات المتفرقات
---
[ 309 ] (1/309)
يومين. فإذا احتاج إلى تغطية رأسه لعلة نازلة فلس قلنسوة أو عمامة أو بيضة أو مغفرا فعليه في ذلك كفارة واحدة، سواء لبسه كله معا أو لبسه متفرقا لانه كله لباس الرأس وإنما أوجب الله عليه كشفه في إحرامه فإذا غطاه بشي واحد فسواء عليه غطاه بأكثر منه أو لم يغطه إلا به وحده، وسواء غطاه بذلك كله في وقت واحد أو أوقات، ما لم يكن خرج من تلك العلة التي غطاه لها، وعاد إلى ما كان عليه من احرامه أولا، وكذلك الخف والجورب إذا لبس أحدهما فسواء عليه لبس الآخر معه أو لم يلبسه، لانه إنما عليه كشف رجليه فإذا غطاهما لعلة نازلة فسواء غطاهما بشئ أو بشيئين وكلما أدخلهما فيه من ذلك فسواء كان في وقت أو وقتين ما دام في علته التي لبسه لها وكذلك إن لبس قميصا وعمامة وسراويل وخفا فجمع اللباس في ذلك كله في وقت واحد فعليه كفارة واحدة، وله أن يلبس ذلك كله أبدا حتى يخرج من علته التي لبسه لها. قال يحيى بن الحسين عليه السلام: وإن لبس لباس الرأس كله أو بعضه في وقت، ثم لبس في وقت آخر لباس البدن كله أو بعضه كان عليه كفارتان لا اختلاف الوقتين، وكذلك إن لبس في يوم ثالث أو وقت ثالث لباس الرجلين، كانت عليه كفارة ثالثة ثم له لبس ذلك أبدا حتى يخرج من العلة التي لبسه لها.
باب القول في الظلال للمحرم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يظلل المحرمون على أنفسهم بما يسترون به بين الشمس وبينهم، وليس ظلال المحامل والعماريات إلا دون ظلال المظال والمنازل والمسقفات، ولو حرم عليه استظلاله في محرمه لحرم عليه استظلاله في منزله لان الاستظلال كله سواء بسقف كان أو خباء.
---
[ 310 ] (1/310)
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن المظلة للمحرم فوق المحمل؟ فقال: ما رأيت أحدا من أهل بيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يختلفون في المظلل للمحرم، وأنه جايز إذا لم يصب رأسه، وقد يستحب له إذا استغنى عنه ولم يكن فيه ما يدفع به عنه أذى أن يضحي ولا يظلل وليس ظل المظلة على المحمل بأكثر من ظل الاخبية وسقوف البيوت التي قد أجمعوا أنه لا بأس به.
باب القول في التمييز بين القارن والمفرد والمتمتع
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أفضل ذلك لمن لم يحج الافراد ولمن حج فان أحب حاج أن يدخل متمتعا فذلك له وكل حسن ولولا أن التمتع فيه النقصان لما أوجب الله فيه على فاعله كفارة، ومن أطاق أن يقرن ويسوق معه بدنة فذلك فضل كبير وهو أفضلها للحج. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الاقران والتمتع والافراد في الحج أيها أحب اليك؟ فقال: لولا أن التمتع فيه النقصان لما أمر الله فيه بالكفارة لقوله: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) (35) فأمر الله فيه بالكفارة، وكان يرى الافراد. حدثني أبي عن أبيه في التمتع والاقران والافراد فقال: الافراد أحب الي لمن لم يحج، ومن تمتع فذلك له ومن قرن فعليه بدنة يسوقها من الموضع الذي أهل منه وهو أفضلها.
---
ص 310 " (35) البقرة 196.
---
[ 311 ] (1/311)
باب القول في الحجامة للمحرم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس بأن يحجم المحرم رقبته وساقيه وقمحدوته وذراعيه وحيث شاء من بدنه وليس عليه في ذلك كفارة إلا أن يحلق شيئا من الشعر أو يقطعه فإن حلق منه ما يبين أثره في الرأس أو القفاء فعليه دم لحلقه ما حلق من شعره فأما ما لم يبن أثره ففيه صدقة على قدره وأما الحجامة فلا بأس بها، وقد بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنه احتجم وهو محرم بلحي جمل (36)، حجمه خراش بن أمية الخزاعي بقرن مضبب بفضة فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين فرغ: (عظمت أمانة رجل قام على أوداج رسول الله بحديدة). حدثني أبي عن أبيه في الحجامة للمحرم أنه قال: لا بأس بها.
باب القول في المحرم إذا قبل أو ضم فأمنى
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قبل المحرم لشهوة فأمنى فعليه بدنة، وإن أمذى فعليه بقرة، وإن لم يكن من ذلك شئ وكانت مع القبلة حركة وشهوة ومنازعة طباع لذة كان عليه أن يذبح شاة، وإن قبل لغير شهوة ولا حركة أو ضم لم يكن عليه في ذلك شئ، ولا يعودن لشئ من ذلك. حدثني أبي عن أبيه في محرم قبل أو باشر فأمنى قال: عليه دم بدنة وإن أمذى فعليه بقرة فإن كانت شهوة بلا إمناء ولا إمذاء فعليه شاة.
---
ص 311 " (36) هو موضع بين مكة والمدينة.
---
[ 312 ] (1/312)
قال يحيى بن الحسين عليه السلام: وإن حمل المحرم إمرأته من مكان إلى مكان فكان منه لحملها حركة واهتشاش فسبيله سبيل القبلة في الامناء والامذاء وغير ذلك، إذا كان في حملها طالبا لحركة وتلذذ بضمها إليه، فإن لم يكن في حمله أياها تلذذ ولا طلب لشهوة فأمذى فأكثر ما يجب عليه دم، وإن تركه لم يلزمه إذا كان على ما ذكرنا، ولم يكن له بد من رفعها ووضعها، فأفضل له وأجزل لاجره الكفارة لان ذلك أحوط في الدين، وأسلم عند رب العالمين، فإن وجد عن ذلك مبعدا، فحملها ووضعها وهو مستغن عن رفعها فأمذى فعليه دم. حدثني أبي عن أبيه في المحرم يحمل إمرأته فيمذي قال: أكثر ما يلزمه إهراق دم ولا ينبغى له أن يدنو منها إذا خشي ذلك وإذا كان ذلك منه فيها وهو مضطر إلى حملها كان عليه ما ذكرنا من الكفارة عند الضرورة، وإذا كان ذلك منه عبثا لزمته الكفارة في فعله إن أمنى فبدنة وإن أمذى فبقرة.
باب القول في الحج عن الميت وفيمن ترك الحج وهو مؤسر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الحج على الميت سبيل من سبل الخير يلحقه أجر ذلك إن كان أوصى به، وإن كان لم يوص به فللحاج عنه أجر ما قصد (* *) من بره. قال يحيى بن الحسين عليه السلام: ومن ترك الحج هو مؤسر لعلة تمنعه منه وكان مجمعا على الحج إن تخلص مما يصده عنه فهو غير ماثوم، وإن كان الذي خلقه عن ذلك إشتغال بأمر نفسه في دنياه، عما فرض عليه من حجه إلهه ومولاه كان آثما في فعله، غير مقبول عند ربه.
---
ص 312 " في نسخة (حركة شهوة).
(* *) في نسخة (ما قصد له).
---
[ 313 ] (1/313)
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عمن ترك الحج وهو مؤسر؟ فقال: ما كان مجمعا على الحج فليس كالتارك له، قال: واستطاعة الحج التي يجب بها الحج فهو الزاد والراحلة وصحة البدن وأمان السبيل. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الشيخ الكبير والعجوز لا يثبتان على الدابة ولا على الراحلة ولا يقدران أن يسافر بهما في محمل هل يجوز أن يحج عنهما في حياتهما؟ فقال: فرض الحج زايل عن هذين لانهما للحج غير مستطيعين، وإنما فرض الله الحج على من استطاعه لانه يقول سبحانه: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) (37) فإن حجا عن أنفسهما أو حج عنهما أحد فحسن جميل لما جاء من حديث الخثعمية التي استفتت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تحج عن أبيها فأمرها بذلك.
باب القول في الحاج يجامع بعد أن يرمي جمرة العقبة، ويحلق، وفي المتمتع يجامع قبل أن يقصر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا رمى الحاج الجمار وحلق ثم جامع قبل أن يطوف طواف النساء فعليه دم، ولا يفسد ذلك حجه، بعد أن قد رمى وحلق رأسه، وكذلك المتمتع إذا جامع أهله قبل أن يقصر، وقد طاف وسعى فأكثر ما يجب عليه دم. حدثني أبي عن أبيه في المتمتع يواقع أهله قبل أن يقصر وقد طاف وسعى قال: أكثر ما عليه في ذلك أن يهريق دما، وإن لم يهرق دما فأرجو أن لا يكون عليه بأس، وإهراقه الدم أحب إلينا وأسلم له عند ربه سبحانه.
---
ص 313 " (37) آل عمران 97.
---
[ 314 ] (1/314)
باب القول في حصى الجمار ومن أين تؤخذ ومتى ترمى الجمار وفي الجمار راكبا وفي الرمي بالحصى جملة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه يستحب أن تحمل حصى الجمار من مزدلفة، فإن أخذه آخذ من بعض جبال منى أو أوديتها أجزأه ذلك، ويستحب له أن يغسله إن رأى فيه دنسا أو أثرا، وإن رمى راكبا أجزأه ولا يرمي بالحصى إلا متفرقا واحدة واحدة، يكبر مع كل حصاة، فإن غلط فرمى بهن معا عاد فرمى بسبع حصيات متفرقات واحدة واحدة، ويرمي جمرة العقبة أول يوم بكرة، واليوم الثاني مع الزوال، واليوم الثالث مع الزوال، ويوم النفر الاكبر فأذا انتفخ (38) النهار وأضحى فالرمي له جايز إلى الليل. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الرجل يرمي بسبع حصيات جميعا فقال: أحب إلي أن يفرقها. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن حصى الجمار من أين تحمل وهل تغسل؟ فقال: يستحب حملها من المزدلفة، وإن أخذها من غيرها فلا بأس، إذا لم يكن فيها قذر يستبين. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الرجل يرمي بسبع حصيات معا فقال: أحب إلينا أن يفرقها واحدة بعد واحدة وذلك الفرض عليه الواجب من حكم الله تعالى. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن المريض هل ترمى عنه الجمار؟ قال: إذا غلب ولم يقدر على أن يرمى في حال المرض فيرمى عنه، وأكثر
---
ص 314 " (38) قال في الصحاح: ربما قالوا انتفخ النهار أو أعلا، وهو بالخاء المعجمة.
---
[ 315 ] (1/315)
ما يجب عليه في ذلك إذا لم يقدر أن يرمي أن يرمى عنه أو يهرق دما (39). حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عمن رمى الجمار راكبا؟ فقال: يجريه، ورميه على رجليه أفضل وأشبه بأعمال الصالحين قبله. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل أي وقت أفضل لرمي الجمار؟ فقال: زوال الشمس إلا يوم النحر فإنها ترمى من قبل الزوال. حدثني أبي عن أبيه فيما يقول: الرجل إذا رمى الجمار فقال: يقول مع كل حصاة يرمي بها الله أكبر ثم يتقدم أمام الجمرتين الاوليتين إذا رماهما ويدعو بما حضره من الدعاء ويذكر الله، فأما جمرة العقبة فيرميها ويكبر مع كل حصاة ولا يقف عندها.
باب القول في رمي الجمار على غير وضوء وقبل طلوع الفجر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا ينبغي أن ترمى الجمار إلا على طهور، لانها مواقف كريمة شريفة، ومن رماها جاهلا على غير طهور، لم يفسد ذلك عليه شيئا من مناسكه، وأما رميهن قبل طلوع الفجر فلا يجوز إلا للنساء لضعفهن، ولم يرخص في ذلك لغيرهن فأما ما يروى من إرسال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عبد الله بن عباس مع الحرم فقد قيل إنه كان صبيا، وقد يحتمل أن يكن هن رمين قبل الفجر ثم انصرف بهن عبد الله بن عباس إلى منزلهن ثم عاود فرمى في وقت ما يجوز له الرمي من بعد طلوع الشمس. حدثني أبي عن أبيه فيمن رمى الجمار على غير وضوء فقال: يستحب لمن رمى الجمار أن لا يرمي إلا على طهور، لانه موقف من
---
ص 315 " (39) في نسخة إذا لم يقدر أن يرمي أو يرمى عنه يهرق دما.
---
[ 316 ] (1/316)
مواقف التعبد والتذلل لله، ومنسك العابدين، ومن رمى أجزأه رميه. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن رمي الجمار قبل طلوع الفجر؟ فقال: رخص في ذلك للنساء، ولا يرمي الجمار الرجال إلا بعد طلوع الشمس. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عمن نفر عي النفر الاول كيف يصنع بما بقي من الحصى لليوم الثالث فقال: لا يصنع بها شيئا ويتركها وينفر لان الله تبارك وتعالى يقول: (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى) (40) فإذا حل له النفر حل له ترك رمى الجمار لليوم الثالث. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الحايض ما تقضي من مناسكها فقال: تقضيها كلها إلا الطواف بالبيت. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن امرأة حاضت يوم النحر وقد طاقت قبل أن تصلي؟ فقال: إذا أتمت طوافها صلت بعد طهرها.
باب القول فيما يجزي أن يضحى به من الاضاحي وما لا يجوز أن يضحى به والقول في الحلق والتقصير
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجزى في الضحايا الجذع من الضأن، ولا يجزي جذع من غير الضأن من سائر الانعام كلها، ويجزي من الابل الثني ومن البقر الثني، ومن المعز الثني أيضا، وإذا سلمت العين والاذن أجزأت الاضحية ولا يجزي عرجاء، ولا جذعاء ولاذات عوار، فإدا اشتريت سليمة مما سمينا من العيوب كلها من العرج
---
ص 316 " (40) البقرة 203. في نسخة (فيما يستحب).
---
[ 317 ] (1/317)
والعور والجدع ثم حدث عليها حدث في يد صاحبها بعد اشترائه لها وبلغت المنحر فلا بأس بها، وأفضل ذلك البدن لمن قدر عليها باستيسار ثمنها، ثم البقر بعدها، ثم الشاء أدناها، والضأن خير من المعز. قال: وإذا ذبح الحاج أو نحر حلق رأسه أو قصر ولا حلق ولا يقصر قبل أن يذبح أو ينحر لان الله سبحانه يقول: (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) (41) ومن جهل ففعل وحلق قبل ذبح هديه رأسه لم يفسد ذلك عليه مناسكه ولا حجه. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن قول الله سبحانه: (فما استيسر من الهدي) (42) فقال: ما تيسر وحضر فان تيسرت بدنة فهي أفضل، وإن حضرت بقرة فهي أفضل، وحضورها وتيسيرها فهو أمكانها بالغنى والجدة، وإلا فشاة وهو الذي عليه الناس. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن المحرم هل يذبح الشاة والبقرة والجزور ويحتش لدابته؟ فقال: لا بأس بذلك. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: الجذع من الضان يجزى في الضحايا والثني من المعز. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الاضحى كم هو من يوم بمنى والامصار فقال: الاضحى إلى أن يكون النفر الاول، وكذلك في الامصار. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل في البدنة عن كم من انسان تجزي؟ فقال: البدنة عن عشرة، والبقرة عن سبعة من أهل البيت الواحد.
---
ص 317 " (41) البقرة 196. في نسخة (أنه قال في المحرم).
(42) البقرة 196.
---
[ 318 ] (1/318)
حدثني أبي عن أبيه في رجل دخل مكة بعمرة متمتعا أيحلق أم يقصر؟ قال: يقصر من دخل مكة بعمرة متمتعا ولا يحلق إلا بعد أن يرمي جمرة العقبة وبعد أن يذبح يوم النحر. وحدثني أبي عن أبيه في محرم ينتف من شعر رأسه ثلاث شعرات أو شعرتين فقال: ما قل من ذلك فصدقة تجزى عن ذلك، وأما من أخذ من رأسه فأكثر حتى يتبين الاثر في رأسه فما جعل الله في الفدية من صيام أو صدقة أو نسك.
باب القول فيمن دخل متمتعا ولم يجد إلى الهدي سبيلا. وفيمن جعل على نفسه المشي إلى بيت الله تعالى
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من دخل متمتعا ولم يجد هديا صام قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة وسبعة أيام إذا رجع كما قال الله سبحانه: (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة) (43) ومن خشي أن تفوته الثلاثة الايام بمكة فلا بأس أن يصومها قبل دخوله مكة في إحرامه فإن صام ثم وجد السبيل إلى الهدي أهدي، ولم يلتفت إلى ما قد صام إذا كان في وقت من أيام النحر. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ومن جعل (44) عليه المشي إلى بيت الله ثم لم يطق ذلك قال: يخرج متوجها إلى حجه فيمشي ما أطاق ويركب ما لم يطق ويهدي لذلك هديا إن كان مشيه أكثر من ركوبه
---
ص 318 " (43) البقرة 196.
(44) في نسخة ومن جعل على نفسه المشي.
---
[ 319 ] (1/319)
أجزته شاة، وإن كان ركوبه أكثر من مشيه أحببت له أن يهدي بدنة، وإن استوى مشيه وركوبه، اخترنا له في ذلك من الهدي بقرة، ومن لم يجد ولم يستطع سبيلا إلى غير الشاة أجزته إن شاء الله تعالى، في حال ضعف حاله وقلة ذات يده. حدثني أبي عن أبيه في المتمتع يصوم ثم يجد الهدي يوم النحر أو يوم الثاني فقال: إذا وجده في يوم من أيام الذبح فليهد ولا يعتد بصومه. حدثني أبي عن أببيه أنه قال: لا بأس أن يصوم الثلاثة الايام في الطريق إذا خشي أن تفوته بمكة إذا كان مقبلا إليها، وإن صام الايام السبعة في مرجعه في الطريق إلى أهله صام وهو راجع إلى أهله، متوجها ولهم قاصدا، وإن صامها في أهله وصلها ولم يفرقها.
باب القول في أوقات الطواف والقصر في السفر من مكة إلى عرفة وتفريق الطواف
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس بأن يطوف الرجل بعد العصر، وبعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ولا يكره الطواف ولا الصلاة له في وقت إلا في الاوقات الثلاثة التي نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنها، ولا بأس أن يطوف الرجل بعض طوافه ثم يعرض له عارض فيقطع الطواف ثم يعود فيبني على ما مضى من طوافه. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ومن خرج من أهل مكة أو غيرهم إلى عرفات قصر الصلاة، وذلك المجمع عليه عند علماء آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
---
[ 320 ] (1/320)
حدثني أبي عن أبيه في رجل يطوف أسبوعين أو ثلاثة كم يصلي لهما قال: يصلي لكل أسبوع منها إذا فرغ ركعتين. حدثني أبي عن أبيه في الرجل يطوف بعد الصبح أو بعد العصر إلى غروب الشمس قال: قد كان الحسن والحسين صلوات الله عليهما، وعبد الله بن عباس رضي الله عنه يطوفون بعدهما ويصلون. وحدثني أبي عن أبيه في الرجل يفرق بين طوافه وسعيه فقال: لا بأس بذلك إن كان تفريقه ذلك لعلة مانعة حتى يكون ذلك في آخر يومه أو بين غده. وإن أبطأ عن ذلك فتركه حتى تكثر أيامه فيستحب له أن يهريق دما، وقد وسع في هذا غيرنا ولسنا نقول به. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن إتمام الصلاة بمنى؟ قال: لا يتمها من كان في حجه وسفره إلا أن يجمع على مقام عشرة أيام عند أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، فإنهم يقولون: من عزم على مقام عشرة أيام أتم. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن المحرم يقص من شارب الحلال؟ فقال: لا بأس بذلك إنما يحرم عليه قص شارب نفسه. وحدثني أبي عن أبيه أنه سئل عمن نسي التلبية حتى قضى مناسكه كلها قال: لا شئ عليه ولا ينبغي له أن يترك ذلك متعمدا. وحدثني أبي عن أبيه في قول الله عزوجل: (فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر) (45) فقال: القانع هو الممسك عن المسألة المضطر، والمعتر فهو السائل.
---
ص 320 " (45) الحج 36.
---
[ 321 ] (1/321)
باب القول في خضاب المرأة في الاحرام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أختضبت المرأة في الاحرام فخضبت يديها ورجليها في وقت واحد فعليها كفارة واحدة، وإن خضبت يديها ولم تكن ترد خضاب رجليها ولم تنو أنها تخضبهما معهما فعليها كقارة، فإن خضبت رجليها بعد ذلك فعليها كفارة أخرى، وإن خضبت أصبعا من أصابعها فعليها في خضابها صدقة نصف صاع من بر، وإن طرفت (46) أنملة من أصابعها تصدقت بشئ من صدقة مقدار نصف المد، فإن طرفت أصابع كفها كلها فلتتصدق بمدين ونصف تتصدق به على مسكينين، وكذلك إن طرفت أنامل يديها جميعا تصدقت عن كل أصبع بنصف المد.
باب القول في الكفارة على القارن والمفرد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أي قارن لبس ثيابا لا يجوز له لبسها أو حلق له رأسا أو تداوى بدواء فيه طيب فعليه في ذلك كفارتان كفارة لعمرته وكفارة لحجته، وإن فعل ذلك مفرد أو معتمر فعليه كفارة واحدة، ولو أنه تداوى بذلك الدواء الذي فيه الطيب في موطن أو مواطن فعليه فيه كفارة واحدة، وكذلك لو قص مفرد له ظفرا أحببنا له أن يتصدق بمد من طعام فإن قصه قارن أحببنا له أن يتصدق بنصف صاع من الطعام.
---
ص 321 " (46) طرفت بمعنى خضبت.
---
[ 322 ] (1/322)
باب القول في جزاء الصيد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفى الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو إنتقام) (47) والمتعمد لقتل الصيد من المحرمين الذي جعل الله عليه الجزاء فهو الذي يريد قتله متعمدا يرميه بالسهم أو يطعنه بالرمح، أو يضربه بالسيف يريد قتله ويتعمد أخذه وهو ناس لاحرامه غير ذاكر لما دخل فيه من حجه، فأما من قتله متعمدا ذاكرا لما هو فيه من إحرامه فلابد له من التوبة النصوح إلى الله من ذلك، وهي كبيرة أتاها يجب عليه الخروج إلى الله منها، ويجب عليه معها الجزاء، والذي يقتله متعمدا لقتله وهو ناس لاحرامه فالجزاء يجزيه كما فرض الله سبحانه عليه، لانه لم يأت بكبيرة يجب التوبة منها. والجزاء فهو مثل ما يقتل، يحكم به عليه ذوا عدل، والعدل فهو البصير بالحكومة في ذلك مع الصلاح في الدين والخشية لرب العالمين، فمن كان قتل ما يكون جزاؤه شاة فلم يجد الشاة أطعم عشرة مساكين إن أحب أو صام عشرة أيام لان عدل الشاة من الصيام ما حكم الله به على المتمتع من صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم، فلما وجدنا الله تبارك وتعالى قد أقام صيام العشرة الايام مقام أقل الجزاء عندنا وهو شاة، قلنا إن عدل كل شاة من الصيام عشرة أيام، وقلنا إن عدل الشاة من الاطعام اطعام عشرة مساكين لانا أقمنا إطعام كل مسكين مقام صيام يوم،
---
ص 322 " (47) المائدة 95.
---
[ 323 ] (1/323)
وكذلك أقامه الحي القيوم حين يقول في الظهار: (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا) (48) فأقام إطعام كل مسكين مقام صيام يوم فصح بذلك عندنا أن عدل الشاة من الصيام صيام عشرة أيام ومن الاطعام إطعام عشرة مساكين فإن قتل المحرم بقرة وحش أو نعامة فعليه في النعامة بدنة يحكم بها ذوا عدل، فإن كره البدنة لثقل مونتها وأحب أن يحكم عليه بالاطعام، فإنا نرى أن عليه إطعام مائة مسكين، وإن أحب أن يحكم عليه بالصيام، حكم عليه بصيام مائة يوم، وهو في الجزاء والصدقة والصيام بالخيار أيهن شاء فعل لان الله سبحانه قال: (هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما) (49) فقال: أو فجعل بذلك الخيار إلى صاحبه ولم يقل فإن لم يجد فكذا وكذا ولو قال: ذلك لم يجز له الاطعام حتى لا يجد الجزاء ولم يجز له الصيام حتى لا يجد الاطعام كما قال: الله سبحانه في الظهار: (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا) (50) فلم يجز الثاني إلا من بعد تعسر الاول، ولم يجز الثالث إلا من بعد الضعف وعدم الاستطاعة، وإنما قلنا إن عدل البدنة إطعام مائة مسكين، أو صيام مائة يوم لانا وجدنا البدنة تقوم مقام عشر شياه، ووحدنا الشاة تقوم بحكم الله تعالى مقام صيام عشرة أيام للمتمتع ووجدنا الله عزوجل قد أقام إطعام كل مسكين مقام صيام يوم فيما ذكرنا من الظهار فقلنا إن البدنة في القياس تعدل عشر شياه، وإن كل شاة تعدل إطعام عشرة مساكين، ففي
---
ص 323 " (48) المجادلة 4 .
(49) المائدة 95.
(50) المجادلة 4.
---
[ 324 ] (1/324)
العشر شياه على هذا القياس من الطعام إطعام مائة مسكين وكذلك من الصيام لمن أراد الصيام مائة يوم، عن كل شاة عشرة أيام كما جعلها ذو الجلال والاكرام حين يقول: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة) (51) وكذلك أيضا عدل البقرة من الاطعام إطعام سبعين مسكينا، لانها تقوم مقام سبع شياه أو صيام سبعين يوما. قال يحيى بن الحسين عليه السلام: من قتل نعامة أو بقرة وحش فعليه بدنة في النعامة، وبقرة في البقرة، ومن قتل حمار وحش فعليه فيه بقرة، ومن قتل ظبيا فعليه فيه شاة، ومن قتل وعلا أوجبنا عليه فيه كبشا، ومن قتل ثعلبا فعليه فيه شاة وفي الحمام شاة. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ومن قتل من المحرمين في الحرم فعليه فيه الجزاء وهو شاة وقيمة الظبي، وكذلك لو قتل حماما كان عليه الجزاء وقيمة الحمام، وإنما قلنا وأوجبنا عليه الجزاء لقول الله عزوجل: (فجزاء مثل ما قتل من النعم) (52) وأوجبنا عليه قيمة لحرمة الحرم. قال: ولو أن محرما خلى كلبه في الحل على صيد وأغراه به فلم يزل الكلب يطرده حتى أخذه في الحرم فقنله وجب عليه أن يخرج قيمة الصيد لقتل كلبه إياه في الحرم حين أغراه به، ووجب عليه عدل ذلك الجزاء لانه صاده وأغرى الكلب عليه وهو محرم، وكذلك لو أغرى كلبه على صيد في الحرم فلم يلحقه حتى خرج إلى الحل فقتله في الحل فعليه القيمة والجزاء، قال: ولو أن رجلا حلالا خلى كلبه في الحل على صيد فقتله في الحرم كان عليه قيمة الصيد فقط. قال: ولو أن الحلال
---
ص 324 " (51) البقرة 196.
(52) المائدة 95.
---
[ 325 ] (1/325)
أغرى كلبه على الصيد في الحرم فقتله في الحل كان عليه قيمة الصيد لانه أغراه عليه في الحرم. وقال: في محرم مفرد ومحرم قارن وحلال أشتركوا في قتل ظبي في الحرم إنه يجب على القارن شاتان وقيمة الظبي، ويجب على المفرد شاة وقيمة الظبي ويجب على الحلال قيمة. وفال: في محرم دل حلالا على صيد في الحرم فقتله الحلال كان على المحرم جزاء الصيد وقيمة، وعلى الحلال قيمة. وقال: إن أفزع الصيد المحرم أو أفزع بدلالته أو بإشارته ولم يقتل تصدق المحرم بصدقة لافزاعه الصيد. وقال: في اليعقوب والحجلة والدبسي والقمرى والرحمة شاة شاة، وكذلك روى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: وذكر عنه أنه جعل في اليربوع والضب عناقا من المعز لقول الله تعالى (فجزاء مثل ما قتل من النعم) (53) وأوجبنا عليه قيمة لحرمة الحرم. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: فأما بيض النعام إذا كسره المحرم أو أوطاه راحلته فقد ذكر فيه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ما قد ذكر من القلاص اللواتي يضربن فما نتج منهن أهدى ولده ولا أدري كيف هذا الخبر أيصح أم لا!. وقد ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أنه جعل في ذلك صيام يوم عن كل بيضة، أو إطعام مسكين) وهذا إن شاء الله فأرجو أن يكون صحيحا عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لانه أقرب إلى العدل والرحمة والاحسان من الله والتوسعة، قال ومن قتل صيدا من محرم أو حلال في الحرم فلا يجوز أكله ولا يحل له ولا لغيره لان الله سبحانه ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد حرما صيده في الحرم وإذا حرم صيده في الحرم كان
---
ص 325 " (53) المائدة 95.
---
[ 326 ] (1/326)
أكل ما صيد فيه حراما لان صيد دون أكله وأكله أعظم من صيده، وما حرم صيده فأكله أعظم تحريما. وكذلك لو أن محرما أصطاد صيدا فدفعه إلى الحلال لم يجز للحلال لزومه ولا أكله لانه حرام بصيد المحرم له.
باب القول فيما يجوز أكله من ذبايح الحاج ومالا يجوز
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يأكل الحاج من بدنته إذا كان قارنا ويطعم من شاء من مساكين وغيرهم، وكذلك يفعل المتمتع بهديه، وكذلك يفعل المضحي بأضحيته، فأما الجزاء في الصيد والكفارة في لبس الثياب وحلق الشعر ومس الطيب وما أشبه ذلك فلا يأكل منه صاحبه شيئا، ولا ينتفع منه بشئ، ولا يعطي لحما ولاجلدا من يجزره له، لانه في معنى الصدقة لان الله سبحانه قال: (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) (54) فجعل النسك في مقام الصدقة فجرى لذلك مجراها، ومن تصدق بشئ وأخرجه لله وحكم به صدقة فلا يجوز له أن يرجع في شئ منه.
باب القول فيما استأنس من الدواب الوحشية وما استوحش من الدواب الاهلية
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن محرما قتل بقرة كانت أهلية فتوحشت لم يكن عليه في ذلك شئ، وكذلك كلما توحش من الدواب الاهلية فلا بأس عليه أن يقتله المحرم ويأكله، وأما الدواب الوحشية إذا استأنست وصارت في المدن وبين الناس فلا يجوز للمحرم
---
ص 326 " (54) البقرة 196.
---
[ 327 ] (1/327)
أكلها مثل حمار الوحش والنعامة والظبي وما أشبه من الصيود فهو مردود في الحكم إلى أصله لا يجوز للمحرم التعرض لشئ من أمره.
باب القول في المحرم يشتري الصيد في الحرم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من اشترى صيدا في الحرم فعليه إرساله ولا يجوز له أسره ولا أخذه، وكذلك لو اشتراه في الحل لرأيت له أن يرسله، لان المحرم لا ينبغي له أن يأسر شيئا من الصيد ولا يحبسه، وكذلك لو أو محرما أخذ صيدا فنتفه أو قصه، فالواجب عليه أن يعلفه ويقوم حتى ينبت جناحاه ثم يرسله فإن تلف في يده كانت عليه الكفارة، وإن نتف بعض ريشه أو جرحه أطعم عما نتف من ريشه على قدر ما نقص من طيرانه، وكذلك يخرج قدر ما نقصه الجرح على قدر ما كان منه فيه من الاثر.
باب القول فيمن طاف جنبا أو على غير طهور
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن طاف طواف النساء وهو جنب ناسيا، أو طافت إمرأة حايض ناسية فعليها الاعادة إن كانا بمكة وإن كانا قد لحقا بأهلهما وصارا إلى بلدهما ثم ذكرا ذلك، فعلى كل واحد منهما بدنة، ومتى رجعا قضيا ذلك الطواف. قال: وإن نسي ناس طواف النساء فلم يطفه فعليه الرجوع له من حيث كان إلا أن يخاف على نفسه تلفا فينتظر أن يخرج مع كل الناس ويكون حاله في ذلك حال المحصر، وكذلك روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: يرجع من نسي طواف النساء ولو من خراسان. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وإن جامع النساء قبل أن
---
[ 328 ] (1/328)
يرجع فيطوف ذلك الطواف كانت عليه في ذلك بدنة. قال: ومن طاف الطواف الواجب ثم ذكر أنه لم يغسل ذراعه اليمنى فأنه يعود فيغسلها ثم يغسل يده اليسرى ويمسح رأسه، ويغسل رجليه، ثم يعيد ما طاف.
باب القول فيمن نسي السعي بين الصفا والمروة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن أمكنه الرجوع للسعي فليرجع وإن لم يمكنه أجزأه أن يهريق دما، ومتى عاود الحج قضي السعي بينهما، ومن طاف بينهما على غير وضوء ثم ذكر ذلك بعد خروجه لم يكن عليه في ذلك شئ، لان السعي ليس فيه صلاة، ولا ينبغي له أن يفرط في التطهر للسعي بينهما، لانهما موقفان عظيمان، والساعي بينهما في عبادة لربه فينبغي له أن يتطهر لما هو فيه من عبادته وإن عرض له عارض فقطع سعيه، فلا بأس إذا عاد أن يبني على ما مضى من سعيه.
باب القول فيمن نسي رمي الجمار
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من نسي رمي الجمار ثم ذكرها في آخر أيام التشريق، فليرمها لما ترك من الايام وليهرق دما لتأخيره رميها، وإن لم يذكر رميها حتى يصدر الناس من منى فليهرق دما، وليس عليه رمي، لان وقت الرمي وأيامه قد خرجت. قال: وإن نسي ناس أن يرمي بحصاة أو حصاتين أو ثلاث ثم ذكر ذلك من الغد فإنه يرمي ويطعم عن كل حصاة مسكينا، وإن نسي أن يرمي بأربع حصيات جمرة من الجمرات رمى بهن من الغد وتصدق عنهن بصاعين من طعام وإن نسي من حصى كل جمرة أربع حصيات ورمى كل واحدة بثلاث فليهرق لذلك دما ويعود فيرمي بما نسي من الحصا إن كان في
---
[ 329 ] (1/329)
أيام الرمي، وإن كان قد خرج وقت الرمي أجزاه ما أهراق من الدم.
باب القول فيما تنتجه البدنة وفي لبنها ووقت النحر في البلدان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا ساق بدنة فنتجت في الطريق فهي وما نتجت هدي، ولا يجوز لسايقها أن يشرب من لبنها شيئا، ولا يسقيه أحدا من خدمه وأعوانه، ولكن ما فضل عن ولدها فليتركه في ضرعها، فإن خشي عليه من تركه فيه حلبه، وتصدق به على المساكين، لانها ولبنها لله رب العالمين. قال وإن شرب هو من لبنها أو سقاه أحدا من خدمه فليتصدق بقيمة ما شرب منه أو سقاه، وكذلك البقرة والشاة يذبح أولادهما معهما. قال: ولا ينبغي لاهل الامصار أن يذبحوا أضاحيهم إلا بعد طلوع الشمس وارتفاعها، وهو أفضل وهو الواجب، وإن ذبحوا قبل طلوع الشمس لم يجزهم ذلك، ووجب عليهم أن يعيدوا فيذبحوا بعد طلوع الشمس وارتفاعها، وبعد الانصراف ورجوع الامام من الصلاة، فأما أهل القرى والبوادي وحيث لا جمعة تجمع فلا بأس أن يذبحوا قبل طلوع الشمس وبعد طلوع الفجر، وإنما قلنا بذلك لان أهل الامصار يجب عليهم الاجتماع والخروج لصلاة الامام والخطبة، فإذا وجب عليهم ذلك، لم يجز لهم أن ينحروا حتى يصلوا، والصلاة فإنما تجب بعد طلوع الشمس فكيف بما لا يجوز إلا بعدها من الذبح وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: (فصل لربك وانحر) (55) فأمره بالصلاة قبل النحر، والذبح بعد الصلاة أفضل وأحب إلينا.
---
ص 329 " (55) الكوثر 3.
---
[ 330 ] (1/330)
باب القول في الحاج يؤخر الذبح حتى تخرج أيام النحر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وإذا أخر المتمتع ذبح هديه حتى تخرج أيام النحر فعليه أن يذبح هديه الذي كان عليه، وعليه أن يهرق دما لتأخيره ذبح هديه حتى خرج ما خرج من وقته، وله أن يأكل من الاول هدي التمتع (56) وليس له أن يأكل من الآخر لانه كفارة. قال: ولو أن قارنا آخر نحر هديه، وجب عليه ما وجب على المتمتع من الفدية، وله أن يأكل من الهدي، وليس له أن يأكل من الفدية.
باب القول فيمن خاف على هديه عطبا وفي الاستبدال به غيره
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا ساق هديا فمرض عليه الهدي في الطريق فخاف من تلفه، فلا بأس أن يبيعه ويستبدل بثمنه هديا غيره من ذلك المكان فأن كان ثمنه أقل من ثمن ما يستأنف زاد عليه حتى يتم ثمنه، وإن كان ثمن المريض أكثر من ثمن ما اشترى، اشترى بما يقى هديا آخر بالغا ما بلغ من بقرة أو شاة، وإن لم تبلغ الفضلة ثمن شاة إشترى بها طعاما فتصدق به على المساكين بمنى، وبعد نحره لهديه. قال: وكل هدي لعمرة إذا بلغ الحرم ثم عطب فنحر في الحرم فقد بلغ محله، ولا غرم على صاحبه وكل هدي كان للحج فهو مضمون إلى يوم النحر وعلى صاحبه غرمه إن تلف قبل ذلك اليوم.
---
ص 330 " (56) في نسخة هدي المتعة.
---
[ 331 ] (1/331)
باب القول فيمن نذر أن يذبح ولده بمكة أو منى أو غيره وأن يهديه أو يهدي غيره
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ومن قال: علي لله أن أذبح ولدي عند مقام إبراهيم صلى الله عليه فهذا لا يجوز له، ولا يحل له فعله، وعليه في ذلك أن يذبح كبشا بمكة، فيتصدق بلحمه على المساكين، وإن كان قال: أذبحه بمنى ذبح يوم النحر كبشا وليس له أن يأكل من ذلك شيئا كان بمكة أو منى. وكذلك لو قال: أذبح أخي أو أذبح نفسي وجب عليه ذبح كبش، وقد فدى الله إسمعيل الذبيح صلى الله عليه بذبح عظيم وهو الكبش الذي فداه به تبارك وتعالى. قال: ومن قال: علي لله إن كان كذا وكذا أن أذبح عبدي أو أمتي بمكة أو بمنى فإنا نرى له أن يبيعه ويذبح بثمنه ذبائح في الموضع الذي ذكر من مكة أو منى، لان العبد مال من أمواله وليس يحل له ذبحه وقد أوجبه لله على نفسه فعليه أن يخرج ثمنه فيوفي به نذره. وكذلك من قال: لله علي أن أذبح فرسي بمنى قلنا له لحم الفرس لا يجوز أكله للمسلمين، فبعه واشتر بثمنه بدنا وانحرها للمساكين، فإن ذلك أقرب إلى رب العالمين، وأشبه بفعال المؤمنين، وأبعد من الفساد والردى وأقرب إلى الخير والتقوى. قال: ومن قال: لله علي أن أذبح أم ولدي أو مكاتبي أن كان كذا وكذا فيجب عليه ما يجب في ذبح أخيه أو ولده وذلك كبش يذبحه لان هولاء لا يجوز له بيعهم من أو ولده مكاتبه وليسوا له بمال ينفذ فيه أمره ونهيه وهبته بيعه، فلذلك لم نأمره بما أمرناه في المملوك.
---
[ 332 ] (1/332)
باب القول في الرجل يقول ماله في سبيل الله تعالى أو كل شئ يملكه فهو يهديه إلى بيت الله أو ينذر بذلك نذرا أو يجعله لله جعلا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قد أختلف في هذا وقيل فيه بغير قول ولا قولين. وتأول فيه غيرنا غير تأويل ولا تأويلين، وأحسن ما عندنا في ذلك وما سمعنا عن أشياخنا فيما سمى من ذلك ثلث ماله فيصرفه فيه، ويلزم باقيه على عياله وعليه. فإن كان قال: ماله في سبيل الله فليخرج ثلثه في سبيل الله وإن كان قال: ما له فيصرف ثلث ماله في أقرب الافعال إلى الله. وإن كان قال: مالي هدايا إلى بيت الله أو أهديه إلى بيت الله اشترى بثلث ماله بدنا وطعاما ففرق ذلك عند بيت الله في أهل الحاجة من عباد الله. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: من جعل ماله في سبيل الله، أو قال: أهديه إلى بيت الله فليخرج ثلثه فيصرفه فيما تكلم به وأوجب إخراجه عنده ويلزم ثلثي ماله على نفسه.
باب القول فيمن نذر أن يهدي أخاه أو أباه أو ابنه أو ذا رحم محرم منه أو غير ذي رحم أو مملوكه أو غير ذلك من ماله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من قال: أنا أهدي ولدي أو أخي أو أحني أو رجلا أجنبيا إلى بيت الله تعالى فليس له سبيل إلى بيعه وإلى ذبحه بتحريم الله عليه ذلك من فعله، والواجب عليه في ذلك أن يحمله حتى يغرم عنه ويحج به ويرده إلى بلده. فإن قال: لله
---
[ 333 ] (1/333)
علي أن أهدي عبدي أو أمتي وجب عليه أن يبيعهما ويهدي بثمنها إلى الكعبة هدايا، يفرقها في المساكين، ويطعمها من عبيدالله المحتاجين لان العبد والامة خلاف الحر والحرة لانه يجوز له بيع أمته وعبده ولا يجوز له بيع غيرهما من أهله، لان عبده وأمته مال من بعض أمواله، ينفذ أمره فيهما، ويجوز فعله عليهما.
باب القول في جزاء ما قتل العبيد من الصيد وجزاء ما قتل الصبيان من الصيد، وما يجب على الصبيان والمماليك من الكفارات
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا حج العبد والامة بإذن سيدهما فكل ما لزمهما من كفارة أو جزاء في لبس ثياب أو قتل صيد تعمد المملوك قتله ناسيا لما هو فيه من إحرامه فهو على سيده إن شاء نسك عنه وإن شاء أطعم، وإن شاء أمره فصام، وإن قتل العبد صيدا وهو ذاكر لاحرامه تمردا وفسقا فليس يجب على سيده أن يكفر عنه ما تعمد الفسق فيه، وهو دين عليه حتى يعتق، فيكفر بجزاء أو يطعم أو يصوم وكذلك إن تطيب أو لبس ثيابا لغير حاجة منه إليه ولا علة حملته عليه، تمردا وظلما وتعديا على نفسه وغشما، فليس على سيده فيه كفارة، وهو على العبد في رقبته إلى عتقه، فإن حج العبد بغير إذن سيده فليس على سيده أن يكفر عنه في شئ من فعله مضطرا كان إليه أو غير مضطر، فأما الصبيان فلا فداء عليهم في شئ من فعلهم لانهم دخلوا فيما لا يجب عليهم، وإن جنبهم أوليائهم وحموهم من ذلك ما يحمون أنفسهم فحسن ذلك وليس هو بلازم لهم.
---
ص 333 " في نسخة (مع تعمد الفسق فيه).
---
[ 334 ] (1/334)
باب القول فيمن بعث بهديه وواعدهم يوما يقلدونه فيه، وتخلف أياما ليلحق
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وأيما قارن أو متمتع أو مفرد بعث ببدنته وواعدهم أن يقلدوها في يوم معروف فإنه إذا كان ذلك اليوم في الوقت الذي أمر بتقليدها فيه فقد وجب عليه الاحرام بتقليدهم لبدنته بأمره، وكذلك روى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
باب القول في المرأة والمملوك يحرمان بغير أمر وليهما
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وأيما امرأة أحرمت بغير أمر زوجها فهو في أمرها بالخيار، إن أحب، وأمكنه أن يمضي بها حتى تقضي ما أوجبته على نفسها فعل، وإن أحب أن يمنعها من ذلك، وينقض احرامها إن كان لا يقدر على الذهاب بها نقضه وبعث عنها ببدنة تنحر عنها، ويعتزلها حتى يكون اليوم الذي أمر بنحر البدنة عنها فيه. قال: فإن كان احرامها ذلك إحراما لحجة الاسلام فلا ينبغي له أن يمنعها ولا يردها إلا من علة قاطعة له عن السفر بها، أو لغيره ممن هو محرم لها من ولدها أو قراباتها، فإن منعهم من الذهاب بها مانع أو قطعهم عن المسافرة بها قاطع، صرفها عن الخطأ وردها عن المخاطرة والردى وأهدى عنها هديا فمتى أمكنها ذلك بطيب من نفس زوجها لها، أو بأن تملك يوما نفسها، ووجب عليها أن تقضي ما كانت أهلت به من حجها، وأما العبد والامة فمتى أحرما بغير أمر سيدهما فله أن يحلهما
---
[ 335 ] (1/335)
وينقض عليهما احرامهما، ولا يجب عليه أن يهدي هديا عليهما، فمتى عتقا أهديا ما عليهما من الهدي الاول ومضيا لما كانا أوجبا على أنفسهما مما أهلا به من حجهما.
---
[ 337 ] (1/337)
كتاب النكاح
---
[ 339 ] (1/339)
بسم الله الرحمن الرحيم مبتدأ أبواب النكاح وتفسير ذلك في الكتاب مما أحل الله نكاحه قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله تبارك وتعالى: (وانكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم أن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم) (1) فأمر سبحانه بإنكاح الايامى إذا أردن ذلك، وأجزنه وسوغنه وأطلقنه، والايامى فهن اللواتي لا أزواج لهن وقوله منكم فهو من أحراركم من بناتكم وأخواتكم وجماعة نسائكم وقد يدخل في قوله وأنكحوا من لا زوجة له من رجالكم، فأمر بإنكاحهم وإعفافهم بالزوجاب من نسائهم، وأما قوله عزوجل: (والصالحين من عبادكم وإمائكم) (2) فهو إطلاق منه لتزويج المماليك من الاحرار، والاحرار من المماليك، وأمر منه بأعطاف جميع خلقه، وتزويج إمائه من عبيده، ثم قال تبارك وتعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) (3) فبين بذلك ما أحل للرجال أن ينكحوا من النساء، وأخبر أنهن أربع نسوة سواء، لا يجوز لمسلم أن يجمع في ملكه أكثر من الاربع من الزوجات الحرائر المتزوجات، إلا أن يكون
---
ص 339 " (1) النور 32.
(2) النور 32.
(3) النساء 3.
---
[ 340 ] (1/340)
لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه قد أطلق له ما أطلق من النكاح ثم حظر عليه من بعد صلى الله عليه وعلى آله وسلم الزيادة على تسع زوجات، وحرم عليه أن يستبدل بهن غيرهن أو يزيد معهن سواهن فقال تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين أوقفه على ما تحته من النساء وحظر عليه من بعد ذلك الزيادة معهن والاستبدال بهن فقال: (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شئ رقيبا) (4) وأحل بنات العم وبنات العمة، وبنات الخال وبنات الخالة فقال: (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي أتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما) (5) فأطلق الله سبحانه: نكاح من سمى من بنات العمومة والعمات، والاخوال والخالات، وما ملكت اليمين من الاماء المملوكات لرسول رب العالمين، ولجميع المسلمين، ثم أطلق له نكاح الامرأة المؤمنة التي وهبت نفسها لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وحظره على غيره وجعلها خالصة له من دون المؤمنين، وذلك قوله في كتابه المبين: (خالصة لك من دون المؤمنين) (6) وأجاز له تبارك وتعالى نكاح تسع، والجمع بينهن، ولم يجز للمسلمين الجمع بين أكثر من
---
ص 340 " (4) الاحزاب 52.
(5) الاحزاب 50.
(6) الاحزاب 50.
---
[ 341 ] (1/341)
أربع من أي النساء كن من الا رقاب من النساء والا قصين من البعداء، ثم أمر جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله: بأيتائهن ما تراضوا به بينهم من مهورهن فقال: (فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما) (7) فأوجب لهن المهور على أزواجهن إيجابا بقوله فريضة، والفريضة فمعناها حكم من الله بالمهور للنساء على الرجال، ثم قال سبحانه: (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما) (8) يريد سبحانه لا جناح عيكم فيما وهبن لكم، وطابت به أنفسهن من هبتن للمهور التي كانت لهن عليكم، وهبتها لكم كلها، أو وهبن لكم بعضها، أي ذلك كان جاز لكم أخذه، وسقط عنكم اليهن دفعه وطاب لكم وحل أكله كما قال الله سبحانه: (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) (9) وحكم للتي لم يدخل بها ولم يرخ ستره عليها زوجها، وكان منه طلاقها بنصف ما فرض لها، وكانا تراضيها عليه من مهرها وذلك قول الله سبحانه: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير) (10) فأوجب لمن طلقت قبل الدخول نصف ما فرض لها من مهرها إلا أن تعفو فتهب ذلك النصف لزوجها، أو يعفو زوجها عن النصف الذي حكم له بأخذه فيدفع إليها ما فرض لها من
---
ص 341 " (7) النساء 24.
(8) النساء 24.
(9) النساء 24.
(10) البقرة 237.
---
[ 342 ] (1/342)
المهر كله ثم حض الازواج على العفو عن ذلك لهن والتسليم له إليهن بقوله: (وأن تعفوا أقرب للتقوى) (11) وأجاز ذو الجلال والاكرام نكاح الاماء المسلمات لمن لم يجد من الاحرار سبيلا إلى نكاح الحراير المحصنات فقال: (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) (12) ثم أمر ألا ينكحن إلا بأذن أهلهن، والاهلون هاهنا فهم المالكون للاماء، وحكم لمن أنكح من الاماء بالمهر الذي تراضا به الزوج ومواليهن بينهم حكما واجبا، وفرضه سبحانه فرضا فقال: (فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان) (13) يقول: تزوجوهن نكاحا صحيحا حلالا ولا تسافحوهن سفاحا حراما، وحرم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نكاح الامة على الحرة فقال: " لا تتزوج أمة على حرة " وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إن تزوجت الامة قبل الحرة ثم تزوجت الحرة بعد الامة فنكاحهما ثابت ". قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: يريد بذلك صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا علمت الحرة بالامة ودخلت عليها على بصيرة.
باب القول فيمن حرم الله نكاحه وتفسير حكمه في القرآن
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يحرم على المسلمين نكاح كل ذات رحم محرم وذلك فقول الاعز الاكرم: (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الاخ وبنات الاخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة، وأمهات نسائكم
---
ص 342 " (11) البقرة 237.
(12) النساء 25.
(13) البقرة 35.
---
[ 343 ] (1/343)
وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الاختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما) (14) فحرم الله تبارك وتعالى الامهات، فحرم بتحريمهن كل من ولدهن من الجدات وإن علون فارتفعن، وتياين في الولادة للامهات فافترقن لانهن جدات، والجدات فهن أمهات. وحرم الله تبارك وتعالى على المؤمنين بناتهم وما ولدن من الاولاد، وأولاد أولاد الاولاد، وإن سفلن في الولادة فهن بحكم الله تعالى للاجداد بنات لا يحل لهم نكاحهن بما حرم الله من نكاح أمهاتهن. وكذلك حرم جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله: الاخوات فحرم بتحريمهن بناتهن على عموماتهن، وما ولدن بناتهن من البنات وبنات البنات وإن بعدت مواليدهن على أخوة جداتهن لانهم وإن تباعدوا منهن أعمامهن والحكم فيهن وإن سفلن بالتحريم على أعمام جداتهن كحكم أخواتهم اللواتي نطق الكتاب بتحريمهن عليهم، لانهن في المعنى كبناتهم إذ هن بنات أخواتهم. وكذلك حرم الله العمات والخالات لانهن في عداد الآباء والامهات. وحرم الله تبارك وتعالى بنات الاخوة وبنات الاخوات لانهن من العمومة كالبنات، تعظيما منه لقربة القرابات وتأكيدا منه على عباده في صلة الولادات، فصار حكم بنت أخ المسلم كحكم بنته عليه وكذلك حكم بنت أخته لديه. ثم حرم سبحانه الامهات المرضعات لمن أرضعن من البنين والبنات على البنين وأبناء البنات، والبنين وإن سفل ميلادهم لانهن بأرضاغ الاباء وأن بعدن أمهات الابناء، وكذلك حرم الاخوات من الرضاعة على إخوانهن، وحرم الاخوة من الرضاعة على أخواتهم فحرم بذلك نكاحهن على أبناء
---
ص 343 " (14) النساء 23.
---
[ 344 ] (1/344)
أخواتهن. وحرم نكاح بنات الاخوات من الرضاعة على إخوة أمهاتهم لانهم أعمام لهن، ولا يحل نكاح الاعمام من الرضاعة ولا العمات لبني الاخوة والبني الاخوات، وما سفل من ذلك، فيحرم على الاعلى المراضع للجد كذلك. ثم حرم سبحانه أمهات النساء على أزواج بناتهن إذا كانوا قد دخلوا بالبنات أولم يدخلوا، فلا يحل لهم نكاح الامهات، تعظيما منه لحرمة الام على زوج بنتها ونهيا منه عن أن ينكح الام بعد إبنتها. ثم حرم إبنة المرأة على زوج أمها إذا دخل بها، وجعلها بحكمه ربيبة محرمة على زوجها فأقامها منه في التحريم عليه بنكاح أمها كمقام بنته، فحرمت الربايب على الرجال بتحريم ذى القدرة والجلال، إذا دخل بأمهاتهن. وبنات الربايب على أزواج الجدات محرمات كتحريم البنات. وحرم جل ثناؤه وعز بكريم ولايته أولياءه على الرجال نساء أبنائهم الذين من أصلابهم. وحرم على الابناء نكاح ما نكح الآباء استعطافا للآباء على نساء أبنائهم بالتحريم لهن عليهم، فجعلهن من آباء أزواجهن في التحريم عليهم كالمحرمات من بناتهم وأخواتهم وربايبهم اللاتي في حجورهم. وجعل نساء الآباء محرمات على من ولدوا من الابناء، تعظيما منه لحق الآباء على أبنائهم. وجعل أزواج آبائهم في التحريم عليهم كأمهاتهم فقال في ذلك سبحانه: (ولا تنكحوا ما نكح أباؤكم من النساء إلا ما قد سلف) (15) يقول: إلا ما قد مضى من فعل الجاهلية الجهلاء، وما كانوا يخطئون به على أنفسهم في نكاح أزواج الآباء من الابناء. وكذلك حرم تبارك وتعالى الجمع بين الاختين نظرا منه للعباد وإصلاحا منه تبارك وتعالى بذلك في البلااد،
---
ص 344 " (15) النساء 22.
---
[ 345 ] (1/345)
ومعونة منه لعباده على التبار والتقوى، لما في إجتماع الاختين عند الزوج من الشحناء، والتباغض بينهما والاعتداء، وما لا يطقن دفعه من قطيعة الارحام والمخالفة في ذلك لحكم الاسلام، ولشدة التغاير بينهما الذي قد يفعله ويأتيه غيرهما من الضراير المتضارات، والازواج المتغايرات، فوصل الله سبحانه بين الاختين نظرا منه لهما بما حرم على جميع الرجال من الجمع بيهما. وحرم سبحانه إنكاح المشركين حتى يؤمنوا ونكاح المشركات حتى يؤمن، وقال في ذلك سبحانه: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم، ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم) (16).
باب القول في إبطال النكاح إلا يولي وشاهدين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لا نكاح إلا بولي وشاهدين) وبلغنا عن زيد بن علي عن آبائه عن علي بن أبي طالب عليهم السلام أنه قال: " لا نكاح إلا بولي وشاهدين ليس بالدرهم ولا بالدرهمين ولا اليوم ولا اليومين، شبه السفاح ولا شرط في نكاح " وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، فمن لم يكن لها ولي فالسلطان وليها ". قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: يريد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله السلطان وليها إمام المسلمين الذي يجب عليهم طاعته ويحرم عليهم معصيته، فإذا عدم ذلك فرجل من خيار المسلمين.
---
ص 345 " (16) البقرة 231.
---
[ 346 ] (1/346)
قال: ولو أن رجلا تزوج امرأة بغير تزويج وليها وأشهد على تزويجها شاهدين كان ذلك النكاح باطلا لانه نكاح عقد دون الاولياء، ولا نكاح إلا نكاح عقده ولي أو إمام المسلمين إذا لم يكن ولي أو نكاح عقده رجل عدل من المسلمين إذا عدم الولي وإمام المسلمين، فأما إذا كان الولي قائما بعينه، فلا يجوز نكاح حرمته إلا بإذنه ولا يتم عقد نكاحها إلا بعقده. حدثني أبي عن أبيه عن أبي بكر إبن أبي أويس المدني عن حسين بن عبد الله بن ضميره عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدين) وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لا تنكح المرأة إلا بولي وشاهدين، فإن نكحت فهو باطل، فإن نكحت فهو باطل، حتى قال ذلك ثلاثا " وبلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: أنه قال: " لا نكاح إلا بولي فمن نكح فهو باطل ". حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن رجل نكح امرأة بغير ولي زوجه رجل جعلته وليها وأشهد رجلين فقال: ليس لاحد أن ينكحها إلا بإنكاح وليها، إلا أن يعضلها الولي أو يصير إلى المضارة لها. ومن يكن لها ولي ولت أمرها رجلا من المسلمين، فأنكحها ولابد في كل نكاح من إشهاد رجلين عدلين. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: معنى قول: جدي القاسم رضي الله عنه في الولي إلا أن يعضلها أو يصير إلى المضارة لها يريد أنه إذا أعضلها نظرا إمام المسلمين في أمرها فإما أجبره على إنكاحها وإما زوجها الامام من دونه كفوا لها، فإن لم يكن إمام ولت رجلا من المسلمين أمرها فعقد عقدة نكاحها.
---
[ 347 ] (1/347)
باب القول في تفسير الاولياء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الاولياء فهم العصبة المتناسبون الذين هم والحرمة في النسب مجتمعون وأولاهم بعقد نكاح المرأة وتزويجها أحقهم بورائة ما تتركه من ميراثها، فأولهم الابن ثم ابن الابن وإن سفل، ثم الاب ثم الجد أب الاب وإن علا، ثم الاخ للاب والام، ثم الاخ للاب، ثم ابن الاخ للاب والام، ثم ابن الاخ للاب، ثم العم للاب والام، ثم العم للاب ثم ابن العم لاب وأم، ثم ابن العم للاب، ثم المولى وهو المعتق ولي النعمة. قال: ويستحب للاب والجد أن يعقدا دون الابن وابن الابن، لان ذلك أقرب إلى الحياء والاحسان، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " الحياء من الايمان ولا إيمان لمن لا حياء له ". قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولا يجوز أن يعقد من هؤلاء الذين ذكرنا عقدة نكاح المرأة رجل ومعه من هو أولى منه ممن قد سمينا إلا أن يأذن له ويجوز فعله فيجوز له ما فعل من ذلك وتثبت العفدة بين الزوجين كذلك. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: الاولياء هم الذين يعقدون عقدة النكاح دون الاوصياء.
باب القول في إنكاح البكر والقول في الصداق وإنكاح وليين لرجلين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولا يجوز لولي من الاولياء أن ينكح أحدا من النساء إلا بإذنها إذا كانت قد بلغت مبالغ النساء، ثيبا كانت المرأة أو بكرا، وقد رخص للاب في تزويج إبنته
---
[ 348 ] (1/348)
الصغيرة، ولم يطلق ذلك له في الكبيرة إلا بأمرها، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وآله: صمت البكر إذنها فإذا صمتت فقد رضيت وإذا رضيت بكفؤها أنكحت. وقال: الصداق على ما تراضى به الاهلون بينهم من قليل أو كثير، إذا كان أكثر من عشرة دراهم أو عشرة سواء، فأما أقل من عشرة فلا يكون مهرا عندنا، وتراضي الاهلين فإنما معناه رضى المرأة بما يعطيها ورضى الرجل بما سمى وطلب منه، إذا كان ذلك عشرة دراهم فصاعدا. وقال: في وليين أنكحا امرأة من رجلين إن كان أحدهما أقرب في النسب إليها جاز عقدة عليها إذا رضيت بإنكاحه إياها دون الآخر الذي هو أبعد في النسب منها لانه لا يجوز للابعد أن يعقد دون الاقرب، فإن لم يعلم أيهما عقد أولا وكان الوليان كلاهما في القرابة سواء أبتدئ العقد لمن رضيت به من الزوجين فزوجت منه وصيرت بنكاح جديد إليه، إلا أن ترضى بأحدهما وتسخط أحدهما فيثبت النكاح بينها وبين من رضيت به منهما إذا قد عقد نكاحه إياها وليها الذي ليس في القرابة أقرب منه. حدثني أبي عن أبيه: أنه قال: في الرجل يزوج إبنته المدركة البكر وهي كارهة فقال: لا تنكح المرأة البكر إذا بلغت إلا بعد إستيئمار. وإن كان الاب هو المنكح لها فإن أنكحها ولم يؤآمرها فالامر أمرها في نفسها. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن وليين لامرأة روج أحدهما من رجل، وزوج الآخر من رجل آخر، فقال: العقد للاول منهما فإن لم يعرف الاول منهمما أبتدئ النكاح فأنكح أحدهما نكاحا مستقبلا، وإن
---
ص 348 " في نسخة (إذا عقد عقد إنكاحه اياها وليها).
---
[ 349 ] (1/349)
رضيت بنكاح الآخر ولم ترض بنكاح الاول فالنكاح بينها وبين من رضيت به، ومن لم ترض به فلا عقد له. وحدثني أبي عن أبيه: أن ابن عم له خطب إليه بنت أخيه محمد بن إبراهيم فزوجه إياها فبعث إليه بأربع مائة دينار فأخذ منها دينارا ورد إليه الباقي. وحدثني أبي عن أبيه أنه قال: أدنى ما يجوز في الصداق وهو ما جاء عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: وهو عشرة دراهم قفلة.
باب القول في المتعة والوكالة بالتزويج والقول في تزويج الوصي
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: المتعة عندنا فهي النكاح والاستمتاع بالنساء على طريق ملك عقدة النكاح بعقد الاولياء وشهادة عدلين من الشهداء وفي ذلك ما يقول الله تبارك وتعالى: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) (17) يريد ما استمتعتم به منهن بأنكاح أوليائهن فآتوهن أجورهن، والاجور هاهنا فهي المهور، فأما ما يقول به أهل الشناعات، والطالبون للتعللات، الها تكون للحرمات، من أن المرأة تعقد عقدة نكاحها فيما بينها وبين زوجها من دون من جعل الله أمرها إليه من أوليائها فلا يلتفت إلى قوله، ولا يتكل عليه، لان الله سبحانه قد أبطل قول من قال بذلك، وكان في (18) القول في التعدي كذلك بما بين من الحكم بحكم عقدة النكاح للاولياء، وبين من حظر ذلك على
---
ص 349 " (17) النساء 24. في نسخة (التعلات).
(18) في نسخة وكان في التعدي في القول كذلك. في نسخة من الحكم بعقد عقدة النكاح.
---
[ 350 ] (1/350)
النساء فقال سبحانه: (وأنكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) (19) وقال سبحانه: (ولا تعظلوهن أن ينكحن أزواجهن) (20) وقال سبحانه: (فانكحوهن بإذن أهلهن) (21) ففي كل ذلك يأمر الله سبحانه وينهى من جعل الله عقدة النكاح إليه من الاولياء، ولو كان كما يقول المبطلون ويتأول من الافتراء على الله المفترون، لامر النساء ونهاهن في ذلك كما أمر أولياءهن ولكن الله رؤوف رحيم، ذو قدرة وامتنان كريم وكيف يجيز ذلك أو يأمر به، أولهن يطلقه، وهو يقول: (إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون) (22) وأي فاحشة أعظم من أفعال من يولي النساء الانكاح لانفسهن دون الرجال، إذا لخرج الحرم من أيدي أوليائهن، ولهتكن ما ضرب الله من الحجاب عليهن، ولما وجد فاجر مع فاجرة يفجر بها إلا أدعى وادعت أنه تزوجها، ليصرفا بذلك ما حكم الله به من الحدود عليهما، ولو كان ذلك كذلك ثم أدعيا عند ظهور الشهود عليهما ذلك، لما صحت للشود شهادة ولا وجبت على أحد بشهادتهم عقوبة، لان الفاسقين لا يجتريان على الفسوق إلا وهما على الكذب أجرأ ويقول المحال مما يدرء ان به الحد عن أنفسهما أحرى، ولو جاز ذلك في المسلمين لما قام شئ من حكم رب العالمين في الزانين الفاسقين، ولاجترأ بذلك على الله سبحانه كل فاجر، ولو كان ذلك حقا - تعالى الله عن ذلك - لما كان لقوله سبحانه: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله) (23) معنى لانه لا يوجد زان أبدا فيجب أن يهتك بين
---
ص 350 " (19) النور 32.
(20) البقرة 221.
(21) البقرة 221.
(22) الاعراف 28.
(23) النور 3.
---
[ 351 ] (1/351)
المسلمين هتكا، بل كان يدعي التزويج لها، ولكانت هي تقر بذلك له فيها، خشية من وجوب الحد عليه وعليها فمتى - لو كان ذلك كما يقولون - يصح حكمهم في الزنا إذ يحكمون، والزناة يدعون ما يدعون من النكاح لما به يزنون، كلا إن الله لاحسن تقديرا وحكما من أن يجيز قول من يقول محالا وزورا. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولو أن رجلا وكل وكيلا بأن ينكح حرمته من الرجال، لمن رأى إنكاحه لجاز ذلك للوكيل، وكذلك حكم الواحد الجليل، وقال ليس للوصي أن ينكح من تحت يده من أولاد الموتى الموصين إليه بهم، لان الاولياء أولى بمن تحت أيدي الاوصياء من حرماتهم والاولياء من العصبة الاقرباء فهم الذين يعقدون عقدة نكاح النساء دون من أوصي بهن إليه من الاوصياء، لا يجوز للوصي من ذلك أمر إلا أن يجيزه له العصبة، وتأمره بعقده فيمن تحت يده من القرابة، فإن أمروه بشئ من ذلك جاز له فعله كما يجوز لغيره لو وكل بذلك عقده. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن نكاح المتعة؟، فقال: لا يحل نكاح المتعة لان المتعة إنما كانت في سفر سافره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم حرم الله ذلك على لسان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد روي لنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بما قد صح أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنه. وأما من أحتج بهذه الآية ممن استحل الفاحشة من الفرقة المارقة في قول الله عزوجل: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) (24) فالاستمتاع هو الدخول بهن على وجه النكاح الصحيح، وإيتاؤهن
---
ص 351 " (24) النساء 24.
---
[ 352 ] (1/352)
أجورهن فهو إعطاؤهن مهورهن إلا ما وهبن بطيب من أنفسهن، والتراضي فهو التعاطي، ولا يجوز النكاح إلا بولي وشاهدين لان في ذلك ترك ما بين الله فيه، وخروج النساء من أيدي الاولياء، وإبطال ما جعل الله للاولياء فيهن وما حكم به الاولياء عليهن، ألا تسمع كيف يقول لا شريك له: (وأنكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) (25) وقال: (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) (26) وقال: (ولا تعظلوهن أن ينكحن أزواجهن) (27) فلو كان الامر في ذلك إليهن لبطل الامر في هذا كله من أيدي الرجال، ولخرج من أيدي الاولياء أمهاتهم وبناتهم وأخواتهم وحرماتهم، ولقد كان هذا ومثله في الجاهلية الجهلاء، وإنه ليستعظم ويهرق فيه بين الناس كثير من الدماء ويكون فيه فساد عظيم بين الاولياء من الرجال والنساء، فكيف في الاسلام الذي جعله الله يصلح ولا يفسد، ويؤكد الحقوق بين أهلها ويسدد، ولقد أدركنا مشايخنا من أهل البيت عليهم السلام وما يرى هذا منهم أحدا حتى كان بآخره، فحدث سفهاء رووا الروايات الكاذبة. ولقد حدثني أبي عن أبيه: عن إسماعيل بن أبي أويس عن حسين بن عبد الله بن ضميره عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: " لا نكاح إلا بولي وشاهدين " وأن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن نكاح السر، وإنه مر صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات يوم بدار من دور الانصار فسمع بها صوتا فقال: ما هذا؟ فقيل يارسول الله فلان تزوج فقال: الحمد لله هذا النكاح لا السفاح أشيدوا بالنكاح.
---
ص 352 " (25) النور 32.
(26) البقرة 221.
(27) البقرة 221. * قوله بآخره على وزن قصبة، بمعنى الاخير يقال جاء بآخرة أي أخيرا مصباح
---
[ 353 ] (1/353)
وحدثني أبي عن أبيه، أنه سئل عن الوصي هل له أن يزوج؟ فقال: ليس الوصي من الولي بالنسب في شئ وإنما الاولياء أهل الاشتراك في الانساب. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: هذا الذي ذكرنا وذكر جدي رحمة الله عليه في المتعة هو الحق لا ما يأتون به ويقولون به في المتعة من شروطهم زعموا، واشتراطهم مما هو خلاف الكتاب والسنة وإحلال ما حرم الرحمن وإطلاق ما حظر في منزل الفرقان قوله سبحانه في المواريث: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) (28) وقال في الوراثة بين الزوجين: (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين، ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين) (29) وقال في العدة وما أوجب الله سبحانه من إكمالها على الزوجة المطلقة: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) (30) فأوجب الله سبحانه الميراث بين الولد والوالدين، بين المتناكحين من الزوجين، وجعل العدة واجبة على المطلقات، وأوجب لهن النفقة والمتعة على أزواجهن، وحكم بذلك في الكتاب لهن، وأبطل الامامية المستحلون للمتعة ذلك كله، وردوا كتاب الله سبحانه ردا وعاندوا الله في حكمه عنادا، وقالوا: شرط الانسان أوجب من حكم الرحمن، فأبطلوا الانساب
---
ص 353 " (28) النساء 10.
(29) النساء 12.
(30) الطلاق 1.
---
[ 354 ] (1/354)
بين الوالد والولد، والمواريث بينهما وقالوا لا يتوارث الوالدان والولد فأبطلوا بذلك حكم الواحد الاحد الصمد ثم قالوا: لا تورث زوجة من زوجها إن نزل به موت، ولا يورث زوج من زوجة إن نزل بها موت، ولا يلزمها عدة تعتدها من ماء زوجها، كما حكم الله بذلك عليها، فنقضوا الكتاب، وخالفوا الله في كل الاسباب، فأحلوا ما حرمه وحرموا ما أحله، فهذا إلى أسباب كثيرة قد شرحناها في خطبة كتابنا هذا وبيناها فيما وضعنا من أصول ديننا.
باب القول في العبد يتزوج بغير إذن سيده وفي الرجل يظهر من المهر غير ما تراضوا به بينهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه، كل عبد نكح بغير إذن سيده فنكاحه باطل ولا يجوز ولا يثبت نكاح العبد الا بأمر سيده ورضاه. وقال ومن أظهر في المهر شيئا وأسر غيره لزمه ما أظهر، إلا أن يكون له بباطن أمره بينة يشهدون له على ما يذكر مما أسر من المهر، وتفسير ذلك رجل تزوج امرأة على مائة دينار وأظهر مائتي دينار فطالبه إصهاره بالمائتين اللتين أشهد عليهما الشهود عند تزويجه إياها وعقد ما عقد من نكاحها، فأنكر ذلك وقال: إنما تزوجت على مائة، فان كان له على قوله ودعواه بينة يشهدون له بما قال، وإلا لزمه ما شهد به عليه الرجال الذين شهدوا عقدة نكاحهما، وسمعوا ما أظهر من تسمية المهر بينهما، وإلا وجبت له عليها اليمين بنفي ما ادعاه وإنكارها ما سماه. حدثني أبي عن أبيه: في رجل تزوج إمرأة فأظهر صداقا أكثر مما أصدقها في السر بأيهما يؤخذ؟ فقال: يلزمه من الصداق ما أظهر إلا أن يأتي ببينة على أن نل أظهر غير ما أسر، وإلا كانت دعوى منه على المرأة عليها فيها اليمين.
---
[ 355 ] (1/355)
باب القول في المرأة يموت عنها زوجها، ولم يدخل بها ولم يفرض له مهرا، وفي الرجل يتزوج الامة على الحرة وفي الرجل يفجر بالمرأة يتزوجها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا تزوج الرجل المرأة ثم مات عنها ولم يكن سمى لها مهرا، فإن لها الميراث وعليها عدة المتوفي عنها زوجها، قال: وكذلك لو أنه تزوجها ثم طلقها قبل أن يدخل بها ولم يفرض لها كان لها المتعة على الموسع قدره وعلى المقتر قدره، ولا مهر لها، لانه لم يفرض المهر ولم يدخل بها. حدثني أبي عن أبيه في الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها ولم يفرض لها المهر ولم يدخل بها، قال: عليها عدة المتوفى عنها زوجها ولها الميراث. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لا يجوز أن تنكح الامة على الحرة، ومن تزوج أمة على حرة فرق بينه وبين الامة، كذلك بلغنا عن زيد بن علي عن آبائه عن علي رضي الله عنهم أن رجلا تزوج أمة على حرة ففرق علي عليه السلام بينهما وقال: لا يحل لك أن تتزوج أمة على حرة. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ومن فجر بمرأة ثم تاب وتابت، ورجع إلى الله عزوجل ورجعت، وأخلص التوبة وأخلصت، فلا بأس أن يتزوجها لان حالهما من بعد التوبة آخرا خلاف حالهما وقت المعصية أولا، وإنما حرم الله التناكح بينهما في حال الفسوق والعصيان، وكذلك أطلق تناكحهما في حال الطاعة والايمان. حدثني أبي عن أبيه، في الرجل يفجر بالمرأة ثم يتزوجها هل يحل له ذلك؟ فقال: إذا تاب وتابت وعادا إلى ولاية الله فلا بأس
---
[ 356 ] (1/356)
بتناكحهما، وقد يجوز لهما هذا لو كانا مشركين، فكيف إذا كانا مليين، وقد كان ابن عباس وغيره يقول: أوله سفاح وآخره نكاح، وكان يقول يقبلهما الله عزوجل إذا تفرقا، ولا يقبلهما إذا اجتمعنا! إنكارا على من ينكر ذلك.
باب القول في العنين وفي الذميين يسلم أحدهما وفي الرجل يملك الاختين المملوكتين وفي العزل عن الحرة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس بالعزل عن الحرة إذا كان عزل الزوج خشية الغيلة والمضرة ولم يكن في ذلك مضارا لزوجته وكان في ذلك ناظرا لنفسه. وقال أي امرأة ابتليت بعنين فعليها الصبر على ما ابتليت به، ولا نرى أنه يجب أن يكحم عليه بفراقها، كذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لا يجوز لمسلم أن يجمع بين أختين حرتين ولا مملوكين، ولا يجوز له إن وطئ أحداهما أن يطأ الاخرى حتى يخرج الاولى عنه مخرجا لا يجوز له الدنو منها فيه إما أن يعتقها، وإما أن يهبها لرجل من المسلمين هبة مبتوتة، ولا نرى له أن يهبها لعبده ولا أن يزوجها منه، ولا أن يزوجها رجلا غيره، لانها في حال ما يهبها عبده في ملكه بملك عبده. لان العبد وما يملك لمولاه. وقلنا: لا يجزيه تزويجها لان الزوج لو مات حل فرجها لمالكها فلذلك قلنا: يبتها بتا تكون فيه أولى منه بنفسها، أو يكون غيره فيها أولى بها منه ومن نفسها، مثل العتق أو البيع أو الهبة لرجل من المسلمين، فإذا فعل ذلك بالاولى جاز له أن يطأ الاخرى. وقال في ذمي عنده ذمية فأسلم الرجل وأبت المرأة أن تسلم قال: لها المهر بما استحل من فرجها إن كان لم يسلمه من قبل إليها، ولا نرى
---
[ 357 ] (1/357)
أنها تحل له وسنذكر الحجة في تحريم الذميات على المسلمين إن شاء الله. قال: وكذلك إن أسلمت هي ولم يسلم هو فلها المهر كاملا وتعتد من مائة، فإن أسلم الرجل وهي بعد في عدتها فهو أولى بها بنكاحها الاول. وقال: في ذميين لم يدخل الزوج بالمرأة فأسلم وأبت أن تسلم قال: لها نصف الصداق، وقد قال غيرنا إنه لا صداق لها، وليس ذلك عندنا، كذلك لانها ثبتت على دين لا يجوز قسرها على الخروج منه. حدثني أبي عن أبيه: في اليهودي والنصراني والمجوسي يتزوج المرأة ثم يسلم وتأبى المرأة أن تسلم، ولم يكن دخل بها قال: لها من الصداق ما لغيرها، قال: ويذكر عن الحسن البصري أنه قال: ليس لها من الصداق شئ وقال: غيره لها نصف الصداق وعندي أن حكمها كحكم المسلمين. حدثني أبي عن أبيه في الاختين المملوكتين هل يجمع بينهما قال لا يجمع بين الاختين وذلك قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فيهما، والمملوكتان في ذلك كالحرتين. وحدثني أبي عن أبيه: في العزل عن الحرة والامة قال: لا بأس بالعزل عن الامة ولا بأس بالعزل عن الحرة إلا أن يكون منها مناكرة.
باب القول في الشرط في النكاح وجمع الرجل بين امرأة الرجل وابنته
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يجمع الرجل بين المرأة وابنة زوجها وقد فعل ذلك عبد الله بن جعفر جمع بين ابنة علي وامرأته، ولا بأس أن يجمع بين بنتي العمين وبنتي العمتين وبنتي
---
[ 358 ] (1/358)
الخالين وبنتي الخالتين، وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جمع بين ابنة عمته أم سلمة وبين ابنة عمته زينب ابنة جحش. قال: وكل شرط في النكاح فهو باطل إلا شرطا أجاز الله اشتراطه، ولو أن رجلا تزوج امرأة وشرط لها أن لا يتزوج عليها ولا يخرجها من قرب والديها لم يلزمه ذلك في حكم الاسلام، ولو أن رجلا زوج امرأة من رجل واشترط لنفسه جعلا كان ذلك الشرط داخلا في الصداق إن رضيت المرأة سلمته (31) إليه وإن لم ترض أخذته من يده، وكان محسوبا عليها في صداقها إلا أن يحب الزوج أن يهب له ما ذكر هبة ولا يحسبه على المرأة، وإن فعل فذلك حسن بين المسلمين والوفاء من أخلاق المؤمنين وليس يحكم به عليه، ولا يفسد تركه شيئا من نكاحه. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الرجل يجمع بين المرأة وابنة زوجها وبين ابنتي العمين وابنتي الخالين فقال: قد جمع عبد الله بن جعفر بين ابنة علي وامرأة علي رضي الله عنه، ولا بأس بذلك لانها ليست بأمها، وأما بنتا العمين والخالين فقد قال الله تبارك وتعالى: (وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك) (32) وقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أم سلمة وأمها ابنة عبد المطلب عمته، وزينب ابنة جحش وأمها ابنة عبد المطلب عمته جمع بينهما. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الرجل يتزوج المرأة ويشترط عليه أن لا يخرجها من مصرها أو قريتها أو دارها؟ فقال: لا تجوز هذه الشروط في عقدة النكاح، لان هذه الشروط على غير عدة معلومة، ولا أجل محدود.
---
ص 358 " (31) في نسخة أسلمته إليه.
(32) الاحزاب 50.
---
[ 359 ] (1/359)
حدثني أبي عن أبيه في رجل زوج ابنته أو اخته أو بعض نسائه وشرط لنفسه شيئا سوى صداقها. قال: يلزمه عقدة النكاح وشرطه داخل في صداقها ويجوز ذلك له إن رضيت المرأة. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن رجل تزوج امرأة واشترط عليها أن لا ينفق عليها، أو ينفق عليها ما شاء ويقسم لها من الليل والنهار ما شاء؟ قال هذا أيضا شرط مجهول وما أحب أن يكون في النكاح إلا شرط محدود معلوم.
باب القول فيمن كان عنده أربع نسوة فطلق احداهن متى يجوز له النكاح وما يحل للرجل من امرأته إذا حاضت
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من كان عنده أربع نسوة فطلق احداهن طلاقا يملك عليها فيه الرجعة، فلا يجوز له أن ينكح غيرها حتى تخرج من عدتها، وتستكمل ما جعل الله لها من مدتها، فإن طلقها طلاقا بائنا لا تحل له إلا من بعد زوج فلا بأس أن يتزوج متى شاء، وإن كانت في عدتها وقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: لا يجمع ماءه في خمس، وهذا عندنا فلا يصح عنه، لانه أنما يكره من ذلك أن يتزوج وله على هذه ملكة رجعة فيجمع بين خمس فأما إذا لم يكن له عليها ملك رجعة فلا بأس بذلك وأما الماء فما عليه لو جمعة في خمس أو ست إذا لم يكن له على أكثر من أربع ملك. وقال: يجوز للرجل من امرأته في حيضها ما دون ازار ولا ينبغي له أن يدنو من فرجها ولا أن يتقرب مما داناه من نجاستها، فأما إذا انخفض وانحدر
---
[ 360 ] (1/360)
عن فرجها فلا بأس أن يدنو فيما سوى ذلك منها، وقد روى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقيل إنه كان يفعل ذلك ويأتيه ولنا به أسوة حسنة، وإن اعتزل ذلك معتزل خشية العثرة واحتياطا عن نفسه من الزلة فحسن جميع، وليس ينال المسلمون من ضبط أنفسهم ما كان يناله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من نفسه. حدثني أبي عن أبيه في الرجل يكون عنده أربع نسوة فيطلق احداهن ثلاثا أيجوز له أن يتزوج الخامسة قبل أن تنقضي عدتها أم لا؟ فقال: إذا بانت منه أو ماتت عنه فلا بأس بنكاحه خامسة متى شاء، وإن كانت المطلقة في عدة تملك معها الرجعة لم يكن له أن ينكح الخامسة حتى تخلو عدة الرابعة، وكذلك الاخت إذا كانت في عدة منه يملك رجعتها فليس له أن ينكح أختها حتى تخلو عدتها، فان كانت قد بانت فلا بأس بأن يتزوج أختها. حدثني أبي عن أبيه في الرجل ما يحل له من امرأته وهي حائض فقال: ما أحب أن يتقرب منها ولا يدنو منها ولا يباشرها في ثوب ولا لحاف لقول الله عزوجل: (فلا تقربوهن حتى يتطهرون) (33) ومن المقاربة للنساء ما حذرناه من هذه الاشياء، وإن كانت عندهم إنما هي الملامسة، وقد رويت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يباشر نساءه دون الازار، وهن حيض وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أملك لاربه (34) والاحتياط أحب إلينا.
---
ص 360 " (33) البقرة 222.
(34) الارب بالكسر يستعمل في الحاجة وفي العضو والجمع آراب مثل حمل واحمال وفي الحديث وكان أعملكم لاربه أي لنفسه عن الوقوع في الشهوة.
---
[ 361 ] (1/361)
باب القول في امرأة المفقود ومعنى قوله سبحانه: (الزاني لا ينكح إلا زانية) (35) وتزوج الرجل بنت المرأة وأمها إذا لم يدخل بأحدهما
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا تتزوج امرأة المفقود أبدا حتى تعلم خبره وتوقن يقينا بموته، فإن أخطأت فتزوجت على أنه قد مات، وكان ذلك الخير قد بلغها من وفاته باطلا ثم أتى بوما وقدم عليها كان الاول أحق بها من الآخر ولا يقربها حتى تستبرى من ماء الآخر، ولها على الآخر المهر كاملا بما استحل من فرجها، فإن كانت من الآخر حاملا لم يدن منها الاول حتى تضع ما في بطنها وتطهر من نفاسها، ونسب ولدها من الآخر لاحق بأبيه لانه نكاح على شبهة، فإن لم تضع حتى يطلقها الاول فإنها تنتظر بنفسها وضع ما في بطنها من ذلك النكاح الذي كان على الشبهة بينها وبين الآخر، فإذا وضعته وطهرت من نفاسها اعتدت من الاول بثلاث حيض مستقبلة، فان أراد الاول أن يراجعها في هذه العدة فهو أولى بها فان تركها حتى تخرج من عدتها جاز لها أن تنكح أيهما شاءت نكاحا جديدا أو غيرهما إن أرادت. وأما معنى قول الله تبارك وتعالى: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) (36) فهو إخبار من الله عزوجل أنه لا يركب الفاحشة من الزنا ولا يطاوع الزاني بالفجور من النساء إلا زانية من المليين أو مشركة مستحلة للزنى من المشركين، وكذلك قوله في الزانية لا ينكحها، ولا
---
ص 361 " (35) البقرة 3.
(36) البقرة 3.
---
[ 362 ] (1/362)
يركب الفاحشة منها ولا يستحل ما حرم الله من إتيانها إلا زان من المليين أو مشرك مبيح في ذلك لنفسه من المشركين. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولا يجوز لرجل أن ينكح أم امرأة يملك عقدة نكاحها دخل بها أو لم يدخل بها لانها محرمة مبهمة مجمل تحريمها، وذلك قول الله عزوجل: (وأمهات نسائكم) (37) ولم يقل إن لم تدخلوا أولا دخلتم فأبهمنا ما أبهم، وحرمنا من ذلك ما حرم، فأما بنت المرأة التي قد دخل بها فلا تحل لزوج أمها، لانها ربيبته التي في حجره من امرأته التي في ملكه قد دخل بها وأفضى إليها، فإن لم يكن دخل بها فلا بأس بأن ينكح ابنتها، وإن كان قد ملك من الام عقدة نكاحها بعد أن لا يكون دخل بها ولا أفضى إليها، وذلك قول الله عز وجل: (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) (38) فلم يجعل في نكاحها جناحا إذا لم يكن دخل بأمها. حدثني أبي عن أبيه: في امرأة المفقود كيف تصنع فقال: ليس لامرأة المفقود أن تزوج أبدا حتى توقن له موتا فإن تزوجت وجاء زوجها فزوجها الاول أحق بها، وتعتد من الآخر من الزوجين للاستبراء، وذلك قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. حدثني أبي عن أبيه في قول الله تبارك وتعالى: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة) (39) قال: النكاح هاهنا قد يكون المسيس والمجامعة، ويكون العقد والتزويج، وأما قوله: إلا زان أو مشرك فهو لا يركب سخط الله فيها إلا وهو مشرك بالله أو زان.
---
ص 362 " (37) النساء 23.
(38) النساء 23.
(39) البقرة 3.
---
[ 363 ] (1/363)
حدثني أبي عن أبيه: في الرجل يتزوج المرأة ثم يطلقها هل يجوز له أن يتزوج أمها أو ابنتها فقال: أما الام فلا يجوز له نكاحها على حال لانها من أمهات نسائه وقد قال الله: وأمهات نسائكم، وأما البنت فجائز نكاحها إذا لم يكن دخل بأمها لقول الله عزوجل: (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) (40) فلم يجعل في نكاحها جناحا إذا لم يكن دخل بأمها. حدثني أبي عن أبيه في الرجل يتزوج المرأة فيدخل بها قيل أن يعطيها شيئا قال لا بأس بذلك إذا تراضيا وكان المهر مسمى. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وإنما أجزنا للرجل أن يدخل بها إذا كان قد سمى لها المهر، وعرفه وعرفته، إذا رضيت بذلك وأنظرته قبل أن تأخذ منه شيئا، لانها لو وهبته كله له بعد تسميته ومعرفته فأخذ جاز له هبتها وما جازت هبته فالانتظار فيه أجوز.
باب القول في أنه لا يحرم حرام حلالا وهل يجوز للرجل أن ينظر إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها، ومتى يجوز للمطلقة ولم يدخل بها أن تتزوج
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أجمع آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أنه لا يحرم حرام حلالا، وتفسير ذلك له أن رجلا بإمرأة ثم أراد أن يتزوج أمها كان ذلك جايزا له عندنا، وكذلك لو فجر بالام جاز له البنت في قولنا. قال يحيى بن الحسين عليه السلام: إذا أراد الرجل أن يتزوج
---
ص 363 " (40) النساء 23.
---
[ 364 ] (1/364)
المرأة فلا بأس أن ينظر إليها نظرة واحدة يلمح منها ما لا يحرم على المسلمين أن ينظروا إليه من المسلمات إذا أرادوا ما أرادوا، ولا ينظر في ذلك إلى عورة من عوراتها ولينظر إلى وجهها. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وإذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فليس له عليها عدة ولها أن تتزوج من ساعتها، وكذلك لو تزوجت زوجا ثانيا ثم طلقها قبل الدخول بها كان لها أن ترجع من ساعتها إلى زوجها الاول لان الله عزوجل يقول: (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) (41). حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن رجل فجر بأم امرأته أو ابنتها فقال: لا يحرم حرام حلالا، وهو قول أهل الاثر (42)، إلا أن أبا حنيفة وغيره وطائفة من أهل العراق كرهوه. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الرجل يريد أن يتزوج الامرأة هل يجوز له أن ينظر إليها قبل ذلك نظرة واحدة؟ فقال: لا بأس بالنظرة الواحدة ما لم ينظر منها إلى عورة وينظر منها إلى ما ليس بمحرم بين المسلمين (43) النظر إليه، في سوى محاسنها التي نهى الله النساء أن بيدينها إلى غير بعولتهن أو آبائهن الآية. وقد سئل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك فرخص فيه. وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن رجل طلق إمرأته واحدة أو اثنين فتزوجت ثم طلقها الآخر قبل أن يدخل بها هل يحل لها أن ترجع إلى زوجها الاول؟ فقال: لا عدة عليها وترجع إلى زوجها الاول من
---
ص 364 " (41) الاحزاب 29.
(42) في نسخة وهو قول أهل البيت.
(43) في نسخة ما ليس بمحرم بين المسلمين من المحارم النظر إليه.
---
[ 365 ] (1/365)
ساعتها، إن شاءت لقول الله عزوجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) (44) إلا أن يكون الرجل الاول طلقها ثلاثا فلا تحل له عند جميع الناس إلا بعد نكاح زوج ومسيسه، وفي مثل ذلك حديث امرأة رفاعة القرظي كان طلقها ثلاثا فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا، حتى يذوق عسيلتها)، لما أرادت الرجوع إلى رفاعة، فنهاها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك، إلا أن يكون قد جامعها الزوج الثاني.
باب القول في تفسير قول الله عزوجل: (غير أولي الاربة من الرجال) (45) وفي المرأة تتزوج في عدتها وتفسير الاكفاء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: معنى قول الله تبارك وتعالى: (غير أولي الاربة من الرجال) (46) هو غير أولي الحاجة من ذلك ما تقول العرب: ما لي في كذا وكذا من إرب، والاربة مشتقة من الارب، فيكون غير أولي الاربة من الرجال هم الذين لا حاجة لهم إلى جماع النساء، ولا ينالون السبيل إلى قضاء الحاجة منهن، وقد يكون غير أولي الاربة غير أولي الفطنة ذوي البلاهة والغفلة. قال: ولا يجوز للمرأة أن تتزوج في عدتها وأي امرأة تزوجت قبل انقضاء عدتها كانت مفسوخة عقدة نكاحها، وفرق الحاكم بين الرجل وبينها، وأحسن على ذلك أدبه وأدبها، إن ادعت وادعى جهلا بذلك،
---
ص 365 " (44) الاحزاب 49.
(45) النور 31.
(46) النور 31.
---
[ 366 ] (1/366)
وكانا في قلة العلم بما يحل ويحرم. كذلك، فان دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، والنكاح باطل بينه وبينها، وان جاءت بولد لاكثر من سنة أشهر منذ يوم دخل بها الزوج الآخر فالولد للزوج الآخر لاحق نسبه بالزوج الآخر (47) وان جاءت بولد لاقل من ستة أشهر مذ يوم دخل بها الزوج الآخر فالوالد للزوج الاول، وتبني من بعد أن تستبرى من ماء الآخر على ما مضى من عدة الاول التي قطعتها بالتزويج، فإذا خرجت من عدتها تلك تزوجت من شاءت وإذا أرادت أن تتزوج الآخر استأنفا النكاح فتناكحا نكاحا صحيحا. قال: والكفؤ فهو الكفؤ في الدين والمنصب فقط، والاولياء فهم الناظرون في أمورهم والمتخيرون لحرماتهم، وان كرهوا أحدا لم يلزموا ما كرهوا. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن قول الله سبحانه (غير أولي الاربة من الرجال) (48) فقال أولى الاربة فهم أهل الريبة، والذين ليس لهم إربة فهم الذين ليس منهم ريبة وهم أهل البلة من الرجال الذين ليس لهم فطنة بأمر النساء. حدثني أبي عن أبيه: (49) في امرأة تزوجت في عدتها، فقال: لا عقدة لها ويفرق بينها وبين من تزوجت. وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الكفؤ ما هو؟ فقال: الكفؤ في الدين والنسب فيهما جميعا.
---
ص 366 " (47) في نسخة لاحق نسبة بالزوج الثاني.
(48) النور 31.
(49) في نسخة حدثني أبي عن أبيه أنه سئل في امرأة.
---
[ 367 ] (1/367)
باب القول فيمن فجر ببكر ومعنى قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ولا يسوم على سوم أخيه)
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من فجر ببكر فغضبها على نفسها فعليه عقرها وحد مثله، ولا حد عليها، وإن كانت طاوعته إلى الفجور بها فلا عقر لها والحد لازم لهما كليهما. وأما قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يخطب الرجل على خطبة أخيه) فذلك إن كان الرجل قد أرضى (50) المرأة ورضيت، واتفقا على شئ مسمى فلا يجوز له أن يفسد على أخيه بزيادة في المهر، ولا اعتراض عليه وكذلك في السوم لا ينبغي إذا وقف صاحب السلعة والمشتري على شئ وأنعم له ببيعها به أن يدخل على سومه بعد المراضاة والتقارب والانعام من صاحب السلعة بالبيع للمشترى فيزيد على أخيه في سومه، ويرغب البائع في الزيادة في سلعته حتى ينصرف إليه ويترك ما كان عليه من مبايعة أخيه. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن رجل فجر ببكر هل يجب عليه العقر مع الحد؟ فقال، لا عقر عليه فيها ألا أن يكون غلبها على نفسها، فأما إذا كانا فجرا متطاوعين فعلي البكر منهما حده، وعلى المحصن حدة. قال يحيى بن الحسين عليه السلام: وإنما الزمناه العقر عقوبة على فعله وتعويضا للمرأة من عذرتها التي يكون أكثر رغبة الرجال في النساء لها، وإما أن يكون ذلك واجبا على غير هذا المعنى فلا يجب لانه
---
ص 367 " (50) في نسخة قد راضى المرأة ورضيت.
---
[ 368 ] (1/368)
لا يجتمع مهر يؤخذ من رجل، وحد يلزمه في فعله، وكلما وجب فيه المهر بحكم الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن فيه حد، وكلما وجب بحكم الله فيه حد لم يكن معه مهر إلا على طريق ما ذكرنا من حسن رأى العلماء وجودة تمييزهم بين الاشياء. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ولا يسوم) (51) على سوم أخيه فقال: ذلك إن كان التقارب والرضي وكان بينهم الكلام في الصداق، فأما إذا خطب هذا وخطب هذا فلا بأس به، وكذلك في السوم، وقد كان بيع المزايدة في أيام الرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفيه سوم الرجل على سوم أخيه.
باب القول في الضرب بالدف عند التزويج
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا نحب شيئا من اللهو ولا نراه ولا نختاره ولا نشاؤه، دفا كان ذلك أو غيره من جميع الملاهي، فأما الحديث الذي يروى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أنه سمع دفا في بعض دور الانصار فقال ما هذا؟ فقيل له فلان يارسول الله نكح فقال: الحمد الله أشيدوا بالنكاح أشيدوا بالنكاح، فإنما أراد عليه السلام أشيدوا بذكره وبما تسرون به من أمره، من جلبة الوليمة وضوضاء الطعام، وما يكون في ذلك من سرور جميع الانام، مما يفعله في النكاح وعليه أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأما أن يكون أمر باللهو والطرب فذلك ما لا يجوز عليه به، ولا أن ينسب شئ منه إليه.
---
ص 368 " (51) في نسخة (ولا يسم على سوم أخيه)، والجزم على النبي والرفع على النفي.
---
[ 369 ] (1/369)
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن ضرب الدف واللهو في الاعراس، فقال: كل لهو ولعب فلن يرضى به الله من أهله فلا يحل فعله.
باب القول في الرجل يتزوج المرأة على حكم من لبس بثابت العقل والرجل يزوج حرمته على دون صداق مثلها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل من تزوج أو زوج على حكم زائل العقل فلا حكم له، وللمرأة صداق مثلها من أخواتها وقرابتها وعماتها ونسائها، قال: ومن زوج قريبته على دون مهر مثلها فأنكرت ذلك المرأة على وليها ونافرت فيه عاقد عقدة نكاحها، فلها مهر مثلها، ولا يجوز ماحكم له وليها عليها، ألا أن يكون المزوج لها أبوها في حال صغرها، فيجوز حكمه عليها وفيها إذا كانت صغيرة معه.
باب القول في الرجل يجعل عتق أمته مهرها والقول في مباراة الصبية
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا عزم الرجل على أن يعتق أمته ويجعل عتقها مهرها، فليراضها على ذلك فإن رضيت فليدع الشهود ثم ليخبرهم بما راضاها عليه وراضته، فإذا سمعوا قوله وقولها قال: أشهدوا أني قد جعلت عتقها مهرها، فهي على ذلك حرة لوجه الله تعالى، وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بصفية ابنة حيي بن أخطب جعل عتقها مهرها وأعتقها. قال: وينبغي أن يقول: قد جعلت مهرك عتقك قبل أن يقول: قد أعتقتك لانه إذا قال: قد جعلت عتقك مهرك فأنت حرة على ذلك، فإن
---
ص 369 " في نسخة (ولا يجوز).
---
[ 370 ] (1/370)
أبت بعد ذلك لزمتها قيمتها تسعى له فيها، وإذا قال قد أعتقتك وجعلت عتقك مهرك. فهي بالخيار عليه إن شاءت قالت: لا أرضى لانه ساعة بدأ بالعتق فقال: قد أعتقتك عتقت وملكت أمرها، وكان قوله جعلت عتقك مهرك قولا معلقا، لها أن تجيبه إليه ولها أن تأبى عليه. قال: ولو أن صبية بارى عنها أبوها زوجها بمهرها من بعد أن طلب ذلك الزوج، فكبرت فطلبت صداقها من زوجها لقضي لها بما يجب لها منه لان الزوج قد أجاز المباراة والصبية لم تجز، وإنما أجاز الاب، والاب فليس له في صداقها أمر، وكذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قضى بذلك. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولو أن غلاما ابن خمس عشرة سنة زوج أو تزوج لزمه بزويجه له وعليه، ووجب عليه ما سمى من المهر، قال: ولو تزوج رجل امرأة على طلاق أخرى عنده فقال: قد تزوجتك على طلاق فلانة فأجاز ذلك وليها، فقد ثبت نكاحها ولها مهر مثلها، وامرأته الاولى طالق منه، لنيته لطلاقها ولفظه به لزوجته لانه حين قال علي طلاق فلانة ونوى طلاقها إذا تزوج هذه كان قوله ذلك طلاقا لها، إلا أن يكون نوى طلاقها، ولا أراد بما لفظه من الشرط فراقها، فإن كان ذلك كذلك لم يلزمه لها طلاق ولم يقع عليها منه فراق، وإن قال أتزوجك على أن أفارق فلانة فرضيت وتزوجته فلها مهر مثلها، وهو بالخيار في طلاق امرأته الاولى إن شاء لزم.
باب القول في هبة المرأة مهرها لزوجها على عوض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا تزوج امرأة على مملوك فقبضته منه ثم وهبته له ثم طلقها قيل أن يدخل بها كان
---
[ 371 ] (1/371)
الحكم في ذلك أن ينظر في هبتها له العبد، فإن كانت وهبته له على طريق صلة الرحم إن كان بينهما رحم، أو كانت وهبته له لوجد الله سبحانه أو طلبا لثوابه قاصدة به إلى الله فهذه هبة مبتوتة لا سبيل لها إلى الرجعة فيها، وللزوج إن أحب أن يرجع عليها بنصف قيمة العبد لان العبد كان صداقا لها، وإن كانت وهبته العبد اصطناعا له، واستمالة لقلبه وتحظيا إليه وطلبا لاحسانه فلم تر من ذلك شيئا وفارقها، فهي بالخيار في هبتها إذا لم تكن طلبت بها وجه الله إن شاءت رجعت فيها، وإن شاءت تركتها، وإن رجعت كان ذلك لها، وهذا مثل من وهب هبة يطلب بها عوضا، فحرم ذلك العوض الذي قصد بهبته ما وهب لطلبه، فله أن يرجع في هبته إذا حرم ما طلب بذلك من عوضه، فإذا كانت هبتها لزوجها ما وهبت لطلب إحسانه واستعطافه لم يرجع الزوج عليها بشئ من الصداق، والعبد إن طلبته مردود عليها وله عليها نصف قيمته ولها نصفه بحكم الله تعالى. فإن تزوجها على مائتي درهم فقبضتها منه ثم وهبتها له، ثم طلقها قبل أن يدخل بها، وقد استهلك المائتي الدرهم أو لم يستهلكها فكل ذلك واحد في الحق كان له في الحكم أن يرجع عليها بمائة درهم إن كانت وهبته مهرها طلبا لوجه الله تعالى أو صلة لرحمه، لانها قد قبضت منه الصداق كله، وفارقها قبل الدخول بها فليس يجوز لها من المهر الا نصفه كما حكم الله لها فيه إلا أن يعفو زوجها عن النصف الباقي، فإن لم يعف فهو له، وهبتها لزوجها ما قد قبضته منه استهلكه أو لم يستهلكه كهبتها لغيره، فعليها أن ترد عليه نصف ما أخذت من المهر، إذا كانت وهبته ذلك لوجه الله وطلب ثوابه، فإن كانت وهبته ذلك طلبا لاحسانه واستعطافا لله فهي بالخيار ولها أن ترجع عليه فتأخذ منه نصف المهر.
---
[ 372 ] (1/372)
قال يحيى بن الحسين عليه السلام: ولو أن رجلا أكره إبنته على التزويج أو إبنه، وهما مدركان فأجازا ما فعل الاب جاز، فإن زاد الاب في مهر امرأة الابن فجعل لها أكثر من مهرها وجعل مهر بنته دون مهر مثلها فلم يجيزا ذلك له، وقد أجازا إنكاحا كان لامرأة الابن مهر مثلها، وللبنت مهر مثلها، فإن أبت امرأة الابن أن تقبل دون ما شرط لها أبو زوجها كان إبنه بالخيار إن شاء أجاز ما فعل أبوه كله، وإن شاء أبطله كله فبطل النكاح.
باب القول فيمن تزوج زوجة على شئ بعينه فتلف قبل تسليم الزوج له إليها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا تزوج الرجل المرأة على عبد أو أمة فماتا كان لها قيمتهما يوم ماتا إن كان الابطاء بقبضهما من قبلها، وإن كان حبس ذلك من قبله كان لها قيمتها يوم تزوجها. قال ولو أن رجلا تزوج امرأة على نخل أو دار أو أرض ثم استحقت بعد ذلك كان لها عندنا فيه قيمة ذلك المستحق يوم تزوجها عليه.
باب القول في الجارية يزوجها أخوها أو عمها وهي صغيرة لم تبلغ ثم تبلغ فتختار نفسها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن كانت قد علمت بأن لها الخيار في ذلك، فلم تختر حتى دخل عليها فلا خيار لها، وإن كانت لم تعلم فلها الخيار إذا علمت، إن شاءت أقامت، وإن شاءت أختلعت نفسها منه، وإن كان دخل بها وهي صغيرة فلها الخيار إذا بلغت خمس عشرة سنة أو حاضت قبل بلوغ الخمس عشرة سنة، قال وإن مات أحدهما قبل بلوغ الجارية، وقت إختيارها ورثه صاحبه. قال يحيى بن
---
[ 373 ] (1/373)
الحسين عليه السلام: ولو أن رجلا زوج ابنته وهو زائل العقل، ثبت نكاحه إذا كان الزوج كفؤا لها، ورضيت بذلك المرأة ولم ينكر ذلك غيره من الاولياء، وإنما أجزنا فعله في ذلك لانه فعل ما يجوز له فعله ولم يتعد إلى غير الحق مع رضى المرأة بذلك، ومع إجازة غيره من الاولياء ورضاهم بما فعل من تزويجه لها من كفوها.
باب القول فيمن لا يجوز أن يكون وليا وإن كان محرما
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز إنكاح الذمي المسلمة ولا يكون وليا لها ولو گان أباها أو إبنها أو أخاها، وكذلك المسلمون لا يكونون أولياء لاهل الذسة، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم، وكذلك لا يكون أهل الذمة محرما للمسلمات في السفر ولو كانوا آباء أو أبناء، وكذلك لا يكون الاخ من الرضاعة، ولا الابن من الرضاعة، ولا الاب من الرضاعة وليا في النكاح، ولا المدبر ولا المكاتب ولا المملوك، لا يكونون أولياء في النكاح ولو كانوا آباء أو أبناء وقد يكون الاخ من الرضاعة والاب من الرضاعة والابن من الرضاعة أولياء في السفر محرما لمن سافروا به. وابن العم لا يكون وليا في السفر ويكون وليا في النكاح. قال يحيى بن الحسين عليه السلام: ولو أن رجلا كتب إلى رجل أن زوج حرمتي فلانة على ما ترى من المهر فزوجه إياها على أقل من مهر مثلها، بمثل ما يتغابن به الناس بينهم في البيع والشراء جاز ذلك عليه، وإن زوجها بأقل من مهر مثلها بما لا يتغابن به الناس بينهم، كان لها مهر مثلها، إذا أنكرت ولم تجز ذلك، فإن أحب الزوج أوفاها،
---
ص 373 " معناه أن يكون مخلطا في كلامه يصيب ويخطئ وأما إذا كان مطبقا عليه يهذي فهو كالنائم فلا يجوز عقده كما لا يجوز عقد النائم. ذكره في شرح علي بن بلال.
---
[ 374 ] (1/374)
وإن أحب فارقها، فإن فارقها لزمه نصف ما شرط عليه المزوج له، وإن زوجها الوكيل بأكثر من مهر مثلها فالنكاح ثابت والمهر لها، قال: ولو أن رجلا وهب ابنته لرجل أو امرأة وهبت نفسها لرجل وأجاز ذلك الاولياء كانت إجازتهم لفعلها إنكاحا منهم لها، وكان لها مهر مثلها إذا قبل ذلك زوجها، وكذلك الذي وهب إبنته إذا قال الزوج: قد قبلتها وجب لها عليه مهر مثلها. قال: وشهادة العبد في النكاح ثابته إذا كان مسلما عدلا، وشهادة الوالد لولده وشهادة الابن لابيه في النكاح جائزة يقطع بشهادتهم على المرأة في المهر وغيره، إذا كانوا عدولا ثقات. قال ولا تجوز شهادة الفاسق في النكاح ولا غيره.
باب القول في الرجل يتزوج البكر أو الثيب كم يقيم عند كل واحدة منهما، وفي المرأة تهب يومها لبعض نساء زوجها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: البكر يقيم عندها زوجها سبعة أيام بلياليها إذا دخل بها والثيب يقيم عندها ثلاثة أيام، كذلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (للثيب ثلاث وللبكر سبع) وبلغنا عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه لما دخل على أم سلمة قال: (إن شئت سبعنا لك وإن شئت درنا عليك وعليهن) فقالت: بل در علينا وقال: (إن شئت سبعت لكل امرأة من نسائي مع إني لم أسبع لا مرأة من نسائي)، فقالت أم سلمة: إنما أنا امرأة من نسائك فافعل ما أراك الله يارسول الله يارسول الله. قال يحيى بن الحسين عليه السلام: ولا بأس أن تهب المرأة يومها لبعض نساء زوجها، وقد فعلت ذلك سودة بنة زمعة بن عامر بن لؤي زوج
---
[ 375 ] (1/375)
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهبت يومها لعائشة، وذلك أنها امرأة كانت قد أسنت فأراد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فراقها، فقالت يا رسول الله لا تفارقني فإني أحب أن أحشر في نسائك وأنا أهب يومي لعائشة فقبل ذلك منها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وأيما امرأة وهبت يومها لا مرأة من نساء زوجها ثم رجعت فيه كان ذلك لها، وكذلك لو وهبته لزوجها يصرفه حيث يشاء ثم رجعت فيه كان الواجب على زوجها رده إليها أو تسريحها بإحسان.
باب القول في المرأة تملك زوجها أو بعضه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا ملكت المرأة زوجها أو بعضه فقد حرمت عليه وحرم عليها فإن أعتقته من ساعتها، استأنفا إن أرادا نكاحا جديدا لانها ساعة ملكته فقد حرمت عليه وانفسخت من يده فسخا بلا طلاق فذلك أمرناهما بتجديد النكاح، وقد قال غيرنا: إذا أعتقته من ساعتها كانا على نكاحهما، ولسنا نرى ذلك ولا نعمل عليه بل نبطله ونشدد فيه لانه لو ثبت النكاح بعد الملك لها ولم ينفسخ وجاز ذلك للعبد أن ينكح مولاته بالنكاح الاول، ولم يكن يجب على من ثبت نكاحه أن يعتزل زوجته.
باب القول في المرأة يزوجها وليها من كفؤلها وأمها كارهة لتزويجها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا رضيت المرأة والولي الذي جعل الله عقدة النكاح إليه وكان الزوج كفؤا جاز التزويج وإن
---
[ 376 ] (1/376)
سخطت ذلك الام، وإن قالت المرأة رضاي برضاء أمي لم نر أن التزويج ثابت إلا أن ترضى به الام، وإنا لنحب أن تشاور الام كما تشاور الصبية، وإن لم يكن إليها من التزويج شئ، فلا ينبغي أن تترك مشاورتها، لان لها في بنتها نصيببا، وإذا رضيت المرأة والولي جاز النكاح وإن سخطت الام.
باب القول في الرجل يتزوج المرأة ويشترط عليها نفقته، وأن تصدقه هي صداقا واشترطت عليه أن الجماع بيدها والفراق
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: شرط الله قبل شرطهما، الفراق بيده والجماع إليه والنفقة عليه ولها عليه مهر مثلها ولا شرط لها. قال ولو إن رجلا تزوج إمرأة وأمهرها واشترط عليها نفقته فإن فعلت، فذلك بفضل منها، وإن لم تف فنفقتها لازمة له أمسك أو طلق، قال: وكذلك لو شرط لها سكنى دارها لم يكن ذلك بلازم له.
باب القول في المرأة هل تلي عقدة نكاح امرأة أخرى أم لا؟
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز أن تزوج المرأة امرأة مثلها، كائنة ما كانت منها قريبتها أو أمتها ولكن تولي رجلا من المسلمين فيعقد عقدة النكاح، وقد قال غيرنا إن المرأة تزوج أمتها ولسنا نرى أن يعقد عقدة النكاح إلا الرجال لان الله تبارك وتعالى لم يأمر أن يعقد العقدة غير الرجال في جميع النكاح، حرة كانت المزوجة أو أمة، لرجل كانت أو لامرأة، ولو كان ذلك جائزا عنده سبحانه لبينه وذكر لانه
---
[ 377 ] (1/377)
قد علم موضع الامة من مولاتها، ومالها من الملك في رقبتها، ولم يذكر ذلك في كتابه من أمرها.
باب القول فيمن يتزوج بشهادة النساء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو تزوج إمرأة بشهادة نساء لا رجل معهن كان ذلك النكاح باطلا مفسوخا، ولها المهر بما استحل من فرجها، ويؤدب في ذلك أدبا شديدا، ويؤدب المزوج لها على ذلك، والنساء اللواتي شهدن، ولا رجل معهن إلا أن يدعين أنهن لم يدرين بما يحب عليهن في ذلك المزوج إن أدعى جهلا بما فعل درى عنه الادب، وكذلك المتزوج إن أدعى جهلا وقال: ظننت أن ذلك جائز دري عنه الادب هو وغيره، وما يجب عليهم بذلك وفيه.
باب القول في امرأة الابن، وامرأة الاب وفي المرأة تدعي على رجل أنه زوجها وهو منكر ذلك وفي الرجل يتزوج امرأة ويزوج إبنه إبنتها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا ملك الرجل عقدة نكاح إمرأة فقد حرمت على أبيه أبدا دخل بها أو لم يدخل بها وكذلك إذا ملك الاب عقدة نكاح إمرأة حرمت على إبنه أبدا دخل بها أو لم يدخل لقول الله عزو جل: (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) (52) وقوله: (ولا تنكحوا ما نكح أباؤكم من النساء إلا ما قد سلف) (53). قال: ولو إن إمرأة ادعت على رجل أنه زوجها وأنكر الرجل استحلف لها.
---
ص 377 " (52) النساء 23.
(53) النساء 22.
---
[ 378 ] (1/378)
قال: وإن ادعى رجل امرأة أنها زوجته وأنكرت المرأة سئل على ذلك البينة والشهود فإن أتى بهم وإلا لم تصح دعواه، فإن أدعى منهم موتا استخلفت له، وإنما سألنا الرجل الشهود، لانه لابد أن يحضر نكاحه شهودا يعرفون وجهه ويفهمونه، والمرأة لا تحضر شهودا ولا يعرف وجهها أحد، فإن أقامت بينه على المعرفة بوجهها والاثبات لها حين تدعي أنه زوجها لزمه في ذلك ما يلزمها. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لا بأس أن يتزوج الاب أم إمرأة إبنه، وأن يتزوج الابن إبنة إمرأة أبيه، أو يتزوج الاب البنت ويتزوج الابن الام. قال: ولو أن رجلا تزوج إمرأتين مسلمتين في عقدة واحدة ودخل بهما فوجد أحدهما أخته من الرضاعة، أو ذات رحم محرم، فإنه يثبت نكاح الأجنبية وينفسخ نكاح ذات المحرم، ولها المهر بما استحل من فرجها في وقت اللبسة، وكذلك كل امرأة لا يجوز نكاحها.
باب القول في الرجل وإبنه ينكحان امرأتين فتدخل إحداهما على زوج صاحبتها على طريق الغلط
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا وإبنه تزوجا امرأتين، فأدخل كل واحد منهما على امرأة صاحبه على طريق الغلط فإن الحكم في ذلك عندي وعند جميع علماء آل رسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أن ترد كل واحدة منهما إلى زوجها، وطأهما أو لم يطآنهما، لانه لا يفسد حرام حلالا، وليس هذا إلا دون التعمد، وذلك أنهما، لو تعمد الفسق ففسق كل واحد منهما بزوجة صاحبة، أقيم الحد عليهما ولم تحرم كل واحدة منهما على زوجها، في قول علماء آل رسول
---
[ 379 ] (1/379)
الله صلى الله عليه وعليهم أجمعين، فإن كانتا حين غلط عليهما، فأدخلت كل واحدة على زوج صاحبتها قد وطأهما فلكل واحدة على الذي وطئها مهر مثلها بما استحل من فرجها وترد إلى صاحبها، ولا يطأها حتى تستبري من ماء الذي وطئها، وإن كانا لم يطياهما فلا مهر لواحدة منهما على الذي أدخلت عليه، لانه لم يطأ فرجها، وغيرنا يحرمهما على أزواجهما في الفسوق والغلط، ولسنا نرى ذلك صوابا ولا نقول به. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: فإن فارق كل واحد منهما صاحبته من قبل أن يدخل بها فلها عليه نصف ما سمى لها من المهر، ولا يجوز للاب أن يتزوج تلك المرأة التي أدخلت عليه لانها امرأة إبنة وقد حرم الله ذلك بفوله عزوجل: (وحلائل أبنائكم الذين من أصلا بكم) (54) وسواء عليه دخل الابن بها أم لم يدخل، إذا كان قد ملك عقدة نكاحها، ودعيت حليلته، وكذلك لا يجوز للابن أن يتزوج المرأة التي أدخلت عليه من بعد فراق أبيه لها، وإن لم يكن أبوه دخل بها لانها حليلة أبيه، قد نكحها نكاح ملك، ونكاح الملك في هذا كنكاح المسيس، وقد قال الله سبحانه: (ولا تنكحوا ما نكح أباؤكم من النساء إلا ما قد سلف) (55) وإذا ملك عقد نكاحها فقد نكحها، وفي ذلك ما يقول الله جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله: (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) (56) ثم قال: (وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) (57) فدعاهن بالنكاح، وإن لم يكن الازواج مسوهن، وإنما
---
ص 379 " (54) النساء 23.
(55) النساء 22.
(56) الاحزاب 49.
(57) البقرة 237.
---
[ 380 ] (1/380)
لزمهن إسم النكاح بملك الازواج لعقدة نكاحهن وملكهم بذلك لهن فقط.
باب القول في رجلين تزوج أحدهما إمرأة، وتزوج الآخر إبنتها فزفت كل واحدة إلى زوج صاحبتها غلطا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلين تزوج أحدهما إمرأة وتزوج الاخر إبنتها، فغلط عليهما فزفت كل واحدة إلى زوج صاحبتها، فوطي ؤ كل واحد منهما التي زفت إليه لكان الحكم عندي وعند جميع علماء آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن ترد كل واحدة إلى صاحبها، ويكون لها على الذي وطئها مهر مثلها بما استحل من فرجها، ولا يقربها زوجها حتى تستبري من ماء الذي وطئها غلطا، ولا يفسد حراما حلالا فإن أقر أحدهما بأنه وطئ زوجة صاحبه من بعد المعرفة بها أقيم عليه الحد في ذلك، وكذلك لو أقرت إحدى المرأتين بمعرفة الذي وطئها وأنها كتمت ذلك أقيم عليها الحد. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وإن فارق كل واحد منهما صاحبته وأراد أن يتزوج المرأة التي قد زفت إليه بدلا من زوجته التي وطئها صاحبه فإن للذي كان تزوج الام أولا، ولم يدخل بها حتى فارقها أن يتزوج بنتها، وهي إمرأة صاحبه أولا، لان الله سبحانه أطلق له ذلك بقوله: (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) (58) فأطلق له تزويج إبنة زوجته إذا طلق أمها من قبل الدخول بها، وأما زوج البنت التي طلقها من
---
ص 380 " (58) النساء 23.
---
[ 381 ] (1/381)
قبل الدخول بها، فلا يجوز له أن يتزوج أمها التي زفت إليه غلطا لانها مبهمة التحريم لقول الله سبحانه: (وأمهات نسائكم) (59) فقال: أمهات نسائكم فحرمهن جملة دخل ببناتهن أو لم يدخل، إذا ملكت عقدة نكاحهن وصرن لازواجهن زوجات بما ملكوا من عقدة نكاحهن.
باب القول في تحريم نكاح أهل الذمة وتفسير ذلك من الكتاب والسنة والعقول
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قد كان إبني أبو القاسم سألني عن نكاحهن وأجبته في ذلك بجواب وأنا كاتبة هاهنا ومجتز به عن شرح غيره إن شاء الله، سألني عن نكاح اللذميات فقلت: سألتني يا بني أرشدك الله للتقوى وجعلك ممن أهتدى فزاده هدى، عن مسألة ضل فيها كثير من الناس، وكثر في ذلك عليهم الالتباس، (60) هن نكاح الذميات من النصرانيات واليهوديات، ولعمري لقد بين الله عزوجل ذلك لهم فيما نزل عليهم من الكتاب الذي فيه ذكرهم حين يقول سبحانه: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار) (61) ولا شرك أكبر ولا عند الله سبحانه أكثر (62) من شرك من جحد محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنكر ما جاء به من دعوة الاسلام، لانه إذا أنكره صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد أنكر صنع الله فيه، ومن أنكر صنع الله سبحانه في إرسال النبيين، فكمن أنكر
---
ص 381 " (59) النساء 23.
(60) وفي نسخة وكثر عليهم الالتباس.
(61) البقرة 221.
(62) في نسخة ولا شرك أكبر عند الله سبحانه ولا أكثر من شرك.
---
[ 382 ] (1/382)
صنعه في خلق المخلوقين، ومن جحد وأنكر ما جاء به محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الآيات كمن أنكر ما فطر الله وأوجده من الارضين والسموات، كما أنه من أنكر من القرآن آية واحدة محكمة أو متشابهة كمن أنكر كل القرآن، وجحد جميع ما أنزل الله سبحانه من الفرقان، لا يختلف في ذلك من قولنا، ولا يشك فيما قلنا وشرحنا عاقلان ولا جاهلان، إلا بزور وبهتان ومكابرة للحق ومعاندة عن الصدق. فاعلم يا بني أنه لا يحل نكاحهن أبدا، حتى يفثن إلى تصديق ربهن ومعرفة خالقهن، والاقرار بنبيئهن، وبما جاء به إليهن من ذي الجلال والاكرام ربهن، ومعرفة خالقهن والقبول لما أرسل به إليهن، والعمل بما به أمرهن، وعليه من جميع حدود الاسلام أوقفهن، فحينئذ يجوز نكاحهن، ويحل الافضاء إليهن، ويكن من المؤمنات المسلمات الصالحات اللواتي قال الله سبحانه: (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم) (63) فإذا كن على ما ذكر الله سبحانه من ترك الاشراك بالله عزوجل، ترك السرقة والزنا، وقتل أولادهن والبعد عن البهتان والعصيان لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فحينئذ يجوز نكاحهن (64) ويكن المؤمنات بأعيانهن، وتجب الموالاة والاستغفار لهن، فأما ما دمن على تكذيبهن لله عزوجل ولرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وجحدهن آياته وتنزيله فلا يحل لمسلم آمن بالله عزوجل نكاحهن، وهن عليه وعلى أهل ملته حرام
---
ص 382 " (63) الممتحنة 12.
(64) في نسخة يحل نكاحهن.
---
[ 383 ] (1/383)
كما حرمه الله ذو الجلال والانعام، فافهم هديت ما قلنا وتفهم ما شرحنا حتى تنجو إن شاء الله من الضلال وتبين في ذلك عن الجهال، ألا تسمع كيف يقول ذو الجلال والاكرام: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم، ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار و الله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون) (65) فأما ما يتعلق به ذووا الجهالات من قول الله فاطر الارضين والسموات: (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخذان ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله وهو في الاخرة من الخاسرين) (66) فقال الجهال أهل التكمه في الضلال، ممن حفظ التنزيل وجهل التأويل فهو يهذه هذا، ويمر إمرارا، ويتلو تنزيله ليلا ونهارا، لا يطلع منه على تأويل، ولا يعلم من معانيه بكثير ولا قليل، فهو يخبط في عمايته، ويتكمه في جهالته، يحسب أن باطنه كظاهره، ويحكم على محكمه بمتشابهه، يرد المحكمات من الآيات على ما وجد وقرأ من المتشابهات، فكلما سئل أو أجاب تكلم في ذلك بغير الصواب، لارتقائه فيما لا يعلم، وتكلمه بما لا يفهم، فهو يظن لضعف علمه، وعظيم ما هو فيه من جهله، إذ أحاط بتنزيله، أنه عالم بغامض تأويله، كأنه لم يسمع ما قال الرحمن عزوجل فيه، وفي من كان مثله من الانسان: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم
---
ص 383 " (65) البقرة 231.
(66) المائدة 5.
---
[ 384 ] (1/384)
الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيبعون ما تشابه منه إبتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الالباب) (67) فتوهم أن طعام أهل الكتاب الذي لهم رب الارباب، هو ذبائحهم التي يذبحون، ولغير قبلة الاسلام بها يتوجهون، وظنوا أن المحصنات اللواتي أطلق نكاحهن هن المقيمات على دينهن وكفرهن، وليس ذلك كما ظنوا وتوهموا، ولا على ما قالوا وذكروا، بل الطعام الذي أحل الله عزوجل، لاهل الاسلام هو ما لا تقع عليه الذكاة من طعامهم، مثل الحبوب وغير ذلك من إدامهم، وكذلك المحصنات من أهل الكتاب، فهن المؤمنات التائبات المسلمات اللواتي قد رجعن إلى الحق وقلن في الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالصدق، ودخلن في الايمان، وتركن ما كن عليه من الباطل والجحدان، فأطلق الله سبحانه للمؤمنين نكاحهن من بعد توبتهن وإيمانهن ودعاهن في هذه الحال بالكتاب وإن كن قد آمن بالله عزوجل وصدقن برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما دعى من آمن من أهل الكتاب في غير هذا المكان بما كان فيه أولا من أهل الكتاب فقال سبحانه: (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بأيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب) (68) فسماهم بالكتاب، ونسبهم إليه، وهم خارجون مما كانوا فيه تائبون، وإلى الله عزوجل من ذلك منيبون، وبرسوله وما أنزل الله سبحانه على لسانه مصدقون، فهذا معنى ما قال الله جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله
---
ص 384 " (67) آل عمران 7. في نسخة (ودعاهن في هذه الآية بالكتاب).
(68) آل عمران 199.
---
[ 385 ] (1/385)
مما ذكر من الاطعمات، وما أطلق من نكاح نساء أهل الكتاب المحصنات، لا ما توهم الجاهلون، وذهب إليه المبطلون. ومن الاحتجاج على من قال بمثل هذا الشنيع من المقال أن يقال لهم خبرونا عن هذه الزوجة الذمية يهودية كانت أو نصرانبة، هل يجب لها ما قال الله سبحانه وجعله وحكم به للازواج في المواريث وفعله حين يقول عزو جل: (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصة توصون بها أو دين) (69) فهل يجب لها الميراث في هذه الحالات وهو لها زوج وهي له زوجة من الزوجات؟ فإن قالوا: نعم أبطلوا قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقالوا: في ذلك بخلاف ما قال: به عليه السلام فيه حين يقول: (لا يتوارث أهل ملتين مختلفتين) وهذان بلا شك أهل دينين مختلفين، وإن قالوا لا يتوارثان، لما جاء عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أبطلوا ما حكم به للزوجين ذو الجلال والطول، ويقال لمن قال بذلك: ما تقول وما إليه إعتقادك يؤول في مسلم تزوج ذمية فرزق منها نسلا وذرية ثم مات ولدها، ولم يخلف من الورثة غيرها أتقولون إن ميراثه لها دون المؤمنين أم تقولون إنه لغيرها؟ فإن قالوا: هو لها دون غيرها خالفوا الامة في قولها، وإن قالوا: هو للمسلمين لا لها قيل لهم سبحان الله وكيف قلتم ذلك وجعلتم الامر فيه كذلك وهي أمه التي ولدته لم يكن على دينها فانتقل عنه إلى الايمان ولن تكن على دينه فانتقلت إلى الذمية والجحدان، وإنما تزوجها أبوه وهي على كفرها فأولدها وهي على دينها نزل ولدهاعن
---
ص 385 " (69) النساء 12.
---
[ 386 ] (1/386)
كبدها ونشأ في حجرها، لم تتغير أمه عن حالها التي كانت أولا عليها ولم ينتقل إبنها من الحال التي هو فيها، أفيحرمان الميراث لحدث أحدثاه؟ أو لسبب بعد إجتماعهما إكتسباه؟ وقد يعلم أن الله سبحانه عدل، لا يجوز في كبير ولا صغير من الامور فهل يجوز على الله في عدله وجلاله ورحمته ومحاله أن يطلق لابي هذا الغلام نكاح أمه، ويخرجه منها، ويجعله ولدها، ثم يمنعه ميراثها، ويحرمه مالها، ولم يكن منه انتقال ولا منها، ولا تحرف عن دينه ولا دينها، الذي أباح لابيه عليه وفيه نكاحها، وأحل له مقاربتها، وأجاز له مضاجعتها، والبذر في موضع حرثها، وسوغه ذلك، وجعل نكاحه لها نكاحا جائرا حلالا سائغا، حتى إذا فعل ما أجاز الله سبحانه له من ذلك، وأخذ ما أطلق له ربه كذلك، فغشيها بأمر خالقه، وأولدها ما رزقه الله عزوجل من ذريته، حجب الله سبحانه ولدها عن مالها، وحرمه أكل ميراثها، وقد ورث غيره من أمه وجعل لامه نصيبا في ماله، وأنزل ذلك مفسرا في القرآن، وبينه في الوحي غاية البيان، فأعطى غيره وحرمه على غير شئ أجترمه، ولا حدث أحدثه، فتعالى الله عما يقول الجاهلون، وينسب إليه المبطلون؟! بل الله عزوجل أطلق في قولهم وأجاز في أصل زعمهم ومذهبهم لابي هذا الغلام نكاح من ليس من أهل الاسلام، فنكح ما أطلق الله سبحان له، وبذر فأخرج الله بذره في الحرث الذي رزقه ووهبه، فلم يتعد ما به أمر، ولم يخرج إلى ما منه حذر، ولم يغش ما عنه زجر، بل هو على الطريق المستقيم، وهو في ذلك كله مرض للاله الكريم، فهل يجوز على الله سبحانه في عدله وجوده وكبريائه أن يطلق لعبده نكاح أمة حرة من إمائه، ثم يحرمه ميراثها، ويحرم ذلك ولدها، الذي جعله الله سبحانه من أبيه ومنها، وأخرجه مما أمر به من النكاح، لا مما حرم من السفاح، ثم
---
[ 387 ] (1/387)
يمنعه مما جعل لغيره من جميع عبيده؟! فلا بد لهم من القول: بأحد ثلاثة معان: إما أن يقولوا: إن الله عزوجل أطلق للمسلمين وأجاز، وأحل نكاح الذميات اليهوديات والنصرانيات، فيلزمهم أن يورثوهن من أزواجهن ويورثوا أزواجهن منهم ويورثوا من كان من أبنائهم ما لهن، ويورثوهن من أبنائهن ما سمى الله لهن، أو ينسبوا الظلم إلى إلههم، ويقولوا به في خالقهم، إذ كانوا يزعمون أنه أطلق لهم نكاح الذميات واستيلادهن، وجعلهن زوجات كغيرهن، وأوجب لهن مهور مثلهن، وأوجب العدتين عليهن، ثم حجبهن الله تعالى عن ذلك عن ميراث أزواجهن وأولادهن، وحجب أزواجهن وأولادهن عن وراثة مالهن، وقد أطلق لغيرهم الوراثة، ثم منعهم هم الوراثة، عن غير جرم إجترموه، ولا عصيان افتعلوه، بل الازواج فعلوا ما أجاز الله سبحانه وأطلق لهم، والاولاد فهو عزوجل أوجدهم وخلقهم، ولا ذنب لهم فيما أطلق وفعل غيرهم. أو أن يرجعوا إلى الحق فيقولوا إن الله عزوجل لم يجعل، ولم يطلق ولم يجز ولم يخلق ما قالوا عليه به من الامر بنكاح الذميات، كما أذن وأمر بنكاح المسلمات، فيكونوا في ذلك مصيبين، ولربهم تعالى غير مجورين، ولو كان ذلك شيئا أطلقه الله سبحانه وتعالى عن كل شأن شأنه، لذكر مواريثهم في الكتاب بتحريم أو غير ذلك من الاسباب كما ذكر غيرها مما هو لا شك دونها، ولذكر ذلك الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشرعه وأبانه لاهل الاسلام، وكيف لا يكون لو كان يقول الجاهلون تفسيره في الكتاب والسنة يعلمه العالمون، والله يقول ذو الجلال والسلطان فيما نزل على نبيه من الدلائل والفرقان: (ما فرطنا في الكتاب من شئ ثم إلى ربهم يحشرون) (70) وهذا فأعظم ما يحتاج إليه
---
ص 387 " (70) الانعام 38.
---
[ 388 ] (1/388)
من الشئ ففي أقل مما قلنا، وبه في ذلك احتججنا ما كفى عن التطويل وأجزا وأغنى بحمد الله وشفى من كان للحق طالبا وفي الهدى والصدق راغبا. ألا تسمع كيف يقول الرحمن مما نزل على نبيه من الفرقان: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا أباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم الآية) (71) ولا مودة يا بني أكثر ولا عند من عقل أكبر من الافضاء والمداناة والمقاربة والملامسة والمناكحة والمباشرة لما في ذلك من السرور من المضاجع بالضجيع، وذلك فلا يعدم أبدا من رفيع أو وضيع، ولا سيما إذا صادف منها زوجها موافقة، وكانت له معينة رافقة، مع ما يكون بينهما من التواد على الولد وغير ذلك، مما لا يشرك فيه من أمر الزوجين أحد، حتى ربما كانت الزوجة الموافقة المطاوعة الباذلة المواسية الشفيقة المتابعة أحب إلى صاحبها من أمه وأبيه، وعصبته وحامته، وقرابته وماله وولده وإخوانه، لا يجد عن ذلك بعلها إنحرافا، ولا تستطيع عنه أبدا إنصرافا ولو حرص على ذلك بكلية حرصه، وجهد عليه بغاية ما ركب فيه من جهده، فهل يكون من الموادة أكثر مما ترى وتسمع في ذلك وتعلم وتلقى، فنعوذ بالله من العماية والردى، ونسأله السلامة في الدين والدنيا، فلقد جهل غاية الجهل، وارتكب أكبر ما يكون من الفعل، وقال على الله عزوجل بالزور والبهتان، وخسر يوم حشره غاية الخسران - من قال: إن الله تقدست أسماؤه وعز بكريم ولايته أولياءه أطلق لعبد من عبيده نكاح أمة من إمائه، وقد يعلم سبحانه ما في الا مناكحة من الموالاة، ثم أمره فيها بالمناصبة والمعاداة، وقد يعلم سبحانه أنه لا يطيق بعضها عند ما يكون
---
ص 388 " (71) المجادلة 22.
---
[ 389 ] (1/389)
من موافقتها ألا تسمع كيف يقول سبحانه: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا يين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) (72) يقول سبحانه: ولن تستطيعوا أن تساووا بينهن في المحبة أبدا، ولو جهدتم جهدكم، إذ هن مختلفات في أعينكم وموافقتكم وقلوبكم، فلم يكلفكم المساواة بينهن في المحبة لهن، كما كلفكم المساواة بينهن في غير ذلك من أمرهن، لانه علم سبحانه أن ذلك مما لا تقدرون عليه، ولا تستطيغون أبدا المصير إليه ولن يكلف الله عزوجل عباده ما لا ينالونه ولا يقدرون عليه ولا يطيقونه ألا تسمع كيف يقول ذو الجلال والاكرام والطول: (لا يكلف الله نفسا وإلا وسعها) (73) ويقول (لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) (74) ويقول عزوجل: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (75) ويقول جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله: (وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين) (76) يريد ما جعل عليكم في الدين والتحقيق من عسر ولا تشديد ولا تضييق، ولعمر العماة المتجبرين، والغواة المبطلين، مامن ضيق ولا عسر ولا تكليف لما لا يطاق من الامر أشد من هذا لو كان كما يقول الجاهلون وينسب إلى الله عزوجل الظلمة الضالون، بل كلف سبحانه يسيرا وأعطى على كل قليل كثيرا، ولم يجز لعباده من ذلك أمرا، بل أحدث لهم عنه نهيا وزجرا، فتعالى عن ذلك الكريم ذو الجبروت المتفضل ذو الرأفة والملكوت، والحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وسلام على المرسلين.
---
ص 389 " (72) النساء 129.
(73) البقرة 286.
(74) الطلاق 7.
(75) البقرة 185.
(76) الحج 88.
---
[ 390 ] (1/390)
باب القول في المرأة تكون عند الرجل فيموت ولدها من غيره وفي المرأة ترضع زوجها في الحولين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه، ينبغي إذا كانت المرأة عند زوج وكان لها ولد من زوج قبلة فمات الولد الذي من الزوج الاول أن يقف عن جماعها الزوج الذي هي معه حتى يتبين له أحامل هي أم غير حامل، وإنما قلنا بذلك لانها إن كانت حاملا في وقت ما مات ولدها، ورث هذا الحمل من أخيه من أمه، وإن كان للميت أب أوجد أو ولد ولد فلا يقف عن جماعها زوجها ولا يستبرى رحمها لان هولاء كلهم يحجبون الحمل عن الميراث لانه أخو الميت من أمه، وولد الام لا يرثون مع هؤلاء الاربعة الذين سمينا، وكذلك بلغنا عن أمير المومنين علي ابن أبي طالب عليه السلام: وعن الحسن بن علي رحمة الله عليهم أنهما أمراه بالوقوف إذا لم يكن من هولاء الاربعة الذين سمينا أحدهم. قال يحيى بن الحسين عليه السلام: وأما المرأة التي ترضع زوجها في الحولين، فهو رجل يكون عنده المرأة فتلد منه ثم يطلقها، فيزوجها وليها صبيا صغيرا لم يتم له حولان فترضعه المرأة قال: فإذا فعلت ذلك فقد حرمت عليه لانها صارت أمه من الرضاعة وقد حرم الله سبحانه الام من الرضاعة، ولا صداق لها لان الفسخ جاء من قبلها، فإن أراد زوجها الاول أن يراجعها فلا يحل له نكاحها ولا يجوز له ارتجاعها إذا كان قد طلقها ثلاثا، ولا تحل له إلا من بعد نكاح زوج وطيها، ولها أن تتزوج من ساعتها لانها لا عدة للصبي عليها لانه لم يدخل بها.
---
ص 390 " هذا كلامه في الاحكام وفي المنتخب أنها لا تحل له لانها زوجة ابنه من الرضاع ذكره في التحرير.
---
[ 391 ] (1/391)
باب القول فيمن تحل المرأة بنكاحه لزوجها الاول وتسمية العيوب التي ترد بها المرأة إذا دلست
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه، إذا طلق الرجل زوجته طلاقا لا تحل له إلا بعد زوج فتزوجها مدبر أو مكاتب (77) فعجز أو عبد مملوك باذن سيدهم، ثم طلقها أي هؤلاء الثلاثة كان له أن يراجعها من بعد أن مسها المتزوج فهي تجل بنكاحهم لزوجها الاول، وان نكحها أحد من فاسد، قال ويرد المرأة زوجها إذا دلست عليه ولم تخبره بأربعة أشياه: البرص، والجذام، والجنون، والقرن، وإذا ردها أخذ ما دفع إليهم من المهر إلا أن يكون قد وطئها فإن كان قد وطئها فيلزمها أو يطلقها ولا يرجع بالمهر عليها.
باب القول فيمن ارتد عن الاسلام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا ارتد المسلم ولحق بدار الحرب فإذا حاضت امرأته ثلاث حيض فقد حلت للازواج، ويقسم ماله على ورثته وترثه الزوجة معهم، فإن ارتد جميعا الزوج والزوجة فهما على نكاحهما أبدا حتى يعرض الاسلام فإن أسلما فهما على نكاحهما وإن أبيا، وإن أسلم أحدهما قتل الاخر وورثه المسلم. قال يحيى بن الحسين عليه السلام: والمرتد يرثه ورثته المسلمون ولا يرثهم، لان حكمه حكمهم إذ لا حكم له غير الرجوع إلى الاسلام أو
---
ص 391 " (77) في نسخة أو مكاتب عاجز.
---
[ 392 ] (1/392)
القتل. قال: ولو أن مسلما ارتد فلم يعرض عليه السلام حتى حاضت امرأته ثلاث حيض ثم عرض عليه الاسلاام فأبى فقتل لم ترثه امرأته لانها قد خرجت من العدة قبل قتله. قال: وإذ إرتدا جميعا الزوج والزوجة معا فجاءت بولد لاقل من ستة أشهر منذ ردتهما فحكم الولد حكم الاسلام، لانه حمل كان في الاسلام واستقر في رحم أمه على الحق وهو يرثهما ولا يرثانه لانه مسلم، وإن جاءت به لاكثر من ستة أشهر فحكمه حكمهما داخل في ردتهما لا يرثانه ولا يرثهما. قال: وإن أسلم رجل وامرأته في دار الحرب فهاجر أحدهما إلى دار الاسلام وتخلف الآخر، فان كان تخلفه لعلة له مانعة عن الهجرة فهو أولى بصاحبه، وان كان تخلفه رغبة في الدار وزهدا في الاسلام فإذا حاضت المرأة ثلاث حيض فقد خرجت من حباله. وقال إذا هاجرت المرأة من دار الحرب مسلمة إلى دار الاسلام فلا تتزوج حتى تستبري نفسها إن كانت ذات بعل في بلاد الشرك استبرت رحمها بثلاث حيض وإن كانت أمة استبرت رحمها بحيضة. قال: والامة إذا سبيت استبرت بحيضة.
باب القول في الحربي ويسلم ويهاجر وله في دار الحرب زوجة صبية
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: هو أولى بها ما لم تمض ثلاثة أشهر منذ أسلم زوجها، فان لم تمض الثلاثة الاشهر حتى أسلم أحد أبويها فقد جر اسلامه اسلامها، وهي زوجته على حالها ومتى خرجت إلى دار الاسلام في صغرها أو بعد كبرها فهو أولى بها.
---
[ 393 ] (1/393)
باب القول في المشرك يسلم وله عشر زوجات منهن من تزوجه جملة في عقدة واحدة ومنهن من تزوجه مفترقا وفي الحربي يخرج إلى دار الاسلام بأمان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن كان هذا الذي أسلم تزوجهن معا في عقدة واحدة فارقهن كلهن، ثم اختار منهن أربعا، ولا تكون مفارقته لهن طلاقا لان النكاح كان من أصله فاسدا، فيتزوج الاربع تزويجا مبتدأ صحيحا، وإن كان تزوج أربعا في عقدة وثلاثا في عقدة ثبت نكاح الاربع وسقط نكاح الثلاث، وإن كان تزوج اثنتين في عقدة، وثلاثا في عقدة، واثنتين في عقدة ثبت نكاحها الثنتين الاولتين، والثنتين الآخرتين، وبطل نكاح الثلاث وإن كان تزوج واحدة في عقدة وستا في عقدة وثنتين في عقدة واحدة، وواحدة أخرى في عقدة ثبت نكاح الاولى وبطل نكاح الست وثبت نكاح الثنتين، وثبت أيضا نكاح الواحدة الآخرة يثبت له من ذلك ما يتم له أربعا ويسقط ما سوى ذلك. قال: وأما أهل دار الحرب إذا دخلوا إلى بلاد المسلمين بأمان في تجارة أو غيرها نساء كانوا أو رجالا فإنه ينبغي لامام المسلمين أن يعلمهم أنه لا يجوز لهم أن يقيموا في دار الاسلام أكثر من سنة، ويخبرهم أنهم إن أقاموا أكثر من سنة لم يتركهم أن يرجعوا إلى بلدهم، وكان لهم عنده أحد معنيين إما أن يسلموا فيكونوا من المسلمين لهم مالهم وعليهم ما عليهم، وإما أن توضع عليهم الجزية ويكونوا ذميين.
---
[ 394 ] (1/394)
باب القول في ردة الصبي وفي من أسلم ثم ارتد قبل أن تسلم أمرأته
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا تكون ردة الصبي ردة حتى يكون في حال تجرى عليه الاحكام وهي أن ينبت أو يحتلم، لان في ردته لو لزمته القتل إن لم يرجع، ولو حكمنا عليه بالردة لحكما عليه بالاستتابة، ولو حكمنا عليه بالاستتابة، لحكمنا عليه بالقتل ان لم يتب، والقتل فلا يجري عليه حتى أو يحتلم، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بيهود بني قريضة، قتل من كان منبتا فلذلك قلنا إن ردة الصبي لا يحكم بها عليه. قال، وإذا أسلم الرجل ثم ارتد قبل أن تسلم امرأته فرجع إلى دين امرأته أو غيره من الاديان فقد بانت امرأته منه، لانه كان قد دخل في حد الاسلام ثم ارجع عنه، فليس له إلا التوبة أو السيف فإن كان دخل بها فلها المهر كاملا، وان كان لم يدخل بها فلها نصف المهر لان الفرقة جاءت من قبله. قال: ولو أن مجوسيا تنصر، أو نصرانيا تهود، أو يهوديا تمجس، لرأينا أن الوصلة بينه وبين زوجته قد انقطعت، ولها المهر بما استحل من فرجها، ولسنا نقول: إن الشرك كله ملة واحدة كما يقول: غيرنا فنثبتهما على نكاحهما، وكيف يكون كله دينا واحدا وبعضهم أكفر من بعض، وأغلا في الدين من بعض، وكل يكفر صاحبه، ويتبرأ منه ومن دينه، فمن يجمع من كان ذلك في الاختلاف، بل نفرقهم بأديانهم، كما فرقوا أنفسهم بمذاهبهم. وإن كانوا عندنا كافرين، وفي حكمنا بحكم الله عز وجل مشركين. ألا تسمع كيف يخبرك الله عز وجل بتكفير بعضهم
---
[ 395 ] (1/395)
لبعض، مع ما تراه بعينك عيانا منهم، وتسمعه بأذنك من أقاويلهم، واختلاف أديانهم، وفي ذلك ما يقول الله عزوجل: (وقالت اليهود ليست النصارى على شئ وقالت النصارى ليست اليهود على شئ) (78) قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وكذلك ما ذكرنا من اختلافهم، وميزنا من أديانهم، ما لم تجز نكاح اليهودي للنصرانية، ولا النصراني لليهودية، ولا لصنف من المشركين منافر لصنف أن ينكح فيه.
باب القول في الذمي تسلم امرأته فيطلقها وهي في عدتها والذمية تسلم ولها زوج صغير
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن ذمية أسلمت ولها زوج ذمي أنقطعت بينهما الوصلة وعليها العدة من مائة، فإن طلقها وهي في عدتها لزمها الطلاق واعتدت له من يوم طلقها، لان املامها لم يكن طلاقا، وإنما كان فرقة وفسخا، وإن أسلم يوما من الدهر زوجها، فأراد مراجعتها كانت معه باثنتين. قال: ولو أن ذمية بالغة تزوجت ذميا صبيا ثم أسلمت بعد ذلك حبست عليه حتى تجري عليه الاحكام ثم يدعى إلى الاسلام، فإن أسلم فهما على نكاحهما، وإن أبى فرق بينهما، وكذلك لو كان الزوج كبيرا فأسلم وأبت الزوجة أن تسلم لم يجز له نكاحها، وكان الاسلام قد فسخه بينهما عندنا وفي قولنا، إلا إن تسلم وهي في عدتها فيكونا على نكاحهما، فأما ما يروى في ذلك ويقال به على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من أنه أجاز نكاح الذميات، فلا يصدق بذلك
---
ص 395 " (78) البقرة 113.
---
[ 396 ] (1/396)
عليه، ولا نقول به فيه لانهن مشركات، وقد قال الله سبحانه: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) (79).
باب القول فيمن ذلك ذى رحم محرم ومن ملك ذا رحم غير محرم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: " من ملك ذا رحم محرم فهو حر " قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: إذا ملك الرجل ابنته، أو أخته، أو أمه، أو خالته، أو بنت إبنه، أو بنت بنته، أو بنت أخته، أو بنت أخيه، وإن سفلن، أو جدته أم أبيه أو أم أمه، أو جدة جدته فهن أحرار ساعة يملكهن بأي ملك كان، وإن ملك في واحدة منهم شقصا عتق ذلك الشقص عليه واستسعى لشريك صاحبه في قيمة ماله فيه. وإن كان ذورحمه اشتراه وهو يعلم أنه يعتق عليه إذا ملكه ضمن لشريكه باقي قيمته، وكذلك لو كان بدل أولئك النساء رجال في منازلهن، عتقوا على قريبهم إذا ملكهم. قال وإن ملك ذا رحم غير محرم عليه نكاحه فله أن يسترقه ويشتريه ويبيعه مثل بنت العم وإبن العم، وإبن الخال، وإبن الخالة، وإبنة الخالة، وإبن العمة وبنت العمة، وأخيه من الرضاعة، وبنته من الرضاعة، وأخته من الرضاعة، وعمته من الرضاعة، وخالته من الرضاعة، وجدته من الرضاعة، وعمته من الرضاعة، وخالته من الرضاعة، وجدته من الرضاعة، من قبل أبيه وأمه، فكل هؤلاء يجوز له بيعهم وشراؤهم واسترقاقهم ولكن ليس له أن يطأ محرما من الرضاعة.
---
ص 396 " (79) البقرة 212.
---
[ 397 ] (1/397)
باب القول في الجارية تكون بين الرجلين فتأتي بولد من أحدهما
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا كانت الجارية بين الرجلين وجاءت بولد من أحدهما ضمن صاحب الولد نصف قيمة الام يوم حملت، ونصف قيمة الولد يوم ولد، ونصف العقر، ويدرأ عنه الحد لانه قد ضرب فيها بسهم، ولا نرى أنه يسقط عنه العقر، لانه غشيها ولا يجوز له غشيانها، ولو سقط عنه عقزها لسقط عنه نصف قيمة ولدها، لان العقر قبل الولد، وهم مجمعون على أنه لو وطئها ولم يولدها للزمه نصف عقرها، ومتى لزمه نصف عقرها لزمه نصف قيمة الولد، ومتى لزمه نصف قيمة الولد لزمه نصف قيمة العقر، لانهما كليهما سيان، هما لفاعلهما فعلان، وجنايته على شريكه فهما جنايتان متساويتان، وإن سقطت إحداهما سقطنا جميعا وإن ثبتت إحداهما ثبتتا جميعا. قال: ولو كان شريك هذا الواطئ لهذه الجارية أخا لوجب عليه نصف قيمة الامة، ونصف قيمة عقرها وسقط عنه نصف قيمة ولده لان ولده حربملك عمه لنصفه لانه من ملك ذا رحم محرم فهو حر.
باب القول في استبراء الامة عند البيع والشراء والقول في الرجل يتزوج الامة ثم يشتريها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه وسلامه: يجب على من باع أمة أن يستبرأها قبل بيعها بحيضة، وكذلك يجب على المشتري أن يستبرأها من قبل وطئها بحيضة، فإن كانت صغيرة أو كبيرة قد يئست من الحيض استبرأها بشهر قبل بيعها، وقبل وطئها، وإن اشتراها وهي حامل فوضعت عنده فقد حلت له بعد استقلالها من نفاسها، وطهرها من دمها.
---
[ 398 ] (1/398)
قال وإذا تزوج الرجل أمة ثم اشتراها قبل أن يدخل بها فقد أفسد الملك النكاح، وليس إفساده إياه بطلاق، وللمشتري أن بطأها بالملك، وليس لسيدها الاول أن يطالب زوجها بنصف الصداق الذي كان شرط لها أو لا. وإن أحب هذا الذي اشتراها أن يهبها أو يزوجها أو يبيعها فذلك له قال: وإن كان حين تزوجها من سيدها الاول دخل بها قبل شرائها ثم اشتراها فقد أفسد الملك النكاح أيضا، وله أن يطأها بالملك وللذي باعها على الذي اشتراها الصداق كاملا لانه قد وطئها في ملكه إياها وقبل بيعه لها، وإن أراد هذا المشترى أن يزوجها أو يبيعها لم يجز له ذلك حتى يستبرءها بثلاث حيض فإن كانت ولدت منه قبل أن يشتريها ثم اشتراها انفسخ النكاح وثبت الملك. قال: ولو أن رجلا حرا تزوج مملوكة كان أولاده مماليك إلا أن يشترط عليهم أن أولاده أحرارا فيكون الشرط واجبا له عليهم.
باب القول في نكاح المماليك وطلاقهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: العبيد في النكاح والطلاق والعدة مثل الاحرار سواء سواء لا فرق بينهم وبينهم في ذلك، لان الله سبحانه لم يفرق بينهم في كتابه، وقد علم سبحانه مكان المماليك، ولو كان أراد تفرقة بينهم في نكاح أو طلاق أو عدة لبين ذلك في كتابه، أو على لسان نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يأت في كتاب الله عزوجل لذلك فرق، ولا عن نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم إجماع بتفرقة بين المماليك والاحرار.
---
[ 399 ] (1/399)
باب القول فيمن أمر بنكاحه من النساء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (عليكم بذوات الاعجاز فإنهن أنجب وفيهن يمن) قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: يريد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالنجابة الاولاد واليمن فهو البركة والخير. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وللرجل أن يزوج عبده أم ولده إذا أعتقها برضى منها، ويزوج مدبرته وأمته وإن كرهتا ذلك، وكذلك له أن يزوج مكاتبته إذا أذنت له المكاتبة في ذلك، ويكون صداق المكاتبة لها تستعين به في مكاتبتها، ويكون ولدها في معناها إذا أدت ما عليها من الكاتبة عتقوا وعتقت، وإن عجزت أسترقوا واسترقت، وكذلك أولاد المدبرة يعتقون إذا عتقت. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: إذا ولدتهم بعد المكاتبة أو التدبير، وإذا زوج الرجل أمته أو مدبرته فلهما الخيار إذا عتقا إن شاءتا أختارتا أنفسهما، وإن شاءتا أزواجهما، وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في بريرة جارية اشترتها عائشة فكان فيها من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أربع سنن: فأولهن أن عائشة اشترتها، واشترط عليها الذي باعها أن الولاء له قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الولاء لمن أعتق). وتصدق على بريرة بشئ، فذكرت ذلك عائشة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال صلى الله عليه وعلى وآله وسلم: (هو عليها صدقة ولنا هدية) وأكل منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
---
[ 400 ] (1/400)
والثالثة أنه كان لها زوج فخيرها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد العتق فجرت السنة بتخيير الامة بعد عتقها، فإن أختارت نفسها كان ذلك فسخا لما بينها وبين زوجها من النكاح، وإن اختارت زوجها كانت معه على نكاحها. والرابعة أنه لم يجعل بيعها طلاقها ولو جعل بيعها طلاقها لم يخبرها من بعد عتقها في أمرها، وأمر زوجها، فجرت السنة بهذه الاربع من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قال الامام محمد بن يحيى رضي الله عنه: سواء كان الزوج حرا أو عبدا قال يحيى بن الحسين عليه السلام: ولو أن رجلا قال لرجل: قد أحللت لك جاريتي تطأها وقد أبحتها لك فطأها، أو قالت: امرأة ذلك لزوجها أو أم لابنها أو أحد من الناس لاحد من الرجال لم يكن ذلك يحل له ولا يجوز. فإن وطئ أحد أمة بهذا القول، وهو يرى أنه يجوز له ولا يعلم أنه حرام درئ عنه الحد بالشبهة وعليه مهر مثلها بوطئه لها، وإن وطأها وهو عارف بأن هذا لا يحل ولا يجوز وجب عليه الحد في ذلك.
باب القول في الغايب ينعى فيقسم ميراثه ثم يقدم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا نعي الرجل الغائب فاقتسم ماله ثم رجع أخذه من كل من كان عنده، وإن كان أحد من الورثة قد أعتق بعض رقيقه عادوا إليه مماليك وإن باع بعض الورثة من رقيقه أو من أمواله شيئا أخذه حيث وجده ورجع الذي هو في يده عى من باعه وإن كانت له مدبرة فوجدها قد تزوجت أخذها، وأخذ عقرها، وقيمة ولدها من زوجها، ويكون الولد حرا لاحقا بنسب أبيه وإن وجد بعض
---
[ 401 ] (1/401)
الورثة قد استهلكوا شيئا من ماله رجع عليهم بما استهلكوا، وطالبهم به. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولو عبدا تزوج حرة بغير أمر سيده ولم تعلم المرأة أنه لم يستأذنه ثم بلغ السيد ففسخ النكاح بينهما كان له ذلك وكان له أن يأخذ منها ما دفع عبده من الصداق إليها وكان لها أن تطالب العبد إذا عتق يوما بمهر مثلها.
باب القول في تزويج المكاتب واشترائه زوجته
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا اشترى المكاتب زوجته التي كان تزوجها بأمر سيده فليس يبطل اشتراؤه إياها نكاحه وله أن يطأها بالنكاح الاول الذي كان بأمر سيده فإذا أدى مكاتبته فسد النكاح، وكان له أن يطأها بالملك، وكذلك إذا اشترى المكاتب الامة فليس له أن يطأها فإن تزوجها بعد الشراء أو أعتقها لم يكن له أن يطأها بالنكاح ولا بالملك حتى يؤدي مكاتبته فيجوز له أن يطأها بالملك حينئذ، وإن أحب أن يعتق أعتق لانه لم يكن ملكها قبل أن يؤدي مكاتبته فيجوز أمره فيها ألا ترى أنه لو عجز كان ذلك كله لسيده دونه.
باب القول فيما يوجب المهر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا دخلت المرأة على زوجها وخلى بها، وأرخى ستره عليها، وأغلق بابه، فقد وجب الصداق عليه، قربها أو لم يقربها وكذلك يذكر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: " إذا أرخى الستر وأغلق الباب فقد وجب عليه المهر "
---
[ 402 ] (1/402)
قال يحيى بن الحسين عليه السلام: ولو أنه أرخى سترا عليها وأغلق بابا وفي البيت معه غيره أخته أو أمه أو أم امرأته أو أختها ولم يمسها لم يوجب عليه ذلك المهر، وإنما يوجب ذلك المهر إذا كانت معه خلوة، ولو أنه صلقها من بعد أن أرخى ستره عليها وعليه وكان معه من سمينا من قرابتها أو قرابته لم يكن عليه لها إلا نصف المهر.
باب القول فيمن تزوج على وصيف أو وصيفة أو أكثر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يتزوج الرجل على الوصيف أو الوصيفة والوصفاء والوصايف إذا شرط لها من ذلك شرطا معروفا في القدر واللون والجنس، ويجب لها ما وصف لها على ما وصف، وإن لم يصف صفة فلها الوسط من ذلك. قال وينبغي إن وقع بينهم في ذلك تشاجر أن يوسطوا بينهم من يعرف ذلك وقيمته من النخاسين، وأحب إلينا له ولها أن لا تتزوجها على وصيف ولا وصفاء لان ذلك يتفاوت ويقع فيه الاختلاف ولا يوقف فيه على حد، وإن فعل ذلك فاعل كان ما ذكرناه في أول المسألة. قال: ولو أن رجلا تزوج امرأة على امرأة حرة، أو حر، ولم تعلم كان لها مهر مثلها، وإن تزوجها على مدبرة أو مكاتبة أو أم ولد وهي لا تعلم فلها قيمة ما تزوجها عليه يوم وقعت عقدة النكاح وإن تزوجها على ما لا يجوز بيعه ولا شراؤه من خمر أو خنازير أو قتل إنسان فإن ذلك مما لا يجوز في المهر فلها مهر مثلها.
---
[ 403 ] (1/403)
باب القول في الرجل يتزوج المرأة على أمة بعينها فيطأها من قبل أن يسلمها إليها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا تزوج امرأة على أمة وشرطها لها مهرا ثم وطأها قبل أن يسلمها إليها درئ عنه الحد بالشبهة لانها في ضمانه بعد، فإن جاءت بولد فهي في ذلك بالخيار إن شاءت أخذتها وعقرها وأخذت ولدها وإن شاءت أخذت مهر مثلها، وإن شاءت أخذت قيمتها وقيمة ولدها، فإن طلقها قبل أن يدخل بها فعليه نصف عقر الجارية، والجارية بينه وبينها نصفين، ويسعى الولد لها في نصف قيمة ولا يلحق نسبه بنسب أبيه لانه وطئ أمه وطئا غير مستقيم ولا جائز له ولا تكون الامة للرجل أم ولد لانها ولدت منه على غير استقامة. قال ولو أن رجلا تزوج امرأة على جارية أو فرس أو ناقة فلم يقبضها حتى ولدت الجارية أو نتجت الفرس أو الناقة فإنها تأخذها وولدها فإن مات ولدها قبل أن تقبضها وأحبت أن تأخذ الجارية بنقصانها أو الدابة فذلك لها، وإن شاءت ردتها وأخذت قيمتها يوم وقع النكاح. باب الوكالة في النكاح قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا كتب إلى رجل زوجني فلانة على ألف درهم فزوجه إياها على ألفي درهم وأجاز ذلك الزوج جاز، وإن قال: الزوج لا أرضى بما فعلت ولا أجيزه، فقالت المرأة: أنا أرضى بالالف لم يكن ذلك نكاحا ثابتا لانه قد نقضه بقوله لا أرضى ولا أجيز ماقعلت، فإن كان حين بلغه ما فعل الوكيل قال: أنا أجيز عقدة النكاح ولا أجيز ما سمى من المهر عرض ذلك على المرأة، فإن رضيت بالالف الواحد جاز النكاح، وإن لم ترض إلا بما اشترطت على الوكيل كان النكاح مفسوخا. قا ل: وإنما أجزناه إذا رضيت المرأة بالالف
---
[ 404 ] (1/404)
الواحد لانا أقمنا الالف الثاني مقام شئ وهبته المرأة من مهرها لزوجها، ولان الزوج قد قال: قد أجزت عقدة النكاح، ثم تكلم بعد ذلك في المهر فكان كلامه في المهر استنقاصا وطلب الوضع عنه من المهر وهو راض بالنكاح مثبت لعقدته.
باب القول في الشيخ الكبير يجامع فيموت بسبب من أسباب إمرأته
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن جامعها فدفعته أو لكزته أو ضمته فقتلته، أو فعلت غير ذلك مما به أتلفته، وجب عليها في ذلك دينه، قال: وكذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: أنه قضى في شيخ ضعيف هلك جامع امرأته فلما أنزل الماء ضمها إليه فوجدت شهوته فضمته إليها ضما شديدا فاستمسك نفسه فمات فقضى بديته عليها.
باب القول فيمن تزوج امرأة فدلست عليه أختها ولزمت هي عن زوجها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: قضى في رجل خطب امرأة إلى أبيها، وأمها امرأة عربية فأملكها أبوها منه ولها أخت أمها أعجمية فلما كان وقت البناء أولج عليه إبنة الاعجمية فلما أصبح الرجل استنكرها فرفع إلى أمير المؤمنين الامام العادل علي بن أبي طالب عليه السلام: خبرها فقضى له أن الصداق للتي دخل بها إبنة الاعجمية وقضى له بأبنة العربية وجعل صداقها على أبيها.
---
[ 405 ] (1/405)
قال يحيى بن الحسين عليه السلام: ألزمه أمير المؤمنين عليه السلام أن يغرم مهر إبنته لانه لا يكون فرج يوطأ إلا بمهر الزوجة الاولى ومهرها الذي فرض لها فلها، ويجب على الامام أن يحسن أدب أبيها وينكله.
باب القول في ولد الحرة من العبد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الحرة أولى بولدها ما دام أبوهم عبدا فإن عتق فهو أولى بهم منها إذا كان قد فارقها وكان الاولاد قد أطاقوا الادب.
باب القول في الامة تأبق فتدعي أنها حرة فتزوجها حر فأولدها ثم تستحق
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أبقت الامة فدلست وادعت الحرية فتزوجها جاهل فأولدها ثم استحقها سيدها من بعد، فإنه يقضى لسيدها بها وبقيمة أولادها ولا يتبعها بشئ مما دفع إليها من المهر لانه قد وطئها، ويرجع الزوج على سيدها بقدر جنايتها. وجنايتها هاهنا ما لرمه من قيمة ولدها الذي أخذه سيدها، فإن كانت قيمتها أقل من قيمتهم طرح ذلك عنه من قيمة ولده لان جناية العبد في رقبته وطولب بباقي قيمتهم يسلمه إلى سيد الامة، وإن طلب الزوج تسليمها بقيمتها كان ذلك له، وإن كانت قيمتها أكثر من قيمتهم طالبه سيد الامة بقيمة ولدها وطالب الزوج سيدها بجنايتها وهي ما أخذ منه من قيمة ولدها لانها جنت ذلك عليه بتدليسها لنفسها، وتضرب الامة الحد خمسين جلدة لانها عاهر في تزويجها بغير أم سيدها، وقد قال غيرنا: إن الولد مماليك وإنه لا يجب للمغرور على سيدها غرم جنايتها، ورووا ذلك عن أمير
---
ص 405 " في نسخة (فتولد منه ثم تستحق).
---
[ 406 ] (1/406)
المؤمنين عليه السلام: ولسنا نصدق به عليه ولا يصح لنا عنه لانه لا يجوز على مثله أن يفجع هذا المظلوم بولده ويستخرجهم مماليك من يده، ولا يبطل مثل هذا بالجناية، وهو يلزم سيد الامة رد درهم لوجنته على مسلم وأقل ما يجب لهذا المغرور المظلوم في ولده ما يوجبون لمن اشترى من السوق أمة فأولدها فاستحقت (1) فكلهم يرى أن الولد لابيه وأن لسيدها قيمتهم، وأن أباهم يرجع بقيمتهم على من باعه إياها وغره بها ولا فرق عند من عقل وأنصف بين من اشترى أمة من السوق مسروقة وهو لا يعلم وبين من تزوج أمة آبقة وقعت إليه ببلدة فادعت الحرية وهو لا يعلم، بل الحجة على المشتري أوكد منها على التزوج لانه يجب على المشتري أن يبحث عن أصل الامة ومخرجها وبائعها ومشتريها ويثبت في أمرها قبل شرائطها مخافة أن تكون مسروقة فتستحق من بعد، والمتزوج فأكثر ما يجب عليه إذا وجد في بلدة إمرأة على ملته أن يسأل هل في البلد لها ولي فإن لم يعلم لها وليا تزوجها وعقد عقدة نكاحها له إمام المسلمين أو رجل من المؤمنين، وليس عليه أن يتركها خشية من أن تكون مملوكة، ولو وجب ذلك على الناس لم يجز لاحد أن ينكح إمرأة إلا في بلدها، وحرم على المسلمين نكاح كل غريبة وإنكاحها وهذا شطط لا يوجبه الله على عباده إلا أن يكون قد وقع إليه شئ من ذكر هذا أو اطلع على شئ من ذلك حرم عليه نكاحها (2)، ويكون أولاده لسيدها مماليك مسترقين، ووجب عليه الحد في نكاح أمة بغير أذن سيدها.
---
ص 406 " (1) في نسخة ثم استحقت.
(2) في نسخة فيحرم عليه نكاحها.
---
[ 407 ] (1/407)
باب القول في امرأة يدلس عليها عبد فتتزوجه على أنه حر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن كان يعلم سيده وجب لها على سيده المهر وكان الامر إليها ان شاءت أقامت معه وان شاءت فسخت نفسها منه، وان لم يكن ذلك بعلم السيد ثم بلغه ذلك فأجازه فالامر واحد والامر إليها، وان لم يجزه انفسخ ذلك وكان المهر لها على العبد تطالبه به إذا أعتق.
باب القول في نكاح الخصي
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا تزوج الخصي ورضيت المرأة بذلك فنكاحه ثابت، فإن كان مجبوبا لم يحصنها، وإن كان مسلولا أحصنها، لان المسلول يجامع، كذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قضى في الخصي أنه لا يحصن.
باب القول في الشغار
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الشغار أن يتزوج الرجل حرمة رجل، ويزوجه حرمته ولا يدفع أحدهما إلى صاحبه مهرا يكون بضع كل واحدة مهر صاحبتها، وهذا حرام لا يجوز ولا يجوز النكاح إلا بالصداق المعروف بين المسلمين عشرة دراهم فصاعدا.
---
[ 408 ] (1/408)
باب القول في الرجلين يطآن الامة في طهر واحد فتأتي بولد لا يدرى أيهما أبوه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا علما جميعا بحملها في وقت واحد فأدعاه أحدهما وشك الآخر فيه فهو لمن أدعاه، وإن إدعياه كلاهما معا فهو بينهما يرثهما ويرثانه وهو للباقي منهما فإن كان أحد الرجلين مملوكا فادعياه كلاهما معا فهو للحر منهما لان الدعوى منهما قد استوت وزادت الحرية الحر دعوى لان الولد إذا لحق بالعبد استرق وإذا لحق بالحر عتق، وكذلك إن كان أحدهما ذميا فادعياه جميعا كان الولد للمسلم لان دعواهم قد استوت وزاد المسلم اسلامه دعوى وحجة، لان الولد إن لحق بالذمي كان ذميا لان أمه أمة وإن لحق بالمسلم كان مسلما ولبسة الاسلام أولى من لبسة الكفر (3). قال: ويؤدب كل رجلين غشيا أمة بينهما، ويودب الذمي إن كانت الامة مسلمة أدبين أدبا (4) بغشيانه مسلمة وأدبا بغشيانه أمة لم يستخلصها.
باب القول فيما روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الاجر لمن جامع امرأته
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال لرجل: (جامع أهلك فإن لك في ذلك أجرا فقال: الرجل يارسول الله وكيف يكون لي أجر في شهوتي
---
ص 408 " (3) في نسخة أولى من لبسه الشرك.
(4) في نسخة أدبا لغشيانه مسلمة وأدبا لغشياته أمة.
---
[ 409 ] (1/409)
فقال: لك أجر في أن تكف عما حرم الله عليك وتقضي به ما أحل الله لك). قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: صدق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قوله: وكيف لا يكون له أجر وهو يعين نفسه بذلك على الانصراف عن معاصي الله ويردع قلبه عن الجولان في التفكير في محارم الله عزوجل بما يقضي من نهمته وينيل نفسه من لذته قال: وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه رأى امرأة فأعجبته فدخل على أم سلمة فقضى ما يقضي الرجل من أهله ثم خرج فقال: أيما رجل أعجبته امرأة فليقص حاجته من أهله فإنما هي إمرأة كإمرأته. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: أراد بذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن ينقطع بجماعه لاهله لذته فيردع نفسه عن الفكرة فيما ليس له مما لعل الفكرة فيه أن تدنيه من الخطيئة.
باب القول في تحريم أدبار النساء على أزواجهن
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز إتيان النساء في أدبارهن ولا يحل ولا يسع أزواجهن لان الله تبارك وتعالى يقول: (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله) (5) فدل تبارك وتعالى بقوله: (من حيث أمركم الله) على أن فيهن موضعا قد نهاهم الله عنه، وحرم عليهم إتيانهن فيه، وإنما في المرأة فرجان فإذا قد أمرهم الله أن يأتوهن
---
ص 409 " (5) البقرة 22. البقرة 22.
---
[ 410 ] (1/410)
من حيث أمرهم فقد أمرهم أن يأتوا في أحدهما، وإذا أمرهم أن يأتوا في أحدهما فلا يجوز أن يأتوا في غيره، وقال سبحانه: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) (6) والحرث فلا يكون إلا في موضع الزرع وموضع الزرع فهو القبل لا الدبر، لان الولد لا يطلب إلا في الفرج وأما قوله أنى شئتم فإنما معناه متى شئتم، وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (إتيان النساء في أعجازهن كفر) (7) قال: وبلغنا عنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يقول: (لا يستحي الله من الحق لا تأتوا النساء في حشوشهن فإن إتيان النساء في حشوشهن كفر) قال: وبلغنا عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لا ينظر الله إلى من أتى امرأة في دبرها) قال يحيى بن الحسين عليه السلام: بلغني عن رجل من العلماء أن رجلا أتاه فسأله عن ذلك به وقال تريد أن تعمل عمل قوم لوط، قال يحيى بن الحسين أصاب اصاب الله به.
باب القول في رجل تزوج امرأة فقالت امرأة أخرى أنا أمهما أرضعته وأرضعت امرأته
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا تزوج رجل امرأة فذكرت له امرأة أخرى أنها قد أرضعته وامرأته رأينا له أن يقف عنها ويخلي سبيلها مخافة أن يكون الامر كما ذكرت، والاحتياط في هذا أصلح، وكذلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أن عقبة بن الحارث أتاه فقال: يا رسول الله إني تزوجت امرأة فدخلت
---
ص 410 " (6) البقرة 23.
(7) في نسخة إتيان النساء في أعجازهن شرك.
---
[ 411 ] (1/411)
بها فأتت إمرأة سوداء فزعمت أنها أرضعتني وإمرأتي وقلت: يا رسول الله إني أخاف أن تكون كاذبة فقال: رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: فكيف به وقد قيل) ففارقها الرجل لما قال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما قال.
باب القول في إمرأة الاسير يأسره أهل دار الحرب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: حاله عندنا كحال المفقود لا تتزوج امرأته أبدا حتى يصح عندها موته أو يفئ الله به.
باب القول في العدل بين النساء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: العدل بينهن في الايام والليالي، ولا ينبغي للرجل أن يؤثر أحداهن على صاحبتها بليل ولا نهار، ومن العدل بينهن فيما لا يخفى عليهن من الكسوة والنفقة والهبة، ولا بأس أن يخص من أحب منهن بالشئ في السر، إذا لم يرد بذلك حيفا ولا مضارة لسائرهن، وفي العدل ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أنه كان يحمل في ثوب في مرضه يطوف على نسائه يقسم بينهن الليالي الايام.
باب القول في التخيير للغلام بين أمه وعمه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا كبر الغلام وتزوجت أمه وتأدب واستغنى عن الادب ولم يبلغ وقد عقل وفهم فهو بالخيار إن شاء أقام مع أمه وإن شاء لحق بعصبته من عمه وغيره.
---
[ 412 ] (1/412)
قال: وما لم تتزوج أمه فهي أولى به، وهو لها ومعها أحب ذلك أو كرهه يتبعها في صغره وتتبعه في كبره وعليه القيام بها والاحسان إليها والبر لها والرفق في كل الامور بها.
باب القول فيما يجب على الزوج والزوجة من الخدمة والقيام في أمر منزلهما
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجب على الزوج النظر فيما خارج المنزل والقيام به والعناية بإصلاحه، ويجب على المرأة القيام بما في داخل المنزل والقيام في جميع أمره والاصلاح لكل شأنه، كذلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أنه قضى على فاطمة ابنته صلوات الله عليها بخدمة البيت، وقضى على علي رحمة الله عليه: باصلاح ما كان خارجا والقيام به.
باب القول فيما ينبغي لمن للرجل أن يفعله عند إتيانه لاهله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ينبغي لمن أتى أهله أن يذكر اسم الله قبل أن يغشاها، ويصلي على محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويسأل الله أن يجعله إتيانا مباركا وأن يرزقه ولدا يجعله تقيا زكيا مباركا سويا ولا يتجردا حتى لا يكون عليهما ثوب تجرد العيرين فإنه بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (إذا أتى أحدكم أهله فليستترا ولا يتجردا تجرد العيرين).
---
ص 412 " في نسخة (وإن رزقه ولدا أن يجعله تقيا) الخ.
---
[ 413 ] (1/413)
باب القول في الرجل يجامع أهله ومعه في البيت غيره
فال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا ينبغي للرحل أن يأتي أهله ومعه في البيت أحد وإنما ذلك فعال البهايم التي لا عقول لها ولا حياء فيها، وكذلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أنه نهى أن يجامع الرجل أهله وعنده في البيت أحد حتى الصبي في المهد (8).
---
ص 413 " (8) قال في أسد الغابة في معرفة الصحابة في الجزء الخامس ص 411 روى زيد العمي وغيره عن الحسن البصري قال: حدثني خمسون من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يتلزم الرجل الرجل. ونهى أن تحد الشفرة والشاة تنظر. ونهى أن يجامع الرجل أهله وعنده إنسان حتى الصبي في المهد. ونهى أن يمحي اسم الله بالبصاق. ونهى عن تعليم القرآن وعن الامامة والآذان بالاجر. قال أخرجه ابن منده وأبو نعيم.
---
[ 415 ] (1/415)
كتاب الطلاق
---
[ 417 ] (1/417)
بسم الله الرحمن الرحيم مبتدأ أبواب الطلاق وتفسير ما أمر الله به فيه ودل عليه قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الطلاق ثلاث تطليقات كما قال الله تبارك وتعالى، والثلاث التطليقات لا تكون إلا واحدة بعد واحدة وثالثة بعد ثانية وذلك قول الله تبارك وتعالى: (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) (1) يريد عزوجل بقوله فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان الثالثة يقول: إذا طلقها تطليقين ثم ارتجعها فليس إلا الامساك بمعروف أبدا، أو التسريح بإحسان لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره.
باب القول في طلاق السنة وهو طلاق العدة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله تبارك وتعالى: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) (2) فدل سبحانه عباده على أرشد أمورهم،
---
ص 417 " (1) البقرة 239.
(2) الطلاق 1.
---
[ 418 ] (1/418)
وأمرهم بأصوب فعالهم (3)، وبما يستدركون به خطأ إن كان منهم، ثم أمرهم بأحصاء العدة، والعدة فهي الاقراء وما جعل الله من العدة للنساء، ثم نهاهم عن إخراجهن من بيوتهن حتى يستوفين ما عليهن من عدتهن ثم قال سبحانه: (وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) (4) يقول: حكم الله بأن لا يخرجن من بيوتهن، وحكمه فهو أمره، وأمره فهو حدوده التي لا ينبغي أن تتعدى فيخالف الله في إخراجهن ويعصى، ثم قال عزوجل: (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) (5) يريد لعل الله يحدث للرجل رغبة فيها بعد ما كان عزم عليه من طلاقها فيرتجعها، وبعد الطلاق والمخالفة، فقد تكون المودة والموالفة، فينبغي للمطلق إذا أراد أن يطلق طلق السنة الذي دله الله عليه وأختاره له، وألا يتعداه، فإن تعداه فقد أخطأ حظه ولزمه في ذلك ما ألزم نفسه من الطلاق على غير ما أمر به، وطلاق السنة أن يترك امرأته إذا أراد طلاقها حتى تطهر من حيضها وتخرج من طمئها، وتغتسل من قرؤها، ثم يقول لها: في وجه طهر من غير جماع أنت طالق، أو أعتدي ينوي بذلك الطلاق، ثم يتركها تمضي في عدتها حتى تحيض ثلاث حيض فإن بدى له أن يراجعها في الثالثة من حيضها فهو أولى بها من نفسها ووليها، مادامت في عدتها قبل أن تطهر فإذا أراد ذلك أشهد شاهدين على أنه قد راجعها ثم قد ملكها، وإن هو أمهلها حتى تخرج من الثلاثة الاقراء وتغتسل من الثالث بالماء فهي أملك منه بنفسها وهو خاطب من خطابها إن شاءت تزوجته وإن شاءت تزوجت غيره، فإن أراد
---
ص 418 " (3) في نسخة وأمرهم بأصوب أعمالهم.
(4) الطلاق 1.
(5) الطلاق 1.
---
[ 419 ] (1/419)
ارتجاعها راجعها بتزويج من وليها وبمهر جديد وشاهدين وتكون معه بثنتين، فإن عزم على طلاقها مرة أخرى من بعد ما كان من التطليقة الاولى طلقها أيضا كما طلقها أولا في وجه طهر من غير جماع يقول لها: أنت طالق أو اعتدي ينوي بذلك الطلاق، ثم يتركها في عدة من هذه التطليقة الثانية، فإن بدا له فيها بداء قبل أن تنقضي عدتها هذه الثلاثة الاقراء فهو أولى بها من نفسها ومن وليها فليشهد شاهدين على ارتجاعها ثم هو قد ملكها وبقيت معه على تطلليقة واحدة، وإن هو أمهلها حتى تخرج من عدة هذه التطليقة الثانية فهو خاطب أيضا من الخطاب إن شاءت راحعته وإن شاءت تركته، فإن راجعته وراجعها بولي وشاهدين ومهر جديد ثم هي معه على واحدة لم يبق له عليها غيرها لانه قد طلقها تطليقين وارتجعها أيضا ارتجاعتين وهذه فهي الثالثة التي قال الله سبحانه: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) (6) فإن طلقها الثالثة فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، ولا ينبغي لها أن تنكح زوجا غيره حتى تحيض ثلاث حيض وتطهر من الدم الثالث وإن نكحت في شئ من عدتها كان نكاحها باطلا لا يتم لها. قال: وينبغي له في كل تطليقه كان طلقها إذا كانت تعتد في منزله ومنزلها أن يتحرز من النظر إلى شعرها أو جسدها أو شئ من عوراتها وإن يؤذنها عند دخوله بالتنحنح والصوت وبالكلام لتتحرز وتجمع عليها ثيابها، ولا يجوز له أن يقطع نفقته عنها ولا عن خادمها، وإن احتاجت إلى كسوة من عري كساها، وينبغي له أن يشهد على طلاقها إن شاء عند ما يلفظ به في أول مرة، وإن شاء عند انقضاء عدتها وخروجها من
---
ص 419 " (6) البقرة 229.
---
[ 420 ] (1/420)
منزله فليشهد على ذلك شاهدين عدلين فهذا طلاق العدة ومعناه في المرأة. وإذا أراد أن يطلق امرأة قد يئست من المحيض أو امرأة صغيرة لم تحض فإنا نستحب له أن يكف عن جماعها حتى يمضي لها شهر لم يجامعها فيه، ثم يقول لها عند رأس الشهر أنت طالق أو اعتدي ينوي بذلك الطلاق وإن طلقها من قبل مضي الشهر لم يضق ذلك عليه لانه غير منتظر منها لحيض يفارقها في وجه طهرها منه ثم يدعها تمضي في عدتها، وعدتها ثلاثة أشهر كما قال الله سبحانه: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) (7) فجعل الله سبحانه عدة الآيسة والتي لم تحض ثلاثة أشهر فإن أراد مراجعتها قبل مضي الثلاثة الاشهر فهو أولى بها من نفسها ووليها، فليشهد شاهدين على ارتجاعها ثم قد ملكها، وإن أمهلها حتى تخرج من الثلاثة الاشهر فهي أولى بنفسها وهو خاطب من خطابها إن شاءت تزوجته وإن شاءت تزوجت غيره وهي في كل أمرها كالاولى منا فيها كالقول في الاولى. ومن أراد أن يطلق امرأته وهي حامل طلاق السنة فليمهلها ويدعها من الجماع حتى يمضي لها شهر ثم ليطلقها، وإن طلقها أيضا قبل ذلك جاز له والحيطة أن يدعها شهرا وله أن يطلقها متى شاء قبل ذلك لانه لا ينتظر منها حيضا وهي حامل تطلق في وجه الطهر منه، فإذا وضعت ما في بطنها فهي أولى بنفسها منه كما قال الله سبحانه: (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) فإن وضعت حملها من الغد فقد ملكت أمرها وصارت أولى بنفسها من زوجها وإن أراد مراجعتها كان
---
ص 420 " (7) الطلاق 4.
(8) الطلاق 4.
---
[ 421 ] (1/421)
خاطبا من الخطاب تراجعه إن شاءت، وإن هو شاء طلقها حاملا وأراد مراجعتها في حملها فهو أولى بها من نفسها ووليها، وليس له أن يخرجها من منزله حتى تضع ما في بطنها ولها النفقة عليه والسكنى كما قال الله سبحانه: (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) (9) فينبغي لكل مطلق طلق امرأته (10) أن يسكنها معه مسكنه ولا يسكنها غيره من مساكن الضيق فإن الله سبحانه قد نهاه عن التضييق عليها وأمره بغير ذلك فيها وذلك قوله تعالى: (ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن) (11) ولا يجوز للرجل أن يمسك إمرأته عند انقضاء عدتها بمراجعة منه لها وهو لا يريدها، يضارها بذلك ويشط عليها، بل الواجب عليه عند بلوغ أجلها أن يمسكها بالمعروف إن كانت له رغبة فيها أو يسرحها بالمعروف إن كان عازما على فراقها كما قال الله سبحانه: (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه) (12) والاجل الذي إذا بلغته فهو خروجهن من الحيضة الثالثة في التطليقة الاولى والثانية. وقال الله سبحانه: فيما أحل للزوج والزوجة من التراجع ما لم تبن منه بالتطليقة الثالثة التي لا تحل له بعدها حتى تنكح زوجا غيره: (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا
---
ص 421 " (9) الطلاق 6.
(10) في نسخة لكل مطلق طلق المرأة.
(11) الطلاق 6.
(12) البقرة 232.
---
[ 422 ] (1/422)
تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر) (13) حدثني أبي عن أبيه في طلاق السنة قال: يطلقها في طهر من غير جماع لها ثم يقول لها: اعتدي ثم تمضي في عدتها إلى أن تتم اقراؤها الثلاثة وهو ما لم تتم الاقراء أو تخل من عدتها أملك بها منها بنفسها، إن أراد أن يراجعها راجعها بغير مؤامرة لها وأشهد رجلين على رجعته إياها، وإن أراد التخلي منها أمسكها حتى تتم عدتها ثلاثة قرؤ ثم هي أملك بنفسها بعد، وأما الحامل فيطلقها زوجا متى شاء أن يطلقها، وعدتها وضعها لما في بطنها وذلك قول الله سبحانه: (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) (14) وهن المطلقات. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن رجل طلق ولم يشهد وراجع ولم يشهد فقال: لابد من الاشهاد لما يخاف أن يكون بينهما من الاختلاف والمنازعة.
باب القول فيما ينبغي أن تجتنب المرأة في عدتها والقول فيمن أبطأ عنها حيضها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن كان عدتها في وفاة زوجها قلا ينبغي لها أن تختضب ولا تتطيب ولا تلبس ثوبا مصبوغا ولا تمتشط مشطا حسنا ولا تسافر سفرا في حج ولا عمرة ولا تلبس حليا لزينة، ولا تكتحل إلا أن تخشى على عينها مرضا، وتعتد حيث شاءت في منزل
---
ص 422 " (13) البقرة 232.
(14) الطلاق 4.
---
[ 423 ] (1/423)
أبيها أو منزل زوجها. فأما إن كانت عدتها عدة مطلقة رجيعة فلا تعتزل شيئا من الزين والطيب بل تطيب وتزين وتظهر بعض ذلك لزوجها لترغبه في نفسها، وتعتد في بيت زوجها حتى تستتم عدتها. وقال: في المرأة تطلق وهي ممن تحيض أنها تنتظر حيضها أبدا، ولا يجوز لها أن تعتد بغير الحيض وهي في السن الذي يطمع لها فيها بالحيض لانه ربما حبس الحيض عنها علة تعرض للمرأة، فإن أبطأت عليها فلا تعتد بالشهور حتى تبلغ من السن ما لا يمكن أن تحيض بعده وهو ستون سنة، فإذا بلغت ذلك أعتدت بالشهور وهذه مبتلاه بذلك فعليها أن تصبر، وإن ماتت أو مات زوجها قبل أن تحيض أو تيأس من المحيض ورثته وورثها، فإن أراد مراجعتها في شئ من ذلك بعد قليل أو كثير راجعها وكان أولى بها في عدتها من نفسها. حدثني أبي عن أبيه: في التي قد يئست من المحيض أو لم تحض كيف يطلقها زوجها وكيف تعتد، قال: يطلقها بالاهلة وتعتد بالاهلة كما قال الله عز وجل: (فعدتهن ثلاثة أشهر) (10) وكذلك تطلق المستحاضة إذا أقبل الدم ثم أدبر طلقها حدثني أبي عن أبيه في المطلقة يرتفع حيضها قال: تعتد بالحيض وإن طال وارتفع فإذا يئست من حيضها أعتدت بالشهور الثلاثة. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: يريد جدي رحمة الله عليه بقوله يئست من حيضها أي بلغت إن طاولها احتباس الحيض سنا لا تحيض بعده.
---
ص 423 " (15) الطلاق 4.
---
[ 424 ] (1/424)
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن المطلقة والمتوفى عنها زوجها أين يعتدان؟ فقال: يعتدان في بيوتهما التي كان فيها الطلاق والوفاة، إلا المتوفى عنها زوجها فإن لها الخيار في قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حيث شاءت أعتدت.
باب القول فيمن طلق قبل أن يدخل وفي عدة المختلعة وأم الولد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من طلق إمرأة لم يدخل بها فلها نصف الصداق ولا عدة عليها قال: وسواء عليه عندنا طلقها واحدة أو اثنتين أو ثلاثا، نحن نرى أن الثلاث ترجع إلى الواحدة إذا كن معا طلقت التي دخل بها أو التي لم يدخل بها، وسنشرح الحجة في ذلك إن شاء الله تعالى في موضعه الذي ينبغي أن نذكره فيها، وقد بلغنا عن زيد بن علي (16) صلوات الله عليهما أنه قال في الرجل يطلق امرأته ثلاثا ولم يدخل بها: قال بانت بالاولى وأتبع الطلاق ملا يملك، ولها نصف المهر ولا عدة عليها، وكذا لو قال لها: قبل الدخول بها أنت طالق أنت طالق أنت طالق ثلاثا، وهذا من الطلاق فأوكد من قول المطلق أنت طالق أنت طالق ثلاثا في كلمة واحدة وأجدر أن تبين به. حدثني أبي عن أبيه قال: كل طلاق قبل دخول وقد سمى لها المهر فللمطلقة فيه نصف مهرها. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: كل طلاق بعد دخول وقد سمى لها المهر فللمطلقة مهرها.
---
ص 424 " (16) في نسخة زيد بن علي عليه السلام.
---
[ 425 ] (1/425)
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن المطلقة ثلاثا قبل أن يدخل بها قال: هي تطليقة باينة وهو خاطب من الخطاب. قال يحيى بن الحسين عليه السلام: والمختلعة فعدتها واجبة وعلى زوجها نفقتها إلا أن يكون زوجها اشترط عليها ألا يكون عليه لها نفقة ولا سكنى فإن كان ذلك جرى في الشرط بينهما فهو جايز على ما كان بينهما، وأما عدة أم الولد فعدة الامة. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن عدة المختلعة وأين تعتد وهل يكون لها سكنى أو نفقة؟ فقال: السكنى والنفقة على قدر ما يكون من مشارطة الزوج لها في اختلاعها إذا كان ذلك، وعدتها عدة المطلقة. حدثني أبي عن أبيه: في عدة أم الولد إذا مات عنها سيدها قال: عدتها عدة الامة.
باب القول في عدة الذمية وإمرأة المرتد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: عدة امرأة المرتد كعدة غيرها من النساء حرة فحرة أو أمة فأمة يلزمها العدة كما يلزم الحرة، وعدة الذمية إذا أسلمت أو طلقها الذمي أو مات عنها كعدة غيرها من نساء المسلمين. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن عدة إمرأة المرتد فقال: عدتها كعدة غيها من النساء إن كانت حرة فعدتها عدة حرة وإن كانت أمة فعدتها عدة أمة وعدة الامة مثل عدة الحرة سواء. حدثني أبي عن أبيه: قي ذمية طلقت أو مات عنها زوجها فأسلمت في عدتها قال: تمضي عدتها حتى تكملها.
---
[ 426 ] (1/426)
باب القول في البرية والخلية والباين والبتة والحرام وحبلك على غاربك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قد رويت في هذا روايات عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: ولم يصح لنا ذلك عنه ولم يثبت عندنا أنما قيل به في ذلك منه (17) وأحسن ما نرى في هذا أن تكون واحدة يملك عليها فيها الرجعة ما دامت في العدة، فان خرجت من عدتها كان خاطبا لها يخطبها كغيره من الخطاب. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الباين والبتة والبرية والخلية والحرام، وحبلك على غاربك، فقال: قد روي عن علي عليه السلام أنه كان يجعلها ثلاثا، ولم يصح عنه عندنا ذلك، وذلك أنهم وجدوه عنه زعموا في صحيفة (18) وأقل ما في ذلك عندنا واحدة.
باب القول في أمرك بيدك وفي الخيار وفي الطلاق قبل النكاح
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قال الرجل لامرأته: قد جعلت أمرك إليك فاختاري، جاز أمرها في نفسها إن شاءت أبانت نفسها وإن شاءت أقرتها مع زوجها وأثبتتها، وهذا عندنا من فعله وفعلها فهو على طريق الوكالة كأنه حين قال: أمرك بيدك وكلها بتطليق نفسها إن شاءت التطليق فجاز ذلك منه إليها كما يجوز منه إلى غيرها لو وكله بطلاقها فقال له: إن شئت الطلاق فطلقها جاز ذلك للموكل فيها إذ جعل زوجها إليه أمرها فكذلك، وعلى ذلك يخرج جعل زوجها أمر فراقها إليها فكأنه وكلها بفراقها وأمرها أن تنفذ متى شاءت ما أطلق لها وأمرها به من
---
ص 426 " (17) في نسخة إنما قيل به في ذلك عنه.
(18) في نسخة وأقل ما عندنا في ذلك واحدة.
---
[ 427 ] (1/427)
طلاقها، وكما أنه لو وكلها بفراق زوجة له أخرى، وأمرها أن شاءت الزوجة الاخرى الفراق أن تطلقها فشاءته المرأة فطلقها وأنفذت ما جعل إليها من فراقها كان اخراجه ذلك جايزا عليها إذ جعله إلى هذه ومنه إليها أخرجه، فأجزنا تطليقها لنفسها بأمره كما أجزنا تطليقها لغيرها بأذنه، والنساء في جميع الاشياء من الوكالات وغيرهن من الاحوال يقمن إذا وكلن في الحكم مقام الرجال يجب لهن ما يجب لهم، ويثبت عليهن ما يثبت عليهم، ألا ترى أن رجلا لو قال: لمملوكته قد جعلت أمر عتقك إليك فأعتقي متى شئت نفسك فقد جعلت ذلك في يدك وأجزت فيه قولك فقالت الجارية: فإني قد أعتقت نفسي بأمرك، فأنا حرة لوجه الله جاز ذلك على سيدها، وعتقت بقولها، لا يختلف في ذلك عاقلان، ولا يشك فيه جاهلان، وكذلك لو قال لها: قد جعلت عتق ولدك إليك وأجزت فيهم فعلك وعتقك، فأعتقيهم متى شئت، فقالت: قد أعتقهم بأمرك وحررتهم لوجه الله، جاز ذلك عليه وصاروا أحرارا غير مملوكين وبانوا بإبانتها لهم عتقاء محررين. قال: ولو أن رجلا قال لنسائه: أخترنني أو أنفسكن فاخترنه لم بكن ذلك عندنا بطلاق ولم يلزمه في قوله وقولهن فراق، وإن هن أخترن أنفسهن كانت تطليقة، وفي ذلك ما كان من فعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين خير نسائه بأمر الله له، وذلك قول الله عزوجل: (يا أيها النبي قل لازواجك إن كنتن تردن الحيوة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما) (19) ففعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما أمره الله به من تخييرهن
---
ص 427 " (19) الاحزاب 28.
---
[ 428 ] (1/428)
فخيرهن فأخترنه، فلم يكن ذلك عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم طلاقا. قال: ولو أن رجلا طلق قبل أن يملك عقدة النكاح لم يكن ذلك عندنا طلاقا فإن سمى المرأة بعينها فقال يوم أتزوج فلانة فهي طالق لم يلزمه طلاقها، لانه لم يملك عقدة نكاحها وكذلك روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان يقول: لاطلاق ولا عتاق إلا ما ملكت عقدته. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن رجل قال يوم أتزوج فلانة فهي طالق ومتى تزوجت امرأة فهي طالق أو يقول إن تزوجت إلى كذا وكذا فهي طالق، قال: قد ذكر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتاق إلا بعد ملك، وإن سماها بإسمها. ويروى أن رجلا من الانصار لاحى إبن أخيه ونازعه فحلف إبن أخيه بالطلاق ألا يتزوج إبنته فإن تزوجها فهي طالق فسأل الاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأمره بإنكاحه إياها ولم يلزمه طلاقها قبل ملكها. حدثني أبي عن أبيه في رجل خير امرأته تختاره أو تختار نفسها، قال: قد خير رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نسائه فلم يعد تخييره لهن طلاقا. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن رجل قال: لامرأته أمرك بيدك فقال: قد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان يقول: إذا جعل أمرها بيدها فقد أخرج من يده ماكان له ووقعت تطليقه واحدة. وأمرك بيدك أوكد من اختاري. وليسا عندنا سواء لان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد خير نسائه فلم يعد ذلك
---
[ 429 ] (1/429)
طلاقا، وهذا من قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: وكان أعلم بما يقول. قال يحيى بن الحسين عليه السلام: ولو أن رجلا قال: لامرأته أمرك في يدك تبن أمرها ولم تذكر قبولها لما جعل إليها حتى تفرقا لم يكن أمرها بعد ذلك إليها، لانها قد تركت القبول، ولم تقبل حتى افترقا وجاز أمرها وانقضى، فإن قبلت أمرها وأنفذت ما جعل إليها من فراقها وجب ذلك عليه وعليها، ولزمه ولزمها، فإن فارقت بأمره نفسها ثلاثا فقولنا في هذه كقولنا في الثلاث إنها ترجع إلى واحدة في قولنا واختيارنا ورأينا، ويكون له عليها الرجعة في عدتها.
باب القول في الظهار
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل من ظاهر من امرأته فلا يحل له من بعد ذلك مداناتها إلا من بعد أن يكفر بما أوجب الله عليه في ذلك من الكفارة فيعتق رقبة من قبل أن يمسها فإن لم يجد صام شهرين متتابعين من قبل أن يدنو منها، أو يكون منه جماع إليها، فمن لم يستطع الصيام جاز لله عند ذلك الاطعام فليطعم ستين مسكينا أحرارا مسلمين محتاجين مضطرين، ثم تحل له امرأته من بعد ذلك، وفي ذلك ما يقول الله تبارك وتعالى، حين أنزل على نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما أنزل في ظهار أوس بن الصامت الانصاري من زوجته خولة إبنة ثعلبة، وذلك أنه نظر إليها وهي تصلي فأعجبته، فأمرها أن تنصرف إليه فأبت، وتمت على صلاتها، فغضب وقال: أنت على كظهر أمي، وكان طلاق الجاهلية هو الظهار، فندم وندمت، فأتت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذكرت له ذلك فقالت: أنظر هل ترى له من توبة؟ فقال: ما أرى له من توبة في مراجعتك فرفعت يديها إلى الله فقالت:
---
[ 430 ] (1/430)
أللهم إن أوسا طلقني حين كبرت سني، وضعف بدني، ودق عظمي، وذهبت حاجة الرجال مني، فرحمها الله عزوجل فأنزل الكفارة فدعاه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال له: أعتق رقبة فقال: لا أجدها فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: صم شهرين متتابعين فقال: يا رسول الله إن لم آكل كل يوم ثلاث مرات لم أصبر فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: فأطعم ستين مسكينا، فقال: ما عندي ما أتصدق به إلا أن يعينني الله ورسوله، فأعانه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعرق من تمر، و " العرق فهو المكتل الكبير فيه ثلاثون صاعا من تمر الصدقة " فقال يا رسول الله: والذي بعثك بالحق نبيا ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إنطلق فكله أنت وأهلك وقع على امرأتك، فأنزل الله في هذين الانصاريين ما أنزل وذلك قوله عزوجل: (والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله) (20) وقد قال غيرنا: إن الرقبة التي تعتق في الظهار تجزى وإن كانت كافرة وزعموا أن حجتهم في ذلك أنه لم يقل في هذه الآية مؤمنة كما قال: في غيرها مؤمنة، ومعاذ الله أن يكونوا في ذلك من القول مصيبين ولا فيه للحق والرشد مقاربين ونبرأ إلى الله أن نكون بذلك من القائلين وكيف يجوز أن يفك بالعتق رقاب أهل الكفر من المشركين، وتصرف كفارات عثرات المؤمنين في أهل الجحدان من الكافرين ويستنقذ من ريق الرق أهل
---
ص 430 " (20) المجادلة 3.
---
[ 431 ] (1/431)
الانكار لرسول رب العالمين ويترك أن يصرف ذلك لارقاء المسلمين ويعتق من كملت معرفته برب العالمين ويحسن بذلك إلى المقربين بالرسول الامين، بل نقول: إنه لا يجوز ذلك لمن فعله ولا يحل عتق الكافرين لمن أعتقهم لان العتق من المعتق لا يكون إلى المعتق إلا أثرة ومحاباة وصنيعة، والصنيعة فهي أثرة، والاثرة فهي رحمة، والرحمة فهي مودة ورقة، وقد أمر الله بغير ذلك في الكافرين والمنافقين فقال: فيما نزل من الكتاب المبين وأمر به محمدا خاتم النبيين صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير) (21) فأمر الله بالغلظة على من كفر بالكتاب وجحد رسول رب الارباب، وليس من الغلظة على من أشرك بالرحمن وعاند ما أنزل من النور والبرهان أن يحسن إليه إذا عتا ويفك من الرق إذا طغى وأشرك بالله العلي الاعلى، بل الواجب عليه في أولئك ومن كان من الخلق كذلك، أن يظهر لهم الاستخفاف بهم، والتبخيس والابعاد لهم، والتضييق في كثير مما يجوز التضييق فيه عليهم، والابانة لارقاء المسلمين بالاحسان إليهم منهم، ليعرفوا فضل الاسلام وأهله، فيرغبوا في دين محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وملته مع أنه للمسلمين وفيهم دون غيرهم من أهل الكفر والبغي عليهم، ولن تخلو أرض الاسلام من رقبة مسلمة تباع فمن عسر عليه ولن يعسر شراء رقبة مسلمة، ولم يجدها فيما قرب منه من البلاد، ولم يجدها عند أحد من العباد رأينا له أن لا يعتدى المسلمين ولا يعتق أحدا من المشركين فإن عجل إلى أهله رأينا له أن يصوم، فإن لم يطق الصوم أطعم لانه إذا لم يجد من
---
ص 431 " (21) التوبة 73.
---
[ 432 ] (1/432)
الرقاب ما يجوز عتقه وإن كان قد تهيأ عنده ثمنه غير واجد بذلك له كما أنه إذا وجد الرقبة ولم يجد الثمن كان غير واجد لها لعدمه لثمنها وكذلك هو إذا وجد ثمنها وعدمها هي في نفسها فهو عندي غير واجد لها، ولا يكون عندي واجدا لها حتى يجدها في نفسها، ويجد ثمنها فحينئذ، يكون واجدا لها ويجب عليه ما أوجب الله عليه من عتقها وهذا هو عندي كالمسافر سواء سواء، ألا ترى أن من وجد الماء ولم يجد ثمنه فهو غير واجد له وأن التيمم واجب عليه، وأنه إن وجد ثمنه ولم يجد الماء القراح نفسه فإنه غير واجد له بوجود ثمنه وأن عليه التيمم بالصعيد الذي أمر به، وأما ما يقولون به من عتق الكافر إذا لم يوجد مسلم أو وجد فلا أرى ذلك، وما مثل ذلك عندي وعند من أنصف عقله وترك مكابرة لبه إلا كمثل رجل كان معه فضل من المال ثم بغى الماء فلم يجده ووجد لبنا أو خلا، أو عسلا، أو جلابا (22) أو سكنجبينا، فإن جاز له أن يشتري من هذا شيئا فيتوضأ به لصلاته إذا لم يجد الماء جاز له أن يشتري الكافر ويعتقه إذا لم يجد مسلما بل عتق الكافر عندي منكر عظيم وجرم جسيم لانه لا يؤمن بوائقه إن أفلت من الرق وفارقه رقه، ونجت من حبائل الرق نفسه، بل يتركه مملوكا أقرب إلى الرحمن، وأشبه بالبر والاحسان. وكذلك سمعنا من أهل العلم من الكراهية لعتق أهل الفسق من المسلمين فكل علماء آل الرسول صلى الله عليه وعليهم أجمعين لا يرون أن يعتق من المسلمين إلا من تؤمن بوائقه في الدين، فكيف لا يكره عتق أعلاج المشركين المخالفين لله في كل الاسباب، المعطلين لما نزل الله على نبيه من الكتاب، الذين لا يألون الاسلام والمسلمين خبالا بل يكسبونهم
---
ص 432 " (22) الجلاب هو ماء الورد.
---
[ 433 ] (1/433)
إن قدروا معرة ووبالا، والظهار فهو أن يقول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي أو كبطنها أو كفخذها أو كرجلها أو كساقها أو كفرجها أو كيدها أو كشئ منها ينوي به الظهار وإن قال ذلك ينوي به الطلاق ولا ينوي به الظهار فهي طالق يجوز له مراجعتها ما كانت في عدتها، ولا يجب عليه كفارة وإن قال: لم أنو طلاقها ولا ظهارا وإنما نويت يمينا فقد قال غيرنا إنه مولي يجب عليه الكفارة ولسنا نرى ذلك لان الملي لابد له من الكفارة والكفارة فلا تجب إلا على من أقسم بالله. وإن قال رجل لزوجته: أنت علي كمثل أمي أو كأمي سئل عن نيته فإن كان نوى طلاقا لزمه الطلاق، وإن نوى ظهارا لزمه الظهار، وإن قال: لم أنو ذلك ولاذا (23) كانت كذبة لانها لا تكون كأمه ولا مثل أمه أبدا، قال: ولا يكون من ظاهر بأمه من الرضاعة ولا أخته من الرضاعة أو بنته من الرضاعة أو بإمرأة بسبب من أسباب الرضاعة مظاهرا ولا يكون الظهار إلا بالام لا بغيرها كما قال الله سبحانه.
باب القول في الايلاء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الايلاء عندنا فهو أن يحلف الرجل بالله ألا يدنو من إمرأته أربعة أشهر سواء، وما زاد من الشهور فوقها، فأما من حلف فيما دون الاربعة الاشهر من جمعة أو جمعتين أو شهر وشهرين فليس بمول، وإذا آلى الرجل ثم تم على إيلائه ولم يعد إلى امرأته ويكفر ما حلف به من يمينه فإنا نرى أن يوقفه الامام فيقول له: ف ء إلى امرأتك فإن فاء كفر يمينه، ورجع إلى إمرأته وأن أبى أن يفئ فرق الامام بينهما، وتفريقه بينهما أن يأمره بفراقها ويجبره على طلاقها ولا نرى أن يوقفه الامام إلا عند انسلاخ الاربعة أشهر، فأما قبلها
---
ص 433 " (23) في نسخة ولاذاك.
---
[ 434 ] (1/434)
فلا نرى أن يوقفه، ولكن يتربص به، ويتركه ينظر في أمره، فإن رجع إلى ما ينبغي وإلا أوقف عند انقضاء ما جعل الله له من المدة والمدى، فإن لم يقرب إلى الامام ولم يوقفه حتى مضت له سنة أو سنتان فإنه يوقف بعد ذلك ولا تطلق عليه امرأته حتى يوقفه الامام ومتى أوقفه فإن فاء وإلا فرق الامام بينهما، وكذلك كان قول أمير المؤمنين: (علي بن أبي طالب عليه السلام) أنه كان يوقفه بعد سنتين، وفي الايلاء ما يقول رب العالمين: (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم) (24). قال يحيى بن الحسين عليه السلام: يوقفه الامام إذا رفع إليه أمره فيقول أمسك عليك زوجتك وكفر يمينك وف ء إليها وإلا فطلقها فإن فاء ورجع وإلا عزم عليه الامام فطلق، فإن أبى أن يطلق وأبى أن يفئ حبسه الامام وضيق عليه أبدا حتى يفئ أو يطلق. حدثني أبي عن أبيه: في المولي يوقف بعد أربعة أشهر أم لا؟ فقال: أحسن ما سمعناه فيه أن يوقف وهو قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وقول علماء أهل البيت. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: لا إيلاء لمول دون أربعة أشهر فأكثر، ومن حلف على دون أربعة أشهر فليس بمول. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الايلاء كيف هو؟ فقال: الايلاء أن يحلف على إمرأته ألا يكون بينه وبينها جماع ولا مداناة قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: الفئ هو الجماع نفسه، فمن لم يقدر عليه فاء بلسانه ويشهد على إيفائه، ولو أن رجلا آلى من
---
ص 434 " (24) البقرة 276.
---
[ 435 ] (1/435)
امرأته ثم أراد الفئ إليها قبل مضي الاربعة الاشهر وكان عليلا لا يطيق الجماع جاز له أن يفئ إليها بلسانه فيقول اشهدوا أني قد رجعت عن يميني وفئت إلى زوجتي، فإن صح وأطاق الجماع وجب عليه ساعة يطيقة ويقدر عليه أن يدنو منها، ولا يجوز له أن يخلف ذلك بعد الاستطاعة له، لان إيلاءه ويمينه إنما وقعت على الجماع والمداناة، فإن آلى من امرأته ثم أراد الفئ بعد أن مضت الاربعة الاشهر وكان عليلا لا يقدر على الجماع فإنه يجزيه أن يفئ بلسانه ويشهد على ذلك فإن صح بعد ذلك وأطاق الجماع فلا بأس عليه إن خلف الجماع من بعد الاستطاعة يوما أو يومين أو أكثر لان الاشهر التي حلف عليها وفيها قد خرجت. قال: وكذلك لو حلف على عشرة أشهر كان الامر فيها كالامر في الاربعة الاشهر، قال: فإن آلى أن لا يقربها أربعة أشهر ثم طلقها من بعد إيلائه بأيام فقد لزمها الطلاق، وهي طالق واحدة، أنقضت عدتها بعد الاربعة الاشهر أو قبلها سواء ذلك عندنا لانا لا نرى أنه يلزمه طلاقها بإيلائه عند خروج الاربعة أشهر دون إيقافه، ولو مضت له سنة أو أكثر، فلذلك قلنا إن ذهاب الاشهر لا يلزمه به طلاق كان خروجها وذهابها قبل إنقضاء العدة أو بعدها، ولسنا نقول: في ذلك كما قال غيرنا: فيوقع بإنقضاء الاربعة أشهر أولا قبل العدة تطليقة ثم يوقع بإنقضاء العدة تطليقة ثانية، هذا عندنا باطل لا نراه، ولا نقول به ولا نشاءه. قال: ولو أن رجلا آلى ثم طلق (25) امرأته قبل أن يفئ، ثم راجع قبل انقضاء العدة ولم يف ء وثبت على إيلائه وإمساكه عنها حتى تخرج الاربعة الاشهر رأينا أن يوقف لها بعد انقضاء الاربعة الاشهر فإن فاء فذاك، وإن لم يف ء أجبر على أن
---
ص 435 " (25) في نسخة قال فإن آلى الرجل ثم طلق.
---
[ 436 ] (1/436)
يطلق تطليقة بعد تطليقته التي كان راجع امرأته بعدها فيلزمه حينئذ اثنتان وتبقى معه بواحدة. حدثني أبي عن أبيه: في الفئ ما هو قال: الفئ الجماع، فإن لم يقدر على الملامسة لمرض أو علة أو سفر فاء بلسانه واكتفى بمقالته إلى أن يخرج من علته.
باب القول في طلاق المملوك والقول في طلاق المعتوه والصبي والمكره والمبرسم والسكران
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يكون بيع الامة لها طلاقا، ولا تحل بالبيع لناكح حتى يطلقها زوجها، هذا قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام (الطلاق لمن أخذ بالساق) وكذلك روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في بريرة أنه لم يجعل بيعها طلاقها قال: ولو أن مملوكا طلق زوجته طلاقا لا يجوز له معه رجعة إلا بعد نكاح زوج فغشيها سيدها بعد ذلك لم تحل لزوجها بغشيان سيدها، لان الزوج إذا طلق طلاقا لا تحل له المرأة إلا من بعد زوج (26) لم تحل حتى ينكحها زوج متزوج لها برغبة فيها، فأما بنكاح مالكها فلا تحل له، ولا تحل إلا من حيث حرمت كما حرمت بإكمال الطلاق، وكذلك لا تحل له إلا من بعد طلاق، والسيد المالك لا يطلق وإنما يطلق الزوج. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: طلاق المجنون والمعتوه في وقت إفاقتهما إن كانا يفيقان في وقت جائز، وإن كان لا يفيقان في وقت من الاوقات فلا طلاق لهما، وكذلك قولنا في المبرسم إنه لا طلاق
---
ص 436 " (26) في نسخة لا تحل له المرأة إلا بعد نكاح.
---
[ 437 ] (1/437)
له إذا زال عقله فلا طلاق له حتى يرجع إليه عقله، والصبيان فلا طلاق لهم حتى يعقلوا ويعرفوا ما يلزمهم ويجب في ذلك عليهم، وفي ذلك ما يقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (رفع القلم عن ثلاثة عن النائم عتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق وعن الصبي حتى يحتلم). حدثني أبي عن أبيه: في رجل زوج عبده أمته ثم باعها هل يكون بيعها طلاقها قال: لا يكون بيعها طلاقها ولابد من طلاق الزوج نفسه. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن طلاق المجنون؟ فقال: طلاق المجنون جائز في حال إفاقته، ولا يجوز طلاقه إذا غلب على لبه، وهكذا ذكر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. وأما طلاق الصبيان وطلاق المبرسم فلا طلاق لصبي حتى يعقل، وأما طلاق المبرسم فلا يلزمه طلاقه، وكذلك الذي يهذي في مرضه إذا كان لا يعقل طلاقا من غيره. قال يحيى بن الحسين عليه السلام: وكذلك المكره لا يلزمه ما أكره عليه من طلاق ولا غيره من الايمان وغير ذلك، وطلاق السكران جائز، وعتاقه لازم لانه فعل ذلك بنفسه (27) وأدخله على لبه.
باب القول في الذي يكتب بطلاق امرأته ولا يتكلم به
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا كتب الرجل في كتابه إلى امرأته إذا وصل إليك كتابي فأنت طالق فإن وصل الكتاب إليها طلقت، وإن ضل الكتاب وضاع أو ندم زوجها فحبسه فهي معه ولم
---
ص 437 " (27) في نسخة لانه فعل ذلك بنفسه وأحله وأدخله على لبه.
---
[ 438 ] (1/438)
تطلق امرأته لان الكتاب لم يصل كما اشترط الرجل، وإن كان كتب في كتابه أنت طالق، ولم يكن اشترط وصولا لكتابه ولا وقت وقتا لفراقه فهي طالق وصل كتابه أو لم يصل. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن رجل كتب بطلاق امرأته ولم يتكلم به بلسانه؟ فقال: إنما يقع طلاقها كما كتب إذا جاءها كتابه فإن لم يبعث بالكتاب لم يقع الطلاق وإنما يقع الفراق عليها يوم يجئ كتابه إليها إذا كان في كتابه إذا أتاك كتابي فأنت طالق، وإذا قال أنت طالق وليست بحاضرة لزمها الطلاق بما كتب من هذه المقالة وإن لم يأتها الكتاب.
باب القول فيمن كان له أربع نسوة فطلق أحداهن ولم يدر أيتهن طلق ولم تقع نيته على واحدة بعينها منهن
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من كان له نسوة ثلاث أو أربع (28) فأوقع الطلاق على واحدة منهم ولم يعلم أيتهن هي، ولم ينو طلاق واحدة بعينها وجب عليه أن يطلقهن كلهن تطليقة تطليقة، ثم إن أحب راجعهن كلهن، وإن أحب راجع بعضهن، ولا نرى أنه يجوز له غير ذلك. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن رجل له أربع نسوة أو ثلاث أو إثنتان؟ فقال: إحداكن طالق ما يلزمه في ذلك؟ فقال: إذا لم يعرف المطلقة بعينها وقد أوقع التطليقة لا شك، على واحدة منهن مجهولة،
---
ص 438 " (28) في نسخة من كان له ثلاث نسوة.
---
[ 439 ] (1/439)
أحببنا له أن يطلق من لم يقع عليها الطلاق منهن تطليقة واحدة ثم يراجع بعد من له فيها رغبة فيكون قد بان له بفعله هذا ما التبس عليه.
باب القول في المرأة يكون في بطنها ولدان متى تبين من زوجها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا تنقضي عدة المرأة حتى يخلو بطنها وتضع كل حملها، ولزوجها أن يراجعها ما لم تضع كل ما في بطنها من حملها لانها ما بقي منه شئ في عدتها، وقد قال الله سبحانه: (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) (29) فجعل وضوع الحمل منتهى العدة، ولا تكون من وضعت بعض حملها واضعة لكله كما لا تكون إذا وضعته كله واضعة لبعضه. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن إمرأة طلقت وفي بطنها ولدان فتضع أحدهما هل لزوجها أن يراجعها قبل أن تضع الآخر؟ فقال: ليس تخلو من عدتها حتى تضع كلما في بطنها من ولدها.
باب القول في نفقة المتوفى عنها زوجها ومتى تعتد إذا علمت بموته أمذ يوم توفى؟
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: نفقة المتوفى عنها زوجها تكون من رأس المال أبدا حتى تنقضي عدتها ذات حمل كانت أو غير ذات حمل، ولو كانت ذات الحمل وغيرها يفترقان فكان نفقة ذات الحمل في ميراث حملها، ونفقة غير ذات الحمل من المال لكان الحكم
---
ص 439 " (29) الطلاق 4.
---
[ 440 ] (1/440)
يختلف في ذلك والحق لا يختلف حكمه، وإنما يختلف الباطل، ومن الحجة على من قال: إن نفقة ذات الحمل من مال ما في بطنها، أن يقال له: أخبرنا إذ قد زعمت أن نفقة هذه المرأة تكون من حصة ما في بطنها، أرأيت أن لم يتم حملها فأسقطته أو مات بعد التخلق في بطنها فوضعته ميتا أو تم فولدته تاما ميتا، ولم يستهل على من يرجع الورثة الباقون بما أنفقوا على هذه المرأة التي لم يرث حملها؟ فإن قالوا: لا يرجعون على أحد بذلك فقد أثبتوا أن نفقة الحامل وغيرها من رأس المال الميت، وإن ألزموها نفقتها واحتسبوا به في ميراثها عليها فقد ظلموها وخالفوا حكم الله عزوجل فيها لان الله سبحانه يقول: (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) (30) فأوجب على الازواج النفقة عليهن في حياتهم وعلى الوارث للحمل وللميت مثلما على الزوج، وذلك قوله سبحانه: (وعلى الوارث مثل ذلك) (31) فأوجب على الوارث مثل ما يجب على أبي الصبي من النفقة عليه وعلى من أرضعه، وإذا لزم ذلك في الصبي لزم في زوجة الميت لان النفقة على الصبي خارجا من بطن أمه كالنفقة عليه وهو بطن أمه سواء سواء، وكذلك الانفاق عليها وهو بطنها تحمله ويغذوه الله في بطنها كالنفقة عليها وهي ترضعه في حجرها. قال يحيى بن الحسين عليه السلام: فأما المتوفى عنها زوجها فتعتد من يوم يبلغها وفاته لامن اليوم الذي صحت لها فيه وفاته، ومن الحجة في ذلك أن الله عزوجل لم يجز لها بعد وفاة زوجها أن تتزين،
---
ص 440 " (30) الطلاق 6.
(31) البقرة 233.
---
[ 441 ] (1/441)
ولا أن تتعطر ولا أن تلبس حليا ولا صباغا لزينة ولا فرح، وأوجب عليها إظهار الحزن والجزع على بعلها إعظاما لحق الزوج على الزوجة وتعريفا للخلق بعظيم الحرمة بين الزوج والزوجة فإذا كان ذلك كذلك ثم مات زوجها في أول السنة ولم تعلم وهي دائبة في فعل ما لا يجوز لها من التزين والتعطر سنتها كلها، لم تظهر قط جزعا ولم تمتنع من شئ مما لا يجوز للمتوفى عنها زوجها حتى إذا كان آخر السنة علمت أنه قد مات في أولها فنهضت من ساعتها التي علمت فيها بموت زوجها فتزوجت زوجا آخر ودخلت عليه من بعد أيام فتزينت له وتعطرت فأين الحزن والحداد، وترك ما أوجب الله تركه على مثلها عند من قال باعتدادها من يوم مات زوجها فلا أراه أوجب عليها حزنا، ولا رفض شيئا من الزين ولا اعتزال التزويج إلى مدة ما جعل الله عليها في ذلك من المدة بل أراه قد طرح عنها كل هم وحداد وغم ومنعها الوقوف لنفاد عدتها، وأطلق لها التزويج من ساعتها وهذا خلاف ما أراد الله منها في ترك ما أمرها بتركه من لذيذ العيش عند موت زوجها، ومن أطلق لها ذلك وأجاز أن تعتد من يوم يصح لها موته فقد أبطل المعنى الذي أراده الله من الزوجة عند موت زوجها، ومنعه لها مما منعها، ولو جاز ذلك لها لكان للمتوفى عنها زوجها حالتان في كتاب الله سبحانه والسنة مبينتان حالة تشقى فيها وحالة تنعم معها، فأما حالة الشقاء فإذا علمت بموت زوجها من ساعته، وأما حالة التنعم فحالة علمها بموت زوجها من بعد أربعة أشهر وعشر فلا يجب عليها أن تعتزل شيئا مما يعتزله غيرها، وهذا محال من المقال فاحش من الفعال عند ذوي العقول والالباب فاسد من كل الاسباب.
---
[ 442 ] (1/442)
باب القول فيمن طلق ثلاثا معا ومن طلق على غير طلاق السنة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قد كان سألني بعض أخواننا عمن طلق على غير طلاق السنة فقال: هل يلزمه طلاقه؟ أو يقع على امرأته فراقه؟ وقد قال الله عزوجل: (فطلقوهن لعدتهن) (32) وهذا فقد على غير العدة؟ فأجبته في ذلك بجواب وأنا مثبته في هذه المسألة ومجتز به في هذا الكتاب عن تكرار مثله إن شاء الله تعالى أعلم جعلنا الله وإياك ممن إذا شرع له الحق أتبعه، وإذا تبين له الصدق نفعه، وأعاذنا الله وإياك من سبل الضالين الذين همتهم الترؤس على الجاهلين، والتشبت بما قد عرفوا به من مذهبهم وقولهم، وإن كان مخالفا لاصول دينهم ومقالة علماء أهل بيت نبيهم الذين عليهم الاعتماد وبطاعتهم أمر جميع العباد فهم بخلافهم لمعدن العلم. يبتغون ما سولت لهم أنفسهم ومثلت لهم في صدورهم ظنونهم، فهم مثابرون عليه، خابطون بجهالتهم فيه، غير متهمين لرأيهم، يحسبون أنه لا حق إلا عندهم، قد لبس عليهم الشيطان حقهم ورشدهم، فهم يفتون بالخطاء ويدعون الناس إلى الزلل والهوى، قد حالوا بينهم وبين هداهم (33)، ومنعوهم من سؤال علمائهم، الذين أمروا بسؤالهم من أهل بيت نبيهم، بما يلبسون عليهم من أمورهم ويوهمونهم أن الحق في أقاويلهم، يحلون لهم بجهلهم كل حرام، ويحرمون عليهم ما أحل الله ذو الجلال والاكرام، قد تقلدوا للانام أمورهم وأسبابهم، فباؤا مع وزرهم عند الله
---
ص 442 " (32) الطلاق 1.
(33) في نسخة وبين هداتهم.
---
[ 443 ] (1/443)
بأوزارهم، فهم كما قال الله رب العالمين فيهم وفي إخوانهم الاولين: (وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون) (34) ولا يقصدون فيما اشتبه عليهم من أمروا بقصدهم، وافترض عليهم سؤالهم، وأمروا بطلبهم، والالتجاء إليهم في كل أمورهم، من أهل بيت نبيهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذلك قوله الله سبحانه: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (35) وأهل الذكر فهم آل محمد عليه السلام الذين أورثوا الكتاب ونزلت عليهم الاحكام وجعلوا مبينين لما اشتبه على الانام من جميع ما كان من حلال أو حرام فهم المترجمون لما غمض من الكتاب الموفقون لما أختار الله من الصواب لا يضل عن أفهامهم، ولا يجوز أن لا يوجد عند علمائهم (36)، فصل كل نور وخطاب وتبيان كل ما يحتاج إليه من الاسباب، إذ هم أمناء الله في خلقه وخلفاؤه في أرضه وبلاده، والمسترعون جميع خلقه وعباده، الذين أورثهم الله كتابه المبين، وجعلهم أولاد خاتم النبيين، وفي ذلك ما يقول رب العالمين: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير) (37) ففيهم إذ كانوا بشرا ما في غيرهم من الظالم لنفسه، والمقتصد في قوله وفعله والمبرز السابق إلى ربه الذي لا يتعلق به المتعلقون ولا يدانيه في سبقه السابقون. واعلم أن جميع الخلق من أهل الباطل والحق قد اجتمعوا وبغير شك إئتلفوا على أن من طلق امرأته فقد حرمت عليه إلا من بعد مراجعة، فلم يختلفوا كلهم أجمعون ولم يفترقوا
---
ص 443 " (34) العنكبوت 13.
(35) النحل 13.
(36) في نسخة ولا يجوز أن يوجد إلا عند علمائهم.
(37) فاطر 32.
---
[ 444 ] (1/444)
والحمد لله اكتعون في أن الطلاق نفسه واقع بالمطلقة. ثم اختلفوا في معنى الطلاق وكيفيته فقالت: شرذمة مخالفة للحق في كل المعاني من الكتاب والسنة وهي هذه الامامية الرافضة: من طلق زوجته على غير طهر من غير جماع، أو طلق ثلاثا معا لم يكن ذلك طلاقا وكانت زوجته على حالها، ولو طلقها في كل سنة تطليقتين أو ثلاثا حتى يطلقها ثلاثين تطليقة في عشر سنين لم يلزمه ولا إياها ذلك الطلاق الذي لفظ لها به، حتى يطلقها في طهر من غير جماع وخالفهم في ذلك جميع علماء ال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم واتبعهم على خلافهم في ذلك جميع علماء المسلمين فقالوا: ينبغي لمن طلق، أن يطلق طلاق السنة في طهر من غير جماع، فيطلقها للعدة كما دله الله وعلمه وهداه إلى رشده فيه وفهمه وإن هو طلق على غير ذلك أوجبنا عليه ما أوجب على نفسه وإن كان قد خالف تأديب ربه فيه، فنظرنا في أمرهم واختلافهم فإذا بالامامية لا حجة معهم ولا أثر في أيديهم عن الرسول ولا سبب تقف عليه العقول غير ما ذهبوا إليه من تأويل الآية من قول الله سبحانه: (فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة) (38) ثم نظرنا في قول من خالفهم في تفسير الآية فإذا معهم حجة من المعقول، وذلك أنه لو بطل اللفظ بالطلاق مرة واحدة لبطل مرارا كثيرة متواصلة ولو كان ذلك كذلك لكان الطلاق عبثا ولعبا ولم يعرف لذلك عدد، ولو بطل لفظه عدده ولو بطل عدده لبطل ماحد الله عزوجل منه وفرضه من قوله: (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) (39) موجبا لمعنى الثالثة في اللغة والبيان، وإذا لهم أيضا حجة من الاثر والسنة والاجماع على ما روي عن
---
ص 444 " (38) الطلاق 1.
(39) البقرة 239.
---
[ 445 ] (1/445)
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ابن عمر: أنه طلق امرأته حايضا فأتى عمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: يارسول الله إن عبد الله بن عمر طلق إمرأته حايضا فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مره فليرتجعها فإذا طهرت فليفارقها على طهر من غير جماع) فلما أن قال: مره فليرتجعها علمنا وعلم كل ذي عقل وتمييز أن المراجعة والارتجاع لا تكون إلا لمن قد بان كما لا يكون الطلاق إلا لما يملك من النسوان ووجدنا حجة من كتاب رب العالمين تقوي تأويلهم في الآية التي تأولتها الامامية عليهم من قول الله سبحانه وجل عن كل شأن شأنه فطلقونهن لعدتهن، وثبت ما قال غير الامامية من أن معنى هذه الآية من الله سبحانه، على معنى الدلالة والتأديب والتعريف لما هو أصلح للعباد لا على طريق الحظر والابطال لما كان سواه، وإن هذا من قول الله كغيره من قوله في مواضع كثيرة مما يدل به على الفصل والبيان، وينبه به على الصلاح والرشد والاحسان مما أمر به أمرا وذكره في كتابه ذكر الا يضيق على من فعل غيره فعله ولا يبطل على فاعله في ذلك عمله ولا يكون بذلك عند الله مخالفا عاصيا ولا مذموما غاويا خازيا، من ذلك قول الله سبحانه في الصيد: (وإذا حللتم فاصطادوا) (40) فلو لم يصطادوا من بعد الاحلال لم يكونوا مخالفين ولا لله في ذلك معاند ين، ومثل ذلك قوله في النساء والاكل والشرب في الصوم: (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفى عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) (41). ولو أنهم لم يباشروا
---
ص 445 " (40) المائدة 2.
(41) البقرة 187.
---
[ 446 ] (1/446)
في شهر رمضان كله، واجتنبوا فيه الجماع لم يكونوا فيه بمخالفين عند جميع المسلمين، ولا لله في ذلك عاصين، وكذلك لو لم يأكلوا ويشربوا لم يكونوا في ذلك بمذمومين، ومثل ذلك قوله في الصيام: (فمن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) (42) فلو صبر المريض والمسافر وصاما وطلبا ما في ذلك من الثواب واحتسبا لم يكونا (43) بمسيئين ولا لربهما في ذلك مشاقين، ومن ذلك قوله لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما دله عليه من فضل النوافل: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) (44) فلو لم يصل هو ولا غيره ممن هو على ملته نافلة أبدا وأداوا ما فرض الله من الصلوات عليهم لم يكونوا بمعاقبين على أن لا يكونوا بالصلاة من المتنفلين، ومن ذلك قوله في الصلاة صلاة الجمعة: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله) (45) فلو لم ينتشروا وأقاموا في ذلك اليوم ولم يبرحوا من المسجد لم يكونوا بإجماع الامة في ذلك عليهم حرج ولا عقاب بل كان لهم في ذلك عند الله أجر وثواب، إذ كانوا له في ذلك ذاكرين وللصلاة الثانية منتظرين، وفي ذلك ما روي عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه سئل عنه؟ فقال: (ذلكم الرباط ذلكم الرباط) ومثل ذلك قوله عزوجل في البدن: (فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر) (46) فلو لم يأكلوا من ذلك شيئا وتصدقوا بها جميعا لما كان عليهم في ذلك عند الله إثم، ولم يكونوا فعلوا من ذلك ما يعاقبون عليه، ويؤاخذون في الآخرة فيه، ومثل ذلك قوله في
---
ص 446 " (42) البقرة 185.
(43) في نسخة لم يكونا في ذلك بمسيئين.
(44) الاسراء 79.
(45) الجمعة 10.
(46) الحج 26.
---
[ 447 ] (1/447)
المطلقات ذوات الحمل: (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأئتمروا بينكم بالمعروف) والمعروف فهو الفضل والتفضيل، والبر لهن بما قل أو كثر، من بعد الجعل والاجر المعروف الذي عليه الناس من ذوي الجدة والافلاس، فلو أنه لم يهب ولم يتفضل وأعطاها جعلها وما يجب في ذلك لها لم يكن بمعاقب، ولا ظالم فاجر مجتر على الله عاص له كافر، ومثل ذلك قوله سبحانه وجل جلاله: عن أن يحويه قول أو يناله، في تزويج النساء: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) (47) فلو أن رجلا لم ينكح وتعفف وصبر على ذلك وتكفف وترك نكاح المحصنات اللواتي أجيز له منهن المثنى والثلاث والرباع وامتنع من اتخاذ الزوجات والاماء غاية الامتناع، لما كان الله في ذلك عاصيا ولا على نفسه بفعله متعديا باغيا فهذا ومثله فكثير يوجد في الكتاب مما هو شبه ومثل لقول الله سبحانه: (يأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة) (48) مما أراد به الدلالة لعباده (49) على الخير والصلاح لهم لا أنه أبطل عنهم ما فعلوا من غير ذلك، فتوهمت الامامية بجهلها بالكتاب أنه من الله كغيره مما لا خلاف فيه عند جميع الامة من الامر الحاضر لما سواه، مثل قوله عزوجل: (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) (50) فلو أن رجلا حلق رأسه من غير أحصار بغير منى لم يجز ذلك له بإجماع الامة وتوهموا أنه مثل قول الله سبحانه: (ثم أفيضوا من حيث أفاض
---
ص 447 " (47) النساء 3.
(48) الطلاق 1.
(49) في نسخة مما أراد الله الدلالة على الخير لعباده.
(50) البقرة 196.
---
[ 448 ] (1/448)
الناس) (51) فحظر على جميع الخلق الافاضة من مزدلفة وأمرهم بالوقوف والافاضة من عرفة، ومثل قوله: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين) (52) فأوجب بذلك الوضوء للصلاة إيجابا لا اختلاف فيه، أو مثل قوله: (أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا، فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) (53) فأوجب على من لم يجد الماء التيمم بالصعيد الطيب وأوجب ذلك إيجابا على كل العبيد، أو مثل قوله للمسافرين: (فإذا أطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) (54) فأمرهم بإتمام الصلاة إذا قاموا واطمأنوا ومثل قوله فيما أمر به من طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قوله: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) (55) ومثل قوله: (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة) (56) ومثل قوله: في النساء وما أمر به من تسليم مهورهن إليهن فقال: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) (57) فكان ذلك منه أمرا (58) جزما لاداء ما كان من مهورهن إليهن، ولو وهبن ذلك لمن أردن الهبة له من بعولتهن لجاز ذلك لا اختلاف في ذلك عند جميع الامة فلما أن
---
ص 448 " (51) البقرة 196.
(52) المائدة 6.
(53) المائدة 6.
(54) النساء 23.
(55) النساء 59.
(56) التوبة 123.
(57) النساء 4.
(58) في نسخة فكان ذلك منه أمرا حازما.
---
[ 449 ] (1/449)
وجدناهم كلهم مجمعين على أن الطلاق واقع لازم لمن طلق ولم نجد في ذلك بينهم إختلافا، وإنما وجدنا الاختلاف في معنى الطلاق وكيفيته ووقته وفي تفسير هذه الآية لا غيرها، ثم وجدناه لمن خالف الامامية من الحجج ما ذكرنا وقلنا وشرحنا، علمنا أن الآية على ما وجدنا عليه غيرها مما هو مثلها من الآيات، وإن الامامية أخطأت في تأويلها، ولو كانت الآية على ما يقولون لم يكن بين الامة في معناها اختلاف كما لم يكن في غيرها من الآيات، فأبطلت لذلك طلاق من طلق على غير (طلاق) السنة ولم تلزمه إذ قد أساء ما ألزم نفسه، وأبطلت طلاق من طلق ثلاثا معا على طهر أو غير طهر وخالفت كل الامة وتكلمت في ذلك (59) بالعمية والظن والهوى. حدثني أبي وعماي محمد والحسن بنو القاسم بن ابراهيم عن أبيهم القاسم بن ابراهيم رضوان الله عليه وعليهم أنه سئل عمن طلق حايضا فقال: أخطأ حظه ولزمه ما ألزم نفسه، وحدثني أبي وعماي عن أبيهم صلوات الله عليهم أنه قال: في المرأة تطلق وهي حايض هل تعتد بتلك الحيضة فقال: يلزمها طلاقها ويرتجعها حتى يفارقها فراق السنة في طهر منها بغير مسيس ولا مداناة. وحدثني (60) أبي وعماي عمن يثقون به عن أحمد بن عيسى بن زيد أنه سئل: عمن طلق امرأته ثلاثا معا، فقال: بانت منه بواحدة ولا نقول فيها بقول الرافضة، أراد أنهم يبطلون ذلك. وحدثوني أيضا عمن يثقون به عن موسى بن عبد الله أنه سئل: عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا في كلمة واحدة، فقال: فارق امرأته وخالف تأديب ربه. وحدثوني أيضا
---
ص 449 " (59) في نسخة وتكلمت في ذلك بالعمه.
(60) في نسخة وحدثوني أيضا.
---
[ 450 ] (1/450)
عمن يثقون به عن محمد بن راشد عن نصر بن مزاحم عن أبي خالد الواسطي قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عمن طلق امرأته ثلاثا في كلمة واحدة فقال: هي واحدة. وحدثوني (61) هم عن أبيهم القاسم بن ابراهيم صلوات الله عليهم عن رجل يثق به عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان يقول: فيمن طلق ثلاثا في كلمة واحدة أنه يلزمه تطليقة واحدة وتكون له على زوجته الرجعة ما لم تنقض العدة قال أبو محمد القاسم بن ابراهيم عليه السلام وهو قول بين القولين، بين قول: من أبطل أن يقع بذلك شئ من الطلاق وبين قول من قال: إنه يقع بذلك الثلاث كلها، وقال: هذا قولي وقد روي (62) ذلك عن زيد بن علي وعن جعفر بن محمد رحمة الله عليهم أجمعين من جهات كثيرة أن من طلق ثلاثا معا في كلمة واحدة فهي واحدة. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: والحجة عندي لمن رد الثلاث إلى واحدة فحجة قوية نيرة قاصدة وذلك قول الله الواحد الرحمن: (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) (63) فعلمنا أن ذلك ثلاثا حفا، ولا يكون ثلاثا عددا وفقا إلا ولهن أول، ووسط، وآخر، ولن تقع الثانية من الطلاق على المفارقة إلا من بعد مراجعة، وكذلك لا تقع الثالثة على المطلقة بتطليقتين إلا من بعد ارتجاعتين ألا ترى كيف فرق بينهن الرحمن فيما نزل من واضح الفرقان من بعد ما ذكر التطليقتين حين يقول: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) (64) فدل بذلك على أن من بعد التطليقتين إرتجاعة، يكون
---
ص 450 " (61) في نسخة وحدثوني عمن يثقون به.
(62) في نسخة وقد روي ذلك عن الامام أبي الحسين زيد بن علي.
(63) البقرة 229.
(64) البقرة 229.
---
[ 451 ] (1/451)
فيها الامساك بمعروف أو التسريح بإحسان الذي لا ارتجاع بعده حتى تنكح زوجا غيره، فلذلك (65) قلنا إن الثلاث لا تكون في كلمة معا إذ العدد إنما هو جامع لما ذكر الله عزوجل من تحديد الطلاق ولا تكون تطليقة ثانية إلا وقبلها تطليقة أولة، ولا تكون تطليقة ثالثة إلا وقبلها تطليقة ثانية، كما لا يكون ثان من كل عدد إلا وقبله أول فرد، ولا ثالث إلا وقبله ثان ثابت ومن أوقع الثلاث معا فإنما أوقع لفظ عدد وحساب لا معنى ما ذكر الله من عدد الطلاق من غير ما شك ولا ارتياب، ومن الدليل على أن من جمع عدد شئ في كلمة (66) واحدة، فلم يؤد ذلك العدد بإجماع الناس على أن التسبيح الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الصلاة أنه ثلاث تسبيحات في الركوع وثلاث تسبيحات في السجود، فهل يقول أحد من جمعهن في كلمة واحدة فقد أداهن فهذا واجب عليه في القياس، فإن أجازه وجب عليه أن يقول في ركوعه سبحان الله العظيم وبحمده ثلاثا، ويقول في سجوده سبحان الله الاعلى وبحمده ثلاثا ويستغني بقوله ثلاثا عن تكرار التسبيح ثلاث مرات في الركوع والسجود، فإن أجاز هذا بان له ولغيره سوء قوله، وإن لم يجز هذا وجب عليه أن يقول إنه لا يجوز الطلاق ثلاثا معا ولا يجوز أن يجمعهن في كلمة واحدة، وإنه لا بد أن يأتي بهن كما جعلهن الله واحدة بعد واحدة، وثالثة بعد ثانية، فإذا علم ذلك علم أن التطليقة الثانية لا تقع إلا وقبلها إرتجاعه أولة، وأن التطليقة الثالثة لا تقع إلا وقبلها ارتجاعه ثانية، فإذا علم ذلك علم أنه لا يأتي بما ذكر الله من الثلاث التطليقات حتى يأتي بينهن بالارتجاعات ويكن مفترقات، لان من طلق امرأته واحدة لم
---
ص 451 " (65) في نسخة فلذلك قلنا إن الثلاث.
(66) في نسخة في لفظة واحدة.
---
[ 452 ] (1/452)
يمكنه أن يطلقها ثانية حتى يملكها بارتجاعة أولة، ثم تقع عليها التطليقة الثانية وكذلك العمل في التطليقة الثالثة. ومن الحجة عليهم أيضا في ذلك لو جاز أن يجمع المفترق في كلمة واحدة ويكون جامعه بذلك مجتزيا عن تفريقة لكان يجب في القياس أن يكون من قال سبحان الله ألف ألف مرة، ومن قال صلى الله على محمد وآله ألف ألف مرة وسكت عند الله وعند رسوله مثل من سبح الله ألف ألف مرة يقول سبحان الله والحمد لله أبدا حتى يوفي ألف ألف مرة، ومثل من قال صلى الله على النبي: ألف ألف مرة كمن يقول اللهم صل على محمد وآله اللهم صل على محمد وآله أبدا حتى يوفي ألف ألف مرة، وهذا من المقال فسمج باطل محال، وكذلك يجب على من قال بذلك أن يقول إن من رمى الجمار بالسبع الحصيات معا ولم يفرق حصى كل جمرة فيرميها به واحدة بعد واحدة: إن ذلك يجزيه ويغنيه ولا يجب عليه الاعادة والتفرقة، وهذا مما لا يجوز ولا يقول به أحد من العلماء ولا الجهال وهو من المقال فأسمج الباطل والمحال، وقد بينا في كتابنا هذا وشرحنا من الدلالة من الله عزوجل على أن معنى قول الله سبحانه وتعالى: (فطلقوهن لعدتهن) (67)، فهو على معنى الدلالة من الله سبحانه لعباده والحض لهم على الذي هو أفضل وأقرب لهم إلى رشدهم وأبين وأمثل لانه أمر لا ينبغي لاحد تركه ولا يحل له غيره فيكفر ويخالف ربه أن هو فعل غيره وتركه وكذلك وعلى ذلك يخرج قول الرحمن الرحيم العزيز الرؤوف الكريم: (فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة) (68) فأمرهم بذلك أمرا ودلهم به على الصلاح، ولم يبطل ما فعلوا
---
ص 452 " (67) الطلاق 1.
(68) الطلاق 1.
---
[ 453 ] (1/453)
من سوى ذلك بل قد أوجبه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما بيناه وشرحنا ه في أول قولنا وكتابنا، ولو كان ذلك القول من الله عزوجل حاظرا لما سواه، وكان الطلاق لا يلزم إلا به لكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول لعمر حين سأله عن طلاق ابنه ليس هذا بطلاق ومره فليلزم امرأته ولم يكن ليقل مره فليرتجعها، فكان قول الله سبحانه: (فطلقوهن لعدتهن) (69) نظرا منه لهم وتفضلا منه عليهم بالدلالة منه لهم على ما يكون لهم عليهن به الرجعة ما دمن في العدة وما يمكنهم فيه بعد انقضاء العدة إن احتاجوا إلى المراجعة بتجديد النكاح واتباع الرشاد والصلاح وذلك أن طلاق السنة هو أن يطلقها على طهر من غير جماع فيقول: إعتدي أو بذكر طلاقا ثم يتركها فتمضي في عدتها فان بدا له فيها بدا من قبل أن تمضي ثلاثة أقراء فهو أولى بها من نفسها ووليها، فليراجعها فتكون معه بثنتين وقد مضت الثالثة بواحدة، وإن لم يبد له فيها بدا تركها فمضت في أقرائها، ثم هي من بعد ذلك أولى منه بنفسها إن أحبت وأحب يراجعها بالمهر الجديد والولي والشهود، فإن تراجعا ثم أراد فراقها فارقها على طهر من غير جماع فإن بداله فيها بدا فهو أولى بها من نفسها ووليها ما دامت في عدتها راجعها بلا مهر ولا ولي وأشهد على مراجعتها شاهدين وتكون قد مضت منه بثنتين وبقيت له واحدة عليها، فإن بداله فيها رأى بتطليق فطلقها لم يكن له من بعد ذلك أن يراجعها حتى تتزوج من بعده زوجا وينكحها ويذوق كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " عسيلتها " ولما في طلاق السنة من المنفعة للناس ما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: (لو أصاب الناس معنى الطلاق ما ندم أحد على امرأة). يريد صلوات الله
---
ص 453 " (69) الطلاق 1.
---
[ 454 ] (1/454)
عليه أنه إذا فعل ذلك رجل لم يندم لطول ما يمكنه فيما له من العدة من المراجعة لها، فيقول: إنه إذا فعل ذلك لم تنقض عدتها حتى يندم فيراجعها، أو يتم بعزم منه وزهد فيها على مباينتها، فلما أن كان لمن طلق طلاق السنة هذا الاجل الطويل، وكان ذلك عونا له على أمره واستدراكا لخطأ إن كان من فعله، نبههم الله عليه وأمرهم أمر تأديب به ودلالة على فضله، لا أمر حرج يبطل ما سواه من الطلاق، ولا يلزم مفارقا فارق على غير فراق، واعلم هديت أن الطلاق واقع على كل حال، لازم لمن يتكلم به من الرجال، غير أن من طلق امرأته حايضا لم تعتد بتلك الحيضة في عدتها واستأنفت ثلاثا مستقبلات ولا أعلم أحدا خالف ما روي وقيل به من ذلك، غير هذا الحزب حزب الشيطان الخاسر الهالك عند الله الجاير المحل للشهوات المتبع اللذات المبيح للحرمات الآمر بالفاحشات، الواصف للعبد الذليل بصفة الواحد الجليل القائل على الله عزوجل بالمحال، المتكمه في الظلال، المنكر للتوحيد، المشبه لله المجيد، بالضعيف من العبيد، المبطل في ذلك لعدة الزوجات، الدافع لما أثبت الله عزوجل من الاسباب والوراثات، المخالف لكتاب الله عزوجل في كل الحالات، الذي عاند الحق واتبع المنكر والفسق، حزب الامامية الرافضة للحق والمحقين، الطاعنة على أولياء الله المجاهدين الذين أمروا بالمعروف الاكبر ونهوا عن التظالم والمنكر، وقول هؤلاء الامامية الذين عطلوا الجهاد وأظهروا المنكر في البلاد والعباد، وأمنوا الظالمين من التغيير عليهم، ومكنوهم من الحكم فيهم وصاروا لهم خولا وجعلوا أموال الله بينهم دولا، وكفروا من جاهدهم، وعلى ارتكاب المنكر ناصبهم، وقول هذا الحزب الضال، مما لا يلتفت إليه من المقال لما هم عليه من الكفر والايغال، والقول بالكذب والفسوق والمحال، فهم
---
[ 455 ] (1/455)
على الله ورسوله في كل أمر كاذبون ولهما في كل أفعالهم مخالفون، قد جاهروهما بالعصيان وتمردوا عليهما بالبغي والطغيان وأظهروا المنكر والفجور، وأباحوا علانية الفواحش والشرور، وناصبوا الآمرين بالحسنات المنكرين للمنكر والشرارات الائمة الهادين من أهل بيت الرسول المطهرين، وهتكوا يالهم الويل الحرمات وأماطوا الصالحات وحرضوا على امانة الحق وإظهار البغي والفسق، وضادوا الكتاب وجانبوا الصواب وأباحوا الفروج، وولدوا الكذب والهروج، وفيهم ما حدثني أبي وعماي محمد والحسن عن أبيهم القسم بن ابراهيم صلوات الله عليهم أجمعين عن أبيه عن جده ابراهيم بن الحسن عن أبيه عن جده الحسن بن علي بن أبي طالب عن أبيهم علي بن أبي طالب عليه وعليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (يا علي يكون في آخر الزمان قوم لهم نبز يعرفون به يقال: لهم الرافضة فإن أدركتهم فاقتلهم قتلهم الله فإنهم مشركون). ونحن أعانك الله وأرشدك ولما يرضيه وفقك فقد نجد بإجماعهم وإجماع غيرهم من كل الخلق من أهل الباطل والحق الطلاق يقع ويكون بلا عدة ولا طهر، ونجده بقولهم وقول غيرهم يقع على الزوجة في المحيض وغير المحيض وذلك طلاق الرجل للمرأة ولم يدخل بها، فهم وغيرهم يوجبون عليها ما لفظ به زوجها من طلاقها على أية حال كانت عليها، ولا يشك أحد أن لها أن تتزوج من ساعتها، وأنه لا عدة له عليها، وذلك قول الله عزوجل: (فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) (70) فإن قالوا إنه لا يقع عليها طلاق إلا في وجه طهر أخطأوا وقول الامة طرا خالفوا، وجهلهم لغيرهم أظهروا، وإن قالوا يقع عليها
---
ص 455 " (70) الاحزاب 49.
---
[ 456 ] (1/456)
ما لفظ به زوجها فقد أقروا أن الطلاق يقع على كل حال، ويلزم من يلفظ به من الرجال، ولا فرق في وقوع الطلاق ولزوم ما يلزم من الفراق بين التي دخل بها، والتي لم يدخل عليها عند من عرف الحلال والحرام واتبع دين محمد عليه السلام وكان من أهل الايمان والاسلام لان الموطؤة وغير الموطؤة معناهما في الطلاق سواء، وإنما يخاف في ذلك أن تكون حاملا، وليس الحمل مما يدفع عنها ما لفظ به زوجها من طلاقها، ولا يرجع إليه ما أبان من فراقها لان الحامل وغيرها في معنى الطلاق سواء سواء غير أن أجلهن يكون أبعد وأدنى من الثلاثة الاقراء، والثلاثة الاشهر معا، وذلك قول الله العلي الاعلى: (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) (71) فجعل سبحانه أجل ذوات الحمل أن يضعن ما في بطونهن من الثقل، كان وضعهن بعد الطلاق بأيام، أو بأشهر متتابعات توام، ويقال لمن قال: لا يقع الطلاق إلا على وجه طهر من غير جماع ما تقولون فيمن أدخلت عليه امرأته فأرخى الستور وغلق الابواب ثم بدا له بدا فطلق من قبل المجامعة والافضاء، وقد أرخى عليهما الستر ووجب لها عليه المهر، أتقولون له راجعها، أو لا تلزمونه طلاقها إذ لا يقع على مطلق طلاق ولا يلحق به عندكم إلا على وجه طهر فراق فقد يلزمكم ذلك في أصل قولكم، فإن قالوا نعم نقول ذلك ونحكيه، ونرى أنه مخالف لخالقه وباريه، قيل لهم: فأنتم في قولكم وادعائكم إذا أعرف بالله وبكتابه وحلاله وحرامه من رسوله وخاتم أنبيائه إذ تزعمون أن ذلك لا يجوز وقد فعله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وارتآه، وأجازه عليه السلام وأمضاه، حين أدخلت عليه زوجته أسماء إبنة النعمان بن الاسود بن الحارث الكندي، فلما دخلت عليه وكانت عائشة إبنة أبي
---
ص 456 " (71) الطلاق 4. في نسخة (نعم نقول له ونحيطه).
---
[ 457 ] (1/457)
قد قالت لها إن أردت أن تحظي عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإذا مد يده إليك فقولي: أعوذ بالله منك ففعلت ما أمرتها فصرف وجهه عنها وقال: (أمن من عائذ الله إلحقي بأهلك) وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في زوجته جوينة إبنة أبي أسيد وكان أبو أسيد الساعدي قدم بها فتولت عائشة وحفصة مشطها والقيام عليها فقالت: إحداهما لها إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعجبه من المرأة إذا أدخلت عليه أن تقول: أعوذ بالله منك فلما دخل عليها وأرخى الستر وغلق الابواب ومد يده إليها قالت: أعوذ بالله منك، فوضع كمه على وجهه واستتر وقال: عذت معاذا ثلاث مرات، ثم خرج فأمر أبا أسيد أن يلحقها بقومها ومتعها بثوبي كتان، فذكر أنها ماتت كمدا رحمها الله تعالى، فإن قالوا يجوز ذلك له ولا بأس أن يطلقها في غير وجه طهر، وقالوا إن ذلك يلزم فاعله (72)، وإن الطلاق يلزم على كل حال قائله أصابوا المعنى ورجعوا إلى قولنا وجانبوا المكابرة والخلاف ودخلوا في الحق والائتلاف، ومما يحتج به من وقوع الطلاق على المطلقة ولزوم الفراق للمفارقة في غير وجه طهر من غير جماع أن رجلا لو جامع امرأة له حاملا بكرة وفارقها عشية لما كان عند ذوي العلم والحجا في ذلك اختلاف ولا امتراء ولكانوا كلهم مجمعين على أن الطلاق لازم له لاحق بها غير ناكل عنه ولاعنها، وإن كان قبل طلاقه بساعة جامعها فكيف يقول من يقول: إن الطلاق لا يلحق ولا يلزم من عزم على الطلاق وبه تكلم إلا على وجه طهر من غير جماع، فنعوذ بالله من البدعة والابتداع ومخالفة الحق والمحقين والتكمه في ضلال الضالين. واعلم هديت أن الطلاق واقع على كل حال بكل امرأة ملكت عقدة نكاحها، إذا لفظ مالكها بطلاقها،
---
ص 457 " (72) في نسخة وأن الطلاق على ذلك الحال يلزم قائله.
---
[ 458 ] (1/458)
وإن كان المظلق قد أخطأ تأديب ربه وزاح عما دله الله عليه من رشده وذلك قول المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبي، وقول علي بن أبي طالب عليه السلام جدي، وقول آبائي من قبلي، وقولي أنا في نفسي.
باب القول في طلاق المكره
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا خاف على نفسه من سلطان جائر غاشم أو عدو معتد ظالم فاستحلفه العدو بالطلاق على أمر من الامور التي التجوز للظالم ولا يحل لهذا أن يصدقه فيها، لم يكن استحلافه إياه مما يوجب عليه طلاقا، إذا كان له في ذلك مكرها، وكذلك لو قال له طلق امرأتك وإلا فعلت بك أمرا يخاف على نفسه منه فيه الاذى والعنت من ضرب أو قتل أو حبس فطلق لم يكن ذلك طلاقا، ولم نلزمه به فراقا، وكذاك لو استحلفه سلطان غاشم على نصرته وألزمه بذلك الدخول في مبايعته فحلف له بطلاق أهله لم يلزمه في ذلك حنث ولا بيعة وكان عليه أن لا يعقد (73) له في رقبته طاعة. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن استحلاف هؤلاء الظلمة بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك فقال: كلما أكره عليه صاحبه إكراها، واضطر إليه إضطرارا فلا يلزمه، وما أعطاه من ذلك طوعا غير مكره فيلزمه، وهذا فلا اختلاف فيه عند علماء آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. باب القول فيمن قال لامرأته أعتدي قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قال لها اعتدي دين وسئل عن نيته في ذلك فما نوى كان كما نواه، إن نوى طلاقا كانت
---
ص 458 " (73) في نسخة وكان عليه أن لا يعتقد له.
---
[ 459 ] (1/459)
واحدة يملك عليها فيها الرجعة، وإن قال نويت دراهم أو جوزا لم يلزمه الطلاق، وإن أتهم استحلف ما نوى غير ما قال ولا نوى طلاقا.
باب القول في الرجل يقول لامرأته لست لي بإمرأة أو يقول لها أنت سايبة أو أنت حرة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قال الرجل شيئا من ذلك لامرأته يريد بذلك الطلاق فهي تطليقة، فإن لم ينو طلاقا ولا فراقا وأدعى شيئا نواه غير ذلك فليصدق أو يستحلف أن أتهم، ولو قال: رجل لامرأته لست لي بامرأة سئل عن نيته فإن نوى طلاقا طلقت، وإن لم ينو طلاقا كانت كذبة كذبها لا ينبغي له أن يعود لمثلها.
باب القول في الاستثناء في الطلاق
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا قال لامرأته أنت طالق إلا أن يشاء أبوك حبسك فقال: أبوها قد شئت أن تحبسها ولا تطلقها، فإذا قال: ذلك لم يلرمها طلاق وإذا قال: أبوها قد شئت طلاقها لزمها الطلاق (74). ولو قال: رجل لامرأته أنت طالق واحدة إلا واحدة فهي طالق واحدة. ولو قال لها: أنت طالق واحدة إلا أن يشاء أبوك ثلاثا سئل عن نيته، فإن قال: أردت إنه إذا أراد ثلاثا لم يلزمها شئ فشاء الاب ثلاثا لم تطلق المرأة وإن شاء الاب واحدة ولم يشأ الثلاث طلقت بواحدة، فإن قال: الزوج أردت بنيتي إن شاء الاب ثلاثا فهي ثلاث كما شاء وجب عليه في قول: أهل الثلاث أن تطلق الثلاث، وفي قول من رد الثلاث إلى واحدة أن تطلق واحدة، لان هذا ليس بأوكد من قول
---
ص 459 " (74) في نسخة قال: ولو أن رجلا قال لامرأته.
---
[ 460 ] (1/460)
الزوج لها أنت طالق ثلاثا، وردها إلى واحدة أصوب القولينن عندي لما به احتججت في أول هذا الجزء في ذلك.
باب القول في المتابعة بين الطلاق
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن الرجل قال لامرأته أنت طالق أنت طالق أنت طالق لم يلزمها من ذلك إلا الواحدة الاولة لانه ساعة قال أنت طالق طلقت منه ثم أوقع التطليقة الثانية والثالثة على إمرأة لا يملكها، ولا يقع عليه فراقها في قولنا، وأما أهل الثلاث فيرون أن الطلاق لازم لها لاحق بها ما كانت في عدتها ولسنا نأخذ بذلك ولا نراه.
باب القول في الرجل إذا دعا بعض نسائه بأسمها فأجابته منهن غيرها فطلقها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا نادى امرأة من نسائه قد عزم على طلاقها ونوى فراقها فأجابته منهن غيرها، فقال: أنت طالق وهو يتوهم أنها التي كان نادى وعزم على فراقها لم تطلق هذه المجيبة وطلقت التي عزم على طلاقها وتكلم بالطلاق فيها، ولم يلزم التي لم يعزم لها على طلاق طلاق لانه إنما قال: أنت طالق متبعا لفظه للضمير الذي في صدره فكان الكلام تابعا للنية. باب القول فيمن طلق بعض تطليقة قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا قال لامرأته أنت طالق عشر تطليقة، أو ثلث تطليقة، أو ربع تطليقة، أو سدس تطليقة، أو ثمن تطليقة، لزمه في ذلك كله تطليقة كاملة لان الطلاق لا ينكسر وكل كسر فيه فهو جبر. وكذلك لو قال لامرأتين له بينكما تطليقة ونصف لزم كل واحدة منهما تطليقة كاملة، ولو قال لهما بينكما تطليقتان
---
[ 461 ] (1/461)
ونصف يلزم كل واحدة منهما تطليقة كاملة في قول من رد الثلاث إلى الواحدة وأما قول من يقول بالثلاث فيقول يلزم كل واحدة تطليقتان، والقول الاول هو المعمول عليه عندنا وكذلك لو قال لامرأتيه بينكما خمس تطليقات لرأى من يقول برد الثلاث إلى واحدة أن يلزمهما واحدة واحدة فأما من يرى الثلاث فيقول يلزمهما ثلاث ثلاث، لا يحلان له حتى ينكحا زوجا غيره.
باب القول فيمن حلف بالطلاق فحنث وهو لا يعلم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من حلف بالطلاق أن لا يبرح أو يشتري عشرة أرطال سكرا فاشترى عشرة أرطال فوجد فيها رطل قند، بعد أن ذهب وبرح فإنا نرى أنه قد حنث وكذلك لو حلف أن لا أبرح حتى أستلف من فلان عشرين درهما فأسلفه ذلك الرجل عشرين درهما فوجد فيها درهمين من حديد بعد أن برح فقولنا أنه قد حنث.
باب القول فيمن حلف بطلاق نسائه مفترقا أو مجتمعا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قال رجل لنسائه أنتن طوالق إن ضربتن صبي فلانا، سئل عن نيته، فإن كان نوى وأراد أن لا يضربنه كلهن معا، ولم يكن حلف على ضربهن له مفترقات، فلا يطلقن حتى يضربنه مجتمعات، وإن كان أراد ونوى ألا تضربه واحدة منهن وحدها ولا مع صواحبها لزمه الحنث إن ضربنه متفرقات أو مجتمعات. قال: وكذلك لو قال لكل واحدة منهن: أنت طالق يا فلانة، وأنت طالق يا فلانة وأنت طالق يا فلانة، إن دخلتن دار فلانة سئل أيضا عن نيته،
---
[ 462 ] (1/462)
فإن كان حلف عليهن أن لا يدخلن مجتمعات فدخلن متفرقات فلا حنث عليه، وإن كان نوى أن لا يدخلن على حالة من الحالات مجتمعات ولا متفرقات، فإن دخلن فقد حنث مجتمعات كن أو مفترقات، وإن كان نوى أن لا يطلق منهن واحدة حتى يدخلن كلهن الدار مجتمعات طلقن كلهن إذا دخلن الدار، وإن كان أراد بيمينه وقوله ما قال أن كل من دخل منهن الدار فقد طلقت بدخولها فهو كما كان نوى، كلما دخلت واحدة طلقت، وإن دخلن معا طلقن، وإن دخل بعضهن ولم يدخل بعضهن، طلقت التي دخلت، ولم تطلق التي لم تدخل.
باب القول في الظهار من الاماء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الظهار من الامة الزوجة كالظهار من الحرة الزوجة كانت للرجل أو لمملوكه، قال ولو أن رجلا ظاهر من أمته لم تكن عليه الكفارة واجبة، قال ولو أن رجلا ظاهر من أم ولده كان ظهاره غير واقع عليها ولم يكن ذلك ظهارا، لان الله عزوجل إنما ذكر من الظهار من الزوجات دون الاماء فقال سبحانه: (الذين يظهرون منكم من نسائهم) (75) يريد أزواجهم والاماء لا يسمين نساء ولا زوجات. قال ولو أن رجلا قال لامرأته: أنت على كظهر أمي إن لم أفعل كذا وكذا فإنه إن فعل ذلك الشئ لم يحنث ولم يقع عليها الظهار، والظهار في هذا الموضع كالايمان، إن وفى لم يحنث وإن لم يف حنث، فإن كان وقت وقتا فجاز ذلك الوقت ولم يفعل ما حلف عليه فقد حنث ووقع عليه الظهار، وإن كان لم يوقت لذلك وقتا فلا حنث عليه
---
ص 462 " (75) المجادلة 2.
---
[ 463 ] (1/463)
ما دام مجمعا على ما حلف عليه عازما على الوفاء بيمينه، فإن دخله ترك للوفاء بيمينه والاضراب عن إبرار قسمه لزمه الظهار وكانت عليه الكفارة لازمة. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولو أن رجلا قال إن تزوجت فلانة فهي علي كظهر أمي، لم يلزمه إن تزوجها لها ظهار لانه لا يدخل الظهار قبل الملك كما لا يدخل الطلاق قبل الملك، قال وكذلك لو قال: كل امرأة أتزوجها إلى سنة أو سنتين فهي عليه كظهر أمه لم يلزمه في ذلك ظهار للانه لا ظهار إلا بعد ملك عقدة النكاح، وكذلك لو قال: كل سرية أتسراها فهي علي كظهر أمي لم يلزمه ذلك لانه لا ظهار يقع على الاماء.
باب القول فيمن ظاهر من امرأتين أو ثلاث أو أربع
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا ظاهر الرجل من نساء عدة، ثلاث أو أربع وجب عليه لكل واحدة منهن كفارة على حدة، وهو مخير في الكفارات إن لم يطق العتق عنهن كلهن عن بعض وصام عن بعض، وإن لم يطق الصيام أطعم، وإن لم يجد السبيل إلى أن يطعم في ذلك كله ولم يطق الصيام فليطعم ما قدر عليه، وليصم ما استطاع وليعتق إن وجد.
باب القول فيمن ظاهر من إمرأته مرتين أو ثلاثا أو أربعا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا ظاهر من إمرأته مرتين أو ثلاثا أو أربعا، ولم يكفر للاول ولا للثاني أجزته كفارة
---
ص 463 " في نسخة (من ظاهر).
---
[ 464 ] (1/464)
واحدة، فإن كفر ثم ظاهر بعد التكفير وجبت عليه كفارة أخرى، وكذلك لو ظاهر خمسين مرة يكفر بين كل ثنتين للزمته أبدا الكفارات، بعد أن يكون قد كفر للاولة، ثم ظاهر فيجب عليه كفارة أخرى، ثم إن عاد بعد التكفير فظاهر وجبت عليه كفارة الظهار أيضا على هذا القياس أبدا فقس ما أتاك من هذا.
باب القول فيمن آلى ثم طلق امرأته في الايلاء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا آلى أن لا يقرب امرأته أربعة أشهر ثم طلقها قبل أن يفئ فإن الجواب في ذلك أنها إن انقضت عدتها قبل أن يفئ بانت منه بواحدة ولا سبيل له عليها إلا بتزويج جديد وولي وشهود ومهر جديد، فإن راجعها كذلك لزمه الايلاء ووجب عليه أن يفي ويكفر، فإن فاء قبل انقضاء العدة كفر يمينه، وكان ذلك رجعة منه إليها وكان له أن يراجعها بلا ولي ولا مهر، ويشهد شاهدين على أنه قد راجعها ثم يفئ إليها، وإن آلى منها وهي حامل ثم طلقها فله أن يفئ متى شاء وإن وضعت ما في بطنها فقد بانت منه وابطل الطلاق الايلاء إلا أن يعود إلى تزويجها فيرجع الايلاء عليه إذا كانت الرجعة قبل انقضاء المدة التي حلف أن لا يدنو منها دونها فافهم ذلك، فإن تزوجها بعد ذلك بولي وشهود ومهر جديد لزمته الكفارة ليمينه إذا دنا منها، وإن كان قد راجعها وفاء إليها قبل أن تضع فهو أولى بها من نفسها ووليها ويكفر يمينه وتكون معه بثنتين، لان الفئ بعد الطلاق رجعة، ولسنا نقول إن الطلاق والايلاء كفرسي رهان كما يقول غيرنا لانا لا نرى مضي الاربعة الاشهر توجب طلاقا وإنا نقول: لا يلزمه فراق إلا بعد أن يوقف فيفئ أو يفارق، بعد ذلك أم قرب.
---
[ 465 ] (1/465)
باب القول فيمن طلق صبية فحاضت قبل أن تنقضي الثلاثة الاشهر التي ابتدأت العدة فيها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا طلق صبية لم تحض فاعتدت بالشهور، فلما أن مضى لها من عدتها شهران أو أقل أو أكثر إلا أنه دون انقضاء الثلاثة الاشهر حاضت فإن الواجب عليها أن تبتدأ العدة بالحيض ولا تنظر إلى ما مضى من الشهور، فتعتد ثلاث حيض مبتدأة، وإنما قلنا ذلك لان الله عزوجل جعل العدة بالشهور للتي لم تحض، أو الآيسة فلما حاضت هذه الصبية قبل انقضاء الثلاثة الاشهر صارت من ذوات الاقراء، وزالت عنها عدة الصبا ولزمها قول الله سبحانه: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) (76) فأوجبنا عليها لذلك ابتداء العدة بالاقراء لانها لا يجوز لها أن تبني على الاعتداد بالشهور التي جعلها الله سبحانه عدة لمن لا تحيض وهي تحيض.
باب القول في طلاق العبيد، وعدة المماليك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الطلاق كله بالرجال، والعدة كلها بالنساء لان الله تبارك وتعالى جعل الطلاق إلى الرجال وبهم ولهم، وأمرهم فيه ونهاهم، وجعل العدة بالنساء ولهن وأمرهن فيها، ونهاهن ولم يأمر الرجال بشئ من العدة كما لم يأمر النساء بشئ من الطلاق فلما أن وجدنا الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة) (77) ويقول (يا أيها
---
ص 465 (76) البقرة 228.
(77) الطلاق 1.
---
[ 466 ] (1/466)
الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) (78) ويقول: (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) (79) ووجدناه في كل شئ من الطلاق لا يأمر ولا ينهى إلا الرجال، فعلمنا أن الطلاق بالرجال ولهم، أحرارهم ومماليكهم، والعدة بالنساء حرائر كن النساء أو مملوكات لا ينظر في ذلك إلى شئ من أمورهم، وإنما ينظر في ذلك إلى أزواجهن وكذلك وجدنا الله تبارك وتعالى يقول: (فإذا بلغن أجلهن) (80) فأخبر أن العدة لهن وبهن، ويقول تبارك وتعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) (81) وقال سبحانه: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) (82) وقال سبحانه: (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) (83) وقال سبحانه: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر، واللائي لم يحضن) (84) ففي كل ذلك يجعل العدة للنساء دون الرجال ويأمرهن فيها وينهاهن على كل حال فلما أن وجدنا ذلك كذلك قلنا إن العدة كائنة بالنساء حرائر كن أو مملوكات وإن الطلاق بالرجال أحرارا كانوا أو مماليك، وتفسير ذلك مملوك عنده حرة فطلقها تطليقة فهو أولى بها ما لم تحض ثلاث حيض فإن راجعها ثم طلقها ثانية فكذلك، فإن طلقها ثالثة فلا تحل له حتى
---
ص 466 (78) الاحزاب 50.
(79) الطلاق 2.
(80) الطلاق 2.
(81) البقرة 228.
(82) البقرة 240.
(83) الطلاق 4.
(84) الطلاق 4. في نسخة (والعدة بالنساء حرائر كن أو مملوكات).
---
[ 467 ] (1/467)
تنكح زوجا غيره، وعليها أن تعتد بثلاث حيض فجعل طلاقه الذي تحرم عليه بعده امرأته إلا بعد زوج ثلاث تطليقات، وجعل عدتها هي ثلاث حيض لانها حرة، وكذلك لو أن حرا طلق مملوكة كان أولى بها ما لم تحض ثلاث حيض فإن طهرت من الثالثة فمولاها أملك بها من زوجها ولا تحرم عليه إلا بعد ثلاث تطليقات، والامة فعدتها كذلك كانت تحت حر أو مملوك وإنما قلنا إن عدة الاماء كعدة الحرائر، وإن طلاق العبيد ثلاث تطليقات كطلاق الاحرار لان الله عزوجل قد علم مكان العبيد فلم يبين في طلاقها شيئا غير ما أجمله جملة فكانت هذه الجملة للاحرار والمماليك سواء سواء ولو كان ذلك عند الله متفرقا لبينه في كتابه وشرحه، وفسره، وطلاق الحر والعبد سواء تطليقات ثلاث.
باب القول فيمن حلف بالطلاق ليفعلن كذا وكذا ثم مات قبل أن يفعله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا حلف الرجل بطلاق امرأته ليفعلن كذا وكذا ثم مات قبل أن يفعله وكان مجمعا على فعله غير تارك له، فقد وقع الطلاق بها يوم مات، وهي ترثه لانها في عدة منه، فإن سمى وقتا فقال عليه الطلاق ليفعلن كذا وكذا في هذا اليوم أو في هذا الشهر فمات بعد ما وقت فقد حنث وقت ما خرج ذلك الوقت فطلقت امرأته قبل وفاته، فإن كان طلقها طلاقا يجوز له فيه ارتجاعها وكانت في عدتها ورثته وإن كانت قد خرجت من عدتها لم ترثه، وكذلك لو كان حنث وطلقت منه في هذه التطليقة وقد تقدم قبلها تطليقتان فلا ترثه لان هذه تطليقة ثالثة لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فلذلك قلنا إنها لا ترثه إذا كان كذلك ولو مات بعد الحنث بيوم.
---
[ 468 ] (1/468)
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن رجل حلف بالطلاق ليضربن غلامه، أو ليتزوجن أو ليأتين بلد كذا وكذا فمات قبل أن يتزوج، أو قبل أن يضرب الغلام أو قبل أن يأتي البلد الذي ذكر، فقال: ما كان مجمعا على ضرب عبده ولم يكن وقت لذلك وقتا عند ما حلف فلا حنث عليه فيه، وكذلك التزويج وإتيانه البلد.
باب القول فيمن يستحق الولد وفي إكراه ولي الصبي على النفقة عليه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الجدة أم الام أحق بولد بنتها، فإذا لم تكن جدة فأبوه أحق به، فإن لم يكن أب فالخالة أحق به لانها أخت أمه، ثم الاقرب فالاقرب. حدثني أبي عن أبيه في الاولياء من الاخوة والاخوات والاعمام والجدة والخالة والعمة أيهم أحق بالولد، فقال: الجدة أحق بالولد بعد الام وهي أم الام، فإن لم تكن أم ولا جدة فأبوه أحق به، فإذا لم يكن أب فالخالة لانها بمنزلة الام. قال يحيى بن الحسين عليه السلام: واجب على أبي الصبي نفقته وجميع مؤونته والنفقة على من ترضعه إن عاسرته أمه فلم ترضعه إذا كان قد فارقها أبوه، وعليه جعل المرضع التي ترضعه، ولا يجوز لابيه ولا لامه أن يتضارا فيه كما قال الله تبارك وتعالى: (لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك) (85). قال يحيى بن الحسين عليه السلام: معنى ذلك أنه لا يضار الزوج الام إذا كان قد فارقها فيمنعها من رضاع إبنها ويحرمها جعل مثلها، بل
---
ص 468 (85) البقرة 233.
---
[ 469 ] (1/469)
الواجب عليه أن يتركها وإياه ترضعه، ويكون لها جعل مثلها في رضاعه، وكذلك لا يجوز لها هي أن تضار أباه فيه فترمي به إليه ساعة تلده ولا تلبيه ولا تسقيه إلى أن توجد له مرضعة، وكذلك على الوارث أن لا يضار أم الولد فيه، وعليه من مؤونة الصبي ونفقة مرضعته مثل ما على أبيه لو كان حيا واجبا ذلك عليه، محكوما به فيه. حدثني أبي عن أبيه في قول الله تبارك وتعالى: (لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك) (86) قال: على وارث الصبي الذي يرثه إذا مات أبوه ما على أبيه من نفقته على مرضعته، والمضارة في الولد من الوالدة ألا ترضعه وهي قوية على ارضاعه مضارة لابيه في ذلك، وعلى الاب أيضا ألا يضار الوالدة إذا أرادت أن ترضع ولدها فيسترضعه من غيرها، وعلى الوارث مثل ذلك من ترك المضارة في الولد مثل الذي على الوالدين في ذلك وغيره من النققة.
باب القول فيمن قال لامرأته أنت طالق إلى شهر أو إلى سنة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قال الرجل لزوجته إذا كان رأس الحول فأنت طالق أو رأس الشهر فله أن يطأها إلى الاجل الذي جعل فيه طلاقها وألزم نفسه عنده فراقها وهذا أحسن الاقاويل عندنا في ذلك، وأقربه من الحق ألا يلزمه في امرأته غير ما جعل على نفسه، ولو لزمه ذلك كما يقول أهل المدينة إذا لفظ به ووقت له وقتا لزمه ساعة لفظ به ولم ينتظر الوقت لكان ذلك ظلما له، إذا طلقت عليه زوجته، قبل وقت ما أراد في نيته وعزم فيه على فراق زوجته.
---
ص 469 (86) البقرة 233.
---
[ 470 ] (1/470)
باب القول في اللعان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: اللعان يقع بين الرجل وزوجته إذا نفى ولدها، أو بالزنا قذفها ولم يأت عليها بأربعة يشهدون على لفظه، فحينئذ يحضره ويحضرها الحاكم ثم يقول له ولها: خافا الله ربكما وأتقيا خالقكما، ولا تقدما على اللعان، فإن نكل الزوج ضرب ثمانين وخلي وذلك حد القاذف، وإن نكلت هي رجمت، وإن مضيا على اللعان قال له الحاكم قل والله العظيم إني لصادق فيما رميتها به من قذفي لها ونفي ولدها هذا، ويكون الولد في حجر أمه ويشير إليه بيده، ثم يقول ذلك يكرره أربع مرات فإذا أقسم بالله أربع مرات قال في الخامسة لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين فيما رميتك به من نفي ولدك هذا، ثم يقول للمرأة: أقسمي بالله أربع مرات إنه لمن الكاذبين فيما رماك به من قذفك ونفي ولدك هذا فتقول المرأة: والله العظيم إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من نفي ولدي هذا، فإذا قالت ذلك أربع مرات قالت في الخامسة غضب الله علي إن كان من الصادقين، فإذا تلاعنا فرق الحاكم بينهما ولم يجتمعا بعد ذلك أبدا.
باب القول فيمن قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله فقد قيل: إن له استثنائه وقيل لا استثناء في الطلاق، وأما أنا فأرى أن من كان من الرجال محسنا، وكانت زوجته قابلة لامر الله سبحانه في بعلها صايرة إلى ما أمرها الله به في نفسها، فإن لزوجها استثناءه فيها، إذا كانت كذلك، وكانت قائمة بما ذكرنا من ذلك لان الله
---
[ 471 ] (1/471)
سبحانه يقول في ذوات العدة: (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) (87) ويقول: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) (88) وفي ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الاثر أنه قال: (لم يحرم الله ولم يحل شيئا أبغض إليه من الطلاق) وإمساك المرأة المحسنة إذا كان زوجها محسنا من أفضل الاحسان وقد أمر الله بالتفضيل والاحسان فقال: (ولا تنسوا الفضل بينكم) (89) وزوجة الرجل أولى بفضله وإحسانه. وأقول: إن من كان من الرجال مسيئا ليس بذي إحسان، وكان متحاملا ظالما لمن معه من النسوان، لا يفئ إلى أمر الله فيهن، ولا يصير إلى ما أمر به من إنصافهن، فإنه لا استثناء له فيها، ولا سبيل له بعد تطليقها عليها، لانه لها من الظالمين ولامر الله فيها من المخالفين، وإذا كان على ذلك من الحال فقد شاء الله منه الفراق وأمره فيها بالطلاق، وذلك قول الله سبحانه وتعالى: (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) (90) ويقول جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) (91) وقال (ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن) (92) ففي كل ذلك يأمر بالخير فيهن، وينهى عن التحامل بالظلم عليهن، ويأمر من لم يأتمر بذلك بفراقهن، لان الظلم ليس من الاحسان، وإذا لم يقع الاحسان والاتفاق فقد وجب عليه لها بأمر الله الفراق، وكلما أمر الله به سبحانه
---
ص 471 (87) البقرة 231.
(88) الطلاق 1.
(89) البقرة 237.
(90) البقرة 231.
(91) البقرة 229.
(92) الطلاق 6.
---
[ 472 ] (1/472)
فقد شاءه وما شاءه فقد أراده، فافهم هديت ما به قلنا فيما عنه سألت، وتدبر معاني قولنا فيما ذكرت، بين لك الحق. وينير في قلبك الصدق إن شاء الله تعالى والقوة بالله وله. وسألت عمن قال لامرأته أنت علي كالميتة والدم ولحم الخنزير؟ والذي يجب في ذلك على من قال هذا الامر من أهل الاسلام فهو ما يجب على من قال لامرأته: أنت علي حرام، لانه إنما أراد بما ذكر وقال من هذه المحرمات، أن يجعل إمرأته عليه في التحريم مثلها، وأن يحرمها على نفسه كتحريمها، وكذلك ما كان من قوله أنت علي كفلانة لامرأة لا تحل له، وقد قيل في الحرام بأقاويل وتؤول فيه بغير تأويل، وأقل ما يجب عليه عندنا في ذلك واحدة، له عليها الرجعة مادامت في العدة، وقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضوان الله عليه وصلواته: في ذلك أنه كان يدينه، فإن قال: أردت واحدة كانت واحدة.
باب القول في الرجل يطلق الامة ثلاث تطليقات ثم يشتريها بعد ذلك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا طلق الرجل الامة ثلاث تطليقات تطليقة بعد تطليقة، ثم اشتراها بعد ذلك لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره، لانها ممن قال تعالى: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) (93) قال: ولو أن رجلا حرا طلق أمة ثلاث تطليقات، فاستبرت من مائه فنكحها سيدها لم تحل لزوجها بنكاح سيدها وكذلك لو كان عبد طلق أمة ثلاث تطليقات فنكحها سيدها لم تحل له بنكاح سيدها لان هذا نكاح ملك، ولا تحل المرأة لزوجها بعد
---
ص 472 (93) البقرة 230. في نسخة (ويقر في قلبك الصدق).
---
[ 473 ] (1/473)
الثلاث إلا بنكاح زوج راغب في نكاحها كما قال الله: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) (94) وقد علم الله مكان السيد فلم يذكره، وذكر الزوج خاصا، وفي هذا ما يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: " حتى تحل من حيث حرمت " يريد بالزوج، كما حرمت (95) بالزوج.
باب القول في المرأة يموت عنها زوجها غائبا متى تعتد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تعتد المرأة إذا مات عنها زوجها غائبا، ثم علمت بعد موته بمدة قليلة أو كثيرة، فإنها تعتد من يوم بلغها موته وانتهت إليها وفاته، وقد قال غيرنا: إنها تحتسب بما مضى، مذ يوم مات في عدتها، ولسنا نقول بذلك لانه يلزم من قال بهذا أن يطلق لها التزويج ساعة يبلغها وفاته، إذا كان قد مضى من المدة مثل العدة أربعة أشهر وعشرا ومتى كان ذلك كذلك فقد سقط المعنى الذي أراد الله من المرأة عند وفاة زوجها، من التعظيم لوفاته والاجلال لمصيبته، والتعطيل لنفسها، والطرح للسرور والتزين حتى يمضي ما حكم الله به عليها من الاربعة الاشهر والعشر التي جعلها الله مدة لها، فقلنا: ما تقولون في رجل مات بالكوفة وزوجته بمكة فلم تعلم إلا بعد خمسة أشهر مذ يوم توفى هل يجوز لها ساعة علمت أن تتزوج؟ فإن قالوا نعم، قلنا لهم: يا سبحان الله أين قول الله عزوجل: (والذين يتوفون منكم ويذرون
---
ص 473 (94) البقرة 230.
(95) في نسخة كما حرمت على الزوج.
---
[ 474 ] (1/474)
أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) (96) وقد تعلمون أن التربص لا يكون منها بالتزويج لغير زوجها، إلا من بعد علمها بمصير أمرها إليها وهي فإنما علمت حين إنتهاء وفاة زوجها إليها لانها قبل أن يبلغها ذلك كانت عند نفسها مأسورة مملوكا أمرها عليها، لا يجوز لها تربص ولا غيره، وأنتم قد حكمتم لها، وأوجبتم أن تنكح ولا تربص بنفسها ساعة بلغها وفاة زوجها فإن التربص قد صار إليها، وهذا خلاف ما أمر الله به بل القول في ذلك أنه واجب عليها التربص مذيوم ملكت أمرها، وجرى عليها اسم التربص وانتظمها وأنه يجب عليها إظهار الحزن على صاحبها والتعطيل أربعة أشهر وعشرا لنفسها، حتى ينالها ما حكم الله به على مثلها، من فادح المصيبة ببعلها، وإلا كانت هي وغيرها سواء، ولم يكن لما ذكر الله سبحانه من التربص معنى.
باب القول في عدة أم الولد في العتق والموت
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أعتق الرجل أم ولده استبرأت رحمها بحيضتين ثم حلت للازواج، وقد قال غيرنا: إن حيضة تجزى، وهذا عندنا أحوط في أم الولد، قال: وإن مات عنها سيدها ولم يكن أعتقها اعتدت بعد وفاته بثلاث حيض، ثم حلت للازواج وحيضتان يجزيانها، والثلاث أحوط وأحب إلي، وإن كان قد أعتقها وتزوجها ثم مات من بعد ذلك أعتدت عدة الحرة في الوفاة أربعة أشهر وعشرا.
---
ص 474 (96) البقرة 234.
---
[ 475 ] (1/475)
باب القول فيما يلزم المملوك من المتعة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا كان العبد تزوج بأمر سيده حرة ثم طلقها فعليه لها المتعة التي أمر الله بها كما عليه المهر الذي جعله الله، وإن تزوج بغير أمر سيده، لم يلزم سيده أن يمتع عنه، وكان ذلك لها دينا عليه تطالبه به إذا أعتق، وإنما يكون ذلك لها عليه إذا لم تعلم أنه مملوك، أو لم تعلم أن سيده لم يأذن له في التزويج فتزوجت على أنه علم بأمر عبده، وأخبرها بذلك العبد وأوهمها أن سيده أذن له فهذه جناية من العبد تلزم سيده للمرأة، فإن علمت أن سيده لم يأذن له فلا متعة لها ألا تدعي جهلا بفساد تزويج العبد بغير إذن سيده، قال: والحر إذا طلق أمة كانت لها عليه المتعة، وكذلك المملوك إذا تزوج مملوكة بأمر سيده وجبت لها عليه المتعة
باب القول في عدة المستحاضة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: المستحاضة تعتد إذا طلقت بما كانت تعرف من نفسها في أقرائها كما تفعل في الصلاة، فإذا أتى وقت طهرها الذي كانت تعرفه من نفسها إن كانت طلقت في حيضها وفي أيام قعودها عن الصلاة اغتسلت ثم ابتدأت الحساب كما تبتديه للصلاة، فتصلي في الايام التي كانت تعلم أنها كانت تطهر فيها، وتقعد عن الصلاة في الايام التي كانت تحيض فيها حتى تقعد عن الصلاة ثلاث مرار، فإذا اغتسلت للطهر الثالث فقد خرجت من عدتها، وقد مضت لها ثلاثة أقراء، ووقفت على عدتها ومعرفتها بحسابها لايام أقرائها كما تقف عليه بالحساب لصلاتها، ومعنى الصلاة والعدة واحد في المستحاضة تعتد بأيام الاقراء التي تعرف من نفسها قرءا فقرءا حتى توفي ثلاثة أقراء.
---
[ 476 ] (1/476)
باب القول في المختلعة ومتى يجوز للرجل أن يخالعها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز للرجل أن يخالع إمرأته بشئ يأخذه منها حتى يكون مبتدأ طلب ذلك منها، وتكون ظالمة تقول لا أبر لك قسما، ولا أطأ لك فراشا ولا أطيع لك أمرا، فإذا كان ذلك منها، ولم ترجع إلى ما يجب له عليها جازت له مخالعتها وأخذ ما أعطاها، ولا يجوز له أن يأخذ منها أكثر مما أخذت منه، ولابد في الخلع من طلاق يلفظ به لها، لان كل نكاح كان بين رجل وامرأة فلا يبطله إلا الطلاق وهذا قولي والذي أختاره في ذلك وأراه، فلابد من ذكر الطلاق بشرط منه لها قبل أن يأخذ المال أو يلفظ لها به بعد أخذ المال، فإن لم يفعل ذلك أولا ولا آخرا فالمرأة في حباله وما أخذ منها لها دونه، فأما الشرط قبل أن يأخذ منها المال في الطلاق فهو أن يكون قال لها إذا أعطيتني كذا وكذا أو أبرأتني من مهرك والذي علي فأنت طالق، فإذا فعل ذلك وقاله فصارت له إلى ما قال من إبرائه من مهرها، أو إعطائه ما ذكر من مالها، فقد طلقت بالقول في الاول، وليس يحتاج إلى تكرير الطلاق، وهذا مثل قول الرجل لامرأته إن فعلت كذا وكذا فأنت طالق، فإذا فعلته فقد طلقت، وأما اللفظ به بعد أخذ المال فأن يقول عند أخذه منها ما طلب: أنت طالق، أو أنت الطلاق ويشهد بذلك شاهدين، فإن لم يكن من هذا شئ فلا أرى أن الطلاق يقع، لان الزوج لم يوقعه ولم يشرطه، ولم يذكره أولا ولا آخرا، قال: وإن قال لها: أعطيني كذا وكذا وأخالعك أو قال لها: إن أعطيتني كذا وكذا طلقتك، فإن أعطته ذلك الشئ فهو بالخيار إن شاء طلق وأخذه، وإن شاء لزم ورد ما أخذ، وليس هذا مما يوجب الطلاق عليه لان هذا وعدا وعدها إياه، وليس بفراق أوقعه عليها
---
ص 476 في نسخة (لان هذا عدة وعدها إياها).
---
[ 477 ] (1/477)
وقوله إن فعلت كذا وكذا طلقتك خلاف قوله إن فعلت كذا وكذا فأنت طالق، وبينهما عند أهل العلم والفهم فرق بين منير.
باب القول في المختلعة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا اختلعت المرأة من زوجها فهي واحدة باين لا يراجعها إلا بولي وشاهدين، ومهر جديد، ولا ينبغي للرجل أن يخالعها إلا أن يخاف أن لا يقيم حدود الله فيها وألا تقيمها الزوجة فيه، فإذا بان له نشوزها وعظها، فإن لم ترجع إلى ما يجب له عليها جاز حينئذ له أن يخالعها ولم ينبغ له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها من المهر، فإذا أخذ ذلك منها على أن يخالعها ويباريها فينبغي له أن يقول لها: إذهبي فأنت طالق، ثم قد بانت منه بتطليقة باين لا سبيل له عليها إلا بتزويج جديد بولي وشهود ومهر جديد، وإن قال لها أيضا قد بارأتك بما أخذت منك أجزأه ذلك عن ذكر الطلاق، لان معنى قوله قد بارأتك هو قد فارقتك إذا نوى ذلك وأراده، وإن ادعى غير ذلك نظر في دعواه بما ينبغي من الاستحلاف والاستقصاء عليه في ذلك.
---
[ 479 ] (1/479)
كتاب الرضاع
---
[ 481 ] (1/481)
بسم الله الرحمن الرحيم مبتدأ أبواب الرضاع قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله تبارك وتعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الاخ وبنات الاخت اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم، وأن تجمعوا بين الاختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما) (1) فحرم الله تبارك وتعالى الام من الرضاعة، والاخت من الرضاعة، ولم يذكر غيرهما، ثم جاءت أخبار كثيرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نقلها الثقات الذين لا يطعن عليهم من آل رسول الله صلى الله عليه وعليهم أجمعين، من ذلك ما يروى عن الرسول صلى الله عليه من قوله: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) ومن ذلك ما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أنه قال: (يارسول الله أراك تتوق إلى نساء قريش فهل لك في إبنة حمزة بن عبد المطلب أجمل فتاة في قريش فقال يا علي أما علمت أنها إبنة أخي من الرضاعة وأن الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب)
---
ص 481 (1) النساء 1.
---
[ 482 ] (1/482)
قال يحيى بن الحسين عليه السلام: فهذه أخبار قد جاءت، نقلها الثقات، ولا نرى ولا نحب لاحد أن يدخل في نكاح شئ قارب الرضاع لما دخل فيه من الشبهة واللبسة بهذه الاخبار، والوقوف عند الشبهة وعنها أحب إلينا من الاقدام عليها والدخول فيها وفي غيرها متفسح، وإلى سواها لمن عقل عنها مرتكح (2)، وعن الوقوع فيما قد التبس أمره وجاءت فيه الشبهات، واختلفت فيه المقالات وكثرت فيه الروايات وأجمع على نقلها الثقات، وقد قال الله تبارك وتعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب) (3) وقال: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) (4).
باب القول فيما يحرم من الرضاع من قليله وكثيره
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تحرم المصة والمصتان من الرضاء كما يحرم الكثير، كذلك روي لنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رحمة الله عليه إن امرأة أتته وقالت: إن ابن أخي أعطيته ثديي فمص منه ثم ذكرت قرابته فكففت، وأنا أريد أن أنكحه إبنتي وقد بلغا فقال أمير المؤمنين عليه السلام الرضعة الواحدة كالمائة الرضعة لا تحل له أبدا. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وكذلك لو أن الصبي لم ترضعه من الثدي وحلب له فألخته باللخاء وسقته سقيا حرم من ذلك كما يحرم الرضاع وكان ذلك والرضاع سواء.
---
ص 482 (2) قال في الضياء المرتكح بضم الميم: ناحية الجبل والساحة.
(3) الحشر 7.
(4) محمد 33.
---
[ 483 ] (1/483)
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الرضاع ما الذي يحرم منه فقال: يحرم من الرضاع قليله وكثيره الرضعة والرضعتان والمصة والمصتان، وهكذا ذكر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وقد روى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لا تحرم المصة والمصتان) رواه بن الزبير، وذلك لا يصح عندنا عنه ولا يجوز عليه لانه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يقول ما يخالف كتاب الله وهذا ممن رواه فباطل محال.
باب القول في الرضاع بعد الفصال
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا رضاع بعد فطام، والفطام فهو الفصال والفصال فهو بعد الحولين وذلك قول الله عزوجل (والوالدات يرضعن أودهن حولين، لمن أراد أن يتم الرضاعة) (5) فجمعلهما الله عزوجل وقتا للرضاع وجعل تمامها تماما للرضاع، وقال سبحانه: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) فكان أقل الحمل ستة أشهر والباقي من الثلاثين فهو رضاع، والباقي بعد الستة الاشهر فهو حولان، فجعل الله سبحانه وتعالى الحولين مدى للرضاع، فمن رضع فيهما أو أرضع فهو رضاع، وما كان بعدهما وبعد الفصال فليس برضاع يحرم، وكذلك قولنا في رجل لو أنه أرضع ولده بعد فطامه وبعد انقضاء الحولين من أيامه بلبن صبية لم نر أنها تحرم عليه إذا كان رضاعه بعد فطامه: (وبعد انقضاء الحولين)، وأما الحديث الذي يروى من أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لسهلة: زوجة أبي
---
ص 483 (5) البقرة 233.
(6) الاحقاف 15.
---
[ 484 ] (1/484)
حذيفة حين ذكرت له ما ترى في زوجة أبي حذيفة من دخول سالم عليها حين أنزل الله في النهي عن التبني ما أنزل، وكانت سهلة قد تبنت سالما، فقال لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أرضعي سالما عشر رضاعات ثم ليدخل عليك كما كان يدخل فهذا مما لا يصح عندنا عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا نراه وليس ذلك عندنا بشئ، وفي ذلك ما بلغنا أن رجلا أتى عليا عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين إن لي زوجة ولي منها ولد وإني أصبت جارية فواريتها عنها فقالت: أئتني بها وأعطتني موثقا ألا تسوأني فيها فأتيتها يوما فقالت: لقد أرويتها من ثديي فما تقول في ذلك؟ فقال له علي عليه السلام: أنطلق فأنل زوجتك عقوبة ما أتت، وخذ بأي رجلي أمتك شئت فإنه لا رضاع إلا ما أنبت لحما أو شد عظما، ولا رضاع بعد فصال. وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الرضاع بعد الفصال فقال: لا رضاع بعد فصال. حدثني أبي عن أبيه أنه قال قليل الرضاع ككثيره إذا كان في الحولين لقول الله سبحانه: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (7) وقوله: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) (8). حدثني أبي عن أبيه أنه قال: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وهكذا يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعن أمير المؤمنين رحمة الله عليه.
---
ص 484 (7) الاحقاف 15.
(8) الاحقاف 15.
---
[ 485 ] (1/485)
باب القول في لبن الفحل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لبن الفحل يحرم لما ذكر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في إبنة حمزة بن عبد المطلب حين قال: هي إبنة أخي من الرضاعة، وكذلك ولادة الرحم فلبن المرأة بولادة الرحم كلبن الفحل، ولبن الفحل كولادة الرحم.
باب القول في استرضاع أهل الكتاب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا ينبغي أن تسترضع كافرة لانها نجس كما قال الله سبحانه وتعالى: (إنما المشركون نجس) (9) ولا شرك أشد من شرك من جحد بآيات الله ورسله وأنبيائه وكتبه ودعا معه آلها غيره، إلا أن يضطر إلى ذلك فيسترضعها إلى أن يجد غيرها، ولا ينبغي له أن يتوانى في إراغة سواها بل يرى له إن لم يخش على ولده تلفا أن يسقيه لبن الغنم يلخيه إياه باللخا، ولا يسترضع مشركة كافرة إلا عند الضرورة كما يأكل الميتة، فإذا استغنى عنها حرمت عليه الميتة، فكذلك القول عندي في استرضاع المشركين لاولاد المسلمين.
باب القول في غلام وجارية أرضعتهما مرضع بلبن ولدين لها مختلفين بينهما في الميلاد سنتان أو أكثر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن مرضعا أرضعت غلاما بلبن ولدها ثم أقامت ثلاث سنين ثم أرضعت جارية بلبن ولداها آخر لم تحل هذه الجارية لذلك الغلام لانهما وإن تفاوت رضاعهما
---
ص 485 (9) التوبة 28.
---
[ 486 ] (1/486)
أخوان بإرضاع لهما لان الاخوة بلبن المرضع كالاخوة بولادة الام. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن غلام وجارية أرضعتهما مرضع بلبن ولدين لها مختلفين بينهما في الرضاع سنتان أو أكثر من سنتين أرضعتهما رضعة رضعة هل يحل للغلام أن يتزوج بالجارية؟ فقال: أعلم رحمك الله أنهما أخوان بلبن الام، كما الاخوة أخوة بولادة الرحم فكلهم ولد وإن أختلف الرضاع كما كلهم بالرحم وإن أختلفوا أولاد، وقليل الرضاع ككثيره إذا كان في الحولين، وقبل انقضاء سنتين، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه (وفصاله في عامين) (10) ويقول سبحانه: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) (11) وفي القليل والكثير إذ ذكر الله المراضعة ما يقول سبحانه: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) (12) فأطلق سبحانه بغير تحديد ذكر الرضاع، والقليل من ذلك والكثير سواء (13) من الرضاع بإجماع الناس وليس في ذلك تحديد بقليل ولا كثير، وقد ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: تحرم الرضعة والرضعتان، والمصة والمصتان. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لم يذكر الله سبحانه الرضاع بقليل ولا بكثير، وإنما ذكر الرضاع مجملا فقال: في تحريم
---
ص 486 (10) لقمان 14.
(11) البقرة 232.
(12) النساء 23.
(13) في نسخة والقليل من ذلك والكثير فرضاع بإجماع الناس.
---
[ 487 ] (1/487)
نكاح المرضع والمراضع: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة فكل من أنتظمه) (14) اسم الرضاع فهو حرام النكاح، واسم الرضاع فقد ينتظم الراضع رضعة ورضعتين وماص المصة والمصتين كما ينتظم راضع الشهر والشهرين والسنة والسنتين لا يمتنع لب عاقل من قبول ذلك، ولا يكون أبدا عند أهل الفهم إلا كذلك.
باب القول في المرأة تسقي زوجها لبنها ولم يعلم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أي امرأة سقت زوجها لبنها طمعا بأن تحرم نفسها عليه لم تحرم عليه وجاز له أن يؤدبها أدبا جيدا ويلزمها صاغرة.
---
ص 487 (14) النساء 23.
---
[ 489 ] (1/489)
كتاب النفقات
---
[ 491 ] (1/491)
بسم الله الرحمن الرحيم
مبتدأ أبواب النفقات
باب القول في نفقة المتوفى عنها زوجها وهي حامل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا توفى الرجل عن امرأته وهي حامل أنفق عليها من جميع ماله، وقد قال غيرنا: ينفق عليها من حصة ما في بطنها وليس ذلك عندنا بشئ لانه قول ضعيف فاسد لا يلتفت إليه، وذلك أن الذي في بطنها إنما يرث إذا استهل فإذا لم يستهل فلا ميراث له، وكذلك لو اسقطته لم يكن له ميراث فما يقول من جعل نفقتها من حصته لو ولدته ميتا أيلزمها النفقة أم تحتسب به في جميع المال فلا يجد بدا من أن يجعله من جميع المال، فلذلك قلنا إن نفقتها من جميع المال، فإن قال احتسب به في ميراثها من زوجها عليها قلنا له أفرأيت إن كانت أم ولد ولم يكن لها ولد غير ذلك الذي كان في بطنها فمات قبل استهلاله على من تكون النفقة ومن تلزم؟ فلا يجد بدا من الرجوع إلى قولنا. وقول من قال إن النفقة من جملة المال
باب القول في العبد يتزوج الحرة فتلد منه أولادا على من نفقة الاولاد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: نفقتهم على أمهم الحرة لانها ترثهم ويرثونها، وليس على أبيهم نفقة لانهم لا يرثونه ولا يرثهم، فإن
---
[ 492 ] (1/492)
لم يكن لامهم مال تنفق منه حكم بالنفقة على مواليها أو عصبتها لانهم يرثون ولدها وتكون نفقهم على قدر مواريثهم منهم، ومن لم يكن يرث منهم لم ينفق عليهم.
باب القول في نفقة المطلقة التي لا تحل إلا بعد زوج
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا طلق الرجل امرأته التطليقة الثالثة التي لا تحل له إلا من بعد زوج فلا سكنى لها ولها النفقة، وإنما جعلنا لها النفقة لانا منعناها من النكاح حى تخرج من العدة، فلما لم نجز للها تزويجا، وأوجبنا عليها الصبر حتى تخرج من العدة جعلنا لها النفقة حتى تحل للازواج، وإلا هلكت جوعا وضاعت، وإنما انفقة والسكنى معا للتي لزوجها عليها رجعة من النساء التي يملك عليها الرجعة متى أحب وشاء. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عمن طلق امرأته طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره هل لها سكنى أو نفقة؟ قال: إذا بانت بالثالثة فلا سكنى لها، وفي ذلك حديث فاطمة بنت قيس الذي روي أنها لما بانت من زوجها بالثالثة لم يجعل لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سكنى، وقد أبى كثير من الناس إلا أن يجعلوا لها سكنى قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لا تكون السكنى إلا للتي يكون لزوجها عليها الرجعة مادامت في عدتها، أو يكون له سبيل إليها قبل نكاح غيره، وإنما قلنا بذلك لانا وجدنا السكنى إنما جعله الله تبارك وتعالى نظرا منه لعبيده لان يتدبروا أمورهم ويرجعوا عن زلل فعلهم ويراجعوا النساء من بعد طلاقهن إن كانت لهم رغبة فيهن فيراجع الرجل
---
[ 493 ] (1/493)
امرأته وهي في منزله لم تخرج من بيته ولم تصر إلى منزل غيره وفي ذلك ما يقول الله سبحانه (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) (1) والامر فهو العود والمراجعة فإذا كان طلاق لا يجوز له ارتجاعها معه سقط منه الامر الذي قال الله سبحانه: إنه يحدث لانه سبحانه قد حرمها في هذه الحال عليه حتى تنكح زوجا غيره فزالت عنه بذلك السكنى ألا ترى كيف نهى الله عزوجل من طمع أن يحدث الله له أمرا منن مراجعتها عن أخراجها من منزله وأمره بإسكانها، فقال: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) فقرن لله السكنى مع الامر الذي يحدثه والامر فهو المراجعة فإذا لم يكن للزوج رجعة لم يكن ثم طمع بأمر يحدثه الله له، لان الله عزوجل قد حظره عليه إلا من بعد زوج، وإذا لم يكن أمر لم يكن سكنى لانهما جميعا في ذلك مجموعان وفي الآية كلاهما مقرونان يثبت كل واحد منهما بثابت صاحبه ويعدم كل واحد منهما بعدم صاحبه فإذا عدمت الرجعة وهي الامر الذي ذكر الله أنه يحدثه عدمت السكنى، فإذا كان ذلك كذلك لم تلزم السكنى.
باب القول في الرجل يعجز عن نفقة امرأته
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من عجز عن نفقة امرأته لم يلزمه فراق زوجته وعليه الاجتهاد في أمر صاحبته ونفقها في الجدة والاعواز كنفقته، ولا يلزمه بذلك الفراق لها ألا من حكم بغير حكم الله فيه وفيها، وليس عليه أكثر من الاجتهاد، فإذا واساها في رزقه فليس عليه أكثر من ذلك في أمره، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: (لينفق ذو سعة
---
ص 493 " (1) الطلاق 1.
(2) الطلاق 1.
---
[ 494 ] (1/494)
من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) (3) ويقول الله سبحانه (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) (4) ويقول: (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) ومع اليوم غدا، ومع العسر يسرا، وفي ذلك قول الله سبحانه: (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) (5) وإذا تزوج الرجل المرأة ولم يدخل بها فعليه ما أوجب الله عليه من نفقتها إذا كان الحبس منه لا منها، فإذا كان الحبس منها فلا نفقة عليه لها. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الرجل يعجز عن نفقة امرأته، هل يجبر على طلاقها فقال: إذا ابتليت المرأة بعوز زوجها، فلا يخرجها بذلك من يده أحد، فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا، وقد قال الله سبحانه: (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم) (6). حدثني أبي عن أبيه: في الرجل يتزوج المرأة فتطلب منه النفقة قبل أن يدخل بها، فقال تلزمه نفقتها إذا كان الحبس من قبله، وإذا كان الحبس من قبلها فلا نفقة لها عليه. قال يحيى بن الحسين رضوان الله عليه: المرأة تورث زوجها إذا كانت في عدة يجوز له أن يراجعها فيها، فأما إذا كانت في عدة لا يجوز له أن يراجعها إلا من بعد زوج فلا موارثة بينهما، وقال في الوالدين يأمران إبنهما بطلاق امرأته: إنه لا يجوز له أن يقتل أمرهما في ذلك وليس طاعتهما في ذلك عند الله مقبولة لان ذلك في المرأة ظلم ومعصية. وقال
---
ص 494 " (3) الطلاق 7.
(4) الطلاق 286.
(5) الشرح 5.
(6) النور 32.
---
[ 495 ] (1/495)
في رجل له أربع نسوة طلق أحداهن ثم مات لا يدري أيتهن طلق أنه يقسم بينهن الثمن أو الربع إن لم يكن له منهن ولا من غيرهن ولد، ولا ولد ولد، ويعتددن منه كلهن بآخر الاجلين. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن رجل طلق امرأته وهو مريض ثم مات وهي في عدتها هل ترثه أو يرثها؟ فقال إذا ماتت المرأة في عدتها أو مات زوجها وله عليها الرجعة ورثها وورثته، وإذا بانت منه فليس بينهما موارثة في قولنا. حدثني أبي عن أبيه في رجل له أربع نسوة طلق أحداهن ثم مات لا يدري أيتهن طلق، قال يرثنه كلهن ميراث منهن يقتسمن ذلك على قدر عددهن. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا قال لامرأته أنت طالق إن لم أضربك مائة سوط لم يجز له أن يضربها ضربا مبرحا، فإن نوى الضرب الشديد فليفارقها وليرتجعها، ولا يضربها لان الله لم يجز له ذلك فيها.
باب القول في الكافر يسلم هو أو إمرأته هل يلزمه لها نفقة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أسلم الكافر ولم تسلم امرأته فلا نفقة لها عليه، وأن أسلمت هي ولم يسلم فالنفقة لها عليه، لانه حين أسسلم كان الواجب عليها أن تدخل فيما دخل فيه من الاسلام الذي أمرا به ودعيا إليه، فإن لم تفعل كانت الفرقة من قبلها فلم يجب لها عليه نفقة، وكذلك حين اسلمت هي ولم يسلم هو كانت الفرقة من قبله لانها قد دخلت فيما أمرها الله به وأمره فلم يدخل، فالفرقة من قبله
---
[ 496 ] (1/496)
جاءت فلها عليه بذلك النفقة مادامت في عدتها فلا نفقة لها، وإن أسلمت وأسلم وهي في العدة فهما على نكاحهما وإن أسلم المتأخر منهما من بعد خروج العدة استأنفا نكاحا جديدا، إن أرادا اجتماعا بعد الافتراق.
باب القول في نفقة امرأة العبد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا تزوج العبد أمة بإذن سيده فنفقتها على سيده إن دفعوها إلى العبد ولم تكن لهم في خدمة وإن كانت لهم في خدمة ولم يسلموها إليه ولم تكن حالة في منزلا فلا نفقة لها إذا على سيده، وكذلك إن تزوج حرة بإذن سيده فنفقتها على سيده والصداق، وإن تزوجها بغير إذن سيده جاز لسيده فسخ نكاحه وكان الصداق في رقبة العبد إلا أن يتبرع بذلك سيده.
باب القول في الحكم بنفقة المعسر على الوارث المؤسر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجب على الوارث من النفقة على قديبه المعسر على قدر ميراثه منه صغيرا كان أو كبيرا لقول الله تبارك وتعالى: (وعلى الوارث مثل ذلك) (7) قال فإذا أمر الورثة بالنفقة أنفق من كان يرث ومن كان منهم يحجبه وارث حي لم ينفق، تفسير ذلك رجل معسر كان له أخ لام وأخت لاب موسران وأم معسرة وعم لاب معسر فالنفقة تجب على المياسير من الورثة فيجب ربع نفقة هذا على الاخ لام وثلاثة أرباعها على الاخت لاب والام المعسرة والعم فلا
---
ص 496 " (7) البقرة 233.
---
[ 497 ] (1/497)
شئ عليهما بل عليهم أن ينفقوا عليهما فتنفق الاخت لاب على العم، وينفق الاخ لام على الام المعسرة، وإنما جعلنا على الاخ لام ربع النفقة لانه ورث هو والاخت لاب التي عليها ثلاثة أرباع النفقة أجزاء متساوية، لان الاخت ترث النصف من ستة وهو ثلاثة، وورث الاخ للام السدس وهو واحد من سنة، فذلك أربعة، فنظرنا ما في أيديهما من ميراثه لو مات موسرا فإذا به أربعة أنفقي ثلاثة أرباع النفقة وقلنا للاخ: معك جزء من أربعة أنفق ربع النفقة، فكل ما أتى من هذا الحساب فاحسبه على ما ذكرت لك ثم ألزم كل واحد منهم ما يلزمه قال: وإذا كان للمعسر أختان لاب وأم معسرتان، واختان لاب موسرتان وأم موسرة فالنفقة على الام وحدها، وإنما سقطت عن الاختين لاب النفقة وهما موسرتان لان هاهنا أختين لاب وأم، وهما يحجبانهما عن الميراث فلما لم يرثا لم يلزمهما أن ينفقا، وكذلك كل محجوب عن عن الميراث فلا يلزمه النفقة في حياة حاجبه، وكذلك إذا كان للمعسر أخ لام، وجد، وأم، والجد معسر فالنفقة على الام، لان الاخ لام لا يرث مع الجد، وكذلك لو كان للمعسر أب وجد وأم وكان الاب معسرا فإن النفقة على الام ولا شئ على الجد، لان الاب يحجبه عن الميراث. وكذلك لو كان لامرأة معسرة إبنة معسرة وثلاث إخوات متفرقات موسرات فإن نفقة المرأة المعسرة على أختها لابيها وأمها، لانها ترث مع بنتها ما بقي بعد النصف، وتكون نفقة البنت المعسرة على خالاتها الثلاث على خالتها لاب وأم ثلاثة أخماس النفقة، وعلى الخالة لاب خمس النفقة وعلى الخالة لام خمس النفقة إن كانت أمها قد ماتت ولم يكن للبنت وارث غير خالاتها، وكن يرثنها من ذوي الارحام فإن كان ذلك كذلك أنفق عليها كما ذكرنا من النفقة.
---
[ 498 ] (1/498)
باب القول في المسلم، يكون له قريب كافر فقير
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يحكم لكافر على مسلم بنفقة إلا أن يكون الكافر أم المسلم أو أباه فقط، فإن كان أحد أبويه أجبر على النفقة عليه لقول الله سبحانه: (وصاحبهما في الدنيا معروفا) (8) فليس من المعروف أن يشبع ويجوعا، ولا أن يكتسي ويعريا.
باب القول فيما يجبر عليه الموسر لقريبه المعسر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجبر الموسر على النفقة والكسوة والمسكن والخادم لقريبه المعسر إن كان لا يطيق خدمة نفسه لعلة به، أو مرض قاطع له عن القيام بأمره والاكتفاء بخدمة نفسه.
---
ص 498 " (8) لقمان 15.
الأحكام (2/1)
الإمام يحيى بن الحسين ج 2
---
[ 1 ] (2/1)
كتاب الاحكام في الحلال والحرام
---
[ 2 ] (2/2)
- - -
---
[ 3 ] (2/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
---
[ 4 ] (2/4)
- - -
---
[ 5 ] (2/5)
كتاب الاحكام في الحلال والحرام للامام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم ابن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب عليهم السلام جمعه ورتبه أبو الحسن علي بن أحمد بن أبى حريصه رحمه الله الجزء الثاني
---
[ 6 ] (2/6)
الطبعة الاولى 1410 ه - 1990 م
---
[ 7 ] (2/7)
مقدمة الطبعة الاولى بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين، وبه نستعين والصلاة والسلام على منقذ الامم من الجهالات والظلم محمد الامين، وعلى آله المطهرين وعلى الراشدين من الصحابة والتابعين. وبعد: فإن كل أمة تسعى جاهدة لتحقيق رفعتها وعزتها ورقيها مهما حاولت لن تفلح إذا لم تربط حاضرها بماضيها، وتستفيد من تراثها بقدر استفادتها مما يعاصرها، وأهم شئ يربطنا في هذه الارض المباركة هو تراثنا الفكري الذي خلفه لنا سلف صالح مضوا على نهج ومبادئ تلك الرسالة السماوية السمحة، التي جاء بها رسول رب العزة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله والتي جعلت العلم الركيزة الاساسية لكل مقومات الحياة، لقد دفعهم إيمانهم بالله ورسوله إلى الاغتراف من معين العلم الصافي وحاولوا بكل الوسائل المتاحة لهم تحصيل شتى المعارف، فكانت حصيلة جهدهم هو ما تركوه لنا من مؤلفات علمية وافرة نحسد عليها فحاول المستعمرون والغزاة سلبها من بين أيدينا، وقد نجحوا بعض الشئ، فها هي مكتبات العالم تزخر بكتب التراث العلمي اليمني، ولكن أبناء هذه الامة حكاما ومحكومين لديهم القناعة الكاملة بوجوب المحافظة على هذه الثروة العلمية، فأنشئت المكتبات العامة والخاصة، وكل ضنين بما عنده وهذا مصدر فخر لكل فرد فهم لم يحفظوا ما
---
[ 8 ] (2/8)
يخصهم فقط، بل حفظوا للعالم ثقافاته وتاريخه وحضارته بشهادة الكثير من المؤرخين. واليمن بحمدالله تعالى قد نجا من كثير من الويلات والكوارث التي ألمت بالشعوب الاسلامية فهدمت دور الكتب فيها، وأحرقت مقتنياتها، وأغرق بعضها حتى اسودت مياه الانهار، وصودر ما تبقى منها سليما. وكل ذلك نعمة من الله سبحانه على أهل هذه الارض المباركة استجابة منه تعالى لدعوة رسوله صلى الله عليه وآله: (اللهم بارك في يمننا)، وتصديقا لقوله صلى الله عليه وآله (الايمان يمان والحكمة يمانية). وهذا الكتاب الذي نقدمه إلى كل طالب للعلم والمعرفة والذي كان ولا يزال مرجعا للعلماء والفقهاء وقد شرحه الكثير من الائمة والعلماء شروحا وافيه واستخرجوا من نصوصه التخريجات الوافية، وفرعوا عليها التفريعات الكافية كيف ولا ومؤلفه الامام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، المؤسس الاول لهذه الثروة الفكرية التي تصغر عندها جميع ثروات الشعوب المادية ونرجو أن نكون بعملنا هذا قد أدينا بعضا مما يجب علينا. والحمد لله رب العالمين. الناشر 30 ربيع الاول 1408 ه
---
[ 9 ] (2/9)
نبذة يسيرة عن المؤلف نسبه: هو الامام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام. قال الاديب العلامة الشهيد أحمد بن محمد المطاع في كتابه تاريخ اليمن الاسلامي تحقيق عبد الله محمد الحبشي عند ذكره لسنة 298 ه: فيها مات الامام الهادي بصعدة يوم الاحد لعشر بقين في ذي الحجة من السنة المذكورة ودفن يوم الاثنين قبل الزوال بمسجده المشهور بصعدة ومولده بالمدينة المنورة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام سنة 245 ه وهو بلا شك أكبر مصلح ارتفع اسمه في أفق التاريخ اليمني ونال من الاحترام والحب في قلوب اليمنيين مكانة لم يتبوأها أحد بحيث أصبحت آثاره وأعماله وصفاته العالية قبلة الابصار ومهوى الافئدة، وقد مربك آثاره العلمية فإنه بمكانة عليا من العلم والفضل والورع، ومكارم الاخلاق، الحلم والتواضع كثير الصفح والتجاوز عن سيئات الناس وهفواتهم. إلى أن قال: وكان شجاعا مقداما ثابت الجأش، ماضي العزيمة. يباشر في الحرب المنايا ولا يرى * لمن لم يباشرها من الموت مهربا
---
[ 10 ] (2/10)
أخو غمرات ما يوزع جأشه * إذا الموت بالموت ارتدى وتأزرا دائم الحركة جم النشاط قوي الشكيمة شديد الشعور بواجب الزعامة. على خير ما كان الرجال خلاله * وما الخير إلا قسمة ونصيب حريصا على مصالح الناس الدينية والدنيوية، كثير العناية بشؤونهم الاجتماعية والاخلاقية كان يصلي بالناس الجماعة ثم يقعد للارشاد وفصل الخصومات ثم ينهض فيدور في الاسواق والسكك فإن رأى جدارا مائلا أمر أهله بإصلاحه أو طريقا فاسدا أو خلفا مظلما أمر أهله أن يضيئوا فيه للمارة، وإن رأى أمرأة أمرها بالحجاب، وإن كانت من القواعد أمرها بالتستر، ومن آثاره الاصلاحية إحداث البراقع للنساء باليمن وإلزامهن بذلك وكان يقف على أهل كل بضاعة ويحذرهم من الغش ويسعر لهم بضاعتهم وينهاهم عن التظالم، وكان يقول: إنما ورد النهي عن التسعير على أهل الوفاء وأهل التقوى، فإذا ظهرت الظلامات وجب على أولياء الله أن ينهوا عن الفساد كله، ويردوا الحق إلى مواضعه، ويزيحوا الباطل من مكانه ويأخذوا على يدي الظالم فيه. كان يتفقد السجون بنفسه ويسأل عن ذنوب المسجونين فمن كان في دين نظر في جدته وإفلاسه، ومن كان في ذنب تفقد جرمه وأمره، وفحص عن أحواله، وكان رحيما بالفقراء والايتام. مؤلفاته: في الحدائق الوردية روى السيد أبو طالب باسناده عن المرتضى محمد بن الهادي عليهما السلام قال: إن يحيى بن الحسين بلغ من العلم مبلغا يختار عنده ويصنف وله سبع عشرة سنة، وهذه من عجائب الروايات التي تضمنت خرق العادات ولقد تناوله الدعاء النبوي الشريف الموثوق بإجابته فارتوى من سلسال العلم المعين وتفيأ ظلال العرفان حتى تفجر العلم من جوانبه ونطق من الحكم بغرائبه، وصنف التصانيف الفائقة، والكتب البديعة الرائقة، نحو كتاب الاحكام وهو مجلدان في الفقه متضمنا تفصيل الادلة من الآثار والسنن النبوية، والاقيسة القوية ما يشهد له بالنظر الصائب والفكر
---
[ 11 ] (2/11)
الثاقب، ومنها كتب المنتخب، في الفقه وهو من جلائل الكتب وفيه فقه واسع وعلم رائع ومنها كتاب الفنون في الفقه مهذب ملخص، وكتاب المسائل، ومسائل محمد بن سعيد، وكتاب الرضاع، وكتاب الزراعة، وكتاب أمهات الاولاد، وكتاب الولاء، وكتاب القياس. ومنها في التوحيد كتب جليلة القدر نحو كتاب التوحيد، وكتاب المسترشد، وكتاب الرد على أهل الزيغ، وكتاب الارادة والمشيئة، ومنها كتاب الرد على ابن الحنفية، من الجبرية، وفيه من الادلة القاطعة والالزامات النافعة ما يقضي بأنه السابق في الميدان المبرز على الاقران، وكتاب بوار القرامطة، وكتاب أصول الدين، وكتاب الامامة وإثبات النبوءة والوصية، وكتاب الرد على الامامية، وكتاب البالغ المدرك، وهو قطعة لطيفة فيها كلام كأنه الروض ملاحة ونظارة والسحر لطافة ودقة، وكتاب المنزلة بين المنزلتين. ومنها كتاب الديانة، وكتاب الخشية، وكتاب تفسير خطايا الانبياء، وكتاب الرد على ابن جرير، وكتاب التفسير ستة أجزاء، ومعاني القرآن تسعة أجزاء، وكتاب الفوائد جزءان، وكتب سوى ذلك كثيرة ما يقرب من عشرين كتابا تركناها وهي ظاهرة مشهورة، قد شحنت من مسائل العلم ودرر الفهم ما يشهد بأنه عليه السلام في العلم القمر الزاهر والبحر الزاخر. انتهى. ولقد كان الامام كما قال العلامة المؤرخ عبد الله الشماحي: لقد كان الهادي يحيى بن الحسين مثلا لصفات القائد، والقدوة الحسنة لاتباعه، مترفعا عن سفاسف الامور، وعن المتع، شجاعا في المعارك والاهوال، وفي تطبيق ما يؤمن به ويدعو إليه معتدلا حتى مع أعدائه... وقال أيضا في وصف المذهب الزيدي الهادوي الذي أرسى قواعده هذا الامام المجاهد الصابر وهو وصف صادر من رجل عرف هذا المذهب كل المعرفة وعرف علاقته وارتباطه الكامل بما أنزله الله سبحانه وما جاء به رسول هذه الامة وأن هذه الصلة لن يزعزمها المتفيهقون الذين يحاولون الدس والتفرقة للصف الاسلامي الموحد وهو قول خبير منصف وذي معرفة واسعة
---
[ 12 ] (2/12)
بشتى المذاهب الاسلامية وشتى الملل والنحل فقال موجوا وملخصا لما ورد في سيرة الهادي ورسائله ومؤلفاته المؤلفات العلماء السائرين على نهجه: إن المذاهب الهادوي أو الزيدي كما يشاع أقوى المذاهب الاسلامية فيما أرى، وأكملها بقوانين المعاملات، العلاقات والحياة، وأوضحها تمشيا ولصوقا بالروح الاسلامية التي أعطت الحياة متطلبات نموها وانسجامها. إنه مذهب واقع وحقائق لا خيالات وأوهام، ولا تصورات شاطحة وأحلام، ولا مذهب ألغاز ومعميات، ولا مذهب كرامات وأولياء، ومعجزات وعصمة أئمة، ولا مذهب واسطة بين العبد وربه إلا عمل العبد وإيمانه، إنه مذهب عبادات ومعاملات بلغت قوانينها من الدقة الفقهية والتشريعية ما لم تبلغه أدق القوانين المعاصرة، شمولا وقبولا للتطور وتقبل كل جديد صالح إنه مذهب دين ودنيا، وإيمان وعمل وجد ونشاط، وعدل وإيثار، وجهاد واجتهاد، فيه الانسان مخير لا مجبر، مكلف لما فيه الطاعة لله والمصلحة لعباده، مذهب يدعو إلى التحرر الفكري وإلى التعمق في العلوم النافعة، ويحرم التقليد في العقائد والقواعد العلمية الدينية، ويوجب الاجتهاد على ضوء القرآن والسنة في العبادات والمعاملات، ويدعو إلى القوة والتضحية، ويفرض الطاعة والنظام والتعاون كما يفرض الخروج على أئمة الجور، والثورة على الظلم والاجتماعي، والطغيان الفردي، ولا يرضى لاتباعه بالمذلة والكسل، ولا بالخضوع والاستسلام لغير الله وما شرعه، مذهب يحترم السلف في حدود أنهم من البشر عرضة للنقد بما فيهم الصحابة وأبناء فاطمة الخ. على أننا لو تتبعنا كلام العلماء والمؤرخين لا ستغرق الكثير من هذه العجالة ويكفي أن نذكر أسماء بعض منهم مع ذكر محال وجودها ليتسنى لمن أراد المزيد الاطلاع على ذلك فمنهم: 1 علي بن محمد بن عبيدالله العلوي العباسي - سيرة الامام الهادي 2 القاضي العلامة أحمد بن يحيى حابس - المقصد الحسن 3 يحيى بن المحسن بن محفوظ - المقصد الحسن 4 الامام عبد الله بن حمزة - الشافي
---
[ 13 ] (2/13)
5 ابن حزم الاندلسي - جمهرة أنساب العرب ص 44 6 يحيى بن أبي بكر العامري غربال الزمان في وفيات الاعيان ص 265 264 7 محمد بن سليمان الكوفي - المنتخب 8 خير الدين الزركلي - الاعلام ص 141 9 الامام أبو طالب يحيى بن الحسين الهاروني - الافادة 10 أبو العباس الحسني - المصابيح 11 الشهيد حميد بن محمد المحلي - الحدائق الوردية 12 صارم الدين إبراهيم بن محمد بن عبد الله الوزير البسامة وشرحها الزحيف 13 الامام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى - الملل والنحل 14 ابن مظفر - الترجمان 15 أحمد بن محمد الشرفي - اللآلي المضيئة 16 أحمد بن عبد الله الجنداري - مقدمة شرح الازهار 17 أحمد بن صالح بن أبي الرجال - مطلع البدور 18 أبو بكر بن يعقوب عالم الحنفية - التحف 19 أحمد بن محمد المطاع - تاريخ اليمن الاسلامي 20 حسن الامين - دائرة المعارف الاسلامية الشيعية 21 عبد الواسع بن يحيى الواسعي - تاريخ اليمن ص 178 22 القاضي حسين بن أحمد العرشي - بلوغ المرام ص 32 23 القاضي عبد الله بن عبد الكريم الجرافي - المقتطف ص 117 24 محمد بن محمد بن يحيى زبارة - الانباء ص 261 25 مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي - التحف شرح الزلف 70 62 26 أحمد محمود صبحي - الزيدية ص 152 151 27 محمد أبو زهرة - الامام زيد ص 509 28 أحمد بن أحمد بن محمد المطاع - تاريخ اليمن الاسلامي 29 عبد الله محمد الحبشي - حكام اليمن المجتهدون 30 حسين بن عبد الله العمري - مصادر التراث اليمني ص 133 31 أحمد بن محمد الشامي - تاريخ اليمن الفكري
---
[ 14 ] (2/14)
ومن تركنا ذكرهم ممن قد ترجم له أكثر ممن ذكرنا والمتتبع لكلام العلماء فيه وفي شأنه وعلمه وسجاعته وزهده ومكارم أخلاقه واقتفائه لاثر جده رسول الله صلى الله عليه وآله يجد الثناء الحسن والاشادة بفضائله التي لا تحصر. لقد وقف الائمة العلماء من أقواله موقف الاجلال والاحترام فها هو المؤيد بالله يقول: (كنا نهاب نصوص يحيى كما نهاب نصوص القرآن). وقال المنصور بالله: (وقول يحيى بن الحسين ينقض بقوله لا بقول غيره إذ لا سلطان للغير عليه ولا سبيل له إليه) وهم لم يقولوا هذا إلا أنهم عرفوا منزلته العلمية التي لم تدركها الاوائل ولن تلحقه فيها الاواخر. من الكلام المأثور عنه قوله: (يا أهل اليمن لكم علي ثلاث أن أحكم فيكم بكتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وآله وأن أقدمكم عند العطاء وأتقدمكم عند اللقاء، ولي عليكم النصح والطاعة ما أطعت الله).
(والله لان أطعتموني لا فقدتم من رسول الله إلا شخصه إن شاء الله).
(والله لوددت أن الله أصلح الاسلام بي وأن يدي معلقة بالثريا ثم أهوي إلى الارض فلا أصل إلا قطعا). هذه هي كلمات المصلحين الذين أخذوا على عاتقهم إصلاح أمر الامة الاسلامية والعمل على رفعتها وعزتها والسير بها قدما على نهج الاسلام الصحيح لا تثنيهم الصعاب ولا تزعزعهم الاهوال حتى يتم لهم تحقيق ما جندوا أنفسهم له. والامام الهادي أعظم مصلح عرفه التاريخ اليمني فلقد بذل نفسه ودمه وماله في سبيل الدعاء إلى الله ورسوله وتطبيق الشريعة المطهرة ليعم الخير والصلاح حتى قضى نحبه شهيدا بالسم وهو في ثلاث وخمسين سنة ليلة الاحد لعشر بقين من ذي الحجة سنة ثمان وتسعين ومائتين ودفن يوم الاثنين في قبره الشريف المقابل لمحراب جامعه الذي أسسه بصعدة ولقد قبضه الله إليه وفي رجله أثر جراحة فانبعثت منها الرائحة التي خص الله بها الشهداء ولا تزال تلك الرائحة الزكية يفوح عبيرها إلى وقتنا الحاضر إكراما منه سبحانه وتعالى لهذا الامام المجاهد الصابر.
---
[ 15 ] (2/15)
نسأل الله الكريم الاعانة والتوفيق ونرجو أن نكون قد وفقنا في إلقاء الضوء على البعض اليسير من جوانب شخصية الامام التي تعجز الالسن عن حصرها وعدها والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين. محمد قاسم الهاشمي 10 محرم سنة 1410 هجرية.
---
[ 16 ] (2/16)
ترجمة جامع الكتاب: علي بن أحمد بن أبي حريصة كان من أصحاب الامام الهادي ويعد من أهل الزهد والورع ومن المتصوفين ولعله عاش إلى أيام الناصر [ ت 325 ه ] وقد ترجمه ابن أبي الرجال في السفر الثالث من مطلع البدور وقال: إنه روى كتاب الاحكام الذي وضعه الهادي في أصول الدين وأصول الفقه ورتبه ترتيبا حسنا) ثم قال: وكان أديبا فقيها شاعرا سلك في شعره طريقة أبي العتاهية في نظم منثور الحكم والآداب والاحاديث مثال ذلك قوله في نظم الحديث (من حسن إسلام المرء تركة ما لا يعنيه): من حسن إسلام الفتى تركه * ما ليس يعنيه إذا ما نطق وخائض في الامر لم يعنه * كخائض لجة بحر الغرق وله في نظم الحديث الشريف (ما ضاع امرؤ عرف قدره) وقول الاحنف: (عجبا لمن جرى في مجرى البول مرتين وهو يتكبر): قال رسول الله نور الهدى * وخاتم الرسل وخير البشر ما ضاع مرء عارف قدره * فاقنع بما أوتيته واقتصر لا يلبس الكبر كريم ولا * يطاوع التيه فتى ذو خطر مجرى الفتى في مبول مرة * من بعد أخرى ثم لم يعتبر
---
[ 17 ] (2/17)
وله في نظم ما روي عن بعض الصحابة (عجبا لمن يضحك بمل ء فيه والمنايا ترصده): يبسم المرء ضاحكا مل ء فيه * والمنايا وراءه تقتفيه عجبا إننا لنخشى من الموت * وإنا نلهو ولا نتقيه وله في نظم قول كسرى (من لم يكن العقل أكثر ما فيه قتله أكثر ما فيه): إذا لم يكن عقل الفتى أكثر الفتى * فأكثر ما فيه ولا شك قاتله هل العقل إلا حجة مستنيرة * ونور هدى ما إن تضل دلائله بحسبك إن العقل زين لا هله * وأن ليس في الخيرات شئ يعادله وله في نظم الحديث الشريف: (كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لابره): ألا رب ذي طمرين أشعث أغبرا * خفي عن النظار لم يبغ منظرا ولو أقسم الحافي الضئيل رداءه * على الله ذي النعماء أعطى فأكثرا ولكن زوى الدنيا الدنية دونه * ليوفيه الحظ الجزيل الموفرا. من شعره السائر قوله: ليس بحر ولا كريم * من غيرت وده الدهور الحر حر وإن جفاه * دهر وحالت به الامور ليس الفتى من أذا ألمت * أزمة دهر به يخور ولا الذي أن به تراخت * حال رأى أنه الخطير وإنما الحر عند هذا * مصطبر أو فتى شكور
---
[ 18 ] (2/18)
وله قصيدة: ومن رأى ما لا يراه طغى * وصار يمشي كالمجانين كأنه قارون في سكره * يخبطه مس الشياطين فهو على ما نال من أمره كبعض أعوان الفراعين يديره الدهر بتصريفه * فليس ذا دنيا ولا دين ولم يذكر ابن أبي الرجال سنة وفاته ولكنه قال أنه صحب الهادي وابنيه. وقد ترجمه أيضا يحيى بن الحسين في المستطاب فقال: من علماء الهدوية الا خيار وهو الذي رتب جامع الا حكام للهادي (1) عليه السلام.
---
ص 3..
(1) تاريخ اليمن الفكري في العصر العباسي ص 282 - 283.
---
[ 29 ] (2/29)
كتاب البيوع
---
[ 30 ] (2/30)
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله تبارك وتعالى: * (يا أيها الذين آمنو لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا انفسكم إن الله كان بكم رحيما) * (1) يريد سبحانه لا تأكلوها بالربا والسحت والظلم والا رتشاء في الحق ليعدا عنه إلى الباطل واما قوله إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم فالتراضي هو الرضى من البائع لتأخير المشتري بثمن سلعته بلا ازدياد منه لتأخير الثمن عليه في بيعه. من التراضي أن يبيعه من نفسه لا يكرهه على البيع اكراها ولا يضطره إليه اضطرارا وقال جل ثناؤه: * (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل، ولا يأب كاتب ان يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله رب ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا اولا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل أحدهما فتذكر إحداهما الاخرى ولا يأب الشهداء إذا
---
ص 30.. في نسخة مبتدأ القول في أبواب البيوع.
(1) النساء 29.
---
[ 31 ] (2/31)
ما دعوا ولا تساموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح أن لا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وأن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم) * (2) قال: وأما قوله سبحانه * (وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه) * (3) فإنما معناها فليتكلم الذي عليه بما عليه لصاحبه حتى يشهد الشهود على ما يسمعون من إقراره على نفسه، وأما قوله عزوجل: * (ولا يبخس منه شيئا) * (4) فهولا ينقص مما عليه لغريمة شقصا ولينطق بما عليه من ذلك طرا، وأما قوله: * (فأن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أولا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل) * (5)، فأن السفيه هاهنا هو سفه العقل وقلته، أما بصغر السن وإما بضعف العقل، وأما قوله سبحانه وتعالى (ضعيفا) فأن الضعيف قد يكون ضعف العقل، أو ضعف المرض، أو ضعف العمل، عن الكلام للعلة النازلة، وكذللك قوله عز وجل: * (أولا يستطيع أن يمل هو) * (6) فقد يكون لعيه عن حجته أو لصغر سن ايضا أو لعلة تمنعه من ذلك فأذا كان ذلك كذلك وجب على الولي أن يمل ما يجب على صاحبه وأن يبينه ويشرحه بخضرة من صاحب الدين، واقرار منه به عند الشاهدين، وأما قوله عزوجل: * (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) * (7) فإنما يريد أهل دينكم وأهل الثقة من أهل ملتكم ممن
---
ص 31..
(3) البقرة 282 (3) البقرة 282 (4) البقرة 282 (5) البقرة 282 (6) البقرة 282 (7) البقرة 282
---
[ 32 ] (2/32)
ترضون عدالته وأما قوله: * (فأن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء) * (8) فان الله سبحانه أقام المرأتين مقام شاهد ثان لضعفهما وقلة معرفتهما بالواجب عليهماء ألا تسمع كيف يقول: * (أن تضل أحداهما فتذكر إحدهما الاخرى) * (9)، يريد بالضلال النسيان أو غير ذلك من الشأن ممن لا يؤمن على ضعقه النسوان، فأراد أن تذكرها الاخرى وتخوفها بربها فيه إن أرادت تعمد الجحدان لشهادتها ثم قال سبحانه، * (ولا يأب الشهداء أذا ما دعوا) * (10) قال: لا يأبوا أن يشهدوا بما قد علموا مما له دعوى حين استشهدوا فأوجب عليهم الشهادة عند الامام بما يعلمون لكي يستخرج بشهادتهم حقوق من له يشهدون، وأما قوله عزوجل: * (ولا تسأموا أن تكتبوه) * (11)، فأنه يقول: لا تملوا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ومدى تأخيره، وأما قوله عزوجل: * (ذللك أدنى ألا ترتابوا) * (12) فمعناه أن لا تشكوا فيه ولا في عدده ولا في وزنه ولا في أجله إذا كان متكوبا بخطوط الشهود ذلك أدنى أن يعلم الشهود ويعرفوا إذا رأوا خطوطهم فيذكروا ويقفوا على ذلك ويعلموا جميع ما عليه شهدوا وأما قوله عزوجل: * (ألا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها) * (13) والحاضرة هاهنا فهي حاضرة معكم في بلدكم حاضر نقدها عندكم فليس عليكم جناح إذا كانت كذا ألا تكتبوها ولا تشهدوا فيها وعليها، ثم قال عزوجل: * (وأشهدوا أذا تبايعتم) * (14) يريد سبحانه وأشهدوا على الرضا من البائع والمبتاع لكيلا
---
ص 32..
(8) البقرة 282 (9) البقرة 282 (10) البقرة 282 (11) البقرة 282 (12) البقرة 282 (13) البقرة 282 (14) البقرة 282
---
[ 33 ] (2/33)
يكون في ذلك رجوع من أحدهما، ولا نزاع وأما قوله سبحانه: * (ولا يضار كاتب ولا شهيد) * (15) فهو نهي من الله عزوجل للكتاب أن يمتنعوا من الكتاب كما علمهم الله، وللشهود يمتنعوا أن من أداء الشهادة على الحق أذا دعواكما أمرهم الله، ثم أخبرهم أنه من فعل ذلك فإنه اثم قلبه، وأما قوله سبحانه: * (وأقوم للشهادة) * (16) فإنه أعدل وأثبت إذا كان في الكتاب وكانت على الغريم الشهود به والبينة، فحينئذ لا يستطيع الغريم أن يدفع غريمه ولا أن ينتقص حقه، وأما قوله عزوجل: * (وأن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) * (17) فإنه يقول: إن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا، أو ما يكون به الكتاب من الدواة والقرطاس فليكن رهان مقبوضة بدلا من الشهود والكتاب، والرهان المقبوضة فهو الرهن المسلم إلى صاحب السلعة، وأما قوله عزوجل: * (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) * (18) فهو نهي منه للشهود أن يكتموا ما يعلمون من شهادتهم والكتمان فقد يكون بمعان وأسباب فمنها الجحدان للشهادة ومنها التعلل من الشاهد على المستشهد له بعلة ليست له عند الله بعلة، أو بالتشاغل عن اقامة شهادته بأمر لا يكون له فيه عند خالقه حجة، وأما قوله عزوجل: * (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أؤ تمن أمانته وليتق الله ربه) * (19) فهذه آية منسوخة نسخها قول الله سبحانه: * (يا أيا الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل) * (20).
---
ص 33..
(15) البقرة 282. - (19) البقرة 283.
(16) البقرة 282. - (20) البقرة 282.
(17) البقرة 283.
(18) البقرة 283.
---
[ 34 ] (2/34)
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وليس نسخها تحريما لما ذكر فيها، كغيرها من المنسوخات اللواتي نسخ ما أمر به فيهن بما أثبت من الحكم وبدل في غيرهن، لان الائتمان من بعض المسلمين لبعض على مالهم وعليهم أنظار وإحسان، والاحسان فغير مسخوط عند الواحد الرحمن ولكنه سبحانه نسخ ذلك بالدلالة لهم على الافضل والاحوط بينهم ولهم، والابعد من كل فساد، فدلهم على المكاتبة والاشهاد نظرا منه سبحانه لجميع العباد، ومن أنظر وأتبع المعروف كان عند الله إن شاء الله مأجورا غير معاقب ولا مأزور. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ينبغي لمن أراد التجارة أن يتفقه في الدين، وينظر في الحلال والحرام من كتاب الله [ رب العالمين ] حتى يأمن على نفسه الزلل والخطأ في المضاربة والبيع والشراء وفي ذلك ما بلغنا عن أمير المؤمنين [ علي بن أبي طالب ] رحمة الله عليه: أن رجلا أتاه فقال: يا أمير المؤمنين إني أريد التجارة فادع الله لي فقال له أمير المؤمنين: أوفقهت في دين الله؟ قال أو يكون بعض ذلك؟ فقال: ويحك الفقه ثم المتجر، إن من باع واشترى ثم لم يسأل عن حلال ولا حرام أرتطم في الربا ثم ارتطم، ثم ارتطهم، قال وبلغنا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الله سبحانه يحب العبد يكون سهل البيع سهل الشراء سهل القضا سهل الاقتضاء) وبلغنا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إني لعنت الامام يتجر في رعيته).
---
[ 35 ] (2/35)
باب القول في المكاسب والتجارات والتشديد في الربا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يتجر المسلم ليغني أهله وعياله عن ذل المسألة واستكانة الحاجة وتكون تجارته في أقل الاشياء لمنافع الظالمين الجورة الفاسقين، وفي أقلها ضررا عن المسلمين، ولا يجوز ولا يحل له أن يتجر في دهره هذا في شئ من السلاح ولا الكراع ولا العبيد ولا الاماء فان ذلك أكثر منافع للظالمين وأقوى قوة للفاسقين وليتجر في غير ذلك من الاشياء أقلها منفعة لهم وأبعدها من مرافقهم، ويستحب له إن أتجر في شي فاحتاج مما سمينا محتاج إلى شئ مما عنده أن يدفعه بعلة يتعلل بها عليه من إغلاء ثمن عليه أو غيره مما يدفعه به عن المبايعة له ولا يفعل ما يفعله فجرة التجار والخونة الاشرار من العمل لمنافعهم والايثار بذلك لهم دون غيرهم والتعمد لشراء ما يصلح لهم يطلبون بذلك ازديادا في الربح يسيرا ويستوجبون به من الله عذابا كبيرا. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: إني لاعرف تجارة لله درها من تجارة يربح تاجرها ويسر طالبها، ويوفق مشتريها، وينعم صاحبها، ويتملك من دخل فيها ويؤسر من آثرها، تجارة تنجي من عذاب أليم ولكن لا طالب لها فأذكرها، ولا راغب فيها فأشرحها، ولا مؤثر لها فأفسرها، وبلى وعسى فإن مع العسر يسرا أن مع العسر يسرا عسى الله أن يرتاح لدينه فيعز أولياؤه ويذل أعداؤه فإنه يقول عزوجل: * (عسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) * (21) وفي ذلك ما يقول رسول رب العالمين صلى الله عليه وعلى
---
ص 35..
(21) المائدة 52.
---
[ 36 ] (2/36)
آله وسلم: (اشتدي أزمة تنفرجي) وفي ذلك ما يقول جدى القاسم بن ابراهيم عليه السلام. عسى بالجنوب العاريات ستكسى * وبالمستذل المستظام سينصر عسى مشرب يصفو فتروي ظميه * أطال صداها المنهل المتكدر عسى جابر العظم الكسير بلطفه * سير تاح للعظم الكسير فيجبر عسى الله لا تيأس من الله أنه * يسير عليه ما يعز ويكبر عسى صور أمس لها الجور دافنا * سينعشها عدل ينير فيظهر عسى بالاسارى سوف ينفك عنهم * وثايق أدناها الحديد المسمر عسى فرج يأتي به الله عاجلا * بدولة مهدي يقوم فيظهر قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وأما الربا فلا يعالجه ولا يعانيه إلا الفسقه الفاجرون البراة من الله المحاربون والكفرة المعتدون، لانه أمر من الله عظم شأنه وجل أمره وآذن الله عزوجل في يسيره بالمحاربة دون كثيره فقال: * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) * (22) فلم يصح لهم اسم الايمان والتقوى إن هم تشبثوا بيسير إن بقي من الرباء، دون الخروج منه بأجمعه طرا، ثم آذنهم بالحرب من الله ورسوله إن أقاموا على لزوم بقيته وتركوا الخروج منه بكليته، والحرب فهو المحاربة والمحاربة فهي الملاقاة والمضاربة، وعند الضراب ما يذهب الشك
---
ص 36..
(22) آل عمران 278.
---
[ 37 ] (2/37)
والارتياب، ويقع القتل والتنكيل والابادة والاسر لاهل المحاربة حتى يفيؤال إلى الطاعة والحق، وينتقلوا عن العصيان والفسق. وفي الربا ما يقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (مانع الزكاة وآكل الربا حرباي في الدنيا والآخرة) وفي ذلك ما بلغنا عن أمير المؤمنين [ علي بن أبي طالب ] عليه السلام أنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الربا وآكله وموكله وبايعه ومشتريه وكاتبه وشاهديه). وفيه ما حدثني أبي عن أبيه: عن بعض مشايخه وسلفه عن آبائه عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لدرهم ربا أشد عند الله من أربع وثلاثين زنية أهونها إتيان الرجل أمه).
باب القول فيما يوزن أو يكال إذا بيع بعضه ببعض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الذهب بالذهب مثلا بمثل تبره ودنانيره، والفضة بالفضة ورقها ودراهمها فمن زاد فقد أربى، وكذلك التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والذرة بالذرة، والشعير بالشعير، وكل صنف بصنفه، المثل الواحد بمثله، فمن ازداد فقد أربا سواء تفاضل اللونان، والطعمان والمقداران، أولم يتفاضلا، إذا كان صنفا واحدا لا يجوز مد حنطة بمدي حنطة دونها، ولا مد تمر بمدي تمر دونه، ولا مد ذرة بمد ونصف ذرة، ولا مد شعير بمد وربع شعير، ولكن مثلا بمثل يدا بيد، ولا درهم ودانق تبر بدرهم، ولا درهم ودانق مكسور بدرهم صحيح، ولا مثقال وسدس بدينار مضروب وفي ذلك ما بلغنا عن
---
[ 38 ] (2/38)
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: (أهدي لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تمر فلم يرد منه شيئا، وقال لبلال دونك هذا التمر حتى أسألك عنه فانطلق بلال فأعطى التمر مثلين بواحد، فلما كان من الغد قال له يا بلال إئتنا بخبيئتنا التي استخبيناك فلما جاء بلال بالتمر قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما هذا الذي استخبيناك فأخبره بالذي صنع، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: هذا الحرام الذي لا يصلح أكله، انطلق فاردده على صاحبه وأمره أن لا يبيع هكذا ولا يبتاع، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الذهب بالذهب مثلا بمثل والفضة بالفضة مثلا بمثل، ووالتمر بالتمر مثلا بمثل، والشعير بالشعير مثلا بمثل، والبر بالبر مثلا بمثل، والذرة بالذرة مثلا بمثل، فمن زاد أو ازداد فقد أربا، والملح بالملح مثلا بمثل). حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الصرف فقال حدثنا الثقات يرفعونه إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل لا تشفوا (23) بعضه على بعض ولا تبيعوا غائبا منه بحاضر). حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن دراهم ردية الفضة بدراهم جيدة الفضة فقال: إذا لم يدخل في ذلك مالا يحل من التفاضل فلا بأس بذلك، وانما هو كما جاء عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سواء سواء يدا بيد.
---
ص 38..
(23) الشف: الزيادة والفضل.
---
[ 39 ] (2/39)
باب القول فيما يكره من البيع
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز شرطان في بيع ولا بيع ما ليس عندك، ولايجوز سلف وبيع ولا ربح ما لم يضمن، قال وكذلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنه نهى عن ذلك، وعن بيع الملامسة وعن طرح الحصاة، وعن بيع الشجر حتى يعقد وعن بيع العذرة وقال (هي ميتة) ونهى صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع، أو مخلب من الطير، ونهى صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن أكل لحم الحمر الاهلية، وعن وطئ الحبالى حتى يضعن، أصبن شراء أو خمسا، إذا كان الحمل من غيره، وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الماء يسقي الماء ويشد العظم وينبت اللحم) وعن مهر البغي يعني أجرة الزانية، وعن أكل أجر عسب الفحل وهي الفحول التي تقرع الاناث، وعن ثمن الميتة وثمن الخمر، وعن بيع الصدقة حتى تحاز وعن بيع الخمس حتى يحاز، وبلغنا عن أمير المؤمنين رضي الله عنه أنه قال: محتكر الطعام آثم عاص، وكان يطوف على القصابين فينها هم عن النفخ، ويقول انما النفخ من الشيطان فلا تنفخوا في طعام ولا شراب ولا هذا يعني الغنم عند السلخ. وحدثني أبي عن أبيه: في احتكار الطعام، والطعام موجود في أيدي الناس لم يعز قال: إذا لم يكن مشتر من ضعفة أهل الاسلام ولم يكن فيه مضرة لاحد من المسلمين فلا بأس به، وانما معنى الاحتكار أن يكون في حبسه شئ من الضرر. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز احتكاره لتاجر يطلب به الغلاء، ولا لموسر يحتكر منه أكثر من حاجته وحاجة عياله عند
---
[ 40 ] (2/40)
وقت تحرك السعر واضطراب الامر، ووقوع المجاعة أو حدوث هيزعة أو مخافة لان في ذلك اضرار بضعفة المسلمين وإحفافا لاعينهم، إذا لم يروا الطعام في أسواقهم، وفزعا على أنفسهم إذا لم يعاينوه بارزا في أيدي تجارهم، وكل ضرر أو أضرار فقد نهى الله عنه ومنع منه الواحد الجبار.
باب القول في الشك وما يعارض أهله منه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الشك وعوارضه وما يدخل منه على الانسان فوساوس من الشيطان يدخلها على المربوبين يباعدهم بها من رب العالمين، وذلك أن في الشك من معاصي الله وخلافه ممن أخذ به وألزمه نفسه من ذلك أمورا تكثر، من ذلك ما يدخل الشيطان على الرجل في امرأته وعبده فيتوهم أنه قد طلق ولم يطلق حتى ربما خلى كثير من الجهال عن نسائهم، وقالوا قد طلقنا هن ولم يطلقوهن لما يدخل الشيطان عليهم فيهن من الشك في فراقهن فربما كان ذلك ونزل بأهل الشك والجهل فتخلى عن امرأته صراحا لما داخله فيها من الشك كفاحا فيتزوجها غيره من الرجال، وهي له امرأة بأبين الامر والمقال، فيكون عند الله عزوجل من الهالكين لامكانه من امرأته غيره من الرجال بوساوس الشيطان وخطرات الشك على قلب الانسان، وكذلك يدخل عليه في عبيده وفي أمائه حتى يجعل بالشك من لم يحرره ولم يعتقه حرا، ويحكم عليه بذلك حكما، ويرى أنه قد خرج من ملكه: فيعتزل استخدامه ويقول: إنه قد عتق عليه وخرج من ملكه ويديه كذبا على نفسه ومخالفة لحكم ربه، وهو عند الله له مملوك مسترق، وعند غيره معتق فيحله بذلك الشك محل الاحرار المالكين لانفسهم وهو بحكم الله من العبيد المملولكين بالقول المبين الصادق وبالحكم الذي
---
[ 41 ] (2/41)
هو أحق الحقائق، فيجريه في القصاص والنكاح والمواريث والاحكام مجرى غيره من أحرار أهل الملة والاسلام فيخالف في ذلك حكم الرحمن ويواجه فيما أخرجه الله منه في كل شأن ويورثه أموال أحرار المسلمين وهو عند الله فعبد مسترق من المملوكين غير وارث في حكم الله لاحد من الموروثين ويجعله إن عهر فزنى من المقتولين وهو بحكم الله ليس من المرجومين فيشرك في دمه بل يتولى جميع ما كان من أمره ويبوء في ذل بوزره وإثمه، فلذلك قلنا إن من ألزم نفسه الشك وعمل به وبما يعارضه الشيطان منه آثم، والذي يدخل عليه من قبول الشك أعظم مما يخافه في دفعه عنه، ولقد أبان الله من الفرق بين الشك واليقين فيما فرق بينهما من الاسمين، وحكم به عليهما في المعنيين وإذا اختلف في التميز الحكمان اختلف عليهما في كل شئ بأبين البيان عند كل من كان ذا عقل وعرفان، وفي تمييز بين كل أمرين كانا في المعنى والقياس مختلفين، ولو لزم بالشك ما يلزم باليقين لكان الشك واليقين مثلين، ولما كانا في الاسم والمعنى مختلفين، ولكان من شك في فعله في الحكم كمن أيقن بأمره والشك فهو التحير والظن من الانسان، والايقين فهو الثبات والحق والصدق والبيان وفي التمييز بين الشك والاظانين، وبين الحق والصدق والتبيين واليقين ما يقول جل جلاله رب العالمين * (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوإا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) * (24). ويقول سبحانه * (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم) * (25) فأمر بالتثبت وهو طلب اليقين، عندما يكون من أقوال الفاسقين وأمر باجتناب الظن
---
ص 41..
(24) الحجرات 6.
(25) الحجرات 12.
---
[ 42 ] (2/42)
وأخبر أن بعض الظن إثم، والظن فهو الشك، وإذا كان الظن والشك مذمومين فالحق واليقين ممدوحان لان الشك واليقين ضدان لم يزالا متاضدين وفي ذلك ما يقول الرحمن فيما نزل من النور والبرهان: * (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) * (26) ولو كان حكم الظن والشك واليقين والحق سواء في المعنى لما اختلفا في شئ من الاشياء ولو لم يختلفا لكان أحدهما مغنيا فيما أغنى عنه صاحبه ولكان ذلك كذلك لكان ذلك خلافا لقول الله لانه يقول: * (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) * (27) فلما اختلف فعل الحق والظن اختلف حكم الشك واليقين، عند جميع العالمين فلذلك قلنا إن الواجب على من داخله من الشك شئ أن ينفيه ويطرحه ويبعده عن نفسه ولا يعمل به في شئ من أمره، واطراح الشك والمضي عنه، وترك العمل به أحوط وأسلم، لمن ابتلي بوساوسه وأمكن الشيطان من قلبه ونفسه، وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (ان الله تجاوز لامتي ما حدثت به أنفسهما وهمت به ما لم تعمل به أو تكلم به). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: معنى قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو تكلم به يريد الشئ الذي يتكلم به في جميع الكلام. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن رجل كثير الشك والامتراء في الصلاة وغيرها من الاشياء فهو يظن أنه قد حلف ويظن أنه لم يحلف، ويظن أنه لم يصل بعض صلاته وان كان قد صلى ويظن أنه قد قال فأكثر، وان لم يكن قال قولا، فقال: هذه كلها شكوك وظنون لا يحكم
---
ص 42..
(26) النجم 28.
(27) النجم 28.
---
[ 43 ] (2/43)
بها ولا عليها ولا يلتفت في حكم الحق البرئ من الظن إليها وليس يحل لاحد أن يحكم بعتق ولا غيره في الدين الا بما لا مرية فيه ولا شك من التثبت واليقين، وليس يسوي ذووا العلم والالباب في حكم أمر بين اليقين والشك والارتياب ومن أجهل الجهل في الحكم وأبعد القول في كل علم أن يحكم على أحد بشك في عتق أو إمتراء بما يحكم به عليه في يقين لا يشك فيه ولا يمتري، وكيف تحكم فيما شككت فيه وامتريت بمثل الحكم فيما ايقنت ودريت، لا كيف عند من يعلم ويعقل بل عند كثير ممن يجهل، واختلاف الشك واليقين يدلك على اختلاف حكمهما في الدين، ولو كان يلزم أحدا العتق بالشك فيما ملكه الله من ملك، لما كان بين اليقين والشك إذا من فرق وقد فرق الله بين الشك والظن واليقين في حكم الحق فقال سبحانه: * (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) * (28) ولو كان يحكم به لكان إذا مغنيا، فمن ملكه الله عبدا أو غيره فلا يزول ملكه عنه بيمين ولا غير يمين الا بما يزيل به ما ملكه الله إياه من حقائق اليقين، وهذا من الشيطان ووسواسه، وفي هذا الباب وفي الصلاة وغيرها فإنما هو تشكيك وارتياب حتى يخرجهم فيما كان من ذلك إلى غير مخرج ويوهمهم انما هم عليه من الخطأ فيه من الاحتفاظ والتحرج وفي هذا من الاثم والزور مالا يعلم علمه إلا الله. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (ان الشيطان ليأتي أحدكم فيقول له من خلق السماء فيقول الله فيقول من خلق الارض فيقول الله فيقول من خلق الله، فإذا وجد أحدكم ذلك فيقول آمنت بالله ورسوله). وبلغنا عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن رجلا أتاه فقال يا رسول الله
---
ص 43..
(28) النجم 28.
---
[ 44 ] (2/44)
اني لاجد في نفسي شيئا لان تضرب عنفي أحب إلى من أن أتكلم به فقال: (ذلك صريح الايمان).
(قال أبو الحسن ولما كان هذا الباب يشتمل على أمور ابن آدم من صلاة وعتق وطلاق وتجارة وغير ذلك أقررناه في مكانه وبالله التوفيق).
باب القول في بيع الخيار
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: البيعان بالخيار ما لم يفترقا كما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: والافتراق عندي فهو افتراق التراضي من البائع والمشتري ووقوع الصفقة بينهما وشهادة الشهود بذلك عليهما، فإذا كان ذلك كذلك فقد لزمت السلعة المشتري، ولزم البيع البائع وصار المشتري أولى بها منه، إلا أن يستقيله فيقيله بالاحسان منه إليه والتفضل بذلك عليه، وقد قال قوم ان الافتراق هو فرقة الابدان ولو كان كما يقولون ثم باع محبوس محبوسا معه في الحبس في بيت واحد شيئا لم يلزمه البيع ولم يجب الشراء عليه للمشتري، وكذلك لو كان اثنان في جلبة صغيرة (29) مجتمعين فيها ثم تبايعا لم يصح بينهما البيع، ولم ينقطع بينهما الامر وكان البائع بالخيار على المشتري والمشتري بالخيار على البائع أبدا إلى أن يخرجا من الحبس أو من الجلبة بأبدانهما وفي ذلك مالا يخفى على عاقل من تلف السلعة وهلاكها إن كانت حيوانا أو غيره، فإن مات أو تلف أو هلك هذا الشئ الذي قد تبايعاه بينهما من قبل افتراق أبدانهما فعلى من الضمان، وعلى من يجب غرم ثمن تلك السلعة، فلا بد أن يلزمهم في قياسهم ويلزم من قال مقالتهم أن المشتري برئ من ذلك، وإن كان قد
---
ص 44..
(29) الجلبة: البقعة.
---
[ 45 ] (2/45)
اشترى وانقطع الامر بينهما وانقضى وهذا فما لا يقبله عقل عاقل ولا يقول به من الناس إلا كهام (30) الذهن غافل بطئ الفطنة مختلف القياس واهل.
(31) حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قوله البيعان البخيار ما لم يفترقا فقال هما بالخيار ما لم يفترقا عن رضى ومقاطعة في السلعة، فإذا تقاطعا فالسلعة لمشتريها إلا أن يستقيل هو، أو البائع فيقيله الآخر. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه عليه فأما يما يجلب من الابل والغنم إذا اشتري على لبنه فصاحبه بالخيار إلى أن يثور لبنها في يومه وليلته فإن رضي لزمها، وإن لم يرض ردها ورد معها عوضا من لبنها، وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: من اشترى مصراة فهو فيها بالخيار، فإن رضيها جاز فيها عليه البيع وإن لم يرضها ردها ورد معها صاعا من تمر، والمصراة فهي التي قد صريت وحبس لبنها في ضرعها ولم تحلب فيما كانت تحلب فيه من أوقاتها فحقن في ضرعها واجتمع فيه درها فاغتر إلى ذلك مبصرها وطمع أن تكون غير مصراة طالبها ومن الخيار أيضا ما اشترط فيه الخيار من كل ما بيع واشتري، إذا اشترط ذلك المشتري فقال: أنا بالخيار فيما اشترى يوما أو يومين أو ثلاثة أيام على قدر شرطه فإذا تشارطا على ذلك فهما على شرطهما إلى أن ينتهي آخر مداهما.
---
ص 45..
(30) قال في الصحاح السيف الكهام: الكليل الحد واللسان الكهام: البطئ.
(31) الواهل: الواهم.
---
[ 46 ] (2/46)
باب القول في بيع المدبر وأم الولد وفيمن اشترى شيئا فوجد به أو ببعضه عيبا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه لاتباع أمهات الاولاد ولا يجوز ذلك بين العباد لانهن قد عتقن على مواليهن من البيع، وان كان قد بقي لهم ملك أعناقهن يوطأن بذلك ولو عتقن من الملك كله لم يجز لمواليهن أن يطؤهن إلا بنكاح وتزويج، وإنما معنى عتقهن فهو حكم يمنع مواليهن من بيعهن إذا ولدن من مواليهن، وفي ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال في أم ابراهيم ابنه حين ولدته وكانت جارية من القبط أهديت له فقال: أعتقها ولدها، فحكم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأن الولد قد حظر على أبيه بيع أمه، وان كان باقيا عليها بعد ملكه ولولا أن الملك بعد باق له عليها لما جاز أن يجعل سيدها عتقها مهرها إذا أراد عتقها وتزويجها لان الفرج لا يحل إلا بمهر ولولا أن له عليها ملكا لم يجز أن يجعل عتقها مهرها، فقام عتقها مقام ثمنها ألا ترى أنه لو قال لها أعتقك فاجعل عتقك مهرك فتراضيا بذلك فغلط فأعتقها ثم أراد تزوجيها بعد ذلك فأبت لحكم له عليها بالسعي في قيمتها، لان الغدر والاخلاف ونقض العهد جاء من قبلها، ف أما ما يرويه همج الناس عن أمير المؤمنين (علي بن أبي طالب) عليه السلام من اطلاق بيعهن فذلك مالا يصدق به عليه ولا يقول به من يعرفه فيه وفي ذلك ما حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن بيع أمهات الاولاد فقال لا يجوز ذلك فيهن ولا يحكم به عليهن، وأما ما يرويه أهل الجهل عن أمير المؤمنين عليه السلام فلا يقبل ذلك منهم ولا يصدق به عليه. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه لو كان ذلك كذلك لكان أهل بيته أعلم بذلك. وأما المدبر فإذا اضطر صاحبه واحتاج إلى ثمنه ولم
---
[ 47 ] (2/47)
يكن له متعدا عن بيعه فلا بأس أن يبيعه في وقت ضرورته إليه فيقضي به ما لزمه من دينه ويفرج به عن نفسه، فإن وجد عن بيعه متعدا أجبنا له أن يفي لها بما أعطاه وكان مدبره خارجا بعد وفاته من ثلثه الذي جعله الله له يقولم مقام وصيته، وأما من اشترى سلعة فوجد فيها عيبا لم يكن علم به فهو فيها بالخيار إن شاء ردها بما دلس عليه من عيبها وان شاء لزمها وأخذ مقدار ما ينقصها من ثمنها عيبها. وكذلك لو اشترى جارية فوطيها ثم ظهر له بعد وطيها عيب كان له أن يأخذ مقدار ما ينقصها ذلك العيب من البائع وان كان رأى العيب بها قبل وطيها فوطيها من بعد أن علم أمرها فوطيه رضا منه بها ولا يلحق بعد ذلك شيئا على بائعها لانه ساعة رأى عيبها كان له الخيار فيها ولم يجز له أن يطأها حتى يحاكم صاحبها فيها، فاما ردها ولم يدن منها واما أخذ وكسا من ثمنها، واما صفح عن صاحبه وعفى ورضي بما أخذ واشترى، فلما ان وطيها من بعد ما رأى عيبها لزمه ذلك العيب لانه لا يجب أن يطأ ما لم يرتضه وما هو مجمع على رده على بيعه، وكذلم لو اشترى سلعة بها عيب لم يره ثم حدث عنده عيب آخر قبل أن يرى العيب الاول كان بالخيار إن شاء رد السلعة ورد مقدار ما نقصها العيب الحادث عنده، وإن شاء لزمها وأخذ قيمة العيب الذي لم يكن علم به وإنما جعلنا لم الخيار على بيعه لان البائع دلس عليه ولم يخبره بما في السلعة من العيوب، فلزمه بذلك عندنا أن يكون لصاحبه عليه الخيار. قال: ولو أن رجلا اشترى سلعا كثيرة في صفقة واحدة من عبيد وأماء وغير ذلك من الاشياء إلا أنه اشتراه في صفقة واحدة وبسومة واحدة ثم وجد بعد الشراء ببعضها عيبا كان له أن يأخذه كله، أو يرد الاشرية كلها. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن بيع أمها الاولاد فقال: لا أرى ذلك ولسنا نصحح ما روي وقيل به عن أمير المؤمنين عليه السلام من بيعهن.
---
[ 48 ] (2/48)
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن بيع المدبر فقال لا بأس ببيع المدبر إذا اضطر صاحبه إلى بيعه، وقد ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر رجلا ببيع مدبر له وكان يقول: إذا مات سيد المدبر خرج من ثلثه، وإنما هو وصية. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن رجل اشترى سلعة فوجد بها عيبا فعرضها على البيع هل له أن يردها على صاحبها بعد عرضها؟ فقال: قد قالوا ليس له أن يردها وأنها قد لزمته والقول عندنا أن له أن يردها إن أراد. حدثني أبي عن أبيه: في رجل اشترى سلعة بها عيب لم يعلم به ثم حدث عنده عيب آخر هل له أن يردها أو تلزمه؟ فقال: قد قال بعضهم إن حدث عند المبتاع عيب آخر أخذ من البائع قيمة العيب الذي كان بها أو لا وهو عندنا بالخيار، إذا كان لم يعلم بالعيب الاول حتى حدث العيب الثاني. حدثني أبي عن أبيه: أن سئل عن العنين هل يرد به صاحبه وهل يكون عيبا؟ فقال العنين عيب يرد به إذا كان صاحب العبد البائع له لم يعلم بعيبه. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن رجل اشترى غلامين أو دابتين أو متاعا ببعضه عيب فقال: إذا كانت العقدة عليه كله رده كله أو أخذه كله، وإن كان لكل واحد عقدة على حدة رد الذي به العيب بحصته وجاز عليه سائر ذلك. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا باع سلعة من رجل وقال قد برئت اليك من كل عيب وكانت فيها عيوب لم يطلع عليها المشتري ولم يذكرها له ولم يقف عليها المشتري عند شرائها منه ثم بدت للمشتري بعد ذلك تلك العيوب لم يكن قول البائع قد برئت
---
[ 49 ] (2/49)
إليك من كل عيب يبرئه فيما قد علم من عيوب سلعته إذا أخفاها عن مبايعه ولم يقف عليها المشتري، وكان للمشتري في ذلك الخيار إن شاء أخذ قدر ما نقضها العيب، وإن شاء ردها، فإن أبى البائع أن يضع من ثمنا شيئا حكم عليه بأخذها ورد ما أخذ من الثمن حكما. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن رجل باع سلعة وقال قد برئت اليك من كل عيب ولم يسم العيوب فقال: إذا لم يسم العيوب فلا يبريه في بيعه من عيب علمه من قبل مبايعته له وما كان من ذلك أخذ به إذا كان قد علمه قبل مبايعته حتى يخبره بالعيب، وإن كان العيب عنده ولم يعلمه فقد قال بعض الناس لا يلزمه، وقال بعضهم يلزمه وأنا أرى أنه يلزمه ويرد عليه، لانه باع عيبا كان عنده قبل أن يبيعه.
باب القول في ذكر التعليم. وبيع المصاحف
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لا بأس عندنا ببيع المصاحف وكتابتها بالاجرة والتجارة فيها لانه إنما يأخذ الاجرة على تعبه وكتابته وعمل يده، وأما أخذ المعلم الاجرة على تحفيظ القرآن لمن يحفظه إياه فلا خير في ذلك وقد جاء عن أمير المؤمنين (علي بن أبي طالب) عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من أخذ على تعليم القرآن أجرا كان حظه يوم القيامة). وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن شراء المصاحف وبيعها فقال لا بأس ببيع المصاحف وشرائها وكتابة القرآن بالاجرة. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: يجب على من علم مشاهرة أو غير ذلك أن لا يختص بالقرآن نفسه بالمجاعلة ولكن يكون مجاعلته
---
[ 50 ] (2/50)
على غيره من الآداب والخط والهجاء وقراءة الكتب وغير ذلك ويكون القرآن داخلا في تعليمه بلا مشارطة عليه، وما كان من بر من المتعلم ومكافاة على ذلك قبله المعلم وجاز له قبوله وأخذه. حدثني أبي عن أبيه: في تعليم القرآن والكتاب بأجر قال: لا بأس بذلك إذا لم تكن المشارطة على القرآن خصوصية، وقد ذكره أن سرية خرجت لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمرت بحي من العرب وقد لدغ سيدهم فسألوهم هل فيهم من يرقي فرقاه بعضهم بفاتحة الكتاب فعوفي فأعطوهم ثلاثين شاة فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبروه بالخبر فقال أضربوا لي معكم بسهم.
باب القول في الازدياد في بيع التأخير وفي بيع المجازفة والقول في اليمين عند البيع
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لاخير في الازدياد في بيع التأخير وهو الربا والعينة عندنا، وتفسير ذلك أن يشترى الرجل طعاما بالنقد على عشرة مكاكي بدينار، ويشتري منه على تسعة بتأخير، وهذا الازدياد في البيع، فقد ازداد عليه في البيع والازدياد عندنا ربا، وكذلك في جميع السلع لا يجوز بيعها إذا افترق سعراها، وصار فيها بشرط نقد وشرط نظرة فهو حرام على المزداد والزايد. حدثني أبي عن أبيه: في الرجل يبيع الطعام إلى أجل معلوم بأقل من سعر يومه الذي باعه فيه فقال يكره هذا عندنا وعند من رأى رأينا من علمائنا وهو العينة، وهو الازدياد والربا انما هو الازدياد، وقد ذكر عن عبد الله بن الحسن عن خاله علي بن الحسين رضي الله عنه أنه كان يقول انما الربا الازدياد.
---
[ 51 ] (2/51)
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ليس الربا أن يقول الغريم لغريمه عجلني قضاء حقي قبل محل أجله وأطرح عنك بعضه انما الربا أن يقول الغريم لغريمه أخرني بحقك وأزيدك عليه لتأخيرك اياي فهذا الربا عين الربا الذي لاشك فيه عندنا. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولا بأس ببيع الجزاف مما يكال أو يوزن إذا لم يكن أحد المتبايعين علم بوزن ذلك الشئ ولا كيله فان علم به أحدهما كانت خديعة منه لصاحبه وفسد البيع بينهما. قال ولا خير في اليمين في البيع والشراء نكرهها للصادق ليس عليه فيها إثم، إذا كان صادقا، فأما الآثم الكاذب فيها فذلك كافر لنعم الله فاجر وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل بايع اماما عادلا فإن أعطاه شيئا من الدنيا وفي له، وإن لم يعطه لم يف له ورجل له ماء على ظهر الطريق يمنعه سابلة الطريق، ورجل حلف لقد أعطي بسلعته كذا وكذا فأخذها الآخر بقوله مصدقا له وهو كاذب)
باب القول في بيع خدمة العبد ومبايعة أهل الشرك وبيع العبد بغير إذن سيده
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يبيع السيد خدمة عبده ما شاء من دهره، إذا كان إلى وقت معلوم، وما ذلك عندي إلا كالمواجرة، وقال لا بيع ولا شراء للعبد إلا بإذن سيده، فإن باع شيئا بغير اذنه أو اشترى شيئا بغير أمره كان ذلك مردودا فاسدا إلا أن يكون العبد عبدا مأذونا له في التجارة مطلقة يده في البيع والشراء فإذا كان ذلك كذلك لزم مولاه ما باعه عبده واشتراه وقال: لا بأس بالاشتراء من أهل الشرك
---
[ 52 ] (2/52)
وبيعهم إذا لم يباعوا سلاحا ولا كراعا، لان الله سبحانه أحل البيع وأجازه، ولم يذكر شركا ولا غيره، وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ببعض ما كان يغنم فباعه من المشركين، واشترى به سلاحا وغيره مما في أيديهم. قال: ولا بأس أن يشتري المشتري من المشرك ولده وأخاه وغيره من المشركين، وأن يشتري سبي بعضهم من بعض لان الله سبحانه قد أحل لهم سبيهم وقتلهم ومن حل سبيه حل شراؤه من مثله. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن شراء الرقيق من أهل الشرك يسبيه بعضهم من بعض وعن الرجل منهم يبيع ولده هل يحل للمسلم اشتراؤه منه فلم ير به بأسا. وقال ما أحل الله من دمه وسبائه هو أكبر من شرائه، وكان يقول في مبايعة المشركين لا بأس بذلك إذا لم يباعوا سلاحا ولا كراعا، وكان يقول قد كان يغنم على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم المغنم فيبعث به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيهم فيشتري به السلاح وغيره مما في أيديهم، وقد قال الله سبحانه: * (أحل الله البيع وحرم الربى) * (32) ولم يذكر البائع ولا المبتاع بشرك ولا باسلام. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه ويفرق بين السبي إلا بين الام وولدها، وفي ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان إذا قدم عليه بالسبي صفهم ثم قام ينظر إلى وجوههم فإذا رأى امرأة تبكي قال لها: ما يبكيك؟ فتقول بيع ابني فيأمر به فيرد إليها. وقدم إليه أبو أسيد بسبي فصفوا بين يديه فقام ينظر إليهم فإذا بامرأة تبكي فقال لها ما يبكيك؟ فقالت: بيع إبني في بني عبس فقال: النبي صلى الله
---
ص 52..
(32) البقرة 275.
---
[ 53 ] (2/53)
عليه وعلى آله وسلم (لتركبن فلتجيئني به كما بعته بالثمن) فركب أبو أسيد فجاء به.
باب القول في شراء الرطاب والبقول والقثاء والبطيخ
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يشترى من الرطاب والبقول والقثاء والبطيخ والباذنجان وكل شئ كان يأتي شيئا بعد شئ إلا عددا، أو شيئا قد ظهر وخرج وعرف، فأما ما كان في الشجر لم يخرج أو في الارض فلا يشترى ذلك لانه مجهول غير معروف، يقل ويكثر ويزكو ولا يزكو وما دخله الا ختلاف كان غررا، وبيع الغرر لا يجوز بين المسلمين وبذلك حكم رب العالمين. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن بيع الرطاب والبقول، فقال: لسنا نجيز من الرطاب والبقول وغيرهما أن يشترى من ذلك شئ مجهول متفاوت ولا يشترى ما يشترى منه الا بوزن أو عدد أو جزاف ولا يشترى جزافا ما يخرج شهرا بعد شهر، أو سنة بعد سنة لان كل ذلك (33) متفاوت ويقل ويكثر وهذا كله غرر، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن بيع الغرر. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وكذلك لا يجوز بيع اللبن في ضروع الانعام ولا بيع ما في بطونها ولا ما على ظهورها من الصوف والوبر والشعر ولا بيع حيتان الآجام والانهار وهذا كله غرر، ولا يجوز بيع الغرر لانه يقل ويكثر ويسلم ولا يسلم، وكذلك بيع العبد الآبق، وبيع الضالة من الانعام وما أشبه ذلك من بيع الغرر.
---
ص 53..
(33) في نسخة: لان كل ذلك يتفاوت الخ..
---
[ 54 ] (2/54)
باب القول فيمن اشترى سلعة ثم ردها ورد معها فضلا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تفسير ذلك أن يشتري الرجل عبدا أو سلعة ثم لم ينتفع منها بلبن ولا غيره ثم يكرهها فيستقيل صاحبها فيأبى أن يقيله إلا أن يطرح عنه بعض ما أخذ منه من الثمن فيطرح عنه المشتري بعض الثمن، فهذا إذا كان على هذه الحال فلا يجوز عندنا إنما هي قيلولة وإحسان أو ترك لما في يد الانسان إلا أن يكون شيئا يتبرع به المستقيل، لم يطلبه المقيل، ولم يشرطه فذلك إذا كان كذلك بر وخير، ولا بأس بالبر والخير، فاما على طريق الاضطرار له فلا يجوز ذلك لمبايعه. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن رجل اشترى سلعة فاستغلاها فردها ورد معها زيادة دراهم على ما اشتراها منه به فقال هذا كله مكروه إنما هي الاقالة أو المبايعة، وهذا إذا أخذها فإنما يأخذها منه بضرورة، وإنما يفتدى بها فدية.
باب القول فيمن باع جارية ثم أعلم أنها أم ولد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا باع جارية من رجل فأ قامت عنده، أو من امرأة مدة، ثم علم وتيقن أنها كانت ولدت منه كان البيع مفسوخا، ووجب عليه أن يرد الثمن ويرتد الامة، ولو أنه باعها من رجل فوطأها ذلك الرجل فأولدت له أبنا ثم ذكر السيد الاول أنه قد وطئها وأقر بولد له معها كانت الجارية للاول الذي استولدها ووجب عليه رد الثمن إلى الذي باعها به منه، وأخذ أم ولده منه، وكان
---
[ 55 ] (2/55)
الابن الآخر لا حقا بأبيه وابن الاول للاول لا حقا بأبيه إذا أقر به وكان الصبيان يتوارثان أخوين لام. ولام يقربها سيدها الاول حتى تستبري من ماء الآخر.
باب القول فيمن اكترى عبدا أو دابة ثم أكراه من غيره بأكثر مما اكتراه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يتكري الرجل العبد أو الدابة يوما أو يومين أو شهرا وشهرين فيكريهما غيره إذا لم يجاوز فيهما ولا بهما ما اكتراهما له من العمل والسير وكان ذلك شيئا قد علم به صاحبهما ولم يناكره فيه، فإن جاوز بهما هذا المكتري ما شرط عليه صاحبهما، أو تعدى في شئ من أمرهما فعطبا كان المكتري له المعامل له ضامنا وكان لصاحب الدابة على الذي اكتراها منه قيمة الدابة.
باب القول فيما يكره من بيع الغرر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا اشترى فرسا أو عبدا ثم قال لرجل آخر خذه فبعه فما زاد على كذا وكذا دينارا فالزيادة بيني وبينك كان هذا أمرا فاسدا لان أجرة البائع صارت غررا لانها مجهولة.
باب القول في بيع المرابحة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا اشترى سلعة بثمن ثم باعها ثم أدركته الرغبة فيها فزاد في ثمنها المشتري لها منه فأرغبه فيها حتى باعه إياها وردها عليه ثم أراد بيعها فإنا لا نرى له أن
---
[ 56 ] (2/56)
يبيعها مرابحة على الثمن الذي اشتراها به آخرا وزاد صاحبها فيها على قيمتها لرغبته فيها، ولكن يبيعه مساومة ولا يذكر له مرابحة لان الزيادة كانت للرغبة منه فيها ولم يكن مبلغ ثمنها وقيمتها.
باب القول في السلعة يترابح فيها الشريكان وكيف يعمل في بيعها مرابحة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلين اشتريا سلعة بخمسين دينارا فاستر خصاها فتقاوماها بينهما بستين دينارا فدفع أحدهما إلى صاحبه ربح خمسة دنانير وأخذها فإن الواجب عليه إذا أراد بيعها مرابحة أن يحسب ربحه على من يشتريها زيادة على الخمسة وخمسين ولا يرابحه على الستين لانه إنما أخرج في السلعة خمسة وخمسين فإذا أعلمه بذلك جاز له أن يربح ما شاء من قليل أو كثير إذا تراضيا على ذلك وعرفاه.
باب القول في السلعة يأخذها رجل يريها فإذا أعجبت الذي يراها اشتراها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أخذ الرجل السلعة من صاحبها ليريها من يشتريها ولم يشرط عليه صاحبها ردها إليه فضاعت في الطريق، فلا ضمان على الحامل لها، وإن اشترط عليه ردها فعليه ضمانها وأداء قيمتها لان اشتراط صاحبها عليه كان تضمينا له منه إياها.
باب القول في بيع الثياب على الرقوم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بيع الثياب على الرقوم باطل لا يجوز الا أن يكون صاحبه قد رقمه رقما صحيحا من بعد ما عرف
---
[ 57 ] (2/57)
ما غرم فيه من الثمن والقصارة والكراء وغير ذلك من الاشياء فرقمه على ذلك وأخبر صاحبه بذلك كله فصدقه ورضي بقوله وأربحه فيه ما تراضيا عليه من ربحه، فإذا كان كذلك فلا بأس بالتبايع على ذلك.
باب القول في بيع ما لم يقبض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل من باع شيئا لم يقبضه ولم يحزه ويضمنه فبيعه باطل قال: ولو أن رجلا اشترى من رجل فرسا بمائة دينار ثم باعه من رجل آخر بمائة وعشرين دينارا قبل أن يحوزه ويقبضه كان البيع مفسوخا فاسدا فإذا حازه وقبضه جاز له من بعد أن يبيعه ولو أنه اشترى جارية من رجل بخمسين دينارا ثم باعها من رجل آخر من قبل أن يسلمها إليه البائع ويقبضها فاعتقها المشتري الآخر كان العتق باطلا مردودا لان الشراء منه لها كان فاسدا. قال: ولو أن رجلا اشترى من رجل عبدا فأخرجه البائع إليه. وسلمه في يده فقال له المشتري دعه لي عندك إلى غدفتركه له عنده من بعد أن قبضه صاحبه وتسلمه ثم باعه المشتري قبل أن يرجع فيأخذه من عند الذي استودعه اياه جاز بيعه له لانه قد قبضه واستوفاه ثم وضعه عنده بعد وخبأه.
باب القول في خيار من اشترى شيئا وقبضه ولم ينظر إليه ولم يقلبه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن انسانا اشترى من انسان ثيابا أو سلاحا أو غير ذلك من السلع اشتراه بثمن معروف ثم استوفى ذلك من البائع عددا ولم يقلبه ولم ينظر إليه ولم يتبرأ إليه البائع من شئ من العيوب، ولم يوقفه عليها كان للمشتري إذا قلبه وأبصره وفتشه وخبره الخيار على البائع خيار العيان والتقليب فإن شاء أمسكه بما
---
[ 58 ] (2/58)
فيه، وإن شاء رده لم يرتضه، وكذلك لو اشترى منه برا أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا وأمر به فكيل ورفع إلى منزله ولم يكن نظر إليه كان له الخيار فيه إذا رآه إن شاإ أخذه وإن شاء رده على صاحبه وتركه. قال: وكذلك كلما اشتري ولم يقلب ولم يوقف عليه بالعيان اشتري ليلا أو نهارا فللمشتري فيه الخيار عند معاينته وتقليبه إياه.
باب القول في بيع الشريك من شركائه أو غيرهم ما لم يقاسمهم إياها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا اشترى هو وشركاؤه حمل أدم أو حمل نعال أو بيت طعام ثم باع حصته من رجل آخر ليس من شركائه قبل القسمة وهو مجتمع على حاله لم يقتسموه بينهم كان ذلك باطلا لا يجوز له بيعه لانه غرر على المشتري إذا لم يقلبه ولم يفهمه قال: فإن كان هو وشركاؤه قد قلبوا ذلك الشئ وعاينوه فلا بأس أن يبيع حصته قبل القسمة من بعض شركائه لانهم قد عاينوا ذلك وعرفوه، وأكره أن يبيعه من شركائه ان كانوا لم يقلبوا ذلك الشئ ويعاينوه مخافة ان يقلبوه فلا يعجبهم فيردوه وقد باع بعضهم حصته فكأنه باع غررا أو شيئا لم يعلمه، ويكون الشريك الذي اشترى منه حصته يرد الحصة (34) دون من اشتراها منه أو يرجع على شريكه بما أخذ منه وهذا بيع فاسد فإن كان الشركاء قد قلبوه فإنما اشترى الشريك ما قد رأى من حصة شريكه فلا بأس أن يبيعه من الشريك قبل أن يقاسمه، ولايجوز ذلك لغير الشريك.
---
ص 58..
(34) فر نسخة: يرد الحصة على من اشتراها منه الخ.
---
[ 59 ] (2/59)
باب القول فيمن باع سلعته وانظر بها ثم اشتراها من صاحبها بأقل من ثمنها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز ذلك لهما ولا يسعهما في دينهما، وتفسير ذلك: رجل اشترى من رجل جارية بمائة دينار فأنظره بالمائة كلها أو بعضها وأقامت الجارية عند مشتريها مدة من دهرها ثم أخرجها فعرضها فبلغت سبعين أو ثمانين دينارا فقال البائع الاول أنا اشتريها بما بلغت فيكره ذلك له مخافة المحاباة للانظار فإن كانت الجارية، قد حدث بها حدث نقص ثمنها أو زادت قيمتها ولم يكن بينهما في ذلك مداهنة رجونا أن لا يكون عليهما في ذلك بأس إذا كان الامر صحيحا.
باب القول فيمن اشترى شيئا فتلف قبل قبضه له
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا اشترى من رجل متاعا ونقده بعض ثمنه فقال صاحب المتاع لا أتركك تخرج بمتاعي حتى توفيني باقي الثمن ولزمه عنده ثم تلف كان ضمانه على البائع، لانه أبي أن يسلمه إليه، وإذا لم يتسلمه المشتري فلم يقبضه وإذا لم يقبضه فضمانه على البائع، لانه أبي أن يسلمه إلى مبتاعه فان كان حين اشتراه قبضه ثم رهن عنده بعض أو كله، حتى يوفيه ثمنه فتلف ذلك ترادا الفضل فيه كما يفعل الراهن والمرتهن. قال: ولو اشترى رجل من رجل شيئا فوضعاه على يدي رجل عدل حتى يوفيه ثمنه فتلف كان ذلك الشئ من مال البائع، ولم يلزم المشتري لانه لم يسلمه إليه ولم يقبضه اياه.
---
[ 60 ] (2/60)
باب القول في الخيار إذا اشترط ثلاثة أيام أو أقل أو أكثر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا شرط المشترى أنه بالخيار ثلاثة أيام فهلك المشترى إن كانت أمة فماتت أو عبدا فمات في الثلاثة أيام لزم المشتري الثمن لان البيع قد لزمه وهلكت السلعة في يده ولم يسخط ولم يرد. قال: ولو كان الخيار للبايع فهلكت في يد المشتري ولم ينقطع خياره فهي في مال البايع لانه لم يسلم للمشتري بيعا صحيحا لانه جعل لنفسه فيها الخيار إلى أمد معروف إن شاء أنفذ بيعها له وإن شاء ارتجعها قال: وكذلك لو كان الخيار لهما جميعا فماتا أو مات أحدهما فقد لزم البيع المبتاع وبطل الخيار، وكذلك لو جاز الوقت الذي جعلا الخيار إليه وهما ساكتان لم يختارا أو لم يتكلما بطل الخيار وتمت البيعة للمشتري، وكذلك لو كان الخيار للمشتري فمات في الثلاثة الايام قبل أن يختار ثبت البيع للورثة بالثمن وبطل الخيار لانه الخيار لا يورث. وكذلك لو نقصت السلعة في يد المشتري لزمته بالنقصان وبطل الخيار إذا كان البيع قد انقطع على خيار بعد أيام، وإن لم يكن الثمن والبيع قد قطع فلا تلزمه السلعة. قال: ولو أن الخيار كان من البائع إلى ثلاثة أيام فزدادت (35) فالخيار له، وإن نقصت فالخيار للمشتري دون البائع.
باب القول في عمل الشئ بثلثه أو ربعه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا دفع رجل إلى رجل حديدا فقال اعمله لي سكاكين ولك ربعها فضاع ذلك الحديد فانا نرى أنه ضامن له لانه أجير استأجره صاحب الشئ بربعه وليس بشريك.
---
ص 60..
(35) في نسخة: فزادت.
---
[ 61 ] (2/61)
باب القول فيما أفسد الصانع
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل صانع مستأجر أفسد ما استؤجر على اصلاحه فهو ضامن له، وتفسير ذلك: إنسان دفع إلى نجار بابا ليسويه له فأفسده عليه فإنه يلزم النجار قيمة الباب إن كان قد بطل، وإن كان لم يبطل لزمه قيمة مقدار ما أفسد منه. وكذلك الخياط، والحايك، والقصار، وكل صانع أفسد ما استؤجر على إصلاحه كان ضامنا لما أفسد، فإن كان إفساده أقل من قيمة نصف الشئ المفسد أدى قيمة ما أفسد إلى صاحب الشئ وإن كان إفساده اذهب منه أكثر من قيمة نصفه كان صاحبه بالخيار إن شاء أخذ قيمة ما أفسد وإن شاء أخذ قيمته صحيحا وسلمه إلى الصانع، فإن كان فسد عنده وقد عمله فصاحبه بالخيار إن شاء أخذه معمولا وحسب عليه نقصان ما أفسد، وحسب له أجرته التي عمل بها، وان شاء سلمه إليه وأخذ منه قيمته يوم دفعه إليه، فإن اختلفا في القيمة كانت البينة على صاحب الشئ واليمين على الصانع.
باب القول فين خالف أمرا أمره به رجل في ماله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا دفع إلى رجل مالا وأمره أن يشتري له به طعاما ليربح صاحب المال فيه فخالفه فاشترى له إبلا [ أو بقرا ] أو رقيقا كان المخالف لمال الرجل ضامنا، وكيلا كان أو مستأجرا أو مضاربا، كلهم في ذلك سواء يضمنون إذا خالفوا إلا أنم يشاء صاحب المال أن يأخذ ما اشتروا له فيكون ذلك له، فإن لم يأخذه ضمنه المخالف فباعه فلا نرى أن الربح له إن ربح فيه ربحا، ونرى له أن يصيره إلى بيت مال المسلمين.
---
[ 62 ] (2/62)
باب القول في معنى قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا يبيعن حاضر لباد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: هذا خبر قد روي ولسنا ندري كيف صحته، وقد يكون فيمن يأتي بالسلعة، ويقدم بها إلى المصر المرأة التي لا تحب أن تبدو للشراء والبيع، والانسان الضعيف الذي لا يحسن البيع والشراء، وليس هذا مما يصح فيه الخبر لان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان رحيما وهذا فقد ينفع فيه الناس بعضهم بعضا، الا أن يدخل في ذلك ضرر على المسلمين، أو مضارة بين المتبايعين فينظر إمام المسلمين في ذلك.
باب القول فيما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من استقبال الجلوبة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا ينبغي للحاضرين أن يستقبلوا البادين خارجا من المصر فيشتروا منهم جلبهم ثم يدخلوه هم فيبيعونه لا نفسهم لان في ذلك خديعة لاهل الجلب، ولكن يترك حتى يدخلوا به في سوقهم ويبيعوه من تجارهم.
باب القول في الشئ يفرق بعضه عن بعض بالاسماء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا جمع الشئ اسم واحد وكان في المعنى مؤتلفا فهو صنف واحد، وإن افترقت اسماؤه فلا يجوز التفضيل بينه لمن يبيعه ويشتريه، وتفسير ذلك: أن التمر كله واحد وإن اختلفت ألوانه وأسماؤه فلا يجوز منه الجزء بجزئين وإن اختلفت أسماؤه، مثل مكوك برنى لا يجوز بمكوك ونصف صيحاني ولا مكوكي
---
[ 63 ] (2/63)
جمع بمكوك عذاق التمر كله في الحكم واحد مثلا بمثل، فمن زاد فقد أربى، وكذلك الحنطة والذرة والزبيب صنوف ذلك كله واحد، لا يجوز مكوك طيساني بمكوك ونصف حنطة بيضاء، ولا يجوز مكوك ذرة بيضاء بمكوك ونصف ذرة سوداء، ولا يجوز مكوك زبيب ضروع بمكوك ونصف زبيبا أسود، وكذلك في كل شئ من الاشياء من الفواكه وغيرها، يدا بيد فمن زاد في شئ من ذلك كله فقد أربى، وأفسد ما باع واشترى كان ذلك مما يكال أو يوزن أو غير ذلك.
باب القول في اختلاف النوعين وما يجوز فيه من البيع
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس بالواحد بالاثنين، والاثنين بالواحد من الشيئين المختلفين مثل مكوك حنطة بمكوكي شعير، ومكوك زبيب بمكوكي ذرة، ومكوك تمر بمكوكي شعير، ولا بأس ببيع ذلك كله وشرائه كذلك إذا اختلف نوعاه وافترق صنفاه، وكان ذلك يدا بيد، فإن وقع فيه الانساء بطل البيع فيه والاشتراء.
باب القول في بيع الحيوان بعضه ببعض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس ببيع الحيوان واحدا باثنين، واثنين بواحد من جنس واحد كان أو من أجناس مختلفة إذا كان يدا بيد، ولم يكن فيه إنساء، ولا بأس أن يشترى بعير ببعيرين، وبقرة ببقرتين، وشاة بشاتين، وطير بطيرين، وفرس بفرسين، وحمار بحمارين، وبغل ببغلين ولا بأس أن يشترى فرس بجملين وجمل ببقرتين وعبد بعبدين، وأمة بعبدين، يدا بيد فمن انسأ في شئ من ذلك فقد أفسد وأربى.
---
[ 64 ] (2/64)
باب القول في زيادة النقد بين الحيوان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يزيد الرجل الدراهم والدنانير مع الرأس ويشتري رأسا آخر، وتفسير ذلك: رجل اشترى فرسا بفرس وخمسة دنانير، أو شاة بشاتين ودرهم كل ذلك في الحيوان جائز يدا بيد، ولا بأس أن يشتري جارية بعشرة دنانير وجارية، وغلاما بغلام ومائة درهم.
باب القول في بيع اللحم بالحيوان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز بيع شاة بعشرين رطلا لحما أو أقل أو أكثر ولا يجوز بيع عشرة أرطال لحما بشاة من أي اللحوم كان، ولا يجوز أن يشتري به حيوانا مما يؤكل لحمه لان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن بيع اللحم بالحيوان.
باب القول في شراء اللحم بعضه ببعض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يشتري المشتري رطل لحم غنم برطلي لحم بقر أو رطلي لحم بقر بثلاثة أرطال لحمن ابل لان الابل خلاف الغنم والبقر خلاف الابل وكذلك كل أزواج مختلفة، ولا ختلافها أجزنا التفاضل بين لحومها، ولان المعنى الواحد لا يجمعهما، فاما الغنم كلها فلا يجوز لحمها إلا مثلا بمثل يدا بيد، وكذلك ألبانها وسمونها، ولا بأس بثلاثة أرطال سمن بقر، برطلي سمن غنم، ولا بأس بجزأي لبن إبل بجزء لبن غنم يدا بيد فمن أنسأ فقد أفسد.
---
[ 65 ] (2/65)
باب القول في شراء التمر بظرفه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ومن اشترى تمرا على أرطال معروفة بدينار فليس يجب علينه أن يوزن له بظروفه من جلل أو جرب الا أن يدخل ذلك في الشرط ويكون قد رأى الظروف وفهمها ووضفت له بصفة فعرفها، فاما ان لم يكن اشترطت عليه لم يلزم المشتري لانه انما اشترى تمرا ولم يشتر ظرفا. قال: ومن اشترى تمرا محشوا جربا فنظر منها إلى عين ظاهرة فرضيها ثم فتح ساير ذلك فوجدها مخالفة لما رأى كان بالخيار إن شاء لزمها وأخذ قدر وكسها، وان شاء ردها وأخذ ما دفع من ثمنها، وان قال المشتري للتمر للبائع وقال البائع للمشتري أطرح عنك في ظروفها كذا وكذا رطلا لم يجز ذلك بينهما لانه شئ مجهول وغرر عليهما، ولا يجوز طرح ما كان غررا بينهما كما لا يجوز بيعه وشراؤه لهما الا أن يساهله المشتري ويرضى أن تتزن الظروف في وزن التمر.
باب القول في شراء العبد وبيعه المأذون له في التجارة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أذن سيد العبد لعبده في التجارة لزم سيده ما اشترى وباع من غال ورخيص كذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أن رجلين ارتفعا إليه يختصمان فقال أحدهما يا أمير المؤمنين إن عبدي هذا ابتاع من هذا شيئا، وإني رددته عليه فأبى أن يقبله، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: هل كنت تبعث غلامك بالدرهم يشتري لم به اللحم؟ فقال: نعم، قال: قد أجزت عليك شرائه.
---
[ 66 ] (2/66)
باب القول فيمن باع نفسه أو أمر غيره ببيعه قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أيما حر باع نفسه أو أمر غيره ببيعه وجب أن يؤدبا جميعا أدبا وجيعا ان كان فهما بالغا أحسن أدبه وأدب من اشتراه أدبا وجيعا، ان كان اشتراه بعلم، ولم يجب عليه الرق، واستسعي فيما أخذ منه حتى يرده عليه، وأن كان غيره الذي باعه منه رجع بالثمن عليه وإن كان البائع لنفسه أو الآذن في بيع نفسه صبيا أو أعجميا أفزع على قدره، ولم يستسغ في شئ من ثمنه للذي اشتراه ان كان اشتراه وهو عالم بأمره لان المشتري اشتراه وهو على بصيرة متعمدا لما لا يجوز له من ذلك، وكذلك بلغنا أن رجلا باع نفسه في ولاية عمر فلما اشتد عليه البلاء أتى عمر فقال له أني رجل حر فقال له عمر أبعدك الله أنت الذي وضعت نفسك، فقال له له أمير المؤمنين وسيد المسلمين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه ليس على حر ملكة فاضربه ضربا شديدا والبائع له، ومر المشتري أن يتبع البائع بالثمن، فإن كان بأفق من الآفاق فاستسعه أما أني أقول لك ذلك لانه قد حنكته السن ولو كان صبيا صغيرا أو أعجميا مستبهما مستسفها لم أضر به ولم أستسعه. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إنما ترك ضرب المشتري له لانه لم يعلم أنه حر عندما اشتراه.
باب القول فيما لا يجوز من البيع الشراء وما يجوز بيعه وشراؤه بعضه ببعض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل صنف من الاصناف التي تكال وتوزن وغير ذلك مما لا يكال ولا يوزن مما ليس بحيوان من الثياب فلا تباع مثلان بمثل من صنف واحد، ولا يجوز ذلك إلا مثلا بمثل
---
[ 67 ] (2/67)
يدا بيد إ لا أن يختلف الصنفان، فإن اختلف الصنفان فلا بأس باثنين بواحد يدا بيد ولا يجوز نسأ إذا كانا جميعا مما يكال، أو كانا جميعا مما يوزن، وان كان أحدهما مما يكال والآخر مما يوزن فلا بأس بالانساء فيه إذا لم يكن فيه حيلة للربا ولا تزيد في البيع على سعر يومه للانساء. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولا بأس أن يشتري رطلي رصاص قلعي برطل رصاص أسود يدا بيد ولا يجوز نسا، ولا بأس برطلي نحاس برطلي رصاص يدا بيد، ولا بأس برطل حديد برطلي شبه يدا بيد، ولا يجوز نسيه لانه كله مما يوزن، وإن كان أحد الصنفين يوزن والآخر يكال فلا بأس به اثنان بواحد وواحد بواحد نسأ لانه يخرج مخرج السلم، ولا بأس بخمسة أرطال حديد بثلاثة مكاكي حنطة نسأ، فكأنه أسلم حديدا في حنطة، ونحب لمن فعل ذلك أن يضرب لذلك أجلا ويصف وصفا من البر معروفا بكيل معروف. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولا يجوز أن يشتري الرجل زرعا من بر محصود في سنبله متروكا على حاله بكيل معروف من الحنطة عشرة أفراق أو أقل أو أكثر لان هذا شئ لا يعرف كم فيه من البر لانه في سنبله فإذا زاد أو نقص عما بيع به من البر المكال كان ربى، لان البر لا يجوز أن يباع الا مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد فقد أربى. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: واستحب لمن باع شيئا ما يكال بثمن أن لا يشتري بذلك الثمن شيئا مما يكال حتى يقبض ذلك الثمن ثم يشتري به لانه إذا اشترى بثمن ما يكال كيلا مثلا دخله النسأ لانهما جميعا كيل ولا بأس أن يشتري بثمن ما يكال ما يوزن قبل أن يقبض له ثمنا، أو بثمن ما يوزن ما يكال قبل أن يقبض له ثمنا. قال: ولا يجوز أن يشتري اللحمن بالحيوان، ولا يجوز أن يشتري الانسان ثلاثين رطلا
---
[ 68 ] (2/68)
لحما بشاة لان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن بيع اللحمن بالحيوان. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولا يجوز بيع اللبن الرائب بالزبد إلا أن يكون في اللبن من الزبد أقل من ذلك الزبد الذي اشتراه به المشتري فيكون ذلك الزبد الذي في البن بمثله من هذا الزبد، ويكون فضلة هذا الزبد ثمنا لفاضل ذلك اللبن إذا اختلط به. قال: ولا يجوز ثلاثة أرطال زبدا برطلي سمن، لان ذلك يختلف بزيادة الزبد ونقصانه عند السل ء على كيل ذلك السمن فلذلك فسد البيع، ولا أحب أن يكون الزبد بالسمن مثلا بمثل لانه أيضا يختلف وينقص. قال يحيى بن الحسين رضي الله عليه: ولا يجوز المزابنة لان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد نهى عنها لانها تختلف وهي أن يبيع الرجل رطبا بتمر مثلا بمثل، وأن يبيع تمرا في رؤوس النخل بخرصه تمرا لان ذلك ينقص عند يبسه ويقع فيه التفاضل، وكذلك لا يجوز أن يبيع مكوكي رطب بمكوك تمر، ولا مكوكا بمكوك، ولا أكثر من ذلك ولا أقل، وكذلك لا يباع زهو بتمر ولا تمر بزهو ويباع كل صنف بمثله يدا بيد مثلا بمثل، والتمران كلها واحد برنيها وصيحانها وألوانها، ولا يجوز مكوكا لن بمكوك برني، ولا أربعة أصواع صيحاني بخمسة أصواع جمع، وكذلك العنب كله واحد، وليس لبعضه على بعض زيادة عند التبايع به ولا يجوز رطلا عنب بثلاثة أرطال عنب لونا سواه، وكذلك لا يجوز رطلا عنب برطلي زبيب لانه ينقص وحاله في ذلك حال الرطب بالتمر ويكره مكوك حنطة بمكوك دقيق، لانه يختلف عند الطحن في الزيادة والنقصان، والدقيق والحنطة كلاهما يكال، ولا بأس أن يباع عجين معجون بأكثر من كل ذلك المعجون دقيقا أو حنطة، وكذلك
---
[ 69 ] (2/69)
لا بأس أن يباع مكوك خبز مخبوز بمكوكي دقيق لان العجين والخبز قد خرجا من حد الكيل وصارا إلى حد الوزن، ولا يجوز مكوك حنطة مبلولة بمكوك حنطة مقلوة، ولا غير مقلوة لانها تنفاوت واليابس أكثر من المبلول. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولا بأس أن يشترى الرمان والسفرجل وجميع الفواكه التي لا توزن ولا تكال وتباع عددا، واحدا باثنين، واثنين بواحد يدا بيد. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولا يجوز أن يشتري المشتري من البائع السلعة فيقول قد اشتريت هذا منك على ما تبيعه من غيري من الناس لان هذا غرر وخطأ لا يوقف عليه لان البائع ربما استقصى عليه بعض المشترين فيبيع رخيصا، وربما يسامح فيبيع غاليا، ومن اشترى على ذلك أو باع فالقيمة لا زمة للمشتري يعطيه قيمته عند الناس ولا ينظر إلى ما شرط له لان ذلك الشرط فاسد لا يوقف عليه. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولا خير في ثوب بثوبين من جنس واحد إلى أجل، فإن اختلفت الاجناس فلا بأس بثوبين بثوب إلى أجل وتفسير ذلك: ثوب قوهي (36) بثوبي قوهي لا يجوز إلى أجل، وثوب ديبقي (37) بثوبي ديبقي لا يجوز إلى أجل، وثوب شظوي بثوبي شظوي لا يجوز إلى أجل، وثوب قصب بثوبي قصب لا يجوز إلى أجل وثوب خز بثوبي خز لا يجوز إلى أجل، وكذلك كل جنس لا يجوز ثوباه بثوبه إلى أجل، ويجوز يدا بيد، فإن اختلفت الاجناس فلا بأس بواحد باثنين إلى
---
ص 69..
(36) قال في الصحاح: والقوهي ضرب من الثياب بيض.
(37) دابق: اسم بلد والاغلب عليه الصرف والتذكير لانه في الاصل اسم نهر، ذكره في الصحاح.
---
[ 70 ] (2/70)
أجل، ويشترط طولا وعرضا مفهوما ورفعة مفهومة إلى أجل معلوم، ولا بأس أن يشترى ثوب ديبقي بثوبي مروى يدا بيد وإلى أجل، وكذلك لا بأس أن يشترى ثوب وشى بثوبي خز يدا بيد، ولا إلى أجل لان الجنسين مختلفان، ولا يجوز أن يشترى ثوب وشي بثوبي وشي إلى أجل ولا بأس أن يشترى واحد باثنين يدا بيد، وكذلك كل ما كان من مثل هذا فقسه على ما ذكرت لك ان شاء الله تعالى. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولايجوز بيع اللبن الرائب باللبن المخيض ولا اللبن الحليب بالمخيض، لان في المخيض ماء وإذا بيع ما فيه ماء بما ليس فيه ماء فلم يبيع مثلا بمثل لان اللبن الذي فيه ماء نفسه أقل من اللبن الذي ليس فيه ماء، ولايجوز اللبن باللبن إلا مثلا بمثل. قال: ولو أن رجلا اشترى من رجل جملا فاستحق ذلك الجمل فليس للمشتري أن يسلمه إلى المستحق له إلا بأمر الذي اشتراه منه فإن أسلمه إليه بغير أمره ولا بقضية حاكم فالبائع بالخيار إن شاء أجاز له ذلك وإن شاء لم يجزه وألزمه البيع ولم يكن عليه رد الثمن لانه سلم سلعته بغير أمره ولا قضاء حاكم قضى عليه به. قال: ولو أن رجلا قال لرجل أبيعك ما في بيتي هذا من الثياب صغيرها وكبيرها على ثوبين بدينار، فرضي المشتري كان ذلك البيع فاسدا، وكان للمشتري أن يرجع على البائع إذا رآه ونظر إليه ولم يعجبه لانه باعه شيئا لا يدري ما هو أجيد أم ردئ رخيص أم غال؟ وكذلك لو وقف على مكتل فيه رمان أو أترج فقال أبيعك من هذا الاترح خمسا بدرهم لم يكن ذلك بيعا حتى يميز الخمس ويعزلها ويريه ما يشتري فيبصره المشتري ويشتري منه ما قد رأى وأبصر، وكذلك العمل فيما كان كذلك من البطيخ وغيره وكل ما كان متفاوتا، وكذلك لو اشترى مشتر من بائع شيئا من الفواكه أو غيرها على أنه جيد فكسره فوجد فيه عيبا لم يكن علم به، فإذا كان العيب مما
---
[ 71 ] (2/71)
لا يعلم الا من بعد الكسر فإنه ينظر إلى تلك السلعة فإن كانت تشترى بعيبها بعد الكسر أو كان لها بعد الكسر ثمن لزمت المشتري، ورجع على البائع بفضل ما بين القيمتين قيمتها معيبة به وقيمتها غير معيبة، وإن كان مما لا قيمة له من بعد كسره وبيان عيبه، رده مثل البيض الفاسد وغيره مما يشبهه فإنه يرده ويرجع بقيمته من الثمن على صاحبه. قال: ومن اشترى معيبا وهو يعلمه فلا خيار له بعد شرائه. قال: ولا يجوز للرجل أن يبيع شيئا قد اشتراه مما يكال أو يوزن إذا لم يقبضه ولم يستوفه بكيله، وكذلك لو استوفى كيله ثم أراد بيعه أو توليته فلا ينبغي له أن يبيعه ولا يوليه حتى يوفيه الذي يبيعه من أو يوليه إياه بكيل جديد، وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (مع كل صفقة كيلة) والاقالة والتولية والبيع عندنا في ذلك سواء لابد من اعادة الكيل فيه. قال: فان اشترى مشتر شيئا من ذلك جزافا فله أن يبيعه ويقيل فيه ويوليه جزافا بغير كيل كما اشتراه، وكذلك إن شاء أن يبيع بعضه بكيل وبعضه جزافا فليفعل.
باب القول في الصرف واشتراء الفضة بالفضة والذهب بالذهب، والذهب بالفضة والفضة بالذهب
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لا يجوز صرف بدين والصرف يدا بيد، وتفسير ذلك أن يشتري الرجل بدينار دراهم فيقاطع المصرف على عشرين بدينار فلا تكون كلها مع المصرف ويبقى عليه من العشرين درهم أو درهمان فيقول له عد إلي حتى أهيؤه لك فيأخذها ويترك صاحب الدينار الباقي عنده حتى يرجع بعد وقت فيأخذه فهذا حرام لا يجوز فيجب على من صرف دينارا بدراهم أو دراهم بدنانير أن لا يفترق هو وصاحبه وبينه وبينه طلبة ولا له عليه من ذلك قليل ولا كثير،
---
[ 72 ] (2/72)
قال: فان ابتلى أحد بشئ من ذلك فليحسب ما قبض من الدراهم ثم ويحسب كم ثمنها من قراريط الدينار فيدفعه إلى صاحب الدراهم ويكون شريكا في الدينار بما بقي له من القراريط أو الحبات، فإما قطع من الدينار قطعة واما كان له ذلك عند صاحبه وديعة حتى يعود إليه فيصارفه بما بقي له، أو يقطع منه قطعة بحقه، أي ذلك شاء ان يفعله كان له، فإذا كان ذلك كذلك جاز له تخليف ما بقي له من القراريط عند صاحبه. قال: ولايجوز أن يشتري شيئا من الذهب بالذهب جزافا ولا شيئا من الفضة بالفضة جزافا لان ذلك يتفاضل بزيادة أحدهما على صاحبه ولايجوز الذهب بالذهب ولا الفضة بالفضة إلا مثلا بمثل يدا بيد، وكذلك لا يجوز أن يشتري بعشرة مثاقيل وزنا شيئا من الذهب جزافا غير موزون، وكذلك لا يجوز أن يشتري بعشرين درهما موزونة شيئا من الفضة غير موزون جزافا لان ذلك الذي هو غير موزون ربما زاد أو نقص فيدخله الربا بزيادته ونقصانه ولا بأس أن يشتري الرجل بعشرة مثاقيل ذهبا شيئا من الفضة غير موزون جزافا، وكذلك لو اشترى بألف درهم موزونة شيئا من ذهب غير موزون جزافا جاز ذلك، وكذلك لو اشترى بذهب جزافا لا يعرف وزنه فضة جزافا لا يعرف وزنها جاز ذلك لان الصنفين قد اختلفا. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولا يجوز أن يدخل الفضة في الذهب بالذهب ليزداد فيما بينهما كما قد يفعل كثير من الجهال ولا الحديد مع الفضة بالفضة ليزداد في الفضة على الفضة كما قد يفعل كثير من أهل هذا الدهر لان الله عزوجل لا يخادع وهو يعلم السر وأخفى، وهذا فإنما هو حيل من المحتالين لا يجوز على مثلهم من المربوبين فكيف على رب العالمين وخالق كل المخلوقين قال: ولو اشترى رجل من رجل دراهم بدنانير فلم يكن عنده الدراهم كلها فاستقرض له تمامها فأوفاه جميع حقه قبل أن يفترقا فالصرف تام صحيح، وإن لم يجد له
---
[ 73 ] (2/73)
تمامها انتقض الصرف بينهما، واشترى منه ما عنده من الدراهم بدنانير على صرفها صرفا مبتدا، وأخذ باقي دنانيره، وهذا العمل عندنا الذي لا يجوز غيره، وقال في سيف محلي أو في مصحف محلى بفضة يشترى بدراهم إن ذلك لا يجوز عندنا حتى يعلم كم وزن الحلي من درهم فيشتري الحلي بوزنه سواء سوزاء ثم يشتري السيف بفضلة يتراضيان عليها أو المصحف وكذلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أنه أمر رجلا اشترى قلادة يوم خيبر مرصعة بالذهب فيها خرز مركب بالذهب فأمره أنو يميز بين خرزها وبين الذهب ويقلعه منه حتى يعرف ما فيها فيشتريه بوزنه من الذهب فقال انما اشتريت الحجارة بالفضلة بين الوزنين فقال لا حتى تميز ما بينهما فلم يتركه حتى ميز بينهما). قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ومن اشترى شيئا من ذلك فلا يفترق هو صاحبه وبينه وبينه عمل يدا بيد. قال: ولايجوز أن يشتري قلادة ذهب بعشرة دنانير إلى أجل، وكذلك لا يشتري حلي فضة بوزنه إلى أجل. قال: وإن اشترى سيفا محليا بمائة درهم وكان وزن حليه خمسين درهما فلا بأس بذلك إذا كانت حديدة السيف تسوى خمسين درهما، فان كانت تسوى أقل من خمسين فلا يجوز ذلك، لان الفضلة إنما وقعت في زيادة الحلي اليزدادها صاحبها من أجل صياغتها، وهذا لاجيوز، وإن لم يعلم أن وزن الفضة خمسون درهما بوزن منه لها لم يجز ذلك. قال ولو أن رجلا اشترى دنانير بدراهم لم يجز له أن يشتري بالدنانير دراهم حتى يقبض الدنانير ثم يقلبها في الدراهم، ولا يجوز له قلبها قبل قبضها وكذلك الدراهم أيضا إذا اشتراها بالدنانير لم يجز له قلبها في دراهم أخرى حتى يقبضها. قال: وكذلك لو اشترى رجل من رجل دراهم بدنانير فأعطاه فيها مكحلة ومزيقة فإن استبدلها قبل
---
[ 74 ] (2/74)
أن يفترقا فأبد له إياها قبل أن يفترقا صح صرفهما وتمت مبايعتهما وإن افترقا قبل أن يبدله إياها انتفض من الصرف بقدر ما كان منه في الدراهم من الزيبق والكحل قال: ولو أن رجلا اشترى من رجل دراهم واشترط عليه أن يستبدل مارد عليه منها كان ذلك جائزا له وكان له أن يستبدل مارد عليه منها، فإن اشترى منه دراهم فأعطاه فيها مكحلة، أو كان له عليه دين فاقتضى منه دراهم أو دنانير مكحلة فقبضها المقتضي كان على الذي اشتراها منه أو اقتضاها أن يوفيه ما نقص من كحلها، نقدا جيدا ولا يستحلق عليه في نقصه لنقده شيئا، لانه نقص عنها غشاء لا يجوز له أخذه ولا يسع البائع له بيعه. قال: ولا يجوز شراء تراب معادن الذهب بالذهب ولا تراب معادن الفضة بالفضة، ولايجوز شراء تراب الصاغة الذين يصوغون الفضة والذهب بالفضة ولا بالذهب، لان ذلك يتفاوت ويزيد وينقص وفيه غرر، والذهب فلا يجوز ألا بالذهب مثلا بمثل يدا بيد، والفضة فلا تجوز إلا بالفضة مثلا بمثل يدا بيد، ومن اشترى من ذلك شيئا كان البيع فيه فاسدا لا يجوز. قال: ومن اشترى تراب معدن الذهب بفضة أو تراب معدن الفضة بذهب كان له وللمشتري عند بيان ما يخرج منه الخيار إن شاء أمضى وإن شاء لزم لان هذا بيع غرر فاسد في الاصل، ومن اشترى أو باع غررا كان بيعه فاسدا. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: كانت الدراهم في زمان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كدراهمنا اليوم ولم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا في الجاهلية للعرب ضرب دنانير، ولا دراهم تعرف، وإنما كانوا يتبايعون ويتشارون بالتبر دراهم معروفة وأواقي مفهومة، وكان الرطل الاول الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالمدينة اثنتي عشر أوقية، وكانت كل أوقية أربعين درهما فكان رطلهم أربع مائة درهم وثمانين درهما بهذا
---
[ 75 ] (2/75)
الدرهم الذي في أيدي الناس اليوم فأقر رطلهم على ذلك صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والدليل على ما قلنا به في ذلك قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليس فيما دون خمس أواق من الفضة زكاة ثم قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأجماع الامة عنه ليس فيما دون مائتي درهم زكاة، فعلمنا حين قال ليس فيما دون مائتي درهم زكاة وليس فيما دون خمس أواق زكاة، أن الاوقية كانت إذ ذاك أربعين درهما بهذا الدرهم الذي لا اختلاف عند الامة فيه أن الزكاة تجب في مائتي درهم منه قال ويقال إن أول من ضرب الدراهم في الاسلام عبد الملك بن مروان، وهذا الدرهم الذي تخرج به الزكاة فهو الدرهم الذي تسميه أهل العراق وزن سبعة وإنما يسموه وزن سبعة لانه سبعة أعشار المثقال، والدليل على ذلك أنك إذا زدت على هذا ادراهم ثلاثقة أسباعه صار ذلك مثقالا ولذلك صارت العشرة الدراهم سبعة مثاقيل وقد كانت دنانير قيصر ملك الروم ودراهم الاكاسرة البغلية ترد على العرب بمكة في الجاهلية فلم يكونوا يتبايعون بها، وكانوا يردونها إلى ما يعروفون من التبر على وزن المثقال والدراهم على تجزيتها في الاواقي والارطال وكان رطلهم كرطل المدينة أربع مائة وثمانين درهما ووقيتهم أربعين درهما. [ تم كتاب البيوع ]
---
[ 77 ] (2/77)
كتاب السلم
---
[ 78 ] (2/78)
بسم الله الرحمن الرحيم مبتدأ أبواب القول في السلم قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: السلم الصحيح الجائز أن يسلم الرجل إلى رجل مالا في شئ معروف، بوزن أوكيل معروف، بصفة معروفة، إى أجل معروف محدود مسمى بينهما يدفعه إليه ويسلمه ببلد معروف، فإذا أسلم إليه ذلك المال وقبضه على هذه الشروط فهذا سلم صحيح ولا أعرف (1) بين علماء آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا غيرهم في هذا اختلافا، وقد صح لنا أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخذ سلما من يهودي دنانير في تمر موصوف معروف بجنسه إلى أجل معروف بكيل معروف، وكذلك روي لنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه لم يكن يرى في السلم بأسا، وكذلك كان يقول جدي القاسم بن ابراهيم رحمة الله عليه أن السلم جائز على صحته وكذلك كان يقول جميع علماء آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من ولد الحسن والحسين عليهما السلام وغيرهما (2) لا نعلم في جواز السلم إذا كان صحيحا بين أحد منهم اختلافا.
---
ص 78..
(1) في نسخة: لا أعلم بين علماء الخ..
(2) فر نسخة ك وغيرهم.
---
[ 79 ] (2/79)
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وصحة السلم فهو خمسة أشياء إذا ذكرت وشرطت صح السلم وجاز بين أهل الاسلام، وهو أن يدفع الرجل إلى رجل مالا في كيل أو وزن معروف كذا وكذا رطلا بدنانير أو كذا وكذا مكيالا بدنانير أو دراهم واشترط عليه صنفا معروفا ولونا معروفا ان كان ذلك مما يتفاضل ألوانه إلى أجل معروف يوفيه ذلك ويسلمه إليه ببلد معروف ولا يشترط عليه حايطا معروفا بعينه، ولا أرضا بعينها محدودة بحدودها، إن كان ما أسلم فيه شيئا مما ينبت ويخرج في الشجر من النخل والحنطة والشعير والارز أو غير ذلك مما يكال. وكذلك إن كان المسلم فيه شيئا مما يوزن لم يجز أن يسلم في تمر حائط معروف محدود من عنب أو غير ذلك مما يوزن، وكذلك لا يجوز في قز من تربية انسان بعينه ولا حوك إنسان بعينه إن كان السلم في ثياب أو قز، والقز فهو الابريسم، وانما كره ذلك ولم يجز لانه غرر لانه ربما فسد ثمر ذلك البستان بعينه فيبطل سلم المسلم فيه، وكذلك أبريسم الانسان بعينه وحوكه بعينه ربما يبطل وربما مات الانسان قبل أن يعمل ذلك الشئ الذي أسلم فيه من عمله، فيبطل السلم فلذلك لم يجز أن يسلم في تمر حائط بعينه، ولا في عمل عامل بعينه، فمن أثبت في سلمه الكيل المعلوم والاجل المعلوم والصفة المعلومة المعروفة، ولم يشرط حايط بعينه ولا عمل إنسان بعينه وشرط على المسلم إليه أن يدفع إليه سلمه ببلد معروف، فإذا فعل ذلك فقد صح المسلم بينهما إذا دفع إليه المال قبل أن يفترقا وتقابضا نقدا جيدا. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وكيف يبطل السلم ولايجوز، والمسلم إليه والمسلم فيه سواء، وكلاهما يرجو ويخاف، وليس فيه حظ لاحدهما بين مأمون البطلان بل هما فيه كلاهما سيان وكل واحد منهما يرجو أن يكون قد أخذ من صاحبه غبطة، وأن يكون الرابح
---
[ 80 ] (2/80)
لا الخاسر في بيعه وشرائه وذلك أن السعر ربما زاد ونقص عند وقت ما يقبض المسلم من المسلم إليه سلمه ولا يكون في ذلك ربح معروف مأمون بعينه لواحد دون الآخر، وربما كان المسلم إليه أكثر حظا من المسلم عند تغير السعر وذلك أنه ربما أسلم الرجل إلى الرجل عشرة دنانير في عشرين قفيزا برا أو أرزا أو تمرا ليوديها إليه في وقت الحصاد لشهر معروف، ويوم معروف فإذا كان ذلك كذلك وحل الاجل وتغير السعر، فصار قفيزين ونصفا بدينار، وذلك الطعام بعينه يبتاعه الناس ويشترونه في ذلك الوقت على هذا السعر فيدخل الخسران على المسلم ويدخل الربح على المسلم إليه، وربما كان السعر في ذلك الوقت على مثال ما أسلم هذا المسلم فيه، وربما زاد ونقص فلما وجدنا سبيله كذلك، ولم نجد في السلم شيئا على غير ذلك ولم يكن فيه ربح مأمون الخسران للمسلم لما له فيه، ووجدناه يربح مرة ويخسر مرة، كان ذلك عندنا بيعا حسنا، وكان استواء حاله إذا كان مرة يكون المغتبط به المسلم، ومرة يكون المسلم إليه، أن يكون كبيع الجزاف الذي لا اختلاف عند الامة في جوازه، وبيع الجزاف أن يشتري الرجل من الرجل بيتا مملوءا تمرا أو حنطة أو شعيرا يقف عليه ثم ينظر إليه، ثم يشتريه منه مجازفة بلا كيل ولا وزن، فيتراضيان بينهما فيه على ثمن يقبضه صاحب البيت، ويسلمه إلى صاحبه المشتري له منه، ومثل ذلك أن يأتي الرجل إلى نخل رجل فيشتري منه تمرها رطبا أو زهورا بثمن يتراضيان عليه، فيدفع إليه الثمن ويجوز التمر في رؤوس النخل، فيتمره المشتري ثم يجده تمرا، ثم لعله أن يغبط ويربح، ويكون في كيله فضل على سعر ما يباع من التمر في ذلك الوقت ولعله أن يخسر فيه عند جذاذه وتتميره، ويأتي على أكثر من سعر التمر في ذلك الوقت فيخسر المشتري له ويربح البايع، فليس في جواز هذا البيع والشرا كله واستقامته اختلاف بين أمة محمد
---
[ 81 ] (2/81)
صلى الله عليه وعلى آله وسلم والسلم فهو أعدل وأبين استقامة من هذا لان السلم لا يكون في نخلة بعينها ولا زرع بعينه والشراء فقد يقع في ثمرة بعينها، فإن قال قائل إنما جاز بيع هذه الثمرة بعينها حين بان صلاحها وأمن فسادها، قيل له وكذلك أيضا السلم إنما يؤخذ من المسلم إليه طعام جيد سليم من الفساد على الصفة التي وصفت له والشرط الذي شرط عليه. قال يحيى به الحسين عليه السلام: ومن شبه السلم ببيع التأخير الذي يدخله الزيادة والربح للبايع على كل حال من الاحوال، وفي كل وقت من الاوقات أو شبهه أو توهم أنه كالسلف الذي يجر منفعة، الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كل سلف جر منفعة فهو حرام، فقد غلط في ذلك ووهل في قياسه، لان السلف الذي يجر المنفعة فهو السلف الذي يأمن المسلف فيه الخسران، ويوقن على كل حال بالربح، ولا يمكن أن يكون أبدا بحيلة، ولا بمعنى في سلفه خاسرا، ولا يكون أبدا إلا رابحا على رأس ماله مزدادا عليه لانظاره، مثل أن يسلف رجل رجلا عشرة دنانير، ويشترط عليه اثني عشر دينارا أو أكثر، فتكون هذه الاثني عشر دينارا عليه يوفيه إياها فهذا على كل حال رابح في سلفه لا يخاف خسرانا فهذا الذي لا يجوز، وهو الربى الذي نهي عنه أو أن يشتري الرجل من الرجل طعاما يستنظر (3) بثمنه وينقصه من سعر يومه مثل أن تكون الحنطة على اثني عشر مكوكا بدينار تباع اليوم، فيقول له بعني هذه الحنطة وأنظرني بثمنها على عشرة مكاكي بدينار، أو يقول البايع أبيعك هذه وأنقصك من السعر مكوكين فتصير على عشرة بدينار، أو يقول أبيعك هذا على عشرة بدينار، وهو والمشتري يعلمان أن هذا السعر سعر ناقص عن سعر يومه وأنه انما نقصه ذلك لمكان الانظار، فإذا فعل
---
ص 81..
(3) في نسخة: يستنظر في ثمنه الخ...
---
[ 82 ] (2/82)
ذلك وأنظره بالثمن فهذا هو الربا عندنا وفي قولنا، والبيع الخبيث الذي لا يحل ولا يجوز، وهو السلف الذي يجر المنفعة لان صاحبه وصاحب الدنانير الاولى العشرة التي دفعها وربح فيها دينارين أمن من أن يتغير ربحه برخص سعر ولا غلائه، لانه انما أخذ دنانير والدنانير لا يتغير ما فيها من الربح، وصاحبها مطمئن لا يخشى خسرانا، والآخذ لها منه موقن بالخسارن وغير راج للتخلص، ببسبب ولا معنى، والسلم فليس المسلم بأرجأ للربح والتخلص من المسلم إليه، وكذلك المسلم إليه ليس هو بأرجأ للتخلص والربح من المسلم، لان المسلم دفع دنانير يأخذ بها طعاما مسمى بكيل معروف إلى أجل مؤجل وهو لا يدري كيف يكون سعر ذلك الطعام، في ذلك الوقت الذي يحل أجله فيه ويؤدي طعامه إليه، فهو خائف وجل القلب يخاف ويرجو غلاء في ذلك الوقت فيربح، ويخاف (4) من الطعام رخصا فحينئذ يخسر، وعلى هذا المنهاج صاحبه المسلم إليه وليس حال من رجاه وخشي كحال الآمن الذي لا يخشى، وقياس السلم قياس الشراء (5) جزافا عن تراض من المشتري والبائع، وإذا لم يعرفا كلاهما كيل ذلك الذي يباع ولا وزنه، إن كان مما يكال أو يوزن، فلا اختلاف عند الامة أنما إذا تبايعا جزافا شيئا لم يقف أحدهما على وزنه ولا كيله، إذا كان مما يكال أو يوزن أن تبايعهما صحيح حلال، ربح من ربح وخسر من خسر، إذا كان المشتري قد رأى عينه وأبصره، وقياس السلف الذي يجر المنفعة الحرام الذي لا يجوز عندنا مما ذكرنا وقلنا فهو مثل انسان باع انسانا شيئا جزافا وقد عرف وزنه وكيله فيحتال (6) على صاحبه فيه، ويوهمه أن يعرف ما هو عليه من الكيل
---
ص 82..
(4) في نسخة: ويخاف من الطعام حينئذ رخصا فيخسر.
(5) في نسخة: قياس البيع جزافا.
(6) في نسخة متحيلا على صاحبه فيه.
---
[ 83 ] (2/83)
والوزن فهذا بيع فاسد لا يحل ولا يجوز للبائع أن يبيعه كذلك لانه موقن بالربح عارف بما أخرج فكما أن بين هذين فرقا في التحليل والتحريم كذلك أيضا يجب أن يكون بين السلم الذي ليس أحد المتبايعين فيه بواثق بالربح فيه ولا آمن للخسران، وبين البيع الذي يجر السلف فيه منفعة بينة مأمونة مفهومة معلومة فرق بين، فلعمري لو لم يكن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا علماء أهل بيته أجمعون (7) صلوات الله عليهم ولا غيرهم من المسلمين أجمعوا على أن السلم جائز حلال وأنه ليس كغيره ولا مشابها لما يفسد من البيوع الفاسدة ثم كان العقل يصحح لنا ما قد صحح من الفرق بينهما والتباعد في معانيهما لكان في ذلك كفاية كافية واستغناء لذوي الحجا وحجة شافية فكيف وقد جاء التفريق بين ذلك من الرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يختلف أحد من علماء أهل بيته ولا غيرهم فيه، فكلهم يقول إن السلم جائز إذا صحت صفاته وأقيمت حدوده وشروطه، فان ترك من حدوده وشروطه شئ بطل السلم ولم يجز إلا على ما جعل عليه وركب فيه. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: فمن أسلم في شئ وترك شيئا مما ذكرنا من شروط السلم ثم ذكر قبل أن يفترق هو وصاحبه فليذكرها وليؤكد حدود السلم وشروطه، فإن لم يذكر ما ترك من شروطه حتى افترقا فالسلم بينهما باطل فاسد، وليس له الا رأس ماله الذي دفعه، إلا أن يحب تجديد السلم فيقبض رأس ماله من صاحبه، ثم يدفعه إليه ويشترط شروط السلم كلها صحيحة ثابتة ويكون سلما مبتدأ. قال وأن وجد المسلم إليه فيما اسلم إليه المسلم من النقد دراهم ردية ردها إليه واستبدلها منه وكانا على سلمهما، وقد قال غيرنا إن السلم
---
ص 83..
(7) في نسخة: ولا علماء أهل بيته أجمعين.
---
[ 84 ] (2/84)
بذلك فاسد بينهما، ولسنا نرى أن ذلك يفسد سلمهما. قال: فإذا أسلم الرجل في تمر فليصف صفة جنس ذلك التمر فيقول تمرا برنيا وسطا طيبا قليل الحشف والنقا، وكذلك إن أسلم في صيحاني فقال آخذ منك صيحانيا وسطا طيبا لا حشف فيه، أو أن يقول آخذ صيحانيا على وجهه وكذلك في الحنطة يقول حنطة بيضاء أو حنطة سمراء مسرودة يابسة، وكذلك كل ما أسلم فيه اشترط فيه صفته وجنسه ولم يقل خير ما يكون لان هذا شئ لا يحاط به وإذا اشترط مالا يحاط به بطل السلم، وكل من أسلم في شئ فأعطي دونه لم يلزمه أن يأخذ إلا ما أسلم فيه. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: والسلم يجوز في كل شئ مما يكال أو يوزن أو غير ذلك من العروض التي تحيط بها الصفات وتأتي على النعت ولا تتفاوت تفاوتا فاحشا، فاما الحيوان فلا أرى السلم فيه ولا أجزه لانه يتفاوت في الاجسام تفاوتا كثير، من ذلك أن يسلم الرجل في بعير ثني أو فرس ثني، أو بقرة أو شاة، فيثبت السن والجنس والصفة ولا يقدر أن يثبت القدر لانه رب ثني يكون خيرا من ثنيين ورب ثنيين لا يساويان جذعين في الجسم والفراهة وجودة النفس في البعير والفرس وهذا شئ لا يحاط به، وكذلك القول في العبيد والاماء لانهم يتفاوتون في الاجسام والقدر والحسن (8) والعقل والجزارة (9) فلتفاوت الحيوان لم يجز السلم فيه، وكان عندنا فاسدا مكروها باطلا. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولا يجوز أن يسلم المسلم ما يكال فيما يكال ولا ما يوزن فيما يوزن إلا أن يكون ذهبا، ويجوز له أن يسلم ما يكال فيما يوزن وما يوزن فيما يكال، وان اختلف أجناس
---
ص 84..
(8) في نسخة: والجنس والعقل الخ..
(9) الجزارة بضم الجيم وفتح الزاي ثم ألف فراء ثم هاء: اليدان والرجلان والعنق وهو الرأس، وسميت بذلك لان الجزار يأخذه فهو جزارته، كما يقال العامل يأخذ عمالته، والحزارة بالحاء المهملة والزاي قوة الاعضاء.
---
[ 85 ] (2/85)
ما يكال، ولا يجوز أن يسلم الشعير في الارز والذرة في الباقلاء لان الاصل كله كيل، وكذلك لا يجوز أن يسلم السكر في القباط لان الاصل كله وزن، وانما كرهنا ذلك لان السلم نسأ إلى أجل فلا يجوز أن يشترى بما يكال ما يكال، وان اختلفت أصنافه واحدا بواحد ولا اثنين بواحد إلا يدا بيد فلما لم يجز أن يكون مكوكا شعير بمكوك حنطة إلا يدا بيد، لم يجز نسبيا لانه كيل، وكل كيل لا يجوز أن يسلم بعضه في بعض لان السلم نسأ؟، وكذلك الحجة في الوزن. قال: ولا بأس ان يسلم ما لا يكال ولا يوزن إذا اختلفت اجناسه بعضه ببعض ولا بأس أن يسلم ثياب الوشي في ثياب الخز وثياب الخز في ثياب الوشي، وثياب القوهي في ثياب الديبقي، وثياب الديبقي في ثباب القوهي، وانما أجزنا أن يسلم مالا يوزن ولا يكال بعضه في بعض إذا اختلفت أجناس المسلم، والمسلم فيه، لانه يجوز أن يشترى بالثوب ثوبان من جنس آخر سوى جنسه نسيا، وإنما جاز أن يشترى واحد من جنس باثنين من جنس آخر نسيا، مما لا يكال ولا يوزن، ولم يجز أن يشترى بواحد من جنس مما يكال أو يوزن اثنان من جنس سوى جنس الواحد، مما يكال أيضا أو يوزن نسيا، لان مالا يكال ولا يوزن لا يدخل فيه الاختلاط والالتباس حتى لا يعرف هذا من هذا فجاز الانساء فيه لانه مستدرك بعينه، يستدركه صاحبه من مال غريمه إن أفلس وكان هذا ائما بعينه أو دخل بينهما داخل يفسد مبايعتهما، استدرك صاحب ذلك الثوب ثوبه، وان كان قد خلطه في ثياب فقد يمكن أن يعرف برقعته أو بعلامة تجعل في جانبه، ولم يجز الانساء فيما يكال أو يوزن لانه لو دخل عليهما في مبايعتهما فساد وقد خلطه بمثله مما يكال أو يوزن لم يستدركه بعينه ولم يعرفه وكان مستهلكا يجب له عليه فيه القيمة والقيمة دراهم والدراهم خلاف ما أسلم فيه من شيه وما أسلم فيه من شئ غيره فلهذا المعنى وقع الفرق بينهما.
---
[ 86 ] (2/86)
باب القول فيمن أسلم سلما فاسدا واستهلك المسلم إليه ما أسلم إليه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن أسلم رجل إلى رجل لاجل دراهم أو دنانير سلما فاسدا ثم علما بفساده فأراد المسلم أن يرتد سلمه، فوجد صاحبه قد استهلكه أخذ منه مثل نقده ووزنه، وكذلك إن كان أسلم شيئا مما يكال أو يوزن أخذ مثل كيله ووزنه من صنف الذي أسلم إليه، وإن كان المسلم عرضا من العروض أخذ قيمته ولم يأخذ مثله لان المثل في العروض يتفاوت، ولا يكاد يأتلف ولا يستوي والقيمة فيه أقرب إلى الحق وأوثق، فإن كان المسلم حيوانا، فاستهلك كانت فيه القيمة أيضا، ولم يجز أن يأخذ به مثلا لان المثل من ذلك لا يوجد، ولابد أن يتفاوت في بعض الصفات المحمودات أو المذمومات من جسم أو غيره، فإن اختلفا في القيمة فادعى صاحب السلم أن عرضه كان يسوى شيئا وزعم المسلم إليه أنه يسوي دون ذلك فالبينة على صاحب السلم، لانه يدعي الفضل فإن لم يأت ببينه استحلف له المسلم إليه، وكان القول قوله مع يمينه فإن نكل عن اليمين لزمه ما ادعى عليه صاحبه. قال: ولا يحل للمسلم إليه أن يستهلك السلم، إن علم أن سلمهما كان فاسدا، قال فإن قال رب السلم لا أدري ما كان يسوى عرضي، وقال: المسلم إليه لا ادري ما كان يسوى نعم نعته ووصفت صفته لمن يبصر قيمته ويعرف ثمن مثله، ثم قومه قيمة يجتهد فيها لطلب الحق، ثم يحكم بذلك بينهما، ولا ينظر إلى قيمة ما أسلم فيه كائنا ما كان، لان القيمة انما تكون قيمة ما دفع صاحب السلم إلى المسلم إليه لانه يجب على المسلم إليه رد ذلك الذي دفع إليه، ويجب على صاحبه أخذه من يديه فإذا كان ذلك قد استهلك وجب على مستهلكه رد قيمته دون قيمة
---
[ 87 ] (2/87)
غيره لان غيره لم يملكه صاحب السلم لفساد سلمه، ولو ملكه أيضا بصحة من السلم ثم لم يقدر المسلم إليه عليه لعلة مانعة، أو لسبب لم يكن للمسلم إلا ما أسلم فيه، أو رأس ماله الذي دفع إليه أو قيمة ما دفع إن كان عرضا دون قيمة ذلك الذي أسلم فيه، لانه لو أخذ قيمة ما أسلم فيه كان ذلك فاسدا بزيادة قيمة ذلك، أو نقاصانها عما دفع إليه، وإذا وقعت الزيادة في مثل ذلك حرم، لانه ربما أسلم عشرة دنانير في عشرة أقفزة حنطة فيأتي الاجل فيعوق المسلم إليه عائق عن دفع ما أسلم إليه فيه، ولا يطبق ذلك مع ذلك العايق، فيقول رب السلم رد إلى سلمي فيجب عليه أن يرد إليه عشرة دنانير مثل دنانيره، ولا يدفع إليه قيمة تلك العشرة أقفزة في ذلك الوقت لان قيمتها في ذلك الوقت إن كانت تزيد على العشرة دنانير فلا تحل له وقد ارتجع الدنانير فلا يحل له أن يأخذ معها الزيادة لانه لاجيوز له أن يسلف عشرة دنانير نقدا ويأخذ أحد عشر أو اثني عشر نقدا لان هذا لابي، لان الذهب بالذهب مثلا بمثل يدا بيد والفضة بالفضة مثلا بمثل يدا بيد، وكذلك لو كانت قيمة ذلك الشئ في ذلك الوقت ثمانية دنانير، لم يجز له أن يرد إليه ثمانية دنانير، وقد أخذ منه عشرة فلذلك قلنا انه لا ينظر إلى قيمة ذلك الشئ الذي أسلم فيه، وأنه ليس للمسلم الا ما أسلم فيه بعينه أو ارتجاع رأس ماله، وحال العروض إذا اسلمت في شئ كحال النقد في هذا الموضع، وهذا المعنى ليس له الا هي ان كانت قائمة بأعيانها أو قيمتها يوم دفعت إلى المسلم إليه. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولا بأس أن يسلم الرجل في الصوف والقطن والكتان والعشر والوبر بصفة معروفة بوزن معروف إلى أجل معروف ولا يشرط صوف ضان بأعيانها، ولا شعر غنم بأعيانها ولا وبر ابل بأعيانها، ولا كتان أرض بعينها ولا كرسف مزرعة بعينها، فإن اشترط في ذلك كله شيئا من شئ بعينه بطل السلم فيه وارتد سلمه.
---
[ 88 ] (2/88)
باب القول في السلم فيما يتفاوت قدره في ذاته ومقداره في نفسه مثل الرمان والاترج والسفرجل والناهمروذ والكمثرى والبطيخ والقثاء والموز والبيض بيض النعام وبيعض الدجاج والرانج وما أشبه ذلك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أحسن ما أرى في مثل هذا لمن أراد أن يسلم في شئ منه أن يجرب هو والمسلم إليه من ذلك شيئا بالميزان حتى يستدلا على مقدار ما يتبايعان منه، فإذا جربا ذلك بالميزان وفهماه ووقفا على ما يريدان التبايع فيه منه، أسلم المسلم إلى صاحبه من بعد التجربة ما أراد أن يسلمه فيما أراد من ذلك بوزن معروف إلى أجل معروف وبصفة معروفة وجنس معروف، ولا يسلم في فاكهة مزرعة واحدة محدودة معروفة ولا في بيض دجاج معروف، فإذا اسلم في وزن معروف من بعد تجربتهما جميعا لوزن ذلك الصنف الذي تبايعا به، فالسلم صحيح، وهذا أحسن ما أرى وأقول به في السلم فيما يتفاوت أن يرد إلى الوزن من بعد التجربة لما يجري من تجربة المسلم والمسلم إليه، ولا أرى ان سلم فيما كان كذلك عددا لان موزة تقوم مقام موزتين، وأترجة تقوم مقام أترجتين، ورمانة تقوم مقام رمانتين، وبطيخة تقوم مقام بطيختين، ومن أسلم فيه عددا كان قد باع واشترى غررا (10)، ولا يجوز بيع الغرر بين المسلمين، وإذا رد ذلك كله إلى الوزن من بعد التجربة من المتبايعين له لم يدخله غرر ولا فساد وثبت فيه العدل والحق والسداد. قال: فاما ما يوزن أو يكال من الفواكه مثل الرطب والعنب والتفاح والا جاص والتين واللوز، والمشمش فلا بأس بالسلم فيه كيلا أو
---
ص 88..
(10) في نسخة: وبيع الغرر لا يجوز عند المسلمين.
---
[ 89 ] (2/89)
وزنا ولا سلم في ذلك الا قبل ظهورة في شجرة أو قبل بلوغه وقت بيعه، والتقدم في ذلك أحب إلي، فاما الحطب والقصب فلا يجوز السلم فيه احمالا ولا حزما معدودة لان ذلك يتفاوت، فإذا أراد مسلم أن يسلم في شئ من ذلك، أو ما أشبهه، وخرج في المخرج مخرجه فليسلم فيه وزنا معروفا في صفة معروفة إلى أجل معروف، ولا يسلم في حطب شجر معدود ولا قصب أجمة معروفة محدودة.
باب القول في السلم في اللحم والرؤوس والشواء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا أرى السلم يجوز في شئ من ذلك الا أن يسلم المسلم في لحم منقي، فإن أعطاه البائع لحما أسمن مما ذكر له فذلك فضل من المسلم إليه، وان اعطاه البائع لحما فيه النقى كان حقه، وان اعطاه دون ذلك فله أن يرده عليه ولا يأخذ الا ما شرط عليه، وكذلك يكون شرطه في الشواء يقول لحما مشويا من شاة منقية، وإنما أجزناه لمن شرط لحما منقيا لان النقاء حد معروف ليس دونه الا الهزيل، والهزيل فلا يعبأ به ولم يجز السلم في اللحم مرسلا لانه إذا أرسله فقال في لحم ولم يصف اللحم فقد نقص بترك الصفة بعض شروط السلم لانه يحتاج إلى أن يقول في لحم غنم من صفته كذا وكذا كما يقول إذا أسلم في تمر برني من صفته كذا وكذا أو في حنطة من صفتها كذا وكذا، وقال في ثوب خز من صفته كذا وكذا فيأتي بصفة ما أسلم فيه بعينه ومتى لم يصفه بصفة تبينة من غيره مما هو دونه أو فوقه نقصت شروط السلم، وكان السلم ينقصان شروطه فاسدا، ولا يجوز أن يوصف صفة الا صفة تدرك بحد محدود ومعنى ثابت موجود فلذلك كرهنا
---
[ 90 ] (2/90)
السلم في اللحم الا أن يوصف بالنقاء فقط، لانه لا يخلو من لم يسلم في المنقي من اللحم ويشترطه من أن يسلم في لحم مرسل غير موصوف فينقص (11) شروط السلم فيكون فاسدا. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولا يجوز عندي أن يسلم في شئ من اليحوان ولا بأس أن يسلم الحيوان في غيره من الاشياء التي يستدرك تفاوتها من الكيل والوزن فيسلم جملا أو فرسا أو عبدا أو غير ذلك من الحيوان في طعام أو ثباب أو غير ذلك مما أراد السلم فيه.
(حجة في صحة السلم عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يهوديا أتاه فقال له يا محمد إن شئت أسلمت اليك وزنا معلوما في كيل معلوم إلى أجل معلوم في تمر معلوم من حائط معلوم فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا يا يهودي ولكن إن شئت فأسلم وزنا معلوما إلى أجل معلوم في تمر معلوم وكيل معلوم، ولا أسمي لك حائطا، فقال اليهودي نعم فأسلم إليه، فلما كان آخر الاجل جاء اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتقاضاه فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يا يهودي إن لنا بقية يومنا هذا، فقال: إنكم معشر بني عبد المطلب قوم مطل، فأغلظ له عمر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إنطلق معه إلى موضع كذا وكذا فأوفه حقه، وزده كذا وكذا للذي قلت له قال: ومن أراد أن يسلم في لبن فليسلم في لبن معروف بجنسه منسوب إلى ما يحلب منه، وإن أسلم في لبن إبل ذكر ذلك ووصفه فقال
---
ص 90..
(11) في نسخة: فتنقص شروط السلم.
---
[ 91 ] (2/91)
لبن إبل حليبا أو لبنا قارصا بكيل معروف إلى أجل معروف يدفعه إليه ببلد معروف كل يوم كذا وكذا، إن كان سلمه فيه لايام متتابعات، وإن كان أسلم فيه جملة شرط كيله وصفته وضرب له أجله، ولا يسلم في لبن نوق معروفة فيسميها بأعيانها ولكن يسلم إليه في لبن إبل موصوف، ولا يذكر إبلا بعينها يأتيه به صاحبه المسلم إليه فيه من حيث شاء ويسقيه اياه من حيث يتهيأ من إبله أو إبل غيره، وكذلك إن أسلم في لبن بقر وجب عليه أن يفعل فيه كما فعل في الابل، وكذلك إن أسلم في لبن غنم فليصف اللبن على أي حالة يريده، مخيضا أم رائبا أم حليبا، ويثبت شروط السلم كلها عندما يسلم إلى صاحبه قبل أن يفترقا، فإن ترك شيئا من شروط السلم أو صفتة م صفات اللبن حتى يفترقا فالسلم فاسد بينهما، وإن ذكرا ما نسيا من ذلك قبل افتراقهما فليذكراه وسلمهما تام، وكذلك يجب على من أسلم في زيت أو خل أو سمن أن يصف الزيت فيقول زيتا سوريا أو زيتا فلسطينيا، أو زيتا مغربيا، أو زيتا شرقيا، مغسولا أو غير مغسول وكذلك يقول في الخل خل حمر أو خل تمر حاذقا جيدا و يثبتان له صفة يعرفانها ويتفقان عليها، وكذلك في السمن يصفان له صفة يعرفانها سمن بقر أو سمن غنم نضيجا جيدا وسمون الاغنام كلها ضأنها ومعزها واحد أي ذلك أدى السلم إليه إلى السلم أجزاه ذلك الا أن يشترط عليه سمن معز، أو سمن ضان، فيكون له ما اشترط، وإن لم يبينا في وقت سلمهما أي سمون الغنم لا يفسد ذلك سلمهما لان الضان والمعز كلها غنم، وأحب الينا أن يبين أي الاغنام يسلم في سمنه، وكذلك القول عندنا في اللبن وان اسلم إليه في شئ بعينه، ثم اصطلحا على غيره عند بلوغ الاجل لم يجز ذلك لهما ولم يكن بد أن يأتيا بما افترقا عليه من سلمهما، ولا تجيز لمن أسلم شيئا في شئ أن يأخذ من جنس ذلك الشئ ما هو دون ما وصف منه، ويرتجع معه نقدا،
---
[ 92 ] (2/92)
وإن قل، فإما (12) ان يسلم في صفة من جنس مثل التمر يسلم فر صفة منه فيعطيه المسلم إليه تمرا أردا من صفته فهو في ذلك بالخيار ان شاء أخذه، وان شاء لم يأخذ الا صفته.
باب القول فيما لا يجوز إليه السلم من الاوقات والايام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز أن يسلم رجل إلى رجل إلى قدوم غائب، ولا إلى خروج حاضر، ولا إلى برء مريض، ولا إلى مشئ صغير أو كلامه ولا إلى احتلام صبي وبلوغه، ولا إلى موت حي، لان هذا كله أوقات متفاوتة لا يعرف إبانها ولا يوقف على يومها، وكل سلم لا يوقف على وقته بعينه ويعرف بيوم من الايام أو شهر من الشهور أو سنة من السنين فهو باطل لا يجوز، وكذا لو أسلم مسلم إلى سنن معروفة لوجب عليه أن يسمي شهرا منها يقتضي فيه سلمه، وأحب الينا ان يسمي في ذلك الشهر يوما معروفا يوم عاشر أو يوم خمسة عشر أو يوم عشرين أو يوما مكعروفا، ولا يجوز أن يسلم إلى مجاز الحاج ولا إلى مجاز أولهم، ولا إلى مجاز آخرهم وكذلك، لا يجوز أن يسلم إلى رجوعهم ولا إلى خروجهم، لان هذا وقت لا يوقف عليه ربما تأخر وربما تعجل فإن أسلم إلى وقت من هذه الاوقات التي ذكرنا، أو إلى غيرهما مما لا يوقف على يومه بعينه فسلمه فاسد باطل مردود على صاحبه، فإن أسلم إلى وقت معروف، ويوم مفهوم فسلمه جائز صحيح ثابت.
---
ص 92..
(12) في نسخة: فأما أن أسلم في صفة.
---
[ 93 ] (2/93)
باب القول فيما يجوز السلم إليه من الاوقات والايام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أراد المسلم أن يسلم فليسلم إلى أجل مفهوم ان اراد أن يسلم إلى سنة من السنين قال يعطيني سلمي هذا في شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا، فإذا فعل ذلك فسلمه واجب في ذلك الشهر، ويستحب له أن يقول قد أسلمت اليك كذا وكذا في كذا وكذا، إلى يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا، من سنة كذا وكذا، فهو أوثق السلم وأحسنه لمن أسلم إلى سنة معروفة من السنين، ومن أسلم إلى شهر من السنة، قال إلى يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا يحتاط في ذل لمحل المسلم إليه، ولا يجوز له إن أسلم في تمر أن يقول إلى الجذاذ، وان أسلم في زرع أن يقول إلى الحصاد، لان هذه الاوقات قد تقدم أو تتأخر، ولها أول ووسط وآخر وكل ذلك متفاوت، ولكن إذا أراد المسلم أن يسلم في ذلك سلما صحيحا فليتحر هو وصاحبه وقتا فيه فسحة للمسلم إليه يعلمان أن ذلك الوقت وقت يمكن المسلم إليه اداء سلمه فيه، فيضر باله أجلا يحتاطان لانفسهما، فيه فيقول المسلم إلى يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا لشهر يعلم أن يستوي يبس التمر فيه، أو يبس الزرع، ولا بأس أن يسلم المسلم إلى الفطر أو إلى الاضحى، أو إلى يوم عرفة أو إلى يوم التروية أو إلى يوم النفر الكبير، أو إلى يوم النفر الصغير، أو إلى رأس الشهر، أو إلى رأس السنة ومن أسلم إلى رأس الهلال وجب سلمه في تلك الليلة إلى طلوع الشمس، ومن أسلم إلى رأس السنة وجب سلمه من رؤية هلال المحرم، إلى طلوع الشمس من أول يوم من المحرم، ولا يضيق عليهما أن يتقابضا السلم في نهار أول يوم من المحرم، وكذلك في أول يوم من الشهر الداخل لمن
---
[ 94 ] (2/94)
أسلم إلى رأس الشهر، فاما يوم عرفة ويوم التروبة، آ ويوم النفر، ويوم الفطر، ويوم الاضحى فان اليوم كله من أجلهما، وسواء تقابضا في أوله أو في آخره، إلا أن يكونا جعلا أجلهما في أول وقت من ذلك اليوم، أو في وسطه، أو في آخره، فيكون لهما ما وقتا من ذلك الوقت أجلا مؤقتا. وإن أسلم في لحم موصوف بالسمن، فلا يقل لحما سمينا فيتفاوت السمن أو تختلف الصفة، ولا يكون في السلم صفة متفاوتة، وإذا تفاوتت صفة السلم بطل، وانما تفاوتت الصفة في السمن، لان لا يوقف من السمن على حد بعينه، لان كل سمين دونه من السمن ما هو أقل سمنا منه، وفوقه في السمن ما هو أسمن منه، فلذلك قلنا: إن السمن لا يؤتى منه على صفة محدودة، ألا ترى أن صاحب اللحم لو دفع إلى صاحب السلم لحما قليل السمن وهو مما يدعى سمينا فقال صاحب السلم أنا لم أسلم في هذا وانما أسلمت في لحم أسمن من هذا لم يكن لسلمهما ولا لصفتهما حد يحكم به عليهما، وكذلك لو قال المسلم إليه لصاحب السلم، وعنده لحمان لحم سمين فاخر ولحم سمين متوسط أنا لا أعطيك الا من هذا المتوسط، وقال الآخر أنا لا آخذ الا من هذا اللحم الفاضل فقال المسلم إليه أنت انما أسلمت إلي في لحم سمين وهذا لحم سمين فخذ منه فأبى المسلم وترافعا إلى الحاكم فقصا عليه قصتهما لم يكن لسلمهما حد شرطا يحملهما عليه الحاكم، فلذلك أبطلنا السلم في اللحم إلا فيما له حد يعرف به، إن زيد عليه أو نقص عرفت زيادته ونقصانه مثل ما ذكرنا من اشتراط النقاء والشواء كذلك، والقول فيه عندنا فعلى ذلك، وكذلك الرؤوس فلا يجوز السلم فيها الا أن يشترط رؤوسا منقية، ويكون السلم فيها بالميزان من بعد التعيين لها، كما يفعل في الفواكه المتفاوتة لانها تتفاوت تفاوتا كبيرا في الصغر والكبر، ويزيد وينقص لحمها فلتفاوتها وشدة اختلافها كرهنا السلم فيها
---
[ 95 ] (2/95)
إلا على وزن معروف لان الوزن لا يدخله التفاوت ولا الاختلاف، فإن قال قائل ذإا كبر الرأس ثقل عظمه، قيل له وكذلك أيضا إذا كبر كثر لحمه كما أنمه إذا صغر عظمه قل بصغره لحمه، فصاحبه يستدرك مع كبر عظمه كثرة لحمه لان اللحم على قدر العظم إذا كبر العظم كثر اللحم وإذا صغر العظم قل اللحم، والوزن يخرج ذلك على أعدل المخارج، ولا يقع فيه اختلاف ولا تفاوت، فيوزن كما يوزن اللحم المشوي.
باب القول في السلم في الثياب والاكسية والفرش وغير ذلك مما كان من هذا الصنف
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس في السلم في ذلك كله، وينبغي للمسلم في ذلك أن يصف ما أسلم فيه من ذلك بجنسه وصفته ولونه ورقعته وذرع طوله وعرضه إلى أجل معلوم مسلما إلى صاحبه في بلد مفهوم، وكذلك أن اسلم في ثوب قطن، قال اشتري منك ثوبا بغداديا أوكوفيلا، أو مرويا، أو بلخيا، أو طبريا أو قوهيا، أو غير ذلك من أصناف ثياب القطن، رفعته كذا وكذا، ويصف دقة خيطه وغلظه وطول ذرعه كذا وكذا وعرضه خكذا وكذا، وكذلك إن أسلم في ثياب كتان فذكر ثوبا شظويا أو ثوبا دبيقيا، أو ثوبا قصبيا، أو ثوبا معافريا، أو أي أصناف الكتان كان فليصفه بصفته، وليذكره بجنسه، وليوقف صاحبه على طوله وعرضه، وكذلك في الاكسية يصف أجناسها وألوانها وطولها وعرضها، وكذلك في الفرش يصف جنسه ورقمه ورقاعه، وألوانه وطول كل قطعة منه وعرضها طبريا كان أو أرمينيا، أو ميسانيا أو سوسيا أو سنجرديا أو برنويا أو غير ذلك من الفرش وكذلك ان أسلم في ثياب خز فليصف الخز وليصف ما يريد منه، وملا أسلم فيه بصفة يفهمها هو وصاحبه ويصف طوله وعرضه ورقمه، وكذلك إن أسلم في ثياب وشي ء
---
[ 96 ] (2/96)
فليصفها بصافت يفهمها هو وصاحبه ويقفان على حدودها ويحيطان بها ثم ليصف طول كل ثوب منها وعرضه ورقعته ونقشه بصفات مفهومات وعلامات محدودات معلومات ويصف جنسها فيقول من وشي الكوفة أو من وشي صنعاء أو خز الكوفة إن كان خزا، أو خز السوس ولا يشرط من وشي ذلك البلد عمل عامل بعينه ولا عاملين بأعيانهما ولا بأس بأسمائهم، وكذلك في الخز لا يشترط عمل عامل بعنيه ولا عاملين باعيانهما ولا بأس بأسمائهم، وله أن يذكر البلد بعينه إذا لم يذكر عمل عامل بعينه من عماله باسمه وكذلك يجوز له في كل ما أسلم فيه من الطعام أو غيره فله ان يشرط تمر بلد بعينه، ولا يشترط تمر حائط من حوائط ذلك البلد بعينه، وله أن يسلم في تمر صيحاني مدني وفي تمر برني فرعي ولا يخصص من هذه البلاد حائطا فيسلم في تمره خصوصية دون غيره من حوائط ذلك البلد.
باب القول فيمن أسلم سلما في شئ إلى أجل ثم سأله المسلم إليه أن يأخذ بعض سلمه طعاما ويرتد باقيه نقدا.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا أسلم إلى رجل خمسين دينارا في مائة قفيز طعاما سلما صحيحا، فلما أن حل الاجل قال له المسلم إليه خذ مني نصف سلمك خمسين قفيزا، وارتجع مني خمسة وعشرين دينارا، فأجابه صاحب السلم إلى ذلك كان ذلك جائزا لهما في قولنا، لانه قد يجوز له أن يهب له بعض ما عليه من سلمه، وما جاز لصاحبه أن يهبه جاز له أن يقيله، وقد كره ذلك غيرنا ولسنا نكرهه بل نراه حسنا جايزا.
---
[ 97 ] (2/97)
باب القول فيمن أسلم سلما صحيحا إلى أجل فقال له المسلم إليه أو السلم عجلني أو تعجل مني أو انقضني أو أخرني وأزيدك أو قال له المسلم أؤ خرك وتزيدني
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أسلم رجل إلى رجل سلما صحيحا إلى أجل معروف فقال المسلم للمسلم إليه عجلني مالي قلبك، على صفتي التي وصفت لك وأضح عنك من مالي قبلك شيئا مسمى، فأجابه المسلم إليه إلى ما سأله فعجله حقه على صفته التي وصفت له ونقصه شيئا مما كان عليه له كان ذلك جائزا لهما لا نرى بذلك بأسا، وكذلك لو قال المسلم إليه للمسلم أنقصني من مالك قبلي وأجلك حقك الذي لك على الصفة التي وصفت لك فأجابه إلى ذلك المسلم فوضع عنه وقبض حقه فلا بأس بذلك لهما إذا أعطاه ذلك السلم على الصفة التي وصفها له طعاما عاميا أو حصادا، أي الصنفين كان وقع عليهما السلام فلا يجوز أن يعطيه من غيرهما، فإن أعطاه منها ووضع عنه من سلمه وعجله حقه قبل أجله فلا بأس بذلك لان الربى انما هو في قول الغريم أخرني وأزيدك، وليس الربى في قوله أنقصني وأعجلك. كذلك بلغنا عن علي بن الحسين عليهما السلام أنه كان يقول: الربا في النسأ، وكان يقول: ليس الربا عجلني وأنقصك، وانما الربى أخرني وأزيدك. وقال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولو قال المسلم إليه للمسلم عند حلول الاجل أخرني سلمك وأزيدك فيه لم يجز ذلك لهما وكان حراما عليهما، وكذلك لو قال المسلم للمسلم إليه عند حلول الاجل أوخرك من بعد الاجل وتزيدني كان ذلك أيضا حراما لا يجوز لهما ولا يسعهما في دينهما لان هذا الربى عين الربى.
---
[ 98 ] (2/98)
باب القول في طرح السلم والمسلم إليه كل واحد منهما عن صاحبه بعض ماله قبله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا أسلم إلى رجل عشرين دينارا في مائة فرق تمرا أو حنطة سلما صحيحا ثم طرح المسلم إليه عن صاحب السلم من العشرين دينارا شيئا قبل أن يقبضها أو بعد أن قبضها كان ذلك جائزا لا بأس به، وكذلك لو طرح رب السلم عن المسلم إليه من المائه فرق التي له قبله شيئا بعد أن قبضها منه أو قبل أن يقبضها كان ذلك جائزا لهما غى فاسد عليهما، لانه بر من أحدهما لصاحبه وإحسان إليه ومسامحة فر البيع والشراء، والقضاء والاقتضاء وقد أمر الله عزوجل بالاحسان والفضل فقال: * (وأحسن كما أحسن الله إليك) * (13) وقال: * (ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير) * (14) وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إن الله سبحانه يحب العبد سهل البيع سهل الشراء سهل القضاء سهل الاتقضاء. وقد قال غيرنا إن ذلك لا يجوز لهما من بعد أن يتقابضا، وهو جايز لهما قبل أن يتقابضلا، وليس بين ذلك عندنا فرق وهو واحد عندنا في المعنى بل نحن نرى أنه من بعد التقابض أجوز، وأسوغ للطارح والمطروح عنه، لانه حينئذ قد صار في ملكه وحازه وجاز له بيعه وهبته ممن شاء ولمن شاء، ولا بأس بذلك عندنا إن لم يكن ذلك منهما على معنى يدخل عليهما به الربى من التدليس والتحيل في ذلك.
---
ص 98..
(13) القصص 77.
(14) البقرة 235.
---
[ 99 ] (2/99)
باب (15) القول في رجل أسلم إلى رجل صنفين في صنف واحد قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يسلم الرجل دنانير وثيابا في كيل معروف من طعام، ولا بأس أن يسلم إبلا وبقرا وغنما ورقيقا في كيل معروف من طعام معروف إلى أجل معروف سلما صحيحا، ولا بأس أن يسلم الرجل الحنطة والشعير في الثياب، إذا أسلم من ذلك كيلا معروفا في جنس معروف من الثياب، ورقعة معروفة وذرع معلوم وعرض مفهوم. قال: ولا بأس أن يسلم الرجل فرسا في كيل من طعام معروف أو صنف من ثياب معلوم أو وزن مما يوزن من زيت أو سمن أو سكر أو قند مفهوم. قال: ولا بأس أن يسلم القند والسكر في الحنطة والشعير، ولا بأس أن يسلم اللوز في السكر ولا يسلم اللوز في البر ولا الارز ولا في شئ مما يكال، لان أصل اللوز الكيل، ولا يسلم شئ مما يكال فيما يكال لما قد احتججنا به أولا في ذلك، وكذلك لا يسلم العنب في القند ولا في السكر ولا يسلمان فيه لان أصل ذلك كله الوزن.
باب القول في من أسلم إلى رجل دينا له عليه، أو وديعة له عنده
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا كان له على رجل دين عشرون دينارا، وأراد أن يسلمها إليه في طعام لم يجز ذلك لهما لان هذا من الكالي بالكالي، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك وهو الدين بالدين. قال: ولا أجيز لمن كانت له
---
ص 99..
(15) في نسخة: باب القول في الرجل يسلم صنفين في صنف واحد.
---
[ 100 ] (2/100)
عشرون دينارا عند انسان وديعة أن يسلمها إليه في طعام قبل أن يقبضها منه، وانما كرهنا ذلك لان صاحب الوديعة لو جحدها لم يكن لها ضامنا وما لم يضمن من الودايع لا يجوز سلمه حتى يقبض، فإذا قبضها صاحبها وصارت إليه جاز له أن يسلمها وقد قال غيرنا إن اسلامه إياها قبل قبضها منه جايز له، ولسنا نرى ذلك ولا نقول به لما قد ذكرنا فيه من الحجة. قال وكذلك لو أن لرجل على رجل عشرة دنانير ودفع إليه عشرة أخرى وزنا وقال له هذه العشرة مع تلك العشرة التي لي عليك سلم في طعام صح له من سلمه نصفه بحصة العشرة التي نقده إياها وبطل منه بحصته من الدين، وكذلك لو كانت له عنده وديعة عشرون دينارا ونقده عشرين أخرى، وقال هذه العشرون مع العشرين التي عندك سلم في طعام لرأيت أنه يصح له من السلم بالعشرين التي نقدها ويبطل من لمه ما كان بحصة العشرين من الوديعة لما قد احتججنا به فيه أولا.
باب القول فيمن أشرك رجلا في سلم قد أوقف صاحبه على سعره وقاطعه على مبلغه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا أسلم إلى رجل عشرين دينارا في أربعين قفيزا فأتاه رجل فقال له أشركني في سلمك الذي أسلمت إلى فلان واتزن مني نصف ما أسلمت إليه فأجابه إلى ذلك وقال قد أشركتك فيه كان ذلك باطلا فاسدا لا يجوز له لانه أشركه في شئ لم يجزه، ولم يصر إليه ولم يقبضه، والشركة فانما تكون فيما قد حيز من البيوع وعوين فاما فيما لم يجز فانما المشرك لغيره فيه بايع، ولا يجوز بيع ما لم يحز ويقبض وإذا أسلم رجل إلى رجل ثم اشرك في السلم غيره كان هو مسلما إلى الذي أسلم إليه وكان بايعا من هذا الذي زعم أنه مشركه، ولايجوز أن يبيع ما لم يقبضه ويستوفه وكذلك لو
---
[ 101 ] (2/101)
كان المسلم قاول المسلم إليه في ذلك السلم من الطعام وقاطعه عليه ولم يدفع إليه النقد بعد، ثم قال له يا هذا أشركني فأشركه كان ذلك أيضا باطلا، والامر فيه واحد نقد أو لم ينقد، إذا قاطعه عليه وأوقفه على سعر معروف، وكذلك لو قال رجل للمسلم إليه أشركني فيما أسلم اليك فيه فلان، واتزن مني نصف ما وزن لك نقدا أنقدك اياه الساعة، وأردد عليه نصف ما نقده فقال قد اشركتك كان ذلك باطلا أيضا، لانه أشركه في بيع ما قد باعه غيره، وما باعه فالمشتري أولى به منه قال وأن قبض رب السلم سلمه واستوفاه من صاحبه، ثم قال له رجل أشركني فيما أسلمت من سلمك فأشركه من بعد ما قبضه جاز ذلك، وعليه نصف ما أسلمه المسلم في ذلك الطعام وكذلك لو قال رجل للمسلم إليه أدخلني في سلمك وخذ مني نصف ما يلزمك من الطعام واعطني نصف ما أخذت من اسلم، فأجابه إلى ذلك كان ذلك جائزا بينهما ولهما.
باب القول في المسلم والمسلم إليه إذا اختلفا في القول والدعوى
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا اختلف المسلم والمسلم إليه فقال المسلم إليه أسلمت الي في تمر، وقال المسلم أسلمت إليك في حنطة أو قال أحدهما أسلمت اليك في عشرة اقفزة وقال الآخر أسلمت الي في خمسة أقفزة، أو اختلفا في الموضع الذي يقبض المسلم فيه استحلفا، فإن حلف كل واحد منهما على دعوه بطل السلم بينهما، وكذلك إلا لم يكن للمعدي بينة وهو رب السلم، فإن كانت له بينة على دعواه قضي له بها، وإن هما حلفا أو أقاما كلاهما بينة بما حلفا عليه كان القول قول المدعي وهو صاحب السلم مع بينته لان المدعي أولى بالبينة لان البينة على المدعي، فإذا أقامها قضي له بها.
---
[ 102 ] (2/102)
قال: فإن قال رب السلم أسلمت اليك سلما فاسدا على غير شريطة ولا أجل، وقال المسلم إليه أسلمت الي سلما صحيحا إلى أجل معلوم وصفة معلومة، فالقول قول المسلم إليه مع بينته فإن لم تكن له بينه، وأتي صاحب السلم ببينه على ما يدعي كان القول قوله مع بينته، وأن أتيا كلاهما ببينة كانت البينة بينة المدعي المثبت للسلم المصحح له، وان لم يكن لهما بينة فالقول قول من حلف منهما، فان حلفا كلاهما كان القول قول المثبت للسلم وان حلف أحدهما ونكل الآخر قضي للحالف على الناكل، وإن نكلا كلاهما بطل السلم بينهما، وارتجع المسلم سلمه من المسلم إليه.
باب القول في الكفيل وأخذ الرهن في السلم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يأخذ المسلم من المسلم إليه كفيلا، أو رهنا فيما يسلمه إليه حتى يؤديه إليه على شروطه وصفته وأجله ان لم يشهد عليه بذلك ولم يكتب فإن كتب عليه وأشهد بذلك فلا يأخذ منه به كفيلا ولا رهنا، وما السلم الصحيح عندي إلا كالسلف الصحيح المؤتمن عليه صاحبه وقد أمر الله عزوجل في ذلك بأخذ الرهان المقبوضة ان لم يثق ولم يوجد الكاتب ولا الشهود لان الكتاب بلا شهود لا ينفع والشهود بلا كتاب لا ينفع، فلا يكون الكتاب إلا بالشهود، ولا يكون الشهود إلا بالكتاب، وذلك قول الله عزوجل: * (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أؤتمن أمانته وليتق الله ربه) * (16).
---
ص 102..
(16) البقرة 283.
---
[ 103 ] (2/103)
باب القول فيمن استسلف شيئا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من استسلف دنانير أو دراهم أو طعاما أو غير ذلك مما يكال أو يوزن فعليه أن يرد مثلما أخذ سواء سواء الا أن يكون وقع بينهما في ذلك سهولة فيما بين أعيان النقود، وأجناس الطعام، ومن استقرض شيئا ورد أكثر منه فلا بأس بذلك ما لم يكن وقع في ذلك شرط، ولم يكن المسلف أسلف ما أسلف لطلب الزيادة وقد استسلف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تمرا ثم رد أكثر منه، ولا بأس بذلك على طريق التفضل إذا لم يكن بينهما في ذلك دلسة ولا سبب ولا معنى، فاما استسلاف الحيوان فإنا نكرهه لتفاضله، لانهما لو اختلفا عند القضاء لم يحط بالحكم عليهما فيه إذ لم يعلم قدر ما كان استسلف المستسلف في شحمه وزيادته ونقصانه.
---
[ 105 ] (2/105)
كتاب الشفعة
---
[ 106 ] (2/106)
بسم الله الرحمن الرحيم [ مبتدأ أبواب الشفعة ]
باب القول في الشفعة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال جار الدار أحق بالدار، وبلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضى الله عنه أنه قال: إذا بيعت الدار فالجار أحق بها، إذا اقامت على ثمن ان شاء الا أن يطيب عنها نفسا.
باب القول فيما تجب به الشفعة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الشفعة تجب بأربعة أشياء: بالشركة في الشئ الذي يباع، والشركة في المشرب، والشركة في الطريق، والجوار اللاصق. قال: وللشفيع الذي تجب له الشفعة أن يأخذ شفعته من المشتري الداخل عليه كان البيع حاضرا أو غائبا وينبغي له أن يحضر البائع عند أخذه بالشفعة من المشتري احتياطا عليه، ومخافة أن يدعي أن لم يبع الدار بعد اليوم. قال: والشفعة للكبير والصغير والشاهد والغائب، وللرجل والمرأة، وكل ذي شفعة يطالب شفعته كائنا من كان، وله أن يأخذ الشئ الذي يباع بشفعته كان في يد البايع أو في يد المشتري، ويكتب الشراء والعهدة على من قبض الدار منه، ويدفع إليه الثمن من صاحبها الاول، أو المشتري لها منه إن كان
---
[ 107 ] (2/107)
قبضها منه قال: وإذا قبض صاحب الدار الثمن وقبض المشتري الدار ثم أتاه صاحب الشفعة يطالب بشفعته أخذها من يد المشتري لها ودفع إليه ما وزن من ثمنها وكتب العهدة عليه فيها دون صاحبها الذي باعها أولا.
باب القول في تمييز ذوي الشفعة الاولى بها فالاولى
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا بيعت أرض أو حائط نخل أو دار فكان فيها شريك في أصلها، وشريك في طريقها، فالشفعة للشريك في أصلها دون الشريك في طريقها وإذا بيعت أرض ولصاحبها في الطريق شريك وفي المشرب شريك فان الشفعة للشريك في المشرب دون الشريك في الطريق، وإذا كان في الطريق شريك لصاحب هذه الارض وكان لها جار فالشريك في الطريق أولى بالشفعة من الجار، قال: والشريك في الاصل الاولى بالشفعة من الشريك في المشرب ثم الشريك في الشرب أولى من الشريك في الطريق ثم الشريك في الطريق ثم الجار. قال: والشريك في الطريق لا يكون إلا جارا فهو أولى من الجار الذي ليس بشريك في الطريق.
باب القول في خيار صاحب الشفعة وما يجوز له ومالا يجوز
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجوز للشفيع أن يأخذ بشفعته الضيعة كلها إذا بيعت كلها، وكذلك يجوز له ان اشتراها رجلان أو ثلاثة من صاحبها أن يستشفع عليهم كلهم إن شاء، أو يستشفع نصيب اثنين ويترك الثالث له شريكا، وكذلك يجوز له أن يستشفع
---
[ 108 ] (2/108)
نصيب واحد أيهما شاء، ويترك الاثنين له شريكين، ويجوز له أن يطلق الشراء لمن شاء دون من لم يشأ، ويطلق له الشراء دون غيره، ويجوز له أن يطالب بالشفعة إذا كبر أن كان صغيرا، ويجوز له أن يطالب بالشعفة ويلحقها إذا كان غائبا، ولم يعلم ببيع تلك الارض، حتى قدم أو أعلم في سفره وأشهد على مطالبته بشفعته، ولا يجوز له إذا باع شريكه حقه ان يقول للشريك أنا استشفع نصف هذا الحق وبع نصفه، أو بعضه وبع بعضه لان في ذلك ضررا على اليع، لان بيعه جملة أثمن له، وأوفر بحقه، فإن أراد شريكه أخذ الحق أخذه جملة، وان أراد سلم لمن اشترى الشراء، ولايجوز له الضرار لصاحبه ولا لغيره، لان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا ضرر ولا ضرار) ولايجوز له أن يبيع شفعته ولا أن ينتزعها من يد المشتري فيهبها لرجل آخر إذا لم يكن هو المشتري لها ولا الطالب لها لنفسه.
باب القول فيمن اشترى حائطا أو دارا فاستهلك بعضه أو زاد فيه ثم طالبه صاحب الشفعة بشفعته
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا اشترى دارا بمائة دينار أو حائطا ثم استهلك منه أبوابا وخشبا وحديدا فباع منه بخمسين دينارا ثم طالبه الشفيع بعد ذلك بالشفعة فقضي له بها، كان الواجب عليه أن يدفع إلى الذي هي في يده خمسين دينارا ويحاسبه بالخمسين التي باع بها منها، وكذلك لو اشترى نخلا مثمرا فباع ثمره ببعأض ثمنه ثم طالبه بالشفعة الشفيع كان الواجب عليه أن يحاصه بما باع من ثمرها، ويسلم إليه باقي ثمنها. قال: ولو أنه اشتراها ولا ثمر فيها فعمرها وسقاها ثم جاء وقت الثمرة فأثمرت فأستهلك ثمرها، ثم أتى من بعد ذلك الشفيع فطالبه بالشفعة كان الواجب على الشفيع أن يسلم إليه
---
[ 109 ] (2/109)
جميع ما أخرج فيها، ولا يحاصه بما استهلك من الثمرة، لان الشراء وقع عليها، ولا ثمرة فيها ثم أتى الله عزوجل بالثمرة، وهو مالك لها ضامن لها، فكان ما حدث فيها من بعد بيعها منه، وقبل مطالبة الشفيع له بها سايغا له بضمانه اياها، لانه مشتر من مالك فهو على ملكه حتى يخرجه منه مستحق له غيره، ألا ترى أنه لو حدث بالنخل حدث بتلفه لتلف من مال المشتري ولم يرجع به على شفيع مستحق ولا بيع فلذلك أجزنا له ما حدث فيها في ملكه لها، وضمانة لرقابها، فإن لحق الثمرة فيها الشفيع فهو أولى بما في نخله إذا كان قائما بعينه، وعليه ما غرم الذي هي في يده عليها قال: ولو أن رجلا اشترى من رجل دارا وهو لا يعلم ان لاحد فيها شفعة فبنى فيها بناءا، وأحدث فيها عمرانا، ثم طولب بالشفعة لقدوم الشفيع من غيبته أو خروجه من حال صغره إلى حال كبره لكان الحكم في ذلك عندنا أن يقضى للشفيع بالدار، ويقضى للباني فيها بقيمة بنائه يوم استحقت الدار بالشفعة من يده. قال: ولو أن رجلا اشترى دارا أو شجرا فانهدمت الدار بمطر أو ريح، أو سبب لم يجنه الذي هي في يده أو انقلع الشجر بريح أو سيل ثم طالب الشفيع كان مخيرا إن شاء أخذها على ماهي عليه من الخراب ودفع إلى الذي هي في يده ما أخرج فيها كاملا، وإن شاء تركها في يده وأعرض عن شفعته ليس له غير ذلك عندنا لان المشتري لها لم يكن جنى شيئا من ذلك عليها.
باب القول فيمن باع ثم استقال وما يلزم للشفيع
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا باع أرضا أو نخلا أو غير ذلك من العقارات بيعا صحيحا فاشتراها منه المشتري وملكها عليه فصارت له وفي يده ثم طالب المشتري صاحب الشفعة فيما اشترى فاستقال صاحب الدار المشتري فأقاله وردها إليه، لم يكن ذلك
---
[ 110 ] (2/110)
بجايز لهما، وكان الشفيع أولى بها بأخذها من يد المشتري، ولم يكن له أن يقيل فيها صاحبها، لان الشفيع قد استحقها ساعة وقع عليها اسم البيع وقبضها المشتري من البائع وصار أحق بها من الاول البائع لها فليس للمشتري أن يقيل فيها ولا يبيعها لان القيلولة كالبيع سواء سواء في الاصل والمعنى، وان جاز له أن يقيل فيها والشفيع قايم عليه فيها جاز له أن يبيعها من صاحبها، أو غير صاحبها، وهذا لا يجوز وكذلك لو أن صاحبه الاول باعهغا من رجل بثمن راضاه عليه، وأنفذ له البيع وافترق البيعان على ذلك، ولم يكن المشتري وزن الثمن في ذلك الوقت، ثم استقال فيها وقد قام عليه الشفيع فيها لم يكن له أن يقيله وكانت للشفيع دونه. قال: وكل مصر مصرة المسلمون وابتدعوه وبنوه وأحدثوه وعملوه فلا شفعة فيه لذمي وإن كان جارا أو شريكا، المسلمون أولى بمصرهم منه، وكل مصر كانوا هم الممصرين له فهم على شفعتهم فيه يستشفع بعضهم على بعض، ولا يستشفعون على المسلمين، المسلمون بعضهم أولى بما في يد بعضهم من بعض من غيرهم من أهل الكفر المخالفين لدينهم.
باب القول في الرجل يبيع الدار أو الضيعة بثمن فتكاثره الشفيع ثم يرد ثمنها إلى دون ذلك ولا يعلم الشفيع بما وضع من ثمنها إلا بعد البيع
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا باع دارا أو ضيعة بمائة وثلاثين دينارا فاستغلاها الشفيع وقال لا أريدها بهذا الثمن، فاستوضع المشتري لها البائع الثلاثين فوضعها عنه وباعه اياها بمائة ثم علم بذلك الشفيع من بعد ذلك كان له أن يأخذها بالمائة من يد
---
[ 111 ] (2/111)
المشتري، لانه انما تركها أولا استغلاء لها بالمائة والثلاثين، ثم رد ثمنها إلى مائة فكان بالثمن الاخير مخيرا كما كان في الثمن الاول مخيرا، فإن إستغلاها ترك، وان استرخص أخذ، وكذلك لو باع بائع حائطا بألف دينار، واستثنى منه جانبا فقال الشفيع لا أريده بالالف، وقد استثنى منه شيئا فباعه من غيره، وزاد فيه واتبعه ذلك الشئ الذي كان استثنى من الحائط، ثم علم الشفيع بذلك كان له أن يأخذه من يد المشتري، ويسلم إليه الالف دينار لانه انما تركه من طريق ما استثنى صاحبه فيه فلما ان اسلمه كان الشفيع فيه بالخيار مثلما كان له فيه الخيار أولا وكذلك لو كان استثنى منه ما استثنى، وباع باقيه بالالف، فقال الشفيع لا يوافقني شراؤه إلا أن يكون كله معا خالصا، فأما ان كان لي فيه شريك فلا أريده فباعه صاحبه من رجل آخر بألف ومائة واتبعه ما كان استثنى وسلمه إليه جميعا، ثم طالب الشفيع بالشفعة من بعد ذلك فانه يقضى له بالشفعة لانه إنما كان أعرض وتركه لمكان ما كان استثني فيه.
باب القول في الضيعة والدار يشتري بثمن ويباع بأكثر منه قبل أن يقدم مستشفعها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا اشترى من رجل أرضا بألف دينار، ثم باعها بألف وخمس مائة دينار ثم قدم المستشفع لها لقضي له بها، وقضي عليه أن يدفع إلى الذي أخذها من يده الثمن الاول وهو ألف دينار ويرجع هذا الذي أخذت من يده. على الذي باعه اياها بخمس مائة دينار الفاضلة الذي كان ازيدت على الثمن الاول. قال وكذلك لو تنوسخت فبيعت أولا بألف دينار، ثم بيعت بألف ومائتين، ثم بيعت بألف وخمس مائه، ثم أتى الشفيع لقضي له بها، وقضى عليه الثمن الاول فيها، يدفعه إلى هذا الذي يأخذها من
---
[ 112 ] (2/112)
يده، ويرجع الذي أخذت من يده على الذي باعه إياها بالخمس مائة الفاضلة، ويرجع الذي رجع عليه بالخمس المائة على الذي باعه إياها بالمائتين قال: ولو أن رجلا باع رجلا نخلا بمائة دينار وفيها تمر، فأخذ التمر صاحبها المشتري لها ثم باعها ولا تمر فيها بمائة دينار، فأقامت عند المشتري الثاني حتى أثمرت في ملكه فأكل تمرها ثم باعها واشتراها منه مشتر ثالث بمائة دينار فأقامت عنده حتى خرج التمر فيها فأكله ثم أتى الشفيع فطالب بها، فإنه يحكم له بها ويدفع إلى الذي هي في يده المائة الدينار التي أخرج فيها إلا قيمة الثمرة الاولى، وما أكل من ثمرها فهو بضمانه إياها، وكذلك ما أكل الاوسط من التمر فهو له لا يطالب به لانه كان ضامنا لرقاب النخل وكانت الثمرة حادثة في ملكه، ويرجع الذي أخذت من يده بقيمة الثمرة الاولى على الذي باعه إياها بالمائة، ويرجع الاوسط على الذي باعها إياه بمائة بقيمة ما أكل من الثمرة التي اشترى النخل بها من صاحبهخا الاول، لانه اشتراها وما في رؤوسها بمائة فكان ضامنا لما كان وقع عليه الشراء من الثمرة مع الاصل لان الشفيع كان واجبا له أن يأخذ النخل والارض بما فيها من الثمرة منيده كما اشتراها بها. قال: ولو كان هذا المشتري الاول لم يبعها حتى أثمرت عنده وفي ملكه ثمرة أخرى سوى الثمرة التي اشتراها بها فأكل هذه الثمرة أيضا ثم باعها لم يطالب بالثمرة الثانية التي حدثت في ملحه وضمانه، وطولب بالثمرة التي وفع عليها الشراء مع النخل أيام اشتراها من الذي باعها.
---
[ 113 ] (2/113)
باب القول في الرجل يشتري الارض فيشترط أنه بالخيار ثلاثة أيام أو يشترط ذلك عليه البائع أو يشترطان جميعا أنهما بالخيار ثلاثة أيام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا اشترى من رجل نخلا أو أرضا أو دارا، واشترط على البائع أنه بالخيار فيها ثلاثة أيام، فأتى الشفيع في تلك الايام الثلاثة، فإنه يقضى للشفيع بها، ويدفع إلى من أخذها من يده الثمن، ويكتب عليه العهدة والشراء، وكذلك لو مضت الثلاثة الايام ولم يكن للمشتري عزم كان القول فيها كالقول الاول. قال: ولو كان المشترط للثلاثة الايام هو البائع ثم جاء الشفيع في الثلاثة الايام فصاحب الدار على خياره أن أحب لزم، ولم يكن للشفيع فيها شفعة، وأن أحب أمضى البيع وكان الشفيع أولى بالبيع من غيره. قال: ولو أن المشتري اشترط خيار ثلاثة أيام، واشترط البائع خيار ثلاثة أيام أيضا ثم أتى الشفيع في تلك الايام انتظر بالحكم في ذلك مضي الثلاثة الايام، فان سلم البايع للمشتري المبيع كان ذو الشفقة أولى بذلك من غيره وان لم يسلم البيع فهو أولى بما في يده، وإن مضت الثلاثة الايام ولم يتبين البائع أمره، ولم يذكر أنه قد بداله في بيع ما باع فقد وجب عليه البيع ولزمه بخروج ماحل من أجله، والشفيع أولى بالدار في ذلك من غيره.
باب القول فيما بيع فأخذه شفيع بالثمن ثم أتى شفيع آخر أحق من ذلك الشفيع
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا باع دارا أو
---
[ 114 ] (2/114)
أرضا فاستشفعها شريك في المشرب ثم قدم شريك في الاصل فطالب بالشفعة لكان الحكم أن يقضى له بها ويدفع إلى من هي في يده ما أخرج فيها، لانه أولاهما بالشفعة. قال: وكذلك لو بيعت فاستشفعها شفيع بالشركة في الطريق فاشتراها بعرض من العروض، ثم أتى شريك في المشرب فطالب بالشفعة حكم له بها، ودفع إلى من هي في يده قيمة ما أخرج من عرضه فيها، يوم وقع شراؤه عليها، وكذلك لو اشترى رجل من رجل دارا فاستشفعها جار لها ثم طالبه بالشفعة شريك في طريقها، كان الشريك في الطريق أولى بها من الجار، والجار من بعد ذلك أولى بها من غيره.
باب القول فيمن اشترى دارا بدار أو أرضا بأرض أو وهب شيئا من ذلك طلب عوض بعينه والقول في الهبة والصدقة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا اشترى من رجل نخلا بنخل أو دارا بدار أو أرضا بأرض فقام في أحد الارضين شفيع لحكم له بتلك الارض وحكم عليه بقيمة الارض التي كان عاوض بها إليها، وكتب العهدة على من قبضها من يده. قال: وإن قام في كل أرض شفيع يحكم لكل شفيع بما قام فيه وحكم عليه بقيمة الارض التي عورض بها إلى أرضه ويدفع كل واحد منهما قيمة ذلك إلى من أخذ الارض من يده. قال: وكذلك لو وهب رجل لرجل أرضا على أن يعوضه دارا معروفة بعينها أو وهبه دارا على أن يعوضه أرضا بعينها، فقام في ذلك الشفيع حكم له بما قام فيه وحكم عليه لمن أخذها من يده بقيمة ذلك العوض
---
[ 115 ] (2/115)
الذي رغب صاحبها فيه، قلت قيمته أو كثرت صغرت أو كبرت، ألا أن يتركها عنوة (1) ويسلمها لصاحبها ويسلم لصاحب العوض ما رغب فيه منها. قال والمناقلة عندي كالمبائعة بالارض إلى الارض واشتراء النخل بالنخل والدار بالدار لا فرق بينهما عندي ولا اختلاف بينها في رأيي. قال: فأما من وهب هبة لا يريد بها عوضا أو تصدق بصدقة يريد بها وجه الله فلا يلحق بها من تصدق بها عليه، ووهب له شفعة مستشفع لان الشفعة إنما يلحقها صاحبها وتجب له بتسليم ما أخرج فيها بشفعته، والموهوب له ذلك، والمتصدق به عليه لم يخرج شيئا يرده عليه ذو الشفعة، وكذلك الواهب والمتصدق فلم يأخذ شيئا من أموال الدنيا فيرده عليه ذو الشفعة مثل ما أخذ، أو يكون أولى بما أخرجا، والهبة والصدقة فإنما هي بر وإحسان من الواهب إلى الموهوب له، والشفعة فإنما تصح للشفيع بالحكم من الله وأمام المسلمين، وليس يجب لمن كان شريكا لرجل في شي ء فوهب ذلك الرجل نصيبه، أو تصدق به على من يجب الاحسان إليه أن يحكم لشريكه بهبته أو بصدقته، وكل إحسان فعله محسن لمن أراد الاحسان إليه فلا يجبر على تسليم ذلك كما يجبر على تسليم البيع له بالشفعة لان الناس أولى بأموالهم يهبونها لمن شاؤا، ويتصدقون بها على من أرادوا، ولا يدخل عليهم في ذلك شريك معهم، ولا يستشفع هبتهم غيرهم.
---
ص 115..
(1) العنوة: المودة والقهر من أسماء الاضداد، وهي هنا بمعنى المودة.
(قاموس)
---
[ 116 ] (2/116)
باب القول فيمن تجب مطالبته بالشفعة بين البائع والمشتري
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا اشترى رجل من رجل دارا أو نخلا أو أرضا ثم جاء الشفيع فطالب بالشفعة فليطالب المشتري، ولا يطالب البائع لانه ليس بينه وبينه مطالبة، وإنما خصمه المشتري، لانه الداخل عليه في شفعته، فيطالبه بما اشترى مما كان هو أولى به، ويكتب الكتاب عليه ويدفع الثمن إليه، قال: فإن ترك مطالبة المشتري عنوة وطالب البائع دونه بالشفعة، فلا شفعة له على أحد منهما، لانه قد ترك خصمه بترك مطالبته بما يطالبه به فيبرأ المشتري بإعراضه عنه عنوة وتركه له، وكان ذلك تسليما منه لما يطالبه به من شفعته، وسقطت مطالبته للبيع، لانه ليس له بخصم، ولا له عليه سبيل وإنما له أن يأخذ حقه ممن وجده في يده، فإذا طالب غيره وصفح عنه فقد برئ الخصم بصفحه عنه، وبرئ غير الخصم بطلمه له، إذ لا يجوز له عليه مطالبة إذ ليس له عنده بغية، إلا أن تكون مطالبته للبائع كانت عن جهل منه بالحكم، فإذا كان ذلك كذلك لم يسقط جهله حقه، وله أن يطالب المشتري من بعد ذلك، ويكتب الكتاب بحضرة البائع، ويذكر في كتابه أنه قد استشفع هذه الدار من يد فلان بن فلان لانه اشتراها من فلان بن فلان وكانت لي فيها الشفعة، فلحقتها بشفعتي فأخذتها بحكم الله تعالى، وسلمت إليه ما كان نقد فلانا من ثمنها وهو كذا وكذا دينارا عيونا نقدا جيادا بحضرة فلان بن فلان الذي باعه إياها، وانما أحببنا له أن يحضره وقت المشاهدة، والكتاب ودفع الثمن مخافة من أن يقول صاحب الدار الاول، ان كان لم يكتب عليه المشتري منه بذلك كتابا الدار داري وهي في يدي، على حالها لم أبعها من غيري،
---
[ 117 ] (2/117)
ولم أخرجها بسبب من الاسباب من ملكي، فيبطل بذلك على المستشفع شفعته، فإماإن كان الذي اشتراها منه قد كتب عليه بشرائه وعهدته كتابا، وأشهد عليه بذلك شهودا فليأخذ الكتاب المستشفع منه، وليكتب عليه كتابا آخر بما لحق من شفعته عليه، وبما سلم من الثمن إليه ولا عليه ان كان ذلك كذلك، ان لا يحضر البائع الاول.
باب القول في الشفعة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الشفعة لكل شريك أو جار الاقرب فالاقرب، فان حضر الشفيع الشراء والبيع وقبض البائع الثمن من المشتري، ولم يتكلم ولم يطلب شفعته ولم ينكر على المشتري، ولا على البائع فلا شفعة له بعد افتراقهم، الا أن يكون منعه من التكلم والطلب بشفعته في ذلك الوقت سبب يخافه على نفسه من غشم غاشم، أو ظلم ظالم من المشتري أو البائع أو غيرهما، فإن كانت المخافة منعته من الطلب بحقه فهو على شفعته، فإن لم يكن ذلك كذلك فلا حق له في شئ من ذلك. قال: فإن باع شريكه، أو جاره ما باع من سلعته وصاحب الشفعة غير حاضر، فله الشفعة إذا علم، يلحقها على المشتري ويكون أولى بها منه، وان كان ببلد بعيد فالشفعة له إذا بلغه خبرها إن طلبها وأنكر على المشتري والبائع ما فعلا، وأشهد على أنه مطالب بشفعته، وعليه أن يبعث يعلم ذلك إلى البائع والمشتري بأعجل ما يمكنه، فان أعرض عن ذلك ولم يذكره وتركه ولم يطلبه ولم ينافر فيه ولم ينكره فلا شفعة له، فإن كان جاهلا بما يجب عليه في ذلك من الاشهاد والبعثة إلى صاحبه بعلم خبره، وكان مجمعا على مطالبته بحقه فطالبه عند قدومه من سفره فله ذلك، فإن اتهموه بأن يكون قد رضي وأعرض عن المطالبة بذلك إذ جهل ما يجب عليه من الاشهاد فلم
---
[ 118 ] (2/118)
يشهد، وادعى هو أنه لم يزل مجمعا على المطالبة بحقه كانت عليه اليمين بالله أنه ما أعرض عن ذلك وأنه لم يزل مجمعا على المطالبة به، فان أحدث المشتري فيما اشترى بناء، أو غير ذلك من غرس نخل أو غيره ثم قضى لصاحب الشفعة بشفعته كان على المشتري أن ينقل ما أحدث في تلك الارض التي استشفعها من هو أحق بها منه، ويسلمها إليه كما اشتراها إلا أن يدخل بينهما في ذلك مصلح فيشتري منه صاحب الشفعة ما أحدث في أرضه، فإن كان ذلك عن تراض منهما جاز. قال: وان كانت أرض بين رجلين فباع أحدهما حصته من رجل آخر ولم يعلم شريكه، ثم باع الشريك الآخر حصته من رجل آخر ولم يعلم ببيع شريكه الذي باع قبله فليس للبائع الآخر، ولا لمن اشترى منه على من اشترى من البائع الاول شفعة لانه باع بلا علم شريكه، ولم يكن ذلك له، ثم علم بما فعل شريكه وقد خرج ملكه من يده الذي كان يستشفع به، وصار للمشتري الذي اشتراه بغير إذن من كانت له شفعة من الشريك الآخر، فلذلك بطلت عندنا شفعتهما جميعا. قال: ولو اجتعل ذو شفعة على تسليم شفعته أو باع شفعته لم يكن ذلك له وكان الثمن مردودا. قال: وكل صغير فشفعته ثابتة، لم أن يطالب بها عند كبره، ولو أجازها عليه جميع عصبته إلا أن يكون شيئا وهبه له أبوه أو غيره من العصبة، فيجوز إجازة الواهب بعينه إذا كان وصيه، وكان الصبي تحت يده وفي حجره، فإن كان ميراثا ورثه من أمه أو من غيرها من قرابته فليس لاحد من عصبته أن يحدث عليه في ذلك شيئا. قال: والشفعة واجبة في كل شئ من الضياع، والثياب والعبيد، وغير ذلك. قال: والشفعة تجب لمن ورث مالك الاصل في الوراثة. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الشفعة عندي تكون على عدد الرؤوس لا على قدر الانصبة، وانما قلت ذلك وأجزته لاني قد
---
[ 119 ] (2/119)
وجدت صاحب صاحب النصب الكثير عند الاستشفاع كصاحب السهم الصغير، ووجدت صاحب السهم الصغير يلحق بشفعته الارض كلها كما يلحق صاحب السهم الكبير استشفاعها بسهمه الكبير، فلما لم أجد بينهما في معين الشفعة فرقا لم نجعل بينهما في الشفعة بتفاضل الملك فرقا. قال: وتفسير ذلك: ثلاثة رجال بينهما أرض، لواحد نصفها، ولآخر ثمنها، ولآخر ثلاثة أثمانها، باع صاحب النصف، فقال صاحب الثمن أنا استشفعها، وقال صاحب الثلاثة أثمان أنا استشفعها، فنظرنا في الحكم بينهما، فإذا لكل واحد منهما في يده ما يلحق به الشفعة كلها، وان تفاضل ما يملكون، لان صاحب الثمن يجوز له أن يستشفعها كلها من شريكه لو باعها، ويكون أولى بها من غيره بما يملك من هذا الشقص فيها، وكذل عندنا صاحب الثلاثة الاثمان يستحق ويملك من استشفاعها ما يملك هذا سواء سواء، فلا نجد بين الذي يملك منها كثيرا، وبين الذي يملك منها قليلا فرقا، في معنى اقدارهما على الاستشفاع، لان هذا ينال بيسير ملكه من استشفاع الارض كلها ما ينال ذلك لعظيم حقه فيها، فلذلك قلنا في ذلك بما قلنا، وتكلمنا فيه بما تكلمنا، والله المعين على كل خير. قال: ولو سلم ذو شفعة لمشتر شفعته واذن له في الشراء فاشترى ثم رجع عليه من بعد الاشتراء، وكان ذلك له، لانه قد اذن له فيما لم يقع له فيه شفعة، إذ هو في يد مالكه، وانما تقع له الشفعة من بعد خروجه من يد مالكه فيستحقه بشفعته، فأما من قبل وقوع البيع فلم تقع له شفعة يهبها.
باب القول في الشفعة أيضا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الشفعة للقسيم، والجار، والقسيم هو الشريك، وهو أولى من الجار إذا كان، والجار أولى
---
[ 120 ] (2/120)
من غيره، وفي ذلم ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (جار الدار أولى بالدار). قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ويؤجل (2) لصاحب الشفعة بالثمن ثلاثا، فان أتى به، والا فباع السلعة ربها. ولا يجوز الضرر ولا المضارة بين المسلمين لان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام) وفي تأخير الثمن على البائع الضرر، إذا كان اكثر من ثلاث، الا أن يرى ذلك الحاكم لعدم صاحب الشفعة وقلة ذات يده. قال: ولو أن رجلا وهب أرضه لرجل لم يكن في الهبة شفعة لشريك ولا غيره، وكذلك لو تزوج امرأة على أرض فدفعها إليها، فطلب الشريك أو الجار الشفعة لم يكن له فيها شفعة لان الشفعة انما هي في البيع، والصداق فإنما هو هبة ونحله كما قال الله عزوجل: * (واتوا النساء صدقاتهن نحلة) * (3) والنحلة فهي الهبة والعطية فلذلك قلنا إن الشفعة لا تلحق المهر. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الجار هل له من الشفعة شئ؟ فقال: قد اختلف ذلك، والقول عندنا أن له شفعة، والقسيم أولى منه إذا كان قسيما، والجار أولى من غيره إذ لم يكن قسيما.
---
ص 120..
(2) في نسخة: ويؤجل طالب الشفعة الخ..
(3) النساء 4.
---
[ 121 ] (2/121)
كتاب الشركة
---
[ 122 ] (2/122)
بسم الله الرحمن الرحيم
باب القول في الشركة
شركة المفاوضة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أراد الرجلان أن يشتركا شركة مفاوضة فليخرج كل واحد منهما جميع ما يملكه من النقد ثم ليزن كل واحد منهما ماله، ويعرف كم هو من دينار، ثم ليخلطاه من بعد أن قد فهم كل واحد منهما ماله ولا يترك كل واحد منهما في ملكه نقدا الا أخرجه فان شركة المفاوضة لا تكون ولا تصح الا بالاموال كلها، وانما كان ذلك كذلك مخافة من اللبسة والتهمة من أحدهما لصاحبه، فإذا خلطا ذلك فيعملا فيه وليبيعا وليشتريا، مجتمعين ومفترقين، يعمل كل واحد منهما في المال كله برأيه، فيبيع ويشتري بالنقد والدين، وكلما أدانه أحدهما فهو لازم لصاحبه، ومن غاب منهما طولب بما عليه من الدين في تجارتهما بشركته، ويكون كلما وجب على أحدهما واجبا على صاحبه الا أن يكون جناية جناها أو امرأة نكحها، وينفقان من مالهما على أنفسهما وعيالهما إذا تساوت نفقتهما، فإن كانت نفقة أحدهما أكثر من نفقة الآخر فطيب ذلك له شريكه فلا بأس به، وإن لم تطب به نفسه كان فضل ذلك دينا عليه لصاحبه، ولكن لا ينبغي له أن يقبضه منه ولا لشريكه أن يقبضه إياه، حتى إذا فرغت شركتهما، وانقضت خلطتهما قضاه اياه لانه متى قضاه ذلك كان له نقد خلاف ما لصاحبه، وهذا يبطل
---
[ 123 ] (2/123)
شركة المفاوضة فاما ما كان لهما من العروض فليس يفسد عليهما شركتهما، الا أن يبيع أحدهما من ذلك شيئا فيصير معه مال ناض خلاف مال المفاوضة فتبطل حينئذ شركة المفاوضة، فأما ماداما على صحة شركتهما فهما في الشركة سواء، وإن أحبا أن يكتبا بينهما كتابا يسميان فيه مالهما ويشهدان فيه على شركمتهما فليكتبا: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اشترك عليه فلان بن فلان الفلاني، وفلان بن فلان الفلاني، اشتركا على تقوى الله تعالى وطاعته واخلاص العبادة له، واداء الامانة فيما بينهما وحسن العمل في تجارتهما اشتركا شركة مفاوضة في قليل ناضهما وكثيره، ودقيقه وجليله وذهبه وفضته في شهر كذا وكذا، من سنة كذا وكذا، على أنهما يتشريان ويبيعان بأموالهما ووجوههما بالنقد والدين ما بدا لهما، مجتمعين كانا أو مفترقين، وان لكل واحد منهما أن يعمل في ذلك برأيه نافذا أمره في كل ما في أيديهما من شئ أو غير ذلك من دين أخذاه بوجوههما، أو أخذه أحدهما دون صاحبه بوجهه فما رزقهما الله في ذلك كله من ربع فهو بينهما نصفان، وما دخل عليهما من وضيعة من هذا المال فهو بينهما قال: وان أحبا أن يذكرا المال، ويسميان مال كل واحد منهما سمياه فقالا في آخر كتابهما، وجملة هذا المال ألفا دينار، فلكل واحد منهما ألف دينار، فما ربحا في ذلك فهو بينهما نصفان، وما خسرا فيه فهو عليهما نصفان، شهد على ما في هذا الكتاب فلان وفلان، فإذا وقعا في تجارتهما، فكل واحد منهما مأخوذ بما لزم صاحبه من دين وله أن يطالب بما كان له على الناس من دين، ولو أن أحدهما اشترى متاعا إلى أجل فغاب كان لصاحب المال أن يأخذ شريكه بماله عليه، عند حلول الاجل، وكذلك لو كان لاحدهما على انسان دين من تجارتهما إلى أجل فغاب صاحب الدين فحل الاجل كان لشريكه أن يطالب بما كان لصاحبه، وكذلك لو باع أحدهما سلعة ثم
---
[ 124 ] (2/124)
غاب فوجد فيها مشتريها عيبا، كان له أن يردها على الشريك الحاضر، وكذلك كل ما لزم كل واحد منهما في تجارتهما فهو لازم لصاحبه.
باب القول في الشركة على غير المفاوضة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أراد الرجلان أن يشتركا شركة على غير المفاوضة فلهما أن يشتركا بما شاءا من نقودهما قليلا شاءا أو كثيرا، ولا يشتركا إلا بمال ناض ويكون الربح بينهما على قدر ما يصطلحان عليه، والوضيعة على قدر رؤوس الاموال فإن اشتركا بمائة دينار فاصطلحا على أن لاحدهما ثلثي الربح وللآخر الثلث يعملان في ذلك جميعا يشتريان ويبيعان فصلحهما في ربح ذلك جائز، والوضيعة على قدر رؤوس الاموال، وهي في هذه المسألة عليهما نصفان. قال: وإن كان رأس مال أحدهما مائتي دينار، ورأس مال الآخر مائة دينار، فاصطلحا على أن الربح بينهما نصفان والوضيعة على قدر رؤوس أموالهما جاز ذلك لهما، وكان شرطهما صحيحا، وان اشترطا على ان الربح بينهما نصفان، والوضيعة عليهما نصفان كان ذلك شرطا فاسدا، وثبت شرطهما في الربح وبطل شرطهما في الوضيعة، وكانت الوضيعة بينهما على قدر رؤوس أموالهما. قال: وإن اشترطا على أن لاحدهما ثلثي الربح وللآخر ثلث الربح، ويكون صاحب الثلثين هو العامل بها، والمتقلب فيها فلا بأس بذلك، فان اشترطا أن للذي لايلي العمل ثلثي الربح، وللذي يلي العمل ثلث الربح لم يجز ذلك، وكان الربح بينهما على قدر رؤوس أموالهما، وذلك أن يكون رؤوس أموالهما مستوية، فيصطلحان على أن للذي يتقلب في المال ويعمل فيه ثلث الربح، وللذي لا يتقلب ولا يعمل ثلثي الربح فهذا باطل لا يجوز، لان الفضل هاهنا انما وقع للشريك بما لم يعمله، ومال الشريك لايجر
---
[ 125 ] (2/125)
منفعة لشريكه بشرطه، إلا أن يكون فيه فضل لصاحبه على مال شريكه، فإما إذا استويا ولم يعمل أحدهما ففضل القاعد على العامل حينئذ مشابه للربى. قال: ولو استوى رأس مالهما ثم اشترطا أن للعامل الثلثين، وللقاعد الثلث من الربح كان ذلك جائز، لان الثلث بالثلث، والثلث الآخر كراء لبدنه وعوض من عمله. قال: وان أحبا أن يكتبا بينهما شركتهما وشروطهما كتبابا فليكتبا: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب ما اشترك عليه فلان بن فلان الفلاني، وفلان بن فلان الفلاني، اشتركا على تقوى الله وايثار طاعته، واتبا مرضاته، وعلى اداء الامانة، ورفض الخيانة، والاجتهاد والنصيحة في كل عملهما مما فيه اشتركا بمال جملته كذا وكذا، لفلان بن فلان منه كذا ولفلان ابن فلان منه كذا، اشتركا فيه وخلطاه، يبيعان فيه برأيهما بالنقد والدين مجتمعين كلاهما ومفرتقين، ويعمل في ذلك كل واحد منهما برأيه، فما رزقهما الله في ذلك من الربح فلفلان منه كذا وكذا، ولفلان منه كذا وكذا، وما كان في ذلك من وضيعة أو تباعة فهي عليهما على قدر رؤوس أموالهما شهد على ما في هذا الكتاب فلان وفلان.
باب القول في الرجلين يشتركان، وليس معهما مال على أن يشتريا بوجهيهما ويبيعا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يشترك الرجلان على أن يأخذا بوجهيهما عروضا وغير ذلك، فيبيعان فيه ويشتريان، ويكتبان إن شاءا بينهما كتابا، فاا أرادا أن يكتبا كتابا كتبا: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اشترك عليه فلان بن فلان الفلاني وفلان بن فلان الفلاني، اشتركا على تقوى الله وايثار طاعته، وأداء الامانة، وعلى أن يأخذا بوجهيهما عروضا ونقدا ويشتريا معا واشتاتا، بالنقد
---
[ 126 ] (2/126)
والدين ويبيع كل واحد منهما ويشتري برأيه، بالنقد والدين [ يبيعان ويشتريان معا وأشتاتا ] وما رزقهما الله في ذلك من ربح فهو بينهما نصفان، وما دخل عليهما من وضيعة فهو عليهما نصفان، اشتركا على ذلك في شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا شهد على ذلك فلان وفلان. قال: وان اشتركا على ذلك، وكان أحدهما أبصر من الآخر بالشراء والبيع فأرادا أن يجعلا لابصرهما فضلا في الربح لم يجز ذلك لهما، لانه لا يجوز أن يضمن رجل شيئا، ويأكل غيره ربح ما ضمنه هو، وذلك أنهما مستويان في ضمان ما أخذا من دين، فكذلك ينبغي أن يكون الربح بينهما سواء الا أن يثبتا ذلك في أصل الشركة، فما أخذا من دين بينا لصاحبه أن على أحدهما ثلثيه وعلى الآخر ثلثه فحينئذ يجوز الفضل والتفضيل في الريح لاحدهما وهو الضامن للثلثين من الدين فيكون له ثلثا الربح، ويكون للآخر ثلثه، فيستويان في الريح كما يستويان في الضمان، فإذا كان ذلك كذلك جاز، وكان الخسران عليهما على قدر ضمانهما، على ضامن الثلثين ثلثاه وعلى ضمان الثلث ثلثه.
باب القول في النجارين والخياطين والزارعين والحجامين والحايكين وغير ذلك من أهل الصناعات يشتركان فيما يصنعان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يشترك الصانعان في صناعتهما، ويقتسما ما رزقهما من كسبهما، إذا نصحا في ذلك وأديا أمانتهما، ويكون ما ربحا وكسبا في ذلك مقسوما بينهما نصفين وما دخل عليهما ولزمهما من فساد أو وضيعة كان عليهما نصفين، فإن شرطا أن يتقبلا الاعمال كلاهما ويكون لاحدهما الثلث واللآخر الثلثان
---
[ 127 ] (2/127)
من الربح كان ذلك شرطا باطلا بينهما لا يجوز لهما، وما ربحا فهو بينهما نصفان، لان الضمان عليهما سواء، فإن أرادا أن يفضلا أحدهما فليثبتا ذلك في أصل الشركة ويبيناه لكل من تقبلا منه عملا، ويخبراه الضامن للثلث المتقبل له، والضامن للثلين المتقبل لهما، فإذا فعلا ذلك مان الربح بينهما على قدر ضمانهما، لان الضمان كرؤوس الاموال. قال: وإذا أرادا أن يكتبا بالشركة كتابا يكون بينهما فليكتبا: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اشترك عليه فلان بن فلان النجار، وفلان بن فلان النجار، اشتركا على تقوى الله وطاعته واخلاص العبادة له وأداء الامانة، اشتركا على أن يتقبلا الاعمال من الناس فما رزقهما الله فيها من كسب فهو بينهما نصفان، وما كان عليهما من خسران أو تباعة فهو عليهما نصفان يتقبلانها ويعملانها مجتمعين ومفترقين، شهد على ذلك فلان، وفلان. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وكذلك إن اختلفت صناعتهما فلا بأس باشتراكهما على ما ذكرنا من الشركة وفسرنا من حدودها، ووصفنا من أمورها، فإن اختلف المشتركان في ذلك بطلت شركتهما.
---
[ 129 ] (2/129)
كتاب المضاربة
---
[ 130 ] (2/130)
بسم الله الرحمن الرحيم
باب القول في المضاربة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: المضاربة أن يدفع رجل إلى رجل مالا عينا نقدا، إما ذهبا وإما فضة، ولا يدفع إليه عرضا بقيمته لا رقيقا ولا متاعا ولا ثيابا، ولا شيئا، سوى النقد فإذا اراد رجل مضاربة رجل فليدفع إليه ما أحب من النقد، وليشترطا بينهما في الربح شرطا يسميانه، يتراضيان عليه، اما أن يكون الربح بينهما نصفين، واما أن يكون لصاحب المال ثلثا الربح، وللمضارب ثلثه، أو ما أحبا وتراضيا عليه، فان أحبا كتبا بينهما بذلك كتابا، وان أحبا تركا الكتاب، وكل ذلك واسع لهما، والكتاب أوكد فإن كتبا بينهما كتابا، كتبا: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من فلان بن فلان الفلاني لفلان بن فلان الفلاني، إنك دفعت إلي كذا وكذا دينارا عيونا، نقدا جيادا مضاربة بيني وبينك على أن أتقلب فيها، وأتجر بها في البر والبحر، وأبيه فيها بالدين والعين فما رزق الله فيها من ربح فلي فيه نصفه ولك نصفه، وقبضت منك هذا المال المسمى في كتابنا هذا، وصار الي على أن أنصح في ذلك، وأؤدي الامانة فيه، في شهر كذا وكذار من سنة كذا وكذا، وليشهد على ذلك، فإن كان صاحب المال لم يجعل للمضارب أن يبيع في ماله بدين
---
[ 131 ] (2/131)
أثبت ذلك في كتابه، وكذلك ان كان لم يطلق له أن يسافر به أثبت ذلك أيضا في الكتاب. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ثم يكون الربح بينهما على ما اصطلحا عليه، وتكون الوضيعة على رأس المال خاصا، ولا يكون للمضارب أن يخلط مال المضاربة في ماله، ولا أن يدفعه إلى غيره مضاربة، ولا يسلف من عين هذا المال أحدا شيئا، فإن كان صاحب المال قال له افعل فيه برأيك، وأفعل فيه كلما أحببت جاز له فيه كل فعل إلا الاسلاف له، أو أن يأخذ به سفتجه، إلا أن يأذن له في هذين المعنيين، بأعيانهما رب المال فيجوز ذلك له، فإذا اتجر با مال المضارب في المصر، فما أنفق من نفقة على نفسه فهي من ماله، وما أنفق على التجارة فهي من الربح، ان ربح ربحا، فان لم يربح فما أنفق على المال فهو من رأس المال. قال: فان اشترط أحدهما أن له من الربح كذا وكذا درهما وللآخر ما بقي كان هذا شرطا فاسدا لا يجوز، لانه غرر على صاحب الفضلة، لان المال ربما لم يخرج فيه من الربح، إلا تلك الدارهم بعينها، فيأخذها الذي شرطها له ويبقى الآخر لا فضلة له ولا ربح وهذا غرر فاسد، لا يجوز لانه قد سمى لاحدهما دراهم موزونة معدودة، ولم يسم للآخر شيئا محدودا أو معدودا. قال: وإن قالا وشرطا بينهما إن لاحدهما من الربح ربعه، أو عشره، أو نصف عشره، أو ثمن عشره، أو أقل أو أكثر بعد أن يكون جزءا من الربح مسمى منه، ويكون بعضه، فإن ذلك جايز لهما لانهما لا محالة (1) كلاهما يأخذان من الربح شيئا ولو كان الربح درهما واحدا، لانه إنما اشترط للمشروط له جزءا من
---
ص 131..
(1) في نسخة: لانهما كلاهما يأخذان. السفتجة: هي أن تعطي لرجل مالا فيعطيك خطا إلى عميل له آخر خوفا من غائلة الطريق يمكنك استراد ذلك المال منه. تمت.
---
[ 132 ] (2/132)
الربح، ولم يشترط له دراهم مسماة، فالضرر والمنفعة داخلان عليهما وليس أحدهما في ذلك بأسعد من الآخر، ولا بأشقى. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولا يجوز أن يدفع المضارب إلى مضاربة بزا بقيمته، يضاربه به لان هذا عرض، والعرض فلا يجوز في المضاربة. قال: ولو دفع رجل إلى رجل مالا نقدا موزونا مفهوما ضاربه فيه، ولم يشترطا بينهما في الربح شرطا يقتسمانه عليه ولا يعملان به فيه، فان المضاربة باطلة، وما كان من ربح فهو لصاحب المال، وما (2) كان فيه من خسران فعليه، وللذي اتجر بالمال أجرة مثله، لشرائه وبيعه، وكذلك لو دفع إليه مالا واشترط أن الربح بينهما، وأنه يؤثره من الربح بخمسة دنانير، أو بدينارين، أو أقل من ذلك أو أكثر كانت المضاربة فاسدة، لان المال ربما لم يخرج إلا ذلك الذي اشترط أنه يؤثره به، فيكون في هذا على المضارب ضرر، وكذا لو اشترط المضارب أثرة بدينار أو دينارين كانت المضاربة فاسدة أيضا، وكان للمضارب أجرة مثله في شرائه وبيعه، وما كان من خسران فعلى صاحب المال. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وكلما اشترى المضارب قبل أن يأخذ مال المضاربة فليس هو بمضاربة، ولا يكون مضاربة إلا ما اشتري بمال المضاربة من بعد قبضه، وتفسير ذلك رجل اشترى سلعة بمائة دينار، ثم أتى إلى رجل فقال اني قد اشتريت كذا وكذا بمائة دينار، فأعطنيها حتى أزنها فيها، فأعطاه المائة فوزنها في السلعة فليس هذا عندنا بمضاربة، وهو سلف أسلفه اياه، فما كان من ربح أو خسران فهو على الذي اشترى السلعة له، والمائة الدينار دين عليه يؤديها إلى الذي
---
ص 132..
(2) في نسخة: وما دخل فيه خسران الخ...
---
[ 133 ] (2/133)
دفعها إليه والصحيح الذي تصح مضاربته أن يأخذ الدنانير قبل أن يشتري شيئا، ويشترطا بينهما في الربح شرطا معروفا، ويأمره صاحبها أن يتجر بها في شئ معروف بعينه، في مصر بعينه، أو يطلق له رأيه فيها، وفعله بها فيتجر بها فيما شاء ويقلبها فيما أحب فحينئذ تكون هذه مضاربة صحيحة، ويكون الربح بينهما على ما اصطلحا عليه، وكذلك إن ضاربه بمائة دينار، وقال له استدن على المائة مائة أخرى، أقبضه الدنانير واذن له في استدانة شئ محدود، فاستدان المضارب ما أمره به، واتجر في المائة الدينار وفي الدين، وربح فيهما ربحا، فاربح بينهما على ما اصطلحا عليه في ذلك كله، والوضيعة عليهما والربح نصفان، وإن دفع إليه مائة دينار، وقال له استدن على المائة ما أحببت ولم يسم له شيئا معروفا فما ربح في المائة فهو بينهما على ما اصطلحا عليه، وما كان من وضيعة فهو على المائة، وما كان من ربح فيما استدان فهو للمضارب، وما كان من خسران فعليه، لان المضاربة في هذا الدين كانت فاسدة، لانه لم يحد له في ذلك حدا محدودا، والمضاربة فلا تكون إلا بمال محدود. قال: ولو أن رجلا مضاربا اشترى بمال معه للمضاربة سلعة بخمسين دينارا، ووقعت عقده البيع على السلعة بالخمسين وتبايعا على ذلك وتراضيا به، ثم استزاد صاحب السلعة المشتري لها منه شيئا فزاده اياه كان ما زاده من بعد قطع الثمن عليه في ماله دون صاحبه. قال: ولو أن رجلا دفع إلى رجل مالا مضاربة صحيحة، فاشترى المضارب بالمال سلعة فأربحه فيها صاحب المال ربحا رضيه، فلا بأس بشرائه اياها، وبيع المضاربة له، وان اشتراها المضارب من نفسه فالشراء فاسد لا يجوز له، وهي على حالها تباع في حال المضاربة، فما كان من ربح فهو على ما اشترطا عليه، وما كان من وضيعة فهي على رأس المال. قال: ولا بأس بأن يعين صاحب المال المضارب إن استعانه على الشراء
---
[ 134 ] (2/134)
والبيع، فيبيع ويشتري، وتكون المضاربة بينهما على ما كانت، لا ينقضها استعانة المضارب لصاحب المال، وقد قال غيرنا لا يجوز له أن يبيع، وله أن يشتري، ولسنا نقول بذلك بل البيع والشراء واحد ولا بأس أن يعين أخاه إذا استعانه فيشتري بذلك معه ويبيع، ولكن لسنا نرى أن يوكل رب المال فيه وكيلا، والتوكيل والامر والنهي إلى المضارب الذي أخذ المال من ربه على المضاربة به. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولو أن رجلا دفع إلى رجل مائة دينار أو أكثر أو أقل مضاربة صحيحة فقلبها المضارب فربح فيها مائة دينار، ثم قلبها ثانية فخسر فيها خمسين دينارا، لم يجز له من الربح شئ حتى يدفع المائة الدينار ويعزل رأس المال وهو المائة الدينار ثم يقسم باقي الربح بينهما على ما اصطلحا عليه، وذلك إذا لم يكونا اقتسما الربح الاول حتى خسر ما خسر في الشرية الثانية. قال: وان كان قد اقتسما الربح رأس المال من بعد، فخسر فيه خمسين دينارا، فلا سبيل لصاحب رأس المال على ما في يد المضارب من الربح، والخسران داخل عليه في رأس ماله، لان صاحب المال قد قاسمه الربح، ثم تعرك رأس المال في يده من بعد ذلك، فابتدأ فيه المضاربة ابتداء ولو كان المضارب حين دفع إليه رب المال ماله، اشترى به شيئا فخسر فيه، ثم قلبه في سلعه أخرى فربح فيها، لم يكن له من الربح شئ حتى يعزل رأس المال الاول الذي أخذه من صاحبه تاما على ما أخذه، ثم يقتسمان ما فضل على رأس المال من الربح، وليست هذه هذه المسألة كالاولى، لانهما كليهما في الاولة كانا قد اقتسما الربح أولا، ثم ابتدءا المضاربة فلم يلحق المضارب. ما يدخل في المضاربة
---
[ 135 ] (2/135)
الثانية من الخسران، وهما في هذه المسألة على مضاربتهما الاولى لم يقتسما فيبتدءان، فرأس المال لازم للمضارب، ولو قلبه عشرين مرة يربح في كل ذلك ويخسر. قال يحيى بن الحسين عليه السلام: ولو أن رجلا دفع إلى رجل ألف دينار مضاربة صحيحة، واشترطا في الربح شرطا يفهمانه واصطلحا فيه على أمر يرتضيانه، فاشترى بها المضارب حائطا يسوى بعد شرائه ألفا ومائة ثم بيع إلى جنبه حائط آخر، فأراد المضارب أن يشتريه لنفسه فإن أخذه بالشفعة كان ذلك له بما له من الربح في المائة التي زادت في ثمن الحائط الذي اشتراه بالالف لانه قد صار فيه شريكا لصاحب المال بحصته من الربح، فإن لم يسو الحائط في وقت ما بيع الحائط الذي إلى جنبه إلا الالف سواء سواء، أو أقل، أو كان فيه خسران فليس للمضارب فيما بيع من ذلك الحائط شفعة جوار، لانه لا يملك فيه شيئا، لانه لا ربح فيه، والشفعه واجبة لصاحب المال إن أراد أن يطلب بها لان رأس المال قد صار في هذا الحائط. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو كان لرجل عند رجل مال مضاربة فحضرته الوفاة فمات فان الحكم في ذلك أنه ان كان سمى ذلك المال عند موته وبينه وذكر أنه لصاحبه، وكان معزولا بعينه، أو معروفا بوزنه كان لصاحبه، وإلا كان صاحبه أسوة الغرماء، يضرب بسهمه مع سهامهم، وان لم يكن عليه دين فأبان مال صاحبه وذكره حكم له به، وإلا فكان على صاحبه أن يقيم عليه البينة حتى يستحقه من أيدي الورثة وإن لم يكن له بينة بذلك وجحده الورثة استحلفوا له، ما علموا له قبل صاحبهم مال مضاربة ولا غيره. قال: ولا يحل للورثة أن علموا بشئ من ذلك أن يدفعوا عنه صاحبه بسبب من الاسباب، ولا معنى من
---
[ 136 ] (2/136)
المعاني كانت له بينه أو لم تكن له. وبلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال في رجل يموت وعنده مال مضاربة إن سماه بعينه قبل أن يموت، فقال هذا لفلان فهو له، وإن مات ولم يذكره فهو أسوة الغرماء.
باب القول في المضاربة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: العبد المأذون له في التجارة بمنزلة الحر، يضارب بالمال إذا دفع إليه على ما شرط عليه، غير أنه ان تلف المال في يده أخذ سيده ببيعه وبيع ما كان يقلبه العبد من مال سيده، حتى يستوفي رب المال حقه. قال: وإن دفع رجل إلى عبد رجل ليس بمأذون له في التجارة مالا يضاربه فيه فذلك لا يجوز، فان اتجر العبد في ذلك المال فربح فيه ربحا كان الربح كله لصاحب المال ولم يكن لسيده من الربح شئ ولا للعبد، وكان على صاحب المال أجرة العبد فيما فيما اتجر له فيه على قدر أجرة مثله. فإن تلف المال في يد العبد لم يكن على سيده ضمان شئ مما تلف عنده، لان صاحب المال دفع ماله إلى عبد غير مأذون له في التجارة، بغير اذن سيده، فإن عتق العبد يوما كان لصاحب المال عليه ما أتلف من ماله. قال: وكذلك الصبي الذي لم يحتلم إن أذن له أبوه، أو وليه أو وصي أبيه في التجارة كانت حا ه كحال العبد المأذون له في التجارة، له من الربح ما اصطلح عليه هو، ومضاربه، وان أتلف المال لزمه ذلك المال الذي أتلف في ماله إن كان له مال، وإلا كانت جنايته على عاقلته، وان دفع إليه المضارب ماله، فضاربه بغير اذن وليه كان له أجرة مثله ولم يلحقه ضمان شئ من المال إن تلف في يده، لان صاحبه دفعه إليه بغير اذلن وليه.
---
[ 137 ] (2/137)
باب القول فيما لا يضمن المضارب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو دفع رجل إلى رجل مالا يتجر فيه، وشرط عليه نصف ربحه فليس عليه في المال ضمان إن تلف فإن اشترط عليه الضمان فليس له من ربح ذلك المال شئ، ولا يجتمع على مضارب ضمان مال وإخراج ربح، وإن رضي بذلك المضارب وضمن لصاحب المال كان ضمانه ورضاه باطلا.
---
[ 139 ] (2/139)
كتاب الرهن
---
[ 140 ] (2/140)
بسم الله الرحمن
باب القول في الرهن والراهن والمرتهن
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يملك المرتهن من الرهن إلا لزومه واحتصاره بحقه ويلزمه الحفظ لما في يده، فإن كان حيوانا فعلفه على مالكه وهو الراهن له. قال: والرهن إذا ضاع أو تلف في يد المرتهن تراد هو والراهن الفضل، وتفسير ذلك: رجل رهن عند رجل ما قيمته عشرون دينارا بخمسة عشر دينارا فتلف عند المرتهن الرهن فللراهن أن يطالب المرتهن بالفضل وهو خمسة دنانير، وكذلك ان رهن ما يسوي خمسة عشر بعشرين فتلف في يد المرتهن كان للمرتهن ان يطالب الراهن بالخمسة الباقية من ماله عن قيمة الرهن، وليس للمرتهن أن يطالبه بالفضل حتى يحل الاجل وليس للراهن أن يحدث في الرهن شيئا من مكاتبة أو بيع إن كان عبدا، أو غيره ولا صدقة ولا هبة، ولا تدبيرا ولا نكاحا، ولا مؤاجرة. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن راهنا رهن رهنا إلى أجل وقال للمرتهن إن جئتك بحقك إلى هذا الاجل والا فالرهن لك بحقك، كان هذا القول باطلا، وكان عليهما أن يترادا الفضل بينهما وشرط من شرط ذلك منهما باطل. قال: وان رهن راهن أمة أو ناقة فولدت الامة أو نتجت الناقة فالولد رهن مع الام حتى يفتديهما بما على
---
[ 141 ] (2/141)
الام، وليس للمرتهن أن يغير شيئا من ذلك، ولا يرهنه إلا بأمر الراهن، فإن استعاره الراهن من المرتهن خرج المرتهن من ضمانه، وصار حق المرتهن على الراهن. قال وان هلك الراهن وكانت عليه ديون، فالمرتهن أولى بما في يده كله من الرهن، فإن كان فيه فضل عما عليه رد الفضل إلى الغرماء، وإن كان للمرتهن فضل على الراهن أخذ المرتهن الرهن بما فيه وضرب مع الغرماء بباقي ماله، وكذلك ان أفلس الراهن وجاء أجل المرتهن الذي ارتهن إليه، أخذ الرهن إليه، وإنما جعلنا ذلك للمرتهن لانه ضامن للرهن وإنه لو تلف في يده لبطل ما عند الراهن من حق المرتهن. قال: ولو اختلف الراهن والمرتهن في الرهن فقال المرتهن: رهنت عندي ثوب وشي وقال الراهن: رهنت عندك ثوب خز فالقول (1) قول الراهن مع يمينه، إلا أن يكون للمرتهن بينة يشهدون على ما أرتهن. قال: ولا يكون الرهن مشاعا، ولا يكون إلا مقوبضا معروفا مفهوما بعينه وتحديده.
باب القول في الرهن
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا رهن الراهن نخلا أو شجرا من الفواكه أو أمة مملوكة لها زوج فأغلت النخل والاشجار، وولدت الامة لغلة النخل رهن مع أصولها بما أخذه صاحبه فيها، وكذلك كلما ولدت الامة فهو رهن معها، بما كان عليها، فان حدث بالغلة حدث، أو بولد المرهونة، أو حدث بالنخل نفسها، أو بالمرهونة نفسها في يد المرتهن سقط مما على الراهن بمقدار قيمة الذي هلك، وكان الباقي مرهونا بما بقي من بعد قيمة الهالك.
---
ص 141..
(1) قلت: أراد أن المرتهن يدعي براءته باحضار الوشي، والاصل الضمان، لا أنه يلزم المرتهن ثوب الخز إلا ببينة لتوافق الاصول. \ \ \ (بحر).
---
[ 142 ] (2/142)
قال: وكلما لزم النخل من مونة في سقي أو غيره فهو على الراهن في ماله، وكذلك نفقة الامة المرهونة أو العبد على الراهن، إن زاد ذلك الرهن فهو لصاحبه، ولا يجوز للمرتهن أن يبيع ثمر النخل ولا ثمر الشجر، ولا أن يزوج الامة إلا بإذن مالك ذلك كله وهو الراهن، إلا أن يخشى على الثمرة فسادا ويكون صاحبها غائبا فيكون للمرتهن بيع ذلك. بالامانة والاجتهاد فيه.
باب القول في الرهن أيضا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا رهن أكليلا من ذهب عند رجل فانشدخ الاكليل عند المرتهن بغير جناية من يد المرتهن، ولا جناية من أحد عليه، ولكن تهدم عليه بيت، أو سقط عيه جدار لم يكن المرتهن بغارم في ذلك شيئا، لان نفس الاكليل قائمة وذهبه قائم بعينه، ولم ينقص منه شئ، فإن نقص منه شئ من الوزن أو كان فيه جوهر فتكسر، كان المرتهن ضامنا لما نقص منه، فإن لم ينقص منه شئ وكانت الجناية في شدخه من المرتهن كان عليه غرم ما نقص من قيمته في هشمه، وإن كان ذلك بجناية من غيره كان صاحب الرهن مطالبا للمرتهن، وكان المرتهن مطالبا للجاني بقيمة جنايته، ويكون الراهن بالخيار، إن شاء أخذ رهنه وقيمة ما نقصه هشمه، وإن شاء ضمن المرتهن قيمة الاكليل صحيحا مصنوعا، وترك له ذلك الاكليل المنشدخ، وللمرتهن على الراهن ما كان له عليه من دينه.
باب القول في اختلاف الراهن والمرتهن
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا اختلف الراهن والمرتهن فقال المرتهن رهنت رهنك عندي بعشرين دينارا، وقال الران
---
[ 143 ] (2/143)
رهنته بخمسة عشر دينارا، سئل المرتهن البينة على ما يدعي، فان أتى ببينة حكم له بدعواه، وان لم يأت ببينة كان القول قول الراهن مع بينة لان المرتهن مدع، والراهن منكر. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن المرتهن واراهن يختلفان، فيقول الراهن الرهن بعشرة، ويقول المرتهن بعشرين، فقال القول قول الراهن، والمرتهن لا يثبت دعواه إلا ببينة، أكثر ماله على الراهن ان يحلفه لان البينة على المدعي، وعلى المدعي عليه اليمين.
---
[ 145 ] (2/145)
كتاب الكفالة والضمان والحوالة والوكالة
---
[ 146 ] (2/146)
بسم الله الرحمن الرحيم
باب القول في الكفالة والضمان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل من ضمان لرجل حقا كان على رجل فهو ضامن لذلك الحق مطالب به، ولا يجوز الضمان في الحدود، وضمان العبيد المأذون لهم في التجارة جائز ولهم لازم. قال: وان ضمن ضامن على مضمون عنه مالا، بإذن المضمون عنه كان المال على الضامن، وكان للضامن أن يأخذ المضمون عنه باخراجه لما قبله، فإن أبرأ صاحب الدين الضامن من ضمانه لم يبرأ الذي عليه المال المضمون عليه ورجع صاحبه على الذي له عليه، فإن وهبه المضمون له للضامن فهو له حق واجب على الذي كان عليه أولا، يدفعه إلى الضامن الموهوب له، ولو أبرأ صاحب المال غريمه المضمون عنه، برئ بابرائه الضامن، أو وهبه له برئ أيضا الضامن منه. قال: وان ضمن رجل عن رجل مالا بغير اذنه كان الضامن مأخوذا بما ضمن، فان أداه الضامن عن المضمون عنه بغير اذنه كان المضمون عليه بالخيار إن شاء أداه إليه، وان شاء لم يؤده إليه، لانه لا يلزمه. قال: والواجب عليه فيما بينه وبين الله إذا علم أنه لم يهبه له، وأنه انما اداه عنه ليقتضيه منه أن يرده إليه لان الله يقول: * (هل جزاء الاحسان إلا
---
[ 147 ] (2/147)
الاحسان) * (1) ولا يحل له حبسه، وينبغي لكل غريم إذا ضمن له ضامن ماله، أن يشترط هو والضامن أن المضمون عنه برئ. قال: ولو كان لرجل على رجل عشرة دنانير، أو أقل أو أكثر فأحاله على آخر بذلك المال فرضي واحتال، إن ذلك جائز، وأنه لا سبيل له على الغريم الاول، وإن ماله قد صار علي من رضي بالاحتيال عليه، فإن مات الذي احتال عليه فهو أسوة الغرماء في ماله. وكذلك إن أفلس فلا سبيل له على غريمه الاول لان دينه قد انتقل عن ذلك وصار على هذا بانتقال ما كان للغريم الاول على هذا المفلس أو الميت ألا ترى أن هذا الذي أحال غريمه على المفلس لو طالب المفلس بما كان له أولا عليه من بعد أن أحال به غريمه وجعله له على هذا الغريم الذي أفلس دونه لم يكن ذلك له، ولم تجز مطالبته له بما قد أحال به عليه غيره، فلما لم يجز للغريم الاول أن يطالب غريمه، بما قد نقل من ملكه وصار عنه إلى غريمه وصيره له لم يجز أيضا للغريم من بعد أن رضي بانتقال دينه عن غريمه الاول إلى هذا الغريم الآخر، وأبرأ الاول منه أن يرجع عليه بما قد صرفه عنه وصار على غيره لا عليه له.
باب القول في الوكالة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا وكل رجل وكيلا في أمر من أموره أو خصومة من خصوماته فكل ما لزم وكيله من حق لزمه، ووجب عليه لوجوبه على وكيله الذي وكله وأقامه من دونه. قال: ولو أراد الوكيل أن يوكل وكيلا لم يكن له ذلك إلا أن يكون الذي وكله أذن له في ذلك فيكون له أن يفعل ما أذن له فيه.
---
ص 147..
(1) الرحمن 60.
---
[ 149 ] (2/149)
كتاب الغصب والاقرار
---
[ 150 ] (2/150)
بسم الله الرحمن الرحيم
باب القول فيما يغصب من الحيوان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو اغتصب رجل حيوانا، من إبل أو بقر أو غنم أو إماء فنتجت الابل عنده، أو البقر، وولدت الغنم أو الاماء كان للمغصوب أن يأخذ ذلك كله، وكل ما أضنى عنده والاضناء فهو النسل فإن كان الغاصب باع الاولاد أو الامهات أخذه المغتصب بقيمة ما باع من الامهات والاولاد، وكذلك له أن يأخذ ما باع من ذلك حيث ما وجده، ويرجع المبتاع على البائع بما دفع إليه من الثمن، فان ماتت الامهات وبقيت الاولاد أخذ الاولاد وطالبه بقيمة الامهات، وإن ماتت الاولاد وبقيت الامهات أخذ الامهات ولم يطالبه بالبنات، لانه لم يجن عليهن في هلاكهن فإن كان هلاك البنات بجناية منه طالبه بقيمتهن، وانما أوجبنا عليه إذا ماتت الامهات أن يأخذ البنات منه، ويطالبه بقيمة الامهات لانه اغتصب منه الامهات بأعيانهن فأوجبنا عليه قيمة ما اغتصب منهن، ولم نوجب عليه قيمة البنات لانهن حدثن عنده وفي ضمانه لا مهاتهن، فإذا لم يجن عليهن جناية تذهبهن فلا يأخذ منه لهن قيمة من بعد موتهن، لانه لم يغتصبهن، وإنما هي زيادة حدثت عنده وفي ضمانه لامهاتهن وكذلك لو سرقن من عنده هن وأمهاتهن أو شئ منهن كان للمغتصب أن يأخذ المغتصب بما سرق منهن.
---
[ 151 ] (2/151)
باب القول فيمن اغتصب دابة فذبحها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا اغتصب ناقة فنحرها أو بقرة فذبحها أو شيئا من الدواب أو من الطير أو من غيره، فصاحبه فيه بالخيار إن شاء أخذه بحاله مذبوحا، وإن شاء أخذ قيمته حيا.
باب القول فيمن اغتصب تمرا أو نوى أو نوعا من الفواكه أو بيضا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا اغتصب غاصب شيئا مما ذكرنا من النوى فزرعه فخرج وكبر واستوى فليس لصاحب النوى إلا قيمة ما استهلك من نواه. وكذلك صاحب البيض إذا حضنه فخرجت له فراخ لم يكن له الا يمة ما غتصبه من بيضه فقط.
باب القول فيمن اغتصب وديا (1) أو نخلا كبارا، أو شجرا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل من اغتصب شجرا كبارا أو صغارا، وديا كان أو غيره فغرسه وسقاه حتى كبر فقد اختلف في ذلك، فقال قوم هو مستهلك له بما فيه من الزيادة وله قيمته، وليس له قلعه، وقال قوم هو قائم بعينه لم يحدث بعد، ولم يكن حدث كما يحدث الشجر من النوى إذا زرع فهو لصاحبه لانه قائم بعينه، وليس زيادته باستهلاك له، وهذا عندي القول الاخير أحسن القولين وأقربهما من الحق، لانه شئ قائم بعينه، وزيادته لا تزيل ملك صاحبه عنه، ولا
---
ص 151..
(1) الودي: صغار النخل.
---
[ 152 ] (2/152)
يملكه المغتصب له، وكما أنه لو نقص له يتبع المغتصب شيئا بنقصانه مادام حيا قائما بعينه، فيأخذه بنقصانه، وكذلك إذا زاد أخذه بزيادته إذا كان قائما بعينه، وما هذا عندي الا كالجدي والفصيل والمهر يزيد في يد من اغتصبه وسواء عندي كانت الزيادة من الحيوان أو من غيره إذا كان قائما بعينه في نفسه وصغار ذلك وكباره سواء يأخذه صاحبه متى شاء إلا أن يتراضيا فيه بينهما تراضيا صحيحا.
باب القول فيمن اغتصب مملوكا صبيا أو بهيما أو صغارا من الحيوان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل من اغتصب شيئا من ذلك صغيرا، أخذه صاحبه منه كبيرا، وان اغتصب منه هزيلا أخذه سمينا، وان نتج في يده أخذ ما كان من نتاجه، وإن تلفت أخذ قيمتها.
باب القول فيمن اغتصب ثوبا أو كرسفا أو صوفا، أو شعرا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من اغتصب ثوبا فقطعه قميصا، أو قباء (2)، أو سراويل أو دراعة، أو غير ذلك فصاحبه فيه بالخيار، إن شاء أخذه مخيطا أو غير مخيط وان شاء أخذ قيمته قبل أن يقطعه، وقد قال غيرنا أنه إذا خيطه فقد استهلكه وليس له الا القيمة، ولسنا نرى ذلك ولا نقول به، لان تخفييطه له لم يزيد فيه بل نقص من قيمته
---
ص 152..
(2) قال ولا أرش لان التغير لعرض فإن أحدث تمزيقا لا غرض فيه، فإن كان أرشه يسيرا فليس إلا الارش وهو النصف فما دون، وإن كان كثيرا فإن شاء أخذه مع الارش وإن شاء قيمته صحيحا لنص يحيى عليه السلام في مثل هذا فيما تقدم من الاجارات ذكر معنى ذلك في شرح التحرير.
---
[ 153 ] (2/153)
فلصاحبه الخيار على كل حال إن شاء أخذه، وان شاء أخذ قيمته، وليس ذلك عندنا من فعله باستهلاك له، وأما الكرسف والشعر فإذا عمل فقد استهلك، لانه إذا عمل القطن ثوبا، وعمل الشعر غرارة أو حبلا فقد زالا عما كانا عليه، واستهلكهما عاملهما، ولصاحبهما قيمتهما يوم أخذا منه لا غير ذلك.
باب القول في المغضوب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا اغتصب أرضا فبنى فيها كان له نقض بنائه إذا بنى فيها بغير أمره. وإذا بنى فيها بأمره كانت له نفقته التي أنفق في بنائه، قال: ولو أن رجلا اغتصب أمة مدبرة فأولدها كان ولدها بمنزلتها يعتقون بعتقها إذا اعتقت، ولا يلحق نسبهم بالواطئ لامهم المغتصب لها، وكذلك القول في أم الولد لو اغتصبت.
باب القول فيمن اشترى شيئا فاستغله ثم استحق من بعد ذلك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا اشترى عبدا صانعا فاستغله ثم استحق العبد حكم لمستحقه به، وحكم للذي كان في يده بالرجوع على من باعه إياه بما دفع إليه من ثمنه، ويكون ما استغله له، بما شغله فيه من ماله وضمانه اياه.
باب القول فيمن أخذ حيوانا بغير إذن صاحبه فاستهلك أو غير ذلك من العروض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا استهلك رجل حيوانا أو عروضا لرجل بغير اذنه رأينا له عليه قيمة ذلك يحكم به عدلان بينهما.
---
[ 154 ] (2/154)
فإن تشاجرا أو اختلفا في القيمة استحلف صاحب الشئ على قيمته التي اشتراه بها، وعلى زيادته ونقصانه، وثباته على حاله التي اشتراه فيها وعليها، وكانت له قيمته على المستهلك له، ولا يجوز ان يرد عليه حيوانا مثله ولا عرضا لان ذلك لا يسلم من التفاوت والاختلاف، وإذا وقع الاختلاف في مثل ذلك فسد ووقع فيه التظالم، والقيمة اسلم في ذلك للجميع وتكون القيمة قيمته يوم استهلكه.
باب القول فيمن أقر بحق يجب عليه لاحد من الناس
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل من أقر بحق لمسلم عليه لزمه ما أقر به من ذلك الحق صغيرا كان أو كبيرا، وكذلك يلزم كل حق أقر به لله تعالى أو للعباد مما يجب فيه الحد أو غيره، فمن أقر بالزنا أربع مرات وجب عليه الحد من بعد أنى فعل في أمره الامام بما شرحنا في كتاب الحدود، وكذلك في السرقة ويضمن ما سرق، وكل من أقر بشئ لزمه الحد فيه، الا أن يكون الزنا، فمن رجع عن اقراه به لم يلزمه حد فيه قال: ومن أقرب بولد من أمة له لحق به الولد وكان ثابت النسب. قال: ومن أقر بدين لوارث أو لغير وارث وهو صحيح جاز اقراره ولزمه، وكذلك ان أقر بدين وهو مريض ثم برئ من مرضه لزمه ما أقر به إن طالبه الذي أقر له به. قال ولو أن رجلا أقر بأخ وأنكره سائر أهل بيته كان له أن يشرك المقربه في الميراث الذي أخذه في حصته، ولم يلحق نسبه بشهادة المقر وحده، ويلزم المقر والمقر به أن يتوارثا يرثه ويرثه بمنزلة الاخ
---
[ 155 ] (2/155)
كاملا، واما اقرار السبي بعضهم ببعض فلا نراه يثبت، وهو الحميل (3) ومثله.
باب القول في القرار العبد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أقر العبد المملوك على نفسه بشئ يلزمه به النقصاص في بدنه جاز اقراره فيما يلزمه في بدنه من قصاص جراح أو مثله، وإن أقر بشئ يلزم مولاه فيه بسبب من غرم أو غيره لم يلزمه اقراره عليه وكذلك ان أقر العبد بشئ فيه تلف نفسه لم يجز اقراره لانه على سيده دونه، ويلزم العبيد ما أقروا به من حقوق وغيرها إذا عتقوا طولبوا بها حين يكون اقرارهم لهم وعليهم. ذال: وكذلك المحجور عليه في ماله ما ادعى عليه من سبب، أو أقر به من حق واجب من مال أو جناية وجب عليه اقراره ولزمه ولم يدفع عنه ذلك الحجر الا أن يكون مجنونا ذاهب العقل، أو صبيا لا عقل له، فاما إذا كان في غير هاتين الحالتين لزمه ما أقربه حجر عليه أولم يحجر، لان الحجر ليس له أصل صحيح، ولان المرء أولى بما له إذا كان بالغا صحيح العقل ثابت اللب.
---
ص 155..
(3) الحميل: الذي يجاء به من بلد غريبا.
---
[ 156 ] (2/156)
باب القول فيما يجوز إقرار الرجل به
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: خمسة أشياء يؤخذ باقراره فيهن الرجل: وهي أن يقول هذا ابني، أو يقول هذه امرأتي، أو يقول هذا أبي، أو يقول هذا مولاي، أو يقول لفلان علي دين كذا وكذا. قال: فإذا اقر بهذه الخمس الخصال أخذ في ذلك بقوله وورثوه بعد موته إلا أن يأتي الورثة ببينه أنه أراد توليجا في شئ من ذلك وكذلك المرأة يجوز لها في ذلك ما يجوز له، وقد قال غيرنا أنه لا يقبل قولها في الولد، وقولها في الولد ألزم منه في غير الولد، لان الولد منها أوكد وبها ألحق منه بالرجل، وكذلك أن الرجل لو عهر فأولد امرأة ولدا لم يلحق ذلك الولد الذي من السفاح به، ولم يوارثه، والمرأة لو عهرت فولدت ولدا ألحق بها ووارثته فلذلك قلنا إن اقرارها به واجب أوجب من اقرار الرجل.
---
[ 157 ] (2/157)
كتاب التفليس
---
[ 158 ] (2/158)
بسم الله الرحمن الرحيم
باب القول فيمن أفلس وعنده سلعة غريمة بعينها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه إذا أفلس الرجل وعنده سلعة غريمة بعينه فصاحب السلعة أولى بها من سائر الغرماء وبذلك حكم محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفي ذلك ما بلغنا عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أدرك ماله بعيه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من غيره) وبلغنا عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أولى بالمتاع إذا وجده بعينه). قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: إذا وجده بعينه أخذه بزيادته ونقصانه إن أحب ذلك، وان شاء أن يكون أسوة الغرماء فذلك إليه، وليس للغرماء أن يدخلوا معه في سلعته ولا أن يضربوا معه فيها بسهم لان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد قضى له بها دونهم. وتفسير ذلك رجل اشترى من رجل أرضا فيها زرع حين خرج، واستثنى ذلك الزرع، ثم أفلس المشتري وقد استحصد فقام عليه غرماؤه فلصاحب الارض أن يأخذ أرضه بما فيها من الزرع. قال: فإن كان قد حصدها قبل افلاسه وأكل ثمرها، ثم أفلس
---
[ 159 ] (2/159)
فصاحب الارض أولى برقبتها، ويضرب مع الغرماء في سائر مال المفلس بيمة الزرع أيام اشتراء الارض وهو صغير. قال: فان اشترى منه الارض ولا زرع فيها ثم زرعها هو ثم أفلس فصاحب الارض أولى برقية أرضه ويقال له اصبر حتى يخحصد الزرع فإذا حصد أخذه الغرماء وأخذت أنت أرضك، فإن أبى أن يصبر جبر على ذلك لان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام) وهذا يريد أن يضار الغرماء والمفلس فلا يترك وذلك قال: وكذلك لو أن رجلا اشترى من رجل نخلا فيه تمر طلع قد أبره واستثناه على المشتري فأكله واستهلكه، ثم أفلس كان صاحب النخل أولى بنخله، وكان أسوة الغرماء في قيمة التمر يوم اشتريت النخل في باقي مال المفلس يضرب معهم بذلك كما يضربون ويحاصهم به فيما يأخذون، وكذلك القول لو إنه اشترى منه نخلا لا تمر فيها ثم اطلعت عنده فأبرها وقام عليها، ثم أفلس قبل بلوغها كان صاحب النخل أحق بنخله وعليه أن يصبر حتى يجد التمر ويأخذ هو أصله الذي اشتري منه، قال: وكذلك لو اشترى أرضا أو شجرا من أشجار الفواكه مثل الرمان وغيره فاشترى ذلك الشجر وقد خرجت فيه الثمرة وعقدت واستثنى تلك الثمرة، ثم أفلس وقد باعها واستهلكها كان الشجر لصاحبه إن اراده وطلبه، وكان يطالب مع الغرماء بقيمة الثمرة يوم اشترى الشجر وانما تكون قيمتها من أصل البيع، فيقسم الثمن على الحائط والثمر فينظر كم قيمة الثمر من أصل البيع يوم اشترى الشجر، وكذلك كل ما ذكرنا من النخل والشجر والزرع إذا اشتراه واستثنى فيه ثمرا لم يبن صلاحه، فان كان قيمة تلك الثمرة تكون قيمة سدس ثمن الحائط، أدخل الشجر والحائط بخمسة أسداس الثمن، وطالب مع الغرماء بسدس الثمن، وكذلك لو كان ثمن الثمرة الثمن، أو أقل أو أكثر كان كذلك.
---
[ 160 ] (2/160)
قال: ولو باعه وديا أو شجرا صغرا ثم أفلس فلصاحب الارض أن يأخذ الارض بما فيها من ذلك الشجر صغرا، أو كبارا بالغا منتهاه، أو غير بالغ لانه عين ماله. قال: وكذلك لو أفلس وقد تلف ذلك الشجر أو بعضه كان له أن يأخذ الارض بما فيها ويطالب مع الغرماء بالذي تلف مما باعه إياه، ويقضى له بقيمته يوم باعه إياه. قال: وكذلك لو باعه جارية صغيرة وكبرت عنده وفرهت ثم أفلس، كان لصاحب الجارية أن يأخذ الجارية في حال زيادتها لانها ماله بعينه، وكذلك لو اشتراها حسنة الحال موصوفة بالفراهة والكمال، ثم أفلس وقد ساء حالها، ة أو عورت عنده أو زمنت لم يكن له غير أخذها بنقصانها، كما يأخذها بكمالها وزيادتها.
باب القول فيمن اشترى جارية من رجل فولدت عنده ثم أفلس
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا اشترى من رجل جارية إلى أجل فولدت تلك الجارية عند المشتري أولادا من غيره، ثم أفلس المشتري فليس لصاحب الجارية غيرها بنفسها يأخذها ويخلي أولادها، لان هذا شئ حدث في ملك المشتري وضمانه، وليس لصاحب الجارية من ذلك شئ الا الجارية. قال: وانما يأخذها صاحبها إذا أفلس المشتري ويترك أولادها إذا كان الاولاد من غير المفلس من زوج كان زوجه اياها، ف اما ان كان الاولاد منه هو المفلس فلا سبيل لسيدها الاول الذي باعها إلى أخذها من يد المفلس، لانه قد استهلكها، فحالها حال ما استهلك من الاشياء والبائع فلم يجدها كما دفعها، لانه دفعها إليه مملوكة ووجدها أم ولد.
---
[ 161 ] (2/161)
باب القول في المفلس وعنده عبد قائم بعينه لم يدفع ثمنه وقد وهب له مالا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا باع من رجل عبدا فوهب له المشتري مالا وكساه ثيابا ثم أفلس فإن صاحب العبد يأخذ عبده بعينه ولا شئ له مما وهب له المفلس ويأخذ ما في يده الغرماء يقتسومنه بينهم. ذال: وكذلك لو أن رجلا اشترى من رجل عبدا له مال أو ثباب، فاستثنى المشتري ذلك المال الذي للعبد ثم استهلكه من بعد الشراء أو أهلكه العبد كل ذلك سواء ثم أفلس فإن صاحب العبد يأخذه ثم يضرب مع الغرماء في سائر مال المفلس بمقدار ما كان مع العبد من المال أيام اشتراه. قال: وان اشترى منه أمة ثم أفلس والامة حبلى من غيره، كانت الامة وما في بطنها مردودة على الذي اشتراها منه أولا، وهذا الفرق بين الزيادة المتصلة والمنفصلة. وكذلك لو اشترى منه ابلا أو غنما فتلف بعضها ثم أفلس فلصاحبها ما لقح منها ويضرب بالباقي مع الغرماء في فضل مال المفلس.
باب القول فيمن اشتراى أرضا بيضاء فغرس فيها نخلا أو أحدث فيها بناءا ثم أفلس
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا اشترى من رجل أرضا فغرس فيها نخلا أو أحدث فيها بناءا ثم أفلس كان الغريم بالخيار، إن أحب أخذ أرضه وأعطاه قيمة الغرس الذي فيها، وإن أحب أسلمها للغرماء وأعطوه ما كان بعها به، فإن أبى أن يأخذ أرضه ويدفع قيمة ما فيها من الغرس، وأحب الغرماء أن يقلعوا ما فيها من الغرس
---
[ 162 ] (2/162)
ويدفعوا إليه أرضه قلعوا، وليس ذلك مما يحكم به عليهم، فإن أبى أن يعطيهم القيمة، وأبوا أن يقلعوا الغرس حكم له بما كان باع به الارض، وسلمت الارض وما فيها إلى سائر الغرماء ويحكم بذلك عليه أن أبى حكما يلزمه.
باب القول فيمن باع شيئا وقبض بعض ثمنه ثم أفلس المشتري وعليه باقي ثمن ذلك الشئ
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا باع من رجل عبدا فقبض نصف الثمن وأنظره بنصف الثمن ثم أفلس كان العبد بينه وبين الغرماء، ولم يحكم له بأخذه، ورد ما أخذ من ثمنه لانه قد قبض بعض الثمن، وزال العبد من يده بما قبض من ثمنه، وللغرماء أن يبيعوا الصنف الآخر بقيمته في ذلك اليوم قليلة كانت أو كثيرة فإن أراده الذي له فيه نصفه أخذه بقيمة ذلك اليوم.
باب القول فيمن رهن رهنا بأكثر من قيمته أو دون قيمته ثم أفلس
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا رهن عند رجل رهنا يسوى مائة دينار بخمسين دينارا ثم أفلس كان باقي قيمة الرهن عن ما للمرتهن على الرهن مردودا إلى الغرماء وذلك أن المرتهن يستوفي حقه ويرد الفضل إلى الغرماء، فإن رهن رجل رهنا يسوى خمسين دينارا بمائة دينار ثم أفلس الراهن فالرهن للمرتهن بقيمته ويرجع مع الغرماء في باقي حقه في سائر مال المفلس يحاصهم به ويضرب معهم بسهمه. قال: فإن رهن عنده عبدين أو أمتين فتلف في يد المرتهن أحدهما، ثم أفلس الراهن كان الحكم في ذلك أن ينظر إلى قيمته كم هي؟ وكم
---
[ 163 ] (2/163)
كانت؟ فإن كانت قيمتها أكثر مما كان عليه رد المرتهن على الغرماء تلك الفضلة وكانت قيمة الهالكة لازمة له داخله عليه في ماله، وان كانت قيمتها أقل مما كان له على المفلس أخذهما بقيمتها من ماله، وضرب مع الغرماء بباقي حقه في سائر مال المفلس، فان رهن عنده نخلا فأثمر النخل سنتين أو ثلاثا ثم أفلس الراهن نظر إلى ما كان له على صاحب تلك النخل وإلى قيمة ثمره تلك السنين فإن كانت قيمة الثمر بما كان له عليه سلم إليه ذلك وأخذ منه أصل النخل، وان كان الذي له في النخل أكثر من قيمة الثمر استوفى ذلك إذا باع هو والغرماء الاصل وسلم إليهم الباقي كله، وإن كان ما كان له عليه يستغرق الثمر وأصل النخل فهو له وان كان ذلك كله لا يودي ماله فيه، أخذ ذلك بحسابه، وضرب بفضلة ماله في مال المفلس مع الغرماء.
باب القول في الرجل يشتري دارا فيهدمها ويبنيها بناءا جديدا يفلس
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا اشترى من رجل دارا فهدمها ثم بناها بناءا جديدا مبتدأ ثم أفلس كان الحكم في ذلك أن يقال لصاحبها إن أحببت أن تأخذها وترد باقي قيمتها اليوم من الفضل عن قيمتها أولا، فذلك لك إن أبيت فأنت أسوة الغرماء. قال: وإنما جعلنا له الخيار في ذلك لان عرصة الدار قائمة بعينها، وغير ذلك مما قد أعيد فيها من نقضها وخشبها وسائر ذلك من آلتها، وإن كانت قد غيرت عن حالها الاولى فهي هي لم تتغير عرصتها ولا كثير من حجارتها وخشبها وإذا كان ما ذكرنا من ذلك قائما بعينه فهي الدار التي كان قد باع غير أن بناءها أولا وبناءها آخرا قد اختلفا وتفاوتت صفتهما، فدخل في ذلك التفاضل بين الحالة الاولى والحالة الاخرى، فألزمنا صاحبها إن
---
[ 164 ] (2/164)
أرادها إخراج الفضل الذي صار فيها إلى وقت اعادتها بناءا ثانيا جديدا، فإن بناها بنيانا دون البناء الاول فاستفضل من خشبها وحجارتها فضلة أخذها صاحبها وضرب بما نقص من داره مع الغرماء في باقي مال المفلس.
باب القول في الدين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا ترك مائة دينار دينا عليه للناس وترك خمسين دينارا وأوصى في هذه الخمسين التي تركها بوصايا لم تجر وصاياه لانه عليه دينا، والذين أولى، والعمل في ذلك أنى ضرب لاصحاب الديون في الخمسين دينارا بسهامهم، على قدر ديونهم، يضرب لكل انسان بنصف دينه لانه ترك خمسين دينارا وعليه مائة دينار دينا. قال: ولو أن رجلا هلك وترك ورثة ومالا فأدعي مدع دينا فشهد له بما ادعى من الدين بعض الورثة رجلان أو رجل وامرأتان لحكم لصاحب الدين بما ادعى من دينه الذي شهد له به الورثة وكان ذلك خارجا من رأس المال. قال: ولو شهد لصاحب الدين رجل واحد من الورثة لجازت شهادته في حقه ولزمه أن يؤدي إليه من دينه بمقدار ما كان يلزمه من حقه منه، وكذلك لو شهدت إمرأتان لزمهما ما لزم الرجل في حقوقهما، وتفسير ذلك رجل مات وترك ستة بنين وترك ستمائة درهم فادعى عليه رجل مائة درهم وشهد له بذلك أحد البنين وجحده الآخرون فالواجب على هذا الشاهد أن يدفع إلى الذي شهد له بالدين من المائة التي في يده سبعة عشر درهما الا ثلثا، لانه يقول على أبينا من هذه الست مائة درهم مائة درهم لهذا الرجل ويبقى خمس مائة، ونصيبنا ثلاثة وثمانون درهما وثلث لكل واحد، فقلنا له أنت قد أقررت بهذه المائة، وإنما لك بقولك من
---
[ 165 ] (2/165)
ميراث أبيك ثلاثة وثمانون وثلث فاقبضها وادفع باقي هذه المائة التي معك إلى غريم أبيك الذي شهدت له بالدين. قال: وكذلك لو كان خمسة بنين وترك أبوهم ستمائة درهم فشهد واحد منهم لرجل على أبيه بمائة درهم قيل لهذا الشاهد أنت تزعم أن لهذا الرجل مائة درهم على أبيك، وان ميراثه خمس مائة الفاضلة من بعد المائة، وان لكل واحد منكم من بعد ذلك مائة فخذ مائتك وادفع إلى صاحب الدين ما بقي في يدك من بعد مائك.
باب القول في الحبس في الدين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يحبس الملي من الغرماء المماطل لغريمه بعد الجدة وحلول الاجل فاما المعسر الفقير فلا يحبس إذا بان عسره وإعدامه وينظر إلى ميسوره كما قال الله عزوجل: * (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة (1)) * وأكثر ما يجب على المعسر أن ينجم عليه دينه تنجيما صالحا له ولصاحب الدين.
---
ص 165..
(1) البقرة 280.
---
[ 167 ] (2/167)
كتاب الصلح (1)
---
ص 167..
(1) هكذا في بعض النسخ كتاب الصلح.
---
[ 168 ] (2/168)
بسم الله الرحمن الرحيم
باب القول فيما يصطلح المسلون عليه بينهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل صلح اصطلح المسلمون بينهم عليه فهو جائز الا أربعة أشياء: صلح حرم ما أحل الله جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله، أو صلح أحل ما حرم الله، أو صلح في حد من الحدود التي أوجب الله اقامتها بعد رفع ذلك إلى إمام المسلمين، أو صلح في نقد بدين، والصلح بدين الذي لا يجوز أن يكون لرجل على رجل، عشرة دنانير فيطالبه بها فيجحده ويمتنع من قضائه فيصالح بينهما على أن يطرح عنه خمسة ويأخذ خمسة فيصالحه صابح الدين ويرضى منه بذلك فيستنظره بالخمسة إلى مدة فهذا الصلح لا يجوز. ومن ادعى شيئا فصولح على أكثر منه لم يجز، ومن ادعى شيئا فصولح على ما دونه جاز الصلح على ما ذكرنا من تعجيل ما صولح عليه، وان وقع الصلح بين الغريمين على شئ مبهم جزافا لا يعرفانه جميعا كيله ولا زومه ولا عدده، وكذلك الصلح فجائز بين الناس في الدماء والديات والخراج والديون، وكل سبب يتعاملون عليه وادعاه بعضهم على بعض إلا ماكان على ما ذكرنا من الاربعة الاشياء، والصلح جائز من الرجل والنساء من المسلمين جميعا، وأهل الذمة، ولا يكون
---
[ 169 ] (2/169)
الصلح إلا بين الذين جرت عليهم الاحكام بالبلوغ من السنين خمسة عشر سنة، أو الادراك بالبلوغ.
باب القول في الصلح عن الذهب بالفضة وعن الفضة بالذهب عند القضاء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس بذلك يدا بيد، وتفسير ذلك: رجل كان له على رجل مائة درهم من دراهم صرف مثلها عشرون دينارا فأتاه بخمسة دنانير فقال هذا الذي لك علي خذه بصرفها فذلك جايز لهما يدا بيد، وكذلك لو كان له عليه خمسة دنانير فأتاه بمائة درهم جاز له أن يقبضها منه بصرفها يدأ بيد.
---
[ 171 ] (2/171)
كتاب الايمان والنذور والكفارات
---
[ 172 ] (2/172)
بسم الله الرحمن الرحيم
باب القول في الحكم في كفارة اليمين والقول فيمن يحلف باطلا وهل يعلم ذلك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من حلف باطلا ليقطع على مسلم حقا، أو أراد في ذلك بهتانا وإثما كان فاجرا فاسقا غادرا ظالما وفي أولئك ومن كان كذلك ما يقول الرحمن فيما نزل من القرآن: * (إن الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) * (1) وقوله تبارك وتعالى: * (لا خلاق لهم في الآخرة) * فهو لا نصيب لهم في قواب الله في الآخرة واما قوله * (لا يكلمهم الله) * فمعناها لا يبشرهم الله برحمته ولا يخصهم بمغفرته ولا ينظر إليهم بنعمته وأما قوله: * (ولا يزكيهم) * فهو لا يحكم لهم بتزكية ولا يختم لهم برحمة ولا بركة، ولا يجعلهم في حكمه من الزاكين ولا عنده من الفائزين. قال: وهذه الآية نزلت في رجل حلف لرجل عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمينا فاجرة باطلة فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من حلف على مال أخيه فاقتطعه ظالما لقي الله يوم القيامة وهو معرض عنه. وقال الله سبحانه: * (ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم أن تبروا وتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم) * (2)
---
ص 172..
(1) آل عمران 77.
(2) البقرة 224.
---
[ 173 ] (2/173)
وذلك فمعناه أن يحلف الرجل أن لا يبر له رحما، وأن لا يصلح بين اثنين من المسلمين لان الله تبارك وتعالى قد أمر بالاصلاح بين المسلمين بقوله: * (وإن طائفتان من المؤمنين أقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الاخرى فقالتوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فإن فإت فاصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) * (3) ولا ينبغي للرجل إذا أمر بخير فعصي، أو أصلح بين اثنين فلم يطع، أن يحلف أن لا يصلح بينهما، ولا يعود في الدخول في شئ من أمرهما، فإذا قيل له أصلح بينهما قال قد حلفت أن لا أفعل فلست أقدر لمكان يميني ولست أستطيع أن أحنث في قسمي فنهاه الله عزوجل عن ذلك وقال: * (ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم أن تبروا وتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم) * (4) يقول سبحانه ولا تجعلوا ايمانكم علة تعرض، وتقطع بينكم وبين طاعة الله في صلة أرحامكم، والاصلاح بين أخوانكم بل بروا واتقوا وتحروا الخير وأصلحوا وعن إيمانكم كفروا، وقد يدخل في تفسير هذه الآية أن يكون الله سبحانه نهى عباده عن القسم به في كل حق وباطل، وأن يجعله عرضة ليمينه في النازل وغير النازل، قال الله سبحانه: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته إطعام عشرة مساكين الآية) * (5) ثم قال سبحانه: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) * (6).
---
ص 173..
(3) الحجرات 9.
(4) البقرة 224.
(5) المائدة 89.
(6) البقرة 225.
---
[ 174 ] (2/174)
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الايمان ثلاث فمنهن اللغو، وكسب القلب، وما عقدت عليه الايمان. فاما اللغو فاليمين يحلف بها الحالف وهو يظن أنه صادق فيها ولا يكون الذي حلف عليه كما حلف فهاتيك لغو، وليس عليه فيها كفارة، ولا ينبغي له أن يعود لمثل ذلك وينبغي له أن يتحرز من اليمين بالله الا في اليقين فهو غير آثم فيها. وكسب القلوب هو ما حلف عليه كاذبا وهو يعلم أنه كاذب يتعمد ذلك تهمدا في بيع أو شراء أو غير ذلك من المحاورة في الاشياء فليس في ذلك كفارة، وفيها التوبة إلى الله والانابة والرجعة عن الخطية إلى الله عزوجل والاستقالة، واما المعقدة من الايمان فهو ما حلف الرجل أن لا يفعله أو أقسم فيه أن يفعله وهو عازم على التمام على يمينه والوفاء، ثم يرى غير ذلك خيرا منه فيفعله، فعليه في ذلك كفارة اليمين يطعم عشرة مساكين غداءهم وعشاءهم من أوسط ما يطعم أهله من الطعام ويؤدمهم بأوسط الادام، يطعم كل واحد منهم نصف صاع من دقيق (7)، أو صاعا من تمر أن شعير أو صاعا مما يأكله هو وأهله من الذرة أو غيرها من الطعام أو يكسوهم كسوة تعم جسد كل مسكين منهم، إما قميصا سابغا وإما ملحفة سابغة يلتحف بها، وإما كساءا، ولا تكون الكسوة إلا كسوة جامعة للبدن لا يجوز أن يكسا أحدهما عمامة وحدها ولا سراويل وحدها، أو يعتق رقبة مسلمة صغيرة أو كبيرة، وهو في هذه الكفارات الثلاث بالخيار يصنع أيها شاء والكسوة أفضل من الاطعام والعتق أفضل من الكسوة، فمن لم يجد من ذلك شيئا ولم يستطع إليه سبيلا فصيام ثلاثة أيام متتابعات ثم قال سبحانه: * (واحفظوا أيمانكم) * (8) يقول احفظوها اي كفروها، وقوموا بما أوجبنا عليكم فيها، ثم قال سبحانه في
---
ص 174..
(7) والدقيق عنده عليه السلام فهو البر.
(8) المائدة 89.
---
[ 175 ] (2/175)
الاستثناء * (ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي لاقرب من هذا رشدا) * (9) فأمره بالاستثناء عندما يتكلم في كلامه أو يؤمل فعله غدا من أفعاله، ثم قال: * (واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي لاقرب من هذا رشدا) * (10) يقول لتستثن إذا ذكرت أن نسيت في أول أمرك فلا تدع الاستثناء عند آخر كلامك وعندما تكون فيه من ذكرك. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لا بد من إطعام عشرة مساكين في كفارة اليمين، ومن اطعام ستين مسكينا في الظهار، لمن لم يجد عتق رقبة ومن لم يستطع صياما، ولا يجوز ان لم يجد كلهم أن يردد على بعضهم، ولابد من اطعام ما ذكر الله من عددهم ان كان لم يوجد بعضهم صبر حتى يوجدوا، وان أطعم بعضهم كان عليه أن ينتظر حتى يجد تمامهم. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن كفارة اليمين كم يعطى كل مسكين فقال يعطى مدين مدين من حنطة أو دقيق لكل مسكين، بأدامه من أي أدام كان أو قيمته لغدائهم وعشائهم وكذلك يروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن اطعام المسكين في الكفارة إذا لم يوجد ستون مسكينا أو عشرة، هل يجوز أن يردده عليهم؟ فقال لا يردد عليهم ولكن ينتظر حتى يجد ما قال الله ستين مسكينا أو عشرة مساكين.
---
ص 175..
(9) الكهف 23.
(10) الكهف 24.
---
[ 176 ] (2/176)
باب القول في ترديد اليمين في الشئ الواحد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا ردد الرجل ايمانا مرددة في شئ واحد يحلف عليه في نفسه ولا يجوزه إلى غيره فليس عليه فيه إلا كفارة واحدة، وإن تعداه إلى غيره فحلف في شئ سواه فحنث فعليه كفارتان. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الرجل يردد اليمين في الشئ الواحد فقال: إذا كانت في شئ واحد أيمان مكررة الا يفعله ففعله فعليه كفارة واحدة.
باب القول فيما يقع به القسم على المقسم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من قال والله لا فعلت كذا وكذا أو بالله أو تالله لا أفعل كذا وكذا، أو وحق الله، أو قال وربي، أو قال وحق ربي، أو قال ورب شئ مما خلق الرحمن كائنا من الاشياء ماكان، أو قال عليه عهد الله وميثاقه، أو قال أيم الله، أو هيم الله أو قال أقسم بالله، فكل ذلك يمين يلزم فيها الكفارة من حلف بها. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن رجل قال علي عهد الله وميثاقه فقال: ما رأيتهم يختلفون في قول الرجل علي عهد الله وميثاقه، وأيم الله، وهيم الله أنها يمين. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا قال أقسم إن لم أفعل كذا وكذا سئل عن نيته فإن كان أراد القسم بالله كان ذلك قسما وكانت عليه فيه كفارة، وإن كان أراد القسم بغير الله فلا كفارة عليه، لان الناس قد يقسمون بغير الله في أشياء كثيرة. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الكسوة في الكفارة ما يكسى
---
[ 177 ] (2/177)
كل مسكين؟ فقال: يكسى ثوبا رداءا أو قميصا أو قيمته إذا لم توجد الثياب وليس فيه ثمن معلوم.
باب القول فيما يجزى من الرقاب في الكفارات
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجزى في الظهار وكفارة اليمين الصبي والمكفوف، والاعور، والاعرج، والاشل، والاخرس، والمجنون، لمن لم يجد غير ذلك فإن وجد مسلمة سالمة فهو أفضل له، فاما في القتل فلا يجوز فيه الا صحيح بالغ في سنه، قد عرف الاسلام وعمل به، لان الله يقول فيه: * (فتحرير رقبة مؤمنة) * (11) والمؤمنة فهي التي تعرف الايمان وتعمل بحدوده، وتجري عليها الاحكام فيه ويجري فيه عليها، فأما في النذور فما أوجب على نفسه لزمه إن كان نوى سليمة فعليه سليمة وإن كان نوى كبيرة فعليه كبيرة حتى يؤدي ما نذره لربه كما جعله لله سبحانه على نفسه، والمدبر فقد يجوز في كفارة اليمين وفي الظهار، وأكرههه في القتل. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن قول الله عزوجل * (فتحرير رقبة مؤمنة (12)) * أيجوز في ذلك المولود، والمكفوف، والاعور، والاعرج، والاشل، والاخرس، والمجنون، فقال: قد اختلف في ذلك كله، ويجوز ذلك كله عندي، والرقبة المسلمة السليمة أفضل، إلا أن يكون في القتل والرقبة المؤمنة من قد عرف الاسلام وصلى وفيما سوى القتل فأرجو أن يجزى المولود في مثل الظهار وغيره، إلا أن يكون نوى أو أضمر أن تكون سليمة فلا تجزيه الا سليمة لان القيمة تكون في ذلك اكثر، فعليه ما جعل لله على نفسه من نذر ان كان نذر.
---
ص 177..
(11) النساء 92.
(12) النساء 92.
---
[ 178 ] (2/178)
باب القول في الرجل يحلف ويستثني بعد انقطاع كلامه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا حلف الحالف في شي ء فاستثنى في مجلسه وقبل انقضاء كلامه وكينونة قيامه فله ما استثنى من استثنائه، وان استثنى بعد فناء كلامه وانقطاع قاله وقيله، فيما حلف عليه بيمينه فلا استثناء له في ذلك، وعليه الكفارة ان حنث بيمينه. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن رجل يحلف ويستثنى بعد اغن انقطع كلامه أو لقاه (13) انسان استثناء، فقال: إن استثنى وهو في مجلسه وقبل انقضاء كلامه فله استثناؤه، وان لم يستثن حتى انقضى كلامه وقام من مقامه لزمته اليمين ولم يكن له استثناء.
باب القول فيمن حلف بغير الله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من حلف ببيت الله، أو بسورة من كتاب الله أو بقبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو بحق نبي من أنبياء الله، ان لا يفعل شيئا ثم رأى أن فعله خير وأقرب إلى الله فليفعله، ولا كفارة عليه لان الكفارة انما تجب في الله وحده سبحانه، وليس له أن يجعل شيئا مما ذكرنا عرضة ليمينه، وعليه أن يفي بما حلف به فيه، الا أن يكون غيره خيرا منه، وأقرب إلى الله فيأتي ما حلف عليه ولا يلزمه كفارة، وقد قال غيرنا يلزمه في ذلك كفارة ولسنا نرى ذلك كذلك ولا نقول إن الكفارة تلزمه في ذلك. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الرجل يحلف بالقرآن كله، أو بالسورة أو بالآية، أو بالبيت الحرام، فقال: ليس الحلف بالبيت والقرآن بيمين تلزمه فيه الكفارة والكفارة لا تلزم الا من حلف بالله.
---
ص 178..
(13) معنى لقاه: لقنه.
---
[ 179 ] (2/179)
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لا بأس بعتق ولد الزنا إذا كان من أمة مملوكة في كل الكفارات من ظهار، أو قتل، أو يمين، ولا يجوز عتق المكاتبة ولا ولدها الذي كاتبت عليه معها، أو ولدته في مكاتبتها في شئ مما ذكرنا، وولدها بمنزلته، وقال في رجل قال: حلفت بالله في كذا وكذا ولم يكن حلف، أو قال: على يمين في ذلك، وليس عليه يمين ان تلك كذبة منه ولا يلزمه ما كذب به على نفسه حتى يكون باليمين لا فظا، وبها متكلما قايلا، ولا يلزمه ما لم يكن، ولا يجب عليه ما لم يلزم به نفسه. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن رجل يقول حلفت بالله، أو يقول علي يمين، قال ك إنما تلك كذبة كذبها وليس يلزمه من ذلك ما لم يكن منه.
باب القول فيمن لزمته كفارة ولم يجد مساكين من مساكين المسلمين، هل يجوز له أن يطعم أو يكسي مساكين أهل الذمة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز أن تصرف كفارات المسلمين إلى غيرهم من الذميين ولكن ينتظر بها أهلها من فقراء المسلمين حتى تصرف فيهم، ويؤثروا به على غيرهم وقد قال غيرنا إنها تجوز في فقراء أهل الذمة، ولسنا نقول إنها تكون، إلا في فقراء أهل الملة الذين تجوز فيهم زكوات أغنيائهم وبها حكم الله لهم في أموالهم فحيث جازت زكوات المسلمين وأعشارهم جازت كفارتهم وصدقاتهم. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عهن رجل أراد أن يطعم المساكين في كفارة يمين فلم يجد مساكين المسلمين هل يجوز له أن يطعم مساكين أهل الذمة اليهود والنصارى؟ فقال: لا يطعم في كفارات اليمين المشركون ولا يطعم الا مساكين المسلمين.
---
[ 180 ] (2/180)
باب القول فيمن أكره على أن يحلف يمينا ومن أقر بولد ثم نفاه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من أكره على يمين فحلف لمكرهه لم يكن حانثا الا أن يكون في يمينه ظالما للمسلمين أو عاصيا لرب العالمين فانه إذا كان كذلك حنث في يمينه وتفسير ذلك أن يأخذ مالا لمسلم أن يقتل قتيلا فيؤخذ به فيجبر على اليمين ما أخذ المال ولا قتل القتيل فهو في هذا ان حلف حانث لانه ظالم لانه يحلف على ظلم لا يجوز له أن يحلف عليه بل الواجب عليه تسليمه ورده أو الاقرار به. قال ومن أقر بولد ساعة ثم نفاه لم يقبل ذلك منه وألحق به وجلد الحد إن كانت أم ولده ذلك زوجة له حرة.
باب القول فيمن يحلف يمينا إلى وقت من الاوقات
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا حلف بالله لآتين فلانا في وقت العشاء وسئل عن نيته فإن خكان نوى أن يأتيه في أول وقت العشاء وحين وجوبها فأتاه بعد ذلك الوقت في ربع الليل أو ثلثه كان حانثا، وإن كان لم ينو أول الوقت فأتاه قبل طلوع الفجر، فليس بحانث لان ذلك الوقت وقت لصلاتها لمن كانت به علة قاطعة عن تعجيل صلاتها مثل المغمى عليه والحايض تطهر في آخر الليل. وكذلك لو حلف لآتينك بعد أن أصلي العشاء سئل أيضا عن نيته فإن كان نوى أنه ساعة يصلي ينصرف إليه كان حانثا إن أبطأ، وإن لم ينو شيئا كان الليل كله له وقتا. وكذلك لو حلف على دين لغريم له ليقضينه في وقت من الليل أو النهار كان الامر فيه على ما شرحت لك، وكذلك لو حلف رجل باطلاق
---
[ 181 ] (2/181)
لرجل ليكلمنه أو ليأتينه على رأس السنة أو رأس الشهر كان له أن يأتيه في أول السنة المقبلة وخروج السنة الاولى فيكلمه في أول ليلة دخلت من السنة الداخلة ما بينه وبين طلوع الفجر، فإن طلع الفجر قبل أن يكلمه أو يأتيه فقد حنث، لانه قد مضى من السنة الداخلة ليلة ومضى رأس السنة الخارجة، وكذلك القول في الشهر فافهم هذه المعاني، وقس عليها ما أتاك إن شاء الله بقياس حسن ولب حاضر.
باب القول فيمن يحلف باليمين في صغره ثم يحنث في كبره أو في حال صغره والمملوك يحنث
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا حلف الصبي يمينا ثم حنث فلا كفارة عليه لان اليمين لم تلزمه عقدتها في صغره عندما حلف بها، وكذلك لو حلف في صغره ان لا يكلم فلانا فكلمه بعد بلوغه لم تلزمه كفارة يمينه في بلوغه لانه عقد اليمين والعقد لا يلزمه لانه عقدها في حال صغره فلما لم يلزمه حفظها عند تعقيده اياها لم يلزمه عند الحنث كفارة فيها وكذلك عندي القول (14) فيه لو حلف بالطلاق والعتاق في حال صغره ثم فعل ما حلف عليه ألا يفعله لم نر أنه يلزمه حنث في طلاق ولا عتاق، وكذلك إن كان فعله لذلك في صغره أو بعد كبره إذا كان إنما حلف عليه ألا يفعله وهو ابن العشر وما قاربها إلا أن يكون في ذلك الوقت بالغا فأما المملوك إذا أقسم ثم حنث وجبت عليه الكفارة إذا كان كبيرا وكفارة يمينه صيام ثلاثة أيام لا يجزيه غيرها فإن أطعم عنه سيده أو أعتق لم يجزه ذلك. وكذلك في كفارة الظهار وكفارة قتل الخطأ لا يجزيه إلا صيام شهرين متتابعين، ولو أطعم عنه سيده أو أعتق لم يجزه ذلك لان الله
---
ص 181..
(14) في نسخة: وكذلك القول عندي فيه.
---
[ 182 ] (2/182)
تبارك وتعالى انما جعل هذه الكفارات على المذنبين في أموالهم وما يملكون ويظنون به مما يعز اخراجه عليهم تأديبا منه لهم وتنكيلا بما يدخل عليهم من الغرم لهم عن العودة فيما تقدم منهم، والعبد فليس ماله له ولا مال سيده وليس يؤدبه وينكله الا ما ناله في نفسه، والصيام فهو داخل عليه في نفسه فلذلك أوجبنا عليه الصيام ولم يجزه غير ذلك من فعل سيد الغلام من عتق أو كسوة أو إطعام.
باب القول فيمن حلف بيمين ألا يشتري شيئا ولا يبيعه ولا يتزوج
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا حلف بيمين كائنة ما كانت الا يبيع ولا يشتري شيئا فباع بيعا فاسدا أو اشترى شراءا فاسدا يجوز له فيه الهبة والصدقة أو العتق لزمه فيه الحنث مثل بيع مسكة ذهب فيها ستة مثاقيل بخمسة دنانير فأخذ الدنانير فوهبها أو تصدق بها جازت هبته وصدقته، وكذلك لو اشترى بها عبدا فأعتقه لجاز عتقه له فإن كان البيع بينه وبين من أخذ منه الدنانير بمسكة الذهب مفسوخا لانه أخذ أقل من وزن مسكته فيجب أن يرد عليه الذي اشترى منه المسكة مثقالا منها أو ذهبا من غيرها حتى يكون قد أخذ مثل وزن مسكته لان الذهب مثلا بمثل لا يجوز الفضل بينهما ويحكم على البيع أن يرد عليه خمسة دنانير مثل دنانيره، ولا يجب عليه أن يرتجع تلك الدنانير بعينها ممن تصدق بها عليه أو من اشترى بها منه العبد فأعتقه. وكذلك لو اشترى عبدا من رجل بعبدين إلى سنة فأخذه من ساعته فأعتقه كان اعتق لازما له لانه قد باعه ويحكم له عليه بقيمته في يوم باعه إياه، ولا يحكم له بالعبدين لانه قد وقع التأخير والدين منذ اشتراه إلى أن حكم له عليه، ولا يجوز بيع الحيوان واحدا باثنين إلى أجل، وإنما
---
[ 183 ] (2/183)
يجوز ذلك يدا بيد ويوم ويومان في ذلك كشهر وشهرين، ولا يرد عليه عبده لان المشتري قد استهلكه بعتقه له فلما لم يحكم عليه في هذا كله برد الشئ بعينه وكان فعله في ذلك الشئ الذي أخذه جائزا أن لا يرد عليه، وإنما يطالب بمثله ان كان نقدا أو بقيمته إن كان عرضا، كان الحالف في يمينه حانثا لانه قد استهلك ثمن الشئ ولم يحكم عليه برده بعينه دون غيره فيلزمه باستهلاك الثمن اسم البيع فلما لزمه البيع لزمه الحنث. قال: وإن حلف الا يتزوج فتزوج تزويجا فاسدا لم يحنث لان هذا التزويج ليس بتزويج لانه تزويج لا يقع فيه على المرأة طلاق وإانما هو فسخ فكل تزويج ثابت فالطلاق يقع فيه، ومن لا يقع عليها الطلاق من النساء فليست بزوجة والتزويج الفاسد الذي لا حنث فيه أن يتزوج الرجل أخته م الرضاعة أو يتزوج امرأة قد أرضعته ولم تعلم أو أم امرأته ولم يعلم كأنها كانت ببلد ناء لا يعرفها فهذا ليس بتزويج يحنث فيه لانه لا يجب فيه الطلاق ولا يجب لها المتعة عليه.
باب القول فيمن وجب عليه كفارات عدة ولم يجد من المساكين إلا عشرة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا أحب له أن يدفع كفارات ايمان عدة إلى عشرة مساكين الا أن لا يجد غيرهم بحيلة ولا سبب، وأكثر ما يعطي العشرة كفارتان كفارة طعاما، وكفارة كسوة، ويطلب بالفضل غيرهم فان يجد غيرهم دفعها إليهم في أوقات مختلفة يطعمهم في كل يوم كفارة وان وجد سبيلا إلى البعثة بها إلى بلد أخرى للفقراء والمساكين أجزنا له ذلك، وإنما احببنا أن يدفعها إليهم إذا لم يجد غيرهم يوما بعد يوم ولا يدفعها جملة مخافة أن يأكلوا طعام
---
[ 184 ] (2/184)
ثلاث كفارات لثلاثة أيام في يوم ونصف أو يومين لان الواجب على كل مكفر حانث أن يطعم عشرة مساكين عن كل كفارة اطعامهم يوما فإذا أطعم كفارة ثلاث ايمان في يومين صارت كفارتين، وكما لا يجوز له أن يطعمهم عن ثلاث كفارات في يومين يطعم كل مسكين في كل يوم ثلاثة أمداد عنده وفي منزله يغدي كل واحد منهم ويعشيه مدا ونصفا حتى تذهب الكفارات الثلاث في يومين لعشرة مساكين لم يجز له أيضا أن يؤكلهم اياه في منازلهم فهو إذا دفعه إليهم جملة لم يدر في كم يأكلونه ولا في ماذا يصرفونه مع أني استحب واختار لنفسي ولمن يعنيني فيمن كفر يمينا أن يدعو المساكين إليه فيطعمهم في منزله يغديهم ويعشيهم وإن كان المساكين نساءا لا يمكنهن الخروج، والمصير إليه بعث به اليهن مفتوتا في جفنة مأدوما، وإنما رأيت أن يطعمهم عنده وأن يفته ويأدمه من قبل التوجيه به إليهن لان الله سبحانه يقول: * (فإطعام عشرة مساكين) * (15) فأوجب الاطعام أو العتق أو الكسوة وإذا دعاهم إلى منزله، أو بعث به إليهم مفتونا لم يكن لهم بد من أكله ولم يصرفوه في غير رسمه وهو إذا وجه به إليهم حبا لم يأمن أن يصرفوه في غير الطعام والاكل له، وإذا فعلوا ذلك فلم يطعموه وإذا لم يطعموه فلم يكن ليطعموا لان الطعام لا يكون إلا ما أطعم ولا يصح لنا أنه اطعمهم حتى يطعموا طعامه وكما لا يصح له أنه سقاهم حتى يشربوا شرابه وكما لا يصح أنه ضربهم حتى يجدوا مس ضربه وكما لا يصح له مخاطبتهم حتى يسمعوا قوله ويفهمهم أمره، وكما لا يصح أنه طيبهم حتى يباشروا طيبه ويجدوا رائحته والا فلم يكن لهم مطيبا، وكذلك لا يصح له أن يكون لهم مطعما حتى يكونوا لطعامه طاعمين وبه لكلب جوعهم دافعين وإلا فلم يؤد ما قال الله من
---
ص 184..
(15) المائدة 89.
---
[ 185 ] (2/185)
إطعام عشرة مساكين، وكيف يكون لهم مطعما من لم يدفع عنهم بأكل الطعام جوعا، وإنما أوجب الله سبحانه عتق رقبة كاملة، أو كسوة سابغة ساترة، أو اطعاما، والاطعام فلا يكون إلا لطاعم يطعمه والطاعم فلا يكون إلا آكلا وهو لو سلم الكفارات إليهم فاشتروا بها ثوبا واحدا بينهم أو اشتركوا بها في حمار، أو اتخذوا بها آنية، أو شعارا لم يكن ذلك أدى ما أمر به الله من عتق ولا كسوة ولا إطعام مساكين، فلذلك كان الامر عندنا كذلك وقلنا فيه بما قلنا وتكلمنا في شرحه بما تكلمنا، ولو جاز أن يطعمهم طعام يومين في يوم فيطعمهم صاعا صاعا ويحتسب بها كفارتين في يوم لجاز أن يطعمهم كفارة واحدة في يومين فيطعم العشرة في كل يوم مدا مدا لان الزيادة والنقصان سواء إذا أزيلت الكفارة عما جعلت عليه من المعنى.
باب القول فيما لا يحلف فيه أحد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ثلاثة أشياء لا يحلف فيها أحد وهي الزنا، والسرقة وشرب الخمر، فمن ادعي عليه شئ من هذا ولم يكن للمدعي على دعواه بينة لم يلزمه الحد إذا لم يقم عليه بذلك البينة، ومن ذكر عن رجل أو إمرأة زنا، فقال: هو زان أو زانية سئل عما قال وقذف به صاحبه البينة فإن أتى على ذلك بثلاثة حتى كونوا معه أربعة أقيم على المقذوف الحد، وان لم يأت بتمام الاربعة الشهود جلد الحد لانه قاذف.
---
[ 187 ] (2/187)
كتاب الدعوى
---
[ 188 ] (2/188)
[ بسم الله الرحمن الرحيم ]
باب القول في اليمين والبينة على من تجبان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر قال: ولو ادعى رجل شيئا في يد رجل فالبينة على المدعي ولا تقبل بينة الذي في يده الشئ فإذا أقام المدعي على ذلك الشئ البينة العدول استحقه، وان كان الشئ في يد رجلين فادعاه كل واحد منهما لنفسه كله وأقام عليه البينة كان ذلك الشئ بينهما فان لم يكن لهما بينة حلفا كلاهما وكان الشئ بينهما أيضا. قال: ومن ادعي عليه شئ يجب فيه حد لله لم يحكم فيه بيمين ولم يوجب على صاحبه الحد، فاما إذا ادعى قتل رجل جرحا ولم يكن للمدعي بينة فانا نرى أن يستحلف المدعى عليه وليس ما كان لله مثل ما كان للعباد لان العباد يطالبون بحقوقهم والله تبارك وتعاى فانما أوجب الحدود التي تجب له بالبينات والشهود العدول، وأبى أن يقام له تبارك وتعالى حد على أحد من عيده رحمة منه لهم إلا بالشهود العدول.
---
[ 189 ] (2/189)
باب القول في المرأة تدعي رحما على رجل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أي أمرأة ادعت أن رجلا خالها، أو أخوها لابيها وأمها وأنكر ذلك الرجل ما ادعت المرأة من القرابة بينهما سئلت المرأة البينة على دعواها فان جاءت ببينة ثبت النسب ووجبت عليه النفقة، وان لم تأت ببينة استحلف لها فان حلف لم يلزمه من أمرها شئ، وان نكل عن اليمين لزمته نفقتها ولم يثبت بينهما نسب لان النسب لا يثبت بالشبهة، وانما تثبت الانساب بالبينات الثابتات الواضحات.
---
[ 191 ] (2/191)
كتاب المزارعة
---
[ 192 ] (2/192)
بسم الله الرحمن الرحيم
باب القول في المزارعة وما جانسها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يدفع الرجل إلى الرجل نخلا أو شجرا من شجر الفواكه فيعملها ويقوم عليها ويسقيها ويعمرها ويكون له شقص منها مسما في أصلها قليل أو كثير. وكذلك ان دفع إليه أرضا يحرثها ويزرعها ويسقيها ويحصدها ويكون له في ذلك شقص منها مسما من ربع أو ثلث أو أقل أو أكثر، فإذا أعطاه بعضها واستأجره به عليها فاما أن يعطيه بعض الثمر على العمل فلا نجيز ذلك بينهما لما فيه من الغرر على المستأجر والظلم له، وكذلك ان كانت النفقة من صاحب الارض أو بينهما وأحب الاشياء إلي أن تكون من صاحب الارض وان يكون البذر من صاحب الارض ومن العامل بينهما على قدر ما يشرط للعامل يخرج من البذر بقدر ماله من الشرط في الغلة ويكون الامر بينهما في الشركة على ما وصفنا في كتاب المزارعة.
باب القول في سحسح الآبار (1) والعيون وحريمها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أحسن ما رأينا وما سمعنا في ذلك من القول والمعنى أن يكون حكم حريم رأس العين الفقير
---
ص 192..
(1) قال في الصحاح: السحسح والسحسحة: ساحة الدار.
---
[ 193 ] (2/193)
الذي يفور منه ماؤها خمس مائة ذراع من كل جانب منها كلها من شرقيها وغربيها ويمانيها وشاميها لا يدخل على صاحبها في سحسحه ولا يحتفر في شئ من حريمه، وحريم البير الجاهلية خمسون ذراعا من كل جانب، وحريم البير الاسلامية الحادثة أربعون ذراعا فهذا أحسن ما رأينا وسمعنا في ذلك.
باب القول فيمن أحدث بناءا في أرض بغير إذن صاحبها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو بنى رجل في أرض قوم بلا أذنهم فقاموا عليه في ذلك يطلبون أرضهم حكم عليه لهم بهدم ما بنى في أرضهم وابعاد نقضه من ساحتهم وان بنى باذنهم وشرط عليهم ألا يبرح هو وعقبه من ذلك المكان أبدا رأينا لهم أن لا يخرجوه إلا بحدث يحدثه في الاسلام، فإذا كان ذلك منه وكانوا قد شرطوا له ما شرطوا دفعوا إليه ما غرم في داره وصيروا إليه ما أخرج في بنائه، وإن كان لم يشرط عليهم المقام في أرضهم والسكنى إلى أي وقت من الاوقات شاء، وانما استأذنهم في البناء استيذانا مرسلا فأذنوا له فبنى ثم احتاجوا إلى أرضهم فليدفعوا إليه قيمة بنائه يوم حاجتهم إلى ما بنا فيه داره من أرضهم.
باب القول في الشريكين في السفل والعلو
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا كان لرجل سفل بيت ولآخر علو فوقه فانهدم، فأبي صاحب السفل أن يبني سفله، وأراد صاحب العلورد مسكنه قضي له على صاحب السفل ببناء سفله ليستقيم لصاحب العلو بناء علوه لانه لا علو إلا بسفل، فان ذكر إعسارا أطلق لصاحب العلو أن يبني السفل ولا يترك صاحب السفل يسكنه حتى يؤدي
---
[ 194 ] (2/194)
إليه ما أخرج في غرمه، وكذلك أصحاب العيون إذا أحياها بعضهم لم يكن للآخرين أن يزرعوا بها حتى يؤدوا من المؤنة بقدر الذي أخرجه فيها شركاؤهم.
باب القول في الشوارع والطرق التي توتى من كل جانب والازقة إذا تشاجر أهلها في سعتها وضيقها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا تشاجر أهل الطرق وأهل الشوارع وأهل الازقة في أزقتهم التي لا منفذ لها رأينا أن يجعل عرض الطريق التي لها منافذ ومسالك سبع أذرع وعرض الازقة التي لا منفذ لها على عرض أوسع باب فيها، وبذلك حكم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الطرق ذوات المنافذ، والطرق التي لا منافذ لها، فاما الطرق الكبار التي تجتاز فيها المحامل والاثقال فأرى أن أقل ما يجعل عرضها رمحا، وهو اثنا عشر ذراعا، ولم يأت عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم في شوارع المحامل تفسير ولا تقدير لانها لم تكن على عهده طلوات الله عليه، وانما قلنا نحن بهذا المقدار فيها بالاجتهاد منا لرأينا وما رأيناه أوسط الاشياء في تقديرنا واتبعنا في ذلك قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) فجعلنا من ذلك مقدارا حسنا لم نجعل سعة الشارع إذا تشاكس فيه أهله أوسع من الاثني عشر ذراعا فنضيق بذلك على أهل المنازل المتشاكسين ولم نجعلها أقل من ذلك فيضيق على أبناء السبيل المجتازين ولا غيرهم من المتسوقين. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وينبغي للامام أن يتفقد طرق المسلمين، وسبلهم وأسواقهم ومدنهم، فيصلح نيار الطرق للحجاج وأبناء السبيل ويحيي مياهها، وينقي مجاولها، ويسهل ما أمكنه
---
[ 195 ] (2/195)
من صعبها ويقطع ما يضر بالمار من شجر، ويهدم الصوامع الطوال التي في المدن التي تشرف على منازل المسلمين وتبدو لمن ارتقى فيها حرمهم فان ذلك من أصلح أمورهم لان في طولها واشراف من فها هتكا لحريم المسلمين وسوأة إلى جيران المساجد من المسلمين. قال: وكذلك ينبغي له أن يوسع قوارع طرقهم ويحوز الناس يمينا وشمالا عن الاضرار بالمجتازين والتضييق على المقبلين والمدبرين وأن يأمرهم بتفقد السكك ويأخذ أصحابها بتنظيفها وابعاد ما يضيقها عنها لان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أمر بتنظيف العذرات وهي الافنية والساحات، وان يأمر بقطع الكنف البارزة إلى الطرق والشوارع وتحويلها إلى داخل المنازل.
باب القول في شريكين اقتسما أرضا فوقعت لاحدهما بير في أرض صاحبه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا اقتسم الشريكان أرضا بينهما فوقعت لاحدهما بير في نصيب صاحبه فليس له أن يمنعه من الدخول إليها والشرب والاستسقاء منها، فإن كان ذلك يضر به لزرع قد زرعه أو لسبب قد أحدثه انتقضت القسمة بينهما واقتسما قسمة جديدة، وللبير حريمها لا يحدث على صاحبها فيه حدث.
---
[ 197 ] (2/197)
كتاب الهبة والصدقة والعمري والرقبى والعارية والوديعة
---
[ 198 ] (2/198)
بسم الله الرحمن الرحيم
باب القول فيما يجوز من الهبة وما لا يجوز
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من وهب هبة وأشهد علهيا أنها للمووب له وقبلها الموهوب له وكانت معروفة بعينها جازت الهبة ولم يكن للواهب أن يرجع فيها، فإن كان الموهوب له لم يقبضها ولكن قد قبلها لان الشهادة مع القبول أكثر من الحوز والقبض. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولا يجوز أن يهب انسان لا نسان هبة غير معروفة فإن وهبه شيئا غير معروف ولا مفهوم كان ذلك فاسدا وكان للواهب أن يرجع فيه متى شاء، ولا يجوز لمسلم أن يهب لبعض ولده شيئا دون سائر أولاده إلا أن يكون الموهوب له أبذل ولد الواهب لماله لوالده، وأكثرهم منافع له وبرا به فتكون هبته لم دونهم مكافأة له على فعله وبذلك لوالده ماله لان الله يقول: * (هل جزاء الاحسان إلا الاحسان) * (1) فأما إذا استووا في الطاعة والبذل فلا يجوز الاثرة لبعضهم على بعض، وعلى ذلك يخرج الحديث الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في النعمان بن بشير في ابن له أتى به إلى رسول اله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: فقال: إني نحلت إبني هذا غلاما
---
ص 198..
(1) الرحمن 60. الروايات أنه أبو النعمان بن بشير. تمت.
---
[ 199 ] (2/199)
كان لي فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أكل ولدك نحلته مثل هذا فقال لا قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا وهب رجلا شيئا لا يريد به منه ثوابا ثم مات الموهوب له كان ورثته في الهبة بمنزلته، ولم يجز للواهب أن يرجع فيها. قال: ولو وهب رجل رجلا شيئا لا يريد منه ثوابا يصل به رحما، أو ثلاثة أيام متتابعات ثم قال سبحانه: * (واحفظوا أيمانكم) * (8) يقول يقترب به إلى الله عزوجل وكان ذلك الشئ قائما بعينه معروفا بنفسه وبحدوده فقبل ذلك منه الموهوب له وأشهد له الواهب عليه ثم مات الواهب قبل أن يقبضه الموهوب له كان ذلك الشئ له ولم يكن لورثة الواهب منعه إياه لان الشهادة قد وقعت منه فيه، والقبول من الموهوب له قد جرى عليه، وهو أكثر من القبض عندنا. قال: ومن وهب هبة لذي رحم أو قرابة لم يحل له الرجوع فيها من بعد الهبة لمن وهبها.
باب القول في الهبة للمملوك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا وهب لمملوك رجل جارية أو دادا أو عبدا، أو دابة فقال العبد: قد قبلت كان ذلك له، وكان سيده مالكا للعبد وما ملك، وان قال سيده: لا تقبل فقال العبد: قبلت، فالقول قول العبد وان قال العبد لا أقبل وقال السيد قد قبلت فالقول قول العبد ولا شئ له، وانما يملك السيد الشئ من بعد قبول عبده له، ولذلك لو أوصي للعبد بوصية كان الامر فيها كذلك ان قبلها كانت له وان لم يقبلها لم تكن له.
---
[ 200 ] (2/200)
باب القول في الهبة والصدقة إذا علمت وعرفت وحددت
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس عندنا أن يقول الرجل للرجل قد وهبت لك داري في موضع كذا وكذا. قال: والهبة عندنا جائزة، وكذلك الصدقة، وان لم تقبض إذا حددت وفهمت وعرفت وأشهد عليها لا اختلاف عند علماء آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ذلك وذلك قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. قال: وتحديدها أن يقول قد وهبت لك داري التي في موضع كذا وكذا وحدودها كذا وكذا، وكذلك القول في الصدقة قال: وكذلك لو قال له قد وهبت لك جاريتي أو عبدي أو فرسي أو جملي جاز ذلك إذا كان ذلك الموهوب له بالحضرة.
باب القول فيمن تصدق قدار أو بأرض أو مال على رجل ولم يكن قبضها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل من تصدق بصدقة على صغير أو كبير وكانت الصدقة في يده لم يخرجها، إلا أنه قد بين وأخبر بها وأشهد على نفسه للموهب له بها فهي جائزة لمن وهبها من بعد الاشهاد له بها والقبول من الموهوب له بها لا يختلف في ذلك علماء آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكان جدي القاسم بن ابراهيم رحمة الله عليه يقول: الذي أرى في ذلك أن الشهادة إذا قامت فهي أوكد من القبض ومن الحوز إلا أن يكون المتصدق عليه والموهوب له لم يقبلا فان كانا كذلك في ترك القبول لم تكن الهبة ولا الصدقة مستحقة ولا البينة في ذلك نافعة لان المتصدق عليه ربما قبله وربما لم يقبله، فان قبل مع البينة كانت له، وان لم يقبل لم تكن له، وأما الصغير فما تصدق
---
[ 201 ] (2/201)
عليه به منذ لك فموقوف له حتى يقبله عند الكبر أو لا يقبله. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا وقفت عليه أو قفت غلتها وعملها أيضا، وان كان له ولي مثل الاب والجد فقبل له جاز قبوله.
باب القول فيمن وهب شيئا بطلب به عوضا وفي المكاتب يشتري رقبة بالذي بقي عليه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا وهب واهب شيئا يطلب به عوضا بعينه فلم يعط ذلك العوض فله أن يرجع في هبته، فان لم يرجع في هبته حتى كان بعد تلف ذلك الذي طلبه عوضا من هبته فله أن يرجع ساعة علم بتلف ذلك الشئ، فان تمدا بعد علمه وقتا أو وقتين أو يوما أو يومين ثم رجع بعد ذلك في هبته فليس يجوز ذلك له لانه قد ترك الهبة في يد الموهوب له بعد ذهاب العوض فكان تركه لها بعد علمه تسليما منه لها. وكذلك لو وهب رجل لرجل دراهم فاستهلكها أو خلطها بدراهم مثلها فاختلطت فلم يعرفها بأعيانها من غيرها لم يكن له إلى الرجوع فيها سبيل لانها غير قائمة بأعيانها. وكذلك لو وهب رجل لرجل دينا له عليه لم يكن له إلى الرجوع فيه سبيل لانه مال مستهلك غير قائم بعنيه، وكل ما وهب لله أو لصلة رحم فلا سبيل لصاحبه إليه بسبب ولا معنى. قال: ولا بأس بأن يشتري الرجل مكاتبا بما بقي من مكاتبته فيه إذا أجاز ذلك المكاتب ورضي به وإن اشترط الولاء كان ذلك له.
باب القول في الرجوع عن الصدقة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من تصدق بصدقة على
---
[ 202 ] (2/202)
قريب أن بعيد أو ولد له صغير لم يجز له أن يرجع فيها لان الصدقة انما تصدق بها لله فليس حالها كحال الهبة. قال: ومن وهب لابنه هبة وكان صغيرا كان له أن يرجع فيها، ولا يجوز له أن يرجع في الصدقة.
باب القول في المعمرى والرقبى
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الرقبى والعمرى يجريان مجرى الهبة إذا دفعها الدافع إلى المدفوع إليه وقال هي لك ولعقبك، أو ولدك، فإذا قال له ذلك كان هو وولده أولى بها من المرقب أو المعمر، وجرت مواريث للمعطى والعقبة أبدا، وان قال قد أعمرتك هذه الدار حياتك فاسكنها ما عشت، أو هذه النخل فكلها ما عشت كانت له حياته، فاذا مات رجعت إلى ورثة المعمر لان المؤمنين على شروطهم وعلى هذا يخرج معنى الحديث الذي رواه جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذي بعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها لانه أعطى عطاءا وقعت فيه المواريث). قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: يريد بقوله وقعت فيه المواريث أن المواريث وقعت بقول المعطي لك ولعقبك وهذا فهو الذي لا يرجع إلى المعطي من الرقبى والعمري فاما ما لم يذكر فيه المعطي للمعطا عقبا فالناس فيه على شروطهم.
باب القول في ضمان العارية وفي الرجل يموت وللمرأة عليه مهر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: العارية إذا أخذت بضمان مضمونة وإن لم تؤخذ بضمان لم يكن مستعيرها ضامنا لها، وقد
---
[ 203 ] (2/203)
استعار رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من صفوان بن أمية الجمحي دروعا فقال له عارية مضمونة أم غصبا فقال بل عارية مضمونة فضمنها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلو تلفت لغرمها له. فاما المأرة فهي أسوة الغرماء في مهرها تضرب سهمها مع سهامهم في مال زوجها. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: حدثني أبي عن أبيه، أنه سئل عن العارية تضمن أو لا تضمن؟ فقال: العارية مضمونة إذا اخذها مستعيرها بضمان، وما كان من غير ذلك مما يستعيره الناس بينهم فلا ضمان عليه إلا أن يخالف في الدابة ما استعارها له وفيه فيضمن ما حدث بها عند تعديه فيها، وكان يقول رحمة الله عليه إن المرأة أسوة الغرماء في مهرها. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل من استعار عارية بلا ضمان فخالف فيها مثل ان يستعير حمارا إلى بلد فركبه إلى بلد أبعد منه أو يعيره غيره فيتلف تحته فيلزمه في ذلك كله غرامته، وكذلك كلما كان من الثياب والحلي إذا استعير لان يلبس في البلد فسوفر به إلى بلد أخرى، أو أعاره المستعير انسانا غيره فتلف في شئ من ذلك كان على المستعير غرمة لخلافه فيه.
باب القول في الوديعة وما أمر الله تعالى به فيها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله سبحانه: * (فإن إمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أؤتمن أمانته واليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليهم) * (2)
---
ص 203..
(2) البقرة 283.
---
[ 204 ] (2/204)
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا استودع رجل رجلا وديعة فتلفت عنده فليس عليه فيها ضمان الا أن يكون تلفها بجناية من المستودع فيكون ضامنا لها، والجناية أن يكون أعارها، أو رهنها أو أستودعها انسانا غيره أو ما أشبه ذلك بغير اذن المستودع فحينئذ يكون ضامنا لها. قال: فان ادعى المستودع أنها ضاعت فلا ضمان عليه والقول قولا الا أن يتهمه المستودع فيستحلفه. قال ولو أن رجلين استودعا رجلا وداعة فلم يدر أيهما استودعه إياها وادعاها كل واحد منهما لنفسه فقد اختلف في هذه المسألة وأحسن ما أرى أنا في ذلك أن تحبس الوديعة حتى يقيم صاحبها عليها البينة، فان أقاما كلاهما البينة واستوى شهودهما في وصف الوديعة وتحليتها قسمت بينهما الوديعة فإن لم يكن لهما بينة استحلفا، فإن نكل أحدهما وحلف الآخر دفعت إلى الحالف، وإن حلفا جميعا قسمت أيضا بينهما. قال: فإن أستودع رجل رجلا وديعة نقدا فمات المستودع بعد ذلك فلم يعرف الورثة الوديعة فانه لا حق له قبلهم إلا أن يتهمهم فيستحلفهم ولا يجب له شئ سوى ذلك عليهم لان صاحبهم كان غير ضامن لما استودع من هذه الوديعة فلذلك لم يلزمهم إذا لم يعرفوها ولم يقفوا على أنه استودع صاحبهم ما ذكر وادعى.
---
[ 205 ] (2/205)
كتاب الضالة واللقطة واللقيط
---
[ 206 ] (2/206)
باب القول في الضالة واللقطة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أرى للامام أن يجعل مربدا لضوال المسلمين فكل من التقط ضالة صيرها إلى ذلك المربد وعلفت من بيت مال المسلمين فكلما ادعى مسلم ضالة فأقام عليها البينة دفعت إليه، فإن كان في وقت ليس فيه إمام يفعل هذا فأخذ آخذ ضالة رأيت أن عليه حفظها لانه قد تقلد ذلك بأخذها ويعرفه ويشيد بذكرها فإذا أتى صاحبها ضمن لمن هي معه ما أنفق علهيا ويتسلمها منه، فإن بقيت في يده فهي أمانة عنده أن أتلفها ضمنها لصاحبها إذا طلبها، فإن تلفت بجناية غيره ضمنه اياها وكان غرمها عنده بمنزلتها لصاحبها متى جاء يطلبها، وإن تلفت بغير جناية منه ولا من غيره عليها فلا ضمان عليه فيها. وكذلك سبيل اللقطة عندنا أنها لازمة لمن التقطها لا يجوز له أكلها ولا استهلاكها وعليه تعريفها طال مكثها عنده أم لم طل لانه لو شاء تركها ولم يكن أحد يجبره على أخذها، فإن استهلكها كان ضامنا لها.
باب القول في اللقيط واللقيطة يلتقطان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: اللقيط واللقيطة إذا التقطهما انسان فكبرا عنده لم يبعهما ولم يهبهما وهما حران وما أنفق
---
[ 207 ] (2/207)
عليهما من نفقة لم يرجع بها عليهما وكان تطوعا له، وإن التقط رجل جارية فكبرت عنده فليس له أن يطأها الا بتزويج، فإن جهل فوطئها فرق بينهما وكان لها عليه مهر مثلها، فإن أراد تزويجها تزوجها تزويجا صحيحا بمهر جديد، وكذلك لو باعها الملتقط لها فاشتراها رجل فوطئها فرفع أمرها إلى الحاكم حكم للمشتري على البائع برد الثمن الذي أخذ منه، وحكم على الذي وطئها بمهر مثلها وفرق بينهما وأحسن أدب البائع والمشتري إلا أن يدعيا جهلا بما كان يجب عليهما في ذلك. فان أراد أن يتزوجها تزوجها تزويجا صحيحا بمهر جديد كذلك. وبلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: أنه أتته امرأة تستدعي علي رجل قد باعته جارية لها وقد بقي عليه بعض الثمن فقالت: يا أمير المؤمنين حقي على هذا الرجل، فقال الرجل: أبتعت منها لقيطة، فقالت: المرأة أجل خرجت يا أمير المؤمنين إلى مسجد قومي أصلي الفجر فإذا جارية على الطريق فأخذتها واستأجرت لها ظئرا، وأنفقت عليها حتى أدركت وتم نفعها فقال علي عليه السلام: للمرأة آجرك الله فيما وليت، وقال للرجل: أو طئتها، قال: نعم. قال: للمرأة لا حق لك فيها، وأطلبها بمالك قبلها، واجعل للمرأة صداق مثلها، ثم قال: لا يكون فرج بغير مهر.
---
[ 209 ] (2/209)
كتاب الحدود
---
[ 210 ] (2/210)
بسم الله الرحمن الرحيم
باب القول في حد الزاني في الكتاب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله تبارك وتعالى في الزانيين: * (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذا بهما طائفة من المؤمنين) * (1) فأوجب على الزانيين مائة جلدة إذا كان حرين بالغين وشهد عليهما بذلك أربعة عدول من المسلمين وأثبتوا الشهادة عند الامام بالاخراج والايلاج، وثبت عند الحاكم معرفة صحة عقولهما فحينئذ يجلد كل واحد منهما مائة جلدة كما أمر الله سبحانه. وأما قوله: * (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله) * والرأفة هي الرحمة والرقة والتوهين في أمرهما والرفق بجلدهما إذا كانا مطيقين للايجاع، وأما الطائفة التي أمر الله [ عزوجل ] بشهودها فهي الجماعة من المؤمنين تكثر حينا وتقل حينا، وقد قيل أن أقل الطائفة ستة: الامام، والشهود الاربعة والجلاد. فأما البكران فلا يزادان على مائة جلدة كل واحد. وأما الثيبان فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه أمر برجمهما فلم يختلف الرواة في الرجم أنه رجم ما عز بن مالك الاسلمي، وأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام رجم
---
ص 210..
(1) النور 2.
---
[ 211 ] (2/211)
شراحة الهمذانية ولم يزل الرجم ثابتا بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يختلف فيه اثنان ولا يتناظر فيه متناظران، ورجم عمر بن الخطاب في وفارة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكثرتهم، وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إذ ذاك فيهم فما أنكر أحد عليه وكان أمير المؤمنين عليه السلام ثضرب ثم يرجم ويقول الضرب في كتاب الله والرجم جاء به رسول الله صلى الله عليه وعلى أهل بيته عن الله ومن أعظم الحجج في ايجاب الرجم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجم وأمر بالرجم وهو القدوة عليه السلام والاسوة، وقد قال الله عزوجل: * (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) * (2) وقال: * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) * (3) وقال سبحانه: * (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب) * (4). فإن عارض معارض معاند أو سأل سائل متعنت أو مستر شد فقال: انا لا نجد الرجم في كتاب الله مذكورا موجبا على الزاني وانما نجد على الزاني في الحكم مائة جلدة فأوجدونا لما أوجبتم من الرجم حجة، قيل له: يا سبحان الله وهل ترك الله شيئا لم يجعل له أصلا في الكتاب، وأصل الرجم فموجود في القرآن عند ذوي الالباب وبه اقتدى رسول رب الارباب مع أمر جبريل له بذلك عن الله، ولولا أن ذلك أمر أمره الله به على لسان جبريل له كما أمره بغير ذلك من افروع التي أصل أصولها في الكتاب، وفرع فروعها وبين فروضها على لسان جبريل عليه السلام، ومن ذلك الصلاة وعدد مفروض ركعاتها، ومن ذلك الزكاة وشرح
---
ص 211..
(2) الاحزاب 21.
(3) النساء 59.
(4) الحشر 7.
---
[ 212 ] (2/212)
ما أراد الله من أخذها، وما جعل في أقل الاموال وأكثرها، فأصل أصل الامر بالصلاة والزكاة فقال سبحانه: * (وأقيموا الصلاة واتوا الزكاة) * (5) فلم يعلم المؤمنون ما يجب عليهم في أموالهم ولا متى تجب الزكاة على ما في أيديهم حتى ميزة الله وفرع من بعد التأصيل لذكره وفرضه في الكتاب وبينه لنبيه صلى الله عليه وعلى أهل بيته على لسان جبريل عليه السلام فأمر به جبريل الرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فافترضه الرسول عليه السلام على الامة كما أمر الله بذلك فجعل الظهر أربعا، وجعل العصر أربعا وجعل المغرب ثلاثا وجعل العتمة أربعا، والصبح ركعتين، ولم يأت عدد ذلك ولا تفصيله في الكتاب. وكذلك الزكاة أمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يجعل في مائتي درهم من الفضة خمسة دراهم، وفي عشرين مثقالا من الذهب نصف مثقال، وفي خمس من الابل شاة، وفي ثلاثين من البقر تبيعا أو تبيعة، وفي أربعين من الغنم شاة، وفيما أخرجت الارض مما يسقى منها سيحا العشر، وفيما يسقى بالدوالي والسواني نصف العشر إذا بلغ كيل ذلك خمسة أوسق والوسق فهو ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعفا تبارك وتعالى عما دون الخمسة الاوسق وكل ذلك فلم يأت شرح شئ منه في الكتاب وإنما جاء به الرسول الامين عن الواحد الحق المبين، ولولا ما فرعه وذكره وشرحه وفسره على لسان الرسول لكان يحتمل أن يؤخذ من الشاة والبعير والبقرة الواحدة والدينار والدرهم والمكوك الواحد. وكذلك في الصلاة لولا ما فسره الله على لسان نبيه من أمرها وأوقفه عليه من حدودها وعدد ركعاتها وقيم فروضها لكان من صلى ركعة أو
---
ص 212..
(5) المزمل 20.
---
[ 213 ] (2/213)
ركعتين مؤديا، وكذلك من صلى مائة ركعة، ولما وقف الناس على حدود الصلاة ولا حدود الزكاة، وكذلك فعل الله في الرجم كما فعل في الصلاة والزكاة فذكر فعله بمن زنى في الادبار من قوم لوط وما فعل بهم على زنائهم من الرجم لهم. وما فعله سبحانه فقد حكم به ولن نفعل غير ما به حكم ولن نحكم بغير ما يفعل، وما فعله فقد ثبت أنه حكم به، وما حكم به فلا معقب لحكمه. وكذلك قال سبحانه: * (سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا) * (6). والقبل والدبر فهما فرجان. وحكمهما على من أتاهما فهو واحد عند من عرف الاحكام ووقف على ما يجب من الحلال والحرام، لان من فجر بامرأة في دبرها كمن فجر بها في قبلها سواء ذلك عند جميع أهل الاسلام، وحكمه عندهم جميعا فواحد في الاحكام، فإذا قد صح أن حكم القبل والدبر واحد فقد صح الرجم عند من عقل وأنصف بحكم الله تعالى على قوم لوط بالرجم على فعلهم فرجمهم وذلك قوله سبحانه: * (قال فما خطبكم أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين لنرسل علهيم حجارة من طين مسومة عند ربك للمسرفين) * (7) فلما أن حكم سبحانه بالرجم على هؤلاء الزناة من قوم لوط كان ذكر الرجم موصلا بحكم الله في القرآن، وما فعله الله رجل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله فواجب على الرسل أن تفعله إذا حكم به وجعله، ويقتدي بفعل الله فيه، وما فعله الرسل فواجب على الائمة فعله والاقتداء به. فإن عارض معارض فقال: قد نجد الله أوجب على الزاني مائة جلدة قيل له: ذلك واجب على البكر فردا وهو واجب على المحصن
---
ص 213..
(6) الاحزاب 62. \ \ \ (7) الحجر 57.
---
[ 214 ] (2/214)
والرجم معا، فالبكر يجلد مائة جلدة والمحصن أيضا مائة جلدة كما أمر الله في كتابه، ثم يرجم كما أمر الله على لسان نبيه صلى الله عليه وعلى أهل بيته وسلم، ولولا أن ذلك شئ من الله أمر به نبيه أمرا لما كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليفتات (8) في دماء المسلمين فيتلف أرواحهم بغير أمر من الله سبحانه ولا حكم منه عليهم في الزنى بذلك، فميز الله سبحانه بذلك بين من أنعم عليه بالنعم فزوجه وملكه وأعف فرجه وملا عينيه وأغناه عما حرمه عليه فلم يرض بذلك حتى صار إلى الحرام وترك ما امتن الله به عليه من الحلال ثم عدا على حرم المسلمين من بعد أن أغناه عن ذلك رب العالمين ففجر بهن وتعدى من بعد الاعفاف له والاغناء فأفسد الحرث والنسل وقد ملا الله عينه وشغل بالحلال فرجه، وبين من عثر ضرورة والجاءا لتحرم الشهوة والطباع المركب فيه المجعول لديه الذي لم يتزوج فيعف بزوجته فرجه ولم يرزق غنى كما رزق غيره فهو يتحرك حاجة إلى ما يحتاج إليه مثله ممن ركب فيه مثل ما ركب فيه من الشهوة فأوجب الله على من عثر (9) فزنى ضرورة والجاءا وغلبة وبلاء جلد مائة جلدة، وأوجب على من عثر فزنى أشرا وبطرا وفسادا وظلما وكفرا لنعم الله وغشما وطلبا لافساد حروث المسلمين وتقليدهم من أولادهم من ليس لهم بأولاد بل هم أولاد الزناة الفاسقين، فأفسد الانساب أشرا، وأدخل على المسلمين الفساد في حروثهم وأولادهم، وأنسابهم بطرا، فواخى بين من ليسوا بأخوة وجعل المسلمات عمات لمن لسن له بعما وجدات لمن لسن له بجدات وأخوات لمن لسن له بأخوات وورث أموال المسلمين والمسلمات من ليس لهم ببنيين ولا بنات تعديا وظلما وعماية وغشما من بعد اغناء الله له
---
ص 214..
(8) افتاته: إذا سبقه واستبد برأيه. \ \ \ (9) في نسخة: عهر.
---
[ 215 ] (2/215)
واعفافه لفرجه عما كان من زناه الجلد والرجم تنكيلا لمن فجر وتعدى وأفسد الحرث والنسل وأساء، وفرق بين الفاجر من بعد الحاجة وشدة البلاء، والصائر الذي ليس بمحتاج ولا مضطر ولا بذي بلاء ولا الجاء إلى مطاوعة نفسه إلى ما تدعوه إليه، كما فرق بين من كان مضطرا أو غير مضطر في جميع الاشياء فلعمر الجهلة العمين أن بين هذين الزانيين لفرقا عند أحكم الحاكمين، وكيف لا يكون عنده فيهما فرق والفرق بينهما عند جهال عبيده وغلمانهم بين منير واضح ساطع يقين. فإن عارض معارض متعنت فقال: قد صح أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجم ما عز بن مالك الاسلمي بتواتر الروايات واجتماع المقالات فهذا إذ قد كان كذلك فما لا يستطاع دفعه ولا ابطاله فلعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجم ما عز بن مالك برأي أرتآه فيه فكان ذلك رأيا منه هو وفعلا فعله لم يلزمه الامة، ولم يلزم غيره أن يفعله كما لم يلزم الناس أن يفعلوا غير ذلك مما كان يراه لنفسه ولا يوجبه على أمته ولا يفرض فعله على أهل ملته. قيل له: ليس هذا مما يقع فيه الرأي ولا يجوز فيه الفعل لنبي مرسل معتد ولا لامام بعده مقتد لان في هذا سفك دماء المسلمين واستيصالهم، وقد قال الله سبحانه فيمن قتل نفسا مؤمنة ما قال من قوله: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) * (10) وقال: * (أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) * (11) فلم يطلق الله سفك الدماء لاحد من الانبياء إلا بحق يجب على المقتول بحكم الله عليه وفي حظر الله لسفك الدماء إلا من بعد الاعذار والانذار
---
ص 215..
(10) النساء 78. \ \ \ (11) المائدة 32.
---
[ 216 ] (2/216)
والاستيجاب لذلك بحكمه ما يقول سبحانه لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: * (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين) * (12) فلم يجز لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قتال المشركين ولا قتال المحاربين إلا من بعد الاعذار والانذار إليهم فكيف يطلق قتل المسلمين ويستجيزه رسول رب العالمين بغير أمر من الله له بذكل، كلا إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الافتيات (13) في دماء المسلمين لبري صلوات الله عليه وحاشا لله أن يكون رسوله كذلك، وأن يفعل من غير أمر من الله شيئا من ذلك. ومن قال إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى (14) من نفسه رأيا يتلف به أرواح المسلمين ويقتل به عن غير أمر من الله أحدا من العالمين فقد أبطل في قوله، وفذف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بكبيرة من أكبر كبائر أفعال الفاعلين يجب عليه في ذلك التوبة إلى الله من فاحش قوله والرجعة إليه عن جرأته على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والا فكان من الهالكين المجترين، القاذفين بأعظم الكبائر لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الرامين له بالبهتان، وهذا لو قيل في عربي أو عجمي من المسلمين لكان قولا عظيما وظلما وتعديا عليه فيه وغشما لا يجوز لقائله القول به في أحد من المسلمين، فكيف يجوز له القول به في رسول رب العالمين أما تسمع من يقول بهذا القول الفاحش ما حكى الرحمن عن رسوله في القرآن من قوله: * (إن أتبع إلا ما يوحى إلي) * (15).
---
ص 216..
(12) الانفال 58.
(13) الافتيات بالفاء يعني الاختلاف، ويقال افتات برأيه استبد، وكلا المعنيين هنا صالح. \ \ \ (القاموس) (14) ارتأى من نفسه رأيا الخ.. \ \ \ (15) يونس 15.
---
[ 217 ] (2/217)
فإن عاد المتعنت في تعنته فقال: قد بان لي أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يستجيز ذلك ولا يفعله الا بأمر من الله سبحانه وقد جاءت الروايات وصحت بأنه قد رجم ما عزبن مالك الاسلمي فلعله أن يكون رجمه في سبب من غير الزنا قيل له: هذه مكابرة وإحالة منك للكلام لان الرواية قد صحت باقرار ما عز على نفسه عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالزنا كما صحبت برجمه سواء سواء فلا يشك أحد أنصف عقله أنه لم يرجمع إلا على ما أقر به على نفسه من الزنا، فإن كان عندك شئ تأتينا به يجمع عليه معك الناس أنه رجم له وعليه وفيه دون ما أقر به من الزنا على نفسه عنده كما أجمعوا على رجمه باقراره بالزنا عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على نفسه فأت به وألا فارجع إلى الحق ودع المكابرة والتمادي في الضلال والتعلق بالترهات والمحال الفاسد الفاحش من المقال. ولم يزل الرجم منذ زمان موسى عليه السلام وقبله حتى ابتعث الله نبيه فأمره جبريل به كما أمره بغيره مما جاء به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ربه من الفروع التي ذكر أصولها في الكتاب المبين، ومن الدليل على أن الرجم حكم من الله قديم على المحصنين ما أخبر الله نبيه عن اليهود وتبديلها له وطرحها إياه من التوراة وتحريفها لحكم الله وذلك قول الله سبحانه: * (ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه) * (16) يريد يحرفون ما في التوراة من حكم الرجم. وهذه الآية نزلت فيما كان من أمر بشرة اليهودية وذلك أن الله عز وجل أنزل على موسى بن عمران الرجم في الزاني المحصن فغيرت ذلك اليهود فجعلوه الجلد أن يجلد أربعين جلدة بحبل مقير ويسودون وجهه ويحملونه على حمار ويجعلون وجهه إلى ذنب الحمار فلم يزالوا على
---
ص 217..
(16) المائدة 41.
---
[ 218 ] (2/218)
ذلك حتى هاجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة فزنت امرأة من اليهود يقال لها بشرة برجل من اليهود فأراد اليهود جلدها ثم خافوا من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يفضحهم لما غيروا من التوارة فقال: الاحبار للسفلة منهم انطلقوا إلى محمد فاسألوه عن حد الزاني فإن قال أجلدوه فاقبلوا ذلك منه وأن أمركم بالرجم فأنكروا ذلك ولا تقروا به ولا تقبلوه فأتوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسألوه فقال: الرجم إن كان محصنا، فقالوا: إن موسى أمر أن يجلد إن كان محصنا، فقال لهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: كذبتم بل أمركم بالرجم ورجم فقالوا كلا، فقال: فاجعلوا بيني وبينكم حكما فقالوا اختر من أحببت فجاءه جبريل فقال له: اجعل فيما بينك وبينهم رجلا من أهل خيبر أعور شابا طويلا يقال له عبد الله بن صوريا فدعاهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: هل تعرفون رجلا من أهل فدك فنعت لهم نعته، فقالوا: نعم فقال: كيف علمه فيكم بالتوراة؟ فقالوا: ذلك أعلمنا بالتوراة فقال: ذاك بيننا وبينكم فرضوا بذلك فأرسلوا عليه فقدم فدخل على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع اليهود فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أنت ابن صوريا؟ فقال: نعم فقال: أنت أعلم اليهود بالتوراة؟ فقال: نعم كذلك يقولون، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنشدك بالل الرحمن الذي أنزل التوراة على موسى، الذي أغرق آل فرعون وأنتم تنظرون ما أنزل الله على موسى في الزاني، فقال: فارتعدت فرائصه، وقال: الرجم، فوقعت به اليهود وقالوا: لم أخبرته؟ فقال: لقد استحلفني بيمين لو لم أخبره عما سألني لاحرقتني التوراة، فقالت اليهود: ان ابن صوريا كاذب ليس ذلك في التوراة، فقال عبد الله بن سلام للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: اجعل بينك وبينهم التوراة فإنه فيها مكتوب، فقال لهم النبي صلى الله
---
[ 219 ] (2/219)
عليه وعلى آله وسلم: بيني وبينكم التوراة فقالوا: نعم فركب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى بيت المدارس على حمار ومضى معه أصحابه فقال لهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا تبدؤا اليهود بالسلام فإذا سلموا فقولوا وعليكم مثله فأتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى بيت المدارس فدخل وقال: أئتوا بالتوراة فجاء وابها، وكان الذي يقوم عليها جدي بن أخطب وليس بحيى بن أخطب، وجلس معه عبد الله بن سلام فقال له: إقرأ في سفر الحدود فلما بلغ الرجم وضع ابهامه على ذلك الحرف، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك فرفعها فقال اقرأه فقرأ الرجم في التوراة مبينا من الله جل جلاله. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: أما قول الله عزوجل: * (فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) * (17) فانها آية منسوخة نسخها قول الله عزوجل: * (وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم) * (18) فوجب الحكم بين أهل الكتاب وعليهم بما أنزل الله في الكتاب من الاحكام، فأمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أنزلت عليه هذه الآية باليهوديين الزانيين فرجما. وكذلك قول الله عز وجل: حين يقول: * (واللاتي بأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا) * (19) فكان هذا أول ما أنزل الله عليه نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أمر الزانين، حتى أنزل عليه ما أنزل من الحدود، فكان ذلك السبيل الذي ذكر الله أنه يجعله. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولا ينبغي للامام أن يزجر
---
ص 219..
(17) المائدة 42.
(18) المائدة 49.
(19) النساء 15.
---
[ 220 ] (2/220)
ولا ينهر المتهم ليقر لانه قد يروى أنه لاحد على معترف بعد بلاء، وينبغي للامام ألا يضرب ولا يرجم حتى يصح عنده أنها غير حامل بالاستبراء لها بما جعل الله من حيضها فإن الله إنما جعل السبيل له عليها في نفهسا لا على ما في بطنها من ولدها، لانه لا يؤمن عليها أن ضربت وهي حامل أن تطرح ما في بطنها من ولدها، وكذلك أن رجمع قتلت وقتل ما في بطنها، وليس من حكم رب العالمين ان يقتل الامام بنفس نفسين ولكن الواجب على إمام المسلمين أن يستبري رحمها، فإن كانت سليمة من الجنين أقام عليها حكم رب العالمين، وإن كانت مشتملة على جنينها انتظر بها أن تضع ولدها ثم انتظر بولدها الفصال والاستغناء عنها، فإذا استغنى عنها ولدها أقيم عليها حدها، إلا أن يوجد من يكفل ولدها فإن وجد له كافل ثقة عليه، أقيم عليها الحد وضمن الكافل جميع أمر الولد. وكذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه لما كان في ولاية عمر أتي إليه. بإمرأة فسألها فأقرت بالفجور فأمر بها أن ترجم فلقيها علي عليه السلام فقال: ما بال هذه؟ قيل له: أمر بها عمر أن ترجم فردها علي رضي الله عنه فقال: أمرت بهذه أن ترجم؟ فقال: نعم اعترفت عندي بالفجور. فقال: هذا سلطانك عليها فما سلطانك على ما في بطنها، قال: ما علمت أنها حبلى، قال: فان لم تعلم فاستبر رحمها، ثم قال علي عليه السلام: فلعلك انتهرتها أو أخفتها قال: قد كان ذلك، قال: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (لاحد على معترف بعد بلاء) فلعلها إنما اعترفت لوعيدك إياها، فسألها علي عليه السلام عن ذلك فقالت ما اعترفت الا خوفا فأمر بها فخلي سبيلها، ثم قال عمر: عجزت النساء أن تلدن مثل علي لولا علي لهك عمر ويروى عن عمر أنه كان يقول: لا أبقاني الله لمعضلة لا أرى فهيا ابن أبي طالب.
---
[ 221 ] (2/221)
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ما كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بغبي المقام ولا بصغير الحال ولا بخفي الامر، ولا بقليل الصبر، ولا ببعيد من الرحمن، ولا بجاهل بما نطق به القرآن، ولا بقليل الرحمة للرعية، ولا بملتبس الامر على البرية، أخو الرسول المصطفى، وولي من آمن واهتدى، الناصر للدين، والقائم بحجة رب العالمين، والحاكم بالكتاب المبين، الباذل نفسه لله ولرسوله، الشاهر سيفه في الحق من دونه، قتال الاقران ومستنزل الفرسان من كل طامح العنان، إذا التقت صثلب المران، كاسر العساكر، واصل الاياصر، مروي البواتر من نجيع البوادر، أبو السبطين الحسن والحسين ابني رسول الله الطاهرين المجاهد السابق إلى الله غير مسبوق وأسبق السابقين، وأول المسلمين وأشرف التابعين والمهاجرين، المسمى في القرآن بالايمان، والمحكوم له بالولاية والاحسان، وذلك قول الواحد الرحمن: * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) * (20) ويقول * (السابقون السابقون أولئك المقربون) * 21) ويقول: * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) * (22) فهذا قليل من كثير مما ذكره به في القرآن اللطيف الخبير مما لا يجهله الا المتجاهلون ولا يحار عنه الا الخونة الظالمون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقبلون.
باب القول في الحد متى يجب على المحصن والبكر بالشهادة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجب الحد على
---
ص 221..
(20) السجدة 18.
(21) الواقعة 11 10.
(22) المائدة 55.
---
[ 222 ] (2/222)
الزاني حتى يشهد عليه أربعة عدول بالزنا والايلاج والاخراج، فإذا شهد عليه أربعة وجب على الامام أن يسأل عن عدالة الشهود وعن عقولهم وعن إسلامهم وعن أبصارهم فإنه ربما كان فيهم الذمي الذي لا تجوز شهادته عل الملي، وربما كان فيهم الاعمى الذي لا يتبين عماه إلا لمن عرفه وذلك الذي ينزل الماء في بصره فلا يستبين ذلك للامام منه الا بالسؤال عن ناظريه فإذا صح عنده أمر ذلك سأل هل بين الشهود وبين المشهود عليه عداوة، حتى يبرأوا من ذلك كله، فإنه لا ينبغي للامام أن يقبل شهادة العدو على عدوه لفساد الدهر واختلاط الامر وعوز المحقين وقلعة الصادقين فينبغي للامام أن يتحرز من ذلك كله فيكون حذرا فطنا قائما على أخمصيه ذهنا جادا في أمر الله، حاكما بأحكام الله غير متقدم على شبهة ولا متأخر عن صحة، وفي ذلك ما يقول الله عز وجل: * (يا ايها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) * (23) وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أدرؤا الحدود بالشبهات. وقد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: (لان أخطئ في العفو أحب إلى من أن أخطئ في العقوبة) فلما ذكرنا من قول الله ورسوله وأمير المؤمنين ما قلنا ثبت أنه يجب على إمام المسلمين التثبت في أمور العالمين، وقلنا إن الوقوف عند الشبهة خير من التقدم في الزلة، فإذا صح للامام أمر الشهود وجب عليه أن يسأل عن المشهود عليه حتى يثبت له عقله، ويصح له لبه، ثم يسأله عنه أحر هو أم مملوك؟ ثم يسأل عنه أمحصن هو أم غير محصن فإذا شهد شاهدان عدلان على إحصانه، سألهما الامام ما الاحصان نفسه؟ فإذا أثبتا له الاحصان بعينه وأخبراه أنه قد جمع زوجته وضم إليه أهله أقام عليه حد المحصن فضربه مائة ضربة ثم
---
ص 222..
(23) الحجرات 6.
---
[ 223 ] (2/223)
رجمه فكان أول من يرجمه الشهود الاربعة ثم الامام بعدهم، ثم المسلمون كلهم أو من حضر رجمه منهم، فإن سأل عنه فذكر له أنه بكر، أو ثبت له أنه لم يكن نكح بامرأة هي في حباله اليوم أو مفارقة، جلد عند ذلك مائة جلده، ولم تأخذه ولا المؤمنين به رأفة ولا رحمة كما حكم وأمرهم به فيه ربهم، وكذلك يجب على الامام من التثبت في أمر المرأة ما وجب عليه من التثبت في أمر الرجل لان أمرهما عند الله سواء في جرمهما في الحد والحكومة منه سبحانه في ذلك سواء عليهما.
باب القول متى يجب الحد على المعترف بالزنى
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الواجب على الامام فيمن اعترف عنده بالزنى ان يتشاغل عنه ويزجره، ولا يعمل بقوله، فإن مضى ولم يعد إليه لم يسأل عنه، وان هو أبى الا تكرار القول عليه والزامه نفسه زجره مع كل إقرار زجرة سهلة غير فظيعة حتى إذ أقر على نفسه أربع مرات ودام على اقراره والشهادة بالزنى على نفسه وجب على الامام أن يسأله عن الزنى ما هو وما معناه وكيف هو، فإذا هو أثبت له فيه المعنى ووقفه على حدود الزنى وأخبره أنه أتاها حراما كما يأتي أهله حلالا، سأل عن عقله وبحث عن جودة لبه، فإذا صح له عقله سأل عنه أحر هو أم مملوك؟ ثم أمر بجلده فجلد مائة جلده إن كان حرا أو خمسين إن كان مملوكا ولم يأخذه ولا المسلمين به رأفة، ان كان بكرا اكتفى بجلده، وان كان محصنا حرا رجمه من بعد جلده وكان أول من يرجمه من بعد اعترافه الامام، ثم المسلمون، فإن كان المعترف امرأة وجب عليه أن يفعل في أمرها وزجرها والتشاغل عنها كما فعل في أمر الرجل، فإن ذهبت لم يسأل عنها، وان ثبتت وأثبتت أربع شهادات على نفسها أخبرها الامام أنه ان كانت محصنة رجمها وإن كانت بكرا جلدها. وينبغي له أن يقول
---
[ 224 ] (2/224)
لها: لعلك ترهبت، لعلك اغتصبت، لعلك أكرهت إكراها، فإن ذكرت شيئا من ذلك أطلقها ولم يقم الحد عليها ولم يسألها من اغتصبها لانه لا يجب على أحد حد بشهادتها، وإن لم تدع شيئا من ذلك وأبت إلا المضي على ماهي عليه سأل عن عقلها كما يسأل عن عقل غيرها، فان صح له عقلها وثبت له لبها أقام عليها حد مثلها بكرا كانت أو محصنة، يجلدها إن كانت بكرا، ويرجمها من بعد الجلد ان كانت محصنة، وكذلك روى لنا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه جلد ثم رجم. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ويحفر للمرجوم إلى سرته، وللمرجومة إلى ثدييها ويترك لهما أيديهما يتوقيان بهما. حدثني أبي عن أبيه أن سئل عن المقر بالزنا كم يردد فقال: ذكر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه ردد ما عز أربع مرات، فلما كان في الرابعة أمر برجمه، والمرجوم إذا رجم بالبينة كان أول من يرجمه الشهود وإذا أقر واعترف كان أول من يرجمه الامام ثم الناس. وقد ذكر مثل ذلك عن علي عليه السلام، وكان علي يقول إذا أمر بالضرب أن تضرب الاعضاء كلها إلا الوجه وكان يقول اتركوا للمحدود يديه يتوقى بهما عن وجهه وعينيه، وأما المرجوم فيحفر له حفرة يقولم فيها إلى سرته، وأما المرأة فيحفر لها إلى ثدييها ويرجمها جماعة ويمضون الاول فالاول حتى يفرغوا، والسوط الذي يجلد به المجلود (24) يكون سوطا بين الغليظ والدقيق. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه رجم امرأة بالكوفة فحفر لها حتى وارى ثدييها ثم قام والناس صفا واحدا ثم أخذ حجرين فرمى بيده اليمنى ثم رمى بيده اليسرى ثم رمى الناس. وروي عن رسول الله صلى الله
---
ص 224..
(24) في نسخة: يجلد به المحدود.
---
[ 225 ] (2/225)
عليه وعلى آله وسلم أنه لما جاءه ماعز بن مالك الاسلمي فقال يا رسول الله إني زنيت، فأعرض عنه، فقال: إني زنيت، فأعرض عنه، فقال: إني زنيت فأعرض عنه، فقال: إني زنيت، فأقبل عليه، فقال: أتيتها فقال: نعم، قال: حتى غاب ذلك منك في ذلك منها كما يغيب الميل في المكحلة والرشا في البير، فقال: نعم فقال: وهل تدري ما الزنى: فقال: نعم، أتيتها، حراما كما يأتي الرجل أهله حلالا، قال: فما تريد بقولك؟ قال: أريد أن تطهرني يا رسول الله، فأمر به فرجم فمر برجلين فقال أحدهما للآخر: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم مرجم الكلب، قال: فسكت عنهما رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى مر بجيفة حمار، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: انزلا فأصيبا من هذه الجيفة فقالا: غفر الله لك يا رسول الله أنأكل من هذه الجيفة؟ فقال: ما أصبتما من أخيكما آنفا أعظم من اصابتكما من هذه الجيفة، إنه الآن لفي أنهار الجنة يتقمص فيها.
باب القول في المملوك يقيم عليه سيده الحد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا زنى المملوك كان الامام المتولي لا قامة الحد عليه دون سيده لانه أولى بذلك منه لان الله أمره به، ولم يأمر سيده، ف ان لم يكن امام فلا بأس أن يقيم السيد الحد على عبده. وقد روي عن الني صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ذلك حديث، وحديث عن علي بن أبي طالب عليه السلام ولسنا ندري ماصحة ذلك، فأما الحديث الذي روئ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فانه قال: (أقيموا الحدود على ما ملكت ايمانكم) وأما الحديث
---
[ 226 ] (2/226)
الذي روي عن أمير المؤمنين عليه السلام فذكر أن رجلا أتاه فقال يا أمير المؤمنين إن أمتي زنت، فقال: اجلدها نصف الحد خمسين، فإن عادت فعد فقال: ادفعها إلى السلطان؟ فقال: أنت سلطانها. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن المملوك والمملوكة يزنيان من يقيم عليهما الحد؟ فقال: إمام المسلمين دون سيدهما.
باب القول فيما يكون به الرجل محصنا والمرأة محصنة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يحصن الرجل بالحرة والامة، إلا أن يكونا مجنونتين أو تكون أيتهما كانت زوجته صبية لا يجامع مثلها في الفرج، فأما إذا جامعها وهي تطيق ذلك في موضع الحرث، أو كانت ابنة خمس عشرة سنة فهي تحصنه والاحكام تجري عليه بها، فاما أهل الكتاب من اليهوديات والنصرانيات فلسن عندنا مما يحصن به الرجال، لانه نكاح عندنا فاسد لا نجيزه، ولا نرى أنه يحل لمسلم نكاح مشركة، والذميات فهن المشركات بأعيانهن لكفرهن بربهن وجحدانهن لنبيهن، وانكارهن لكتاب رب العالمين، ورفضهن لفرائض أرحم الراحمين. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن رجل حر تزوج أمة ثم فجر هل هو بها محصن؟ فقال: الامة تحصن الرجل في قولنا إحصان الحرة له وحده إذا زنى حد المحصن، وقد اختلف في الاحصان فمنهم من قال: هو العقدة، ومنهم من قال: هو المسيس والمجامعة. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه لا يكون محصنا عندنا حتى يجامعها أو يرخي سترا عليها، ويخلو بها، ويجب عليه مهرها فما أوجب المهر كله أوجب اسم الاحصان ووجب به الحد على كل انسان.
---
[ 227 ] (2/227)
باب القول في الشهود يرجع بعضهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا شهد أربعة على رجل بالزنى وأثبتوا شهادتهم كلهم ثم رجع بعضهم بعد أن قد شهدوا وقبل مضي الحد جلد الراجع من الشهود لانه قد قذف ثم رجع عن قذفه فلزمه حد القاذف ولا سبيل على الباقين لان الشهادة قد تمت أربعة أولا قبل رجوع الراجعين. قال: وإن شهد أول الشهود على انسان بالزنى ثم نكل آخر الشهود لم يشهدوا جلد الذين شهدوا أولا ولا سبيل على المشهود عليه ولا على الناكل لان الشهادة لم تتم أربعة شهود كما قال الله فصار الاولون قاذفين عليهم أن يأتوا على دعواهم وقذفهم بأربعة شهود أو بشاهدين يشهدان على ذلك الموقف الذي شهد هذان الشاهدان على الزاني بالزنا فيه إن كان الذين شهدوا أولا اثنين، وإن كان الذين مضوا على الشهادة ثلاثة كان عليهم أن يأتوا برابع يشهد على ما شهدوا عليه بعينه، وإن كان الذي مضي على الشهادة واحدا كان عليه أن يأتي بثلاثة يشهدون على ما شهد عليه بعنيه في ذلك الوقت، وفي ذلك المكان حتى يشهدوا كلهم أنهم رأوه معا في حال ما شهدوا عليه به من ذلك الزنى، فإن لم يأت الشاهدون بشهود معهم تمام الاربعة الذين ذكرهم الله فهم قاذفون، وذلك قوله سبحانه: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) * (25) وفي ذلك ما يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: (ما أحب أن أكون في أول الشهود الاربعة) فدل بذلك على أنه إذا رجع بعضهم جلد الاولون. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن أربعة شهدوا
---
ص 227..
(25) النور 4.
---
[ 228 ] (2/228)
على رجل بالزنى فرجم ثم رجع بعد الرجم منهم واحد سئل الراجع هل تهمدت قتله بشهادتك؟ فإن قال نعم، وأقر على نفسه بأنه متعمد لقتله بطلت شهادته وقتل به وأن جحد أن يكون تعمد قتله وقال: لم أدر ما ينزل به، وادعى خطأ غير ذلك كان عليه أرش ربع الضرب وربع الدية، ويكون ذلك على عاقلته، وإن كان تعمد قتله وأقر بذلك على نفسه فصالحه أولياء القتيل على دية يدفعها إليهم صلحا قليلا أو كثير كان ذلك في ماله خصوصية ولم يكن على عاقلته منه شئ، ويضرب الحد لقذفه، ولا سبيل على الثلاثة الذين شهدوا ولم يرجعوا لان الحد قد مضى بالشهادة التامة بحكم الامام عليه بها.
باب القول في رجوع أحد الشاهدين بالاحصان على المحدود
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا شهد عليه أربعة عند الامام بالزنى فسأل عن أحصانه فشهد عليه شاهدان بالاحصان، ثم رجع أحدهما قبل إمضاء الحد لم يكن عليه حد في ذلك. وينبغي للامام أن يؤدبه حتى يتثبت في أمره وشهادته، وليس على الشاهد الآخر شئ لانه لم يقذف في شهادته فيكون قاذفا، إنما شهد على الاحصان ولم يرجع عن شهادته فيؤدب على خطأه.
باب القول فيمن استأجر أمة أو استعارها، أو استرهنها فوطئها ثم قال كنت أظن أنها تحل لي بذلك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا أرى أن من وطئ مستأجرة أو مستعارة إلا زانيا يجب عليه في فعله الحد، فإما صاحب
---
[ 229 ] (2/229)
المرتهنة فإذا ارتهنها وحازها ثم وطئها فادعى في ذلك أنه توهم أنها تحل له بارتهانه لها درئ عنه لا اختلاف عند الناس في ذلك، وإنما ميزنا بينه وبين غيره لانها لو تلفت عنده كان ضامنا لها، لان الرهن بما فيه، إلا أن يكون فيه فضل فيترادانه بينهما. قال: وإن لم يدرع جهلا بفعله أقيم عليه الحد كما يقام على غيره. قال: وكذلك لو اغتصب مغتصب جارية فوطئها وأولدها كان الحد عليه وكانت الجارية وولدها لصاحبها، فإن ماتت الجارية في يد المغتصب طالبه بقيمتها يوم اغتصبها وأخذ منه ولدها مملوكا لسيدها فإن مات بعض ولدها لم يكن المغتصب لهم ضامنا لقيمته لانه حادث سوى المغتصب بعينه.
باب القول في رجل شهد عليه بالزنا فوجد مجنونا بعد مضي الحد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجل شهد عليه أربعة بالزنا وكان محصنا فرجم ثم وجد بعد رجمه مجنونا كان على الامام أن يؤدي ديته من بيت مال المسلمين لان هذا الخطأ من خطأ الامام، لان الواجب على الامام أن يسأل عن صحة عقل المشهود عليه كما يسأل عن غير ذلك من أمره، فإن لم يكن محصنا فضرب بشهادتهم، فعلى الامام أرش الضرب من بيت مال المسلمين. وكذلك ان شهدوا على رجل فرجم، ثم وجد مملوكا كانت قيمته لمولاه عليهم في أموالهم إذا شهدوا أنه حر، وإن هم لم يشهدوا أنه حر ورجمه الامام ثم وجده مملوكا فهذا خطأ من خطأ الامام فديته من بيت مال المسلمين لان الواجب على الامام أن يسأل عنه أحر هو أم مملوك؟
---
[ 230 ] (2/230)
باب القول في المرأة يشهد عليها بالزنا ثم توجد رتقاء أو عذراء بعد مضي الحد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن أربعة شهدوا على امرأة بالزنى فأقيم عليها باحد ثم نظر إليها النساء بعد ذلك فوجدنها عذراء أو رتقاء لم يكن على الامام ولا على الشهود من ذلك شئ لان هذا حد من الحدود والحد، لا تقبل فيه شهادات النساء، فان نظرن إليها قبل إمضاء الحد علهيا فذكرن ذلك عنها لم يكن على الشهود حد فيما رموها به لان الشهود على إبطال ما قال النساء ولا يقال الحد على الرجال بشهادة النساء ويدرأ الحد عن المرأة المشهود علهيا بالشبهة التي وقعت فيها.
باب القول فيمن شهد عليه بالزنا من الرجال والنساء وكان الزوج والزوجة لا يحصن مثلهما
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو شهد على رجل أو امرأة بالزنى والاحصان ثم نظر الامام في أمر زوج المشهود عليها فإذا به صبي صغير لا يجامع مثله، أو صبية لا يجامع مثلها أو مجنون أو مجنونة لا يفيقان، أو كانت زوجة الرجل ذمية لم يرجم واحد منهما إذا كانا على ذلك، ويضرب حد البكر مائة جلدة. قال وإنما قلنا إن المجنونة والمجنون لا يحصنان لانهما لا يحدان وكل من لا يحد فلا يحد به، وكذلك من لا يحد لا يحد له وكل من لا يجري عليه حد المحصن لا يحصن به.
---
[ 231 ] (2/231)
هل كنتم حضورا لا مرهما ولمبتدأ خلوتهما حتى سمعتم كلامهما وكيف كان أمرهما فإن قالوا نعم قد شهدنا أول أمرهما وعلمنا كيف كان فعلهما وسمعنا مبتدأ كلامهما لم يلتفت إلى كلاهمها وأقيم عليها الحد، وإن قالوا لم نحضر أول أمرهما ولكن قد هجمنا عليهما وهما في زناهما وفسقهما وليس عندنا من مبتدأ أمرهما علم لم يكن شهادتهم على المطاوعة مما يعمل عليها، ويدرأ الحد عنها بالشبهة التي أدلت بها وأقيم الحد على الزاني.
باب القول فيمن نكح نكاحا فاسدا هل يكون به محصنا أم لا؟ والقول في زنى الصبي والمجنون
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قامت الشهادة على رجل بالزنى فنظر في أحصانه فإذا تزويجه تزويجا فاسدا، وفساده أن يكون نكح من لا يجوز له أن ينكحها من النساء مثل الاخت من الرضاعة أو غيرها من الرضاع أو ذات رحم محرم أو أخت امرأته أو أم امرأته، أو امرأة كان نكحها أبوه، أو ابنه فنكحها وهو لا يعلم فإن ذلك النكاح لا يكون به محصنا، ولا يجب فيه رجم ولكن يقام عليه فيه الحد مائة ضربة، وأما الصبي والمجنون الذي لا فيق فلا حد عليهما، ويقام على من زنيا به الحد إلا أن يكون في حدهما (26) من الصبا والجنون.
باب القول فيمن زنى بنساء ثلاث أو أربع
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: في ذلك كله حد واحد،
---
ص 231..
(26) إلا أن يكون في حدهما مانع من الصب والجنون ظ.
---
[ 232 ] (2/232)
فإن عاد بعد ذلك الحد عيد له، إن كان محصنا رجم، وإن كان بكرا ضرب، كذلك النساء أيضا يقام عليهن حد مثلهن.
باب القول في المرضى تقوم عليهم الشهادة بالزنا والعبد يعترف على نفسه بالزنا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قامت الشهادة وشهد بالزنا على مريض أربعة فإن كان ذلك المريض محصنا رجم، ولو كان مريضا مذنقا، لان الذي يراد به من قتله أكثر من مرضه، وإن كان بكرا فإن كان مرضه مرضا مبالغا رأيت أن يتأنى به برؤه خشية من تلفه، لان حده من الضرب دون تلفه، وكذلك لو شهد أربعة على مقعدين بالزنا أو أعميين رجما، إن كانا محصنين أو جلدا إن كانا غير محصنين، وإن شهدوا على مريض سقيم أو مسلول مستسقى البطن ممن لا يطيق الحد فإن كان محصنا رجم، وإن كان بكرا نظر الامام في إقامة الحد عليه نظرا شافيا إن رأى أنه يحتمل أن يجمع له عشرة أسواط ثم يضرب بها عشر ضربات فعل، وإن رأى غير ذلك نظر واجتهد رأيه في النظر. فقد ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه أتي برجل مريض أصيفر أحيين (27) قد خرجت عروق بطنه يكاد يموت في بعض الحديث قد زنا فدعا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعثكول فيه مائة شمروخ فضربه به ضربة واحدة. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وإذا اعترفت العبيد على أنفسها بالزنى أربع مرات جاز اعترافها وجلدت خمسين جلدة محصنين كانوا أو غير محصنين.
---
ص 232..
(27) الاحبن بالباء والنون: الذي به المرض الشقي.
(صحاح)
---
[ 233 ] (2/233)
باب القول في الشهود يوجد أحدهما ذميا أو أعمى أو مجنونا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا شهد أربعة على رجل بالزنا فوجد بعض الشهود ذميا، أو أعمى، أو مجنونا لا يعقل درئ الحد عن المشهود عليه، ولم يكن على الشهود حد القاذف إذا كانوا لم يعلموا بحال هذا الرابع، ولم يفهموا أن شهادة مثله لا تقبل ولانهم شهود قد شهدوا، فإن أمضى الحد عليه بشهادتهم كانت الدية من بيت مال المسلمين، لان هذا من خطأ الامام، لان عليه النظر في مثل هذا والاستقصاء فيه والبحث عن أمر الشهود.
باب القول في أم الولد، والمكاتبة والمدبرة إذا زنين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا زنت المكاتبة، أو المدبرة، أو أم الولد فان القول عندي في ذلك أنه لا رجم على واحدة منهن، وعلى أم الولد والمدبرة خمسون جلدة خمسون جلدة، وعلى المكاتبة من الضرب بحساب ما عتق منها. وكذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فيها، فإن كانت قد أدت نصف مكاتبتها ضربت خمسة وسبعين سوطا، وان كان أقل من ذلك أو أكثر فبحسابه.
باب القول في التعزير وكم يجوز منه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجاوز في التعزيز حد صاحبه، إن كان حرا عزر إلى دون المائة بسوط أو سوطين، وإن كان عبدا عزر إلى دون الخمسين بسوط أو سوطين.
---
[ 234 ] (2/234)
وكذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: أنه قال: (أبي الله أن يبلغ حد إلا بالشهود وذكر عنه عليه السلام أنه ضرب رجلا تسعة وتسعين سوطا في جارية غلبها على نفسها، فشهد الشهود أنهم رأوه قام عنها وقد أدماها فقال علي عليه السلام: (إذا لم تشهدوا على الايلاج والاخراج أبى الله أن يقوم حد إلا بشهادة أربعة) يعني على الايلاج والاخراج. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وللامام أن ينظر في مثل هذا نظرا يوفقه الله فيه ويسدده، ولعل هذا الذي ضربه أمير المؤمنين عليه السلام كان بكرا، وأرى أنه لو كان ثيبا ثم أتيت به أنا أو تشاورني فيه إمام لرأيت أن يعاقبه بحبس مع التعزير حبسا طويلا، وكذلك كان رأيي فميا كان شبيها لذلك. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن زانيا زنا بذمية أو مشركة كان عليه حد مثله، إن كان محصنا رجم، وإن كان بكرا جلد، وكذلك يقام عليها حد مثلها.
باب القول في الزنا بذات رحم محرم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا زنى الرجل بذات رحم محرم أقيم عليه حد مثله وأقيم عليها حدها أيضا محصنين كانا أو بكرين، ويرى الامام في ذلك رأيا من تنكيل أو نفي فأما في حكم فحكمهما سواء هما عنده زانيان فاجران.
باب القول في دعوى المرأة أن الرجل استكرهما
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا شهد أربعة على رجل، وامرأة بالزنى فقالت المرأة استكرهني على نفسي درئ عنها الحد بما أدلت من الحجة، فإن شهد الشهود أنها طاوعته سئل الشهود
---
[ 235 ] (2/235)
باب القول في حدود أهل الذمة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: حد الذمي كحد الملي سواء سواء المحصين يرجم والبكر يجلد، وكذلك حد مماليكهم كحد مماليك أهل الاسلام سواء سواء.
باب القول في حد من زنى بالمرأة في دبرها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من زنى بامرأة في دبرها فهو كمن زنى بها في قبلها لانهما فرجان والآتي فيهما زان عليه حد مثله محصنا فمحصن أو بكرا فبكر.
باب القول في حد اللوطي
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: اللوطي زان حده كحد الزاني أذا أتى في المقعدة وهو أعظم الزانين جرما. كذلك روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: (حد اللوطي كحد الزاني). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن كان محصنا فأتى رجلا في دبره فحده حد الزاني فإن كان محصنا رجم، وان كان بركا جلد، وكذلك من أمكن الرجال من نفسه، وفي ذلك ما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الاخبار المتواترة والروايات المتواطية أنه قال: (أقتلوا الفاعل والمفعول به). حدثني أبي عنه أبيه: أنه سئل عن الذي يعمل عمل قوم لوط فقال: حده في ذلك حد الزاني يرجم إن كان محصنا، ويجلد إن كان بكرا. وكذلك روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أتي به قد فعل ذلك، وقد رجم الله قوم لوط من سمائه.
---
[ 236 ] (2/236)
باب القول في حد القاذف
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله تبارك وتعالى فيما نهى عنه عباده من القذف بما لا يعلمون والقول في ذلك بما لا يوقنون، فقال: * (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) * (28) فمعنى قوله ولا تقف ما ليس لك به علم هو لا تقل ولا تقف من قذف المحصنات ما ليس لك به علم، وقوله كل أولئك كان عنه مسؤولا هو أخبار منه بأنه سيسأل يوم القيامة سمعه وبصره وفؤاده هل كان من ذلك الذي لفظ به بلسانه شئ أم لم يعلموا منه شيئا. وقال سبحانه: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) * (29) ومعنى ذلك أنه حكم على من قذف مسلمة حرة أو حرا مسلما بالزنا ثم لم يأت على ذلك رأبعة شهداء ضرب ثمانين جلدة كما أمر الله عزوجل وكان كاذبا عند الله من الفاسقين ولم تقبل له شهادة أبدا إلا أن يتوب من فسقه وينيب ويرجع إلى الله فيكون عنده من المقبولين إذا كان عنده في التوبة من المخلصين كما قال جل جلالة عن أن يحويه قول أو يناله: * (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم) * (30). وقال سبحانه فيما كان يفعله أهل الجاهلية من اكراههم اماءهم على الزنا ليستنجبوا أولادهن: * (ولا تكرهوا فتياتكم على البغ ء إن أردن
---
ص 236..
(28) الاسراء 36.
(29) النور 4.
(30) النور 4.
---
[ 237 ] (2/237)
تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم) * (31) فنهاهم عن حملهن على الزنا لما يطلبون من اجعالهن واستنجاب أولادهن، ثم أخبر أنه من بعد اكراههن لمن أكره منهن وأخيفت على نفسها إن لم تفعل ما أمرها به سيدها، غفور رحيم، فأخبر الله عزوجل أنه غير معاقب لها على ما لم تفعله بطوعها وأتته بالكره منها والخوف على نفسها ثم وعدها أنه يغفر ذلك لها ومن العقوبة فيه يرحمها إذا كانت مكرهة في فعلها فقال: * (ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم) * (32) فوجبت المغفرة للمكرهات من الفتيات المؤمنات وهذه الآية يقال إنها نزلت في أمة مسلمة كانت لعبد الله بن أبي بن سلول فأمرها أن تأتي رجلا ليفسق بها فيتسنجب به ولدها، فأبت وأتت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأخبرته فاعتقها عليه وزوجها.
باب القول في تفسير القذف ومتى يجب الحد فيه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قال الرجل للرجل المسلم يا زاني، أو يابن الزانية أو يا ابن الزاني فإن صفح عنه المقذوف وتركه ولم يرفعه إلى الامام فذلك له وإن رفعه إلى الامام سأله الامام البينة على أنه قذفه فإن أتى بالبينة على سأل الامام القاذف عن بينته على ما ادعى فإن أقام على قذفه أربعة يشهدون بزنا المقذوف أخلى سبيله وأقام على المقذوف حده وان لم يأت بأربعة شهداء أبرزه فضر بن ثمانين جلدة كما قال الله سبحانه: * (ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) * (33) ويكون المقذوف حاضرا لضرب الامام القاذف.
---
ص 237..
(31) النور 33.
(32) النور 33.
(33) النور 4.
---
[ 238 ] (2/238)
باب القول في الولد يقذف والده والوالد يقذف ولده
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا قذف ولده بالزنا في نفسه فقال له: يا زاني حد له لان الله سبحانه يقول: * (والذين يرمون المحصنات) * (34) ولم يستثن والدا ولا غيره وقد قال غيرنا: لا يجلد له ولسنا نأخذ به، ولو قتله لم يقتل به الا أن يقتله تمردا وجراءة على الله وفسدا فيرى الامام رأيه فيه. وكذلك لو أخذ من ماله شيئا من حرزه لم يقطع له لان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (أنت ومالك لابيك) وتجب على الاب التوبة إلى الله من قوله في ابنه بما لا يعلم. قال: ولو قذف الابن أباه جلد له ثمانين جلدة حدا وافيا. ولو أن الاب قال لا بنه يابنه الزانية لسئل أن يأتي بأربعة شهداء على زنا امرأته أم ابنه فإن أتى بهم ضربت مائة ثم رجمت، وإن لم يأت بهم دعي إلى ملاعنتها فإن نكل حد لها وكانت امرأته على حالها، وإن لا عنها فرق الامام بينهما ولم يجتمعا بعدها أبدا. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الرجل يقذف ابنه فقال: يحد له لان الله قد أمر بحد القاذف المحصن، والاب القاذف لابنه فهو من الذين أمر الله بحدهم لانه قد اجترم جرمهم.
باب القول فيمن قذف جماعة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قذف الرجل جماعة فقال: يا بني الزواني فرفعوه إلى الامام فإنه يجلده لكل واحد منهم حده،
---
ص 238..
(34) النور 4.
---
[ 239 ] (2/239)
ويكون الطالب بالحدود الامهات المقذوفات أمهات المشتومين، فان كان بعضهن ميتا كان أوليائها الطالبين بما يجب لها من ذلك. قال: ولو أن رجلا قال لرجلين أو ثلاثة يا بني الزانية فإن كانت أمهم واحدة أقيم لها الحد على القاذف، وإن كن أمهات متفرقات لم يجب على القاذف حد لانه قذفهم كلهم بأم واحدة وأمهاتهم متفرقات فلا تكون الثلاث واحدة كما لا تكون الواحدة ثلاثا. ولو أن رجل قال لرجل يابن الزواني لوجب عليه الحد يطالبه به أمهاته المقذوفات أمه وجدته أم أبيه وغيرها من جداته لانهن قد ولدنه فهن أمهاته.
باب القول في المسلم يقذف الذمي أو العبد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو قذف مسلم ذميا لم يلزمه في قذفه حد لان الله تبارك وتعالى إنما أوجب الحد في المحصنات المؤمنات وليس الذمي بمؤمن، وكذلك إذا قذف العبد لم يحد له. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن المسلم يقذف الذمي، والعبد يقذفه الحر فقال: أما الذمي فلا حد له على المسلم لان الله تبارك وتعالى قول: * (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات) * (35) وليس الذمي بمؤمن ولا نرى أن يحد الحر للعبد إذا قذفه. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا مسلما قذف ذميا فقال له يابن الزانية وكانت أم الذمي قد أسلمت سئل البينة على ما قال؟ فإن أتى ببينة حدت أم الذمي المسلمة وإن لم يأت ببينة أقيم عليه لها الحد إذا طالبته حد القاذف لانه قذفها من بعد إسلامها.
---
ص 239..
(35) النور 23.
---
[ 240 ] (2/240)
باب القول فيمن قال لرجل يا فاعلا بأمه أو يا فاجرا أو يا فاسقا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قال رجل لرجل يا فاعلا بأمه فهو من أكبر القذف يحد له وأما قوله يا فاجرا أو يا فاسقا فإنه يسأل (36) معنى قوله عن إرادته في ذلك فإن ذكر أنه أراد القذف بالزنا حد له، وإن كان أراد فجورا في الدين، أو فسقا في أمر من أمور المسلمين غير الفجور، زجر عن ذلك ولم يجب عليه فيه حد، وان رأى الامام أن يؤدبه ببعض الادب أدبه. قال: ولو أن قاذفا قذف فسئل البينة فادعى بينة غيبا لكان الواجب أن يؤجل أجلا يمكنه فيه المجئ ببينته فإن جاء بها وإلا حد. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن رجل يقول لرجل يا فاعلا بأمه، أو يا فاجرا، أو يا فاسقا قال: أما من قال: يا فاعلا بأمه فعليه ما على القاذف، وأما من قال يا فرجا يا فاسقا فيسأل عما أراد بمقالته، فإن أراد الزنا كان قاذفا، وإن أراد الفسق والفجور والخبث في الدين والتقصير فيه لم يكن قاذفا، وعليه تعزير وفي أكثر التعزير وأدناه قال قد قيل إن التعزير لا يكون إلا أقل من كل حد. وقال بعضهم: التعزير على قدر ما يرى الامام من كل حر أو عبد، كثر ذلك أو قل. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الرجل يقذف ويدعي بينة له غيبا قال: يؤجل أجل مثله في دعواه.
باب القول فيمن جلد على القذف فثنى بقذف قبل أن يفرغ من جلده
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن كان قذف الذي هو
---
ص 240..
(36) في نسخة: فإنه يسأل عن ارادته وعن معنى قوله الخ..
---
[ 241 ] (2/241)
يضرب له وكان قد بقي من هذا الحد الذي يضربه شئ أتم ما بقي من الحد، وكان مجزيا عما ثنى به من القذف وهو بين العقابين (37) وإن قذف غيره ضرب لمن قذف حدا مبتدءا من بعد الفراغ من الاول وكذلك روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه ضرب حدين في موقف واحد.
باب القول في الذمي يقذف المسلم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قذف الذمي مسلما، أو مسلمة حد لهما لان الله يقول: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأبعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) * (38) والمحصنات فهن المؤمنات، لان الايمان هو أحصن الاحصان وفي ذلك ان شاء الله من الحجة أبين البرهان.
باب القول في الذمي يقذفه المسلم ثم يسلم بعد، وفي العبد يقذفه الحر ثم يعتق أو يقذف حرا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن مسلما قذف ذميا ثم أسلم الذمي بعد أن قذفه المسلم فطالبه بقذفه له لم يكن عليه حد، لان قذفه له كان في حد كفره لا في حد ايمانه قال: وكذلك لو أن حرا قذف عبدا ثم أعتق العبد فطالبه بقذفه لم يجب عليه له حد لان قذفه له في حال عبوديته لا في حال حريته. قال: ولو أن عبدا قذف حرا ثم أعتق من ساعته بعد قذفه ثم طالبه الحر المقذوف لاقيم له عليه الحد، حد عبد أربعين سوطا، لانه قذفه وهو عبد، والحد إنما وجب عليه ساعة نطق بالقذف.
---
ص 241..
(37) العقابين: آلة يوضع فيها المحدود تسمى بذلك.
(38) النور 4.
---
[ 242 ] (2/242)
قال: ولو أن رجلا حرا قذف صبيا أو عبدا، أو أمة أو مدبرا، أو ابن أم ولد من غير سيدها أو من مدبرة، أو مكاتبة فلا حد عليه في شئ من ذلك كله، ويجب على الامام أدبه في ذلك كله.
باب القول في الرجل والمرأة يترادان اللفظ
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قال الرجل للمرأة يا زانية، وقالت المرأة للرجل يا زاني فقال: زنيت بك فلا حد على واحد منهما، لانها حين قذفته صدقها بقوله زنيت بك فسقط عنها الحد بتصديقه اياها، ويسقط عنه الحد لانه شهد على نفسه مرة واحدة دون أن يشهد أربع شهادات عند الامام. وكذلك إن قال لها هو يا زانية فقالت زنيت بك. قال: وإن قال لها يا زانية فقالت زنيت بي وجب على كل واحد منهما حد، لانهما كليهما قاذفان وكذلك ان قال يا بنت الزانية فقالت له زنيت بها وجب عليهما الحد فإن قال لها يا بنت الزانية فقالت له زنت بك، فان كليهما قاذفان لام المرأة ووجب عليهما حدان. قال: ولو قالت له يابن الزانية فقال لها صدقت كانت قاذفة، فان قال لها صدقت انها زانية كانا قاذفين كلاهما، قال: ولو قال لها يا بنت الزانيين فقالت له أن كانا زانيين فأبواك زانيان وجب عليه الحد لابويها ولم يجب عليها هي شئ لانها لم تطلق على أبويه بالقذف. قال: ولو قال رجل لعبد من اشتراك أو من باعك أو أم من اشتراك، أو أم من باعك زانية فإنه يجب أن ينظر إلى أم الذي اشتراه أو باعه فان كانت أمة لم يجب عليه حد، وإن كانت حرة وجب عليه الحد لانه قد قذفها، فإن قال أم من يبيعك، أو أم من يشتريك ولم يقصد بلفظه ونيته إنسانا بعينه فلا حد عليه لانه لم يقذف أحدا يفهم، وإنما يجب الحد إذا طولب القاذف، وهذا فلا يطالبه أحد لانه لم يقصد بفريته أحدا.
---
[ 243 ] (2/243)
باب القول في الرجل والصبي يتقاذفان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا قال لصبية يا زانية لم يجب عليه حد لانها لو قذفته لم تحد له، ويجب على الامام أن يحسن أدبه. قال: فإن قالت امرأة لصبي يا زاني لم تحد له لانه لو قذفها لم يحد لها ولو قال صبي لرجل يابن الزانيه لم يحد له، ولو قال رجل لصبي يابن الزانية لحد لام الصبي إذا طالبته بذلك، ولو قال رجل لا مرأة بنت أم ولد يا بنت الزانية لم يحد لها لانه أمها أمة، فان كانت أمها قد عتقت قبل القذف ووفع عليها القذف وهي حرة مسلمة وجب عليه الحد لها إذا طالبته، وان كانت عتقت بعد القذف فطالبته لم يجب لها عليه حد لانه قذفها وهي مملوكة. قال: ولو قال رجل لرجل أبن أم ولد من غير سيدها يا زاني يابن الزانية لم يجب لهما عليه حد لانهما مملوكان، فإن قذفه وقد أعتقت أمه وجب لامه الحد عليه ولم يجب له هو لانها حرة وابنها مملوك، فإن قذفها من بعد ان اعتق هو وأمه وجب لها وله الحد عليه إذا طالباه.
باب القول فيمن قذف ابن أم ولد من سيدها أو قذفهما
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا قال لابن أم ولد من سيدها يا زاني وجب له عليه الحد إذا كان بن أم الولد رجلا بالغا، وان قال له يا زاني يابن الزانية وجب له هو عليه الحد وينظر الامام في أمر أمه فان كان أبوه قد أعتقها قبل القذف وجب لها أيضا الحد وان كان لم يعتقها فلا حد لها عليه.
---
[ 244 ] (2/244)
قال: وان قال له رجل يا زاني يابن الزانيين وجب له ولابيه على القاذف حدان، وان كانت الام قد أعتقت قبل ذلك وجب لها عليه حد ثالث، ولا نقول في ذلك بقول من رد حدود الجماعة المقذوفين إلى حد واحد بل نقول إنه يجب عليه لمن قذفه مجتمعا أو مفترقا حد حد لان كل مقذول منهم ليس بصاحبه، وقد أوجب الله لكل مقذوف على قاذفه حدا ولم يذكر في كتابه أنه اشرك بين اثنين، ولا ثلاثة مقذوفين في ثمانين جلدة، فنقول إنه إذا قذف جماعة في كلمة واحدة وجب لهم عليه حد واحد. وانما قال تبارك وتعالى: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) * (39) فأوجب لكل مقذوف أو مقذوفة على كل قاذف أو قاذفة أن تجلد ثمانين جلدة فاحتذينا في ذلك بحكم الرحمن ونطقنا فيه بما نطقت آيات القرآن، ولو جاز أن يشرك بين المقذوفين في الحد الواحد لما كان حد القاذف الواحد ليكون أبدا ثمانين جلدة، ولو كان ذلك كذلك لم يجز أن يجلد القاذف الواحد ثمانين جلدة لمقذوف واحد.
باب القول في شهادة النساء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا تجوز شهادة النساء في شئ من الحدود التي أوجبها الله على العبيد كثرن أو قللن، وتجوز شهادتهن فيما سوى ذلك وحدهن في حال مالا يمكن أن يشهد على ما شهدن عليه الرجال، وفي حال تجوز شهادتهن إذا كان معهن رجل، فأما الحال الذي تجوز شهادتهن فيها وحدهن فهو مثل شهادة القابلة على استهلاك الصبي إذا كانت ثقة مأمونة، ومثل شهادتهن على الحرة والامة على مالا يشهد عليه غير النساء مثل العلة تكون في فروجهن مما
---
ص 244..
(39) النور 4.
---
[ 245 ] (2/245)
ترد به الاماء على بيعهن مثل القرن والرتق والفلك وغير ذلك من أدوائهن، فإذا شهد على ذلك من النساء ذوات العدالة والعفاف والصدق والطهارة والامانة قضي بشهادتهن لانه شئ لا يناله غيرهن واما الحالة التي تجوز شهادتهن فيها إذا كان معهن رجل فهو فيما يتعامل به الناس ويشهدون عليه وفيه من الوصايا والهبات، والشراء والبيع والصدقات وغير ذلك مما كان سوى الحدود في الحالات. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن شهادة النساء، فقال: لا تجوز شهادة النساء في حد من حدود الله، وتجوز شهادة المرأة الواحدة فيما لا يشهد فيه الا النساء من الامور مثل القابلة إذا كانت صدوقة عدلة.
باب القول في الذمي يفجر بمسلمة والقول في المستكرهة على نفسها.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ان استكره الذمي المسلمة على نفسها كان عليه من الحد ما على غيره من المسلمين فيها، ثم أرى بعد ذلك للامام أن يعاقبه بعقوبة تبينه من المسلمين من حبس طويل، أو نفي بعيد، وقد قال غيرنا إن القتل يجب عليه في ذلك وليس قولنا كذلك لانها وهم مجمعون على أن الذمي لو فجر بمسلمة وهي مطاوعة له لم يكن عليه في ذلك أكثر من الحد حد مثله فلنا لهم وكذلك أيضا يجب على المسلم في ذلك حد مثله محصنا فمحصن أو بكرا فبكر، والذمي فلم يعط عهدا على أن لا يفجر بمطاوعة ولا مستكرهة فان أوجبتم عليه القتل في الاستكراه فأوجبوا عليه القتل في المطاوعة لان الله حرم الفجور على المسلمين كما حرمه على الذميين، وحرمه على الذميين كما حرمه على المسلمين، ولو كان للفاجر من الذميين بالمسلمة حد عند الله سوى حد الفاجر بها من المسلمين لكان أيضا
---
[ 246 ] (2/246)
للمسلمة الفاجرة بالفاجر من الذميين حد غير حدها في الفجور بالفاجر من المسلمين فإن وجب عليه القتل في ذلك وجب عليها، وان اندفع عنه اندفع عنها إذا لم يلزمها، وهذا فقد يلزم من قال بقتل الذمي إذا فجر بالمسلمة فقد يلزمه في القياس أن يقتلها إذا فجرت بالفاجر من أهل الذمة، وإنما يكون الذمي ناقضا لعهده بفعل من الافعال يجاهر به المسلمين مجاهرة باينة وينا بذهم فيه منا بذة ظاهرة من محاربة أو غير ذلك مما لو فعله مسلم استحل دمه من بعد استتابته من ذنبه، أو ما أشبهها مما يجاهر فيه المسلمين مجاهرة قال: واما المستكرهة فلا حد عليها لانها غلبت على نفسها ولم تأت فجورا بطوعها. حدثني أبي عن أبيه أن سئل عن المستكرهة على نفسها فقال: كل مستكرهة مغلوبة على نفسها فلا حد عليها. وقد ذكر مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعن علي عليه السلام. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الذمي يستكره أمة مسلمة حتى أصابها، فقال عليه السلام: عليه في ذلك ما على المستكره من المسلمين لان الله أوجب حدا واحدا على جميع الفاجرين. باب لاقول في الساحر والديوث قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (أقتلوا الديوث حيث وجدتموه) والمعنى عندنا في ذلك أنه من بعد الاستتابة. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: يستتاب فان تاب والا قتل
---
[ 247 ] (2/247)
من بعد الاستتابة ان لم يتب وان تاب لم يقتل. وقد قيل يقتل ولا يستتاب ولسنا نرى ذلك ولا نقول به. حدثني أبي عن أبيه أبيه أن سئل عن الساحر ماحدة؟ قال: حده أن يقتل من بعد الاستتابة ان لم يتب، وإن تاب لم يقتل. وقد قال مالك بن أنس وأهل المدينة يقتل ولا يستتاب، وليس ذلك عندنا بقول.
باب القول في حد الزنادقة والمرتدين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يقتل زنديق ولا مرتد إلا من بعد الاستتابة، فان تابوا خلي سبيلهم، وان لم يتوبوا من كفرهم ضربت رقابهم، ولا أحب أن يقتلوا هم ولا غيرهم من المستتابين حتى يستتابوا ثلاث مرات في ثلاثة أيام كل يوم مرة ثم يقتلوا في اليوم الثالث إذا أبوا التوبة والايمان وأقاموا على الفكر والعصيان. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن المرتد كيف يصنع به فقال: المرتد يقتل ان اقام على ردته ولا يخرجه من القتل غير توبته. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الزنادقة ما حدهم؟ فقال: الزنادقة إذا لم يتوبوا قتلوا، وإن تابوا لم يقتلوا.
باب القول في حد المرأة تقع على المرأة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا وقعت المرأة على المرأة كان حدهما كحد الرجل يقع على الرجل فيما دون دبره، وحد الرجل يقع على المرأة ولا يولج ولا يخرج في ذلك كله التعزير على قدر ما يرى الامام لان الحد أبى الله أن يقيمه إلا على الايلاج والاخراج
---
[ 248 ] (2/248)
والمرأة لا تولج ولا تخرج ولكن يعزرهما الامام معزيرا مثخنا يضربهما ثمانية وتسعين سوطا إن كانتا حرتين وإن كانتا أمتين ضربهما ثمانية وأربعين سوطا وينلهما مع ذلك من الحبس على قدر ما يرى أن رأى ذلك. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن المرأة تقع على المرأة، فقال: يعزرهما الامام على قدر ما يرى من التعزير.
باب القول في حد السارق وما أوجب الله عليه في القرآن
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله تبارك وتعالى * (السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم) * (40). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: فإذا سرق السارق عشرة دراهم أو قيمتها من حرز، والحرز فهو بيت الرجل ومراحه ومربده المحصن عليه وكذلك روي لنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قطع في مجن كانت قيمته عشرة دراهم. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ومن قطع فمات من غير توبة كان من أهل النار لان القطع ليس بتوبة وإنما هو له في الدنيا عقوبة وعليه التوبة إلى الله من سوء فعله. فإن تاب رجونا المغفرة له من الله ألا ترى كيف يقول الله عز وجل: * (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه) * (41) يقول: من تاب من بعد سرقته وأصلح في عمله ولم يعد لجرمه فإن الله يتوب عليه. وفي ذلك ما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنه أتي برجل قد سرق فقال له: سرقت؟ فقال: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اقطعوه فلما قطعوه قال له الني صلى الله عليه وعلى آله وسلم: تب
---
ص 248..
(40) المائدة 38.
(41) المائدة 39.
---
[ 249 ] (2/249)
إلى الله، قال: فإني تائب إلى الله تعالى. فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: اللهم تب عليه).
باب القول في السارق يقطع ثم يعود
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا سرق السارق عشرة دراهم أو قيمتها قطعت يده اليمنى من الكوع فإن عاد فسرق ثانية قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم والساق وهو من الكعب فإن عاد ثالثة فسرق رأينا أن يحبس عن المسلمين ويلزم الحبس، ولا تقطع يده الباقية ولا رجله، لان في قطعهما اهلاك نفسه وذهاب فرائضة من طهوره وصلواته لانه لا صلاة إلا بطهور مع ما في ذلك من المثل. وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن المثل بالبهايم فكيف بالناس لانه إذا قطعت قوائمه ويداه بقي مطروحا لا يتنظف من قذره ولا يستطيع الحركة لحاجته، والحبس فقد يكف من كلبه ويجري مجرى تهلكته، والله سبحانه رحيم ببريته. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل من أين تقطع يد السارق فقال: من الكوع وقال يقطع في عشرة دراهم أو ما كانت قيمته من المتاع إذا سرق من حرزه.
باب القول فيمن أقر بالسرقة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أقر السارق عند الامام مرتين بالسرقة وجب على الامام أن يسأله عن السرقة ماهي؟ وكم هي؟ وكيف هي؟ ومن أين سرقها؟ فإذا أثبت له السرقة ومعناها وكيف هي وأعلمه أنه سرقها من حرز، سأل عن عقله، فإذا صح له عقله مع ما قد صح عنده من إقراره بسرقته قطع يده من كوعه، فإن كان في كلامه وشرحه وإقراره شئ يدرأ، به الحد درأه عنه وضمنه ما أقربه سرقته، ورد ذلك على من سرقة من منزله. قال: وإن أقر فل ا قربت السكين من يده جحد وأكذب نفسه فيما كان أقر
---
[ 250 ] (2/250)
به أطلق ولم يقطع ولم يضمن (42)، وهو بمنزلة الشهود لو رجعوا، وكذلك القول في المقر بالزنا لو رجع عند وقت الرجم أو الحد أطلق ولم يقم عليه حد وكان ذلك بمنزلة الشهود لو رجعوا، وفي ذلك ما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ما عز بن مالك الاسلمي حين رجمه فأحرقه الرجم فخرج من الحفرة هاربا فرماه بعض الناس بلحي جمل فقتله فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ألا تركتموه يمضي، ولم يقل ذلك الا وقد علم أنه إذا رجع عن الشهادة على نفسه دري عنه الحد فكأنه أقام هربه عن الرجم مقام رجوعه. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وإذا رجع المعترفون عن اعترافهم وجب على الامام احسان آدابهم حتى لا يعودوا إلى ذلك ولا غيرهم. باب لاقول في شهادة الشاهدين بالسرقة على السارق قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا شهد الشاهدان على رجل بالسرقة وجب على الامام أن يسألهما ما سرق؟ وما الذي وجدا معه حتى شهدا عليه بالسرقة؟ فإن ذكرا له شيئا يكون عشرة دراهم أو قيمتها عرضا، سألهما من أين سرقها؟ وكيف أخذها؟ ومن أي موضع قدر عليها؟ فإن قالا: أخذه من حرز من موضع كذا وكذا، ورأيناه حين خرج به من ذلك الحرز سأل الامام عن عدالتهما، فإن عدلا له ووثقا، سأل عن عقل السارق، فإن صح له قطعه، وإن ذكر له الشاهدان أنه لم يخرج بها من حرز وأنه أخذها من غيره، رد السرقة إلى صاحبها وأدب السارق على سرقته، وكذلك إن ذكر له أن السارق زائل العقل وأنه مجنون لا يفيق درأ عنه الحد، سرق من حرز أو من غيره.
---
ص 250..
(42) في نسخة ويضمن.
---
[ 251 ] (2/251)
باب القول فيمن تسور على دار أو فتح بابها وأخذ من متاعها قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن سارقا دخل دارا من بابها، أو تسور عليها، أو نقب جدارها ثم أخذ من متاعها شيئا يسوى عشرة دراهم فأخرجه من الباب أو رمى به من فوق الدار ثم لحق فوجد معه وشهد عليه بذلك من فعله وأنه أخرجه من حرزه قطع الامام يد سارقه، فإن لحق معه في جوف المنزل لم يخرج به ولم يفصل لم يكن عليه قطع، ورأى الامام في تعزيره وتأديبه رأيا حسنا لان السارق انما تقطع يده في سرقته إذا فصل بها من منزلها، فأما ما لم يخرجها من منزلها فلا قطع عليه فيها. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن السارق يؤخذ قبل أن يخرج بالسرقة من حرزها هل عليه قطع؟ فقال: لا قطع عليه إلا أن يخرج بسرقته من حرزها، فإن أخذ قبل خروجه بها من حرزها فلا بطع عليه فيها.
باب القول في السراق يدخل بعضهم وينقل بعضهم ويحفظ بعضهم السرقة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن سراقا فتحوا بابا أو نقبوا جدارا، أو تسوروا منزلا فكان بعضهم يجمع السرقة في الدار ويحزمها وبعضهم ينقلها من جوف الدار إلى خارجها وبعضهم خارجا يحفظها فإن القطع يجب على الذين كانوا ينقلون من داخل إلى خارج ويؤدب الذين كانوا يجمعونها في المنزل، والذين كانوا خارجا يحفظونها. قال: ولو أن سارقين وقف أحدهما على الباب من خارج وناوله الآخر السرقة من داخل فانه ينظر فيما تقوم به الشهادة عليهما. فان قال الشهود إن الداخل كان يقرب السرقة فيضعها عند عتبة الباب من
---
[ 252 ] (2/252)
داخل ويمد الآخر يده فيخرجها إلى خارج بطعت يد المخرج لها من الباب إلى خارج وأدب الآخر أدبا حسنا. وان شهدوا أن الداخل كان يضعها له من وراء الباب أو يرمي بها إليه من فوق الجدار قطع الداخل المخرج لها وأدب الخارج الضام لها. قال: ولو أن الداخل رزم رزمة كبيرة ثم أخرجها حتى بلغ بها باب الدار فأدخل الواقف على باب الدار يده فأخذ بجانب الرزمة وأخذ الداخل بجانبها الآخر فتحاملاها حتى أبرزاها ثم لحقا وأخذ وشهد بذلك الفعل عليهما لكان القطع واجبا عليهما لانهما كليهما أبرزاها من حرزها وأخذاها.
باب القول فيمن لا يجب عليه لاقطع إذا أخرج إلى من لا يجب عليه القطع
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن سراقا دخلوا منزل رجل فكان بعضهم يجمع السرقة في جوف المنزل ثم يخرجها إلى خارج مجنون أو صبي حتى إذا برز منها ما برز خرج السارق والمجنون فاحتملها هو والمجنون أو الصبي فلحق وأخذ وشهد على ذلك من فعلهما لم يكن عليهما قطع ووجب على الرجل الذي كان داخلا أن يعزز تعزيزا شديدا ويحبس حبسا طويلا ولا قطع عليه لانه لم يخرج السرقة من حرزها ووجب على الصبي أن يؤدب على قدر ما يرى الامام من الادب ولا قطع عليه لانه ليس في حد تجري عليه به الاحكام لا هو ولا المجنون.
باب القول في المقر بالسرقة بعد كم من مرة يقطع
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يقطع السارق حتى يقر مرتين عند الامام فيقوم اقراره مرتين مقام شاهدين كما أنه لا يحد الزاني المقر حتى يقر أربع مرات ويكون ذلك مقام أربعة شهود وان رجع مقر على نفسه عن شئ من اقراره قبل انكاره منه ولم يقم عليه حد.
---
[ 253 ] (2/253)
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن السارق يقر بالسرقة كم من مرة يرد؟ فقال: ذكر عن علي عليه السلام أنه رد السارق مرتين، والسارق إذا أقر كذلك قطع إلا أن يرجع عن ذلك، وينكر فيدرأ عنه الحد برجوعه عن اقراره الاول.
باب القول فيمن سرق سرقة من حرز ثم ردها قبل أن يبلغ به إلى الامام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا سرق السارق ما يجب في مثله القطع من حرز وشهد عليه بذلك عند الحاكم وقد رد السرقة قبل أن يوصل به إلى الحاكم قطعه الحاكم، ولم يلتفت إلى رده اياها إذا شهد عليه أنه قد أخرجها من حرزها لان القطع قد وجب عليه بحكم الله ساعة أبرزها من حرزها وباين الله بأخذها، فليس للامام إذا شهد على السارق بذلك عنده إلا أن يقطع يده. فإن عفى الشهود وصاحب السرقة فلم يرفعوا علمه إلى الحاكم، كان لهم ولم يكن للحاكم أن يتبعه بشئ قد عفى عنه صاحبه إذا لم يكن رفعه إليه ولا شهد الشهود بالسرقة عنده عليه. وقد قال غيرنا إن السارق إذا رد السرقة على صاحبها قبل أن يبلغ به إلى الحاكم سقط عنه القطع فيها، وزعموا أنه غير سارق في ذلك الوقت لها مكابرة لعقولهم وافسادا لثابت البابهم كأن لم يسمعوا الله سبحانه يقول: * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) * (43) وقد يعلمون أن هذا قد سرق ووجب عليه حكم الله بفعله إذ أخرج السرقة من حرزها، وكأن لم يسمعوا دعاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأن لا يعفو الله عن حاكم رفع إليه ذو حد فعفا عنه.
---
ص 253..
(43) المائدة 38.
---
[ 254 ] (2/254)
باب القول في العبد المملوك يسرق من مال سيده.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا سرق العبد المملوك من مال سيده شيئا يجب عليه في مثله القطع لم يقطع، لانه ماله سرق بعضه بعضا، وان سرق مملوك من مال غير سيده ما يجب فيه القطع قطع. وفي ذلك ما بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: أنه أتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين عبدي سرق من مالي فقال: مالك سرق بعضه بعضا لا قطع عليه. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولو سرق من مال بين سيده وبين آخر أقل من مال سيده أو مثله لم يجب فيه القطع إذا كان مشاعا لا يعرف بعضه من بعض، فان سرق أكثر مما لسيده فيه بما يجب فيه القطع قطع.
باب القول فيمن سرق من أهل الذمة خمرا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن سرق مسلم من ذمي خمرا من حرز في بلد يجوز لاهل الذمة سكناه والمقام فيه وتبنى فيه الكنائس قطع إذا سرق ما يساوي عشرة دراهم، فإن سرق ذلك من الذمي في مصر من أمصار المسلمين الذي لا يجوز لهم تسكنه ولا احداث الكنائس فيه لهم لم يكن ذلك يحرز له، لانه ليس له بمنزله، ولا يجوز له فيه المقام لان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم آل بيته أمرنا باخراج أهل الذمة من جزائر المسلمين، وجزائر المسلمين فهي مدنهم التي مدنوها وابتدعوها، فينبغي أن يكون لهم قرى على حدة يأوون إليها ويسكنون فيها مثل الحيرة، أو مثل غيرها.
---
[ 255 ] (2/255)
فإذا سرق المسلم الخمر منه في الحيرة أو في غيرها من قراهم المعتزلين فيها التي يجوز اظهار أديانهما فيها قطع، وان سرقه في مدينة من مدن الاسلام لم يقطع لانه ليس للذمي أن يدخل مدن الاسلام الخمر ولا يقره فيها. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: والواجب على الامام أن يمنع أهل الذمة من اظهار شئ من أمرهم في مدن الاسلام من بيع خمر، أو شرائه أو عمله، أو اظهار عيد من أعيادهم لانهم لم يعطوا الذمة على اظهار أمرهم ولا على التعزز في دينهم، وانما أعطوا الذمة على التذلل والصغار وإخفاء ما خالف دين المسلمين مما كانوا عليه مقيمين. قال: وينبغي للامام أن يخرجهم ويأمرهم إن بنوا لا نفسهم قرية ناحية من مدن المسلمين بحيث لا يسمع الصياح ولا الطرب ولا المنكر على مقدار ميلين أو أرجح يكون أهلهم بها ويأوون في الليل إليها. ولا بأس أن تكون تجارتهم في مدن المسلمين، ويجب على الامام عن يمنعهم من ذبح شئ مما يباع لحمه في الاسواق لان ذبائحهم لا يحل أكلها للمسلمين وهي حرام عليهم.
باب القول فيمن سرق مملوكا صغيرا أو حرا صغيرا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من سرق مملوكا صغيرا من حرز وجب عليه القطع، وإن سرق حرا صغيرا فلا قطع عليه وعليه التعزير على قدر ما يرى الامام لان الحر ليس بمال والمملوك مال لمالكه، وانما يجب القطع على من سرق مالا. وكذلك لو أنه اغتصب مملوكا كبيرا من حرز، فأوثقه أسرا وحمله
---
[ 256 ] (2/256)
حملا حتى أخرجه من الحرز ومضى به وجب عليه فيه القطع عندنا، وإن هو ساقه وتبعه المملوك الكبير فلا قطع عليه في ذلك إذا كان المملوك تبعه طوعا وإن أكراهه اكراها بالا خافة له على نفسه حتى خرج معه قسرا مخافة على نفسه من قتله إياه فحالة هذا عندنا في هذه الحال كحال البهيمة من البعير وغيره الذي لا يخرج إلا قسرا قودا أو سوقا فإنه يجب على سارقه القطع في إخراجه. فإذا لحق السارق ومعه العبد وأخذ فرفع إلى الامام فينبغي له أن يسأل الشهود هل يشهدون على مطاوعة العبد له وهل رأيتموه عند وقت أخده له، فإن شهدوا أنهم قد عاينوه حين أخذه وأن العبد طاوعه ولم يكن منه له إخافة على نفسه لم تقطع يده إذا خرج هو به من حرز لانه تبعه ولم يكرهه، وإن شهدوا أنه أكرهه اكراها وأخافه على نفسه قطع الامام يده، فان لم يكن عندهم في لك علم درأ الامام عن السارق القطع للشبهة في ذلك، وان ادعى العبد أن السارق أكرهه لم يعمل بقوله فإن أقر السارق على نفسه أنه أكره العبد إكراها قطع إلا أن يرجع عن إقراره. ويبنغي للامام ألا يقطعه حتى يقرره مرتين ويعلمه أنه إن ثبت على اقراره قطع يده، فإذا ثبت على ذلك قطع يده من بعد اقراره مرتين.
باب القول فيمن سرق حيوانا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا قطع على من سرق شيئا من الحيوان في مسرحه ومرتعه. وإنما القطع عليه فيه إذا سرقه من مراحه وحرزه، فإن سرقه من مراح أو دار أو حظيرة محظورة قطع فيما سرق منه إذا ساوى من الدراهم عشرة.
---
[ 257 ] (2/257)
باب القول فيمن سرق زرعا أو تمرا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن سارقا سرق ثمرا أو زرعا من بر أو شعير، أو تمر، أو فواكه فقطعه من أشجاره وأخذه من قبل حصاده وجذاذه لم يجب عليه قطع، وانما يجب فيه القطع إذا كان صاحبه قد جذه وحصده وأدخله وقطعه وصيره في جرنه أو أدخله في غير ذلك من حرزه فانه إذا سرقه في هذه الحال قطع فاما إذا كان معلقا في رؤوس اشجاره فلا قطع فيه، وفي ذلك ما يقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا قطع في ثمر ولا كثر). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الثمر الذي الذي لا يقطع فيه فهو ما كان في أشجاره معلقا، والكثر فهو الجمار الذي يؤخذ من رأس النخلة، فأما إذا كان جمار في حرز فسرق منه ما يساوي عشرة دراهم وجب عليه فيه القطع. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن رجل سرق دابة، أو بقرة أو ثمرة أو زرعا فقال: لا قطع في شئ من ذلك إلا أن يسرقه من جرين محظور عليه أو مراح أو حرز فقد ذكر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورواه رافع بن خديج أنه قال: (لا قطع في ثمر ولا كثر) والكثر فهو الجمار.
باب القول فيمن عرفت عنده السرقة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من عرفت عنده السرقة قضي عليه بردها، وإن كان قد استهلكها قضي عليه بغرمها إذا أقام عليها صاحبها البينة أنها له لم يبع ولم يهب إلا أن يأتي الذي هي عنده
---
[ 258 ] (2/258)
ببينة على شرائه إياها فيقضي له بالرجوع على من باعه إياها ويكون صاحبها الذي أقام البينة عليها أولى بها. وكذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قضى فيه مثلها.
باب القول في حد النباش
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: النباش إذا نبش القبور وأخذ أكفان من فيها من الموتى قطعت يده إذا أخذ ما يجب في مثله القطع من كفن تساوي عشرة دراهم لان النباش هو في الحكم كالسارق وهو أعظمهما فسقا وأجلهما جرما. وكذلك روي لنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: (النباش بمنزلة السارق وهو أعظمهما جرما). حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن النباش يوجد معه كفن الميت قال: تقطع يده إذا خرج به من القبر، والقبر فهو حرز الميت.
باب القول في الخلسة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن مختلسا اختلس ثوب رجل من منكبه أو غير ذلك من بدنه لم يكن عليه في ذلك قطع ووجب على الامام إحسان أدبه والتنكيل له عن العودة إلى ما كان فيه من فعله وكذلك من سرق سرجا على ظهر دابة في الطريق أو قطع ركابا أو سل سيفا من صاحبه وهو مجيز به في طريقه لم يكن عليه في ذلك قطع، وكان عليه في أدب وتعزير.
---
[ 259 ] (2/259)
باب القول فيمن خان أمانة أوقف (44) في بيع أو شعراء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا قطع في الخيانة لان الخائن مؤتمن وكل من خان أمانته فلا قطع عليه فيها، وإن ظهر على خيانته لها حكم عليه بردها وأدب على ما كان أقدم عليه منه فيها. وكذلك القفاف الذي يقف على المسلمين لا يقطع في قفافه ماقف عليه وان صح ذلك أدبه الامام فيه. وكذلك الحكم في الطرار إذا طر من ثوب الرجل شيئا يجب في مثله القطع.
باب القول فيمن وجب عليه القطع فقطعت يساره غلطا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أمر الامام بقطع يد السارق فغلط القاطع فقطع يساره، أو أمره بمد يده فمد اليسرى جهلا أو تعمدا فقطعت فقد مضى الحد بما فيه ولا يلحق في ذلك شئ عليه لان الله تبارك وتعالى لم يسم يمينا ولا يسارا وليس لاحد أن يتعمد لذلك ولا أن يقطع اليسار دون اليمين متعمدا. وكذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: أنه أمر بسارق تقطع يده فمد يساره فقطعت فأعلم بذلك فقال: قد مضى الحد بما فيه. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن سارق أمر بقطع يمينه فمد يساره فقطعت، فقال: يكتفي بذلك في قطعة لان الله لم يسم يمينا ولا يسارا.
---
ص 259..
(44) القف: أن يسرق الرجل بين أصابعه. ذكره في الصحاح.
---
[ 260 ] (2/260)
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا تقطع يدا السارق كلاهما ولو سرق مرتين أو ثلاثا أو أربعا، ولكن تقطع يده اليمنى في الاولى، ثم رجله اليسرى في الثانية ثم يحبس إن عاد لسرقته في الحبس أبدا حتى تظهر للامام توبته وتظهر أمانته وتبدو ندامته وتؤمن جنايته وتحسن رجعته. وكذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: أنه أتي بسارق أقطع قد قطعت يده ورجله فاستشار الناس فقالوا: تقطع يده الاخرى، فقال: فبماذا يأكل؟ قالوا: فاقطع رجله الاخرى، فقال: بماذا يمشي؟ ثم أمر به فحبس وأنفق عليه من بيت مال المسلمين. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: والنساء والمماليك في القطع سواء.
باب القول في المحاربين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله تبارك وتعالى في المحاربين ورسوله وهم الذين يقطعون الطريق ويسعون في الارض فسادا: * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) * (45). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: هذه الآية نزلت في ناس من بحيلة كانوا من آخر العرب اسلاما فأسلموا وهاجروا وأقاموا بالمدينة فسقموا لمقامهم بها، وعظمت بطونهم، واصفرت ألوانهم وساءت أحوالهم فسألوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يخرجهم إلى إبل
---
ص 260..
(45) المائدة 33.
---
[ 261 ] (2/261)
الصدقة فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فاذن لهم في ذلك فخرجوا إليها فشربوا من ألبانها وأبوالها وتصححوا فيها، فلما أن برءوا مما كان بهم وصحوا من سقمهم وعادوا إلى أحسن أحوالهم عدوا على رعاة الابل فقتلوهم واستاقوا الابل وذهبوا بها فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فبعث في آثارهم فأخذهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم طرحهم في الشمس حتى ماتوا فعوتب النبي صلى الله عليه في شأنهم. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: الله أعلم بصدق هذا الخبر، فأنزل الله عليه الحكم فيمن فعل كفعلهم فقال: * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض) * (46). قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: يجب بحكم الله ورسوله على من حمل السلاح وأخاف به المسلمين أن ينفى من الارض، فإن أخذ أدب وعزر إن لم يكن أحدث حدثنا يلزمه فيه بعض أحكام الله تعالى فإن لم يوخذ اتبع بالخيل والرجال حتى يبعد ويذهب. وعلى من أخاف الطريق وأخذ المال: قطع اليد والرجل من خلاف تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ثم يخلى ليذهب حيث شاء، وعلى من أخاف الطريق وأخذ المال وقتل: القتل والصلب من بعد القتل، ولايجوز أن يصلب حيا، وإنما معنى قول الله عزوجل * (أن يقتلوا أو يصلبوا) * (47) فهو ويصلبوا، فأدخل الالف صلة للكلام لغير سبب يوجب معنى ولا تخييرا في ذلك، وكذلك تفعل العرب في كلامها، وفي ذلك ما يقول الله تبارك وتعالى: * (فأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون) * (48) أراد سبحانه
---
ص 261..
(46) المائدة 33. \ \ \ (47) المائدة 33. \ \ \ (48) الصافات 147.
---
[ 262 ] (2/262)
ويزيدون، فأدخل الالف هاهنا كما أدخلها في قوله أو يصلبوا، ولو كانت الالف ثابتة في قوله أو يزيدون لكان هذا موضع شك والله تبارك وتعالى من ذلك برئ وعنه سبحانه متعال علي بل هو العالم الذي لا يخفى عليه خافية سرا كانت الخافية أو علانية كما قال الله سبحانه: * (يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور) * (49) وكما قال سبحانه * (يعلم السر وأخفى) * (50) وهذا الذي ذكر الله أنه يعلمه مما هو أخفى من السر، فهو ما لم يسره بعد المسرون، ولم تخفه في قلوبهم المخفون، ولم يجل في فكرهم، ولم يخطر على قلوبهم ولم يستجن في صدورهم ولم يعلموا أنهم سيسرونه، وأنهم سوف يريدونه، وقد علم الله سبحانه ذلك منهم وعلم أنه سيخطر على قلوبهم من جميع أقوالهم وأفعالهم، لانه محيط بالاشياء كلها، عالم بكل ما يكون منها من قبل تكوينها وايجادها وفطرتها وابتداعها فسبحان من ليس له حد ينال ولا شبيه تضرب له فيه الامثال وهو الواحد ذو السلطان والجلال، والمتعالي عن اتخاذ الصواحب والاولاد المتقدس عن القضاء بالظلم والفساد، البعيد من المشاركة في أفعال العباد، ففعله خلاف فعل خلقه، وفعل خلقه خلاف فعله، لان فعله سبحانه موجود أبدا وفعل عباده فعرض كائن عدما، ولن يشبه أبدا عدم موجودا كما لا يشاكل حي أبدا مفقودا، فسبحان ذي الوعد والوعيد الصادق ذي العز والمجد السابق، وتعالى عما يقول المبطلون وينسب إليه في ذلك الضالون. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: فان أتى هذا المحارب إلى الامام تائبا، وعن فعله راجعا، من قبل أن يقدر عليه امام المسلمين، أو
---
ص 262..
(49) المؤمن 19.
(50) طه 7.
---
[ 263 ] (2/263)
تظفر به سرايا المؤمنين، فدخل عليه تائبا وله مطيعا مسالما، وعلى ما مضى من فعله نادما، وجب على الامام إذا أتاه بالامان باذن من الامام له، أو هجم عليه فأدلى بالتوبة إليه، أن يقبل توبته ويؤمنه على ما استأمنه عليه من نفسه وماله. وكذلك ان كتب المحارب إلى الامام يسأله أن يؤمنه ممن يتبعه بشئ مما صنع أو اجترم أو أصاب من مال أو دم فينبغي للامام ان يؤمنه على ذلك إذا كان ذلك أصلح للمسلمين، فان أمه عليه، ودخل عليه فلا يسأله الامام عن شئ مما أمنه عليه، فإن عرض له أحد في شئ مما أمنه الامام على لم يعده الامام عليه ومنعه من مطالبته وان قتله أحد بما قتل من الناس في حال محاربته، قتل الامام قاتله لانه قد حقن دمه بذمة الله وذمة رسوله وذمة الامام. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وان أخذه الامام في بعض البلاد من قبل أن يكتب إليه يطلب منه الامان أو يرمي بنفسه عليه ويسأله الامام له ويخبره بالتوبة منه، وأنه لم يأته إلا من بعد توبته، خارجا إليه من خطيئته، راجعا إلى الله من سيئته، لم يقبل قوله ان ادعى توبة وحكم فيه بحكم الله عليه، لان التوبة لمثل هذا لا تكون إلا بالخروج إلى الامام وهو ممتنع من الامام فحينئذ تقبل توبته، فاما إذا أخذ أو حيل بينه وبين المهرب فادعى توبة فلا تقبل منه على هذا الحال. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن المحارب كيف ينفى؟ قال: ينفى من بلد إلى بلد.
باب القول في الخمر وتحريمها من كتاب الله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله تبارك وتعالى في تحريم الخمر: * (يا أيها الذين أمنوا إنما الخمر والميسر والانصاب
---
[ 264 ] (2/264)
والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) * (51) قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الخمر كل ما خامر العقل فأفسده فإذا أفسد كثيره كان حراما قليلة، ولذلك سميت خمرا لمخامرتها للعقل وابطالها له سواء كانت من عنب أو تمر أو عسل أو ذرة أو شعير أو حنطة، أو زهو، أو غير ذلك من الاشياء، والميسر فهو النرد والشطرنج والقمار كله، وكلما كان من ذلك مما يلهي عن ذكر الرحمن، ويشغل عن كل طاعة وإيمان. والانصاب فهي أنصاب الجاهلية التي كانوا ينصبونها من الحجارة لعبادتهم يعبدونها من دون الله، وهي اليوم فموجودة في شعاب الارض وفي آثارهم منصوبة على حالها قائمة منذ عهدهم. والازلام فهي القداح التي كانت الجاهلية تضرب بها وتستقسم بها وتجعلها حكما في كل أمرها، عليها كتب وعلامات لهم، فما خرج من تلك الكتب والعلامات يجعلوه لهم هداية ودلالات فأخبر الله تبارك وتعالى أن ذلك كله من فعلهم أمر عن الله يصدهم ومن طاعة الله يمنعهم وعن التعاهد لاوقات فرائض الصلوات يشغلهم وذلك قوله سبحانه: * (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) * (52).
باب القول في حد الخمر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: حد الخمر ثمانون على من شرب منها قليلا أو كثيرا فإذا شهد على شاربها رجلان أنهما
---
ص 264..
(51) المائدة 90.
(52) المائدة 91.
---
[ 265 ] (2/265)
رأياه يشربها أو شما منه في نكهته رائحتها وجب عله الحد ثمانون سوطا. وكذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال لعمر بن الخطاب حين كان من أمره وأمر قدامة بن مظعون الجمحي ما كان، حين كان قدامة يشرب الخمر فحده أبو هريرة بالبحرين وهو إذا ذاك وآل لعمر عليها، فقدم قدامة على عمر فشكا إليه أبا هريرة فبعث إليه عمر فأشخصه فقدم أبو هريرة معه بالشهود الذين شهدوا على شرب قدامة الخمر، وكان ممن قدم معه الجارود العبدي، فلما قدم عليه أبو هريرة سأله عن أمر قدامة فأخبره أنه جلده في الخمر فسأله عمر البينة فجاء بشهوده فالتقى عبد الله بن عمر والجارود العبدي، فقال له عبد الله بن عمر بن الخطاب: أنت الذي شهدت على خالي أنه شرب الخمر؟ قال: نعم، قال إذا لا تجوز شهادتك عليه، فغضب الجارود وقال: أما والله لاجلدن خالك أو لاكفر أن أباك، فدخلوا على عمر فشهدوا أنه ضربه في الخمر، فقال قدامة إني أنا ليس علي في الخمر حرج إنما أنا من اللذين قال الله: * (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وأمنوا وأحسنوا والله يحب المحسنين) * (53) قال وكان بدريا ففزع عمر مما قاله قدامة، فبعث إلى علي بن ألي طالب عليه السلام فقال له: الا تسمع إلى ما يقول قدامة فأخبره بما قرأ من القرآن، فقال علي عليه السلام: فإن الله لما حرم الخمر شكا المؤمنون إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالوا: كيف بأبائنا وأخواننا الذين ماتوا وقتلوا وهم يشربون الخمر، وكيف بصلاتنا التي صلينا ونحن نشربها هل قبل الله منا ومنهم أم لا؟ فأنزل الله فيهم:
---
ص 265..
(53) المائدة 93.
---
[ 266 ] (2/266)
* (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا أتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين) * (54) فكان ذلك معذرة للماضين وحجة على الباقين، يا عمر أن شارب الخمر إذا شربها انتشى، وإذا انتشى هذى وإذا هذى افترى فأقم حدها حد فرية وحد الفرية ثمانون وكذلك بلغنا عن أمير المؤمنين عليه السلام: أنه كان يضرب في شرب المسكر ثمانين. وكان يقول كل مسكر: خمر. وبلغنا عنه عليه السلام أنه كان يجلد في قليل ما أسكر كثيره كما يجلد في الكثير. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن حسين بن عبد الله بن ضميره، عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان يجلد فيما أسكر قليله كما يجلد فيما أسكر كثيره. وحدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن المسكر فقال: كلما اسكر كثيره فقليله حرام. وكذلك روي عن الني صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: كلما أسكر كثثره فالذوق منه حرام. وحدثني أبي عن أبيه أنه قال بلغنا عن أمير المؤمنين رضي الله عنه أنه كان يقول: (لا أجد أحدا يشرب خمرا، ولا نبيذا مسكرا إلا جلدته الحد ثمانين).
---
ص 266..
(54) المائدة 93.
---
[ 267 ] (2/267)
باب القول فيما ينبغي للامام أن يفعل بالمحدود
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ينبغي للامام أن يترك على المحدود ثوبا واحد ولا يجرده من كل ثيابه ولا ينبغي أن يغل أحدا من المسلمين والغل أن يشد يده إلى عنقه فأما ما يروى عن أمير المؤمنين عليه السلام فيما يقولون قال: يترك للمحدود يداه يتوفي بهما فهذا عندي لا يصح، لانه لو تركت يداه لما وصل إليه من الثمانين سوطا شئ ينكله عن فسقه ولا يزدجر به عن ذنبه ومد يديه أو نفع له وأطرد للسفه عنه لان ذلك أنكا، وإذا أنكاه الادب انتهى، وكل حد لا يؤلم، ولا يوجع ويبالغ في صاحبه لا يرتدع عما لا يحل، ولا أرى في الحدود إلا المبالغة في الادب. قال: وبلغنا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه رفع إليه شارب مسكر فضربه ثمانين سوطا.
باب القول في قنون الحدود
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يقام الحد على فاعله إذا شهد عند الامام به قدم عهده أم لم يقدم، فأما ما يقولون به من أن الحد إذا قدم درئ، فلا يؤخذ بذلك من قولهم ولا يلتفت إليه من أمورهم، لانه أمر واجب لله، وإذا قامت به الشهود العدول عند الامام وجب عليه أن يحده، وهم يقولون: بأنه يدرأ إذا تقادم في السرق والزنا والخمر، ويقولون بقولنا في حد القاذف إنه متى ما أقام عليه المقذوف البينة أخذه به، تقادم أو لم يتقادم يقولون لانها حقوق الناس، ولعمري أن حق الرحمن عند من عقل أوجب من حق الانسان. وقد أقام علي بن أبي طالب عليه السلام حد الخمر على الوليد
---
ص 267.. في نسخة (في أمر الحدود).
---
[ 268 ] (2/268)
بن عقبة في ولاية عثمان بن عفان لم يرطرحه، وولي ذلك بيده، وذلك أنهم رووا أن عثمان قال من أحب أن يقيم عليه الحد فليقم فاما أنا فلا آمر به، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: والله لا يعطل لله حد وأنا في الاسلام ثم قام فضربه بيده ثمانين، وكان ذلك الحد متقادما وذلك أنه شرب بالكوفة ويقال إنه صلى بالناس الصبح أربعا، فقاء الخمر في المسجد، ثم رفع رأسه إلى الناس فقال أزيدكم، فشهدوا عليه بالشرب، ورفع خبره إلى عثمان، فأمر برفعه إليه فكان من أمره ما قد شرحناه في أول القصة. قال: وبلغنا عن أمير المؤمنين عليه السلام؟ أنه قال: (ثلاث ما فعلتهن قط ولا أفعلهن أبدا ما عبدت وثنا قط، وذلك لاني لم أكن لاعبد ما لا يضرني ولا ينفعني، ولا زنيت قط وذلك لاني أكره في حرمة غيري ما أكره في حرمتي، ولا شربت خمرا قط، وذلك أني إلى ما يزيد في عقلي أحوج مني إلى ما ينقص منه).
باب القول فيمن قذف امرأة له صبية
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من قذف امرأة له صبية صغيرة لم يجب عليه أن يلاعنها، لانه لو أكذب نفسه لم يكن عليه الحد وذلك أنها لو قذفته لم تحد له، وكذلك لو قذفها غيره لم يحد لها، ويجب على زوجها وعلى غيره ممن قذفها الادب والافزاع.
باب القول في الرجل يقذف امرأته بعبد أو يهودي أو نصراني أو مجوسي
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قذفها بأحد هؤلاء لا عنها فان أكذب نفسه قبل أن تنقضي ملاعنتها حد لها وكانت امرأته على
---
[ 269 ] (2/269)
حالها، ولا يحد ان طالبه العبد أو اليهودي أو النصراني أو المجوسي بما قذفهم به، لان الله عزوجل انما أوجب الحد على من قذف المحصن المؤمن، والمحصنات المؤمنات، ولاحد على من قذف عبدا، فان قذفها ثم طلقها فاستعدت عليه في عدتها لاعنها، وان كانت العدة قد انقضت حد لها ولم يكن بينهما لعان. باب القول فيمن قذف امرأته ثم مات قبل أن يلاعنها أو ماتت قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ان قذفها ثم مات قبل أن يلاعنها أو ماتت، ورثها وورثته لانهما لم ينفذ لعانهما وهما على نكاحهما، وذلك أنه لو نكل زوجها حد لها ولم يفرق بينهما ولم يستأنفا نكاحا جديدا.
باب القول في العبد يقذف الحرة أو الآمة إذا كانت زوجته، والحر يقذف زوجته المملوكة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا تزوج العبد حرة فقذفها لا عنها، وان كانت زوجته أمة فقذفها لم يكن بينهما لعان وجلد الحد أربعين والحق به ولده. قال: وإذا قذف الحر زوجته وهي مملوكة لم يكن بينهما لعان. قال يحيى بن الحسين رحمة الله عليه: وإنما سقط اللعان بينهما لانه لو أكذب نفسه لم يحد لها لانها مملوكة وهو حر.
---
ص 269.. المراد بالمحصنات الحرائر.
---
[ 270 ] (2/270)
باب القول فيمن قال لابن الملاعنة لست بابن فلان يعني الملاعن لامه وفيمن قذف امرأته برجل بعينه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من قال لابن ملاعنه لست بابن فلان، يعني الملاعن لامه وجب عليه الحد للملاعنة أن طالبته به، لانه حين نفى أن يكون الملاعن أباه، فقد رمى أمه بالفجور برجل سوى ذلك الملاعن، لانه لا يكون ولد إلا من رجل، ولم يكن قط إلا عيسى بن مريم صلى الله عليه، وكل من قذف فلا بد في قذفه من ملاعنة أو حد، فالملاعنة تكون بين الازواج، والحدود تكون على غير الازواج الا أن يأتوا بأربعة شهداء يشهدون على ما قالوا، وأما الذي قذف امرأته برجل مسمى بعينه فإنهما يتلاعنان فإن نكل قبل اللعان فهي امرأته على حالها ويحد لها، وإن طالبه الرجل الذي قذفها به حدلها أيضا وكذلك لو مضى اللعان بين الزوجين، ثم طالبه الرجل بقذفه إياه حد له إلا أن يأتي بأربعة شهود يشهودن عليه بالزنا.
باب القول فيمن قال لا مرأته لم أجدك عذراء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من قال لمرأته لم أجدك عذراء لم يجب عليه في ذلك حد، لان العذرة قد تذهب بألوان كثيرة سوى الوطئ، منهن الوضوء، ومنهن إمساك الخرق في الحيض إذا أسرفت في استخدامها، ومنهن ركوب الدابة عربا وغير ذلك من الاشياء، فلذلك لم يجعل فيه حدا، فإن ذكر لها في ذلك فجورا، وذكر لها في ذلك زنا فهو قاذف وحده حد القاذف.
---
[ 271 ] (2/271)
باب القول في الاحتجاج على من زعم أنه لا حد في الخمر والرد على من زعم أن أمير المؤمنين عليه السلام رجع عن الحد فيها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يقال لمن قال: لا حد في الخمر، وروى الحديث الكاذب، الذي لا يصح عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في أنه جلد انسانا في الخمر فمات فوداه من بيت مال المسلمين، فأتاه ابن ا لكوا فقال له: يا امير المؤمنين لم وديته؟ فقال: لانا جلدناه في الخمر فمات، وليس ذلك الحد بأمر من الله ولكنه رأى ارتآه عشرة من الصحابة فمن مات في رأى أرتأيناه وديناه من بيت مال المسلمين، فقال له: فما الذي دعاكم إلى أن تروا رأيا ليس في كتاب الله تجنون به على أموال المسلمين الجنايات. ثم زعم أهل الحديث أن أمير المؤمنين عليه السلام ترك الحد في الخمر من بعد ذلك اليوم اجتراء على الله وكذبا عليه وعلى رسوله وعلى أمير المؤمنين، وهذا الحديث كله باطل محال كذب فاحش من المقال لا يقبله عاقلان، ولا يصدق به مؤمنان، والذي أوجب الادب في الخمر وأثبت الحد فيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو الذي جعل ثمانين جلدة أدبا فيها واجبا، وحكم به على شاربها حكما لازما. فأما ما يروى عن أمير المؤمنين عليه السلام: في ذلك أنه قال: أوجبنا على شاربها جلد ثمانين لانا وجدناه إذا شرب انتشى، وإذا انتشى هذى، وإذا هذى افترى، فقد يمكن أن يكون ذلك القول قولا نقله عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لان أمير المؤمنين عليه السلام لم يذكر ذلك عن نفسه، والدليل على أن ذلك من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ما قد روي عنه مما لا اختلاف فيه عند أهل العلم
---
[ 272 ] (2/272)
والروايات من أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتي بشارب خمر فجلده ثمانين ثم قال: إن عاد فاقتلوه قال: فعاد فانتظرنا أن يأمر بقتله فأمر بجلده ثانية فجلده، فكيف تقولون أو تروون عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: حد الشارب رأي أرتآه هو وغيره من الصحابة وقد فعله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأوجبه وحكم به وهو صلى الله عليه وعلى وسلم الاسوة والقدوة. ومن الحجة في ايجاب الادب في شرب الخمر أن الخمر محرمة من الله باجماع الامة أن صح أن فلما أن لم يشك إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه فعلكم تفلحون) * (55) فحرمها على العباد بنهيه إياهم عن شربها وأمره اياهم بتركها، ثم أخبرهم أنها رجس، والرجس فمحرم كله على المؤمنين ومن ذلك قول رب العالمين: * (قل لا أجد فيما أوحى إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به) * (56) فذكر سبحانه أن كل محرم رجس، فلما إن صح أن كل محرم رجس صح أن كل رجس محرم على المؤمنين بتحريم الله رب العالمين. فلما إن لم يشك أحد أنها محرمة من الله كان الحكم في شاربها كالحكم في أكل غيرها من المآكل المحرمات بالنهي عن أكلها، مثل لحم الخنزير والدم والميتة، ولو أن إنسانا أكل ميتة أو دما وهو محرم لها مقر بتحريم الله اياها لوجب على الامام أن يؤدبه الادب المبرح وينكله عن ذلك ويستتيبه، فإن عاد عاد له بالادب والتنكيل، فإن عاد عاد له بذلك
---
ص 272..
(55) المائدة 90.
(56) الانعام 145.
---
[ 273 ] (2/273)
وكل ما عاد إلى شئ من ذلك عاد له بالادب المبرح، ولا يجوز له أن يقتله لانه محرم لها مقر بتحريم الله ما يأكل منها. ولم يأمر الله بقتل من أكل من ذلك شيئا، وإنما على الامام عن يستقصي على من فعل من ذلك شيئا، وليس له أن يقتله قتلا، لان الله لم يأمر بقتله أمرا، ولم يحكم به عليه حكما، إذا كان غير مستبيح لها ولا مستحل لما حرم الله تعالى منها وكان يقول بتحريم الله، مقرا على نفسه بالعصيات لله فيها. وكذلك يجب على شارب الخمر الادب المبرح في شربها إذا كان مقرا بتحريمها، وكذلك الحكم في استحلالها والاستباحة لما حظر الله فيها، وتحليل ما حرم الله سبحانه من شربها، وانكار ما نهى الله جل جلاله عنه من تناولها كالحكم في استحلال غيرها من الميتة والدم وتحليل ما حرم الله من أكلها، وانكار ما نهى الله عنه من التشديد فيها. فلو أن رجلا قال: إن الميتة والدم حلال غير حرام، واعتقد ذلك، وقال به لوجب على الامام أن يستتيبه فإن تاب خلى سبيله وإن لم يتب ضربت عنقه. وكذلك لو قال: إن الخمر حلال غير حرام واعتقد ذلك وقال به لوجب على الامام أن يستتيبه، فإن تاب وإلا قتله، لانه مبارز معاند لله سبحانه بتحليله لما حرم الله وتحريم ما أحل الله، ومن أحل ما حرم الله فهو كمن حرم ما أحل الله، ومن حرم ما أحل الله وأحل ما حرم الله فقد جهل الله وأنكره، لان من أنكر فعل الله في تحريمه، أو تحليله فقال لما حرمه لم يحرمه كمن أنكر فعله في ارسال رسله، فقال لمن أرسل لم يرسله، ومن أنكر فعله في ارسال رسله، كمن أنكر فعله في خلق سمواته وأرضه. ومن قال إن الله لم يخلق السماء أو غيرها من الاشياء، فلم يعرفه ولم يعبده لانه يعبد الذي لم يخلق السماء، والله جل جلاله فهو خالقها ومصورها، وكذلك من قال لم يحرم الله الدم ولا الخمر فهو منكر لله غير
---
[ 274 ] (2/274)
عابد ولا عارف به ولا مقر به، لانه يقول إن الذي حرم الخمر ليس بالله، وأن الله لم يحرمها فهو يعبد في أصل قوله من لم يحرم الخمر والميتة والدم، والله فقد حرم ذلك كله، ومن لم يعبد من حرم الميتة والخمر، والدم ولحم الخنزير فقد عبد غير الله، ومن عبد غير الله كمن كفر بالله وأشرك به، فحال من كان كذلك في الحكم كحال المشركين، وسبيله في ذلك كسبيل المرتدين. فان تابوا، وأنابوا، ورجعوا واستقاموا خلوا، وأن لم يرجعوا ويتوبوا قتلوا، فلما أن كان معنى الخمر، والميتة، والدم ولحم الخنزير في الحكم من الله على من أباحها وحلل ما حرم الله منها سواء بالقتل ان لم يتب، كان الحكم منه سبحانه بالعقوبة والادب على من نال من ذلك شيئا وهو مقر بالتحريم له من الله سبحانه سواء سواء لا خلاف فيه. فلما إن صح ذلك عندنا وثبت في عقولنا علمنا أنه لابد أن يكون على من أتى شيئا من ذلك أدب منكل، ثم وجدنا أدب شارب الخمر قد تقدم تحديده من الرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذلك أنها شربت على عهده فاحتذينا في ذلك بفعله، والزمنا شارب الخمر ما ألزمه الرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يأت عنه أدب محدود على أكل الميتة والدم ولحم الخنزير، لانه لم يؤكل من ذلك شئ على عهده ولا من بعده إلى اليوم فيما علمنا، وان حدث من ذلك شئ اجتهد الامام رأيه في الادب فيه، ومن لم يلزم في الخمر شاربها أدبا مبرحا لزمه ألا يلزم في أكل الميتة والدم، ولحم الخنزير أدبا لان ذلك كله سواء في حكم الله العلي الاعلى. ومن أوجب الادب في ذلك كله وغيره ورأى أن اقامة ذلك على فاعله لازمة للامام، لم يلزمه معرة إن حدثت من أدبه له لانه إنما اجتهد
---
[ 275 ] (2/275)
رأيه وأراد صلاحه ورده عن معاصي ربه إلى طاعته والامام فإنما هو في الرعية مثل المتطبب المداوي البصير المعروف بالمداواة والبصر بالتطبب، فإذا رأى المتطبب العليل يحتاج إلى دواء فسقاه اياه بالاجتهاد منه لرأيه والاستيذان لعصبته فعنت العليل أو هلك لم يكن على المعالج من بعد الاجتهاد والاستيذان لعصبته معرة ولادية. وكذلك الامام على الاجتهاد فيما يصلح الرعية، ويردها عن الفسق والافعال الردية، وبذلك أمره الله فيها، وأمر الله له بأدائها على ما يكون من خطأ فعلها واطلاق يده في ذلك وبه عليها، أعظم من إذن عصبة المريض المتطبب في معالجته، فإذا اجتهد الامام في اصلاح الامة وردها بالادب والتنكيل لها عن فسقها والاجتراء على خالقها، فعنت منهم أحد في ذلك أو هلك فلا ضمان عليه في شئ من ذلك، وعليه الاستقامة والاستقصاء في الادب، والاجتهاد لله فميا يصلح العباد والبلاد، وان تلف في ذلك خلق عظيم لا يسعه غيره ولا يجوز له عند الله سواه. وإنما تجب الدية وتلزم المعرة في فعل ما لم يكن يجوز له فعله فيخطئ في ذلك فيفعله من غير تعمد منه لفعله، مثل شاهدين شهدا على رجل بسرقة وبإخراجها من الحرز فقطعه اللامام ثم وجد أحدهما أعمى أو وجده مجنونا، أو أربعة شهدوا على رجل بالزنا فرجمه ثم وجد أحدهما أعمى فهذا خطأ منه تجب فيه الدية عليه، فاما مالا بد له من فعله وما لا يسعه تركه من تأديب الامة فلا معرة عليه فاما مالا بد له من فعله ومالا يسعه تركه من تأديب الامة فلا معرة عليه فيه لان المعرة إنما جعلت تنكيلا للمخطئ عن العودة فيما منه أتى، ولو لزمت الداية الامام فيما أحدث على المؤدب إذا لم يجزله ما ينبغي من الادب لكان ذلك تنكيلا له على تأديب الامة، ولو تنكل عن تأديبها لهلك في النار بعذاب ذي الجلال والاكرام من الامة أكثر مما يهلك بتأديب الامام، ولو لم يكن
---
[ 276 ] (2/276)
للامام أن يؤدب الامة تأديبا حسنا على قدر جرم مجرمها لهلكت في جميع أسبابها، ولاكل بعضها بعضا، ولكن الله أحسن تقديرا وأرحم بخلقه وأرأد بعباده، وفيما ذكرنا من ذلك ما أعنى أهل العلم والفهم وكفى والحمد لله العلي الاعلى وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته وسلم تسليما. حدثني عمي الحسن بن القاسم عليه السلام قال: حدثني من أثق به بإسناد يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أنه أتاه ديلم الحميري من أهل اليمن فقال: يا رسول الله إنا بأرض باردة نعالج بها عملا شديدا وإنا نتخذ شرابا من هذا القمح نتقوى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هل يسكر؟ فقال: نعم فقال: اجتنبوه، فقال الحميري: ثم أتيه من بين يديه فقلت له مثل ذلك فقال: هل يسكر؟ فقلت نعم فقال: صلى الله عليه وعلى آله وسلم فاجتنبوه، فقلت: إن الناس غير تاركيه فقال: إن لم يتركوه فاقتلوهم). قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: هذا الحديث موافق للحديث الذي يروى عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أنه قال: (كل مسكر حرام) والحديث الذي يروى عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) وفي حديث آخر: (فالذوق منه حرام) ويوافق الحديث الذي يروى عنه في رجل شرب خمرا فجلده ثم قال: ان عاد فاقتلوه قال: فعاد فأمر به فضرب ثمانين ضربة، فدل اختلاف أمره أولا وفعله فيه آخرا على أن الله أحدث له فيه أمرا وحكم عليه بالجلد حكما فلم يتعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك إلى ما كان أمر به فيه أولا من القتل. حدثني عمي الحسن بن القاسم قال حدثني بعض من أثق به
---
[ 277 ] (2/277)
باسناد يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: لقد حرمت الخمر علينا وما خمرنا الا من التمر. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: الخمر التي حرمت فانما هي الخمر التي كانت تعمل بالمدينة يعملها أهل يثرب، وأهل يثرب فانما هم أهل نخل وتمر لا عنب عندهم الا اليسير وأظن أنه حادث بها أحدث فيها بعد أن لم يكن تم جزء ابواب الحدود والحمد لله الواحد المعبود وصلى الله عليه وعلى آله وسلم.
---
[ 279 ] (2/279)
كتاب الديات، والجراحة، والجنايات
---
[ 280 ] (2/280)
بسم الله الرحمن الرحيم مبتدأ حكم الديات وما حكم الله به على قاتل النفس متعمدا قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله تبارك وتعالى: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) * (1) والتعمد هاهنا فهو التعمد بالظلم والاجتراء على ما نهى الله عنه من سفك الدماء، وانما يجب ما أو عد الله به من ناره وعذابه وغضبه ولعنته على من تعمد قتل مؤمن ظالما له في تعمده مجتريا على الله في قتله، ف اما من تعمد قتله بحق يجب عليه فليس بمقاقب فيه. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وأنا أرى أن من قتل بحق فليس بمؤمن لان الحق لا يوجب قتل المؤمن، الا أن يكون مرجوما تاب قبل رجمه، أو قاتل نفس تاب وأخلص التوبة قبل قتله لربه وأقاد من نفسه لان القتل انما يجب بحكم الله على عشرة أصناف. فأولها: قتل أهل الشرك من بعد الدعاء لهم إلى الله إذا أبوا أن يجيبوا إلى الاسلام أو إلى المعاهدة.
(والثاني) قتل المرتد عن الاسلام إذا أبى التوبة.
(والثالث) قتل سحرة المسلمين إذا أبوا التوبة.
---
ص 280..
(1) النساء 93.
---
[ 281 ] (2/281)
(والرابع) قتل الزنادقة إذا أبوا التوبة.
(والخامس) ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من قتل الديوث إذا صحت دياثته من بعد الاستتابة.
(والسادس) قتل الفئة الباغية من المسلمين إذا بغت وتعدت على المؤمنين كما أمر الله سبحانه بقتلها، وذلك قوله تعالى: * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الاخرى فقالتوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله) * (2) ومنهم الذين يدعون ما ليس لهم، ويتأولون بزعمهم أنهم أئمة، ويعطلون الاحكام، ويهتكون الاسلام ويخالفون الرحمن، ويجاهرونه بالفسق والعصيان وهم الذين قال الله فيهم: * (قاتلوا الذين يلونكم من الكقار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين) * (3). ثم بين أنهم هم بأعيانهم فقال: * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) * (4) وأما قوله يلونكم من الكفار فإنما معناها بينكم الذين هم أضرب من غيرهم عليكم، ثم كذلك فرض عليكم أن تقاتلوا الادنى فالادنى من لعاصين حتى لا تبقوا على الارض لي مخالفين. كذلك حروف الصفات يعاقب بعضها بعضا فقامت يلي مقام بين فكان المعنى بينكم فقال يلونكم، وكل ذلك في العربية سواء، من ذلك قول رب العالمين فيما حكى من قول فرعون اللعين حين يقول: * (ولاصلبنكم في جذوع النخل) * (5) فقال في جذوع النخل وإنما معناها على جذوع النخل فقامت في مقام على. وقال الله سبحانه:
---
ص 281..
(2) الحجرات. 9 (3) التوبة 123.
(4) المائدة 144.
(5) طه 71.
---
[ 282 ] (2/282)
* (وما ذبح على النصب) * (6) وإنما أراد للنصب، ومن أجلها، فقال على فقامت مقام اللام وكذلك حروف الصفات كلها يعاقب بعضها بعضا وفي ذلك ما يقول الشاعر: شربن بماء البحر ثم ترفعت * لدى لجج خضر لهن نئيج (7) فقال: ترفعت لدى لجج، وانما أراد ترفعت على لجج خضر، وانما يصف السحاب ويذكر أنها ترتفع فوق لجج البحر.
(السابع) فما حكم الله به من قتل قطاع طريق المسلمين المحاربين في ذلك لله وللرسول وللمؤمنين إذا أخذوا أموالهم وقتلوا فيهم، وذلك قول الله عزوجل: * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف) * (8).
(والثامن): فهو قتل من قتل مؤمنا متعمدا ففي حكم الله أن يقتل به وذلك قول الله عزوجل: * (النفس بالنفس) * (9) وقوله سبحانه * (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) * (10) والسلطان الذي جعله الله لوليه هو قتل قاتله به.
(والتاسع): قتل من سب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشتمه واستخف بحقه واطرحه، وذلك قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من سبني فاقتلوه).
(والعاشر): فقتل من زنا بعد احصان كذلك كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم به يرجمه حتى يموت.
---
ص 282..
(6) المائدة 3. \ \ \ (7) النئيج: الاحتراك والتصويت أيضا. ذكر معناه في الصحاح.
(8) المائدة 33. \ \ \ (9) المائدة 45.
(10) المائدة 151.
---
[ 283 ] (2/283)
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ثمانية أصناف من هذه العشرة إذا تابوا خلي سبيلهم ولم يقتلوا، وصنف لابد من قتله تاب أولم يتب وهو المحصن الزاني، وصنف الامر فيه إلى أولياء أمره وهو قاتل النفس فإن أحبوا قتلوه، وإن أحبوا تركوه. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من سب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم استتيب فإن تاب ورجع إلى ما أوجب الله عليه له فأخلص التوبة من ذلك لربه رأيت أن يطلق، ومن أقام على ذلك قتل وليس سب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأعظم من سب الله والجحدان له والكفر به، ومن استحل ذلك في الله سبحانه لم يقتل حتى يستتاب فان تاب خلي وإن أبى قتل فهذه الوجوه العشرة التي يجوز بها سفك دم الانسان ومن كان في شئ من هذه العشرة الاصناف وجب عليه من الله حكمها وانتظمه بفعله لها اسمها. وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لا يزني الزاني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق وهو مؤمن) ومن الدليل على أن ذلك كذلك حكم الله عليه بالنار والعذاب، ومن كان مؤمنا فليس من أهل العقاب، ولا يجوز أن ينسب إلى العذاب لان من صح له اسم الايمان فمستوجب من الله الثواب، فلذلك قلنا إن أهل الاجتراء على كباير العصيان ليسوا عند الله ولا في حكمه من أهل الايمان. ثم نقول من بعد ذلك إن الكفر على معنيين فأحدهما: كفر شرك وجحدان لله سبحانه وللنبي وللفرقان فسواء من أنكر الله في ذاته أو أنكر خلقه لسمواته أو جحد أنبيائه ورسالاته، لان من أنكر شيئا من فعله فقد أنكره بانكار صنعه، لان من قال لما فعله الله لم يفعله فقد زعم وأوجب ان غير الله فعله، ومن قال إن غير الله فعل فعل الله فهو منكر في قوله لله لانه
---
[ 284 ] (2/284)
يعبد من لم يفعل ذلك الشئ الذي أنكره والله سبحانه هو الذي صنعه فقد صح أن من أنكر فعل الله فقد أنكر الله ومن لم يقر بصنعه فقد كفر به. والوجه الثاني فهو كفر النعم بالعصيان للواحد ذي الكرم والاحسان، ومن كفر نعم الله فهو فاسق في دين الله بكفرانه لنعم الله ومن كانت حاله كذلك كان بعيدا من اسم الايمان قريبا داخلا مستحقا لاسم الفجور والفسوق والعصيان إلا تسمع كيف ميز الله سبحانه بين المؤمنين والفاسقين فلم يجمع بينهم بالفعل ولا في الاسم أحكم الحاكمين بل أخبر أنهما شيئان مختلفان واسمان متضادان متباينان في المعنى والجزاء فنسب المؤمن إلى ما حكم به من الثواب ونسب الفاسق إلى ما أعد له من أليم العقاب فقال فيما نزل من الكتاب: * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) * (11) وفي ذلك ما يقول الله تبارك وتعالى: * (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) * (12) يقول سبحانه تأذن ربكم يريد حكم ربكم لئن شكرتموني فعملتم بطاعتي واتبعتم مرضاتي لازيدنكم من فضلي ولاضاعفن لكم ثوابي، ولئن كفرتم نعمتي وعصيتم أمري وعندتم عن طاعتي لاعذبكم عذابا شديدا.
---
ص 284..
(11) السجدة 18.
(12) ابراهيم 7.
---
[ 285 ] (2/285)
باب القول فيما ذكر الله سبحانه من القصاص
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: حكم الله تبارك وتعالى على بني اسرائيل بالقصاص ولم يكن أطلق لهم الدية فقال سبحانه: * (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) * (13) فبين سبحانه بقوله في آخر الآية فمن تصدق به فهو كفارة له على ما قنا من أنه لم تكن بينهم دية ولم يكن الا القصاص أو الهبة، وحكم سبحانه عليهم بأن تكون نفس الرجل بنفس المرأة وعين الرجل بعين المرأة وأنف الرجل بأنف المرأة وجعل كل شئ من جراح الرجال كجراح النساء ولم يجعل بينهم تفاضلا في شئ من الاشياء كما قال سبحانه: * (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) * (14) ثم قال في آخرها والجروح قصاص، ومعنى قوله كتبنا عليهم فيها يريد التوارة وجعل أحكام عبيدهم في ذلك كله كأحكامهم. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ثم خفف الله وعفى تباركت أسماؤه وجل ثناؤه عن أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فميز أحكامهم، وفرق بين دياتهم على قدر مراتبهم رحمة منه لهم وعايدة بالفضل عليهم فقال فيما نزل من الاحكام في القصاص بين أهل الاسلام على نبيهم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: * (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد، والانثى بالانثى فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك
---
ص 285..
(13) المائدة 45. \ \ \ في نسخة فغير. تمت.
(14) المائدة 45.
---
[ 286 ] (2/286)
تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) * (15) فحكم الله تعالى أن الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى فحظر بما حكم به من ذلك أن يقتل ذكر بأنثى، أو حر بعبد فرقا منه سبحانه بين المسلمين وبين الاسرائيليين إلا أن يكون القاتل من الرجال قتل من قتل من النساء والعبيد فسادا في الارض وطغيانا وميلا وكفرانا، فينظر في ذلك إمام المسلمين فإن شاء قتله على عظيم جرمه وإن شاء فعل به غير ذلك من الفعل بتوفيق الله له فعله. ثم قال عزوجل: * (ولكم في القصاص حيوة يا أولي الالباب لعلكم تتقون) * (16). والحياة التي في ذكرت القصاص فهي ما يداخل الظالمين من الخوف من القصاص في قتل المظلومين فيرتدعوا عن ذلك إذا علموا أنهم بمن يقتلون مقتولون فتطول حياتهم إذا ارتدعوا عن فسادهم وينكلون عن قتل من به يقتلون وبإبادته بحكم الله يبادون فحكم الله سبحانه بالقود بين عباده، والقصاص على ما ذكر في كتابه فيما يقتل من القتلى أو يستأصل من الاعضاء، وكذلك حكم بالقصاص بين الجرحى ثم قال تبارك وتعالى: * (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة على قاتل النفس ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا) * (17) فجعل سبحانه في قتل الخطأ تحرير رقبة مؤمنة على قاتل النفس ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا، والصدقة هاهنا فهي الهبة له والصفح عن خطيتئه والاعراض عن أخذ الدية من عاقلته. ثم قال رجل جلاله عن أن يحويه قوله أو يناله: * (فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) * (18) فلم يجعل في المؤمن الساكن بين المشريكن دية، وهو أن
---
ص 286..
(15) البقرة 178. \ \ \ (17) النساء 92.
(16) البقرة 179. \ \ \ (18) النساء 92.
---
[ 287 ] (2/287)
يكون الرجل يسلم وهو في قومه لا يعلم باسلامه وهو يكتمه فيلقاه المسلمون بناحية من الارض فيقتلونه وهم يظنون أنه على ما كان عليه من شركه، ثم يعلمون بعد ذلك باسلامه، فهذا الذي جعل الله فيه الكفارة ولم يجعل فيه الدية لان المسلمين ورثته دون مناسبيه من المشركين وهم الذين يعقلون عنه لو كان جنى جناية فجعلهم الله أولى بديته، إذا كانوا العاقلين عنه دون قرابته من غير أهل دينه. ثم قال سبحانه: * (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما) * (19). فجعل فيمن كان بينهم وبينه ميثاق من المشركين دية وذلك لما بينهم من العهد والميثاق فسلمت إليهم دية لما بينهم من عهد الله وميثاقه وجعل فيه سبحانه الكفارة لانه مؤمن ثم جعل على من لم يجد رقبة مؤمنة صيام شهرين متتابعين لا يفصل بينهما إلا من علة عظيمة فيفصل بينهما ثم يبني على ما كان من صيامه عند خروجه من علته وطاقته لصيام كفارته. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: فلم يزل المسلمون على ذلك حتى أنزل الله تبارك وتعالى براءة فنقضت العهد الذي كان بينهم وبين المشركين ونبذ إليهم رسول الله عهدهم وآذنهم بما أمره الله به من محاربتهم، وكان أول نبذ العهود إلى المشركين من قريش خاصة لانهم كانوا أصحاب العهد والهدنة، ثم استثنى تبارك وتعالى فقال: * (إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق) * (20) فنزلت هذه الآية في هلال بن عويمر كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عهد فلم يكن نقض هلال ما بينه وبين الني صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكان مشركوا قريش يخرجون من مكة فيأتون هلالا وكان أصحاب رسول
---
ص 287..
(19) النساء 92. \ \ \ (20) النساء 90.
---
[ 288 ] (2/288)
الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يريدون قتل من يأتي هلالا من المشركين فمنعهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما ذكر من قوله * (إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق) * فلما أكمل الله سبحانه نعمته على المسلمين وأعز بنصره خاتم النبيين نسخ هاتين الآيتين ونسخ كل عهد كان بينه وبين المشركين فقال: * (واقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة واتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم) * (21) فأمر المسلمين بقتل المشركين حيث وجدوهم، وأن يقعدوا لهم كل مرصد، وأن لا يستبقوا من المشركين أحدا الا من تاب من خطيئته، ورجع إلى الله عن سيئته، ثم قال عزوجل تحذيرا للمؤمنين وتأكيدا منه عليهم في التحفظ إذا ضربوا في الارض من قتل المؤمنين فقال: * (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة) * (22) فيقال إن هذه الآية نزلت في أسامة بن زيد حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى أرض غطفان، ولم يكن بالمؤمر على السرية فبلغ غطفان خبرهم فهربوا وتخلف رجل من غطفان يقال له مر داس بن نهيك فلما رآهم خافهم وألجأ غنمه إلى كهف في الجبل ثم استقبلهم فسلم عليهم وشهد بشهادة الحق فحمل عليه أسامة فطعنه وأخذ ماله فنزل جبريل فأخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خبره، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جعل صاحب السرية يثني على أسامة ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم معرض حتى إذا فرغ الرجل قال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يا أسامة قال
---
ص 288..
(21) التوبة 5. \ \ \ (22) النساء 94.
---
[ 289 ] (2/289)
الرجل لا إله إلا الله فقتلته كيف لك بلا إله إلا الله فقال: يا رسول الله إنما قالها تعوذا منا قالها بلسانه ولم يكن لها حقيقة في قلبه، فقال له الني صلى الله عليه وعلى آله وسلم أفلا شققت عن قلبه فنظرت ما فيه فقال إنما قلبه بضعة من جسده فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها حرمت علي دماؤهم وأموالهم وحسابهم إلى الله).
باب القول في الديات والجراحات
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قتل الرجل المسلم ففيه الدية كاملة، والدية فمائة من الابل في أصحاب الابل، وألفا شاة في أهل الشاء، ومائتا بقرة في أهل البقر، وألف دينار في أصحاب الدنانير، وعشرة آلاف درهم في أصحاب الدراهم. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: كان الصرف في ذلك الدرهم فيما بلغنا عشرة دراهم بدينار، وفي العين الواحدة نصف الدية وفي العينين الدية كاملة، وفي الاذن إذا استؤصلت نصف الدية، وفي الاذنين كلتيهما الدية كاملة، وفي الرجل الواحدة نصف الدية، وفي الرجلين كلتهيما الدية كاماة، وفي اليد نصف الدية، وفي اليدين الدية كاملة، وفي كل أصبع عشر من الابل، وفي اللسان الدية كاملة، وفي الذكر إذا قطع من أصله الدية كاملة، وفي الظهر الدية كاملة، وفي الانف إذا استوعب من أصله الدية كاملة، وفي الانثيين الدية كاملة، وفي كل سن خمس من الابل. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وفي الموضحة خمس من الابل، وفي الهاشمة عشر من الابل، وهي التي تهشم العظم، وفي المنقلة خمس عشرة من الابل.
---
[ 290 ] (2/290)
قال يحى بن الحسين رضي الله عنه: المنقلة هي التي تهشم الرأس فيخرج منه بعض، وفي الجايفة ثلث الدية، والجايفة فهي التي تصل إلى الجوف، وفي الامة ثلث الدية وهي التي تصل إلى الدماغ. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وبذلك كله صح عندنا الاثر والحكم فيه عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه على ما قلناه، وقد ذكر عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه جعل في مارن الانف الدية.
باب القول في الدية كيف تؤخذ
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تؤخذ الدية أرباعا في النفس وما دونها من الديات الموضحة فصاعدا ربع جداع وربع حقاق وربع بنات لبون وربع بنات مخاض، وكذلك دية المرأة تؤخذ أرباعا مسننة على ما ذكرنا ودية المرأة نصف دية الرجل.
باب القول في تحديد الدية وتسميتها من الامول
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: دية الرجل من الذهب في أصحاب الذهب ألف مثقال، وأصحاب الذهب فهم أهل الشام ومصر والمغرب والعراق والحجاز والبحرين واليمن، والدية في أهل الدراهم عشرة آلاف درهم وهم أهل خراسان وما والاها من البلدان التي لا يتعامل فيها إلا بالدراهم، وفي أهل البوادي من العرب وغيرهم مائة من الابل، وفي أهل البقر وهم أهل تهامة اليمن وغيرها من سواد الكوفة وغيره مائتا بقرة، وفي أصحاب الشاء حيث كانوا وهم أهل الجبال من الشرق
---
[ 291 ] (2/291)
والغرب واليمن والشام ألفا شاة. قال يحيى بن الحسين عليه السلام فمن كان من جميع هؤلاء صاحب صنف مما ذكرنا لم تؤخذ الدية إلا من ماله ولم يكلف أهل الدية في الدية سوى أموالهم، وتؤخذ الدية من كل من وجبت على في ثلاث سنين في كل سنة ثلثها.
باب القول فيما لا قود فيه من الجراح
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا قود في الآمة وهي التي تصل إلى الدماغ ولا في المنقلة وهي التي تهشم الرأس فتخرج منه العظام وهلا في الحايفة وهي التي تصل إلى الجوف ولا في العظم يقطع من وسطه مثل العضد تقطع من وسطها أو الساق أو الفخذ، أو الذراع. وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لاقود في ذلك). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وإنما أبطل صلى الله عليه وعلى آله وسلم القود في كل ذلك، لانه شئ لا يكاد صاحبه يسلم، فإذا سلم منه الواحد بعد الواحد لم يعتبر به ولم يقتص من فاعله وذلك أن مثل هذا لا يعمل في قصاص ولا دية حتى يبرأ صاحبه فإذا برئ واستقام طلب حقه، فإن مات كان سبيله سبيل القتيل فيه قود، وإن عاش وسلم من هذه الجراح هذا المجروح ثم اقيد من الآخر لم يؤمن أن يتلف فيه فيقتل نفس بجرح، فلذلك يبطل القود فيه لهوله وعظم أمره.
باب القول في الدية على من تجب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من قتل قتيلا، أو قطع عضوا، أو جرح جرحا، متعمدا في شئ من ذلك كله، كان عليه في ذلك القود يفعل به ما قعل بغيره، إلا أن يرضى أهل الجراح من الجارح
---
[ 292 ] (2/292)
لهم بالدية فيكون أمر ذلك إليهم، وتكون كل دية أو صلح كانت في العمد واجبة على المتعمد في ماله دون مال عاقلته. قال: وكل شئ كان من الخطأ في النفس وما دونها فهو في أموال العاقلة وعليها والعاقلة فهي العشيرة ولا ينغبي أن تحمل الدية على البطن الادنى إلى الجانب إذا لم يكن هذا البطن يحتمل الدية، فإذا لم يكن يحتملها ضم إليه أقرب البطون إليه، على قدر ما يحتملون يكون غرمهم في ذلك، وإن كانت العاقلة أصحاب دواوين وكانوا يقبضون الارزاق من الامام مع من يقبض من المسلمين أخرجت الدية في ثلاث سنين في أعطياتهم يلزم كل رجل في سنته كسر كسر أو أقل أو أكثر على قدر كثرتهم وقلتهم وعلى قدر ما يحتملون في أعطياتهم.
باب القول في عدد ما في الانسان من الدية
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: في النفس الدية، وفي البصر الدية، وفي السمع الدية إذا صم فلم يسمع، وفي الخرس الدية إذا ضرب الرجل ضربة فخرس منها، وفي الصوت الدية إذا انقطع صوت الرجل، وفي اللسان الدية، وفي العقل الدية، وفي الانف الدية، وفي الظهر إذا دق فلم يتجبر الدية، وفي الذكر الدية، وفي الغايط الدية، وفي البول إذا ضرب صاحبه فسلس فلم يقف الدية، وفي الرجلين الدية، وفي اليدين الدية، وفي الاذنين إذا استؤصلتا الدية، وفي الشفتين الدية، وفي الانثيين الدية وفي الاسنان الدية، قال: وأما شعر اللحية وشعر الرأس إذا لم يخرجا لسبب عمل بصاحبهما أو معنى فقد قال غيرنا ان فيهما دية، ولسنا نرى ذلك ولكن يكون فيهما حكومة غليظة تقارب الدية، وكذلك قال غيرنا في اشفار العينين وشعر الحاجبين دية دية،
---
[ 293 ] (2/293)
ولسنا نرى ذلك ولا نقول به، ولكن فيه حكومة دون نصف الدية فيما نرى وهو أقرب إلى الحق عندنا. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: في الهاشمة وهي التي تهشم العظم ولا يخرج منه شئ من العظام وهي دون المنقلة عشر الدية، وفي السمحاق وهي التي تسحق اللحم وتقارب الموضحة أربع من الابل، وقد قيل فيما دون ذلك وفوقه من الشجاج ولسنا نقول فيها بشئ معلوم بل في ذلك كله حكومات ينظر فيها الناظر وذلك بعون الله وتوفيقه.
باب القول في الحر يقتل عبدا والرجل يقتل المرأة سفها وتمردا وطغيانا وفسادا في الارض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قتل الحر العبد على ذلك من الحال، كان الامام الناظر في أمره، فان رأى أن يقتله كان له أن يقتله، وكذلك الرجل إذا قتل المرأة على تلك الحال كان له أن يقتله بها. وكذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فيمن قتلهما على هذه الحال. وحدثني أبي عن أبيه أنه قال: أي حر قتل عبدا أو رجل قتل امرأة تمردا وعتوا وظلما وفسادا في الارض كان للامام أن يقتله به.
باب القول في معنى القتل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: القتل عندي على معنيين عمد وخطأ لا ثالث لهما، وقد قيل في ذلك بمعنى ثالث شبه العمد، ورويت فيه آثار عن أمير المؤمنين علي عليه السلام وليست
---
[ 294 ] (2/294)
تصح عندنا ولا نرى إلا أنه يكون عمدا أو خطأ فما كان عمدا ففيه القود إلا أن يشاء أولياء القتل الدية فيكون الامر في ذلك أمرهم والقول قولهم، وما كان من خطأ ففيه الدية والكفارة. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن دية الخطأ وشبه العمد فقال ليس بين الخطأ والعمد منزلة، وانما القتل كله خطأ أو عمد وفي ذلك ما جعل الله فيه من قود أو دية، وقد قال غيرنا إن شبه العمد منزلة ليست بالعمد ولا الخطأ الدية فهيا مغلظة وذكر عن علي عليه السلام أنه قال: شبه العمد ما كان بالعصا والقذفة بالحجر العظيم وليس ذلك يصح عنه عندنا.
باب القول في أعور فقأ عين صحيح
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قد روي في ذلك عن أمير المؤمنين عليه السلام روايات ولسنا نصححها والذي يجب عليه عندنا أن يقاد لان الله يقول: * (والعين بالعين) * (23) إلا أن يريد الدية فيكون محسنا في ذلك ويدفع نصف الدية. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن أعور فقأ عين صحيح، فقال: يقاد منه إنما العين وإن أراد الدية فله نصف الدية. باب ا لقول في الظفر والسن إذا أسودا قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذ اسودت السن فهي كالساقطة وحكمها كحكمها فيها خمس من الابل، فإن انكسرت ففيها حكومة على قدر ما ينقص منها، واما الظفر ففي اسوداده حكومة، وقد روي في ذلك عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
---
ص 294..
(23) المائدة 45.
---
[ 295 ] (2/295)
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن السن إذا اسودت فقال: إذا اسودت السن ففيها خمس من الابل، وإذا انقصفت فبحساب ما نقص منها من نصف أو ربع أو أقل أو أكثر.
باب القول في البيضتين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قد قيل إن في اليسرى ثلثي الدية، وفي اليمنى ثلث الدية وزعم من قال بهذا ان الولد من اليسرى، ولم يأتنا ذلك في كتاب ولا سنة وهما عندي في الدية سواء. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن البيضتين فقال: فيهما جميعا الدية وفي كل واحدة منهما نصف الدية وفي كل زوج من الانسان من عينين أو يدين أو رجلين ففيهما الدية وفي كل فرد من ذلك نصف الدية.
باب القول في العين القايمة والرجل واليد الشلاوين واللسان الاخرس
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: في ذلك حكومة على قدر ما أحدث فيها، وعلى قدر ما كان عليه ذلك العضو من الهيئة والمنفعة لصاحبه يحكم فيها الامام بما يوفقه الله له. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن العين القائمة وعن اليد الشلا واللسان الاخرس فقال: في ذلك كله حكومة وليس فيه دية معلومة.
باب القول في جناية الصبي والعبد والقول في فتق المثانة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: جناية العبد لازمة له في عنقه، وليس على سيده في ذلك أكثر من دفعه برمته، وسيده مخير في
---
[ 296 ] (2/296)
الخطأ إن شاء دفعه برمته، وإن شاء فداه بدية جنايته، فاما في العمد فلا بد من تسليمه إلا أن يشاء أولياء الجناية أن يجيبوا مولاه إلى قبول قيمته منه أو ما صالحهم من غير ذلك به عنه. وأما جناية الصبي فهي على عاقلته كما تكون على عاقلة غيره، غير أن الصبي لا عمد له ففعله كله خطأ. وأما فتق المثانة فإن كان وصل إلى جوف صاحبها فهي جايفة وفيها ما في الجايفة من ثلث الدية، وإن لم يصل ففيها نظر وحكومة. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن جناية الصبي والعبد فقال: اما جناية الصبي فعلى عاقلته، وجناية العبد في رقبته.
باب القول في رجل وصبي اشتركا في قتل أو جراحة عمدا معا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا اشتركا في قتل مسلم عمدا قتل الرجل بتعمده لقتله الرجل، وكانت على عاقله الصبي دية جنايته لان اجناية الصبي في حال صغره أبدا خطأ حتى يعقل فتجري عليه الاحكام. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن رجل وصبي اشتركا في قتل رجل، فقال: يقتل الكبير وتكون الدية على عاقلة الصغير.
باب القول في جراحات الرجال والنساء وجنين الحرة والامة وجنين البهيمة والعبيد والصبيان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: جراحات النساء كلها قليلها وكثيرها على النصف من جراحات الرجال، لا تعاقل النساء الرجال في شئ من الجراحات على حال من الحال وفي جنين الحرة ما روى من الغرة والغرة عبد أو أمة وإنما ذلك إذا طرحته ميتا، فاما إن طرحته
---
[ 297 ] (2/297)
حيا فمات من ساعته ففيه الدية كاملة سواء، وكذلك لو طرحت جنينين أو أكثر حيا كان في كل واحد الدية كاملة سواء، وتكون الديات كغيرهن من الديات يؤخذن في ثلاث سنين في كل سنة ثلث ذلك. وان طرحت جنينا حيا، وجنينا ميتا فمات من ساعته كان في الميت غرة عبد أو أمة وكان عليه في الحي دية كاملة وعتق رقبة، وأما جنين الامة ففيه نصف عشر قيمته لو كان حيا وذلك على العاقلة في الحرة والامة. وأما البهيمة ففي جنينها إذا ضرب بطنها فألقت جنينا حيا فمات من ساعته ففيه قيمة مثله، وان طرحته ميتا ففيه نصف عشر قيمة مثله. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: فان كان الضارب لبطن الامة أو الحرة عبدا أو امرأة أو صبيا فان جناية الصبي والمرأة على عاقلتهما، وجناية العبد في رقبته إن كان بأكثر من قيمته فليس على مولاه أكثر من تسليمه، وإن كانت بأقل من قيمته فهو مخير في أن يدفعه أو يؤدي جنايته. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن جراحات النساء فقال: هي على الصنف من جراحات الرجال كما أن دية المرأة نصف دية الرجل وذلك مذكور عن علي بن أبي طالب عليه السلام وسئل عن جنين الحرة فقال: في جنين الحرة إذا اسقطته ميتا غرة عبد أو أمة وذلك مذكور عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعن علي عليه السلام، وسئل عن جنين الامة فقال فيه على مقدار قيمته كما في جنين الحرة على مقدار ديته وسئل عن جنين البهيمة فقال: وكذلك أيضا على مقدار ثمنه وسئل عن الجراحات من أيها يقاد؟ فقال: ما أحيط به وأتى على مقداره، ولم يخش فيه تلف على النفس.
---
[ 298 ] (2/298)
باب القول في جناية أم الولد والمدبر والمكاتب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: جناية أم الولد والمدبر على سيدهما ما بينه وبين قيمتهما وليس عليه أكثر من قيمتهما في خطأ جنايتهما، وليس على أن يسلمهما بجنايتهما إن كانت أكثر من قيمتهما لان فعلهما وجنايتهما خطأ وليس في خطأ العبد أكثر من قيمته وليس على المخطئ قتل في قتله خطأ، والعبد فإنما يسلم برمته وليس لاولياء المقتول أن يقتلوه بخطأ فعله، والمدبر وأم أم الولد فلا يملكان فلذلك قلنا إنهما لا يسلمان، ولكن تؤدى قيمتهما يؤديها عنهما المستهلك لهما بالاستيلاد والتدبير، فان كان سيدهم معسرا سلم المدبر في جنايته وسعت أم الولد في قمتها. وأما المكاتب فجنايته في رقبته يسعى فيها مع كتابته، فان كانت جناية أم الولد والمدبر عمدا يجب فيه القتل سلموا للقتل ولم يسلموا للاستعباد، لان استعباد أم الولد لا تجوز لان في استعبادها الوطئ ممن يستعبدها لها، ولا يجوز أن يطأها غير سيدها، إلا من بعد عتق سيدها لها والتزويج ممن يطأها لها.
باب القول في الحر يصيب العبد وفي جناية العبيد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: في عين العبد إذا أصابها الحر نصف قيمته وجميع جراح العبد فبحساب قيمته، وله في جايفته ثلث قيمته.
---
[ 299 ] (2/299)
باب القول فيما لا تعقله العاقلة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا تعقل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا اعترافا ولا صلحا، ويعقل ما سوى ذلك. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وكذلك جاء الاثر عن الني صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد قال كثير من الناس إن معنى قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا تعقل العاقلة عبدا) هو أن العاقلة لا تعقل عن أخيها العبد لو قتله أخوها، ولا تعقل جناية فعل عبد من عبيدها، وليس هو عندي كذلك ولكن هو عندي أنها لا تعقل جناية عبد من عبيد بعضها إذا جنى على أحد لان العبد مسلم بما جنى فعلى سيده أن يسلمه بجنايته، فاما ان يجنبي بعضهم جناية بخطأ منه فيقتل عبدا لبعض المسلمين فلا بد أن يدوه كما يدون غيره، لان في هذه الحال غارم ولا بد بد من قيامهم في غرمه إذا كان ذلك خطأ من فعله فعلى معنى ما قلنا يخرج معنى قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا تدري العاقلة عبدا) وذلك أقرب إلى الحق والنصفة.
باب القول في عبد ضرب بطن امرأة سيده فألقت جنينا حيا أو ميتا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن عبدا ضرب بطن امرأة سيده فألقت جنينا ميتا كان على السيد أن يدفع إلى المرأة إن كان لهما ولد سدس قيمة الغرة فإن لم يكن لهما ولد دفع إليها قيمة ثلث غرة وهي الغرة التي تجب في الجنين إذا كان ميتا، فان طرحته حيا ومات من ساعته وجب عليه أن يدفع إلى المرأة من جناية عبده ثلث العبد الا أن يشاء ان يفديه فيفديه بثلث دية جناية الجنين الحي ان ظن بثلثه وهذا ان
---
[ 300 ] (2/300)
لم يكن لهما ولد، فإن كان لهما ولدان فصاعدا فانما يجب لها سدس الدية لان الولد يحجبون الام عن الثلث، لان الدية لو كانت تجب على غير الاب بجناية غير عبده لكان لها منها الثلث ان لم يكن لهما ولد والسدس ان كان لهما ولد، وعلى العبد صيام شهرين متتابعين ان كانت المرأة طرحت جنينا حيا.
باب القول في ديات العبيد ذوي الصناعات
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو ان رجلا اشترى عبدا بعشرين دينارا فعلمه صناعة يسوى لمعرقتها تسعين دينارا فقتله انسان كان على القاتل قيمته يوم قتله. وكذلك في الاماء ذوات الصناعات إلا مالا يحل من الصناعات عمله ولا تعليمه مثل الغناء والطرب بالمعازف والطنابير والنوح وكلما نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن عمله.
باب القول فيمن خصى عبدا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من خصى صبيا مملوكا فعليه إذا قطع مذاكيره كلها قيمته مرتين في ذكره قيمة وفي أنثييه قيمة، ولا ينظر في ذلك إلى زيادة ثمن ولا نقصانه ولا يلتفت إلى قول من قال لا دية على الجاني لصاحب العبد لانه قد زاد في ثمنه بخصائثه لعبده إن شاء أخذ قيمته قبل إخصائه منه، وإن شاء تركه وهذا القول فاسد عندنا لا يعمل عليه لان الدية لازمة واجبة في كل أرب قطع من الانسان، ولا بد من دية ما قطع من هذا الصبي زاد ثمنه أو نقص لان الله ورسوله حكما بالدية ولا بد من إنفاد ما حكم الله به ورسوله. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وإذا غصب حر عبدا فأقام
---
[ 301 ] (2/301)
عنده حتى يصير العبد إلى حالة لا ينتفع به فيها كان لسيد العبد ان يأخذ قيمته ويدفعه إلى الجاني.
باب القول في الرجل يقتل امرأة عمدا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يخير أولياء المرأة فإن أحبوا دفعوا إلى أولياء القاتل نصف الدية وقتلوا القاتل بمرأتهم، وإن أحبوا قبلوا خمس مائة دينار وهي نصف الدية وخلوا عن الرجل وهذا قول علي بن أبي طالب عليه السلام.
باب القول في الذمي يقتل مسلما
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قتل الذمي مسلما عمدا قتل به، وان قتله خطأ كانت عليه الدية كاملة تؤخذ منه في ثلاث سنين وان قتل حر عبدا كانت عليه قيمة العبد بالغة ما بلغت من قليل أو كثير وذلك قول امير المؤمنين [ علي بن أبي طالب عليه السلام ].
باب القول في المسلم يقتل ذميا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يقتل مسلم بكافر ولكن على المسلم الدية كاملة في كل ذي عهد قتله لقول الله عزوجل: * (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله) * (24) وعليه الكفارة في قتله وما أوجب الله على قاتله. وقد قال غيرنا إن ديه اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم، ودية المجوسي ثمان مائة درهم، ولسنا نرى ذلك لان الله حكم في ذوي العهد والميثاق بالدية كاملة إلى أهله مسلمة والكفارة من بعد ذلك على قاتله.
---
ص 301..
(24) النساء 92.
---
[ 302 ] (2/302)
حدثني أبي عن أبيه أنه قال: لا يقتل مسلم بكافر قتله قتل عداوة أو غيلة لان الله انما جعل فيه الدية والكفارة وهكذا ذكر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعن علي عليه السلام. وقد قال قوم انه يقتل به وليس ذلك بشئ. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن دية اليهودي والنصراني والمجوسي فقال: دية اليهودي والنصراني وكل ذي عهد وميثاق ما كان في عهده وميثاقه فدية كاملة، وقد قيل إن ديتهما نصف دية المسلم، وقيل أربعة ألاف درهم وإن دية المجوسي ثمان مائة درهم، والامر في ذلك عندنا أن دية كل ذي عهد وميثاق دية مسلم، وعلى القاتل ما أمر الله به من الكفارة من تحرير رقبة، أو صيام شهرين متتابعين إن لم يجد رقبة مؤمنة.
باب القول فيمن أخرج من حده شيئا فأصاب إنسانا والقول في الدايه تنفع برجلها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أخرج الرجل من حده شيئا إلى طريق المسلمين وشارعهم فحفر فيه بئرا أو أحدث فيه حدثا لم يكن له إحداثه في طريق المسلمين وشارعهم كان ضامنا لما تلف فيه وبه من المارين، وانما الجبار الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (البئر جبار، والدابة جبار) إذا كانا في منزل صاحبهما وحده ولم يكونا في شارع المسلمين أو على طريقهم موقوفين فاما إذا كانت الدابة في طريق من طرق المسلمين موقوفة فصاحبها ضامن لما أحدثت في طريقهم وسوقهم بيدها أو رجلها. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن رجل أخرج من حده شيئا فتلف فيه إنسان فقال: إن كان اخرجه في طرق للعامة لزمه غرم ما أصاب به من الضرر في نفس كان أو مال.
---
[ 303 ] (2/303)
حدثني أبي عن أبيه أنه قال: يذكر عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: (من أوقف دابته في طريق من طرق المسلمين أو سوق من أسواقهم فهو ضامن لما أصابت بيدها أو رجلها).
باب القول في الرجل يقتل ابنه أو الابن يقتل أباه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يرث قاتل عمد قتيله لامن ديته ولا من ماله ولا يرث قاتل الخطأ من الدية شيئا، ويرث من المال. وقد قال غيرنا إنه لا يرث من المال ولا من الدية وهذا عندنا ظلم ولا يصح في الظلم لمن رواه رواية، ولا تثبث له مقالة، لانه لا بد إن يكون بين العمد والخطأ فرق، وقد يقتل في الخطأ القاتل من لو خير على قتله أو إتلاف ماله ونفسه لا ختار إتلاف نفسه وماله قبل أن يبسط بالقتل إليه يده من والده أو ولده أو أخيه أو قرابته، والمتعمد فلا يقتل بتهمده إلا من هو مجمع على قتله مريد لا تلافه وتهلكته، وعلى هذا يخرج قول أمير المؤمنين علي عليه السلام ولا يرث القاتل من المقتول يريد في العمد لا في الخطأ، وقد يحتمل ذلك أيضا أن يكون يريد الدية أنه لا يرثها ولا يدخل فيها قاتل عمد ولا خطأ.
باب القول في الدية لم لا يرث منها قاتل الخطأ
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وإنما منع قاتل الخطأ من أن يرث مع غيره من الورثة من الدية شيئا لان الدية غرم وتأديب لمن أخطأ وحث له من الله على الحذر والارتقاء فلذلك لم يرث منها إذا كانت تنبيها على التوقي وتعويضا منه لتركة الميت في الخطأ، فلما أن كان
---
[ 304 ] (2/304)
ذلك كذلك لم يجز أن يشرك مع من عوض ممن سواه من الاولياء ولا أن يدخل مع من سواه من الاقرباء، لانه لو دخل معهم في الدية كما دخل معهم في المال لكان هو وهم سواء في كل حال. ولا بد من الفرق بين المخطئ والمحسن بحال تبينه فيه وتنقله عنه. ومن الحجة في ذلك أن دية الخطأ على عاقلة المخطي دونه، وأنهم هم الذين يغرمون ذلك ويخرجونه، ولو أخذ معهم من الدية ولم يخرج فيها لكان أفضل حظا ممن أخرجها ووليها، ولو كان ذلك جائزا لقاتلين لكانوا أوفر حظا وأعظم أمرا من السالمين المتوقين ولكان ذلك له فضيله على من لم يقتل، إذ من لم يقتل يخرج الدية ويغرم والقاتل يأخذ ويغنم.
باب القول في القاتل يعفو عنه بعض الاولياء إذا كان قتله عمدا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قتل رجل رجلا عمدا فعفى عن القاتل بعض الاولياء، فقد زال عنه القتل بعفو العافين ولا قتل عليه، وإن طلب قتله من طلبه من الباقين وعليه الدية كاملة للكل إلا أن يكون العافون عفوا عن الدية مع القتل، فإن كان ذلك كذلك سقط عنه من الدية نصيب من عفى عنه، وكان عليه باقيها يسلمه إلى باقي الاولياء وعليه الكفارة على جرمه، والتوبة إلى الله من فاحش خطيئتة. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الرجل يقتل قتيلا ويعفو عنه بعض الاولياء عن القتل. فقال: إذا عفى بعض الاولياء عن القاتل زال القتل عنه، فإن قبل الباقون من الاولياء الدية، وكان الآخرون قد عفوا عن القتل والدية جميعا زال عنه من الدية قدر ما للعافين من النصيب فيها، ولا يقتل القاتل إذا عفى عنه بعض الاوياء، وقد قال بعض الناس
---
[ 305 ] (2/305)
بغير هذا وهو قول شاذ، فزعموا أن الدم لمن طلب من الاولياء وإن عفى بعض الاوياء، قال ولى ذلك عندنا بصحيح.
باب القول في المقر بالقتل خطأ أو عمدا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل من أقر بخطأ أو عمد لزمته في ماله الدية لان العاقلة لا تعقل عبدا ولا عمدا ولا صلحا ولا اعترافا والاعتراف فهو الاقرار على النفس بالقتل.
باب القول في جماعة قتلوا انسانا خطأ أو عمدا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن جماعة قتلوا رجلا عمدا واشتركوا كلهم في قتله قتلوا كلهم به، وان قتلوه خطأ كانت الدية عليهم حصصحا تلزم عواقلهم إذا قامت به البينة من أهل الاسلام وحكم بذلك علهيم الامام.
باب القول في العفو عن العبد القاتل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن عبدا قتل حرا فسلمه سيده إلى أوليائه فلم أن يقتلوه إذا كان القتل عمدا ولهم أن يسترقوا، ولهم أن يعتقوا ولهم أن يبيعوا، ولهم أن يهبوا، ولهم أن يعفوا. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: فإن عفوا للسيد عن عبده وصفحوا له عن ذنبه كان مملوكا لسيده وعاد كما كان أولا على حاله في رقه، وان هم عفوا عن العبد واعتقوه فهو حر لا سبيل لسيده عليه لانه قد صار بتسليم سيده له إليهم مملوكا لهم تجري فيه أحكامهم. وقد قال غيرنا بغير ذلك ولسنا نراه ولا نعمل به.
باب القول في أخذ ديات الجراح
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الدية الكاملة تؤخذ في
---
[ 306 ] (2/306)
ثلاث سنين في كل سنة ثلث الدية وما كان نصف دية مثل دية العين واليد أخذ في سنتين، وكذلك ثلثا الدية تؤخذ في سنتين وثلاثة أرباعها في سنتين، فإن كان ثلث دية أخذ في سنة، وكذلك ما كان أقل من ثلث الدية.
باب القول في القسامة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: القسامة تجب في القتيل يوجد في القرية أو المدينة لا يدعي أولياؤه على رجل بعينه قتل قتيلهم، فإذا كان ذلك كذلك جمع من رجال تلك القرية خمسون رجلا يختارهم أولياء المقتول، فيقسمون بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا، فإذا حلفوا كلهم خلي سبيلهم وكانت الدية على عواقل أهل تلك القرية، أو القبيلة التي وجد فيها القتيل، فإن نكل بعض الخمسين عن اليمين حبس حتى يحلف أو يقر فإن أقر أخذ المقر بجرمه، وان حلفوا كانت الدية على عواقل أهل تلك القبيلة كلهم من حلف منهم ومن لم يحلف، ومن كان غائبا من أهل تلك الدور والمنازل فلا قسامة عليه ولا دية إذا كان غائبا في وقت ما وجد القتيل فيها، والقسامة فإنما تجب على الرجال الحاضرين لوقت القتل دون النساء والصبيان والعبيد، وسواء كان في تلك القبيلة غريب أو غير غريب ساكن في دار بكراء أو ساكن فيها بشراء لا بد من الدية والقسامة عليهم إذا كانوا قد حضروا وقت القتل. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه، لو كان القتل في قرية لايتم فيها خمسون رجلا نظر إلى من فيها من الرجال وكررت عليهم اليمين حتى تتم خمسين يمينا، فإن كانوا خمسة وعشرين استحلفوا يمينين يمينين، وإن كانوا ثلاثين استحلفوا ثلاثين يمينا، واختار أولياء المقتول من الثلاثين عشرين فكررت عليهم الايمان حتى تتم خمسين يمينا، وفي القسامة ما بلغنا عن
---
[ 307 ] (2/307)
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أن رجلا أتاه فقال يا رسول الله إني وجدت أخي قتيلا في بني فلان. فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: اجمع منهم خمسين رجلا حتى يحلفوا بالله ما قتلوا ولا يعلمون قاتلا. فقال: ومالي من أخي غير هذا يا رسول الله، قال: بلى مائة من الابل). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا وجد مقتولا بين قريتين ولا يدري من أيهما قاتله قيس بين القريتين إلى القتيل وأوجبت القسامة على أقربهما إليه في المسافة فيقسم من أهلها خمسون رجلا ما قتلوا ولا يعلمون قاتلا، ثم تكون الدية لاولياء المقتول على عواقل أهل تلك القرية. قال: ولو أن رجلا مات في ازدحام من الناس في مسجد أو طريق لا يدري من قتله كانت ديته من بيت مال المسلمين قال: وبلغنا أن قتيلا وجد بين قريتين فأمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يقاس بينهما فأيهما كان أقرب لزمهم دية القتيل فقيستا فوجدت احداهما أقرب من الاخرى فضمنهم الدية وكذلك روي لنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: وروي لنا عنه أنه كان إذا أتي بقتيل في القرية حمل ديته على تلك القبيلة التي وجد فهيا وإذا وجد القتيل على باب القرية أو في ساحة القرية حمل الدية على أهل تلك القرية كلهم.
باب القول في المرأة تقتل حاملا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قتلت المرأة ولم يفصل ولدها من بطنها فلا شئ فيها غير ديتها، فإذا طرحته ميتا كانت فيه غرة على قاتلها، وإن طرحته حيا فمات بعدما طرحته كانت فيه دية مع ديتها على قاتلها.
---
[ 308 ] (2/308)
باب القول في القتل يوجد بين قوم فيبريهم أولياء المقتول ويدعونه على غيرهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن قتيلا وجد في محلة قوم فأبرأ أولئك القوم أولياء القتيل وادعوا قتله على غيرهم لبطل عن الذين أبروهم ما كان يجب عليهم من القسامة والدية وبطلت القسامة عن الذين ادعي عليهم، لان القتيل وجد في غيرهم وليس عليهم اكثر من اليمين ما قتلنا قتيلكم يحلف على ذلك من اتهم منهم، وإن لم يتهم انسان بعينه لم تجب على أحد يمين.
باب القول فيمن قلع أسنان رجل كلها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من قلع اسنان رجل كلها ففيها دية ونصف دية وعشر دية لان في الفم اثنين وثلاثين سنا تجب في كل واحد خمس من الابل فذلك مائة وستون من الابل فذلك مائة وستون من الابل لان في الفم أربع ثنايا وأربع رباعيات وأربعة أنياب وأربعة نواجذ وأربعة طواحن واثني عشر ضرسا فتلك اثنان وثلاثون سنا. قال: ولو أن رجلا قطع من رجل يدا ورجلا وأنفا لكان عليه في الانف دية كاملة، وفي اليد نصف دية، وفي الرجل نصف دية يؤخذ منه ذلك في ثلاث سنين، وهذا أحسن ما نرى في تأجيله فيها.
باب القول في الرجل يجني جنايات عدة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجل فقأ عين رجل وقطع يد آخر، وقطع رجل آخر وأنف آخر لكان الواجب أن يقتص منه لكلهم أن تقلع عينه وتقطع يده ورجله ويجدع أنفه، وكذلك أن قتل أحدا أقيد به من بعد الاقتصاص.
---
[ 309 ] (2/309)
باب القول فيما تغرم فيه العاقلة قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تعقل العاقلة ما كان من الجراح خمسا من الابل فصاعدا مثل السن والموضحة فما فوقها فاما ما كان دون الخمس من الابل فهو من مال الرجل إذا كان مؤسرا أخرجه من ماله، وإن كان معسرا طلبه وسعى فيه في البعيد والقريب من شاء أعطاه ومن شاء حرمه.
باب القول في المتطبب والخاتن والمداوي يفسد ما يعالج
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا تبرأ واجتهد ونصح فلا ضمان عليه، فان اتهم بغش استحلف إلا أن يكون غير بصير بالطلب فيقحم في مداواة فأعنت فانه يضمن كل ذلك، وروي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: من لم يعرف بالطب قبل ذلك فأعنت ضمن. وذكر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: من كان متطببا فعالج أحدا فليتبرأ مما أتى فيه على يده، ويشهد شهودا على براءته ثم ليعالج وليجتهد ولينصح وليتق الله ربه فيمن يعالجه.
باب القول في الجدار المائل يسقط على إنسان والقول فيمن يقتص منه فيموت
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا كان الجدار قد علم منه الميلان والفساد والمخافة فتركه صاحبه بعد ذلك ضمن ما تلف تحته، وان كان لا يعلم ميلانه فلا ضمان عليه. قال: ولا ضمان على من اقتص من جارحه فمات لانه لم يمت بفعله وإنما مات بحكم ربه فبجرمه
---
[ 310 ] (2/310)
أخذ، وبحكم ربه سبحانه تلف. قال: ومن ركض فرسا فر شارع للمسلمين يمرون فيه ويسلكونه فصدم أحدا بفرسه فهو ضامن لما تلف في صدمه، وإن ركضه في خلاء من الارض في غير شارع ولا ممر للخلق ولا طريق فقتل أحدا أو صدمه فلا ضمان على راكبه. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الجدار المائل، فقال: إذا تركه صاحبه بعد ما تبين له الخوف منه ضمن ما أصاب حائطه. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الرجل يقتص منه فيموت فقال: لا شئ فيه، إنما قتله حكم الله عليه، وهذا مذكور عن أمير المؤمنين عليه السلام.
باب القول فيمن قتل وله أولاد صغار والمرأة يرادوها الفاسق عن نفسها فتقتله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قتل الرجل وله أولاد صغار حبس القاتل لهم وانتظر به كبرهم، فإن كبروا سلم إليهم فإن عفوا جاز عفوهم وإن قتلوا كان ذلك لهم، وأن عفى عنه بعضهم زال عنه القتل وكانت عليه الدية. قال: وأيما فاسق أو عاهر مارق رواد امرأة على نفسها فلم تجد إلى دفعه سبيلا إلا بقتله فقتلته دفعا له عما أراد منها فلا قود ولا دية فيه عليها لانه أراد منها ما حرم الله وما أمرها بالامتناع منه فيه والترك للمصير إليه فلم يندفع لها إلا بقتله. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الرجل يقتل وله أولاد صغار فقال: ينتظر بقاتله عفو ولده واستقادتهم عند كبرهم. وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل في الرجل يراود المرأة على نفسها
---
[ 311 ] (2/311)
فتقتله فقال: إذا صح ذلك فلا قود ولا دية عليها، إذا كانت إنما قتلته امتناعا مما أراد بها، ومدافعة له عن نفسها.
باب القول في القسامة، وعقر الكلب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: القسامة تجب على المدعى عليهم، والبينة تجب على المدعين فإذا لم تكن بينة استحلف من المدعى عليهم خمسون رجلا، لا ما يقول به أهل المدينة من أن اليمين تجب على المدعي، وكيف يستحق المدعي بدعواه بغير بينة دما وهو لا يستحق على المسلم بغير بينة درهما فهذا مالا يصح في الحق ولا يقول به عاقل من الخلق قال: وأما الكلب فإن كان أهله قد أعلموا بعقره وكان العقر معروفا به من فعله ثم تركه أهله من بعد معرفتهم به كانوا ضامنين لما أصاب من جراحته، وإن لم يكونوا علموا بذلك من كلبهم لم يلزمهم ما أحدث كلبهم الا أن يكونوا خرجوا به وجعلوه في شارع من شوارع المسلمين، أو طريق مسلوك من طرقهم فيكونون ضامنين لما أحدث عليهم، ويكون سبيله في ذلك سبيل العجماء. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن القسامة كيف هي وكيف يستحلفون؟ فقال: القسامة في الدم على المدعى عليهم فان أقسموا برأواا أنفسهم مما ادعى من الدم قبلهم ولا يقتل أحد بالقسامة كما تقول أهل المدينة، وهذا فلا اختلاف فيه عند آل رسول الله عليه وعلى آله وسلم ولا يستحق المدعي بالقسم درهما فكيف يستحق به دما ويستحلف المدعى عليهم خمسين يمينا بالله ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلا. وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الكلب يعقر على من عقره؟
---
[ 312 ] (2/312)
فقال: إن كان الكلب عقارا كان عقل فعله على مالكه، وان لم يكن عقارا فليس عليه شئ مما أصاب.
باب القول في فنون الديات
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا قطع زائدة اصبعا سادسة في كف رجل أو رجله كان عليه في ذلك حكم يحكم به وليس عليه في ذلك دية معروفة، وكذلك لو قلع سنا زائدة كان عليها فيها حكومة. وقال في القصاص: إنه يقتص من الجارح على قدر ما جرح في طول الجرح وعرضه. وقال فيمن استعان صبيا حرا أو مملوكا بغير اذن أوليائه فعنت إنه ضامن لقيمته ان كان مملوكا أو ديته ان كان حرا.
باب القول فيمن يرث من الدية
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الدية كالميراث يرث منها كل من يرث من مال الميت وحكمها كحكمه، ومن ورث من المال ورث من الدية، وكذلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أنه قضى بأن الدية من الميراث والعقل من العصبة. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن ذميا كان له ولد مسلم فمات المسلم وترك ورثة مسلمين ثم أسلم والده بعد موت ولده رضخ له في الميراث ولم يكن له فريضة مسماة، لان الميراث قد وجب لاهله ساعة مات الميت فسواء عليهم إذا وجب لهم قسموه من يومه أو تركوه عشر سنين هو لمن وجل له عند موت الميت لا يشاركهم فيه من لا يجب له. وكذلك روي لنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قضى في رجل مات وله أم نصرانية فأسلمت من بعد موته من
---
[ 313 ] (2/313)
قبل أن يقسم الميراث فقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: لا حق لها في الميراث ولكن ارضخوا لها من مال ولدها فرضخوا لها من ماله ولم يقسم لها من ميراثه.
باب القول فيمن عض يد إنسان فانتزع المعضوض يده من فيه فجاء معها من فيه سن أو أسنان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من عض أخاه المسلم ظالما له متعديا فانتزع يده من فيه فقلع من أسنانه سنا فلا دية له فيها ولا قود له بها، وكذلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أنه قضى بذلك فيها، وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
باب القول فيمن وسم عبده بالنار
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا أن امير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام اعتق على رجل عبدا له وسمه في وجهه. قال يحيى بن الحسين رضى الله عنه: وهذا الواجب عندي مع عقوبة تمسه في بدنه لان لا يمثل احد بأحد ولكن إمام من ائمة المسلمين نظر في أمور رعيته بما يوفقه الله ويسدده * (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) * والمحسن من جميع الامة معان كما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين يقول (كل محسن معان) وإذا كان ذلك للمحسنين فأمامهم المحسن في ذلك أكثر.
---
[ 314 ] (2/314)
باب القول فيمن فعل فعلا فتلف فيه تالف من غير تعمد من الفاعل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا رش باب داره، وباب داره في شارع من شوارع المسلمين فأجاز بذلك الرش رجل فزلق فيه فاندقت يده أو رجله، لكان على الراش في شارع المسلمين عقله. وكذلك لو أن رجلا رمى في دار رجل بحجر فنفذ الحجر إلى دار آخر لم يردها الرامي فأحدث ذلك الحجر حدثا كان عقل ذلك الحدث على الرامي. وكذلك لو رمى بسهم طائرا على جدار فمضي السهم فوقع من وراء ذلك على إنسان فعقره أو قتله كان الرامي ضامنا ما أحدث من رميته. وكذلك لو دفع رجل رجلا على ثوب فانخرق ذلك الثوب كان الضمان على الدافع وكان المدفوع بمنزلة الحجر إلا أن يكون من المدفوع في ذلك فعل أو جناية. قال: ولو أن رجلا استحفر رجلا بئرا في حوز يملكه فحفر له ذلك فعنت فيه رجل لم يكن على صاحب البئر ولا على الحافر لها من ذلك معرة، لانه انما استحفر في ملكه وحيث لا ممر لغيره ولا مسلك لاحد من المسلمين فيه، فإن استحفر في شئ من طرق المسلمين ومسالكهم فعنت فيما استحفر عانت فمعرة ذلك على الحافر إذا علم دون المستحفر، ان كان حرا كان ذلك على عاقلته، وان كان مملوكا كانت جنايته في رقبته وإن كان سيد المملوك إذن للمملوك يؤاجر نفسه في الحفر وغيره فجناية العبد في رقبته ولا تلحق لمولاه على الذي أمره بالحفر شئ وان كان المملوك لم يؤذن له في أن يؤاجر نفسه فاستأجره المستحفر بغير إذن سيده أو استعانه فحفر تلك الحفرة في شارع المسلمين فعنت فيه عانت كان معرة ذلك العنت في
---
[ 315 ] (2/315)
رقبة العبد يسلمه مولاه بها ويطالب مولى العبد الذي أمره بالحفر بقيمة عبده لانه استحفره بغير اذنه. قال: ولو أن رجلا أعار رجلا جدارا فبنى عليه المستعير ووضع عليه خشب بنائه ثم طلبه منه وسأله تفريغه كان الحكم في ذلك أن يسأل المستعير المعير، فإن كان أعاره الجدار إلى وقت مسمى وأجل معلوم وكان استعاره ليبني عليه إلى ذلك الاجل فبني ثم حل ذلك الاجل فطالبه صاحبه به وسأله رد عاريته كان ذلك له وحكم على الباني بنقض بنائه إذ قد جاز اجله ووقع شرطه، وان كان استعاره منه ليبني عليه ولم يسم وقتا فأعاره اياه صاحبه على ذلك، ولم يضرب له أجلا فبنى عليه المستعير، ثم طالبه صاحب الجدار، فإن الحكم في ذلك أن يقضى لصاحب الجدار بجداره، ويقضى على صاحب الجدار للمستعير بما أنفق في بنائه، ويكون البناء لصاحب الجدار بما غرم فيه. قال: وكذلك الحكم فيمن أعار أرضا إلى أجل، أو إلى غى أجل فبنى المستعير فيها وأحدث أحداثا أو غرم فيها غرما.
باب القول في السفينتين يتصادمان في البحر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا تصادمتا بجواحيهما (25) أو بجوانبهما أو بصدورهما ضمن أصحاب كل واحدة ما تلف في الاخرى، وان كانت احداهما الصادمة للاخرى أو أن تسوقها الريح ولم تقبل الاخرى نحوها ولم تسقها الريح إليها حتى صدمتها في جنبها أو بعضها ضمنت الصادمة ما تلف في المصدومة. * تم باب الديات بمن الله وتوفيقه *
---
ص 315..
(25) في نسخة بخارجيها.
---
[ 317 ] (2/317)
كتاب الفرائض
---
[ 318 ] (2/318)
بسم الله الرحمن الرحيم مبتدأ أبواب الفرائض قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: في كتاب الله عزوجل سبع عشرة فريضة منهن ثلاث عشرة فريضة مسميات، وأربع غير مسميات، أما الفرائض المسميات فمنها فريضة الابنة النصف وذلك قوله الله سبحانه وتعالى: * (وان كانت واحدة فلها النصف) * (1) وفريضة البنتين الثلثان وذلك قول الله سبحانه: * (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) * (2) وفريضة الوالدين السدسان وذلك قوله تعالى: * (ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) * (3) وفريضة الام الثلث وذلك قول الله سبحانه: * (وورثه أبواه فلامه الثلث) * (4) وفريضة الاخت النصف وذلك قوله تعالى: * (إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) * (5) وفريضة الاختين الثلثان وذلك قوله تعالى: * (فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك) * (6) وفريضة الاخ أو الاخت من الام له السدس وذلك قوله تعالى: * (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء
---
ص 318..
(1) النساء 11. \ \ \ (4) النساء 11.
(2) النساء 11. \ \ \ (5) النساء 176.
(3) النساء 11. \ \ \ (6) النساء 176.
---
[ 319 ] (2/319)
في الثلث) * (7) وفريضة الزوج مع الولد الربع، وفريضته إذا لم يكن ولد النصف وذلك قوله تعالى: * (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد، فإن كان لهن ولد فلكم الربع) * (8) وفريضة الزوجة الربع إذا لم يكن ولد، ولثمن مع الولد، وذلك قوله تعالى: * (ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد، فإن كان لكم ولد فلهن الثمن) * (9) فهذه الفرائض المسميات في القرآن وهي ثلاث عشرة فريضة. وأما الاربع اللواتي هن غير مسميات، وهن في الكتاب ففريضة الاولاد وذلك قوله تعالى: * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثنيين) * (10) وفريضة الاب إذا لم يكن ولد وذلك قوله تعالى: * (وورثة أبواه فلامة الثلث) * (11 أ) فلم يسم في هذا الموضع وميراث الاب وميراث الاخ من أخته وذلك قوله: * (وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) * (12) وفريضة الاخوة والاخوات وذلك قوله تعالى: * (وإن كانوا اخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثنيين) * (13).
---
ص 319..
(7) النساء 12.
(8) النساء 12.
(9) النساء 12.
(10) النساء 11.
(11) النساء 1 1.
(12) النساء 176.
(13) النساء 176.
---
[ 320 ] (2/320)
باب القول في فرائض السنة وما أجمع عليه منها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: فرائض السنة سبع فرائض ليست في القرآن، ولكن جاءت السنة بها، وهي ما أجمع عليه: فريضة بنت الابن الصنف إذا لم يكن ولد، وفريضة بنات الابن الثلثان إذا لم يكن ولد، وفريضة بنت الابن مع الابنة للصلب السدس وهي من الفرائض التي رووها عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قضى فيها بذلك، وفريضة بنات الابن مع الابنة للصلب السدس، تكملة الثلثين، وذلك مما أجمعوا عليه وفريضة الاخت لاب النصف، وفريضة الاخوات لان الثلثان، وفريضة الاخوات لاب مع الاخت لاب وأم السدس تكملة الثلثين لا ينظر في ذلك إلى عددهن، واحدة كانت أم أكثر وفريضة الجد مع الولد السدس، لا اختلاف فيه عندنا، وفريضة الام مع الزوج والاب الثلث، وفريضة الام أيضا مع المرأة والاب ثلث ما بقي من بعد النصف للزوج والربع للمرأة.
باب القول فيمن فرض له من الرجال ومن يرث من العصبة وغيرهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الذين فرض الله لهم من الرجال أربعة: فرض للاب السدس مع الولد، وذلك قوله: * (ولابويه لكل واحد منهما السدس) * (14) وفرض للزوج النصف إذا لم يكن معه ولد، والربع مع الولد، وفرض للاخ من الام السدس إذا كان وحده، وإذا كان معه أخوة أو أخوات فهم شركاء في الثلث، وفرض للاخ من أخته فريضة لم يسمها فقال: * (وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) * (15) وأما الوارث
---
ص 320..
(14) النساء 11.
(15) النساء 176.
---
[ 321 ] (2/321)
من الرجال فهم خمسة عشر رجلا منهم ثلاثة عشر عصبة، واثنان ليسا بعصبة، فأما العصبة فالابن، وابن الابن، وإن سفل والاب، والجد، والاخ لاب وأم، والاخ لاب، وابن العم لاب وأم، وابن العم لاب، وولي النعمة وهو المعتق فهؤلاء العصبة وهم ثلاثة عشر رجلا. وأما الرجلان اللذان يرثان وليسا بعصبة فالاخ لام، والزوج.
باب القول فيمن فرض له من النساء، وكم يرث منهن
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: اللواتي فرض الله لهن من النساء سبع نسوة ولم يفرض لغيرهن فرض للابنة النصف، والبنات الثلثين، وللام السدس، إذا كان ولد أو اخوة أو أخوات، وللاخت النصف، وللاختين الثلثين، وللاخت من الام السدس، وللمرأة مع الولد الثمن وإذا لم يكن ولد فالربع. ويرث من اسناء تسع نسوة ثلاث منهن يرثن في كل حال وست يسقطن في بعض الحالات، لاما الثلاث اللواتي يرثن في كل حال فهن البنت، والام والزوجة. وأما الست اللواتي يسقطن في بعض الحالات: فالجدة، والاخت لاب وأم والاخت لاب، وبنت الابن، والاخت للام والمولاة. باب تسمية من لا يرث من الرجال والنساء قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أما الذين لا يرثون من الرجال فهم عشرة: ابن الابنة وابن الاخت، وابن الاخ لام، والعم لام وابن العم لام وابن العمة، وابن الخالة، والخال وابن الخال، والجد أب الام. ولا يرث من النساء عشر: بنت الابنة، وبنت الاخت وبنت الاخ،
---
[ 322 ] (2/322)
وبنت العم، وابنة الخال، والعمة، وبنت العمة، والخالة، وبنت الخالة والجدة أم أب الام. باب تسمية فرائض الصلب وما جاء من الترغيب في تعليم الفرائض قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (تعلموا القرآن وعلموه الناس، وتعلموا الفرائض وعلمواها الناس فإني امرؤ مقبوض، وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بغلنا عن بعض الرواة أنه قال: من تعلم القرآن فليتعلم الفرائض ولا تكن كرجل لقيه اعرابي فقال له يا مهاجر تقرأ القرآن؟ فقال له: نعم، فقال له: فإن إنسانا من أهلي مات وقص عليه فريضته، فإن حدثه فهو علم علمه الله وزيادة زاده الله وإن لم يحسن، قال: فبماذا تفضلونا يا معشر المهاجرين.
باب القول في فرائض الابوين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: اعلم وفقك الله أن الاب يرث جميع ما ترك الولد إذا لم يكن للميت ولد ولا ولد ولد وإن سفل، ولا زوج ولا زوجة، ولا جدة أم الام، ولا أم، فإن كان غير هؤلاء الستة فإن الاب يحجبه، ولا يرث مع الاب الاخوة، ولا الاخوات، ولاجد ولا جدات ولا أحد من العصبة ولا القرابات، فإن مات رجل وترك أبا وابنا فللاب السدس وما بقي فللابن، وإن ترك أبا وابنين وابنتين فللاب السدس وما بقي فللذكر مثل حظ الانثيين، فإن ترك أبا وأخوة أو أخوات فالمال
---
[ 323 ] (2/323)
للاب. وكذلك إن ترك ولد ولد فهو كالولد، الذكر كالذكر في كل شئ، والانثى كالانثى، ويحجبون الاب إذا كانوا ذكورا إلا من السدس الذي فرض الله له، فإن كان للميت ابنة فلما النصف، وما بقي فللاب من بعد سدسه، وإن ترك أبا وابنتين فللابنتين الثلثان والسدس للاب وما بقي فرد على الاب.
باب القول فيمن تحجبه الام ومن يحجبها عن الثلث
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تحجب الام الجدات وحدهن ويحجبها عن الثلث أربعة الولد، وولد الولد، والاخوة والاخوات، إذا مات رجل وترك أبويه فلامه الثلث، وما بقي فللاب، فإن ترك أبويه وابنته، فللبنت الصنف، وللام السدس، وللاب السدس وما بقي فرد على الاب، وولد الولد يحجب الام عن الثلث كما قال الله تعالى: * (ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) * (16 والاخوان والاختان فصاعدا لاب وأم، أو لاب، أو لام، يحجبون الام عن الثلث كما قال الله عزوجل: * (فإن كان له أخوة فلامه السدس) * (17) فإن ترك ابن ابن وأبوين، فللابوين السدسان وما بقي فلابن الابن، فان ترك أبويه وابنة ابن فلبنت الابن النصف، وللابوين السدسان، وما بقي فرد على الاب، فان ترك ابنتي ابن وأبويه، فلا بنتئ الابن الثلثان، وللابوين السدسان، فان ترك أبوين وابنه وابنته، فللابوين السدسان، وما بقي فللذكر مثل حظ الانثيين. والام فليس تحجب أحدا إلا الجدات. فان ترك ابنته وأمه وجدتين فللبنت النصف، وللام السدس وما بقي
---
ص 323..
(16) النساء 11.
(17) النساء 11.
---
[ 324 ] (2/324)
فللعصبة، وتسقط الجدتان أم الام وأم الاب حجبتهما الام عن سدسهما، فإن ترك جدا وأما فللام الثلث، وما بقي فللجد.
باب القول في مواريث الولد ومن يرث معهم ومن لا يرث ومن يحجب العصبة من الولد ومن لا يحجبهم من الولد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن هلك رجل وترك ابنه فالمال للابن، فان ترك ابنته فلها النصف وما بقي فللعصبة، فإن ترك ابنتين فلهما الثلثان وما بقي فللعصبة، فان ترك بنين وبنات فالمال بينهم للذكر مثل حظ الانثيين. فإن ترك ابنته وأخاه لابيه وأمه فللبنت النصف وما بقي فللاخ لاب وأم، فإن ترك بنتين وثلاثة أخوة متفرقين فللبنتين الثلثان وما بقي فللاخ لاب وأم، ويسقط الاخ من الام لان الولد يحجب ولد الام، نساء كانوا أو رجالا، ويسقط الاخ من الاب وهو عصبة لان الاخ من الاب والام عصبة أقرب منه. فإن ترك بنات وأخا لام، وأخا لاب، فللبنات الثلثات، وما بقي فللاخ لاب. فإن ترك ابنتين وست أخوات متفرقات فللابتين الثلثان، وما بقي فللعصبة وهما الاختان لاب وأم. فان ترك ابنتين وأما وأخا لاب وأم فللابنتين الثلثان، وللام السدس، وما بقي فللاخ لاب وأم، فإن ترك ابنا وأخوة لاب وأم، أو أخوة لاب أو لام أو أخوات فالمال للابن ويسقط الاخوة، لان الذكر من الولد يحجب الاخوة والاخوات، فإن ترك ابنين وأما وستة أخوة فللام السدس
---
[ 325 ] (2/325)
وما بقي فللابنين، فإن ترك ابنين وابنتين وأبوين وجدا فللابوين السدسان، وما بقي فللولد للذكر مثل حظ الانثيين. وحجب الاب الجد. فإن ترك اما وجدا وابنا فللجد السدس وللام السدس وما بقي فهو للابن والبنت بينهما للذكر مثل حظ الانثيين، فإن ترك ابنة وجدين أب الاب وأب الام فللبنت النصف وما بقي فللجد أب الاب، ويسقط الجد أب الام لانه ليس من العصبة ولا من ذوى السهام وهو من العشرة الذين لا يرثون. فإن مات وترك ابنته واربع جدات ام الام، وأم الاب وأم أب الاب، وأم أب الام فللبنت النصف وللجدتين السدس أم الام وأم الاب، ولا شئ لام أب الام لانها من العشر اللواتي لايرثن شيئا، وأما أم أب الاب، فإن أم الاب أقرب منها فلا شئ لها هي.
باب القول في الاخوة، والاخوات لاب وأم ومن يحجبون، ومن يحجبهم، والجد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يحجب ولد الاب والام أربعة: الابن وابن الابن وإن سفل، والاب، والجد في قول من جعل الجد في منزلة الاب وليس ذلك بشئ عندنا والجد فقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: إنه لا يحجب الجد إلا ولد الام ويحجب ولد الاب والام إذا كن اناثا واستكملن الثلثين ولد الاب، إلا أن يكون مع ولد الاب ذكر فيكون له ما بقي، ولمن معه من أخواته وأخوته، فإن كان ولدا لاب والام ذكرا، أو ذكورا حجبوا ولد الاب ذكورا وإناثا، وليس يحجبون من كانت له فريضة في الكتاب أو في السنة.
---
[ 326 ] (2/326)
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: إن مات رجل وترك أخوين لاب وأم، وأخوين لاب فالمال للاخوين لاب وأم، وإن ترك اما وأخا لاب وأم وأخا لاب فللام السدس وما بقي فللاخ لاب وأم، فإن ترك أخوين لام، وأخوين لاب وأم وأما فللام السدس وللاخوين لام الثلث، وما بقي فللاخوين، لاب وأم، ولا يحجب ولد الام ولد الاب والام لانهم من ذوي السهام. فإن ترك أربع جدات، وأخوين لام وأخا لاب وأم فإن للجدتين اللتين شرحت لك السدس بينهما، وللاخوين لام الثلث، وما بقي فللاخ لاب وأم. فإن ترك اختين لاب وأم وأختين لاب، فللاختين لاب وأم الثلثان وما بقي فللعصبة، ويسقط ولد الاب لانهما انما يرثان إذا لم يستكمل ولد الاب والام الثلثين (18) فلما أن استكملن الثلثين سقطتا، فإن كان مع ولد الاب ذكر فالمسألة على حالها فالثلثان للاختين لاب وأم، وما بقي فللاخ لاب وأختيه للذكر مثل حظ الانثيين. فإن ترك أختا لاب وأم وأختين لاب فللاخت لاب وأم النصف، وللاختين لاب السدس بينهما تكملة الثلثين، وما بقي فللعصبة. فإن ترك ست أخوات متفرقات فللاختين لام الثلث وللاختين للاب والام الثلثان. فإن ترك أما، وأختا لام، وأختين لاب وأم، وأختين لاب فللام السدس واللاختين لاب وأم الثلثان، وللاخت لام السدس. فإن ترك أما وأختا لام، وأختا لاب وأم، وأختين لاب، فللام السدس، وللاخت لاب وأم النصف، وللاختين لاب السدس تكملة
---
ص 326..
(18) في نسخة فكما إن استكملا الثلثان. الخ.
---
[ 327 ] (2/327)
الثلثين، وللاخت للام السدس، وإن امرأة هلكت وتركت ستة أخوة متفرقين وزوجا وأما، فللزوج النصف، وللام السدس وللاخوين لام الثلث، ويسقط الاخوان لاب وأم، والاخوان لاب في قول علي بن أبي طالب عليه السلام وحجته في ذلك أنه قال لم أجد للاخوين لاب وأم فريضة في الكتاب، ووجدت للاخوين للام فريضة، فذو الفريضة، أحق ممن لافرض له في كتاب الله سبحانه، ويقول أيضا كما لا أزيد ولد الام أبدا على ثلثهم لا أنفصهم منه أبدا. فإن تركت ثلاثة أخوة متفرقين، فللاخ لام السدس وما بقي فللاخ لاب وأم، ويسقط الاخ لاب. فإن تركت ثلاث أخوات متفرقات مع كل واحدة أخوها فللاخت لام وأخيها الثلث، وما بقي فللاخ والاخت لاب وأم، ويسقط الاخ والاخت لاب. فإن تركت ثلاث أخوات متفرقات، وأما، فللاخت لاب وأم النصف، وللاخت لاب السدس تكملة الثلثين، وللام السدس، وللاخت لام السدس.
باب القول في تفسير ميراث الاخوة والاخوات من الاب ومع من يرثون ومن يحجبهم عن الميراث
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يحجبهم خمسة: الابن، وابن الابن، وإن سفل، والاب، والاخ لاب وأم، وقد قيل أيضا الجد يحجبهم في قول من جعل الجد كالاب، وليس ذلك عندي بشئ، والقول فيه قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لا يحجب الجد أحدا إلا ولد الام.
---
[ 328 ] (2/328)
إن هلك رجل وترك أخاه لابيه فالمال له، فإن ترك أختين لاب فلهما الثلثان وما بقي فللعصبة وإن كانت واحدة فلها النصف وما بقي فللعصبة. فإن هلك رجل وترك أخوة وأخوات لاب فالمال بينهم للذكر مثل حظ الانثيين، فإن ترك أختين لام وأختا لاب وترك أمه فللام السدس، ولاختيه لامه الثلث، ولاختة لابيه النصف. فإن ترك أمه وأختيه لامه وأخا وأختا لاب، فإن للام السدس وللاختين لام الثلث، وما بقي فبين الاخ والاخت لاب للذكر مثل حظ الانثيين. فإن ترك أخوين وأختين لام، وأخوين واختين لاب فللاخوين والاختين لام الثلث، وما بقي فللاخوين والاختين لاب، فإن ترك جدتين وأخوين لاب، وأخوين لام فللجدتين السدس، وللاخوين لام الثلث وما بقي فللاخوين لاب فإن ترك ابنتين واخوين لاب فللابنتين الثلثان وما بقي فللاخوين لاب. فإن ترك أختين لام واختين لاب فللاختين لاب الثلثان وللاختين لام الثلث. فإن ترك ثلاث أخوات متفرقات فللاخت لام السدس وللاخت للاب والام النصف وللاخت للاب السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللعصبة. فإن ترك أختا لام وثلاثة أخوة لاب معهم أختهم فللاخت من الام السدس، وما بقي فللاخوة للاب للذكر مثل حظ الانثيين. فإن ترك زوجة وأخوة وأخوات لاب فللزوجة الربع وما بقي فبين ولد الاب اللذكر مثل حظ الانثيين.
---
[ 329 ] (2/329)
وإن امرأة هلكت وتركت زوجها وأخاها وأختها لابيها، فللزوج النصف وما بقي فللاخ والاخت للذكر مثل حظ الانثيين.
باب القول في تفسير ميراث ولد الام وكم يحجبهم عن الميراث، وكم ميراثهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يحجب ولد الام عن الميراث أربعة: الولد، وولد الابن، وإن سفل، والاب، والجد، لا اختلاف عندهم كلهم في أن الجد يحجب ولد الام. إن هلك رجل وترك أخاه لامه فله السدس وما بقي فللعصبة، وإن ترك أخوين لام فلهما الثلث، وما بقي فللعصبة، فإن ترك أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث كما قال الله سبحانه وتعالى عن كل شأن شأنه: * (فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) * (19) فإن ترك أختا لام فلها السدس، فإن ترك أختين فلهما الثلث، وما بقي فللعصبة. فإن ترك أمه زوجته وأخوين واختين لام، وخمسة أخوة لاب وأم، فللزوجة الربع وللام السدس وللاخوين والاختين لام الثلث وما بقي فللاخوة لاب وأم. فإن ترك أختين لاب وأختين لام فللاختين لام الثلث وللاختين لاب الثلثان. فإن ترك ست أخوات متفرقات فللاختين لام الثلث وللاختين لاب الثلثان، وتسقط الاختان لاب لما أن استكمل ولد الاب والام الثلثين. فإن ترك زوجة وأخوين لاب وأم وأخوين لام وأخوين لاب فللاخوين للام الثلث، وللزوجة الربع، وما بقي فللاخوين لاب وأم.
---
ص 329..
(19) النساء 12.
---
[ 330 ] (2/330)
فإن ترك أمه وستة أخوة لاب وثلاثة أخوة وثلاث أخوات لام فللاخوة والاخوات لام الثلث، وللام السدس، وما بقي فللاخوة لاب، وإن هلكت امرأة وتركت زوجها وثلاثة أخوة لامها. وأربع جدات مستويات، فللاخوة للام الثلث، وللزوج النصف وللجدات السدس بينهن، وإن هلكت امرأة وتركت أمها وأربع جدات وثلاثة أخوة وأختا لاب فللام السدس، وما بقي فبين الاخوة والاخت لاب، ويسقطن الجدات لا يرثن مع أم أبدا. وإن هلكت امرأة وترك أمها وبنتها زوجها، وأخوين، وثلاث أخوات لاب وأم، وأختا لاب، فللبنت النصف، والزوج الربع، وللام السدس وما بقي فللاخوين والاخوات لاب وأم.
باب القول في جميع الاخوة والاخوات وولد الاخوة، وتفسير مواريثهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن هلك رجل وترك أخاه لابيه وأمه، وأخاه لابيه وأخاه لامه فللاخيه لامه السدس، وما بقي فلاخيه لابيه وأمه، ويسقط الاخ لاب، لان الاخ لاب وأم أقرب منه. فإن ترك أخاه لابيه وأمه وأخاه لابيه، فالمال لاخيه لابيه وأمه دون أخيه لابيه لانه أقرب منه. فإن ترك أخاه لابيه وأمه وأخاه لامه، فللاخ لام السدس، وما بقي فللاخ لاب وأم. فإن ترك ستة أخوة متفرقين فلاخويه لامه الثلث، وما بقي فللاخوين لاب وأم. فإن ترك أخوين لام وأخوين لاب، فللاخوين لام الثلث، وما بقي فللاخوين لاب.
---
[ 331 ] (2/331)
فإن ترك ست أخوات متفرقات فللاخنيت للام الثلث، وللاختين لاب وأم الثثان، وتسقط الاختان لاب. فإن ترك أختا لاب وأم، وأختا لام، وثلاث أخوات لاب، فللاخت لام السدس، وللاخت لاب وأم النصف، وللاخوات لاب السدس بينهن، وما بقي فللعصبة. فإن ترك أختا لام، معها أخوها وأختا لاب وأم، وأختا لاب معها أخوها، فللاخت والاخ لام الثلث، وللاخت للاب والام النصف، وما بقي فللاخ والاخت لاب للذكر مثل حظ الانثيين. فان ترك ثلاث أخوات متفرقات مع الاخت لاب أخوها، فللاخت للام السدس، وللاخت لاب وأم النصف، وما بقي فللاخت والاخ لاب بينهما للذكر مثل حظ الاثنين. فإن ترك ثلاث أخوات متفرقات مع كل واحدة ابن أخيها، فللاخت لام السدس، وللاخت للاب والام النصف، وللاخت للاب السدس، وما بقي فرد على ابن أخي الاخت لاب وأم. فإن ترك مع الاخت لاب ابن أخيه، وليس مع الاخت لاب وأم ابن أخيها، فما بقي من الفريضة فله، فإن ترك ثلاث أخوات متفرقات، ومع الاخت لام ابن أخيها فللاخت لام السدس، وللاخت لاب وأم النصف، وللاخت لاب السدس وما بقي فللعصبة ويسقط ابن أخ الاخت لام لانه من العشرة الذين لا يرثون شيئا مع ذوي سهم أو عصبة. فإن ترك ثلاث أخوات متفرقات مع كل واحدة أخوها، فللاخت والاخ لام الثلث، وما بقي فللاخ والاخت لاب وأم للذكر مثل حظ الانثيين، ويسقط الاخ والاخت لاب.
---
[ 332 ] (2/332)
فإن ترك ابن أخ لاب وأم وأخا لاب، فالمال للاخ لاب، لان الاخ لاب أقرب من ابن الاخ لاب وأم. فإن ترك ابن أخ لاب وأم وابن أخ لاب فالمال لابن الاخ لاب وأم دون ابن الاخ لاب لانه أقرب منه. وإن ترك ثلاثة بني أخوة متفرقين ابن الاخ لاب وأم، وابن الاخ لاب، وابن الاخ لام، فامال لابن الاخ لاب وأم. فإن ترك ثلاثة بني أخ لام، وثلاثة بني أخ لاب، فالمال لبني الاخ لاب، ولا شئ لبني الاخ للام، لان بني الاخ لام لا يرثون شيئا. فإن ترك ثلاثة بني أخوة متفرقين مع كل ابن أخ ثلاث أخوات له، فالمال لابن الاخ لاب وأم، وأما بنات الاخ اللواتي هن بنات الاخ للاب والام، فلا شئ لهن من المال، والمال لاخيهن دونهن، ويسقط ولد الاب وولد الام. فإن ترك ابني أخ ومعهما أختان لهما لاب وأم فإن المال للرجال دون أخواتهم. فإن ترك ابن أخ لاب ومعه أخته فإن المال للرجل، وتسقط الاخت أخت الغلام، فإن ترك ابن أخ لام ومعه أخته، فإن المال للعصبة ولا شئ لهما يسقطان جميعا فإن ترك ثلاثة بني أخ لاب وأم وأختهم، فالمال للذكور دون الاناث. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: فإن ترك ثلاثة أخوة متفرقين وخمس جدات مستويات، وأربع زوجات، فللاخ لام السدس، وللزوجات الربع، والجدات السدس بينهن، وما بقي فللاخ لاب وأم ويسقط الاخ لاب.
---
[ 333 ] (2/333)
فإن ترك ثلاثة أخوة متفرقين، وأما وزوجة فللام السدس، والزوجة الربع وللاخ لام السدس، وما بقي فللاخ لاب وأم. فإن ترك ثلاث أخوات متفرقات مع كل واحدة منهن ثلاث أخوات لها متفرقات فللاخت لام وأختيها من أمها مع أخت الاخت لاب وأم من أمها الثلث بينهن فصرن الاخوات للام أربعا، ولا شئ لاختها لابيها معهن وللاخت للاب والام وأختها لابيها وأمها الثلثان، وتسقط أختها لابيها، ويسقط ولد الاب كلهن، لان الاخوات لاب وأم إذا استكملن الثلثين لم يكن لولد الاب شئ إذا لم يكن معهن ذكر. فإن كان معهن ذكر وبقي شئ فهو بينهم، للذكر مثل حظ الانثيين. فإن ترك ثلاث أخوات متفرقات مع كل واحدة ابن أخيها مع كل ابن أخ ثلاث عمات له متفرقات فللاخت لاب وأم وعمة ابن أخيها لاب وأم وهي أختها لابيها وأمها الثلثان، والثلث الباقي بين الاربع الاخوات لام. فإن ترك أخا وأختا لاب وأم، فللاخت لاب وأم النصف وللاخت وأخيها للاب ما بقي للذكر مثل حظ الانثيين. فإن ترك أخا وأختا لاب وأم وأخوين لاب وأما فللام السدس، وما بقي فللاخ والاخت لاب وأم، ولا شئ للاخوين لاب. فإن ترك أختا لاب وأم، وأخت لام وخمس أخوات لاب، فللاخت لاب وأم النصف، وللاخت لام السدس، وللاخوات لاب السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللعصبة، فإن كان معهن أخوهن فما بقي فهو له ولهن للذكر مثل حظ الانثيين.
---
[ 334 ] (2/334)
باب القول في التشريك بين الاخوة لاب وأم والاخوة لام في الثلث ومن لم يشرك بينهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ان امرأة هلكت وتركت امها وزوجها وستة أخوة متفرقين فللام السدس وللزوج النصف، وللاخوين لام الثلث، ويسقط الاخوة لاب وأم، والاخوة لاب في قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وهذا مما أجمع عليه عن علي بن أبي طالب عليه السلام ويحتج فيقول كما لا أزيدهم لا أنقصهم عن الثلث الذي لهم في القرآن. ألا ترى أنهم لو كانوإا مائة لم يزدادوا على الثلث فكيف ينتقصون منه، فيشرك معهم ولد الاب والام في ثلثهم، وليس للاخوة لاب وأم فريضة في الكتاب إنما هم كالغانم يأخذ مرة ومرة لا يأخذ، فإن فضل عن ذوي السهام شئ أخذه، والا فلا شئ لهم كما لم يجعل الله لم، واختلفوا في ذلك عن عبد الله وزيد، فروى بعضهم عنهما أنهما أشركا بين الاخوة لاب وأم، وبين الاخوة لام في الثلث، وقالا لم يزدهم الاب الا قربا. وروى آخرون عنهما أنهما لم يشركا واحتجا في ذلك بأن قالا تكاملت السهام المسماة في القرآن، وذلك قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وهذه المسألة يقال لها المشركة. وبلغنا عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان لا يشرك أصلا. وروي عن حكيم بن جابر أنه قال: توفيت منا امرأة، وتركت زوجها، وأمها، وأخويها لابيها وأمها وأخويها لامها فأتى في ذلك علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: لامها السدس، ولزوجها النصف، ولاخويها
---
[ 335 ] (2/335)
من أمها الثلث تكاملت السهام والاخوة للاب والام كالغانم مرة يأخذ ومرة لا يأخذ. واحتج الذين لم يشركوا على الذين شركوا بمسألة سألوهم عنها في هذا الباب، وهي ان امرأة هلكت وتركت زوجها وأمها وأخاها لامها، وأربعة أخوة لاب وأم، فقالوا جميعا في هذه المسألة أن للزوج النصف، وللام السدس، وللاخ للام السدس، وما بقي فللاخوة لاب وأم، فقالوا لهم فحظ الاخوة لام أوفر من حظ الاخوة لاب وأم، ولا نرى النقصان دخل عليهم الا من قبل الاب إذ صار الاخ لام وحده بمنزلتهم جميعا، ولو بلغوا اكثر ما يكون الاخوة لاب وأم، ولولا الاب لكانوا هم والاخوة لام في الميراث شرعا واحدا، واحتجوا عليهم أيضا بأن الاخوة لام انما ورثوا في هذه المسألة بفريضة لهم مسماة في القرآن ينطق بها الكتاب وذلك قول الله سبحانه: * (فإنكانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) * (20) وأما الاخوة لاب وأم فلا فريضة لهم في الكتاب انما لهم ما أبقت السهام، فلا يشرك الذين ليس لهم فريضة مع من له فريضة لان أهل الفريضة أحق ممن لا فريضة له، وهذا الاحتجاج كله فهو احتجاج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
باب القول في ميراث العمومة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ان هلك رجل وترك عمه لابيه وأمه وعمه لابيه فالمال للعم للاب والام، ولا شئ للعم للاب، فإن ترك عمه لابيه وابن عمه لابيه وأمه فالمال للعم لانه أرفع وأقرب، فإن ترك ثلاثة عمومة أحدهم لاب وأم، والآخر لاب، والآخر لام، فإن المال
---
ص 335..
(20) النساء 12.
---
[ 336 ] (2/336)
للعم للاب والام، ويسقط العم للاب لان العم لاب وأم أقرب منه، وأما العم لام فإنه من العشرة الذين لا يرثون من الرجال وليس هو من العصبة، فإن ترك ثلاثة عمومة مع كل واحد ثلاث أخوات له متفرقات، فإن المال للعم لاب وأم، وتسقط أخواته وكل ما سواه من الورثة، فإن ترك أربعة عمومة وأربع عمات لاب وأم فإن المال للرجال دون النساء لان العمات من العشر اللواتي لا يرثن شيئا.
باب القول في ميراث بني العم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن هلك رجل وترك ابني عم أحدهما ابن العم لاب وأم والآخر ابن العم لاب، فإن الميراث لابن العم لاب وأم، فإن ترك ابني عم لاب وأم أحدهما أخ لام، فإن للاخ لام السدس، وما بقي فبينهما نصفان، وهذا قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأما قول عبد الله فإن المال لابن العم الذي هو أخ لام، وليس هذا عندنا بشئ، والصواب ما قاله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: فإن ترك ابن أخ لاب وعما لاب وأم، فإن الميراث لابن الاخ لاب، ولا شئ للعم لاب، لان ابن الاخ أقرب منه. فإن ترك ابن عم لاب وأم وعما لاب، وأم وعما لام، وجدا، فإن المال للجد. فإن ترك ابن عم لاب وأم ابن ابن عم لاب، فإن الميراث لابن ابن العم لاب وأم. فإن ترك عما لاب وأم وثلاث جدات وجدا، فإن للجدتين أم الام، وأم الاب السدس، وما بقي فللجد. فإن تركت امرأة اربعة بني عم لاب وأم أحدهم زوج، والآخر أخ لام فإن للاخ لام السدس، وللزوج النصف، وما بقي فبينهم على أربعة،
---
[ 337 ] (2/337)
وإن امرأة هلكت وتركت ابني عم أحدهما زوج والآخر لام مع كل واحد أخ له بمنزلته، فإن للاخوين للام الثلث، وللزوج النصف، وما بقي فبينهم على أربعة. فإن ترك ابني عم لاب وأم واختيهما فإن المال للرجلين دون المرأتين، فإذا جاوز الورثة من ولد الاخ والعم الميت بطنا بانخفاض بطن لم ترث النساء مع الرجال شيئا، فافهم وقس ما شرحت لك ان شاء الله تعالى.
باب القول في ميراث بني الابن، وبنات الابن
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إذا كانت ابنة الا بن ليس معها ابنة للصلب فلابنة الابن النصف، فإن كانت معها ابنة للصلب فلها السدس، فإن كان مع ابنة الابن ابنة ابن أسفل منها، أو أكثر من ذلك بعد أن تكون قرابتهن واحدة فلابنة الابن العليا النصف وللتي تليها السدس تكملة الثلثين، واحدة كانت أو أكثر من ذلك فلهن السدس، ومنزلة ميراث بنات الابن كمنزلة بنات الصلب إذا لم يكن بنات للصلب يرثن ما يرثن ويحجبن ما يحجبن. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: واعلم ان ابن الابن لا يحجبه عن الميراث الا الابن، ولا يرث معه الا سبعة: الولد الاناث، والزوجة، والزوج، والاب، والام، والجد والجدات إذا لم يكن أم، ولا يرث معه من كان أسفل منه من ولد الولد، هو بمنزلة الابن وبنات الابن بمنزلة البنات في فرائضهن، إذا كانت واحدة فلها النصف، وان كانتا اثنتين فلهما الثلثان، فإن ترك ابن ابن، وابن ابن ابن أسفل منه، فالمال
---
[ 338 ] (2/338)
للاقرب إلى الميت، فإن ترك ثلاث بنات ابن بعضهن اسفل من بعض فللعليا النصف، وللتي تليها السدس، وما بقي فللعصبة. فإن ترك ثلاث بنات ابن بعضهن أسفل من بعض وأسفل من البنات كلهن غلام فللعليا النصف، وللتي تليها السدس، والغلام فله ما بقي يرد على عمته للذكر مثل حظ الانثيين في قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، واما قول عبد الله فما بقي فللذكر وحده. فإن ترك ثلاث بنات ابن بعضهن أسفل من بعض مع كل واحدة اختها، وأسفل من السفلى غلام، فللعلياوين (21) الثلثان، والتي يليها وأختها والسفلى وأختها لا فرض لهن سقطن لما أن استكمل العليا وأن الثلثين، وما بقي فللغلام يرد على السفلى وأختها والوسطى وأختها بينهم للذكر مثل حظ الانثيين. فإن ترك ثلاث بنات ابن بعضهن أسفل من بعض مع كل واحدة ثلاث أخوات لها متفرقات، وأسفل منهن غلام، فللعليان وأختها لابيها وأمها والتي من أبيها الثلثان، وما بقي فللغلام يرد على السفلى، وأختها لابيها وأمها وأختها لابيها، وعلى الوسطى وأختها لابيها وأمها، وأختها لابيها بينهم للذكر مثل حظ الانثيين. فإن ترك بنت ابن وابنة ابن ابن أسفل منها وثلاث جدات فلبنت الابن النصف، وللتي يليها السدس تكملة الثلثين، وللجدات المستويات السدس بينهن، وما بقي فللعصبة. فإن ترك زوجة وجدا وثلاث جدات، فإن أم أب الاب تسقط لا ترث مع الجد لانه ابنها في قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. وأما أم الاب، وأم الام فإنهما يرثان السدس، وللزوج الربع، وما بقي فللجد.
---
ص 338..
(21) في نسخة فللعلياء وأختها الثلثان. الخ.
---
[ 339 ] (2/339)
باب القول في ميراث الكلالة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله سبحانه: * (يستفتونك قل الله يفتيك في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) *. 22) فقال بعض العلماء الكلالة ما خلا من الولد، واحتجوا بهذه الآية وهي قوله سبحانه * (قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد) * (23) وقال آخرون الكلالة ما خلا من الولد والابوين لقول الله عزوجل في أول السورة: * (وورثه أبواه فلامة الثلث) * (24) وذكر الاخوة فلم يجعل لهم مع الاب شيئا سبحانه فلا نرى أنه قد ورثهم عزوجل في الكلالة فقال تبارك وتعالى في السورة: * (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت) * (25) فبين في هذه الاية أن الاب ليس يدخل في الكلاله واحتجوا في الولد بالاية التي في أخر السورة وهي قوله سبحانه: * (قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) * (26) وروي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن رجلا سأله عن الكلالة فقال: اما سمعت الاية التي نزلت في الصيف: * (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) * (27) من لم يترك ولدا ولا والدا فورثته الكلالة.
---
ص 339..
(22) النساء 176.
(23) النساء 176.
(24) النساء 11.
(25) النساء 12.
(26) النساء 176.
(27) النساء 176.
---
[ 340 ] (2/340)
وروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: الكلالة ما خلا من الولد والوالد، وذلك الصواب عندنا والحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين وصلى الله عليه محمد وعلى أهل بيته وسلم. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا أن رجلا قال يا رسول الله * (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) * (28) فما الكلالة؟ فقال: أما سمعت الآية التي أنزلت في الصيف * (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) * (29) من لم يترك والدا ولا ولدا.
باب القول في المناسخة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: المناسخة أن يموت الرجل فيرثه الورثة فلا يقتسمون ميراثه حتى يموت بعضهم ويرثه ورثته ايضا، فهذا أقرب المناسخة وهو أولها، وذلك أن الورثة ربما لم يقتسموا ميراث الميت حتى يموت منهم ميت قان، وثالث، ورابع، وأنا مفسر ذلك كيف مبتدأ المناسخة، ومخارجها وضربها وحسابها، ومصحح حساب سهام الورثة ان شاء الله تعالى. وتفسير ذلك: رجل هلك وترك امرأته وأبنيه، فلم يقتسموا حتى مات أحد الابنين، فأقم فريضة الاول فهي تصح من ستة عشر، للزوجة الثمن سهمان، وما بقي فهو بين الابنين وهو أربعة عشر لكل واحد سبعة، فقد مات أحد الاخوين وترك أمه وأخاه، فللام الثلث وما بقي فللاخ، والذي في يد الميت سبعة أسهم، فسبعة لا ثلث لها، ففريضته من ثلاثة، للام الثلث واحد، وللاخ ما بقي وهو اثنان، وفريضة الثاني
---
ص 340..
(28) النساء 176.
(29) النساء 176.
---
[ 341 ] (2/341)
لا توافق ما في يده من فريضة الاولى بشئ، ولو وافقت لضربته في أصل الفريضة الاولى، فإذا لم توافق فاضرب أحد الفريضتين في الثانية، فثلاثة في ستة عشر ثمانية وأربعون سهما، ثم عد فاقسم الثمانية والاربعين على مبتدأ الفريضة فكان الاول ترك ثمانية وأربعين سهما، وترك زوجته وابنيه فللزوجة الثمن ستة، وما بقي فللابنين وهو اثنان وأربعون لكل واحد أحد وعشرون سهما ثم أمت احد الابنين فقد ترك واحدا وعشرين سهما فلامه الثلث من ذلك سبعة وما بقي فلاخيه وهو أربعة عشر سهما فصار في يد الام ثلاثة عشر سهما ستة من قبل زوجها، وسبعة من قبل ابنها، وصار في يد الاخ الحي خمسة وثلاثون سهما، أحد وعشرون من قبل أبيه، وأربعة عشر من قبل أخيه وما أتاك من هذا الباب فقسه على ما ذكرت لك، طالبت المناسخة أم قصرت.
باب القول في العول في الفرائض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: العول في الفرائض صحيح عندنا لا يجوز إلا أن تعال الفرائض وإلا طرح بعض من فرض الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكذلك صح لنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان يعيل الفرائض. وتفسير ذلك: رجل مات وترك أبوين زوجة وبنتين فللبنتين الثلثان، وللابوين السدسان، وللزوجة الثمن فهذه قد عالت بثمنها كان أصلها من أربعة وعشرين، وعالت إلى سبعة وعشرين، فللبنتين ستة عشر وللابوين ثمانية، وللزوجة ثلاثة، فكانت أولا من أربعة وعشرين، وصارت آخرا سبعة وعشرين.
---
[ 342 ] (2/342)
ومن ذلك امرأة ماتت وتركت زوجها وأمها واختيها لامها، وأختيها لابيها وأمها، فللزوج النصف، وللام السدس، وللاختين لام الثلث، وللاختين لاب وأم الثلثان، فهذه عالت بثلثيها كانت من ستة فصارت من عشرة فهي تسمى أم الفروخ وهي أكثر ما تعول به الفرائض. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: كيف يريد أن يعمل من لا يرى العول بهذه الفريضة أيطرح الاختين لاب وأم، ولهما فريضة في الكتاب في مال أختهما أم يطرح الاختين لام فلهما فريضة في الكتاب؟ أم يطرح الام ولها فريضة في الكتاب أم يطرح الزوج وله فريضة في الكتاب أم كيف يعمل في أمرهم وكيف يقول فيما فرض الله لهم سبحانه فقد فرض سبحانه للاختين لاب وأم الثلثين، وفرض للاختين لام الثلث، وفرض للام السدس، وفرض للزوج النصف، فمال قد خرج ثلثاه وثلثه من أين يؤتى بسدسه ونصفه إذا لم يضرب في أصله حتى يخرج لكل واحد منهم ما حكم الله له به في سهمه فهذا دليل على اثبات العول لا يدفعه من أنصف وعقل وترك المكابرة ولم يجهل.
باب القول في الرد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: القول عندنا في الرد قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وذلك أني وجدت الله سبحانه يق ءول: * (وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) * (30) فكان عندي ذووا الارحام أولى بأن نرد عليه ما فضل من بعد سهمه المسمى له لانه وغيره من المسلمين قد استويا في الاسلام، وزادت هذا رحمه قربة ووسيلة فكان لذلك هو أولى بالفضل من بيت مال المسلمين، وتفسير ذلك: رجل هلك وترك بنته وأمه فللبنت النصف،
---
ص 342..
(30) الاحزاب 6.
---
[ 343 ] (2/343)
وللام السدس، وما بقي فرد عليهما على قدر سهامهما، وكانت الفريضة أولا ستة، لام سهم، وللبنت ثلاثة، فلما رد عليهما الفضل رجعت إلى أربعة فصار للام سهم من أربعة وهو ربع المال وللبنت ثلاثة أسهم من أربعة وهو ثلاثة أرباع المال. وكذلك لو أنه ترك ابنته وحدها لكان لها النصف لقول الله سبحانه: * (وإن كانت واحدة فلها النصف) * (31) وكان لها أيضا النصف الباقي لقول الله عزوجل: * (وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) * (32) فرردناه عليها لانها أولى بأبيها من غيرها وكذلك لو ترك أمه وحدها، أو أخته أو غير ذلك مما له سهم في الكتاب أو السنة كان له أن يأخذ سهمه ثم يرد عليه الباقي لقرابته من الهالك ورحمه إذا لم يكن معه من عصبته غيره.
باب القول في فرايض الجد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الجد لا يزاد على السدس مع الولد، ولا مع ولد الولد إلا أن يكن اناثا فيفضل شئ ولا يكون معه غيره فيكون له. وتفسير ذلك: رجل ترك ابنا وجدا فللجد السدس وما بقي فللابن، وكذلك لو كان ابن ابن وجد، وان ترك ابنته وجدا فللجد السدس، وللبنت النصف، وما بقي فللجد رد عليه لانه عصبة الميت، والعصبة لها ما بقي من بعد السهام، وكذلك لو كانت بنت ابن وجدها. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: والجد يقاسم الاخوة
---
ص 343..
(31) النساء 11.
(32) الاحزاب 6.
---
[ 344 ] (2/344)
والاخوات إذا لم يكن ولد ما كانت المقاسمة خير له من السدس، فإن كان السدس خيرا له من المقاسمة أخذ السدس. وتفسير ذلك: رجل هل وترك جده وأربعة أخوة لاب وأم أو لاب فإن المال بين الجد والاخوة أخماسا فإن ترك ستة إخوة لاب وأم وجدا فللجد السدس، وما بقي فللاخوة لان السدس خير من المقاسمة، وهذا قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وبلغنا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه أتاه رجل فقال: يا رسول الله إن ابن ابني مات فمالي من ميراثه؟ فقال: لك السدس، فلما أدبر دعاه قال لك سدس آخر فلما أدبر دعاه فقال إن السدس الآخر طعمة مني لك، فإلى هذا المعنى ذهب من أعطى الجد الثلث ونسوا ما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أنه طعمة، ولذلك كان يقول أمير المؤمنين [ علي بن أبي طالب ] عليه السلام كان يقول: حفظت ونسيتم أن السدس الثاني طعمة من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أطعمه اياه، وليس بفرض فرضه له. وبلغنا عنه أنه قال من أراد أن يتقحم جراثم جهنم فليفت في الجد، ثم رأيناه يفتي فيه فلعمنا أنه لم يفت الا بشئ سمعه من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الجد يقاسم الاخوة والاخوات إذا كانوا معا، ولا يقاسم الجد الاخوات إذا كن وحدهن ولا ذكر معهن لان لهن فرضا في الكتاب لابد من تسليمه اليهن، وتفسير ذلك: رجل هلك وترك ثلاث أخوات وجدا فللاخوات الثلثان، وللجد ما بقي. فان ترك أختين وأخا وجدا فالمال بين الجد والاخ والاختين للذكر
---
[ 345 ] (2/345)
مثل حظ الاثنين مخرجها من ستة لكل أخت سهم وللاخ سهمان وللجد سهمان.
باب القول في مواريث الغرقى والحرقى والهدمي والمفقودين معا، وما كان من الفرائض كذلك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا غرق القرابة معا، أو انهدم عليهم بيت، أو احترقوا بالنار، أو فقدوا معا فلم يدر أيهم مات قبل، ورث بعضهم من بعض يمات أحدهم ويحيا الباقون فيرثون مع ورثته إن كانوا ممن يرث معهم، ثم يحي هذا الممات، ويمات أحد الذين أحيوا أولا، فيرث هذا مع ورثته كما يورث هو أولا من ماله، كذلك يفعل بهم كلهم كثروا أو قلوا حتى يورث بعضهم من بعض ثم يماتون جملة ثم يورث ورثتهم الاحياء ما في أيديهم مما ورثه بعضهم من بعض، وما كان لهم خالصا من أموالهم هكذا قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وهذا هو الحق عندي لان من لم يورث بعضهم من بعض لايدي لعله قد جار عليهم، وذلك انه لا يدري لعله قد مات بعضهم قبل بعض فورث المتأخر من مال المتعجل، فالواجب على من لم يعلم ذلك منهم ولم يقف على موتهم، فينبغي له أن يحتاط فيورث بعضهم من بعض فيكون قد ورث الكل من الكل إذ قد وقعت اللبسة وكانت الشبهة. وتفسير ذلك أخوان غرقا معا لا يدري أيهم مات أولا، وترك كل واحد منهما ابنتين، العمل في ذلك أن يمات أحدهم ويحيا الآخر، فكأن الذي أميت ترك ابنتيه وأخاه، فللبنتين الثلثان وللاخ ما بقي، ثم أمت الحي وأحيي الميت فقد ترك ابنتين وأخا فللابنتين الثلثان وللاخ
---
[ 346 ] (2/346)
ما بقي، ثم أمتهما جميعا وورث ورثة كل واحد منهما ما في يده من ماله في نفسه وميراثه من أخيه.
باب القول في حساب الفرائض واختصارها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا وردت عليك فريضة فأردت أن تعرف من كم تصح فأقم أصلها فإن كان فيها نصف وما بقي فهي من اثنين، وان كان فيها ثلث وما بقي فهي من ثلاثة، وان كان فيها ربع وما بقي فهي من أربعة، وان كان فيها سدس وما بقي فهي من ستة. وتفسير النصف وما بقي: ان يكون الميت ترك بنتا وأخا، فللبنت النصف وما بقي فللاخ، وتفسير الثلث وما بقي: فهو رجل هلك وترك أمه وأباه، فللام الثلث وما بقي فللاب ومخرجها من ثلاثة فللام الثلث واحد، وللاب ما بقي وهو اثنان، وتفسير الربع وما بقي: فهو رجل هلك وترك زوجة وأخا، فللزوجة الربع، وما بقي فللاخ، ومخرجها من أربعة للزوجة الربع واحد، وما بقي فللاخ وهو ثلاثة، وتفسير السدس وما بقي فهو أم وابن فللام السدس وما بقي فللابن ومخرجها من ستة للام واحد، وللابن خمسة. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وكل مسألة فيها ثلث ونصف فأصلها من ستة، وكذلك ثلث وسدس من ستة، وكل مسألة فيها ثمن ونصف فأصلها من ثمانية، وكل مسألة فيها ثمن وسدس، أو ثلث فأصلها من أربعة وعشرين، فإذا وردت عليك مسألة فأردت أن يصح حسابها فأقهم أصلها، ثم انظر كم يقع لكل قوم، فإذا عرفت كم يقع لكل قوم فاقسمه بينهم فمن لم ينكسر عليه ما في يده فأقره، ومن انكسر عليه ما في يده فانظركم في أيديهم فاعرف عدده، واعرف عدد رؤوسهم ثم انظر هل يوافق عدد ما في أيديهم عدد رؤوسهم بشئ فإن وافق عدد
---
[ 347 ] (2/347)
ما في أيديهم عدد رؤوسهم، ثم انظر هل يوافق عدد ما في أيديهم عدد رؤوسهم بالعشر، فاضرب عشرة في أصل الفريضة، أو في صنف آخر من الورثة إن كان انكسر عليهم ثم اضرب ذلك كله في أصل الفريضة، وكذلك ان وافق بتسع فاضرب تسع أو بثمن فاضرب ثمنه أو بسبع فاضرب سبعة أو بسدس فاضرب سدسه، أو بخمس فاضرب خمسه، أو بربع فاضرب ربعه، أو بثلث فاضرب ثلثه، أو بنصف فاضرب نصفه وكذلك إن جاوز العشرة فوافق بالاجزاء فاضرب الاجزاء التي توافق بها، وأنا مفسر لك كيف ذلك إن شاء الله تعالى فقس على ما أذكر لك كل ما يأتيك. إن هلك رجل وترك ثماني بنات وجدتين وأختا فللبنات الثلثان، وللجدتين السدس، وللاخت ما بقي فأصلها من ستة، فللبنات أربعة، وللجدتين السدس واحد، وللاخت واحد، وأربعة بين ثماني بنات منكسر وواحد بين جدتين ينكسر، وفي يد البنات أربعة يوافق عدد رؤوسهن بالربع لان ربع أربعة واحد، وربع ثمانية اثنان، فاضرب اثنين وهو الذي وافق به من عدد رؤوسهن ما في أيديهن في أصل الفريضة وهو ستة فصارت اثني عشر، واجتزيت عن ضرب الجدتين لانهما ثنتان، وهو الذي وافق من عدد البنات اثنين، واثنان عن اثنين يجزي، فللبنات من اثني عشر ثمانية، وهو الثلثان واحد واحد، وللجدتين السدس وهو اثنان لكل واحدة واحد، ويبقى سهمان للاخت. فإنترك اثنتي عشر بنتا وأربع جدات وثلاث أخوات فأصلها من ستة، للبنات الثلثان أربعة، وللجدات السدس واحد، وللاخوات ما بقي وهو سهم، فأربعة أسهم على اثني عشر ينكسر، وواحد على أربع جدات ينكسر وواحد على ثلاث أخوات ينكسر، ففي أيدي البنات أربعة أسهم، وعدد رؤوسهن اثنا عشر، فلما كان في أيديهن ربع ولعدد
---
ص 347.. في نسخة ما ذكرت لك. تمت.
---
[ 348 ] (2/348)
رؤوسهن ربع فقد وافق عدد رؤوسهن ما في أيديهن بالارباع، فخذ ربع عددهن وهو ثلاثة، فاضربه في عدد رؤوس الجدات وهن أربع فثلاثة في أربعة اثنا عشر، وعدد الاخوات ثلاث، والثلاث داخلات في الاثني عشر فاضرب اثني عشر في أصل الفريضة وهي ستة، فتصير اثنين وسبعين يصح منها إن شاء الله تعالى للبنات الثلثان ثمانية وأربعون، لكل واحدة منهن أربعة أسهم، وللجدات السدس اثنا عشر سهما، بينهن ثلاثة ثلاثة، وللاخوات السدس اثنا عشر بينهن أربعة أربعة وا كانت المسألة على حالها والاخوات أربع خرجت مما خرجت منه أولا، وكان حسابها كحساب الاولة، وكذلك لو كن ستا. وكذلك لو كن اثنتي عشرة خرجت مما خرجت منه اولا فإن ترك ثماني بنات، وأربع جدات، وأربع زوجات، وسبع أخوات، فأصلها من أربعة وعشرين للبنات الثلثان ستة عشر، وللزوجات الثمن ثلاثة أسهم، وللجدات السدس أربعة وللاخوات ما بقي وهو واحد، فستة عشر بين البنات لا ينكسر يصح اثنان اثنان والثمن ثلاثة بين أربع زوجات ينكسر، والسدس بين أربع جدات يصح بينهن سهم سهم، والباقي واحد بين سبع أخوات ينكسر، فدع البنات والجدات لان سهامهن قد صحت عليهن فلا حاجة لك إلى ضربهن، واضرب اللواتي انكسر عليهن سهامهن بعضهن في بعض اضرب أربعة في سبعة فذلك ثمانية وعشرون ثم اضرب هذه الثمانية والعشرين في أصل الفريضة وهي أربعة وعشرون فذالك ستمائة واثنان وسبعون للبنات الثلثان أربع مائة وثمانية أوربعون سهما لكل واحد ستة وخمسون سهما وللجدات مائة واثني عشر لكل واحدة ثمانية وعشرون سهما، وللزوجات الثمن أربعة وثمانون بينهن لكل واحدة واحد وعشرون سهما وللاخوات ما بقي وهو ثمانية وعشرون سهما بينهن لكل واحدة أربعة أربعة.
---
[ 349 ] (2/349)
فإن كانت المسألة على حالها وكانت الاخوات ثمانيا (33) فإن الزوجات يدخلن في الثمان الاخوات فاضرب ثمانية في الاصل الاربعة والعشرين فذلك مائة واثنان وتسعون للبنات الثلثان مائة وثمانية وعشرون لكل واحدة ستة عشر، وللزوجات الثمن أربعة وعشرون لكل واحدة ستة ستة، وللجدات السدس اثنان وثلاثون لكل واحدة ثمانية أسهم والباقي للاخوات ثمانية أسهم لكل واحدة واحد واحد، وما أتاك من هذا فاطلب له الموافقة فما وافق فاجتز بموافقته، وما لم يوافق فاضربه فيما ينبغي أن تضربه من عدد الرؤوس وأصل الفريضة ان شاء الله تعالى.
باب القول في ميراث الخناثى
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الحكم في الخناثى أن يتبع بالقضاء فيه المبال، فإن سبق بوله من ذكره فهو ذكر، وان سبق من فرجه فهو أنثى، والعمل في ذلك أن يقرب إلى الجدار ثم يؤمر ان يبول، ويفتقد في ذلك فمن أيهما وقع البول منه على الجدار أولا حكم عليه به، فإن وقعت لبسة واللبسة الا يسبق أحدهما الآخر، وأن يأتيا جميعا معا لا يسبق واحد واحد فإذا كان كذلك كان له نصف حق الذكر ونصف حق الانثى إذا كان ممن يرث في الحالين. وتفسير ذلك رجل هلك وترك ابنين أحدهما خنثى، فإن كان البول سبق من الفرج فهو بنت وفريضته من ثلاثة لها واحد وللذكر اثنان، وان سبق البول من الذكر فهو ذكر، وان وقعت اللبسة فله نصف نصيب الذكر ونصف نصيب الانثى، وفريضتهما من اثني عشر للخنثى خمسة، وللذكر سبعة، فإن هلك رجل وترك بنته وأخاه لابيه وأمه، والاخ لاب وأم
---
ص 349..
(33) وفي نسخة أخرى ثمانيا ظ.
---
[ 350 ] (2/350)
خنثى لبسة فللبنت النصف وللخنثى نصف نصيب الذكر، ونصف نصيب الانثى، وما بقي فهو للخنثى لان أسوأ حاله أن يكون أنثى فالاخت مع البنت عصبة. فإن ترك أختا لاب وأم، وأختا لاب، وأختا لام خنثى، فللاخت لاب وأم النصف، وللاخت لاب السدس تكملة الثلثين، وللاخت لام الخنثا السدس على كل حال، لان نصيب الذكر والانثى من ولد الام سواء وما بقي فللعصبة، فإن لم يكن عصبة رد ذلك الفضل عليهن على قدر سهامهم فيصير للاخت لاب وأم ثلاثة أخماس المال، وللاخت لاب خمس المال، وللاخت لام خمس المال ومخرجها من خمسة على الرد. فان ترك عما خنثى وأختا فللاخت النصف وللعم إن كان ذكرا ما بقي، وإن كان أنثى فلا شي ء له، وان كان لبسة فله نصف نصيب الذكر فقط لانه لا يرث في الحالين، في حال ما يكون عمة لا يرث فلذلك لم نعطه نصيب الانثى ومخرجها إن كان ذكرا من اثنين، للاخت سهم، وله سهم، ومخرجها إن كان أنثى من اثنين أيضا للاخت سهم وللعصبة سهم. فإن لم يكن عصبة رد على الاخت ذلك السهم ومخرجها ان كان لبسة من أربعة أسهم، للاخت اثنان وله نصف نصيب الذكر وهو نصف الاثنين الباقين، والسهم الباقي للعصبة، فان لم يكن عصبة رد على الاخت وعليه على قدر سهامهما. وان تركت امرأة ثلاثة بني عمومة لاب وأم كلهم أحدهم زوج والآخر أخ لام، والآخر خنثى، فللزوج النصف وللاخ لام السدس، وما بقي فهو بينهم على ثلاثة أسهم بالسواء إن كان الخنثى ذكرا، وإن كان أنثى فالباقي بين ابني عم الذكرين دونه، لان بنت العم لا ترث مع ابن
---
ص 350.. في نسخة: (وما بقي فهو بينهم ثلاثتهم بالسواء). الخ
---
[ 351 ] (2/351)
العم شيئا، وان كان خنثى لبسة فله نصف نصيب الذكر فقط، وما بقي فبين ابني عمه الذكرين سوا وكلما أتاك من هذه فقسه على ما ذكرت لك إن شاء الله.
باب القول فيمن مات وترك حملا وورثة وعجلوا للقسمة قبل أن يدروا ما الحمل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو مات رجل وخلف حملا وورثة فعجل الورثة للقسمة فانه ينبغي أن يتركوا نصيب أكثر ما يكون من الحمل وهو أربعة ذكور، فان جاء كذلك كانوا قد اختاطوا ولم يكونوا فرطوا وان كان دون ذلك رجعوا إلى الفضلة فاقتسموها وتفسير ذلك: رجل هلكم وترك ثلاثة بنين وحملا من زوجته فالواجب في ذلك فيعزلون منها أربعة أسهم نصيب أربعة ذكورا ويأخذون هم ثلاثة أسهم، فإن جاء الحمل كذلك كانوا قد احتاطوا وأخذ كل واحد منهم حقه، وإن جاء دون ذلك اقتسموا الفضلة، وكذلك لو كان الحمل إناثا أو أنثى دفعوا إلى الحمل كائنا ما كان نصيبه من جميع المال ثم اقتسموا الفضل من بعد ذلك.
باب القول في ميراث المفقود
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يقسم مال المفقود ولا يورث حتى يعلم خبره، وكذلك فلا تتزوج امرأته فإن عجل الورثة أو أتاهم خبر فكان كذبا فاقتسموا ماله وتزوجت امرأته ثم أتى يوما من الدهر كان أولى بامرأته ولم يقربها حتى تستبري من ماء الذي هي معه، ويتبع كل
---
ص 351.. * في نسخة: (فإن جهل الورثة..).
---
[ 352 ] (2/352)
من أخذ من ماله شيئا ويرتده منه وإن كان بعض الورثة ورث مملوكا فاعتقه رده في الرق.
باب القول في الوصايا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل من أوصى بأكثر من ثلث ماله فالامر في ذلك إلى ورثته ان شاءوا أجازوا للموصى له ما أوصى له به الميت، وان شاءوا ردوه إلى الثلث وتفسير ذلك: رجل أوصى لرجل بثلث ماله، وأوصى لآخر بنصف ماله، فإن أجازه الورثة جاز، وإن ردوه كان الثلث بين هذين الموصى لهما على خمسة أجزاء لصاحب الثلث خمسا الثلث، ثلث مال الميت، ولصاحب النصف ثلاثة أخماس ثلثه الذي ليس لورثته أن ينقصوا منه شيئا، وكذلك كلما أتاك من هذا الباب فقسه على ما ذكرت لك ان شاء الله. وكذلك لو أنه ترك بنين وبنات فأوصى لرجل بمثل نثيب أحدهم أو بمثل نصيب احداهن وزيادة شئ، أو بمثل نصيب أحدهم إلا شيئا كان المعنى فيه على ما ذكرت لك أولا، إن كانت الوصية أكثر من الثلث كان الامر فيها إلى الورثة إن أجازوها جازت، وان ردهوها ردت إلى الثلث وتقسم على الموصى لهم على قدر ما أوصى به لهم، وإن كانت الوصية فيما دون الثلث جامت الوصية لمن أوصى له الميت بما أوصى.
باب القول في الاقرار والانكار
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أصل الاقرار والانكار عندنا ان كل من أقر بشئ لزمه كل ما أقر به فيما في يده، فان كان شريكا
---
[ 353 ] (2/353)
شاركه، وان كان من يحجبه سلم إليه كلما في يده، وان أقر على غيره لم يلزم غيره اقراره عليه. وتفسير ذلك: رجل مات وترك ابنين أقر أحدهما بابن آخر فيقال للمقر أنت تزعم أنكم ثلاثة وتقول إنما لي لي ثلث المال فخذ ما زعمت أنه لك وادفع ما بقي في يدك إلى هذا الذي أقررت به وهو سدس المال فكانأصل فريضتهم الاولى من اثنين على الانكار، وفريضتهم الثانية من ثلاثة على الاقرار، فاضرب ثلاثة في اثنين لانه ليس بين الفريضتين موافقة فضربت اثنين في ثلاثة فصارت ستة، فقال هذا المنكر هي بيني وبينك لي ثلاثة ولك ثلاثة، وقال هذا المقر هي بيننا أثلاثا لك اثنان لي اثنان ولهذا اثنان فأبى المنكر أن يصدقه فيقال لهذا الذي أقر أنت زعمت أن لك اثنين وأقررت فأخيك هذا بسهم فادفع إليه سهمه وخذ السهمين اللذين لك. ولو أقر مقر لمن يحجبه لوجب عليه أن يسلم إليه ما في يده. وتفسير ذلك: أخوان أقر أحدهما بابن للميت وجحده الآخر فالواجب أن يقال لهذا المقر ادفع ما في يدك وهو نصف المال إلى هذا الذي أقررت له به لانه يحجبك.
باب القول في ذوي الارحام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ذووا الارحام هم الذين لافرض لهم في الكتاب ولا في السنة وهم العشرة من الرجال، والعشر من النساء الذين سميناهم في صدر كتابنا هذا، ومن كان مثلهم أو منهم والعمل فيهم أن يرفعوا إلى آبائهم حتى ينتهي بهم إلى من يرث من أجدادهم فيعطونه على قدر ميراثه. وتفسير ذلك: رجل هلك وترك عمته وخالته فللخالة الثلث، وللعمة الثلثان، وذلك أنا رفعنا هما إلى الوارث، فرفعنا الخالة إلى الام،
---
[ 354 ] (2/354)
ورفعنا العمة إلى الاب فكأنه ترك أمه وأباه، فللام الثلث وما بقي فللاب، وأنزلنا العمة منزلة الاب، وان شئت منزلة العم كلاهما هاهنا سواء، وانما رفعنا العمة في هذه المسألة إلى الاب دون العم لان العم والاب في هذه المسألة ميراثهما سواء لان الام ترث معهما جميعا الثلث فلما كانت وارثة مع الرجلين استوى الاب والعم في ذلك، وأنزلنا الخالة منزلة الام. فإن ترك ابنة عم لاب وبنت عم لام فإن المال لبنت العم لاب دون بنت العم لام، وذلك أنا رفعنا بنت العم لاب إلى العم لاب ورفعنا ابنة العم لام إلى العم لام والعم لام لا يرث، والعم لاب يرث، فورثنا بنت الوارث وتركنا بنت الذي لا يرث، وكذلك أبدا العمل في باب ذوي الارحام يرفعون إلى آبائهم ومن سبق منهم إلى وارث ورث دون صاحبه. وكذلك لو أن رجلا ترك بنت أخيه وبنت عمه لكان المال لبنت أخيه، لانك رفعت بنت العم إلى العم، وبنت الاخ إلى الاخ فكأنه ترك عمه وأخاه فالمال للاخ دون العم. فإن ترك بنت عم وابن بنت أخ المال لابنة العم دون ابن بنت الاخ لانك رفعت بنت العم إلى العم وابن بنت الاخ إلى بنت الاخ فكأنه ترك عمه وبنت أخيه، فالمال لعمه، ولذلك أعطينا ابنته دون ابن بنت الاخ لانها سبقته إلى الوارث بالقرابة والنسب. فإن ترك بنت بنت وبنت عم فلبنت البنت النصف، ولبنت العم ما بقي، لانك رفعت بنت النبت إلى البنت، وبنت العم إلى العم، فكأنه ترك بنته وعمه، فللبنت النصف وللعم ما بقي، فأعطينا ميراثهما بنتيهما، ولو اخفضت احداهما ببطن لورثنا الاخرى دونها لانها سبقتها إلى الوارث. وكذلك ان ترك بنت بنت بنته، وبنت عمه فيكون الميراث لبنت
---
[ 355 ] (2/355)
عمه لانها أقرب إلى الوارث إذا رفعناهما. وان ترك بنت بنت عم، وبنت بنت كان الميراث لنبت البنت لانها أقرب إلى الوارث إذا رفعتهما وكذلك تفعل بجميع ذوي الارحام فافهم ذلك إن شاء الله تعالى وقس قياس فهم فطن يبن لك الحق والقوة لله وبه.
باب القول في مواريث المجوس
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الاصل في مواريث المجوس أنهم يرثون من وجهين بالانساب، ولا يرثون بالنكاح، لانه نكاح لا يحل، وذلك رأي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: وقوله ولا أعلم أحدا خالفه في ذلك ممن له فهم. وتفسير توريثهم من وجهين مجوسي وثب على ابنته فأولدها ثلاث بنات ثم مات لعنه الله فورثه بنات الاربع الثلثين وما بقي فللعصبة، ثم ماتت احدى البنات الثلث وتركت أختيها لابيها وأمها وأختها لابيها وهي أمها فللام السدس والاختيها لابيها وأمها الثلثان، فإن ماتت احدى الا بنيت الباقيتين فلاختها لابيها وأمها النصف، ولاختها لابيها التي هي أمها السدس تكملة الثلثين ولها أيضا السدس لانها أم قد صار لها الثلث، السدس، لانها أمها، وسدس لانها أهتها لابيها، فقد ورثت من وجهين، وحجبت نفسها بنفسها عن ميرثا الام الثلث لانها أخت ثانية للميتة مع الاخت الباقية فكأنها تركت أختا لاب وأم وأختا لاب، وكذلك لو وثب مجوسي على ابنته فأولدها ابنا ثم مات الابن من بعد موت أبيه كانت ترث من ابنها الثلث لانها أمه، والنصف لانها أخته من أبيه فقد ورثت من وجهين فإن كان له ورثة غيرها ورثوا السدس الباقي، وإن لم يكن له ورثة غيرها رجع السدس الباقي عليها بالرد.
---
ص 355.. في نسخة: (باب القول في ميراث المجوس).
---
[ 356 ] (2/356)
باب القول في ميراث ابن الملاعنة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ابن الملاعنة لا يوارث الملاعن لامه، ولا ينسب إليه وعصبته عصبة أمه يرثونه ويعقلون عنه وهو كواحد من أولادهم.
باب القول في ميراث أهل الكتاب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الاصل عندنا فيهم أنه لا يوارث يهودي نصرانيا، ولا نصراني يهوديا، لانهم وإن كانوا عندنا أهل كفر كلهم فهم مختلفون في مللهم ودياناتهم وبعضهم يكفر بعضا، ولا يراه على ديانة، وينتفي من ديانته، وإذا كان أهل الملل كذلك لم يتوارثوا عندنا، وكانوا ختلفين في دياناتهم في قولنا فلو أن نصرانيا مات وترك ابنا يهوديا لم نر أنه يرثه وكان ماله لورثته الذين هم من أهل ديانته. وكذلك لو مات الابن اليهودي لم يرثه الاب النصراني لانهما عندنا أهل ملتين مختلفتين متباينتين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يتوارث أهل ملتين).
باب القول في توارث المسلمين والذميين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يرث مسلم ذميا، ولا ذمي مسلما، ولو أن رجلا يهوديا أو نصرانيا كان له اثنان فأسلم أحدهما ولم يسلم الآخر ثم مات أبوهم اليهودي كان ميراثه لابنه اليهودي ولم يكن لابنه المسلم شئ، وكذلك لو مات ابنه المسلم كان ميراثه للمسلمين دون أبيه وأخيه لان المسلمين أولى به لانهم على ملته وهم يدون عنه ويعقلون ويرثونه لانه لا يتوارث أهل ملتين.
---
[ 357 ] (2/357)
باب القول في ميراث المرتد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أرتد المرتد عن الاسلام ثم مات في ردته ورثته المسلمون دون غيرهم من ورثته ان كانوا معه على دينه وفي ردته، لان حكم المرتد حكم المسلمين إذ ليس له في ردته رخصة وليس له إلا السيف أو التوبة فلذلك ورثه ورثته من المسلمين، وكانت أحكامه في ذلك أحكام المؤمنين.
باب القول في مواريث الاحرار والمماليك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يرث حر مملوكا، ولا مملوك حرا، لان مال المملوك مال سيده فلذلك لم يرثه الاحرار ولم يرثهم لانهم إذا ورثوه فقد أخذوا مال سيده، وإذا ورثهم فقد أخذ سيده مالهم، لان العبد لا ملك له وماله كله لمن ملكه. وتفسير ذلك: عبد مات وله ابن حر فلا ميراث لابنه منه وماله لسيده حيا وميتا، وكذلك لو مات الابن الحر وترك اباه المملوك فلا ميراث لابيه منه لانه لا مال له وكل ما ورثه فهو ليسده وإذا كان ذلك كذلك لم يجز له أن يرث سيده من ليس بينه وبينه قرابة ومال الحر هذا الميت لبيت مال المسلمين دون أبيه الا أن يكون له ورثة أحرار فيرثونه ان كان ممن يرثه مع الاب مثل الولد، وولد الولد، والام، والزوجة، والجدة أم الام، فان مات حر وترك ابنا مملوكا ولم يترك غره فالمال لبيت المال، فإن عتق الابن قبل أن يحاز المال كان الميراث له. وكذلك روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال في مثل هذا يشترى ويعتق ويرث مال أبيه ويحتسب بثمنه في المال عليه. وقضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل مات وترك مالا وأما مملوكة ولم يترك
---
[ 358 ] (2/358)
عصبة إن تشترى أمه من ذلك المال وتعتق وتعطى أمه ميراثها من ماله ويرد عليها الباقي بالرحم. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولو أن مملوكا أعتق نصفه ثم مات لكان ماله يقسم قسمين قسما لورثته من قبل النصف الحر، والنصف الباقي لمولاه بما فيه له من الملك، وكذلك بلغنا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قضى في مثل هذا. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: الدين يبدأ به على كل شئ، ثم الوصية من بعد ذلك ثم الميراث فيما بقي، فإذا مات رجل وعليه دين وأوصى بوصايا وترك ورثة فليبدأ بالدين فليخرج من جملة المال ثم يخرج الثلث مما بقي من المال من بعد الدين في وصيته، ثم تضرب سهامهم فيما بقي من بعد ذلك. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو ان رجلا أوصى لرجل غائب بوصية فمات الموصي، ثم مات الموصى له كانت الوصية لورثة الموصى له. قال: وكذلك وصية المكاتب إذا أدى بعض مكاتبته أجاز من وصيته بقدر ما أدى من مكاتبته. وقال: في مكاتب كاتب عن نفسه وعن أبيه ثم أصابا مالا ثم مات الاب قبل أن يؤدي شيئا ان المكاتبة لازمة للابن فيؤدي عن نفسه وعن أبيه ما عليهما من المكاتبة ثم هو وارث أبيه، وكذلك إن كانت المكاتبة عن المكاتب وجماعة من ولده فهم يؤدون عنه ويرثونه ويجرون الولاء إلى مكاتبهم، لانهم كانوا داخلين في المكاتبة مع أبيهم دون غيرهم من أولاد أبيهم من غير أمهم أو منها.
---
[ 359 ] (2/359)
باب القول في الولاء، والعتاق وتفسير ميراث المولى ومن يرثه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذ مات المولى وترك عصبة مولاه فإن الميراث للاكبر، والاكبر فهم الاقربون إلى الميت، وتفسير ذلك مولى ترك ابن ابن عم مولاه لابيه وترك ابن ابن ابن ابن عم مولاه لابيه وأمه فإن الميراث لا بن ابن ابن العم للاب لانه أقرب بأب فهو أكبر فان ترك ثلاثة بني عمومة لمولاه متفرقين متساوين في الكبر فان الميراث لابن العم لاب وأم. فإن ترك ثلاث بنات ابن مولاهم بعضهن أسفل من بعض مع كل واحدة ابن أخ أبيها فإن المال لابن أخ أب العليا وهو ابن ابن مولاه وهو بمنزلة العليا من الثلاث غير أن الولاء للرجال دون النساء، فإن ترك ثلاث بنات ابن مولاه بعضهن أسفل من بعض مع كل واحدة ابن أخي جدها، فإن المال لابن أخي جدا الوسطى، وذلك أنه ابن ابن المعتق وهو بمنزلة العليا من البنات أيضا فان ترك ثلاث بنات ابن مولاه بعضهن أسفل من بعض مع كل واحدة جدها فإن الميراث لجد العليا وهو مولى الميت الذي أعتقه فإن ترك ثلاث بنات ابن لمولاه بعضهن أسفل من بعض مع كل واحدة جد أبيها فإن الميراث لجد أب الوسطى وهو أيضا الذي اعتق الميت، فإن ترك ثلاث بنات ابن لمولاه بعضهن أسفل من بعض مع كل واحدة ابن خال بنت عمتها فان المال لابن خال بنت عمة العليا لانه ابن ابن المعتق وهو أخو العليا من البنات فله الميراث دونها لان الولاء للرجال دون النساء.
---
[ 360 ] (2/360)
باب القول في الولاء والعتاق في الصلب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: في رجل أعتق رجلا ثم مات المولى المعتق بعد موت مولاه المعتق، وترك ابني سيده الذي أعتقه وأختيهما فكأنه ترك ابنين وابنتين لمولاه فإن الميراث للابنين دون أختيهما، وذلك أن النساء لايرثن من الولاء الا ما أتتقنه، أو ما أعتق من أعتقنه، أو ما أمرن بعتقه فأعتق عنهن، فان كان هذا المعتق ترك ابنتيه وابنتي مولاه فإن لابنتيه الثلثين وما بقي فهو لعصبة مولاه دون ابنتيه، فان لم يكن لمولاه عصبة فهو رد على ابنتيه هو دون ابنتي مولاه. فان ترك ابنا وابنة له وابنا لمولاه فان المال لابنه وبنته للذكر مثل حظ الانثيين ولا شئ لابن مولاه. فإن كان المعتق امرأة اعتقت عبدا ثم ماتت ثم مات المعتق بعدها وترك ابن مولاته وبنتها فإن الميراث لابن مولاته دون أخنه. فإن ترك بنت مولاته وابن عم مولاته فإن الميراث لعصبتها دون ابنته وهو ابن عمها، فإن مات وترك ابن ابن مولاته فإن الميراث له، وكذلك لو ترك ابن ابن مولاته كان الميراث له وذلك لان ولد الولد الذكور يرثون الولاء وإن سفلوا ببطون كثيرة وولد البنات لا يرثون ذكورا كانوا أو أناثا وذلك لان أمهم لا ترث فكيف يرثون هم، فافهم ذلك هديت وقس عليه ما فسرت لك ان شاء الله تعالى.
باب القول في تفسير من أعتق من أعتقته المرأة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: فإن اعتقت المرأة عبدا فأعتق العبد عبدا ثم مات مولاها ومات بعده مولاه وترك ابنته وابنة مولاه
---
[ 361 ] (2/361)
وابنة مولاة مولاه فإن لبنته النصف وما بقي فرد على عصبة مولاة مولاه ان لم يكن لمولاه هو عصبة فإن لم يكن لها عصبة والعصبة الرجال فهو رد على ابنته دون ابنة مولاه وابنة مولاة مولاه. فان ترك ابنته وابن عم مولاه وابن عم مولاة مولاه فان لابنته النصف وما بقي فلابن عم مولاه دون ابن عم مولاة مولاه. وذلك ان عصبة مولاه أقرب من عصبة مولاة مولاه. فان ترك ابنته وابنة مولاة مولاه وابن عمها فلابنته النصف وما بقي، فلا بن عم مولاة مولاه دون بنتها وابنة مولاه، فان ترك ابنة مولاه وجد مولاة مولاه ابا أمها وابن عمها لاب فان الميراث لابن عم مولاة مولاه دون بنت مولاه وجد مولاة مولاه، وذلك أن الجد أبا الام ليس بعصبة فلذلك لم يرث، فإن كانت المسألة على حالها وكان بد جد المعتقة أبي أمها جدها أبو أبيها فإن الميراث لجدها أبي أبيها دون ابن عمها. فإن هلك رجل وترك ابنته وابنة مولاه واخته فإن لابنته النصف وما بقي فلاخته وتسقط ابنة مولاه. فإن ترك ثلاث بنات ابن بعضهن أسفل من بعض وابن مولاه فإن للعليا النصف وللتي تليها السدس وما بقي فلابن مولاه. فإن ترك ابن مولاه وابن أخيه هو لابيه وأخاه لامه فإن لاخيه لامه السدس وما بقي فلابن أخيه لابيه دون ابن مولاه. فإن أعتق رجلان عبدا ثم مات بعدهما وترك لاحدهما ابنا وللآخر ابنة فان نصف ميراثه لابن مولاه والنصف الآخر لعصبة الآخر أبي الابنة ولا شئ للبنت فإن لم تكن عصبة رجع على ابنته في حساب ذوي الارحام.
باب القول في الخناثى مع الولاء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا أعتق عبدا ثم مات المعتق من بعده وترك ابنتين لمولاه وابنا خنثى قال يتبع في ذلك بالقضاء في المبال فإن سبق من الذكر كان ذكرا، وإن سبق من الفرج
---
[ 362 ] (2/362)
كان أنثى، وإن وقعت لبسة وذلك إلا يسبق أحدهما الآخر فإذا كان ذلك كذلك إن شاء الله تعالى أعطي نصف نصيب الذكر ولم يعط نصف نصيب الانثى لانه إنما يعطى من الخناثى نصف نصيب الذكر، ونصف نصيب الانثى من كان يرث في الحالين كليهما فإما من كان لا يرث في حال ما يكون أنثى فإنه لا يعطى نصف نصيب الانثى وهذا فإن كان أنثى فلا شئ له لانه أنثى ولا لاختيه، وإن كان ذكرا ورث مولى أبيه دون ابنتيه، فإن وقعت اللبسة فله نصف نصيب الذكر وهو نصف المال، والباقي لعصبة أبيه وهم عصبة الميت إذا كانوا عصبة مولاه، وان لم يكن لمولاه عصبة أعطي هذا الخنثى نصف المال ورد عليه ما بقي من المال بلبسة الذكر بلبسة الانثى فافهم ذلك وقس عليه ما أتاك من هذا إن شاء الله تعالى. فإن ترك ابنا لمولاه خنثى وابن عم مولاه خنثى وكلاهما لبسة فإن لابن مولاه نصف نصيب الذكر وهو نصف المال ولابن عم مولاه نصف الباقي وهو الربع من المال وذلك أنه لو كان ابن عم مولاه ذكرا لكان له الباقي من بعد النصف الذي للابن فلما وقع الالتباس أعطي نصف ذلك النصف الباقي وهو الربع وما بقي فللعصبة ومخرجها من أربعة أسهم لابن العم سهم وللابن سهمان وما بقي فللعصبة وهو سهم وأصل ذلك أن تقيم فريضة الاول ثم نقيم فريضة الآخر ثم تضرب احداهما في الاخرى الا ان توافق منها شئ فتضربه فإن انكسرت بنصف ضربت اثنين في الفريضة وان انكسرت بثلث ضربت ثلاثة في الفريضة، وان انكسرت بربع ضربت أربعة في الفريضة الا أن تكون الرؤوس أقل عددا من ذلك، فأقمنا فريضة الاول فإذا بها من اثنين وذلك أنا نظرنا إلى أقل مال له نصف فإذا به اثنين ثم نظرنا إلى الفريضة الاخرى فإذا بها ايضا
---
[ 363 ] (2/363)
من اثنين وذلك أنا نظرنا إلى نصف الباقي فأقل مال له نصف اثنان ثم ضربنا احداهما في الاخرى فصارت أربعة وذلك ان اثنين في اثنين أربعة فدفعنا إلى الابن النصف اثنين وبقي اثنان فدفعنا إلى ابن العم نصف الباقي واحدا، وانما أعطينا ابن العم بلبسته لان الابن لبسة فأعطيناه لانه يقول لعل الابن امرأة. فإن ترك ثلاثة بني عم لمولاه أحدهم خنثى لبسة فإن لهذا الخنثى نصف نصيب الذكر وهو السدس وما بقي فهو بين أخويه نصفان ومخرجها من اثني عشر سهما للخنثى اثنان وللذكرين عشرة خمسة، خمسة استخرجناها من ذلك لانا نظرنا فإذا بها ان كان الخنثى أنثى فهي من اثنين وان كان ذكرا فهي من ثلاثة فضربنا ثلاثة في اثنين فإذا هي ستة، وأخرجنا للخنثى واحدا فانكسرت الخمسة على الاثنين الذكرين بنصف وذلك ان لكل واحد منهما اثنين ونصفا فضربنا اثنين في الفريضة وهي ستة فصارت اثني عشر، فأعطينا الخنثى نصف نصيب الذكر وهو اثنان وذلك أنه لو كان ذكرا لكان بينهم أربعة أربعة فأخذ من ذلك اثنين باللبسة ولم يأخذ نصف نصيب الانثى لانه لو كان أنثى لم يرث شيئا لانه لا يرث النساء من الولاء الا ما شرحناه فافهم ان شاء الله تعالى، وبقي عشرة لكل واحد من ابني العم خمسة خمسة. فإن ترك ابنا خنثى وابنا لمولاه خنثى وابنة مولاه، وابن بن عم مولاه فان سبق الماء من فرج ابنه فهو أنثى لها النصف وان سبق ماء ابن مولاه أيضا من الفرج فلا شئ له والباقي لابن ابن عم مولاه، فإن سبق من ابنه هو من الذكر فالمال له ولا شئ لابن مولاه، وان سبق ماؤه من ذكره ايضا وان وقعت لبسة فيها جميعا فان لابنه نصف نصيب الذكر ونصف نصيب الانثى وان سبق ماء ابن مولاه من فرجه فلا شئ له وان سبق من ذكره
---
ص 363.. في نسخة: (فأخذنا.).
---
[ 364 ] (2/364)
فله ما بقي وان وقعت لبسة في ابن مولاه ايضا فلابن مولاه نصف نصيب الذكر فقط وما بقي فلابن ابن عم مولاه، ومخرجها من ثمانية لابنه ستة ولابن مولاه واحد، وواحد لابن ابن عم مولاه وذلك ان لابنه نصف النصيبين وهو ستة ويبقى اثنان فلابن مولاه من بعد ذلك نصف نصيب الذكر فقط وهو واحد ويبقى واحد فهو رد على ابن ابن عم مولاه.
باب القول في ذوي الارحام في الولاء وتفسيره
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: عصبة المعتق أولى بميراثه من عصبة المعتق له، وعصبة المعتق له أولى من ذوي أرحام المعتق بميراث المعتق، وذووا أرحام المعتق أولى بميراثه من ذوي أرحام المعتق. ولو أن رجلا أعتق عبدا ثم مات ومات العبد بعده وترك بنت مولاه وابنة ابنته هو كان الميراث لا بنة ابنته، وذلك ان لها النصف بنصيب أمها، واما ما بقي فهو رد عليها كما يرد على أمها ولا شئ لبنت مولاه فاعلم ذلك، وذلك أن النساء لايرثن من الولاء شيئا، فان كن في ذو ي الارحام ولم يكن معهن عصبة ورثن بحساب ذوي الارحام بقرابتهن من مولاه إذا لم يكن له ذووا أرحام، وإذا اجتمع ذووا أرحام مولاه وذووا أرحامه كان ذووا أرحامه هو أولى من ذوي أرحام مولاه لان الله سبحانه يقول: * (وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) * (34) يريد في حكم الله فافهم وقس على ما شرحت لك كل ما أتاك من هذا الباب ان شاء الله. فإن ترك ابنة ابن مولاه وابنة ابنة مولاه فكأنه ترك ابن مولاه وابنة مولاه فالمال لابنة ابن مولاه دون ابنة ابنة مولاه. فان ترك ابنة خال مولاه، وابنة أخت مولاه، فإن الميراث لابنة أخت مولاه لانها أقرب وارث إلى
---
ص 364..
(34) الاحزاب 6. \ \ \ في نسخة: (فإن المال..).
---
[ 365 ] (2/365)
مولاه، فان ترك ابنة ابن أخت مولاه، وابنة خال مولاه، فإن لابنة ابن أخت مولاه النصف، ولابنة خال مولاه الثلث، وما بقي فهو رد عليهما على قدر حقوقهما، فصار في يد ابنة ابن الاخت ثلاثة أخماس المال وفي يد ابنة الخال خمسا المال ومخرجها من خمسة، فان ترك ابنة ابنة مولاه وأخاها، وابنة أخت مولاه وأخاها فان لابنة ابنة مولاه وأخيها النصف بينهما سواء لا نفضل الذكر على الانثى، وما بقي لابنة أخت مولاه وأخيها بينهما بالسواء لا يفضل الذكر على الانثى، ومخرجها من أربعة، لولد البنت النصف اثنان واحد واحد والباقي لولد الاخت اثنان لكل واحد واحد وإنما جعلنا الذكر من ذوي الارحام والانثى وساء لان مواريثهم سواء. وتفسير ذلك: رجل ترك ابنة بنته وابنة أخته فلا بنة ابنته النصف، ولا بنة أخته النصف. وكذلك لو ترك ابن اخته وابن ابنته كان لا بن ابنته النصف ولابن أخته النصف. وكذلك لو ترك ابن أخته وابن ابنته كان لابن ابنته النصف وما بقي فلا بن أخته وهو النصف ومخرجها من اثنين فلما رأينا نصيب الانثى من ذوي الارحام كنصيب الذكر في كل حال لم يجعل له عليها إذا كانا معا في ذوي الارحام فضلا وأجرينا مواريثهم على مواريثهم كولد الام لا فضل لذكر هم على أنثاهم وانما استوى ولد الام في الميراث لان الله لم يفضل ذكرهم على أنثاهم وانما استوى ولد الام في الميراث لان الله لم يفضل ذكرهم على أنثاهم إذ كانوا منفردين فجعل ميراث الواحد السدس وميراث الواحدة السدس، فان كانا اثنين فلهما الثلث، وان كانتا اثنتين فلهما الثلث، وكذلك لو كان رجل وامرأة لكان لهما الثلث لكل واحد منهما السدس لافضل له عليها فافهم ان شاء الله تعالى وقس عليه ما أتاك من هذا الباب إن شاء الله.
---
[ 366 ] (2/366)
باب لاقول في المفقود وفي الحمل في الولاء قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: اعلم أنه لا يقسم مال المفقود حتى يتبين أمره ولا تتزوج إمرأته حتى تعمل خبره، فإن بان أنه مات وقد ترك حملا له وحملا لمولاه وترك ابنة له وابنا لمولاه فعجلوا إلى القسمة فطلبوها فإنه يدفع إلى بنته تسع المال ويقر ثمانية اتساعه لاكثر الحمل وهو أربعة ذكور، فإن كان كذلك فجاءت امرأته بأربعة ذكور فقد أخذت نصيبها وإن جاءت أقل أخذت ما بقي لها، ولا يدفع إلى ابن مولاه شئ حتى ينظر ما تلد امرأته فان ولدت ذكرا أو ذكورا فلا شئ له، وان ولدت أنثى أو أناثا فلهن ما كن مع أختهن الثلثان، ثم ينتظر بباقي المال حمل امرأة مولاه، فإن عجل ابن مولاه فأراد أن يقسم الثلث الذي أخذه من فضل ميراث مولى أبيه دفع إليه خمس الثلث وترك نصيب أكثر ما يكون من الحمل وهو أربعة أخماس الثلث، فإن جاء الحمل كذلك كان قد أخذ حقه، وإن جاءت بذكور أقل من أربعة رجع بباقي حقه معهم وإن جاء الحمل أنثى أو أناثا أخذ ما كان عزل كله وهو أربعة أخماس الثلث ولا شئ للبنات من ميراث المولى فافهم هديت هذا الباب فانه من جيد الابواب وخيارها إن شاء الله تعالى وقس كلما جاءك من هذه الابوا على ما شرحت لك.
باب القول في الولاء في الغرقى والهدمي والحرقى ومن اشتبه موته فلم يعلم من مات كبل صاحبه من الاقارب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن مولى مات هو ومولاه غرقا وترك كل واحد منهما ابنتين لا يدري أيهما مات قبل صاحبه،
---
[ 367 ] (2/367)
وترك العبد مالا فإنك تميت المعتق أولا فلبنتيه الثلثان وما بقي فللعصبة، ثم أمت العبد وأحي المعتق فلبنتي العبد المعتق الثلثان من ميراث أبيهما، ولمولاهما ما بقي وهو الثلث فلبنتيه من الثلث ثلثاه، وما بقي فللعصبة إن كانت عصبة، وإلا رجع إليهما ولا بنتي العبد على كل حال الثلثان من ميراث أبيهما ولا بنتي السيد المعتق ثلثا الثلث في حال ما يكون لابيهما عصبة، وفي حال مالا يكون لابيهما عصبة يرد عليهما ليكون ثلث مال العبد كله لهما مع ميراثهما من مال أبيهما فان كانت المسألة على حالها وكان مع أبنتي المولى المعتق ابن لسيده وليس لواحد منهما عصبة، ولا من الورثة غير ما ذكرنا، فان لا بنتي العبد الثلثين على كل حال من مال أبيهما في حال ما يكون السيد مات أولا يكون الثلث الباقي لابن السيد دون ابنتيه وفي حال ما يكون العبد مات أولا لبنتيه الثلثان ولسيد الباقي وهو الثلث، ثم يكون الثلث لابنه وابنتيه على أربعة اسهم للابن اثنان ولكل واحدة من البنتين واحد فافهم هديت ما شرحت لك من هذا الاصل وقس عليه كل ما أتاك من هذا الباب على هذا القياس إن شاء الله تعالى وكذلك في مواريث الهدمي والذين يحرقون بالنار وما أشبه هذا فإن الامر فيه والقياس واحد.
باب القول في ردة المعتق والمعتق
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا اعتق الرجل عبدا فارتد المعتق ولحق بدار الحر وترك في دار الاسلام بنين وبنات ثم مات المعتق والمعتق حي في حال ردته فإن ميراث المولى لبني المعتق دون بناته ولا شئ له هو من مولاه لان الميراث لولده دونه. فان ارتد العبد ولحق بدار الحرب ومات على ردته وترك مولاه وابنته فلا بنته النصف
---
[ 368 ] (2/368)
وما بقي فهو للمولى، وان ارتد معه ابن (35) له ثم مات الاب على ردته فإن الميراث على ثلاثة أسهم للابن سهمان وللبنت سهم، وهذا في المرتدين خاص لا يتوارث أهل ملتين مختلفتين كما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. إلا المرتدون وذلك ان حكمهم حكم المسلمين ولو أن الامام ظهر عليهم لحملهم على التوبة والرجوع إلى الاسلام والاقتلهم قتلا، فلما ان لم يكن لهم بد من السيف أو الاسلام وكان حكم المسلمين عليهم كذلك ورثهم المسلمون ولم يرثوا هم المسلمين، فافهم هذا الفرق ان شاء الله والقوة بالله وله. فإن ارتد المولى المعتق وترك ابنا له وسيده الذي اعتقه ثم مات ابنه وترك أباه على ردته وترك مولى أبيه فان الميراث كله لمولى أبيه دون أبيه فإن كان قد ارتد هو ابن له والمسألة على حالها فأسلم ابن المرتد أخو الميت من قبل موته بساعة، فان الميراث كله لاخيه دون أبيه ومولاه، فان ارتد العبد وترك ابنة مولاه وأبنا له فمات الابن وأوه على ردته ولم يترك الابن وارثا فان لابنة مولاه المال ترثه في ذوي الارحام لان من كان له رحم أولى ممن لا رحم له. فإن ترك بنت مولاه وابنة بنته فإن لابنة بنته المال لان ذوي أرحام المعتق أولى بميراثه من ذوي أرحغم سيده ولا شئ لابيه المرتد ما كان مقيما على ردته فافهم ذلك وقس عليه كلما أتاك من هذا الباب على هذا الاصل الذي وضعت لك ان شاء الله تعالى.
---
ص 368..
(35) أراد الامام عليه السلام ان له ابنا وارثا له مع النبت وليس المقصود أنه ارتد معه لان المرتد لا يرث المرتد فقوله معه ابن له حملة حالية اسميه لم تربط بالواوبل بالضمير وحده كقوله تعالى * (اهبطوا بعضكم لبعض عدو) * وذلك كثير وكفى بالكتاب العزيز وفي بعض النسخ بالواو تمت مولانا مجد الدين محمد المؤيدي أبقاه الله. في نسخة: (إلا المرتدين).
---
[ 369 ] (2/369)
باب القول في ولاء أهل الكتاب والمجوس
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قد قيل إن ذلك كله ملة واحدة، وقد قيل ان اهل كل دين ملة على حدة وبه نأخذ وهو رأينا وكيف يكون من كفرك من أهل ملتك ألا ترى ان اليهود يكفرون النصارى، والنصارى يكفرون اليهود، قال الله سبحانه: * (وقالت اليهود ليست النصارى على شئ وقالت النصارى ليست اليهود على شئ وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) * (36) أفلا ترى أن الله قد أخبر بتكفير بعضهم لبعض ثم شهد سبحانه عليهم بالافتراق الاختلاف في تمييزه اياهم في قوله سبحانه: * (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصاري ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون) * (37) فبين سبحانه أنهم مختلفون وأنهم في المذاهب غير مؤتلفين وهذا من قول الله سبحانه فتصديق لما به قلنا وما إليه من الحق في ذلك ان شاء الله ملنا وتكذيب لقول من جعلهم في الشريعة مؤتلفين وفي الضلالة والمذاهب غير مختلفين والحمد لله رب العالمين. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولو أن يهوديا أعتق عبدا فتنصر العبد هو وابن عم لسيده ثم مات العبد على النصرانية لكان ميراثه لابن عم سيده دون سيده لانه على ملته، وسيده على غير ملته، ولا يتوارث أهل ملتين مختلفتين وليس هؤلاء مثل المرتدين لان هؤلاء لا يجبرون على الاسلام وإذا أدوا الجزية فافهم الفرق بين هؤلاء والمرتدين عن الاسلام، وكذلك من كان نصرانيا فتهود أو مجوسيا فتنصر
---
ص 369..
(36) البقرة 113. \ \ \ (37) المائدة 82.
---
[ 370 ] (2/370)
أو يهوديا فتمجس فكل ملل هؤلاء مختلفة غير مؤتلفة متبرى بعضهم من بعض لا عن بعضهم بعضا، وكذلك المسلمون لا يرثون اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا عبدة النجوم ولا أحدا من هؤلاء ولا يرثونهم أيضا.
باب القول في الولاء في الاقرار والانكار
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا أتتق عبدا ثم مات الرجل ثم مات المولى بعده وترك ابنة له، وابنة لمولاه وأقرت كل واحدة منهما بأخ قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تصدق ابنة العبد ويكون المال بينهما على ثلاثة أسهم لها سهم واحد وله سهمان وانما تصدق لانها أقرت على نفسها دون غيرها وذلك أن المال كان نصفه لها بالكتاب والنصف الثاني راجع عليها بالرد. واما ابنة المعتق فلا تصدق لانها أقرت على غيرها ولم تقر بضرر على نفسها، فإن أقرت ابنة السيد بأخ ولم تقر ابنة العبد فان لابنة العبد النصف وما بقي فرد عليها، فإن أقرت ابنة العبد بابن لمولى أبيها ولم تقر ابنة المولى فإن اقرارها جائز عليها لانها أقرت على نفسها فلها من الميراث النصف وما بقي ردته على الذي أقرت به أنه ابن لمولى أبيها، فإن ترك ابنة له هو وابنا لمولاه فان لابنته النصف ولابن مولاه وما بقي وهو النصف فإن أقرت الابنة بأخ وأقر ابن المولى بأخت فإن للبنت النصف وما بقي فهو لابن المولى، ولا يجوز اقرارها على ابن المولى في نصفه لانها أقرت بما يذهب حقه من يده وتدفع هي إلى الذي أقرت به ثلث ما في يدها وهو سدس جميع المال لانها حين أقرت به جعلت له الثلثين من جميع المال ولنفسها الثلث فقلنا لها خذي ما زعمت أنه لك وادفعي إليه ما بقي عن حقك باقرارك واقراره هو بالاخت لازم له في ميراثه ان مات هو وورثته، هي بمنزلة الاخت، وأما ما بفي يده من ميراث المعتق فلا حق لها فيه، فان ترك هذا المعتق
---
[ 371 ] (2/371)
امه وابنته فأقرت الام بابن لمولى ابنها فان اقرارها لا يقبل ولا يجوز الا على نفسها لانها أقرت على غيرها لتصرف عن البنت ما يجب لها في الرد، وترد هي على هذا الذي أقرت به ما يرد عليها من بعد السدس وهو نصف السدس، ومخرجها من أربعة وعشرين فيقال لها خذي ربعها وهو ستة فخذي من ذلك سدس جميعها وهو أربعة فادفعي إلى الذي أقررت به اثنين ويدفع إلى البنت ثمانية عشر سهما وهو الذي لها من ميراث أبيها من بعد أن يرد عليها ثلاثة أرباع الثلث الباقي فافهم هذا الاصل وقس عليه ما أتاك من هذا الباب ان شاء الله تعالى.
باب القول في ولاء المجوس للمجوسي
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: في مجوسي أعتق مجوسيا ثم مات المجوسي السيد وترك ابنا له من أمه وابنته ثم مات العبد من بعد سيده وترك أيضا ابنة له من أمه فإن لابنته النصف وما بقي فلا بن سيده وحجبت ابنته نفسها بنفسها عن سدس الاخت لام، فان ترك العبد المعتق ثلاث بنات ابن مولاه بعضهن اسفل من بعض مع كل واحدة ابن أخي عمة أبيها ومعه أخته فإن المال لابن أخي عمه ابي الوسطى لانه ابن ابن المولى المعتق وهو بمنزلة العليا من البنات، ولكن لا ميراث لها معه لانه لا يرث الولاء من النساء أحد إلا من سمينا في صدر كتابنا هذا، فان مات العبد المعتق وترك ثلاث بنات ابن لمولاه بعضهن اسفل من بعض ومع العليا ابن أخي عم أبيها من جدته فإن مال العبد لابن أخي عم أبي العليا لانه ابن أخ الميت وهو عمه لامه فورث الميراث من قبل ابن الاخ لانه عصبة ولم يرث من قبل أنه عم لام ولا يرث العم لام شيئا مع ابن الاخ.
---
[ 372 ] (2/372)
باب القول في الولاء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الولاء لمن أعتق لا يباع ولا يوهب، فإن بيع أو وهب كان ذلك باطلا، وهو لحمة كالنسب بذلك حكم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قال: والعبد إذا أتق جر ولاء ولده. قال: والولاء للرجال دون النساء من أولاد المعتق وأولاد أولاده. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: إنما جعل الولاء للرجال دون النساء لان الرجلا ينسب أولادهم أبدا إلى المعتق، فالولاء راجع أبدا إليه، ولو شرك فيه النساء لشرك فيه أولادهن، وأولاد أولادهن فقد يكونون من بطن سوى بطن المعتق. قال: ولن كان الولاء يجوز أن يكون في غير عصبة المعتق لكان الولاء يجوز لمن لم يعتقه ولو جاز أن يملكه غير عصبة المعتق بالميراث لجاز أن يباع ويوهب وينتقل ممن اعتقه إلى غيره قال: والنساء فلا يكون لهن من الولاء إلا ما أعتقه أن كاتبنه أو أعتق من أعتقنه، أو جر ولاء من أعتقن. قال: والولاء للكبر من العصبة والكبر فهم الادنون إلى المعتق الاقربون منه، والولاء كالمال فمن أحرز مال الميت من العصبة الذكور أحرز مال الولاء. تم كتاب الفرائض
---
[ 373 ] (2/373)
كتاب الصيد
---
[ 375 ] (2/375)
بسم الله الرحمن الرحيم مبتدأ أبواب الصيد وتفسيره في الكتاب قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله تبارك وتعالى: * (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب) * (1) قال: هذه الآية نزلع على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: في أمر زيد الخر الطائي، وعدي بن حاتم وذلك أنهما أتيا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالا: يا رسول الله إن الله قد حرم الميتة على من أكلها وإن لنا كلابا نصيد بها فمنها ما ندرك ذكاة صيده، ومنها مالا ندركه فأنزل الله هذه الآية على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فتلاها عليهم ثم قال: صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا سميت قبل أن ترسل كلابك فأخذت الكلاب الصيد فمات في أفواهما فكله. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: إذا أرسل الكلب المعلم على الصيد وسمى مرسله فأخذ الكلب الصيد فقتله فهو ذكي جائز أكله، وان أكل الكلب بعضه وأدرك صاحبه بعضه فلا بأس بأكل ما فضل منه.
---
ص 375..
(1) المائدة 4.
---
[ 376 ] (2/376)
وكذلك روي في الاثر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فأما الصقر والبازي والشاهين وجميع الجوارح فما قتلت فليس بذكي لانها لا تأتمر إذا أمرت، ولا تأتي إذا دعيت لغير طعم ولا تذهب إذا أمرت، والكلاب تأتي إذا دعيت، وتذهب إذا زجرت، وذلك فهو التكليب بعينه، لان التكليب فهو الائتمار، وما سمينا من جوارح الطير فلا تأتمر وانما يأتي إلى الطعم إذا رآه ويطير إلى صيد إذا أبصره في وقت جوعه وحاجته إلى طعمه طلبا منه لقوته، فإذا شبع لم يطرد إن طرد، ولم يرجع إلى صاحبه إن دعاه وما كان هكذا فهو بعيد ن الائتمار، وما بعد من الائتمار بعد من التكليب. وأما الفهد فإن كان في الحالة كالكلب في ائتماره في إقباله وإدباره وإغرائه وتكليبه في حال شعبه وجوعه فحال صيده كحال صيد الكلب، وان كان مخالفا للكلب في معاني الائتمار والتكليب فالاكل لما قتل غير مصيب. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عما قتل الكلب والصقر، فقال: ما قتل الكلب المعلم فحلال عندي أكله وذكاة ما قتل الكلب المعلم فهو قتله له ويؤكل ما قتل وان كان أكله إلا أقله، ولا أعلم فيما أجبتك به في هذا اختلافا بين أحد من النسا إلا شيئا ذكر فيه من خلاف عن ابن عباس فإنه ذكر عنه أنه كان يقول: لا يؤكل ما أكل الكلب المعلم من صيده فإنه إنما أمسك الصيد إذا أكله على نفسه لا على مرسله، وظننت أن ابن عباس تأول في ذلك قول الله جل ثناؤه: * (فكلوا مما أمسكن عليكم) * (2) فكأنه عند ابن عباس أكله له غير امساك منه على مرسله وهو عندي قد يمسك بالقتل أكبر الامساك، والمذكور المشهور أن عدي بن
---
ص 376..
(2) المائدة 4.
---
[ 377 ] (2/377)
حاتم وأبا ثعلبة الخشني سألا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: عن أكل الكلب المعلم يأكل من صيده فأمرهما بأكل فضلة الكلب. وقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إلا ابن عباس وحده من بينهم يؤكل فضل الكلب المعلم وإن لم يبق من الصيد إلا بضعة من اللحم. فأما ما قتل الصقر أو البازي فأعجب ما قيل فيه من القول إلي أنه ليس بذكي لان الله سبحانه يقول (مكلبين) ولم يقل ما علمتم مصقرين، والكلب فهو المغرى وإكلاب الكلب فهو الاغراء، ولا يكون ذلك من المغري للكلاب الا أشلا وأمرا، والصقر لا يؤمر ولا يشلى ولا يغرى فإن كانت حالة الفهود كحالها لاتشلى ولا تؤمر فلا يحل أكل فضول أكلها، وان كانت تؤمر وتشلى وتأتمر فهي كالكلب يؤكل ما أفضلت، وذكي ما قتلت وبهذا فيما بلغنا كان يقول علي عليه السلام وابن عباس، وابن عمر، وذكر ان طاووسا كان يقول: ليس الصقور ولا الفهود ولا النمور من الجوارح اللاتي أحل الله جل ثناؤه أكل ما أكلت من صيدها، وقال غيرهم إن هذه كلها كالكلاب في صيدها وأكلها.
باب القول في صيد كلاب المجوس اليهود والنصارى
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أرسل اليهودي والنصراني والمجوسي كلبه على صيد فقتله فلا نرى أكله، وكذلك لا نرى أكل ذبيحة أحد من هذه الانصاف. قال: فإن كان المرسل لكلب الذمي مسلما فسمى حين أرسله فلا بأس بأكل صيده لان الكلب ليس من صاحبه في شئ إذا كان مرسله غيره.
---
[ 378 ] (2/378)
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن صيد كلب المجوسي المعلم فقال: لا بأس بأكل صيده إذا كان مرسله مسلما وسمى الله وكان الكلب معلما.
باب القول في الصيد بالليل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس بالصيد ليلا أو نهارا لان الله سبحانه أطلقه إطلاقا وأحله إحلالا ولم يستثن على عباده في ذلك ليلا ولا نهارا، وإنما يكره من صيد الليل ما طرق في وكره، وأخذ من مأمنه فذلك الذي لا يجوز له أخذه ولا نرى تصيده وفي ذلك ما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (الطير آمنة بأمان الله في وكورها). حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الصيد بالليل فقال: إنما يكره من ذلك أن تطرق في وكورها، فأما إن خرج وطار مصحرا فلا بأس بما صيد بالليل والنهار لان الله عزوجل أحل الصيد ولم يوقت له من الليل والنهار وقتا.
باب القول في صيد المجوس والمشركين للسمك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس بأكل ما صادوا من السمك إذا غسل من أو ساخهم، ونظف من مس أيديهم، ونجس لمسهم، لان السمك لا يقع عليه زكاة بذبح ولا في أو داج، وإنما جعله الله حلالا بأخذه لا بذبحه، فلذلك جاز وحل صيدها وما قلنا به من أكلها، وقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كرهه وليس ذلك بصحيح عندنا.
---
[ 379 ] (2/379)
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن صيد المجوسي والمشرك للحيتان فقال: يغسل ما أصابه من مس أيديهم ولا بأس به لانه ذكي في نفسه.
باب القول فيمن رمى بسهم أو خلى عليه كلبا ثم يغيب عن عينيه ثم وجده
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن إنسانا رمى صيدا بسهم فأثبته فيه أو أرسل عليه كلبا معلما فأغراه عليه فتوارى عن عينيه ساعة أو ساعتين أو أكثر ثم وجده فوجد فيه سهمه ثابتا ولم ير فيه غير سهمه ووجده قد أصاب له مقتلا يعلم أنه يموت إذا أصابه ولم ير فيه أثرا غير أثر سهمه، وكذلك إذا لم ير فيه غير أثر كلبه وأيقن أن كلبه قتله فلا بأس بأكله إذا فهمه أنه هو قاتله لان الله سبحانه أحل ذلك ولم يقل يغيب ولا لم يغب ولا نزيح اليقين إلا بيقين، فإذا تيقن بأن سهمه أو كلبه قتله حين أرسله عليه فليأكل ذلك الصيد الذي رماه حلالا. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن رجل رمى صيدا فأصباه ثم غاب عنه ليلة أو وراء جبل ثم أصابه ميتا وسهمه فيه، قال: إذا لم ير فيه أثرا سوى أثر سهمه أو أرسل عليه كلبا ولم ير فيه أثرا غير أثر كلبه وعرف ذلك معرفة يقين أكله وكان حلالا أكله نهارا أصابه أو ليلا في سهل كان ذلك أو جبل.
باب القول في ميت الحيتان وما صيد منهما
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ذكاة الحيتان أخذها حية فاما ما كان منها طافيا أو قذف به البحر ميتا فلا خير فيه، وقد جاء النهي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والتحريم له.
---
[ 380 ] (2/380)
قال: ولو أن رجلا حظر حظيرة في جانب الماء فدخلتها الحيتان فسد عليها صاحب الحظيرة فما طفا ميتا فوق ذلك الماء الذي في الحظيرة فهو ميت لا خير فيه لانه طاف فوق الماء وميت فيه، وما بقي فيها حتى ينضب الماء عنه ويبقى في الحظيرة على وجه الارض فلا بأس بأكله، ميتا أخذ أو حيا لانه قد حبسه حتى خرج منه الماء وبقي في حبسه وموضعه الذي يحل به صيده. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الطافي من الحيتان عما قذف به البحر وعما قتل الحيتان بعضه بعضا فقال: هذا كله ميتة فلسنا نحب أكله وقد جاء عن علي عليه السلام النهي عن الطافي وهو الميت من السمك، وكذلك كل ميت من كل ما أحل الله من بهيمة الانعام وصيد البر والبحر.
باب القول في صيد الكلاب ليست بمعلمة واشتراك المعلم وغير المعلم في الصيد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أرسل المرسل على الصيد كلبا غير معلم فلزم الصيد فلحقه صاحبه ولم يقتله فزكاة فلا بأس بأكله وهو حلال لصاحبه وان لحقه وقد قتله فلا نرى أكله له لانه صيد كلب لم يحل الله أكل ما قتل لانه ليس بمعلم ولا بمكلب. فان أرسل مرسل كلبا معلما على صيد فعارضه كلب غير معلم فاعانه عليه حتى قتله بحبسه له عليه أو أخذه معه فلا يجوز أكله وقد أفسد زكاته معاونة الكلب الذي ليس بمكلب للمكلب عليه، ولو أرسل رجلان كلبين معلمين على صيد فقتله كلبا هما كان اصيد ذكيا إذا سميا وكان الصيد حلالا مهما قتله الكلبان أو أكلا بعضه.
---
[ 381 ] (2/381)
باب القول فيمن رمى صيدا بقوس والقول في صيد المعراض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا رميت بسهمك عن قوسم فأصبت وأدميت فكل ما قتلت برميتك من بعد الادماء والخرق، فإن لم يدم صيدك ومات من وقعة سهمك فلا تأكله فإن ذلك وقيذ، وكذلك المعراض لا يؤكل ما قتل به الا أن تلحق زكاته لانه ليس يخرق بجديده ولا يزكى. وقد بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن عدي بن حاتم قال له يا رسول الله إنا قوم نرمي الصيد فقال: ما سميت عليه مما رميت فخرقت فكل فقال يا رسول الله فالمعراض فقال: لا تأكل مما قتل المعراض إلا ما زكيت.
باب القول في صيد البندق وهو الجلاهق
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ما صرعت البندق فلحقت زكاته فلا بأس بأكله وما قتلت فلا يؤكل لانه غير ذكي، وكذلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: لا تأكل من صيد البندقة إلا ما لحقت زكاته.
باب القول في الصيد يرمي فيتردى أو يقع في الماء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا رمي الصيد في الجبل فتردى حين يقع به السهم فلا أرى أكله لاني أخاف أن يكون التردي قتله، وكذلك إن رمي فهوى في الماء فلا أجب له أكلا لاني أخشى أن يكون مات غرقا، والحيطة في مثل هذا أصلح في الدين وأعف للمسلمين.
---
[ 382 ] (2/382)
باب القول في زكاة الصيد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أدرك الرجل الصيد وهو يركض برجله أو يطرف بعينه أو يحرك له ذنبا فذكي فهو ذكي، وكذلك ان لم يتحرك منه شئ الا من بعد ذبحه فهو ذكي فسواء تحركه بعد ذبحه أو قبل ذبحه، فإن لم يتحرك منه شئ بعد ذبحه فليس يزكى وهو ميتة لا يجوز أكلها. تم كتاب الصيد، والحمد لله رب العالمين، ويتبعه كتاب الذبائح
---
[ 383 ] (2/383)
كتاب الذبائح
---
[ 385 ] (2/385)
بسم الله الرحمن الرحيم متبدأ أبواب الذبايح وتفسيرها في الكتاب قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله سبحانه: * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعمتموهم إنكم لمشركون) * (1) قال: هذه الآية نزلت في مشركي قريش وذلك أنهم كانوا يقولون للمؤمنين تزعمون أنكم تتبعون أمر الله وأنتم تتركون ما ذبح الله فلا تأكلونه، وما ذبحتم أنتم آكلتموه، والميتة فإتنما هي دبيحة الله فأنزل الله سبحانه: * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) * (2) فحرم بذلك الميتة، وما ذبحت الجاهلية لغير الله. ثم قال: * (وإنه لفسق) * (3) يريد أن كل ما لم يذكر اسم الله عليه لمعصية. ثم قال: * (حرمت عليكم الميتة والدم، ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، والمنخنقة والموقوذة، والمتردية، والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب، وأن تستقيموا بالازلام ذلكم فسبق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم
---
ص 385..
(1) الانعام 121.
(2) الانعام 121.
(3) الانعام 121.
---
[ 386 ] (2/386)
أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فإن الله غفور رحيم) * (4) فأما ما أهل لغير الله به فهو ما ذكر عليه غير اسم الله. وأما المنخنقة فهوي الدابة ينشب حلقها بين عودين أو في حبل أو غير ذلك مما تنخنق به فتموت. وأما الموقوذة فهي التي ترمي على موقذتها أو تضرب فتموت. وأما المتردية فهي التي تتردى من رأس جبل أو من المطارة أو في بئر، أو في غير ذلك مما تسقط فيه الدابة فتموت فلا تلحق ذكاتها. وأما النطيحة فهي ما تنطحه البقرة أو الشاة منهن فتموت. وأما ما أكله السبع فهي الدابة يقتلها السبع ولا يلحق ذكاتها فحرم الله ذلك كله إلا أن تلحق منه ذكاة فيذبح وفيه شئ من حياة فيكون حينئذ ذكيا حلالا للاكلين غير محرم على العالمين. وكانت الجاهلية يعدون ذلك كله ذكيا بميتة ثم قال الله سبحانه: * (وما ذبح على النصب) * (5) والنصب فهي آلهتهم المنصبة التي كانوا يذكون لها وعلى اسمها. ثم قال جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله: * (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون) * (6) وذلك أن قصي بن كلاب كان أول من بحر وسيب ووصل وحمى ثم اتبعته على ذلك قريش ومن كان على دينها من العرب وكانوا يجعلون ذلك نذرا ويزعمون أن الله حكم به حكما فأكذب الله في ذلك قولهم وقول أخوانهم المجبرة الذين نسبوا إلى الله كل عظيمة وقالوا إنه قضى عليهم بكل معصية وأدخلهم في كل فاحشة فقال: * (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة
---
ص 386..
(4) المائدة 3.
(5) المائدة 3.
(6) المائدة 103.
---
[ 387 ] (2/387)
ولا وصيلة ولا حام) * (7) فنفى أن يكون جعل ذلك فيهم أو قضى به سبحانه عليهم إكذابا منه لمن رماه بفعله ونسب إليه سيئات صنعه، فانتفى سبحانه من ذلك ونسبه إلى أهله ثم ذكر أنهم يفترون عليه الكذب فقال: * (ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون) * (8) فصدق الله سبحانه إنه لبرى ء من أفعالهم متعال عن ظلمهم وفسادهم بعيد من القضاء عليهم بغير ما أمرهم ناء عن إدخالهم فيما عنه نهاهم. والبحيرة التي كانوا جعلوها فهي الناقة من الابل كانت إذا ولدت خمسة أبطن فنتجت الخامس سقبا وهو الذكر ذبحوه فأهدوة للذين يقومون على آلهتهم وإن كانت أنثى أستبقوها وغذوها وشرموا أذنها وسموها بحيرة ثم لا يجوز لهم بعد ذلك أن يدفعوها في دية ولا يجلبوا لها لبنا ولا يجزوا لها وبرا إلا أن يحلبوا لبنها إن خافوا على ضرعها في البطحاء، وإن جزوها جزوها في يوم ريح عاصف ويذرون وبرها في الرياح ولا يحملون على ظهرها ويخلون سبيلها تذهب حيث شاءت. وان ماتت اشترك في لحمها النساء والرجال فأكلوه. وأما السائبة فهي من الابل كان الرجل منهم إذا مرض فشفي أو سافر فأدى أو سأل شيئا فأعطى سيب من أبله ما أراد أن يسببه شكرا لله ويسميها سابية ويخليها تذهب حيث شاءت مثل البحيرة ولا تمنع من كلاء ولا حوض ماء ولا مرعى. وأما الوصيلة فهي من الغنم كانوا إذا ولدت الشاة خمسة أبطن عندهم وكان الخامس جديا ذبحوه أو جديين ذبحوهما، وان ولدت
---
ص 387..
(7) المائدة 103.
(8) امائدة 103.
---
[ 388 ] (2/388)
عناقين استحيوهما فان ولدت عناقا وجديا تركوا الجدي ولم يذبحوه من أجل أخته وقالوا قد وصلته فلا يجوز ذبحه من أجلها. وأما الام فمن عرض الغنم يكون لبنها ولحمها بين الرجال دون النساء، فإن ماتت أكل الرجال والنساء منها واشتركوا فيها. وأما الحام فهو الفحل من الابل كان إذا ضرب عشر سنين وضرب ولد ولده في الابل قالوا هذا قد حما ظهره فيتركونه لما نتج لهم ويسمونه حاما ويخلون سبيله فلا يمنع أينما ذهب ويكون مثل البحيرة والسابية فلا يجوز في دية ولا يحمل عليه حمل فهذه الثلاثة من الانعام التي حرمت ظهورها. ثم قال سبحانه: * (ثمانية أزواج من الضان اثنين ومن المعز اثنين قل الذكرين حرم أم الانثيين أما اشتملت عليه أرحام الانثيين نبؤني بعلم إن كنتم صادقين ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين قل الذكرين حرم أم الانثيين أم ما اشتملت عليه أرحام الانثيين أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغى علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) * (9) فذكر سبحانه ذلك لم حرموا من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وغيره فجعل الذكر زوجا والانثى زوجا فقال الذكرين من الثمانية حرمت عليكم أم الانثيين ثم قال: * (هلم شهداء كم الذين يشهدون أن الله حرم هذا) * (10) فقالوا: نحن نشهد، فقال سبحانه: * (فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بأياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون (11) ثم قال سبحانه أخبارا منه لهم بما حرم عليهم فقال: * (قل لا أجد فيما أوحي
---
ص 388..
(9) الانعام 143.
(10) الانعام 150.
(11) الانعام 150.
---
[ 389 ] (2/389)
إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزيري فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم) * والمسفوح فهو السايل وهو القاطر. وأما قوله فإنه رجس فإنه يقول إنه رجس محرم. وإما فسق أهل لغير الله به فالسق هو المعصية والجرأة على الله بالذبح لغير الله والخطية. واما قوله فمن اضطر غير باغ ولا عاد يريد غير باغ في فعله ولا مقدم على المعصية في أكله ولا مقعد في ذلك لامر ربه ولكن من اضطر إلى ذلك فجائز له أن يأكل منه إذا خشئ على نفسه التلف من الجوع فيأكل منه ما يقيم نفسه ويثبت في بدنه روحه إلى أن يجد في أمره فسحة. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل ما أحل الله سبحانه في كتابه للمسلمين فبين في كتاب الله رب العالمين، وما حرمه عليهم فقد بينه في كتابه لهم * (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم) *.
(12)
باب القول في ذبيحة المرأة والصبي، والجنب، والحائض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس بذبيحة المرأة إذا كانت برة مسلمة وعرفت الذبح وأقامت حدوده وفرت الاوداج واستقبلت به القبلة والمنهاج، وكذلك الصبي فلا بأس بذبيحته إذا فهم الذبح وأطاقه وفرى الاوداج وأنهرها وعرف ماحدها وقطعها، ولا بأس بذبيحة الجنب والحايض في حال نجاستهما لانهما مليان مسلمان وليس يضيق عليهما في حال نجاستهما إلا الصلاة وقراءة القرآن، فأما ذكر الله سبحانه من تسبيحة وإعظامه وتمجيده فهو واجب عليهما وعلى غيرهما في
---
ص 389..
(12) الانفال 42.
---
[ 390 ] (2/390)
تلك الحال وغير تلك الحال من حالهما، والذبيحة فإنما يطيبها الملة والتسمية، ولو ضاق عليهما ذكر الله في حال ذبحهما لصاق عليهما في غيره من أوقاتهما وذكر الله فلا يضيق على عبادة والملة فلا زمة لهما في حال طهرهما وجنايتهما فلذلك طابت ذبيحتهما. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن ذبيحة المرأة؟ فقال: لا بأس بذبيحتها إذا كانت من أهل الملة وكانت عارفة بمكان الذبح والتذكية وسئل عن ذبيحة الصبي فقال: لا بأس بها إذا عرف الذبح وكان مسلما، وسئل عن ذبيحة الجنب والحائض فقال: لا بأس بذلك.
باب القول في الذبح بالشظاظ من الظفر والحجر والعظم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز الذبح بالشظاظ ولا بالظفر ولا بالعظم ولا بأس بالمروة والحجر الحاد إذا فرى الاوداج وانهر الدم وأبان العروق كما تفعل المدية ولا ينبغي له أن يذبح به إلا أن لا يجد حديدة. وكقلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن راعيا أتي الهى فقال يا رسول الله أذبح بعظم؟ فقال: لا، فقال اذبح بشظاظ؟ فقال: لا فقال اذبح ان خشيت أن تسبقني بنفسها بظفري؟ فقال: لا ولكن عليك بالمروة فاذبح بها فإن فرت فكل، وإلا فلا تأكل.
باب القول في دبيحة الاخرس والعبد الآبق، والاغلف
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس بكلما ذبح هؤلاء المسمون إذا كانوا من أهل الملة، وكانوا بالذبح عارفين وكان الاغلف
---
[ 391 ] (2/391)
تاركا للختان لعلة تقوم له بها عند الله حجة، ومن جازت مناكحته جازت ذبيحته. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن ذبيحة الاغلف والعبد الآبق والاخرس؟ فقال: لا بأس بذبيحتهم إذ صحت الملة لهم وكانوا من أهلها.
باب القول في ذكاة الجنين وما جاء فيه من أن ذكاته ذكاة أمه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قد ذكر في الخبر أن ذكاة الجنين ذكاة أمه وليس يصح ذلك عندنا ولا نقف عليه في قياسنا لان الذكاة لا تجب ولا تصح إلا لما ذكى وقدر على تذكيته خارجا من بطن أمه لانه لا يكون ذكاة واحد ذكاة اثنين كما لا يكون نفس واحد نفس اثنين، وقد يمكن أن يموت في بطنها قبل ذبحها كما يموت عند ذبحها، وقد يحيا في بطنها ويستخرج حيا بعد موتها موجودا ذلك في الانعام وفي غير ذلك من نساء الانام ولا تعمل التذكية بما في بطون الانعام إلا من بعد خروجه حيا وتذكيته كما كانت تذكية أمه فيخروجه حيا وبذبحه ينتظمه اسم ذكاته كما بخروج ولد المرأة حيا وباستهلاله بنتظمه الاحكام في المواريث والصلاة، وليس كلما روي كان حقا ولا ما روى فيه عن الرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صدقا. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الحديث الذي روي أن ذكاة الجنين ذكاة أمه فقال: الجنين يذكى إذا كان حيا مع أمه لانه حياتها غير حياته وموتها غير موته، وقد يمكن أن يموت في بطنها وقد حرم الله الميتة صغيرها وكبيرها.
---
[ 392 ] (2/392)
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ومن ذبح ذبيحة فابان رأسها فلا بأس بأكلها وقد كان يقال تلك الذكاة الواجبة، كذلك كان يقول جدي رحمة الله عليه. قال: ولو أن بعيرا أو بقرة سقطا في بئر قلم يقدر على إخراجهما حيين لوجب على أصحابهما أن يطالبوا منحر البعير أو مذبح البقرة حتى ينحروه أو يذبحوها، فإن لم يقدروا على ذلك منهما طعنوهما حيث ما أمكن الطعن وسموا وأخرجوهما آرابا فأكلوا.
باب القول فيما يجزى من الاضاحي وما لا يجوز منها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لاتجزى من الاضحية عوراء ولا عمياء ولا جدعاء ولا مستأصلة القرن كسرا، ولا يجزي من الابل ولا من البقر ولا من المعز الا الثني، ويجزي من الضان الجذع وخير الاضحية أسمنها، والخصيان منها فقد يجوز وهي سمانها وخيارها. وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه ضحى بخصي موجو. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن المشقوقة الاذن والمثقوبة والمكسورة القرن في الاضحية فقال: كل منقوصة بعور أو جدع فلا يضحى بها إلا أن لا يوجد في البلد غيرها ولا بأس بالخصي لانه أسمن له. وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه ضحى بخصي موجو. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن زيد ابن علي عن آبائه عليهم السلام عن علي ابن أبي طالب عليه السلام أنه قال:
---
[ 393 ] (2/393)
(صعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم المنبر يوم الاضحى فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس من كانت عنده سعة فليعظم شعائر الله ومن لم يكن عنده فان الله لا يكلف نفسا الا وسعها ثم نزل فتلقاه رجل من الانصار فقال يا رسول الله اني ذبحت أضحيتي قبل أن أخرج وأمرتهم أن يصنعوه لعلك أن تكرمني بنفسك اليوم، فقال له صلى الله عليه وعلى آله وسلم: شاتك شاة لحم فإن كان عندك غيرها فضح بها فقال: ما عندي الا عناق لي جذعة فقال ضح بها اما انها لا تحل لاحد بعدك ثم قال: ما كان من الضان جذعا سمينا فلا بأس أن يضحى به وما كان من المعز فلا يصلح. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: يريد بقوله لا يصلح أنه لا يصلح أن يضحى بالجذع من المعز وأما قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من كانت عنده سعة فليعظم شعائر الله) فانه يريد فليستفرهها أن قدر على جزور فذلك أفضل، وان قدر على بقرة فهي أفضل من الشاة، وان لم يقدر إلا على الشاة فليتخيرها ذات سمن ونقاء وسلامة من العيوب والنقصان. وأما قوله للانصاري (شاتك شاة لحم) فإن الانصاري كان قد ذبح بالمدينة قبل ان ينصر الامام ومن ذبح قبل أن ينصرف الامام لم تجز اضحيته لان أهل المدن لا يضحون إلا من بعد إنصراف إمامهم لم بذل جرت السنة وقامت على الناس به الحجة، ولا بأس بأن يخرج صاحبها من لحمها ما شاء ويحبس كما شاء. وكذلك يروى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنه كان نهى أن تحبس لحوم الاضاحي فوق ثلاث)، ثم قال بعد ذلك: (إني كنت نهيتكم عن حبس لحوم الاضاحي فوق ثلاث فاحبسوها مابدا لكم). فوسع لهم ما كان ضيق عليهم فليس فيه حد محدود والجزور
---
[ 394 ] (2/394)
تجزى عن عشرة من أهل البيت الواحد، والبقرة عن سبعة والشاة عن ثلاثة، وأن تكون عن واحد أحب إلي. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن لحم الاضاحي كم يجوز أن تحبس فقال: ما شاء صاحبها ليس في ذلك حد محدود وسئل عن البدنة والبقرة والشاة عن كم تجزى فقال تجزى البدنة عن عشرة، والبقرة عن سبعة والشاة عن ثلاثة. وكان يقول في الرجل المسلم ينسى التسمية عند الذبح فقال: تؤكل ذبيحته، النية والملة تكفيه من التسمية. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إنه إذا تركها ناسيا أكلت وان تركها متعمدا فلا تؤكل ذبيحته ولا كرامة.
باب القول فيمن سرق شاة فذبحها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من سرق شاة من ربها فذبحها بغير إذن سيدها فلا تحل له أن يأكلها، ولا يجوز له أن يطعمها لانها حرام من الله عليه، فان اذن له بعد ذبحها صاحبها في أكلها أو صالحه على قيمة رضيها من ثمنها فلا بأس من بعد ذلك بأكلها. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن رجل سرق شاة وأخذها فذبحها من غير علم صاحبها فقال: لا يجوز له أن يأكلها إذا سرقها ولا غيره ولا يحل له ما حرم الله منها بذبحه لها. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ومن ذبح إلى غير قبلة جاهلا أكلت ذبيحته، ومن ذبح إلى غيرها منحرفا عنها متعمدا لم تؤكل ذبيحته. وقال: تنحر البدنة قائمة حيال القبلة، ويعقل يدها ويقوم الذي يريد أن ينحرها تجاهها ثم يضرب بالحديدة في لبتها حتى يفري أوداجها
---
[ 395 ] (2/395)
فإذا وجبت جنوبها، كما قال الله سبحانه سلخت وأكلت، والوجوب فهو الوقوع والسقوط. قال: ومن ذبح شيئا من قفاه جاهلا أكلت ذبيحته، ومن ذبحه متعمدا لم تؤكل ذبيحته وأحسن في ذلك أدبه. وقال: كل دابة مريضة أو متردية، أو نطيحة ذبحت فتحرك منها ذنب أو رأس أو يد أو رجل أو عضو أو طرفت بعين، فأكلها حلال وهي ذكية كما قال الله عزوجل في ذلك كله: * (إلا ما ذكيتم) * (13) وتأويل ما ذكيتم فهو ما ذبحتم والذبح فلا يقع إلا على ما كان حيا من الذبائح كلها طرا.
باب القول في العقيقة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: العقيقة سنة عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهي شاة تذبح عن الصبي يوم سابعة ثم تطبخ فيأكل منها أهلها ويطعمون من شاؤا ويتصدقون منها، ويستحب لهم أن يحلقوا رأسه ويتصدقوا بوزن شعره عقيانا أو ورقا، وقد ذكر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أنه عق عن الحسن والحسين عليهم السلام وتصدق وأكل وأطعم من عقايقهما) وهذه سنة للمسلمين لا ينبغي أن يتركها منهم إلا من لا يجدها. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل في العقيقة عن الغلام والجارية، فقال: يعق عن المولود بعقيقة ما كان غلاما أو جارية، وكذلك جاء عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويستحب أن يتصدق بوزن شعر المولود فضة أو ذهبا، وكذلك ذكر عن فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنها كانت تفعل ذلك، والغلام والجارية ففيهما
---
ص 395..
(13) المائدة 5.
---
[ 396 ] (2/396)
شاة شاة، ويعق يوم السابع، وانما سميت عقيقة، بحلق رأس المولود يوم السابع فسميت الذبيحة عن المولود كذلك وإنما هو حلق الرأس. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولو أن رجلا أراد نحر جزور أو غيرها من بهيمة الانعام فندت منه فلم يقدر على أخذها وذبحها أو نحرها فرماها بسيفه أو بسهمه أو طعنها برمحه فأدمى وعقر فقتل وكان قد سمى حين رمى أو طعن فلا بأس بأكلها إن كان لم يقدر على نحرها أو ذبحها، وان فعل ذلك متمردا ماثلا بها لم تؤكل وكان عليه في ذلك أدب وتنكيل على المثل بالبهائم والتعدي للسنة في ذبحها إلى ما فعل من المثل بها.
---
[ 397 ] (2/397)
كتاب الاطعمة والاشربة واللباس
---
[ 399 ] (2/399)
بسم الله الرحمن الرحيم مبتدأ أبواب الاطعمة وتفسير ما يحرم منها في الكتاب وفي السنة قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله جل جلاله فيما حرم على عبادة: * (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باع ولا عاد فإن ربك غفور رحيم) * (1) وقال سبحانه: * (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنفقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالازلام ذلكم فسق، اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فإن الله غفور رحيم) *
---
ص 399..
(1) الانعام 145.
(2) المائدة 3.
---
[ 400 ] (2/400)
ما حرم الله من ذلك ولا ينبغي أن يؤكل منه الا دون الشبع قدر ما تعلق النفس إلى أن يفسح الله تبارك وتعالى فانه يقول: * (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) * (3) ويقول سبحانه: * (وما من دابة في الارض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين) * (4) وحرم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكلم لحوم كل ذي ناب من السباع، أو مخلب من الطير فينبغي للمسلمين أن يتركوا كل ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن الله عزوجل يقول: * (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب) * (5) إلا من ضرورة إليه أو حاجة تحمله عليه. ثم قال سبحانه تعريفا لعباده بمنته عليهم وتوفيقا لهم على احسانه إليهم * (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هلي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون) * (6) وقال سبحانه: * (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعلمون عليم) * (7) فأطلق سبحانه لعباده المؤمنين وأنبيائه المرسلين أكل طيبات أرزاقه ولم يحظر عليهم شيئا من هباته وجعل كلما خلق على جه الارض لهم رزقا فأطلق لهم أن يأكلوه من حله ولم يجز لهم أن يأكلوه غصبا من أحد من خلقه، وقال سبحانه في ذلك: * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * (8)
---
ص 400..
(3) الشرح 4 و 5. \ \ \ (7) المؤمنون 51.
(4) هود 6. \ \ \ (8) البقرة 188.
(5) الحشر.
(6) الاعراف 32.
---
[ 401 ] (2/401)
باب القول في غسل اليد قبل الاكل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ينبغي أن توضأ الايدي وتنقى قبل أن يهوى بها في الطعام فإن ذلك أهنأ وأمرأ وأقرب إلى البر والتقوى، فإذا وضع الطعام قال الآكلون: بسم الله وبالله والحمد لله على ماهيأ لنا من رزقنا وأنعم به علينا من طعامنا، فإذا فرغوا من الطعام قالوا: الحمدلله على ما رزقنا والحمد لله الذي أطعمنا وأشبعنا وهيأ لنا من قوتنا وأكرمنا والحمد لله على ذلك شكرا لا شريك له. قال: ولا يأكل أحد بشماله إلا من علة مانعة له من الاكل بيمينه وأن يأكل ن الطعام إذا قرب إليه مما بين يديه إلا أن يكون من التمر فيأكل من حيث أحب وأراد. قال: وبذلك جاءت السنة من الرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان إذا قرب الطعام أكل مما بين يديه ولم يتعده إلى غيره وإذا وضع التمر جالت يده في الاناء.
باب القول في فضل مائدة آل محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفضل من أكل معهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لموائد آل محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فضل على سائر الموائد ولمن أكل معهم فضل على من أكل مع غيرهم تفضيلا من الله سبحانه لهم بولادة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم إياهم ولما أراد سبحانه من إبائة فضلهم وإتمام النعمة عليهم وتظاهر نعمائه عندهم وفي ذلك ما حدثني أبي عن أبيه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (إذا وضعت
---
[ 402 ] (2/402)
موائد آل محمد حفت بهم الملائكة يقدسون الله ويستغفرون لهم ولمن أكل معهم من طعامهم). قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وذلك احتجاج من الله عليهم بما أسبغ من كرامته لديهم فإن شكروا زادهم، وإن كفروا عاقبهم فنسأل الله أن يجعلنا لانعمه من الشاكرين ولا آلائه من الذاكرين، وله سبحانه من الخائفين، وأن يمن علينا بشكر ما أولانا أو عطانا من أفضل العطايا من ولادة سيد المرسلين والاصطفاء على العالمين قال: فإذا فرغ الطاعمون من طعامهم فليغسلوا أيديهم فلينقوها ولا يفعلوا فعل الجفاة الطغاة من تركها فإن غسلها من أفعال الصالحين وتطهرة لعباد الله المصلين.
باب القول في الذباب والخنفساء والفأرة، وما أشبه ذلك يقع في الطعام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا وقع الخنفساء والذبات في الطعام فليخرج وليرم به وليؤكل فإن ذلك لا يحرم طعاما ولا يفسده. وفي ذلك ما بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه أتى بجفنة مأدومة فوجد فيها خنفساء فأمر بها فطرحت وقال: سموا عليها وكلوا فإن هذا لا يحرم شيئا، وأتي بطعام فوجد فيه ذبابا فطرحه ثم قال: كلوا فليس هذا الذي أخرجت منه يحرم شيئا. قال: وإن وقعت فيه فأرة فأخرجت حية فلا بأس بأكل الطعام الذي أخرجت منه وان كانت ميتة طرحت وألقي ما كان حولها من ذلك الطعام وأكل سائره إذا كان لم يصبه من قذرها شئ، فإن وقعت في إناء فيه سمن أو زيت فماتت فيه وكان جامدا ألقيت وألقي ما حولها وإن كان غير جامد فتغير بموتها فيه ريحه أو لونه أو طعمه دفق كله بأسره.
---
[ 403 ] (2/403)
باب القول في أكل الضب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: نكره أكل الضب ولا نحرمه وفي ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنه دخل على زوجته ميمونة ابنة الحارث ومعه عبد الله بن عباس وخالد بن الوليد فإذا عندها ضباب فيهن بيض قال من أين لكم هذا؟ فقالت: أهدته لي أختي هرينة ابنة الحرث، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعبدالله ابن عباس وخالد بن الوليد: كلا فقالا لا نأكل ولم يأكل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: إني ليحضرني من الله حاضرة، فقالت ميمونة: اسقيك يا رسول الله من لبن عندنا؟ قال: نعم، فلما شرب قال: من أين لكم هذا؟ قالت: أهدته لي أختي، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرأيت جاريتك التي كنت استأمرتيني في عتقها أعطيها أختك وصليها بها ترعى عليها فإنه خير لك. وبلغنا أن رجلا نادى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال يا رسول ما ترى في الضب، فقال: لست بآكله ولا بمحرمه.
باب القول فيما يكره أكله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يكره أكل الطافي على الماء من الحوت وما نضب عنه الماء الا أن يدرك حيا، أو يموت في حظيرة حظرت لصيده وجعلت لاخذه، ويكره أكل الحرى والمار ماهي وكذلك روي عن امير المؤمنين عليه السلام ويكره أكل كثير من حرشات الارض مثل القنفذ والضب نكرهه ونعافه وليس بمحرم في كتاب ولا سنة، وكذلك الارنب نعاف أكلها وليست بمحرمة، وقد ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه عافها ولم يأكلها حين أهديت له
---
[ 404 ] (2/404)
وأمر أصحابه بأكلها وهي في ذلك من صيد البر الذي أحله الله لصائده. قال: ويكره أكل الهر الانسي والوشحي ككراهتنا لغيره من السباع. قال: ويكره أكل الطحال، وقد روينا فيه عن علي ابن أبي طالب عليه السلام أنه قال: لقمة الشيطان، ويكره ما عمل أهل الكتاب والمجوس من الجبن لانهم يجعلون فيه إنفحة الميتة. ويكره سمن المجوس واليهود والنصارى كما تكره ذبائحهم لقذرهم ونجاستهم. ويكره أن يأكل الرجل مستلقيا على قفاه أو منبطحا على بطنه، وأن يأكل بشماله. وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه نهى أن يأكل الرجل بشماله، أو مستلقيا أو منبطحا، وكذلك يكره أكل السلحفاة لانه ليس مما خصه الله بتحليل معلوم كما خص غيره من صيد البر والبحر وقد رخص فيه قوم ولسنا نحبه ونكره أكل ما لا نعرف من حرشة الارض. قال: وأما أكل لحوم الجلالة من البقر والغنم والطير فلا بأس به إذا كانت تعتلف من الاعلاف والمراعي أكثر مما تجل. ويستحب لمن أراد أكلها أن يحبسها أياما حتى تطيب أجوافها. قال: وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن أكل لحوم الجلالة من الغنم والبغر والطير فقال: لا بأس به وقد جاءت الكراهية فيها وأرجو إذا كان أكثر علفها غير ذلك إلا يكون بألكها بأس.
---
[ 405 ] (2/405)
باب القول في بركة ما أكل منه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو شرب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقال له جابر وقيل انه أبو طلحة وقد قيل انهما صنعا كل واحد منهما على حدة طعاما يكون الصاع ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنهض فأتاه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجميع من معه، فدخل وأمر بذلك الطعام فوضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتكلم عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بكلام ثم قال أئذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم قال: أئذن لعشرة حتى أكل القوم كلهم وشبعوا والقوم سبعون رجلا أو ثمانون رجلا. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كان كلامه صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الطعام دعاء فيه بالبركة.
باب القول فيمن اضطر إلى أكل الميتة كم يأكل منها وهل يتزود
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من اضطر إلى أكل الميتة أكل منها ما يقيم نفسه ويلزم روحه وله أن يتزود منها إذا خاف ألا يجد غيرها، ولا يجوز له أن يشبع منها ولكن يأكل دون شبعه ثم لا يأكل منها شيئا حتى يعود من الجوع والحاجة إليها إلى حالته الاولى. قال وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن أكل الميتة لم يأكل منها من إضطر إليها فقال: يأكل من الميتة ما يكفيه، ويتزود منها إن خاف ألا
---
[ 406 ] (2/406)
يجد ما يغنيه، فإذا أكل فليس له أن يأكل إلا دون الشبع وليس له أن يفرط في أكله.
باب القول في أكل الطين وخل الخمر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز لاحد ولا ينبغي له أن يأكل ما يضره من الطين لانه يقال ربما قتل، وقد نهى الله عن الالقاء باليد إلى التهلكة، فقال سبحانه: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * (9) وقال سبحانه: * (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) * (10) وكلما أعان على التلف فلا يجوز أكله لمسلم. وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أنه نهى عن أكل الطين وقال إنه يعظم البطن ويعين على القتل. وبلغنا (11) عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: من أكل من الطين حتى يبلغ فيه ثم مات لم أصل عليه. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولا بأس بألك الخل الذي يعمل من العنب الذي يسمى خل خمر لان الله سبحانه إنما حرم الخمر ولم يحرم الخل، والخل فلا يخامر العقل فيكون خمرا محرما. قال: وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن أكل خل الخمر فقال: لا بأس به لانه خل ليس بخمر، وإنما حرم الله الخمر لا الخل.
باب القول في إجابة الدعوة وما يستحب من الوليمة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: المؤمن يجيب المؤمن
---
ص 406..
(9) البقرة 195. \ \ \ (11) في نسخة وبلغنا عن علي عليه السلام.
(10) النساء 29.
---
[ 407 ] (2/407)
ولو إلى لقمة، والوليمة في العرس والختان سنة من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حسنة لا ينبغي تركها لمن قدر علهيا، وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها) وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم لرجل من الانصار تزوج (أو لم ولو بشاة).
باب القول في الاكل بالشمال
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز ولا ينبغي لمسلم أن يأكل بشماله ولا يشرب بشماله إلا من علقة وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه ويشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله).
باب القول في معاء الكافر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (المؤمن يأكل في معاء واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء) وكذلك بلغنا أن كافرا أضافه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأمر له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشاة فحلبت فشرب الكافر لبنها ثم أمر بأخرى فحلبت فشربه حتى شرب ألبان سبع شياة ثم انه أصبح فأسلم فأمر له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشاة فحلبت فشرب لبنها ثم أمر له بأخرى فلم يستتم لبنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (المسلم يشرب في معاء واحد والكافر يشرب في سبعة أمعاء).
---
[ 408 ] (2/408)
باب القول في الاشربة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مدمن الخمر كعابد وثن) ومدمنه هو الذي كلما وجده شربه ولو على رأس كل حول إذا كان مصرا على شربه غير مجمع على تركه ولا تائب منه إلى ربه. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: الخمر هو كل ما خامر العقل فأفسده من عنب كان أو من زبيب أو من عسل أو تمر أو زهو، أو حنطة، أو شعير، أو ذرة أو غير ذلك من الاشياء. قال: وبلغنا عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال. قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (تحرم الجنة على ثلاثة: مدمن الخمر، والمنان، والقتات) وهو النمام. وبلغنا عن علي عليه السلام أنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الخمر وعاصرها ومعتصرها، وبائعها، ومشتريها، وساقيها، وشاربها، وأكل ثمنها، وحاملها، والمحمولة إليه. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لاينغبي أن ينتفع من الخمر بسبب ولا معنى ولا يجوز ان تعمل من بعد تخميرها خلا، لان الله سبحانه حرم ثمنها والانتفاع بها، وإذا حرم الثمن وإنما هو دراهم فهي في نفسها وإن صرفت خلا أشد تحريما. وأما قول الله عزوجل: * (فيهما إثم كبير للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) * (12) فإن المنافع هو ما كان ينتفعون به في الجاهلية قبل الاسلام من بيعها والانتفاع بمثنها والربح فيها فحرمها الله تبارك وتعالى عليهم وأعلمهم أن اثمها أكبر من الانتفاع بثمنها وربحها.
---
ص 408..
(12) البقرة 219.
---
[ 409 ] (2/409)
قال: وحدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الخمر تصنع خلا؟ فقال آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرون الانتفاع بها في خل ولا غيره لان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمرهم بإهراقها وحرم ملكها يوم حرمت الخمر.
باب القول في المسكر والسكر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام: أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كل مسكر حرام). وبلغنا عن زيد بن علي عليه السلام عن آبائه أن أمير المؤمنين عليه السلام أتي برجل قد شرب مسكرا فجلده الحد ثمانين. قال وبلغنا عن زيد ابن علي عن آبائه عن علي عليه السلام أنه قال: (المسكر بمنزلة الخمر). قال: وحدثني أبي عن أبيه: قال حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن حسين ابن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان يجلد في قليل ما أسكر كثيره كما يجلد في الكثير. قال: وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن المسكر أخمر هو؟ فقال: وقد جاءت في ذلك آثار وأخبار إن كل مسكر خمر وحدهما واحد واسمهما واحد وإن إفترقا في المعنى، وكلما أسكر كثيره فقليله حرام. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: إنما سمي الانسان إنسانا لما فيه من طبع النسيان، وسميت السماء سماء لسموها وعلوها واستقلالها وإرتفاعها، وسميت الريح ريحا لما فيها من الروح، وسميت الجن جنا لا ستجنانها عن الابصار، وكذلك كثير من الاشياء لم تسم إلا لمعنى، من ذلك ما تسمى الطلعة طلعة لطلوعها عن جذعها وكذلك
---
[ 410 ] (2/410)
سمي الرطب رطبا لرطوبته ولينه، وكذلك الخمر سميت خمرا لمخامرتها العقل وإفسادها له فكلما خامره حتى يفسده ويبطله فهو خمر لمخامرته إياه كائنا ما كان عنبا أو تمرا أو مبيبا أو برا أو غير ذلك من الاشياء. قال: وبلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: أنه قال ما أسكر كثيره فقليله حرام، وبلغنا عن جعفر ابن محمد رضي الله عنه عن أبيه انه قال: لا تقيه في ثلاث: شرب النبيذ، والمسح على الخفين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. وبلغنا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: نهينا أن نسلم على سكران في حال سكره. وبلغنا عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: قا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما أسكر كثيره فقليله حرام اللهم اني لا أحل مسكرا). قال: وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الطلا وغير الطلا (13) من الزبيب والعسل وغير ذلك فقال: ما لم يسكر كثيره فحلال قليله وكثيره، وما أسكر كثيرة فقليلة حرام على كل حال، وسئل عن المثلث الذي يطبخ حتى يذهب نصفه فلا يسكر فقال: وهذا أيضا ما أسكر منه كثيره فقليله حرام وما لم يسكره كثيره فطيب حلال. قال: وحدثني أبي عن أبيه: أنه قال: بلغنا عن أمير المؤمنين عليه السلام: أنه قال (لا أجد أحدا يشرب خمرا ولا نبيذا مسكرا إلا جلدته الحد ثمانين).
---
ص 410..
(13) الطلا ما طبخ حتى يذهب ثلثاه.
---
[ 411 ] (2/411)
باب القول في الشرب في آنية الذهب والفضة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز عندنا الشرب في آنية الذهب والفضة ولا في الآنية المذهبة ولا المفضضة ولا بأس بالاكل والشرب والانتفاع مما كان من الآنية سوى ذلك من النحاس والرصاص وغيرهما من الآنية. قال: وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الشرب في النحاس والرصاص والصفر والشبه والاناء المفضض فقال: لا بأس بالشرب في ذلك ويكره الشرب في الاناء المفضض.
باب القول فيمن شرب وأراد أن يسقي أصحابه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا شرب الرجل ماء أو لبنا، أو جلابا، أو غير ذلك مما يسع أصحابه أن يشرب ثم يدفع المشروب إلى من على يمينه فيدور الاناء حتى يرجع إلى من هو عن المشروب إلى الاول، وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أنه أتى بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام (14) وعن يساره مشايخ فقال للغلام أتأذن لي أن عطي هؤلاء فقال الغلام لا والله يا رسول الله ما أؤثر بنصيبي منك أحدا فقبله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في يده).
---
ص 411..
(14) الغلام هو عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
---
[ 412 ] (2/412)
باب القول فيما جاء من النهي عن الشرب في آنية الذهب والفضة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز الشرب في آنية الذهب والفضة ولا الاكل فيها ولا أرى أن يؤكل ولا أن يشرب فيما كان من الآنية مرصعا بهما، وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يججر في بطنه نار جهنم) قال: ونهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن النفخ في الشراب. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا رأى الشارب شيئا يحتاج إلى نفخه فليأخذه بيده فليلقه من شرابه أو ليهرقه منه.
باب القول في أبواب اللباس
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لبس الحرير لا يجوز للرجال إلا في الحروب، إلا أن يكون الثوب ليس بحرير كله ويكون فيه مع الحرير غيره، ولا يجوز لهم التختم بالذهب، وكذلم بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: (أهديت لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أثواب حرر فأمرني فقسمتها بين النساء). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا أحب الصلاة في شئ من الخز لاني لا آمن أن يكون فيه شئ من الميت لفساد الدهر وفسالة عماله، فأما الحرير فلا بأس أن يلبس الرجل الثوب الذي بعضه حرير وبعضه غير حرير إذا كان غير الحرير الغالب على الحرير وكان أكثر من نصفه. قال: وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن لبس الحرير للرجال
---
[ 413 ] (2/413)
فقال: لا بأس به إذا لم يكن الثوب خالصا كله منه وكان ما فيه من غير الحرير هو الاكثر الاغلب وكان دون ما فيه من غيره، فإن ترك ذلك تارك تحرزا وكان عنه مستغنيا كان ترك لباسه أفضل لما جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
باب القول في التستر في أنهار الماء والحمامات
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا ينبغي لاحد أن يكشف عورته لدخول الماء أو دخول الحمام لان الله قد أمر بستر العورات، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (عورة المؤمن على المؤمن حرام) ويستحب لمن دخلها وحده أن يستتر أيضا، ونوجب على من دخلهما مع غيره الاستتار ايجابا.
باب القول في لباس جلود الثعالب والنمور، وغيرها من الدواب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كلما حرم الله أكله من ذلك فلا يجوز لباس جلودها ولا الانتفاع بها ولا بشئ من أمورها. قال: وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن جلود النمور فقال: لا تلبس جلود ما حرم الله أكله ولا جلد ميتة دبغ أو لم يدبغ ولا يحل من الميتة جلد ولا قرن ولا عظم ولا عصب. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولا بأس بلباس فراء الغنم إلا ما كان من جلد ميتة فإنه لا يجوز ولا يحل الانتفاع بشئ منها.
---
[ 414 ] (2/414)
باب القول في المرأة تصل شعرها بغيره من الشعر وتغيير الشيب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن تصل الامرأة في شعرها شعرا أو صوفا من شعر الغنم فأما شعر الناس فلا يحل لها أن تصله بشئ من شعرها وفي الواصلة شعرها بشعر الناس ما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أنه لعن الواصلة والموتصلة. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولا بأس بتغيير الشيب إن غيره مغير وتركه على خلق ربه أفضل وقد روي عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب صلوات الله عليه أنه قيل له حين كثر شيبه لو غيرت لحيتك، فقال إني لاكره أن أغير لباسا ألبسنيه الله عزوجل.
باب القول فيما ينبغي ان يتجنب لبسه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لانحب أن يلبس الرجال من الثياب المصبوغ المشبع ولا ذا الشهرة بالتلوين إلا في الحروب، ولا نحب أن يلبس من الميتة شئ لانعل ولا خف ولا بأس بشعرها وصوفها ووبرها إذا غسل فأنقي لانه ليس مما يلزمه ذكاة وهو فقد يؤخذ من الدواب الحية. قال ولا ينبغي أن يخز شعر الخنزير لانه محرم على كل حال حيا وميتا، وما حرم الله على كل حال حرم الانتفاع بشئ منه. قال: وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الخزز بعشر الخنزير، فقال: الترغيب عنه والترك له أفضل. وسئل عن صوف الميتة وشعرها ووبرها فقال: لا بأس به كله إذا غسل فأنقي لانه ليس مما يلزمه ذكاة، وقد يؤخذ من الدابة وهي حية.
---
[ 415 ] (2/415)
قال: وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن لباس الاكسية المصبوغة التي يجعل في صبغها البول فقال: إذا غسل حتى ينقى ولم يتبين فيه أثر فلا بأس بذلك ولا يلبس في الصلاة إلا بعد غسله وإنقائه مما كان فيه. قال: وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الجلود إذا دبغت جلود الميتة فقال: الحديث فيها مختلف، وقد جاء فيها من النهي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في كتابه إلى مزيتة (15) ولا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب، ولا يحل الانتفاع بأهلها ولا عصبها كما لا يحل الانتفاع بلحمها ولا شئ منها. قال: وحدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن لبس الاصفر والمعصفر من الثياب فقال: لا يلبس الرجال من الثياب المقرم (16) وهو المشبع ولا نحب لاحد أن يلبس شيئا من المشهر وليس يرخص في لبس شئ من ذلك إلا في الحرب. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لا يجوز لبس كلما وصف البدن برقته من الثياب في الصلاة لمرأة ولا لرجل إلا أن يكون تحته ما يستر لابسه من الثياب غيره. قال: وحدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن لبس السابري والشظوي والقصب للنساء فقال: لا بأس به إذا استترت ولم يظهر منها شئ مما يكره أن ينكشف وما وصف من ذلك وسخف حتى يرى منه مالا تحل رؤيته لم يحل لبسه. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: أراد أنه
---
ص 415..
(15) في نسخة جهينة.
(16) القرام ككتاب الستر الاحمر أو ثوب ملون من صوف فيه دقم ونقوش أو ستر رقيق كالمقرمة كمكنسة تمت قاموس. وفي نسخة المقدم قال مجمل اللغة ضيع مقدم أي خائر مشبع ومنه الرجل الفدم. تمت.
---
[ 416 ] (2/416)
لا يجوز لهن ولا يحل أن يلبس ذلك قدام الناس فأما في الخلوة ومع أزواجهن فلا بأس بذلك لهن. قال: وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن لباس الخاتم للرجال فقال: لا بأس بذلك ما لم يكن ذهبا، والذي عليه أهل بيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لبس الخواتيم في الايمان. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: بذلك جاء الاثر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه تختم في يمينه، وعن علي عليه السلام وعن الحسن والحسين، وعن خيار آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذلك الواجب عندي لان الخاتم يكون فيه اسم الله وذكره فينبغي أن يبعد عن اليسار لاستعمالها في إماطة ما يماط بها من الاقذار من الغائط وغيره. قال: وحدثني أبي عن أبيه عن لباس الصبيان الخلاخيل فقال لا بأس بها للجواري والنساء، ويكره ذلك للصبيان الذاكران كما يكره للكبار.
باب القول في إسبال الازار
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ينبغي للمرأة أن ترخي درعها وتجر إزارها حتى تستتر قدماها وغيرهما منها وفي ذلك ما بلغنا عن أم سلمة زوج الني صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنها قالت للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما ذكر الازار فالمرأة يا رسول الله، فقال: ترخي شبرا قالت إذا ينكشف عنها، قال فذراعا لا تزيد عليه. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ينبغي للمرأة أن تجر من ذيولها وملاحفها حتى تستتر جوانبها وقدماها، وليس للر جال ذلك أكثر ما يرخي الرجل ثوبه إلى ظهر قدميه.
---
[ 417 ] (2/417)
باب القول في التجمل بالجيد من الثياب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ينبغي لمن رزقة الله لباسا وكساه رياشا أن يرتاش به ولا يبدي خلة وقد ستره الله منها، وفي ذلك ما يقول الله تبارك وتعالى: * (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يجب المسرفين) * (17). قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: المسرف هاهنا هو المسرف على نفسه بالانفاق في معاصي الله والتبذير فيما لا يرضى الله من الامر الذي يكون فيه المنفق معاقبا عند الله فنها سبحانه عباده عن صرف رزقه في معاصيه واجتراء بالانفاق فيما يعاقب عليه، فأما إنفاق المرء على إخوانه وإطعامه لهم إنفاقه وعلى أضيافه وعلى غشيه، يطلب رفده منهم فلا يكون ذلك إسرافا وإن كان على نفسه آثرهم، وكيف يكون الاسراف كذلك، أو يكون على غير ما قلنا من الانفاق في معاصي الله ذلك، أو يجوز إلا يحب الله من عباده من فعل ما قد حضه عليه وحمده الله وحده فيه وذلك قول الله سبحانه في الانصار حين آثروا على أنفسهم وآثروا بقوتهم غيرهم وأنزلوا الخصاصة بعيالهم وأولادهم وأنفقوا أموالهم على من هاجر إليهم فقال عزوجل: * (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) * (18) فحمدهم بالانفاق في طاعته وشكرهم على ادخال الخصاية عليهم وعلى عيالهم والابثار بقوتهم لغيرهم ولم يذم ذلك من فعلهم.
---
ص 417..
(17) الاعراف 31.
(18) الحشر 9.
---
[ 418 ] (2/418)
وفي ذلك ما يقول ويثني وبذكر آل محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالايثار بقوتهم غيرهم، والصبر على الجوع واطعام المسكين، واليتيم والاسير لوجه الله تعالى، فقال سبحانه وتعالى في ذلك: * (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا، إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا، وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا) * (19) ثم نسق سبحانه فضائلهم في ذلك وما أعطاهم به، وعليه في السورة إلى قوله: * (إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا) * (20) ففي هذا ومثله ما تبين والحمد الله عليه رب العالمين وكان في إنفاقه من المتفضلين وبإخراجه من المحسنين في حكم أحكم الحاكمين. فان قال بخيل شقي، أو مفتر غوى أنه قد يخرج وينفق من ذلك على من لا يستأهله قيل له إن لم يستأهل المعطى فالمعطي يستأهل أن يفعل المعروف إلى أهله وإلى غيره أهله فيؤدي ما يجب عليه من ذلك إلى أهله ويدفع بما يخرج لغيرهم عن عرضه ويتألفهم به لدينه، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك وأمر به وفي ذلك ما يقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم (اصطنع المعروف في أهله ومن ليس بأهله. فإن أصب أهله فهو أهله وإن لم تصب أهله فأنت أهله). وقد كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يطعم اليهود ويهب لهم وهم به كافرون ولما جاء به من الحق جاحدون وفيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم الاسوة لجميع المؤمنين كما قال الله عزوجل: * (لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله
---
ص 418..
(19) الدهر 8. \ \ \ (20) الدهر 23.
---
[ 419 ] (2/419)
كثيرا) * (21) فهذا كله حجج تبين أن الاسراف لا يكون إلا فيما يعاقب عليه الانسان من الانفاق في السرف والعصيان لا فيما يشكر الله عليه مما أمر به من الاحسان وإنما يتأول الآية على غير ما به قلنا من لم يوق شح نفسه وكان بما هو فيه من اللوم مسخوطا عند ربه فهو يحرف التأويل والمقال ويتحيل في ذلك لضبط الاموال والاكل وحده والمنع لرفده وحرمان ضيفه وجاره ثم يرى أنه في ذلك مصيب وأن من خالفه جاهل غير أديب فهو ومن كان مثله كما قال ربه: * (قل هل ننبئكم بالاخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) * (22)
باب القول في اللباس وما يجوز أن يلبس من الثياب وغير ذلك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: نهي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يشتمل الرجل بالثوب الواحد على أحد شقيه، وأن يحتبي بالثوب الواحد ليس على فرجه منه شئ وعن المشي في فرد نعل وعن القرائة في الركوع، وعن لبس الذهب وتختمه، وعن لبس المعصفر للرجال وغيره من المصبوغ إلا في منازلهم بين أهلهم. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الاشتمال بالثوب الواحد على أحد الشقين لانه إذا فعل ذلك بدا فرجاه وفخذاه وإنما تلك لبسة جفاة الاعراب الاردياء وأهل الدعارة من سكان القرية السفهاء.
---
ص 419..
(21) الاحزاب 21.
(22) الكهف 103.
---
[ 420 ] (2/420)
كتاب الوصايا
---
[ 421 ] (2/421)
بسم الله الرحمن الرحيم
باب القول فيما يفعله الحي عن الميت من حج أو عتق أو صدقة أو غير ذلك من أبواب البر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قد جاءت في هذا روايات واختلفت فيه المقالات وروى أنه ينفعه ويجزي عنه والله أعلم بصدق ما روي فيه وما أحسب أن ذلك بصحيح، والذي أرى أنا أن كل شئ أخرجه حي عن ميت فهو للحي دون الميت لان البر لمن بر، والعتق لمن أعتق، والحج لمن حج، وكل من فعل خيرا جزي عليه به، إلا أن يكون الميت أوصى بذلك أو أمر به أو طلبه من أقاربه فإن كان ذلك كذلك أجرى عليه الله أجر ذلك. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: استحب للمسلمين أن يثبتوا في وصاياهم ما استحببت لنفسي وأثبته في وصيتي وأمرت به أهل بيتي ومن أحب أن ينيله الله كل خير وهو أن يكتب وصيته فيقول: بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين وصلى الله على محمد النبي وعلى أهل بيته الطاهرين، شهادة من الله يشهد بها يحيى بن الحسين بن القاسم يشهد على ما شهد عليه الله سبحانه لنفسه، يشهد أنه لا إليه إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إليه إلا هو العزيز الحكيم، اللهم من عندك وإليك وفي قبضتك وقدرتك عبدك وابن عبديك هذا ما أوصى
---
[ 422 ] (2/422)
به يحيى بن الحسين أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الذين كله ولو كره المشركون، أرسله لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، ويشهد أن علي بن أبي طالب عليه السلام أخو رسولك ووليك والقائم بحجتك بعد رسولك، والداعي إلى إطاعتك والمجاهد لمن عند عن إجابتك وإتباع سنة نبيك صلى الله عليه وعلى آله وسلم الباذل نفسه وماله لك، الشاهر سيفه دون حقك وفي أمرك وأمام رسولك الصابر لك، المصطبر في طاعتك في السراء والضراء والشدة والرخاء واللاوا أولى الناس بك وبرسولك، وأعظمهم عناء في أمرك وسبيلك، ونتقرب إليك بولايته وبودته وبولاية من تولاه، وبمعاداة من عاداه ونشهد أنه أحق خلقك بمقام رسولك صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنه خليفته من بعده في عبادك اخترته لهم وافترضت طاعته من بعد رسولك عليهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة وأن الله لسميع عليم. اللهم اني أشهدك يا رب، وكفى بك شهيدا، وأشهد حملة عرشك، وأهل سماواتك وأرضك ومن ذرأت وبرأت وخلقت وفطرت وركبت وجعلت وصورت ودبرت بأنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، وأن محمد عبدك ورسولك، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبولا، وإنك واحد أحد صمد فرد، لم تلد ولم تولد، ولم يكن لك كفوا أحد لا شبيه لك ولا نظير، ولا ند ولا عديل، ولا يشبهك شئ وليس كمثلك شئ، وأنت السميع البصير، لا تحيط بك الاقطار، ولا تجنك البحار ولا تواري عنك الاصتار، ولا تحدق بك السموات والارضون، ولا يتوهمك بتحديد المتوهمون، ولا يستدل عليك المستدلون إلا بما دللت به على نفسك من أنك أنت سبحانك الواحد
---
[ 423 ] (2/423)
الجليل، والخلق عليك دليل، وأنك لا تقضي بالفساد، ولا تجبر على العصيان العباد، برئ من أفعالهم تقضي بالخير وتأمر به وتنهي عن الفجور والبغي، وتعذب عليه،. صادق الواعد والوعيد، الرحمن الرحيم بالعبيد، أقول فيك بما ذكرت من العدل والتوحيد، وتصديق الوعد والوعيد، قولا مني مع من يقول به، وأكفيه من أبا القبول له، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اللهم من شهد على مثل ما شهدت عليه وبه فاكتب شهادته مع شهادتي، ومن أبي فاكتب شهادتي مكان شهادته واجعل لي به عهدا يوم ألقاك فردا أنك لا تخلف الميعاد. ثم يوصي يحيى بن الحسين من بعد ما شهد به لله من شهادة الحق كل من اتصل به وعرفه أو لم يعرفه من والد وولد قريب وبعيد بتقوى الله وحده لا شريك له، وبطاعته والاجتهاد له في السراء والضراء، والخوف منه والمراقبة له فإنه يعلم السر وأخفى، ويعلم خاينة الاعين وما تخفي الصدور، وبالامر بالمعروف الاكبر، والنهي عن التظالم والمنكر، والارصاد لامر الله، فمن علم أنه مستحق للقيام بأمر الله مستأهل له، فيه الشروط التي تجب له بها القيام والامامة من الدين والورع والعلم بما أحل الكتاب، وما حرم من الاسباب والحلم والشجاعة والسخاء والرأفة بالرعية والرحمة لهم، والتحنن عليهم، والتفقد لامورهم، وترك الاستئثار عليهم، وأداء ما جعل الله لهم إليهم وأخذ ما أمر الله بأخذه من أيديهم على حقه وصرفه في وجوهه وإقامة أحكامه وحدوده، والثقة بنفسه على عبادة ربه فليقم لله بفرضه وليدع الناس إلى نفسه، وجهاد أعداءه والامر بالمعروف والنهي عن المنكر لايني، ولا يفتر، ولا يكل ولا يقصر، فإن ذلك فرض من الله عليه لا يسعه تركه، ولا يجوز له
---
[ 424 ] (2/424)
رفضه واجب علهى في الخوف والامن، والرخاء والشدة والمحنة والبلاء، ومن لم يثق بنفسه ولم يكن كاملا في كل أمره فليتق الله ربه ولا يدخل في شئ من هذا فإنه ليس له ذلك وليرصد لاعداء الله وليعد سلاحه وما قدر على إعداده ولينتظر أن يقوم لله حجة من أهل بيت نبيه من فيه هذه الشروط، فينهض معه ويبذل نفسه وماله فإن ذلك أقرب ما يتقرب به إلى الرحمن ويطلب به الفرار من النيران، ومن مات من المؤمنين منتظرا لذلك مات شهيدا مقربا فائزا عند الله مكرما. ثم يسأل يحيى بن الحسين ويطلب من والده وولده وولد ولده إلى يوم القيامة وأخوته وإخوانه وعمومته وبني أعمامه وكل أقر بائه ومواليه وشيعته وأهل مودته، وكل من أحب أن يبره ببر، أو يتقرب إلى الله له بصلة في حياته وبعد وفاته أن يهبوا له هبة مبتوته يقبلها منهم في حياته وبعد وفاته ما أمكنهم من بر أو هبة أو صلة من عتق رقاب مؤمنة عفيفة زكية مسلمة لا يعلم عليها إلا الخير ولا ترمي بشئ من الصير أو كفارات عما أمكنهم من الايمان أو صدقة بما أمكن من ثياب أو إطعام أو نقد، أو سقي ماء في المواطن المحمودة، ويسألهم ان لا يحقروا له شيئا من الاشياء ما بين حبة إلى أكثر بإن الله يقبل اليسير ويعطي عليه الكثير، فن أمكنه ما سأله يحيى بن الحسين شئ قل أو كثر فليقل عند إخراجه له هذا ما استوهبنيه يحيى بن الحسين رحمة الله عليه وقد وهبته له وصرفته حيث أمرني به وسألني أن أصرفه فيه من الوجوه التي يتقرب بها إلى الله عز وجل اللهم أنفعه بذلك وأعطه فيه أمنيته وبلغه به أمله في دار آخرته إنك عزيز حكيم، ولا يختار، ليحيى بن الحسين من أحب بره ممن سمى من والديه وولده وولد ولده إلى يوم القيامة إن بقي له عقب أو أنمى الله له نسلا، وأخوته، وإخوانه، وأمامه وبني أعمامه وجميع أقاربه ومواليه وشيعته وأهل مودته إلا أزكا ما يقدر عليه وأطيبه وأحله، ويسأل يحيى بن
---
[ 425 ] (2/425)
الحسين من سماه وسأله البر له أن بلغه الله ظهور إمام عدل عادل فقام معه أحد ممن فرض الله عليه نصرته والقيام معه إن شاء الله تعالى أن يسأله الدعاء له بالرحمة والمغفرة والرض والرضوان والتجاوز والاحسان. ويسأل يحيى بن الحسين من حضر ذلك وبلغه ممن سأله من الرجال أن يشركه في قيامه مع الامام وجهاده معه وقيامه بين يديه وقعوده وحملاته بين يديه وإخافته للظالمين وإحسانه إلى المؤمنين. ثم يحيى بن الحسين يسأل الله أن يسحن جزاء من فعل شيئا مما سأله وبره بذلك ووصله، ويسأل الله أنى صله ويعطيه على ذلك أفضل العطاء إنه قريب مجيب ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخر حسنة وقنا عذاب النار، ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وحسبنا الله ونعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير. ثم يوصي الموصي من بعد ذلك كله بما كان له وعليه وبما أحب في ماله وولده وجميع أسابه ولا ينسى حظه من ماله أن يقدم منه ما ينبغي له ويجوز له تقديمه بين يديه وإدخاره ليوم يحتاج فيه إليه ولا يسرف في وصيته وليذكر من يدع وراءه من عولته، ولا يجوز في ذلك إلا الثلث مما ترك فإن ذلك أكثر ما يكون له، ويجوز له القول والامر فيه.
باب القول في وصيتة المريض والحامل، والملاقي للقتال
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: للمريض في أول مرضه أن يعتق ويهب في ماله ما شاء، وليس له إذا ثقل واشتدت علته أن يجوز في شئ من أموره الثلث، فإن جاوز الثلث كان الامر فيما جاز به الثلث
---
[ 426 ] (2/426)
إلى الورثة إن شاء وا أجازوه، وإن شاء واردوه إلى الثلث. وكذلك الحامل يجوز فعلها في أول حملها فإذا أتى عليها أول تمام الحمل من الوقت الذي تضع الحمل في مثله وهو ستة أشهر وذلك قوله الله سبحانه: * (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) * (1) والفصال حولان، وذلك قول الله سبحانه: * (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) * (2) وما فضل على الحولين أقل تمام الحمل الذي يمكن أن تضع المرأة ولدها فيه تاما وهو ستة أشهر، لان الحولين أربعة وعشرون شهرا، والباقي ستة أشهر من الذي ذكر الله تبارك، فإذا جاوزت المرأة ستة أشهر لم يجز لها أن تحدث في مالها شيئا أكثر من الثلث إلا أن يجزيه الورثة بعد وفاتها، وهم في ذلك مخيرون إذا هلكت إن شاءوا أجازوا ما كان فوق الثلث من وصيتها، وإن شاءواردوه إلى الثلث. وكذلك صاحب اللقاء في الزحف له أن يفعل في ماله ما شاء ما لم يصاف عدوا، أو يزحف لقتال، فإ زحف للقتال ودنا من مصافة الرجال، وتخولست الارواح بين الابطال وحمي الطعان وتناوش الاقران فليس له أن يوصي بأكثر من الثلث في ماله، فإن أوصى بأكثر من ذلك فالورثة بالخيار إن شاءوا أجازوا ذلك وإن شاءوا وردوه إلى الثلث.
باب القول في الوصية للوارث
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: حم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: بأن لا وصية لوارث وهذا عندي فصحيح من قوله لانه أقرب إلى الرشد والحق، وأبعد من الظلم والباطل لانه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد نهى أن ينحل الرجل إبنه نحلا دون سائر
---
ص 426..
(1) الاحقاف 15.
(2) البقرة 233.
---
[ 427 ] (2/427)
ولده، ولم يختلف في هذه الرواية والوصية إذا لم تكن أوكد من النحل فليست تكون بدونه. قال: وإنما أراد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله: (لا وصية لوارث) التسوية بين الورثة، وأن يصير إلى كل وارث ما حكم الله له من ميراثه، فأما الثلث فله أن يوصي به لمن شاء من قريب أو بعيد، فإذا جازت الوصية للبعيد فالقريب أجدر أن تجوز له، وإنما حظر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الموصي أن يوصي لبعض الورثة بما لا يملكه دون سايرهم وذلك فهو ما زاد على الثلث فاما الثلث الذي هو أملك به منهم ففعله جائز فيه وحكمه ماض عليه يوصي به لمن شاء من قريب أو بعيد لان الله قد أطلق له أن يوصي به لمن شاء، وصلة الرحم القريبة أقرب إلى الله من صلة الاجنبي، ورصول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى أن يأمر بصلة الرحم ويؤكدها وبحث على التزيد أقرب منه إلى أن ينهى عن ذلك وليس يخرج قوله لا وصية الوارث ولا يجوز عليه عندنا إلا على ما قلنا من أنه لم يجزها فيما لا يملك مما زاد على الثلث. فإن قال قائل وكذلك أيضا لا يجوز أن يوصي لغير الوارث في غير الثلث فما معنى قوله لا وصية الوارث قيل له إن القريب خلاف البعيد، والبعيد إذا لم يجز الورثة له وصيته فيها سوى الثلث فيما بينه وبينهم قطيعة رحم والقريب منه إذا أوصى له بشئ فيما زاد على الثلث فلم يجز ذلك له الورثة وهم أقرباؤه خشيت بينهم في ذلك القطيعة والتباعد بل لا أشك في ذلك منهم، فنهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك في القريب خاصة لان يعتزله المسلمون ولا يرضونه مخالفة منه لما ذكرنا من دخول القطيعة فيما بينهم فأكد عليهم في ذلك تأكيدا،
---
[ 428 ] (2/428)
والغريب الاجنبي لا يخشى فيه مثل ذلك فلم يذكره، والثلث فهو للميت وليس لاحد فيه متكلم قريب ولا بعيد فهذا الفرق بين ما عناه سؤال السائل والجواب فيه والله الموفق لكل خير. قال فإن استأذن الميت الورثة عند وصيته في أن يوصي لوارثه أو لغير وارثه بأكثر من ثلثه فأذنوا له في ذلك جاز له أن يوصي بمقدار ما أذنوا له فيه ولم يكن لهم أن يردوا ذلك بعد وفاته عليه، وقد قال غيرنا إن ذلك لا يجوز، ولسنا نلتفت إلى ذلك من قوله من قاله، وإن أطلق له بعضهم وأبى بعضهم جاز له بمقدار حصة المطلق في وصيته.
باب القول في الوصية
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن أوصى رجل إلى رجل بوصية فقبلها ثم أراد أن يخرج منها في حياته وقبل وفاته فذلك له، وإن قبلها في حياته وأراد الخروج منها بعد ذلك لم يكن له ذلك. وكذلك إن أوصى الميت إلى غائب فبلغته الوصية فردها فلم يقبلها كان ذلك له، وإن قبلها حين بلغته وأراد الخروج منها بعد ذلك لم يكن له ذلك. قال: ومن أوصى بوصية فله أن ينقضها ويثبتها، ويبطلها ويزيد فيها وينقص منها كل ذلك جائز له أن يفعله في وصيته. قال: وأيما رجل أوصى لرجل بوصية فمات الموصى له قبل الموصي فليس لورثة الموصى له شئ وهي راجعة على ورثة الموصي. قال: ووصايا أهل الذمة للمسلمين جائزة، ووصايا المسلمين لاهل الذمة جائزة.
---
[ 429 ] (2/429)
باب القول في إشارة الميت برأسه في الوصية
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا حضرته الموفاة فأصمت فقال له بعض الورثة يا فلان تعتق عبدك فلانا فأشار برأسه أي نعم، فقال له تصدق بكذا وكذا من مالك؟ فقال نعم، وقد روي عن الحسن والحسين عليهما السلام أنهما فعلا ذلك بإمامة إبنه أبي العاص بن الربيع الاموي وأمها زينب إبنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكان علي بن أبي طالب عليه السلام قد تزوجها من بعد وفاة فاطمة إبنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذلك أن فاطمة إبنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سألته أن يتزوجها وهي إبنة أختها فأشارت برأسها نعم فأجازا ذلك وأنفذاه، وما أرى أنهما صلوات الله عليهما فعلا ذلك حين خاطباها في ذلك الوقت إلا وقد أيقنا أن معها طرفا من عقلها. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وإذا كان ذلك كذلك صح وجازت إشارتها.
باب القول في الوصايا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا أوصى إلى رجل أو إلى ثلاثة رجال غيبا فلما أن بلغتهم الوصية قبل واحد وأبي اثنان أن يقبلا لكان القابل وصيا على جميع المال قائما به يقوم في جميع الوصية مقامهم كلهم. قال: ولو أن وصيا لموصي أنكح إمرأة ممن أوصى بها الموصي إليه جاز ذلك إذا لم يكن لها ولي عصبة.
---
[ 430 ] (2/430)
فإن كان لها ولي لم يجز إنكاح الوصي لها إلا بأمر الولي، وبعد رضائه واجازته لذلك فيها. قال: ولو أن رجلا أوصى إلى رجلين بولد له صغار وكان له دين على الناس وودائع وكان علهى دين وعنده ودائع فلا بأس أن يقوم بذلك احد الوصيين إذا كان شاهدا وغاب صاحبه وما فعل من ذلك من قبض شئ من تحت يده أو دفع شئ إلى صاحبه فذلك جائز له إذا كان لم يتعد فيه الحق ولم يجز ما ينبغي. وقد قال غيرنا إنه ضامن لما أخرج بغير أمر صاحبه، ولسنا نرى ذلك ولا نقول به. قال: وان كان الورثة صغارا أو كبارا كان للوصيين أن يبيعا ما كان للميت وينفذا وصيته إلا أن يكون ما ترك عرضا من العروض مثل العقار والضياع، والعبيد فإنه لا يحدث في مثل هذا حدث، إلا أن بأمر الورثة الكبار. قال: فإن كان للورثة الصغار عقار ورثوه من أمهم ثم مات أبوهم وأوصى بهم إلى وصي لم يكن للوصي بيع شئ من ذلك ولا إخراجه من ملكهم لان أباهم لم يكن له أن يبيع ذلك فكيف لوصي أبيهم وعليه أن يحرص في عمارته ويجتهد في إصلاحه لترجع عليهم غلته فتغنيهم عن بيعه، وإن اختلفت ضياعهم وانقطع عنهم الرافد من ثمارهم وخشي الوصي عليهم الهلكة فلا بأس أن يحييهم من مالهم بشئ، بالمعروف عند الضرورة والحاجة.
---
[ 431 ] (2/431)
باب القول في الرجل يوصي له الرجل ببعض ماله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا أوصى لرجل بثلث ماله كله يريد به كلما يملك من ناض أو عرض، أو غير ذلك كان ذلك الموصى له شريكا لهم في تلك الاموال ناضها وعرضها يضرب معهم بالثلث يقاسمهم ما أمكن قسمته، وما لم يمكن قسمته بيع فقسم بينهم أو يقاوموه فأخذه بالقيمة بعضهم، والموصى له في ذلك على حقه يأخذه ويطالب به من قليل ما ترك الميت وكثيره ودقيقة وجليله ليس للورثة أن يعطوا الموصى له ناضا عن العروض ولا عرضا عن النقود إلا أن يشاء ذلك هو ويريده فيبيعهم حقه بيعا بثمن يرضاه يأخذه نقدا، أو يشتري منهم بنصيبه من النقود عرضا فإن أراد ذلك جاز له ولهم الشراء منه والبيع. قال: وإن أوصى له بمال معروف وزن أو عدد فهو شريكهم فيما يوزن ويعد من النقدر وليس شريكا في العروض، وعليهم أن يبيعوا منها حتى يوفوا الموصى له ما أوصى له به الميت من النقد.
باب القول في وصية الصبي والمعتوه والمجنون والضعيف
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل موصي أوصى بشئ من ماله فوصيته جائزة إلا أن يكون لا يعقل شيئا مثل الصبي الصغير ابن الخمس والست والسبع وما دون العشر، ومثل المجنون الذي لا يفيق أصلا، وكذلك المعتوه الذي لا يفيق، فأما إن كان المجنون والمعتوه يفيقان في وقت فوصيتهما في وقت إفاقتهما جائزة.
---
[ 432 ] (2/432)
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولا ينبغي للمسلمين أن يوصوا في أموالهم بأكثر من الثلث، وفي ذلك ما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن رجلا استشاره أن يوصي بثلثي ماله فقال: لا، فقال: بالنصف، فقال: لا، فقال: بالثلث فقال: (الثلث، والثلث كثير إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم فقراء عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت فيها).
باب القول في المكاتب وذكره في الكتاب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله عزوجل: * (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وإتوهم من مال الله الذي آتاكم) * (3). قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: فأمر الله بمكاتبة من علم فيه خير ممن يطلب المكاتبة من المماليك والخير فهو البر والتقوى والاحسان والدين والاسلام والمعرفة بالله واليقين، والايفاء لمن يكاتبه. والاعفاء والمكاتبة فهو أن يتراضى السيد والعبد على شئ معروف يدفعه إليه في أوقات معروفة أو أشهر أو سنين أو أيام نجوما منجمة في كل نجم كذا وكذا دينارا على قدر ما يتفقان عليه ويكتبان في ذلك بينهما كتابا يشترط المولى فيه على مكاتبه أنه إن عجز فلا حق له قبله وهو مردود في الرق ويشترط عليه إن ولاه ولا. عقبة له بشروط معروفة سوف نبيها في كتاب الشروط إن شاء الله تعالى. فإذا اصطلحا على ذلك وكتبا كتابهما كذلك فقد صار العبد مكاتبا يعمل في أي الاعمال شاء ويصنع ما أحب ويؤدي ما قبله على ما اشترط عليه من النجوم فإذا أدى ذلك فقد صار حرا وولاده لمولاه. إن كان شرط ذلك وعجز عن شئ من
---
ص 432..
(3) النور 33.
---
[ 433 ] (2/433)
كتابته كان مردودا في الرق وكان ما أخذ منه سيده لسيده لا يرد إليه منه شيئا إلا أن يشاء ذلك. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وكذلك الامة أيضا فإن كان المكاتب أو المكاتبة كاتب عن نفسه وولده كانوا بالمكاتبة كحاله، فإذا أدى عتق وعتقوا، وإن عجز أسترق وأسترقوا، وما ولدت المكاتبة في مكاتبتها من الاولاد فليس عليهم أداء شئ عن أنفسهم ولا على أمهم أداء ذلك عنهم، وهم موقوفون أداء فلك عنهم، وهم موقوفون حتى تعتق أمهم فيعتقوا أو تسترق فيسترقوا إن عجزت عن أداء ما عليها. قال: فإن قتل مكابت أو قطع منه عضو ودي على حساب م أدى من مكاتبته وما بقي فعلى حساب قيمته. وكذلك في جميع الحدود إن لزمته حدود وذلك قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. فإن مات سيد المكاتب له فليس لورثته أن يبطلوا كتابته وهو على ما كان عليه مع سيده حتى يعجز أو يؤدي.
باب القول في المكاتب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا طلب المكاتب الاقالة والرجوع في الرق من غير أضرار من سيده ولا سبب أدخله عليه جاز ذلك، وإن رده في الرق جعل كل شئ أخذه منه مما أعانه عليه به في مكاتبه أمام المسلمين وساير المسلمين عونا في الرقاب، ولا يحل له أخذه ولا الانتفاع بشئ منه، فإن كان العبد اكتسب شيئا بيده ولم يعن به في فكاك رقبته فذلك الشئ جائز أخذه لمواليه والانتفاع به لانه وما ملك من شئ لمولاه.
---
[ 434 ] (2/434)
باب القول في المكاتبة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا أرى لمن كاتب أمته أن يقع عليها بعد مكاتبه إياها، فإن دنا منها كان لها مهر مثلها، وكانت على مكاتبتها ويدرأ الحد عنه بجهله والشبهة التي وقعت في فعله، وإن عجزت ردت في الرق وكان له ما معها مما اكتسبت هي بنفسها وما كان معها مما أعينت به من أموال الله في فكاك رقبتها فليس له منه شئ ولا يجوز له أخذه. قال: فإن أراد تزويجها تزوجها من بعد أدائها تزويجا صحيحا بأمرها ورضى منها بمهر وشاهدين وهو وليها من بعد إذنها له في نكاحها. قال: وإذا وطئ الرجل مكاتبه بأمرها أو بغير أمرها وجهل ما يلزمه في ذلك فهي بالخيار ان شاءت أقامت على مكاتبتها، وان شاءت أبطلت المكاتبة، وكذلك لو ولدت منه في مكاتبتها كانت بالخيار إن شاءت أقامت عليها، وإن شاءت أبطلتها، وإن أقامت على المكاتبة كان لها مهر مثلها لما كان من وطئه لها. قال: وإن أبطلت المكاتبة لم يلزم سيدها لها مهر وكانت أمته. قال: ولو أن مكاتبا اشترى أم ولده فأولدها أولادا ثم مات وقد بقي عليه بعض مكاتبته فإن الامة وولدها بمنزلة واحدة إن أدت ما بقي لسيدها أو أداه بعض ولدها عنها عتقت وعتق ولدها، وإن لم تؤد ولم يؤدوا ردت في الرق وردوا قال: وليس لمولى أبيهم أن يردهم في افرق ولا يرد أمهم في الرق، إن لا يؤدوا ولا تؤدي ما كان بقي على الميت. قال: ولو أن بعضهم قال نحن نحب الرق ولا نؤدي، وقال بعضهم نحن نؤدي ولا نرد في الرق، فأدى الكاره للرق ما كان فضل على أبيهم عتق وعتق جميع أخوتهم وأمه بادائه ما كان فضل على أبيه.
---
[ 435 ] (2/435)
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو قال رجل لعبده إن دفعت إلي مائة دينار فأنت حر فدفع إليه خمسين أو ستين ثم مات السيد فإن العبد مملوك لورثته ولا يلزمهم أن يأخذوا ما بقي من المائة ويعتقوه لان سيده إنما شرط له إذا دفعها إليه هو دون غيره فلم يدفعها إليه كلها في حياته فبطل ذلك الشرط وليس حكم هذا كحكم المكاتب ولا يشتبهان عند من عقل وفهم.
باب القول في التدبير والعتق في الصحة والمرض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا دبر الرجل في مرضه مدبرا عبدا أو أمة فهو حر بعد موت سيده، فإن إحتاج إلى بيعه قبل موته فله أن يبيعه إذا اضطر إلى ذلك، وإن كانت أمة فله أن يطأها، فإذا مات المدبر خرج المدبر من الثلث، وله أن يكاتبه أو يعتقه في كفارة اليمين وفي الظهار. قال: ولو أن رجلا أعتق عبدا أو عبيدا في مرضه وكان له مال يخرجون من ثلثه جاز العتق، وإن لم يكن له، مال غيرهم فأجاز عتقهم الورثة عتقوا، وإن أبوا عتق ثلث كل واحد منهم واستسعى كل واحد منهم في ثلثي قيمته، وان برأ من مرضه فلا سبيل له على من أعتق من رقيقه وهم أحرار كلهم بعتقه.
باب القول في العتق
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا قال أول ولد تلده أمتى من عبدي فهو حر فولدت اثنين في بطن عتقا جميعا، لانه إنما أراد أول بطن، وعلى ذلك وقعت نيته ولم يكن عنده إنها تلد اثنين وإنما كان عنده أنها تلد واحدا على ما يرى في الكثير من الناس إلا أن يكون سمى ذلك واستثنى الاول من الاثنين إن ولدتهما في بطن.
---
[ 436 ] (2/436)
باب القول في العبد يكون بين اثنين فيعتق أحدهما نصيبه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا كان العبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه فإذن شريكه فلا سبيل له عليه، ولا يضمن المعتق للشريك ماله فيه لانه أعتقه بأمره، ولا يجوز للذي له فيه ملك أن يقبضه بماله فيه لانه لا شريك لله، ولكن يسعى له العبد في نصف قيمته، فإن كان المعتق أعتق بغير أمر شريكه ضمن المعتق لشريكه قيمة نصف العبد ان كان موسرا، وان كان معسرا استسعي له العبد في نصف قيمته غير مشطوط عليه. قال: ولو كان عبدا صغيرا بين رجلين فأعتق أحدهما نصفه ولم يعتق الآخر فأقاما على ذلك حتير كبر الغلام فالحكم في ذلك أن يسعى للذي له فيه النصف في نصف قيمته صغيرا أيام أعتق نصفه، وإن كان الشريك المعتق موسرا ضمن لشريكه نصف قيمة العبد صغيرا أيام أعتقه. قال: ولو أن رجلا قال لعبده وأمته وهما زوجان إن ولدت امرأتك هذه صبية فهي حرة، وإن ولدت غلاما فأنت حر، فإن ولدت غلاما عتق أبوه، وإن ولدت جارية عتقت أمها، وإن ولدت توأمين فولدت غلاما وجارية معا في بطن فإن كانت ولده الغلام قبل ثم ولدتا الجارية بعد عتق العبد أبو الصبي ساعة ولدت، وإن ولدت الجارية عتقت هي أيضا ساعة تلدها فيكون العبد والامة حرين والصبيان عبدين ملوكين وان ولدت الجارية أولاثم ولدت الغلام فقد عتق العبد والامة والغلام المولود وبقيت الجارة المولودة مملوكة وحدها، وإنما كان ذلك كذلك لانها ساعة ولدت الجارية عتقت فصارت حرة ثم ولدت الصبي وهي حرة والحرة ما ولدت في حال حريتها بعد عتقها فهو حر فيعتق الابوان بعتق
---
[ 437 ] (2/437)
سيدهما لهما فيما سمى من أولادهما، وعتق الغلام لان أمه ولدته بعد إن عتقت فصار حرا بحريتها لانه الحرة لا تلد إلا حرا وكلما ولدت الامة فهو مملوك وما ولدت الحرة فهو حر. قال: ولو إن رجلا قال لعبده أخدم ولدي في ضيعتهم هذه عشر سنين فإذا مضت عشر سنين فأنت حر فباع أولاده الضيعة بعد سنة أو سنتين فعليه ان يخدمهم في غيرها من ضياعهم تمام العشر السنين فإذا أوفى العشر السنين فقد عتق. فإن قال بعض ولده قد طرحت عنك الخدمة التي أوجب لي عليك أبي، وقال بعضهم لا أطرحها لكان واجبا عليه أن يخدم الذين لم يطرحوا عنه الخدمة في كل سنة، بقدر حصتهم ويسقط عنه منها قدر حصة الذين طرحوا عنه خدمتهم ولا ينبغي له أن يحاصهم بالسنين فيطرح من العشر السنين بحساب الذين وهبوا له لانه مشروط عليه خدمة عشر سنين وأن مولاه إنما جعل عتقه من بعد العشر سنين وجعلها أمدا لعتقه يعتق إذا بلغها وليس له أن يعتق دونها ومن قبل مجئ الوقت الذي جعل له مولاه عتقه فيه، وهذا مثل إنسان قال لعبده إذا كان رأس الحول فأنت حر أو رأس حولين أو أكثر فالعبد مملوك أبدا حتى يأتي ذلك الوقت ويبلغ ذلك المدى ثم يعتق إذا استكمل شرطه فلذلك رأينا للعبد المؤجل عشر سنين أن يخدم ولد مولاه في كل سنة بحصتهم منها فيما أحبوا من ضياعهم. إن كان البنون ستة فوهب له ثلاثة خدمتهم خدم الثلاثة الباقين نصف سنة في كل سنة حتى يوفي عشرا ثم يعتق إذا وفت السنون التي جعل مولاه عند إستيفائهن عتقه وضرب له بهن أجله.
---
[ 438 ] (2/438)
باب القول في العبد يعتق ثم يلحق بالكفار مرتدا فيغنمه المسلمون
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أعتق العبد الرومي أو غيره فلحق بالكفار مرتدا ثم غنمه المسلمون من بعد ذلك فيما يغنمون من المشركين نظر في أمره قال فإن كان في وقت ما أعتق كان مسلما قد أسلم أو أسلم من بعد ما أتق ثم رجع مرتدا إلى دار الحرب فغنم استتيب فإن تاب خليت سبيله، وإن أبى قتل، وان كان في وقت ما أعتق وحين ما خرج من دار الاسلام كافرا كان على حاله لم يسلم فهو عبد مملوك يقسم في الغنايم ولا ينظر إلى ما كان من عتقه، وكذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قضى في مثل ذلك بمثل هذا القضاء.
باب القول في العبد يباع وعليه دين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا باع الرجل عبدا وعليه دين فالدين في ثمنه على بائعه قضاؤه لانه أدانه في ملكه فلزمه أن يرده على صاحبه.
باب القول في عهدة العبد في الاباق
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: ليس في إباق العبد عهدة إلا أن يشرط المبتاع. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: معنى قوله ليس في إباق العبد عهدة قال لا يكون الاباق عهدة أيام مسماة كغيره من الاشياء إلا أن يشرط المشترى فيقول لي في إباقة ثلاثة أيام أو أقل أو أكثر، فان أبق
---
[ 439 ] (2/439)
فمالي عليك وإن لم يأبق حتى تمضي هذه الايام فأنت من بعد ذلك منه برئ، فأما إذا لم يشرط واشترى وقد علم أنه أبق فأبق منه في يومه أو بعد يومه، وقد وقع الشراء وقبض البائع الثمن وقبض هو العبد وافترقا فلا ضمان على البائع.
باب القول في المدبر والمعتق إذا لم يترك مولاما مالا غيرهما
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا مات رجل وترك مدبرا، أو عبدا قد، أعتقه في مرضه ولم يترك دينا فالمعتق حر والمدبر يسعى لورثته في ثلثي قيمته، إن لم يجيزوا عتقه فان كان أعتق العبد المعتق في ثقل منه وغمرات العلة فهو كالوصية ان أجازه الورثة جاز وإن ردوه سعى في ثلثي قيمته لهم. قال: وإذا أعتق الرجل مملوكه بعد وفاته فهلك وعليه دين ولم يترك مالا غير العبد وكانت قيمة العبد أقل من الدين سعى في قيمته وان كانت قيمته مثل الدين سعى في الدين كله حتى يؤديه ثم يعتق، وإن كانت قيمته أكثر من الدين سعى في الدين كله وسعى في ثلثي الفضلة من قيمته للورثة إن لم يجيزوا عتقه وتفسير ذلك: أن يكون ترك عبدا يساوي ثلاثين دينارا وعليه دين خمسة عشر دينارا فأعتقه بعد وفاته ولم يترك غيره من المال فأبى الورثة أن يجيزوا عتقه فعليه أن يسعى في الدين وهو خمسة عشر دينارا وقد بقي خمسة عشر أخرى فكأنه مات وترك خمسة عشر دينارا ولم يترك دينا وأوصى بها لرجل ولم يجز ذلك الورثة فعليه أن يسلم ثلثيها لهم ويأخذ ثلثها بوصية صاحبه له.
---
[ 440 ] (2/440)
باب القول فيمن استثنى في عتق
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا قال لعبده أنت حر إن شاء الله كان حرا إن كان ذكر عتقه بعد الممات عتق بعد موته، وإن كان لم يذكر الموت عتق ساعة قال أنت حر إن شاء الله وذلك إن كان العبد عفيفا مسلما طاهرا لان الله تبارك وتعالى يحب الاحسان ويشاء عتق مثل هذا، وذلك أنه يثيب على عتقه المعتق له، ولولا أنه يشاء عتقه لم يثب عليه، فأما ان كان فاسقا ظالما جريئا على الله فلا يعتق بقوله أنت حر ان شاء الله ولا أنت حر بعد وفاتي إن شاء الله لانه الله لا يشاء عتق هذا. والدليل على أن الله لا يشاء عتقه أن الله لا يؤجر على عتقه من أعتقه بل يعاقبه على فك أسره من رقه وبتقويته بتمليكه لنفسه على فسقه إذ قد علم بفجوره وعصيانه وقلة دينه وإيمانه وأطلق حبايله وأرخى له في حاله ومكنه بذلك من سئ أعماله وقواه على فجوره وأدغاله فليس من كان كذلك بأهل أن يعتق لان في العتق تفريغا وتقوية له على المعاصي، والواجب لله على كل إنسان حبس من يطبق حبسه من العاصى ومنع من يطبق منعه من الجرأة (4) على رب العالمين. قال: ومن قال لاعبد له عدة في مرضه، وإدنافه أثلاثكم أحرار ولا مال له غيرهم سعى للورثة كل واحد منهم في ثلثي قيمته، فإن قال لهم ذلك في صحة من بدنه وجواز من أمره عتقوا عليه كلهم إن كان له مال غيرهم، وإن لم يكن له مال غيرهم سعى كل واحد منهم في ثلثي قيمته، وحاله في ذلك كحال شريكين في عبيد وأعتق أحدهما نصيبه منهم فالحكم عليه في ذلك إن كان موسرا أن يدفع إلى شريكه قيمة ماله فيهم
---
ص 440..
(4) في نسخة: ومنع من يطيق منعه من الجورة. الخ.
---
[ 441 ] (2/441)
لانه قد أعتق لله بعضهم فأفسد ذلك ملك شريكه فيهم إذ جعل الله سبحاه فيهم شركا والله تبارك وتعالى فلا يشارك في شئ من الاشياء، وإن كان معسرا كان الحكم عليهم أن يسعوا للذي لم يعتق في قيمة ماله فيهم.
باب القول في أم ولد الذمي يسلم أو أمته
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أسلمت أم ولد الذمي سعت له في قيمتها ولم ترد إليه، وإن أسلمت أمته حكم عليه ببيعها من المسلمين.
باب القول فيمن أعتق شقصا من مملوكه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من أعتق من عبده جزءا أو عضوا أو بعضا فالعبد كله حر يعتق سائره بعتق بعضه، وكذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام: أنه قال: إذا أعتق الرجل من عبده عضوا فهو حر كله عتيق. قال: ولو أن رجلا قال لعبده رجلك حرة، أو يدك حرة، أو فخذك حرة، أو صدرك حر، كان العبد كله حرا، وكذلك لو قال رجل لامته ما في بطنك حر كان حرا، وكانت الامة مملوكة، ولو قال: أنت حر وما في بطنك مملوك كانت وما في بطنها حرين لان كلما ولدت الحرة في حريتها فهو حر قال: ولو أن رجلا أعتق مملوكه عند موته وعليه دين استسعى المملوك في قيمته إذات لم يكن ترك غيره، قال: ولو أن رجلا اشترى شقصا في مملوك فوجده من بعد شرائه له ذا رحم محرم، فإنه يعتق العبد ساعة اشتراه ذو رحمه ويضمن المشتري قيمة ما لشريكه منه إن كان
---
[ 442 ] (2/442)
موسرا، وإن كان معسرا استسعى المملوك في قيمة ما لشريك ذي رحمة فيه غير مشقوق (5) عليه ولا متعب فيه. قال: ولو أن رجلين كان بينهما مملوك فأعتق أحدهما حصته ودبر الآخر حصته فإن تدبير المدبر باطل والعتق لمن أعتق أولا ويضمن المعتق أولا قيمة نصيب المدبر إن كان موسرا، وإن كان معسرا استسعي العبد في حصة المدبر، وكذلك لو كان عبد بين اثنين فدبر أحداهما حصته، وأعتق الآخر حصته من بعد تدبير الاول لكان عتق الآخر باطلا وكان العبد مدبرا لمن دبر حصته أولا ويضمن المدبر لشريكه قيمة ماله في العبد. قال: ولو أن رجلا كان له عبد فدبر شقصا منه كان العبد كله مدبرا يستخدمه حياته ويعتق بعد وفاته من الثلث. قال: ولو أن بعدا كان بين رجلين فشهد أحدهما على صاحبه أنه قد أعتق نصيبه وأنكر ذلك المشهود على لكان الحكم في ذلك أن يقال لهذا الشاهد أنت قد شهدت على شريكك أنه قد أعتق حصته فلا سبيل لك على العبد لانك قد زعمت أن بعضه حر والله فلا يشارك فلا سبيل لك على العبد وليس لك إلا قيمة حقك فيه إن كنت معسرا سعى لك العبد فيه فإذا حكم على الشاهد بذلك قيل للمشهود عليه قد عتق ما كان لشريكك في هذا العبد لانه قد شهد عليك بالعتق لهذا العبد فأزاح بشهادته عليك ملكه هو عنه فلك عليه قيمة حقك إن كان موسرا، وإن كان معسرا سعى لك العبد في قيمة حقك كما سعى له في قيمة حقه في حال إعساره. قال: ولو شهد رجلان على رجل بعتق مملوك له فقال: العبد لم
---
ص 442..
(5) في نسخة: غى مشطوط عليه.
---
[ 443 ] (2/443)
يعتقني وهذان الشاهدان مبطلان في شهادتهما فإن الحكم في ذلك أن يكون العبد مملوكا باقراره بالملك وإبطاله شهادة الشاهدين ولا يجوز لسيده فيما بينه وبين الله تعالى ان كان أعتقه إسترقاقه ولا أن يملكه من بعد عتقه. قال: ولو كانت الشهادة من الشاهدين في أمة أنه قد أعتقها وكانا عدلين جازت شهادتهما وعتقت الامة ولن أنكرت ولم يترك يطؤها وليس هذا مثل العبد لان العبد لا يوطأ والامة والامة وليس حد الفروج كحد غيرها.
باب القول فيمن أعتق عبده إلى وقت
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا قال لعبده إذا جاء فلان من سفره، أو كان كذا وكذا أو قال له إذا خرجنا من البحر وسلمنا الله من وله، أو قال له إذا كان رأس السنة أو كان يوم عرفة فأنت حر لوجه الله فانه إذ كان ذلك، أو جاء ذلك الوقت وكان ما ذكر والعبد في ملكه عتق عليه العبد، وإن كان ذلك أو جاء ذلك الوقت وقد باعه قبله لم يلزمه عتقه سواء عليه باعه قبل ذلك بيسير أو كثير إن كان باعه لضرورة وحاجة، ولا نجيز له بيعه لغير حاجة ولا ضرورة، فان باعه فرارا مما جعل لله عزوجل ونطق به لسنانه من عتق عبده لم نجز له ذلك ولزمه، وحاله في ذلك كله كحال المدبر عندنا ولا يجوز له بيعه الا لضرورة تنزل بصاحبه.
---
[ 444 ] (2/444)
باب القول في الرجل يقول لعبد غيره أنت حر من مالي
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ليس ذلك بشئ ولا قوله فيه بقول ولا يعتق إلا ماملك ولا يطلق إلا ما تزوج.
باب القول في العتق على البشارة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا أو امرأة فالا لعبيد لهما من بشرنا بكذا وكذا فهو حر من موت إنسان أو ولادة مولود وما أشبه ذلك فبشره بذلك الشئ عبد من عبيده ثم أتاه آخر بعد ذلك فبشره كان الاول حرا لانه الذي بشره ولم يعتق الثاني لان البشارة إنما تكون بالشئ أو ما يبشر به الانسان فأما بعد علمه به فلا بشارة له.
---
[ 445 ] (2/445)
كتاب القاضي والقضاء والشهادات
---
[ 447 ] (2/447)
بسم الله الرحمن الرحيم
باب القول فيما يجب على القاضي أن يفعل
ه قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ينبغي للقاضي إذا تقاضى إليه خصمان ألا يقضي لاحدهما حتى يسمع كلام الآخر ويفهم معناهما ويتثبت في حججهما، وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال لعلي: (إذا تقاضى إليك خصمان فلا تقض للاول حتى تسمع كلام الآخر). قال يحيى بن الحسين عليه السلام: ولا ينبغي للقاضي أن يقضي بين المسلمين وهو غضبان، ولا أن يقضي بينهم وهو جائع شديد الجوع، ولا ينبغي له أن يسلم على أحد الخصمين سلاما لا يسلمه على صاحبه وإن كان له صديقا لانه إذا فعل ذلك أفز خصم صديقه وأخافه، وينبغي له أن يساوي بين مجالس الخصمين ويبدأ بالضعيف على القوى فيسمع كلامه وحجته إلا أن يكون القوي هو المستعدى على الضعيف، فإن استويا بالخصومة بدأ بالضعيف، كذلك يفعل في النساء والرجال، ولا ينبغي له ان يقضي وقلبه مشتغل في شئ آخر ولا ينبغي لاحد أن يطلب القضاء أو يسأله ويحرص عليه لان خطره عظيم وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من ولي
---
[ 448 ] (2/448)
القضاء فقد ذبح بغير سكين) وبلغنا عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من سأل القضاء وكل إلى نفسه). قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ينبغي للقاضي أن لا يخوض مع الخصم في شئ من أمره ولا يشير عليه برأي إلا أن يأمره بتقوى الله ومحاذرته وترك الظلم في جميع أمره وإنصاف خصمه فقط. قال: وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال علي أعلم القوم وأقضاهم. قال: وبلغنا عن علي عليه السلام أنه كان يقول: (والله لو أطعتموني لقضيت بينكم بالتوراة حتى تقول التوراة اللهم قد قضى بي ولقضيت بينكم بالانجيل حتى قول الانجيل اللهم قد قضى بي، ولقضيت بينكم بالقرآن حتى يقول القرآن اللهم قد قضى بي ولكن والله لا تفعلون والله لا تفعلون). وروي عنه عليه السلام أنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى اليمن فوجدت حيا من أحياء العرب قد حفروا زبية للاسد فصادوه فيها فبيناهم كذلك يتطلعون إليه إذ سقط رجل فتعلق بآخر فتعلق الآخر بآخر ثم الآخر بآخر حتى صاروا فيها أربعة فجرحهم الاسد كلهم فتناوله واحد منهم فقتله وماتوا كلهم من جراحتهم فقام أولياء الآخر فأخذوا السلاح وجاءوا إلى أولياء الاول ليقتتلوا فأتاهم علي عليه السلام وهم في ذلك فقال: تريدون أن تقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حي وأنا إلى جنبكم ولو اقتتلوتم قتلتم أكثر مما يختلفون فيه فأنا أقضي بينكم بضاء فإن رضيتم القضاء وإلا حجرت بعضكم من بعض حتى تأتوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيكون هو الذي يقضي بينكم فمن تعدى بعد ذلك فلا حق له، أجمعوا لي من
---
[ 449 ] (2/449)
القبائل الذين حفروا البئر ربع الدية وثلث الدية ونصف الدية ودية كاملة فيكون للاول ربع الدية لانه هلك من فوقه ثلاثة وللذي هلك ثانيا ثلث الدية لانه هلك من فوقه اثنان وللثالث نصف الدية لانه هلك من فوقه واحد، وللرابع الدية كاملة، فأبوا أن يرضوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلقوه عند مقام ابراهيم صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المسجد الحرام فقصوا عليه القصة فغقال: أنا أقضي بينكم وأحتبى ببرده، فقال: رجل من القوم إن عليا قد قضى بيننا فلما قصوا عليه القصة التي قضى بها علي عليه السلام أجاز ذلك وأمضاهم عليه. وبلغنا عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه وجد درعا له عند نصراني فأقبل به إلى شريح قاضيه على المسلمين فخاصمه عليه قال فلما رأه شريح رحل له عن مجلسه فقال له: مكانك فجلس إلى جنبه فقال يا شريح أما أنه لو كان خصمي مسلما ما جلست معه إلا في مجلس الخصوم ولكنه نصراني، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إذا كنتم وإياهم في طريق فألجؤهم إلى مضائقه وصغروا بهم كما صغر لله بهم من غير أن تظلموهم. ثم قال عليه السلام يا شريح إن هذا درعي لم أبع ولم أهب، فقال شريح للنصراني ما تقول فيما قا أمير المؤمنين فقال النصراني ما الدرع إلا درعي وما أمير المؤمنين عندي بكاذب، قال فالتفت شريح إلى علي فقال يا أمير المؤمنين هل من بينة قال فضحك علي وقال أصاب شريح مالي من بينة فقضى بالدرع للنصراني، قال: فقام النصراني فمشي هنيهة ثم رجع ثم قال أما أنا فأشهد أن هذه أحكام الانبياء، أمير المؤمنين يمشي إلى قاضيه يقضي عليه أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله الدرع والله درعك يا أمير المؤمنين اتبعت الجيش وأنت منطلق إلى صفين
---
[ 450 ] (2/450)
فجررتها من بعيرك الاورق، قال أمير المؤمنين أما إذا أسلمت فهي لك وحمله على فرس وقاتل مع أمير المؤمنين يوم النهروان. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: رحم الله عليا أمير المؤمنين فقد جهل الحق من جهل فضله، وحار عن القصد من حار عن قصد حقه فكيف بمن حار عن حقه وهو يسمع قول الله سبحانه حين يقول فيه رضوان الله عليه: * (إنما وليكم الله وروسله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) * (1) فجعل الولاية لله سبحانه ولرسوله وللمؤتي من المؤمنين الزكاة وهو راكع فكان ذلك أمير المؤمنين دون غيره من سائر المسلمين لا ينازعه فيه منازع ولا يدفعه عنه دافع بحكم الله له بذلك وقوله فيه ما قال من ذلك وغيره من قوله: * (والسابقون السابقون أولئك المقربون) * (2) فكان السابق إلى ربه غير مسبوق. ويقول تبارك وتعالى فيه وفي العباس بن عبد المطلب عندما كان من تشاجرهما في الفضيلة، فقال العباس أنا ساقي الحجيج وقال علي عليه السلام أنا السابق إلى الله ورسوله، فأنزل الله عزوجل في ذلك * (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله واولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم برحمة ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فهيا أبدا إن الله عنده أجر عظيم) * (3) وكان سبب ما أنزل الله من ذلك أن العباس بن عبد المطلب رحمه الله ذكر فضل ما في يده وما يظهر من عمله من سقاية الحاج وعمارة المسجد
---
ص 450..
(1) المائدة 55.
(3) التوبة. 19 (2) الواقعة 10.
---
[ 451 ] (2/451)
الحرام وذكر أمير المؤمنين قديم اسلامه وهجرته واجتهاده في جهاد أعداء ربه وبذله مهجته لله ورسوله فقضى الرحمن بينهما، وبين الفصل بين فضيلتهما بما ذكر وقال في كتابه. ولو ذهب أحد يصف ما لامير المؤمنين عليه السلام في واضح التنزيل من الذكر الجميل لعسر عليه ذكره وطال عليه شرحه، والحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله عليه محمد الامين وعلى آله البررة الطيبين الطاهرين.
باب القول في القضاء والقول فيمن ادعى ذهاب سمعه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أدعى إنسان على إنسان ذهاب سمعه فينبغي أن يحتال عليه فيفزع من ورائه في أغفل غفلاته بشئ يضرب به وراءه فإن فزع لذلك الصوت فهو كاذب وان لم يفزع فهو صادق، وإن إتهم استحلف على دعواه، قال والافزاع على الغفلة يستخرج ضميره بلا شك.
باب القول في القضاء في السيل وقسمة مائة بين الضياع
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لصاحب الزرع أن يمسك من الماء إلى الشراكين، ولصاحب النخل إلى الكعبين ثم يرسلون الماء إلى من هو أسفل منهم، وكذلك يفعل الاسفلون حتى ينتهي السيل إلى آخر الضياع إن كان كثيرا أو يقصر عن الاسفلين ان كان قليلا، والاعلى فلاعلى أولى بقليل الماء، وكذلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قضى بين أهل المدينة في سيل مهروز
---
[ 452 ] (2/452)
وكان يصب فيها حتى حول فقال أهل أسفل الوادي، أهل أعلى الوادي يمسكون عنا الماء فقضى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لصاحب الزرع إلى الشراكين، ولصاحب النخل إلى الكعبين ثم يرسلون إلى من هو أسفل منهم.
باب القول في القضاء بين أهل الاسواق وفي المجالس
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه خرج إلى السوق ذات يوم فإذا دكاكين قد بنيت ورفعت فقال: ما هذا السوق إلا للاسود والابيض فمن سبق إلى مكان غدوة فهو مكانه إلى الليل قال فكنا نأتي الرجل في المكان قد كنا نبايعه فيه ثم نأتيه من الغد فيوجد في مكان آخر قد جلس فيه. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: هذا في الذين يقعدون على قارعة الطريق، وليسوا بأهل بيوت، ولا حوانيت، وإنما يجلسون أمام أصحاب البيوت والحوانيت في الطريق فهم الذين حكم بذلك فيهم أمير المؤمنين عليه السلام: فأما أصحاب البيوت والحوانيت أولى ببيوتهم وحوانيتهم لا يزاحمهم فيها أحد ولا يكون أحد أحق منهم بها.
باب القول فيما ينبغي أن يكون في القاضي من الخلال
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يحتاج القاضي أن يكون عالما بما يقضي فهما بما ورد عليه، ورعا في دينه عفيفا من أموال المسلمين حليما إذا استجهل وثيق العقل جيد التمييز صليبا في أمر الله، فإن نقص من هذه الخصال شئ كان ناقصا.
---
[ 453 ] (2/453)
صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويجب على القاضي أن يتعاهد من يقدم عليه من أهل البلاد يتقاضون إليه فإنه إذا طال حبسهم تركوا حوائجهم وانصرفوا إلى أهليهم فيكون الذي أبطل حقوقهم القاضي الذي لم يتعاهدهم ولم يرفع بهم رأسا، وينبغي للقاضي أن يحرص على الصلح بين الناس ما لم يبن له الحق، فأما إذا بان له الحق فلا صلح. قال: وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (القضاة ثلاثة إثنان في النار وواحد في الجنة، فأما الذي في الجنة فقاض علم الحق فقضى به فهو في الجنة، وأما القاضيان اللذان في النار فقاض علم الحق فجار متعمدا، وقاض قضى بغير علم فاستحيا أن يقول لا أعلم فهما في النار). قال: وينبغي للقاضي أن يساوي ين الخصمين في الاقبال عليهما والمكالمة لهما.
باب القول في إعطاء القاضي رزقا على قضائه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بد للقاضي من العطاء والتوسعة وإلا هلك وعياله واشتغل عن القضاء قلبه، وكذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان يرزق شريحا خمسمائة درهم.
باب القول في القضاء باليمين مع الشاهد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا إختلاف عندنا في القضاء باليمين مع الشاهد وبذلك جاءت السنة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن أنكر ذلك قيل له ما تقول في رجل أدعى على رجل
---
[ 454 ] (2/454)
مالا ولم يكن له عليه بينة وقد كانت بينهما خلطة ومعاملة أليس الاجماع في ذلك عندنا وعندكم أن المدعى عليه يحلف أن المدعي مبطل في إدعائه وأنه لاحق له قبله فإذا نكل عن اليمين ولم يحلف حلف المدعي ووجب له الحق على المدعى عليه، فإذا قال نعم قيل له فقد ترى هذا الحق حقه بيمينه فقط فكيف لا يلحقه إذا كان مع اليمين شاهد. قال: وتفسير ذلك: أن يدعي رجل على رجل حقا ويأتي معه على دعواه بشاهد ثقة معدل فإذا فعل ذلك أستحلف مع شاهده وقضي له بحقه. قال: وإنما يقضي باليمين مع الشاهد في الحقوق والاموال فقط، وعما في غيرها من سائر الاشياء فلا، والقضاء بالشاهد مع اليمين بإجماع من آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
باب القول في شهادة الصبيان فيما يكون بينهم من الشجاج والجراح
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: شهادة الصبيان بعضهم على بعض فيما يكون بينهم من الجراح والشجاج جائزة ما لم يفترقوا، فإن افترقوا لم تكن لهم شهادة، إلا أن يكون شهد علي شهادتهم قبل أن يفترقوا من يوق بشهادته، وإنما قلنا أنهم إن أفترقوا لم تقبل شهادتهم لان الصبيان لا معرفة لهم بما يحل لهم ويحرم عليهم، ومن كان كذلك لم يؤمن أن يؤمر بأزاغة الشهادة فيزيغها، أو يؤمر بزيادة فيها أو نقصان بقلة علمه بما يجب عليه لربه.
---
[ 455 ] (2/455)
باب القول فيمن لا تقبل شهادته ومن تجوز شهادته
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا تقبل شهادة الذميين ولا الفاسقين ولا الصبي، ولا الجار إلى نفسه إذا كان هو الخصم المخاصم، وتقبل شهادة العبد إذا كان عفيفا مسلما طاهرا وتقبل شهادة الابن لابيه والاب لابنه والاخ لاخيه والزوج لزوجته إذا كانوا عدولا مسلمين مؤمنين، ولا تقبل شهادة النساء حدهن إلا فيم لا يشهد عليه غيرهن من الاستهلال وأمراض الفروج. قال: وإن أطلع الحاكم على فساد من أهل الدهر وشرارة وخبث من الشهود فرأى أن يستحلف الشهود للاحتياط في الدين كان ذلك له لانه مؤتمن على المسلمين وأموالهم فعليه الاحتياط في ذلك للمسلمين. قال: وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: من أقتطع حق مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار قيل له يا رسول الله وإن كان شيئا يسيرا قال: وإن كان قضيبا من أراك حتى قلا ذلك ثلاث مرات. وبلغنا عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: من حلف على منبرى هذا بيمين آثمة تبوأ مقعده من النار.
باب القول في بعض الشهادة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يشهد الرجلان على شهادة الرجل الواحد في الحقوق، فأما في الحدود فأكره ذلك في الحد والقطع لان الامام لو أمر الشهود بجلده وقطعه وجب عليهم طاعته، ولا أحب لهم أن يقيموا حدا لم يعاينوا صاحبه يفعله،
---
[ 456 ] (2/456)
وانما يقيمونه بشهادة غيرهم فأما في الرجم فلا أجيزه بتة أصلا لان الشهود أول من يرجم ولا يجوز أن يرجموا في أول الناس بشئ لم يعاينوه، وانما كرهت ذلك في الحدود والقطع والجلد لان صاحب ذلك ربما تلف فيه ومن أتلف بشهادته نفسها كان الضامن لدمه وديته إن كانت الشهادة باطلة أو أكذب الشهود أنفسهم.
باب القول في الرشوة في الحكم ومهر البغي وأجرة الكاهن، والغازي بجعل وثمن الكلب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من ارتشى في حكمه فهو سحت محرم وهو ملعون عند الله فاسق مجرم. ومهر البغي سحت، وثمن الكلب وأجرة الكاهن سحت، ونكره أجرة الغازي في سبيل الله بجعل، وهو الذي لا يخرج إلا أن يعطى على خروجه فتلك التي لا تجوز عندنا إنفاقها وكذلك روي لنا عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام.
باب القول في تفريق الشهود
قا يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس بتفريق الشهود إذا اتهموا بل أقول إن الواجب على الامام إذا أتهمهم أن يسألهم واحدا واحدا ويفرقهم حتى يعلم بعضهم ما قال بعض، فإن استوت شهادتهم حكم بها، وإن اختلفت أقاويلهم أبطل شهادتهم.
باب القول في شهادة الصبي إذا كبر والكافر إذا أسلم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا شهد الصبي عند بلوغه والكافر عند إسلامه على شئ قد علماه جازت شهادتهما عليه.
---
[ 457 ] (2/457)
كتاب السير
---
[ 459 ] (2/459)
بسم الله الرحمن الرحيم مبتدأ القول في السير قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أول ما ينبغي أن نتكلم فيه، ونذكره صفة الامام الذي تجوز طاعته وتجب على الامة نصرته، ويحرم عليهم تركه وخذ لانه.
باب القول في صفة الامام والقول في ذلك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الامام الذي تجب طاعته هو أن يكون من ولد الحسن أو الحسين عليهما السلام، ويكون ورعا تقيا صحيحا نقيا وفي أمر الله عزوجل جاهدا وفي حطام الدنيا زاهدا فهما بما يحتاج إليه، عالما بملتبس ما يرد عليه، شجاعا كميا بذولا سخيا رؤوفا بالرعية رحيما متعطفا متحننا حليما مواسيا لهم بنفسه مشاركا لهم في أمره غير مستأثر عليهم، ولا حاكم بغير حكم الله فيهم رصين العقل بعيد الجهل آخذا لاموال الله من مواضعها رادا لها في سبلها مفرقا لها في وجوهها التي جعلها الله لها مقيما لاحكام الله وحدوده آخذا لها ممن وجبت عليه ووقعت بحكم الله فيه من قريب أو بعيد شريف أو دني لا تأخذه في الله لومة لائم قائما بحقه شاهرا لسيفه داعيا إلى ربه مجتهدا في دعوته رافعا لرايته مفرقا للدعاة في البلاد غير مقصر في تأليف العباد
---
[ 460 ] (2/460)
مخيفا للظالمين مؤمنا للمؤمنين لا يأمن الفاسقين ولا يأمنونه بل يطلبهم ويطلبونه قد باينهم وباينوه وناصبهم وناصبوه فهم له خائفون وعلى هلاكه جاهدون يبغيهم الغوايل ويدعو إلى جهادهم القبائل متشردا عنهم خائفا منهم لا تردعه ولا تهوله الاخواف ولا يمنعه عن الاجتهاد عليهم كثرة الارجاف شمري مشمر، مجتهد غير مقصر فمن كان كذلك من ذرية السبطين الحسن والحسين عليهما السلام فهو الامام المفترضة طاعته الواجبة على الامة نصرته ومن قصر عن ذلك ولم ينصب نفسه ويشهر سيفه ويباين الظالمين ويباينوه ويبين أمره ويرفع رايته لتكمل الحجة لربه على جميع خلقه بما يظهر لهم من حسن سيرته وظاهر ما يبدو لهم من سريرته فيجب بذلك على الامة الماجرة إليه والمصابرة معه ولديه فمن فعل ذلك من الامة من بعدما ابان لهم صاحبهم نفسه وقصد ربه وشهر سيفه وكشف بالمباينة للظالمين رأسه فقد أدى إلى الله فرضه ومن قصر في ذلك كانت الحجة لله عليه قائمة ساطعة منيرة بينة قاطعة ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم.
باب القول فيما ثتبت به الامامة للامام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تثبت الامامة للامام وتجب له على جميع الانام بتثبيت الله لها فيه وجعله إياها له وذلك فإنما يكون من الله إليه إذا كانت الشروط المتقدمة التي ذكرناها فيه فمن كان من أولئك كذلك فقد حكم اله له بذلك رضي بذلك الخلق أم سخطوا قال: وليس تثبت الامامة بالناس للامام كما يقول أهل الجهل من الانام إن الامامة بزعمهم إنما تثبت للامام برضى بعضهم وهذا فأحول المحال وأسمج ما يقال به من المقال بل الامامة تثبت بتثبيت الرحمن لمن ثبتها فيه وحكم بها له من الانسان رضي المخلوقون أم سخطوا شاءوا ذلك
---
[ 461 ] (2/461)
وأرادوه أم كرهوا، فمن ثبت الله له الامامة وجبت له على الامة الطاعة، ومن لم يثبت الله له ولاية على المسلمين كان مأثوما معاقبا ومن اتبعه على ذلك من العالمين لانه اتبع من لم يجعل الله له حقا وعقد لمن لم يعقد الله له عقدا، والامر والاختيار فمردود في ذلك إلى الرحمن وليس من الاختيار في ذلك شئ إلى الانسان كما قال الله سبحانه: * (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون) * (1) ويقول سبحانه: * (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) * (2) صدق الله سبحانه لقد ضل من اختار سوى خيرته وقضى بخلاف قضائه وحكم بضد حكمه فالحكم لله سبحانه فمن رضي رضيناه ومن ولى علينا سبحانه أطعناه، ومن نحاو عنا جل جلاله نحيناه وقد بين لنا سبحانه من حكم له بالتولية على الامة ومن صرفه عن الامر والنهي عن الرعية فجعل خلفاءه الراشدين وأمناءه المؤمنين من كان من أهل صفوته وخيرته (3) المؤتمنين على ما ذكرنا ووصفنا من الصفة التي بينا ووصفنا بها الامام وشرحنا وأخبرنا أن من كان على خلاف ذلك منهم فإنه لا يكون بحكم الله إماما عليهم. وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: * (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون) * (4) فنهاهم عن الحكم لمن قصر عن الهداية إلى الحق بالولاية العظمى وحكم بها سبحانه لمن كان من عباده هاديا إلى الحق والتقى من صفوته وموضع خيرته الذين أختارهم بعلمه وفضلهم على
---
ص 461..
(1) القصص 68. \ \ \ (3) في نسخة وخيرته أجمعين.
(2) الاحزاب 36. \ \ \ (4) يونس 35.
---
[ 462 ] (2/462)
جميع خلقه وجعلهم الورثة للكتاب المبين الحكام فيه بحكم رب العالمين ختم بهم الرسل وجعل ملتهم خير الملل فهم آل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبناؤه وثمرة قلبه وأحباؤه وخلفاء الله وأولياؤه وفي ذلك ما يقول جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله: * (ثم أورثنا الكتاب لاذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير) * (5) فجعل سابقهم هو الآمر فيهم والحاكم عليهم وعلى غيرهم من جميع المسلمين وغيرهم من جميع عباد رب العالمين. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل هل تثبت الامامة للامام بغير رضى من المسلمين وبغير عقد متقدم باثنين ولا أكثر، فقال: أعلم هداك الله أن الامامة إنما تثبت لمن ثبتت له بالله وحده بما جعلها تجب به من كمال الكامل المطيق لها بالعلم غير الجاهل فمن كان في العلم كاملا ولم يكن بما يحتاج فيه إليه من الدين جاهلا فإن على المسلمين العقد له والرضى به لا يجوز لهم غير ذلك ولا يسعهم إلا أن يكونوا كذلك.
باب القول في الرجلين من آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يشتبهان في حال أو حالين أو في كل حال
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن إشتبه رجلان في العلم وأختلفا في الورع فالامامة لاورعهما وإن إشتبها في الورع والعلم فالامامة لازهدهما في الدنيا، وإن إشتبها في ذلك كله فالامامة
---
ص 462..
(5) فاطر 32.
---
[ 463 ] (2/463)
لاسخاهما، فان اشتبها في ذلك كله فالامامة لا شجعهما، فإن إشتبها في ذلك كله فالامامة لارحمهما وأرأفعما بالرعية، فإن إشتبها في ذلك كله فالامامة لاشدهما تواضعا، فإن إشتبها في ذلك كله فالامامة لاحلمهما وأحسنهما خلقا، فإن اشتبها في ذلك كله وفي غيره مما ذكرنا من شروط الامامة ولن يشتبه في ذلك اثنان طول الابد، ولو جهد في ذلك كل أحد ولا يكونان في شئ من ذلك متفقين ولا بد أن يكونا في بعض شروط الامام مختلفين ولكن لابد أن نقول في ذلك ونتكلم فيه للاحتياط لكي يتبين ذلك ويبعد منه الريب والاختلاط فنقول أنهما إن إشتبها في ذلك كله كانت الامامة لاسنهما، فإن استويا في السن فالامامة لاحسنهما وجها، فإن استويا في حسن الوجه فالامامة لافطنهما، فإن استويا في الفطنة فالامامة لاحسنهما تعبيرا وأجودهما تبيينا، فإن استويا في جميع ذلك كله فالامامة لمن عقدت له أولا، وليس لاحد إذا كانا مستويين في جميع الامور التي ذكرنا وشرحنا وكان قد عقد لاحدهما أولا أن يتخير من بعد العقد لاحدهما ولا أن يتقدم عليه من بعد العقد له المتأخر منهما. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: إذا إشبته رجلان في الكمال وكانا سواء في كل حال من الاحوال فالعقد لمن بدئ بالعقد له منهما وليس بأحد إذا كملا جميعا أن يتخير فيهما من بعد العقد لاحدهما إلا أن يتفاوت بهما حال في الكمال أو يتفاصلا في الكفاءة، فأما إذا استوت حالاتهما وكانت واحدة فليس لاحد فيهما اختيار ولا نظر وأيهما قدم في العقد وجبت له الامامة ولو لم يكن العاقد له إلا واحد لان العقد إنما يجب له بسبقه وكماله وما وصفنا من حاله فإذا تمت حاله ورضيت أفعاله فعلى كل أحد التسليم له والرضى به. فإن قال قائل لم أوجبت للمبتدئ بعقده من الامامة ما لم توجبه للآخر وحالهما مستوية؟ قلنا له: للتقدم في العقد
---
[ 464 ] (2/464)
والابتداء، ولانه ليس لصاحبه نقض إمامة المعقود له بعد استحقاقه للعقد بكماله أولا.
باب القول فيما يزيل إمامة الامام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تزول إمامة الامامة أن يأتي بكبيرة من الكباير والعصيان فيقيم عليهم ولا ينتقل بالتوبة عنها، فإذا كان كذلك وأقام على ذلك زالت إمامته وبطلت عدالته ولم تلزم الامة بيعته، وكان عند الله من المخذولين المعلونين المسخوط عليهم الفاسقين الذين تجب عداوتهم وتحرم موالاتهم. حدثني أبي عن أبيه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يقول الله لجبريل عليه السلام يا جبريل إرفع النصر عنه وعنهم فإني لا أرضى هذا الفعل في زرع هذا النبي). قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: هذا القول والحديث إنما هو فيمن قام من ولد الرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعمل بغير الحق فأما من عمل منهم بالحق فهو عند الله رضي مرضي هاد معتد مقبول منصور.
باب القول فيما يجوز للامام العمل به في رعيته ومتى يجوز له الخروج من أمرهم والتنحي عن قربهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجوز للامام ما جوز الله له من الفعل ويحرم عليه ما حرم الله في كتابه من العمل.
---
[ 465 ] (2/465)
قال: وليس له إذا عقدت له البيعة أن يخرج مما دخل فيه ولا أن يرفض ما عقد له ما وجد على أمر الله معينين وفي مرضاة الله ساعين ينهضون معه أن نهض ويجاهدون معه إن جاهد ويرحلون معه إن رحل وينزلون معه إن نزل ويبذلون أنفسهم وأموالهم ويقتدون به في كل أحواله فإذا وجد أعوانا كذلك ينال بهم ما يريد ويجري بهم على الظلمة الاحكام ويظهر فيهم دين محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم شيئا شيئا يتزيد بهم في كل يوم في البلاد ويناصحون معه في قتال من خالفه من العباد فلا يجوز له الخروج عنهم ولا يحل له التنحي والانفراد منهم ما أقاموا على ذلك وكانوا له كذلك، فة أما إن هو خولف في أمره وعوند في حكمه، ولم يطع على جهاد أعداء الله ودعاهم إلى الجهاد ودعوه إلى الاخلاد ودعاهم إلى النهوض فدعوه إلى القعود وسألهم المواساة لاخوانهم المسلمين وأن يبذلوا بعض أموالهم في المجاهدة في سبيل رب العالمين فبخلوا بها عن الانفاق ولم يضربوا معه في سبيل الله إلى الآفاق وقصرت هممهم وصغرت أنفهسم وساءت طاعتهم ولم يجد من يردهم به إلى الحق ويضربهم به على كلمة الصدق لم يحل له المقام بينهم ولم يجز له عند الله التشاغل عن غيرهم بهم ووجب عليه ما أمر الله به رسوله حين دعا فلم يطع وأمره فلم يتبع أيام مقامه بمكة ومن قبل ما كان منه من الهجرة فأمر الله تبارك وتعالى بالتنحي عن الظالمين والبعد منق رب المخالفين فقال سبحانه: * (فتول عنهم فما أنت بملوم وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) * (6) فأمره بالتولي عن من عصاه والتنحي عمن أباه وأخبر أنه من بعد الاجتهاد غير ملوم في تركهم ولا بمعاقب في رفضهم ثم أمره بالتذكرة للعالمين والدعاء لجميع المربوبين وأخبره أن
---
ص 465..
(6) الذاريات 54.
---
[ 466 ] (2/466)
ذلك ينفع المؤمنين وكلما ينفع المؤمنين من العظة والتذكرة فهي حجة الله على العصاة الكفرة، فإذا ابتلي بذلك من أتباعه وخافهم على دين ربه فليتنح عنهم إلى غيرهم وليجتهد في الطلب لماله قصد ولله فيه انتدب ولا يفتر ولا يني ولايهن في أمر الله ولا يضعف فان الله يقول سبحانه: * (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) * (7) ويقول سبحانه: * (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) * (8) قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كذلك فعل الحسن ابن علي عليه السلام حين خولف وعصي ولم يجد على الحق متابعا ولا وليا فخرج لما أن أخرج وترك لما أن ترك ثم كان من بعد ذلك متربصا راجيا طامعا بالاعوان المحقين ليقوم بما ألزمه الله من جهاد الظالمين فإذا صار الامام من خذلان الرعية له والرفض لامره وقلة الانصار على حقه إلى ذلك فعل كما فعل الحسن عليه السلام من قبله.
باب القول فيما روى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا كان في عصر هذا الانسان إمام قائم زكي تقي علم نقي فلم يعرفه ولم ينصره وتركه وخذله ومات على ذلك مات ميتة جاهلية، فإذا لم يكن إمام ظاهر معروف باسمه مفهوم بقيامه فالامام الرسول والقرآن وأمير المؤمنين، وممن كان على سيرته وفي صفته من ولده فتجب معرفة ما ذكرنا على جميع الانام إذا لم يعلم في الارض في ذلك العصر إمام ويجب عليهم أن يعلموا أن هذا الامر في
---
ص 466..
(7) محمد 7.
(8) الحج 40.
---
[ 467 ] (2/467)
ولد الرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خاصا دون غيرهم وأنه لا يعدم في كل عصر حجة لله يظهر منهم أمام يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فإذا علم كلما ذكرنا وكان الامر عنده على ما شرحنا ثم مات فقد نجا من الميتة الجاهلية ومات على الميتة الملية، ومن جهل ذلك ولم يقل به ولم يعتقده فقد خرج من الميتة الملية ومات على الميتة الجاهلية هذا تفسير الحديث ومعناه.
باب القول فيما يجب على الامام لله من الغضب في أمره والقيام بحجته والاجتهاد في طاعته
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجب لله على الامام أن يقوم بأمره ويأمر به وينهى عن نهيه ويقيم حدوده على كل من وجبت عليه من شريف أو دني قريب الرحم أو بعيدها وأن يأخذ أموال الله من كل من وجبت عليه ويسلمها إلى من أمر بتسليمها إليه ويشتد غضبه على كل من عصى الرحمن ولو كان أباه أو أخاه أو عمه أو ابنه لا يحيف ولا يحابي ولا يقصر في أمر الله ولا ينثني مبعدا للعاصين شديا عليهم، مقربا للمؤمنين سهلا لديهم شديا على المنافق قريبا من الموافق كما قال الله عزوجل في محمل صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه حين يقول: * (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا) * (9) إلى آخر السورة. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ويجب على الامام أن يكون غصبه لله من فوق غضبه لنفسه.
---
ص 467..
(9) الفتح 29.
---
[ 468 ] (2/468)
باب القول فيما ذكر عن المهدي عليه السلام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: نرجو أن يكون الله قد قرب ذلك وأدناه، وذلك أنا نرى المنكر قد ظهر والحق قد درس وغير وقد قال الله سبحانه: * (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) * (10) وقال: * (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فننجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين) * (11) وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (اشتدي أزمة تنفرجي، وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لان أكون في شدة انتظر رخاء أحب إلى من أن أكون في رخاء أنتظر شدة). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الفرق ما بين الآخرة والدنيا زوال ما في الدنيا وتنقله وفناؤه ودوام ما في الآخرة وثباته وبقاؤه فكل ما في الدنيا فزائل وما في الآخرة فدائم، وكأني بالفرج قد أقبل وبالنعيم قد أطل وبالنصر قد نزل فقد تراكمت الفتن وجل ما نحن فيه من تعطيل الكتاب والسنن وظهور السفاح وخمول النكاح وظهور الروبيضة من الناس وشرب الخمور وارتكاب الشرور، وأكل الربا وقبول الرشى والجري في ميادين الهوى، وجور السلطان ونهج الشيطان، وترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قد نرى وننظر ذلك كله في دهرنا هذا الذي قد أخرنا له وأبقينا إليه، فكأني بيعسوب الدين قد ضرب بدينه وجأر إلى ربه فأجاب الله دعوته ورحم فاقته وكشف غمته أنزل نصرته وأظهر حكمه وانتعشه بعد هلاكه وأحياه بعد وفاته وقواه بعد ضعفه برجل من
---
ص 468..
(10) الشرح 5.
(11) يوسف 110.
---
[ 469 ] (2/469)
أهل بيت نبيه فيظهره في بعض أرضه ويقيم به عمود الدين ويعز به المؤمنين ويقل الكافرين ويذل الفاسقين ويحكم بكتاب رب العالمين يمكن الله له في أرضه وطأته ويظهر كلمته ويعز دعوته ويشبع به البطون الجائعة، ويكسو به الظهور العارية، ويقوى به ضعف المستضعفين ويزيل به ظلم الظالمين ويرد به الظلامات وينفي به الفاحشات ويطفي ء به نار الفسق ويعلي به نور الحق، ويؤيده بالنصر وينصره بالرعب، ويعز أولياءه ويذل أعدائه، فكل ما ملك من الارض بلدا دعاه الغضب لربه إلى طلب غيره حتى يملك البلاد كلها ويطأ الامم بأسرها بعون الله وتوفيقه ونصره وتأييده فيملا الارض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما لا تأخذه في الله لومة لائم يجتمع إليه أعوانه ويلتئم إليه أنصاره من مناكب الارض كلها كما يجتمع قزع الخريف في السماء، هاه هاه كأني به يقدم الالوف ويجدع من أعدائه الانوف ويخوض الختوف يفض الصفوف بعساكر كبيرة الغوايل فيها حماة الليوث القواتل تطير بالضرب ذوات الانامل ويفري بالبيض شهب المحافل حتى إذا تنازل الفرسن وظهرت دعوة الرحمن ودعي إلى الحق كل إنسان وتناوش الاقران وأختضب المران وحمي الطعان وطاح الهام واختلط الاقوام وقهر الاسلام وظهرت دعوة محمد عليه السلام ونصر هنالك المؤمنون وخذل الكافرون ومن بغي عليه لينصرنه الله إن الله لقوي عزيز فحينئذ يتم نصر الله لمحقين ويصح خذلانه وهلاكه للفاسقين، ويحبتث الله أصل أئمة الجور الضالين، ويحيى الله ببركة الطاهر المهدي دعو الحق ويعلن كلمة الصدق ويمن بذلك ويتفضل به عليه ويحسن تأييده وتوفيقه فيه.
---
[ 470 ] (2/470)
كريم هاشمي فاطمي جامع القلب * رؤف أحمدي لا يهاب الموت في الحرب ترى أعداؤه منه حذار الحتف في الكرب * شجاع يتلف الارواح في الهيجاء بالضرب رحيم بأخي التقوى شديد بأخي الذنب * حكيم أوتي التقوى وفصل الحكم والخطب بعدل القائم المهدي غوث الشرق والغرب قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن زيد بن علي عليهما السلام أنه قال: (نحن الموتورون ونحن طلبة الدم والنفس الزكية من ولد الحسن والمنصور من ولد الحسن كأني بشيبة النفس الزكية وهو خارج من المدينة يريد مكة فإذا قتله القوم لم يبق لهم في الارض ناصر ولا في السماء عاذر وعند ذلك يقوم قائم آل محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ملجئا ظهره إلى الكعبة بين عينيه نور ساطع لا يعمى عنه إلا أعمى القلب في الدنيا والآخرة، قال فقال أبو هاشم بياع الرمان يا أبا الحسين وما ذلك النور؟ فقال: عدله فيكم وحجته على الخلايق). قال: وبغلنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (تكردس الفتن في جراثيم العرب حتى لا يقال الله ثم يبعث الله قوما يجتمعون كما يجتمع قزع الخريف فهنالك يحيي الله الحق ويميت الباطل).
---
[ 471 ] (2/471)
باب القول في الاستعانة بالمخالفين على الظلمة الفاسقين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس بأن يستعان بالمخالفين الفاسقين على الفجرة الكافرين إذا جرت عليهم أحكام المحقين، وأقيمت عليهم حدود رب العالمين وكانوا في ذلك غير ممتنعين وكان مع الامام طايفة من المحقين الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويخيفون من خالف ذلك ممن كان في العسكر، ولو لم يجز ذلك لما كان نصر الحق والمحقين فرضا من رب العالمين على جميع الفسقة المخالفين والجهاد فهو أفضل فروض رب العالمين ولو سقط فرض الجهاد عن الفاسقين مع الائمة الهادين لسقط عنهم ما هو دونه من أعمال العاملين من الصلاة والصيام وغير ذلك من أفعال الانام بل فرائض الرحمن واجبة على كل انسان في حال الفسوق والاحسان، وأحكام الله قائمة جارية في ذلك كله عليهم، وعلى الامام حثهم وأمرهم بجميع طاعة ربهم، والجهاد فأفضل فرائضه سبحانه فعليه أن يأمرهم به، ويحضهم عليه، وإن كانوا للحق مخالفين وعن طريق الرشد حائدين إذا جرت عليهم الاحكام وعلى علا باطلهم نور الاسلام. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدعو إلى الجهاد ويأمر به جميع العباد ويستعين على الكافرين بكثير من الفسقة المنافقين الظلمة المخالفين. وكذلك كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقاتل من قاتل بمن معه من الناس وفيهم كثير من الفسقة المخالفين الظلمة المنافقين الخونة الظالمين.
---
[ 472 ] (2/472)
وفي ذلك ما روي عنه عليه السلام من قوله بعد رجوعه من صفين وهو يخطب على المنبر بالكوفة فتلكم بعض الخوارج فقال لا حكم إلا لله ولا طاعة لمن عصى الله، فقال رحمة الله عليه: حكم الله ننتظر فيكم، أما إن لكم علينا ثلاثا ما كانت لنا عليكم ثلاث لا نمنعكم الصلاة في مسجدنا ما كنتم على ديننا، ولا نبدؤكم بمحاربة حتى تبدؤونا، ولا نمنعكم نصيبكم من الفئ ما كانت أيديكم مع أيدينا، فقال أيديكم مع أيدينا، يريد في المحاربة لعدونا فدل بذلك على الاستعانة بالمخالفين ما جرت عليهم أحكام رب العالمين. حدثني أبي عن أبيه: انه كان يقول في الاستعانة في محاربة الباغين بمن فسق من أهل الملة والموحدين فقال: يستعان بهم عليهم إذا أعانوا ثم لا سيما إذا ما خضعوا لحكم الحق واستكانوا لان الله سبحانه فرض عليهم معاونة المحقين وإن كانوا ظلمة فجرة فاسقين كما فرض عليهم وإن فسقوا غير ذلك من الصلاة وغيرها من فرائض الدين، وفيما فرض الله عليهم سبحانه من فرائضه وإن فسقوا أدل دليل على ذلك من أمرهم وأبيه تبيين وكيف لا يستعان بالفاسقين عليهم والمعاونة واجبة من الله عزوجل على الفاسقين فيهم ولا يحل لها في دين الله من مؤمن ولا فاسق تعطيل ولا ترك، وتركها وتعطيلها عند الله لعنة وهلك. فإن قال قائل كيف بما لا يؤمنون عليه مما حرم الله من الفجور والظلم، قيل له: إن صاروا في ذلك إلى شئ حكم عليهم فيه بما يلزمهم فيه من الحكم، ولو حرمت الاستعانة بهم من أجل ما يخافون عليه من ذلك في الباغين لحرمت الاستعانة بهم على قتال المشركين لانه قد يخاف في ذلك من فجورهم وغشمهم ما يخاف على الباغين مثله سواء من ظلمهم، وقد استنفر الله تبارك وتعالى المنافقين في سبيله
---
[ 473 ] (2/473)
وذمهم في كتاب على التخلف عن نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعن المؤمنين وقاتل بهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم المشركين والمنافق أحق وأولى بأن يخاف ويتقي من موحد وإن فسق وتعدى وكان فاجرا مفسدا، ولو حرمت على المؤمنين معاونتهم للزم المؤمنين طردهم فيها ومحاربتهم ولو كان في معاونتهم لهم اجتياح جميع الظالمين وفي تركهم الاستعانة بهم هلاك جميع المسلمين، لما حلت للمؤمنين منهم ما كانوا فاسقين معاونة ولا مناصرة، ولا يحق على الفاسقين أن يكون منهم للمؤمنين إجابة ولا مظاهرة وكيف يرونه يقول من قال بهذا القول أو ذهب إليه في رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نفسه لو كان اليوم حيا سويا في أهل ملته وفي من بقي اليوم من الامم المختلفة أيدعوهم وهم على ماهم عليه اليوم من الحال، بل إن دعاهم فاستجاب له طائفة منهم من الضلال إلى أن يقيم حق الله فيهم وفي العوام فهل يلزمه ذلك أن يحكم بينهم بما أمره الله به من الاحكام، أو لا يحكم بأحكام الله عليهم لما بأن له من الفسق والضلال فيهم أم يلبث فيهم ومعهم وبين أظهرهم ما أقاموا على ضلالهم وفسقهم أباد مقيما فكيف يكون ذلك وقد قال الله سبحانه: * (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما) * (12) وإذا ترك الظالمين وهو يجد السبيل بهم وبالمسلمين إلى تغيير ظلمهم وجنايتهم وما أسخط الله منهم فذلك من أكبر سخط الله في المخاصمة والمجادلة عنهم، وقد قال الله سبحانه في مثل ذلك أيضا وفيما أوجبه على رسوله فرضا: * (ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيمان) * (13) فنهاه تبارك وتعالى أن يجادل عن الخائنين أو يكون لهم
---
ص 473..
(12) النساء 105. \ \ \ (13) النساء 107.
---
[ 474 ] (2/474)
خصيما، والمجادلة عنهم والمخاصمة دونهم أقل لهم في أنفسهم نفعا وأضعف في نفعهم موقعا من تركهم هملا للخياتة وعليها ومن تعطيل حكم الله عليهم فيها فكفى بهذا على ما قلنا به شاهدا ودليلا وبما بأن به من سبيل الهداية وفيه لمن أنصف سبيلا وما به تبين هذا الباب وينير فأكثر والله محمود من أن يحصى له تفسير.
باب القول فيمن أمتنع من بيعة إمام عادل أو ثبط عنه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أقل ما يجب على من أمتنع من بيعة إمام عادل أن تطرح شهادته وتزاح عدالته، ويحرم ما يعطى غيره من الفئ ويستخف به في مجالسته، فأما المثبطون فالواجب فيهم أن يحسن أدبهم إفن إنتهوا وإلا حبسوا في الحبوس وشغلوا بها عن تثبيط المسلمين أن أكبر فرض رب العالمين أو ينفوا من مدن المسلمين فهذا أهون ما يصنع بهم وهم المثبطون المرجفون في المدينة، وهم الذين قال الله فيهم: * (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورنك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا) * (14) فأخبر الله سبحانه أه هذه سنة في الاولين والآخرين وفي جميع من كان على ذلك من المثبطين، وهذا القول من الله عزوجل خاص للنبي المصطفى وعام لجميع إئمة الهدى. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن من امتنع عن بيعة إمام عادل فقال: أهون ما يصنع به أن يحرم نصيبه من الفئ ولا تقبل شهادته
---
ص 474..
(14) الاحزاب 60.
---
[ 475 ] (2/475)
باب القول فيما يجب للامام العادل على الرعية وما يجب عليه لها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجب للامام على رعيته أن يسمعوا له، وأن يطيعوا وأن ينفذوا ما أمرهم بإنفاذه، وأن يتركوا ما أمرهم بتركه، وأن ينهضوا إذا استنهضهم، وأن يقعدوا إذا أقعدهم، وأن يقاتلوا إذا أمرهم، وأن يسالموا من سالم ويعادوا من عادى، وأن ينصحوا له في السر والعلانية، وأن يتوالوا ويتوادوا على مودته ويتحابوا على محبته ويبغضوا من أبغضه ولا يكتموه شيئا يحتاج إلى علمه ولا يمالوا عدوا في شئ من مكروهه وأن يؤدوا إليه ما يجب لله عليهم، وأن يكونوا له من ورائه في حفظ الغيب كهم في وجهه وأن يعينوه على أنفسهم وعلى غيرهم ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم، وأن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأهليهم وأولادهم وأموالهم، وأن ينصروه في السر والعلانية والشدة والرخاء والاواء وأن يوفوا له بما عاهدوه فيه وبايعوه عليه فإذا فعلوا ذلك وكانوا له كذلك فقد أدوا ما أوجب الله عليهم وحكم به من ذلك فيهم وكانوا عند الله من المؤمنين الاتقياء الطاهرين النجباء الذين لا خوف عليهم في يوم الدين ولا سوء يلقونه يوم حشر العالمين بل يكونون في ذلك كما قال أكرم الاكرمين: * (إخوانا على سرر متقابلنى لا يحرزنهم الفزع الاكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكن الذي كنتم توعدون إن المتقين في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون يلبسون من سندس استبرق متقابلين كذلك وزوجناهم يحور عين يدعون فيها بكل فاكهة آمنين لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الاولى ووقاهم عذاب الجحيم فضلا من ربك ذلك هو الفور العظيم) * (15)
---
ص 475..
(15) الحجر 47.
---
[ 476 ] (2/476)
قال: ويجب للرعيه على الامام أن يهديهم إلى الحق، وينهاهم عن الفسق، ويأمرهم بالمعروف الاكبر، وينهاهم عن التظالم والمنكر، ويحكم بحكم الله فيهم ويمضي أحكام الله عليهم، ويعدل بينهم في حكمه، ويساوي بينهم في قسم فيئهم، ويحملهم على كتاب ربهم، ويفقههم في الدين، ويقربهم من رب العالمين، ويوفر أموال الاغنياء، ويغني في أموال ربهم الفقراء ويشبع منهم البطون الجائعة، ويكسو منهم الظهور العارية، ويقضي ديونهم، وينكح من لا يجد إلى النكاح طولا منهم، على قدر السعة والوجود، ويقربهم ولا يبعدهم، ويكرمهم ولا يهينهم، ويظهر لهم ولا يحتجب عنهم، ويعنى بهم ولا يرفض أمرهم، ويتفقد منهم الخلة، ويسبغ عليهم النعمة ويكون بهم رؤوفا رحيما وعنهم ذا صفح حليما شديدا على من خالف منهم الرحمن حتى يرده إلى الخير والاحسان ويردعه عن الظلم والعصيان لا يستأثر عليهم بأموال ربهم ولا يصرفها في غى شأنهم، بل يرد أموال الله حيث أمره بردها إليه ويصرفها فيما جعلها الله تصرف فيه من أحوج وجوه أمور المسلمين إليها وأردها نفعا وخيرا وصلاحا على الامة وفيها، وأن لا يتجبر عليهم ولا يرفع نفسه فوق ما يجب له عليهم وأن يكون للابناء خيرا من الآباء وللآباء خيرا من الابناء متحننا شفيقا متفقدا رفيقا متأنيا حليما فإذا فعل ذلك فقد أدى إلى الله أمانته ونصح رعيته وأظهر عدله وفك من الاغلال رقبته ووكد لله حجته وشابه بفعله جده الذي كان كما ذكر الله عنه حين يقول: * (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) * (16) ووجبت على الامة طاعته ونصرته ومكاتفته ومعاوته وموادته، وحرم عليها خذلانه وتركه ولم يجز لها
---
ص 476..
(16) التوبة 128.
---
[ 477 ] (2/477)
عند الله سبحانه رفضه ولا التخلف عن جماعته ولا الامتناع من بيعته وكان من إجترأ على الله بشئ من ذلك فيه من الفاسقين المستوجبين للعذاب المهين الذين قال الله سبحانه فيهم: * (ستدعون إلى قوم أولى بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل بعذبكم عذابا أليما) * (17). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه لله علينا إن هم صاروا لنا إلى ذلك أن نكون لهم بجهدنا كذلك.
باب القول فيمن نكث بيعة محق
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من نكث بيعة محق فهو عند الله من الفاجرين وفي حكم الله من المعذبين وفي ذلك ما يقول رب العالمين: * (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسنؤتيه أجرا عظيما) * (18). وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل بايع إماما عادلا فإن أعطاه شيئا من الدنيا وفي له وإن لم يعطه لم يف له. ورجل له ماء على ظهر الطريق يمنعه سابلة الطريق. ورجل حلف بعد العصر لقد أعطى سلعته كذا وكذا فيأخذها الآخر مصدقا لقوله وهو كاذب). وبلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يا معشر الرجال من
---
ص 477..
(17) الفتح 16.
(18) الفتح 10.
---
[ 478 ] (2/478)
بايعني منكم على ما بايعت عليه النساء فوفى فله الجنة، ومن أصاب شيئا ممنهي عنه فأقيم عليه فيه الحد فهو كفارته، ومن أصاب شيئا مما نهي عنه فستر عليه فذلك إلى الله إن شاء أخذه، وإن شاء عفا عنه). قال يحيى بن الحسين عليه السلام: معنى قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأقيم عليه فيه الحد فهو كفارته يريد أنه كفارة له من بعد التوبة والاقلاح عن المعصية والرجوع إلى الطاعة.
باب القول في مكاتبة الظالمين واخافة الجابرين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا تحل مكاتبة الظالمين ولا تحل مؤانستهم بكتاب ولا غيره للمؤمنين لان في المكاتبة لهم تطمينا وتحننا إليهم وما تدعو المودة بينهم وقد قال الله سبحانه: * (لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) * (19) إلى آخر السورة. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ألا أن يضطر مؤمن إلى مكاتبة ظالم لضرورة يخاف فيها أن ترك مكاتبته تلف نفسه فيكاتبه عند وقت الضرورة ويقطع مكاتبته عند الفسخة ويعتذر إلى الله عزوجل في ذلك بما قد علمه له سبحانه من العلة ويتحرز في مكاتبته إليه مما لا يجوز له من اللفظ أن يلفظ به لمثله ولا يركن إليه بمكاتبته في شئ من أمره فإن الله يقول: * (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالك من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون) * (20).
---
ص 478..
(19) المجادلة 22.
(20) هود 133.
---
[ 479 ] (2/479)
وحدثني أبي عن أبيه أنه قال: سأل المأمون رجلا من بعض آل أبي طالب ممن كان كبيرا عند المأمون أن يواصل بينه وبين القاسم بن ابراهيم رحمة الله عليه بكتاب ويجعل له من المال كذا وكذا أمرا جسيما غليظا عظيما، قال: فأتاه ذلك الرجل فكلمه في أن يكتب إلى المأمون كتابا أو يضمن له أن كتب إليه المأمون كتابا أن يرد على جوابا فقال القاسم ابن ابراهيم رضي الله عنه للرجل: لا والله لا يراني الله أفعل ذلك أبدا. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: من أخاف ظالما جائرا غاشما في دنياه أمنه الله يوم الروع في آخرته قال: والذي نفس يحيى بن الحسين بيده ما يسرني أني أمنت الظالمين وأمنوني ليلة واحدة وأن لي ما طلعت عليه الشمس، لان ذلك لو كان مني كان ركونا إليهم وموالاة لهم وقد حرم الله ذلك على المؤمنين قال: وبلغنا عن بعض السلف أنه قال: من بات منهم خائفا وباتوا منه خايفين وجبت له الجنة.
باب القول فيما يجب على المؤمنين الذين لا يستطيعون التغيير لما يرون من أفعال الظالمين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجب على المؤمنين إنكار المنكر على الظالمين بأيديهم إن استطاعوا ذلك فإن لم يستطيعوه وجب عليهم إنكاره بالسنتهم، فإن لم يمكنهم ذلك وجبت عليهم الهجرة عنهم والانكار والمعاداة للظالمين بقلوبهم وترك المقام بينهم والمجاورة لهم فمن لم يستطع ذلك من المؤمنين لكثرة عياله وحاجتهم إليه ولم يكن يستطيع أن يشخص بهم معه فليقم عندهم فينة من دهره حتى يكتب لهم ما يجزيهم فينة من دهرهم ثم يشخص مهاجرا في أرض الله عن قرب الظالمين حتى إذا خاف الضيعة على عياله عاد عند
---
[ 480 ] (2/480)
حاجتهم إليه ثم يوشك ما يشخص عنهم، كذلك ينبغي أن لا يكون مقيما مع الظالمين ولا مضيعا لمن معه حتى يجعل الله له من أمره مخرجا.
باب القول فيما ينبغي أن يفعل الامام قبل محاربة العدو
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجب على الامام أن يكتب إلى الباغين كتابا قبل مسيره إليهم ويدعوهم فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحياء الحق، وإماتة الباطل، ويعلمهم أنهم إن دخلوا في ذلك وأجابوا إليه كان لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، لهم مالهم من المكان في كل فضيلة وإحسان وعليهم ما عليهم من حكم محكوم، أو عزم من الله في الامور معزوم، فإن هم قبلوا ذلك وفى لهم بما أعطاهم، وإن هم لم يقبلوا ذلك ولم يجيبوا إلين آذنهم بالحرب ونبذ إليهم على سواء إن الله لا يهدي جهادهم فقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين والحكم والامر لله كما قال سبحانه: * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين) * (21).
باب القول فيما يفعل إمام الحق إذا زحف إلى جهاد المخالفين وملاقاة الفاسقين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه:: أحب للامام إذا سار إلى لقاء عدوه أن يكتب كتاب دعوة ثانية فيسير رسولا به إمامه حتى يسبق به إلى عدوه يدعوه فيه إلى ما دعاه إليه أولا فإذا نزل الامام في المعسكر
---
ص 480..
(21) الانفال 39.
---
[ 481 ] (2/481)
الذي يلقى فيه عدوه مواجها له بعث إليه رجلا أو رجلين أو ثلاثة من ذوي العلم والفهم والعقل والرأي والدين والرجلة والدهاء والفطنة والتقى إن هو أمنه عليهم، فيصيرون إليه فيدعونه إلى الرحمن، ويزجرونه عن طاعة الشيطان، ويخوفونه بالله وعذابه وعقابه ويذكرونه بالله والدار الآخرة ويسألونه حقن الدماء والدخول فيما دخل فيه المسلمون من الخير والهدى، فإن أجابهم فهو منهم، وإن أبى ذلك عليهم رجعوا بخبره إلى صاحبهم، فإذا أراد الامام تعبئة عسكره وصف أصحابه، فليصفهم صفا من وراء صف كما يصطف الناس للصلاة ويسوى بين مناكبهم ويحكم رصهم فإن الله سبحانه يقول: * (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) * (22) فإذا صفهم صفوقا صفا بعد صف يكون طول صفوفهم على قدر سعة معسكرهم ويجعل في الصف الاول خيارهم وحماتهم ويكون على ميمنته رجل ناصح شجاع وعلى ميسرته رجل كذلك، ويكون هو في القلب أو بين الصفين في حرجة من الخيل والرجال موثوق بهم متكل على دينهم ورجالتهم، وإن أراد أن يكون في غير ذلك المكان كان ويوقف من وراء الصفوف كلها جماعة من الفرسان ترد كل من شذ من العسكر أو انثنى عن العدو ويجعل في الصف الاول جناحين كثيفين على قدر قلة من معه وكثرتهم، ويولي على كل جناج رجلا شجاعا دينا ناصحا يختار له حماة الرجال وأبطالها وفرهة الخيل وعرابها ويأمرهم إذا رأوا فرصة أو غرة من عدوهم أن ينتهزوها ويفترصوها ويأتوا من ورائهم إن أمكنهم فإن أمكنتهم تلك فليأتوا من ورائهم وليحمل الصف الاول عليهم من إمامهم ويتبعه الصفوف شيئا شيئا زحفا زحفا من غير افتراق ولا إختلاط، وإن لم ير الجناحان الحال حال فرصة ولا نهزة ثبتا
---
ص 481..
(22) الصف 40.
---
[ 482 ] (2/482)
على حالهما ولم يبرحا من موقفهما، فإن دهمت الميمنة وغشيت أمدها الجناح الايمن بأدناه إليها وكذلك إن دهمت الميسرة وغشيت أمدها الجناح الايسر بأقربه إليها ولا تيضعضع وكذلك إن غشي القلب وكثر أمدته الميمنة والميسرة ببعض رجالها، ويوصي الامام أصحابه بقلة الكلام والصياح والهرج، فإذا أقام صفوفه ونشر جناحيه وأوقف من يرد شذاذ العسكر من ورائهم وأوقف الناس على راياتهم وولى على الخيل كلها وعلى الرجالة الولاة وأحكم أمر عسكره فليأمر بالمصاحف فلتنشر أو تعلق على الرماح وليبرز بها نفر بين الصفين فينادون يا معشر الناس ندعوكم إلى ما في هذه المصاحف من كتاب الله، فأجيبوا إليه وأطيعوا الله وأدخوا فيما دخل فيه المسلمون من الحق ولا تشقوا عصا المؤمنين وأحقنوإا دماءكم ودماءنا وارجعوا إلى الحق الذي أظهره الله لكم ولنا ولا يستهوينكم الشيطان ولا يخد عنكم هذا الانسان الذي يدعوكم إلى حربنا ويريد التلف بينكم وبيننا. أيها الناس ندعوكم إلى ما دعاكم إليه الله ندعوكم إلى أن نحرم نحن وأنتم ما حرم الله ونحل ما أحل الله ونأخذ الحق ونعطيه، وننفي الظلم والجور، ونشبع الجائع ونكسو العراة ونصلح البلاد وننصف العباد ونجعل الكتاب أمامنا وأمامكم ونتبع حكمه نحن وأنتم فالله الله فينا وفي أنفسكم، فإن أجابوا أو أجاب بعضهم قرب وأكرم وأحسن إليه وعظم، وإن أبوا إلا التمادي في الضلال وإتباع الفسقة الجهال فليقل الجماعة التي تحمل المصاحف بأعلى أصواتهم اللهم إنا نشهدك عليهم ثلاث مرات، ثم لينصرفوا إلى معسكرهم، وإن أمكم الامام أن ينصرف عن حربهم ذلك اليوم ورأى لذلك وجها ولم يخشى على نفسه ولا على أصحابه من أعدائه مكروها ولا مكرا فعل فإذا كان من الغد عبأ عسكره
---
[ 483 ] (2/483)
كما كان بالامس ثم أخرج الدعاة بين الصفين معهم المصاحف وأمر بالكتاب الذي قرئ بالامس عليهم أن يقرأ اليوم فإن أجابوا وإلا أشهد الله عليهم وملائكته ورسله ثم انصرفوا إلى معسكرهم، فإن أمكن الامام ورأى لذلك وجها أن يدفع ذلك اليوم دفعه فإن ذلك أكمل للحجة فيهم وأقرب إلى نصر الله عليهم، فإذا انصرف فليجعل عليهم الطلائع والجواسيس وليتحصن في نهاره وليلته بخندق إن أمكنه محيط بكل عسكره ويطرح حسيكا إن كان معه، فإن لم يمكنه شئ من ذلك أمر القواد بتعبئة أصحابهم والحذر في ليلهم ونهارهم والمحارس وقلة الغفلة، واستعمال التوقع والمخافة لكيد عدوهم، وأمرهم إن هجم على طائفة منهم إلا يتكلم ولا يصيح خلق من العسكر إلا من كان في تلك الناحية، فإن كان من ذلك شئ أمد موضع الصياح والتكثير بالرجال وأوقد لهم ناحية من رحله على ساحة نارا كثيرة عظيمة يأنسون إليها ويعلمون بتدبير صاحبهم لها، فإذ كان اليوم الثالث برز إلى عدوه وصف عساكره وعبأ جيوشه وخطبهم ووعظهم وأخبرهم بما أعد الله للصابرين، ثم أمر الدعاة فخرجوا فوقفوا بين الصفين كما كانوا يفعلون معهم المصاحف منشورة وعلى الرماح مرفوعة ويأمر بالكتاب الذي فيه الدعوة فيقرأ على العدو ويدعون إلى ما فيه، فان أجابوا قبلوا وان أبوا أشهد الدعاة الله عليهم ثلاثا ثم يرجعون إلى معسكرهم ثم قد بان إن شاء الله خذلانهم ووجب النصر للمؤمنين عليهم، فليزحف عسكر الامام إليهم زحفا زحفا معا معا بالنية والبصيرة والمعرفة والحجة الكريمة بوقار وخشوع وذكر لله، وخضوع يكبرون التكبيرة بعد التكبيرة، فإن خرجت لهم خيل خرجت إليها خيل، وإن برزت رجالة برزت إليها رجالة، وإن لم يخرج من ذلك شئ زحف القوم معا حتى يقعوا في عدوهم ويظهروا
---
[ 484 ] (2/484)
شعارهم ويضعوا في أعداء الله سيوفهم ويسألوا الله النصر والعون عليهم، فإذا نصرهم الله وأيدهم وخذل عدوهم، وأذل مناصبهم فليتحفظوا من أن يدخلهم عجب أو يخامرهم بغي، وليكثروا من ذكر الله وشكره والثناء عليه وحمده، فإن كان لمن حاربهم فئة يرجعون إليها وإمام يحامون عليه ولم يكن معهم وكان ببلد غير معسكرهم يرجعون إليه ويردون عليه اتبع المسلمون مدبرهم، وأجازوا على جريحهم حتى يستقصوا في الطلب عليهم ويقتلوا من لحقوا ويستأسروا من أحبوا حتى يفرقوا بينهم ويشتتوا جماعتهم ويأمنوا رجعتهم، وأن لم يكن لهم فئة يرجعون إليها وهو الرئيس الذي يأوون إليه ويردون بعد هزيمتهم عليه لم يتبع لهم مدبر ولم نجز لهم على جريح ولكن يطردون ويفرقون ويشتتون ولا يجوز في ذلك أن يقتلوا إذا ولوا وانهزموا فإذا هزمهم الله وأخزاهم وعذبهم وأرداهم أمر الامام بجمع غنايمهم وضم كل ما كان في عسكرهم وحض الناس على أداء الامانة فيه وأخبرهم بما أوجب الله عزوجل على من غل شيئا من ذلك، فإذا جمعه واستقصاه أمر بقسمته على أهل العسكر وتفريقه بينهم وضرب السهام فيه لهم. باب لاقول في قسمة الغنيمة بين أهل العسكر قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تجمع الغنائم قليلها وكثيرها دقيقها وجليلها فإذا جمعت كلها وضمت بأسرها اصطفى الامام إن أحب منها شيئا واحدا إما فرسا وإما سيفا وإما درعا كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما كان يغنم وكان يسمى ذلك الصفي، وفي ذلك ما حدثني أبي عن أبيه أنه كان يقول للامام أن ينتقل ويصطفي من الغنائم لنفهس جزءا أو شيئا معروفا كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في النفل فليتنفل من ذلك لنفسه ما أراد
---
[ 485 ] (2/485)
أن يتنفل، ويجوز له مع اجتهاد الرأي فيه ما يفعل لانه إنما يأخذ ويعطي ويحكم بما يرى من الغنائم قبل قسمها وما حكم الله به من ذلك في حكمها فيما هو لله ولرسوله خالصا وما جاء به حكم آية الانفال خاصا وقد ذكر أنما كان يأخذه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لنفسه كان يدعى الصفي وهذا الاسم دليل على أنه إنما كان يصطفى ويؤخذ من جميع الغنائم، والبرهان فيه بين لانه لو كان الصفي إنما هو عن مقاسمة معتدلة متساوية لكانت أقسامها إذا عدل فيها مشتبهة متكافئة ولم يجز أن يقال صفي ولا مصطفى وهي كلها مشتبهة أكفاء. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه وللامام أن ينفل من جميع الغنائم قبل قسمتها من أحب أن ينفله لان الله تبارك وتعالى قد جعل أمر الانفال إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وما كان من الحق والحكم في ذلك لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو للائمة المحقين من أهل بيته التابعين الذين هم به مقتدون وبسيرته صلى الله عليه وعلى آله وسلم سائرون وبحكمه وسنته حاكمون. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: إذ جمعت الغنائم جاز للامام أن ينفل من رأى تنفيله، وأن يفعل في ذلك بما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فينفل من جملته إن رأى في ذلك على قدر ما يرى ويفرق منه شيئا على من أبلى وأعنى في عدو الله ونكا، فإذا فعل ذلك فقد قام عندي حينئذ بما يجب عليه لاهل الاجتهاد في القتال وبما ذكر الله سبحانه في حكمه في سورة الانفال إذ يقول سبحانه: * (يسألونك عن الانفال قل الانفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين) * (23) فلو لم يكن الانفال
---
ص 485..
(23) الانفال 1.
---
[ 486 ] (2/486)
في جميع المغنم لما كان عنها ولا فيها من مسألة ولا متكلم فلما سأل المؤمنون عنها وتكلموا فيما فعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيها أخبر الله لا شريك له أنها له ولرسوله معه، فله تعالى ولرسوله من الامر فيها والحكم والقضاء في أمرها وعليها ما ليس لمؤمن بعده فيه عليه كلام ولا لاحد مع خلاف الله فيه دين ولا إسلام وما جعل الله لرسوله من ذلك فهو للامام العادل المحق من بعده. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: إذا اجتمعت الغنائم ثم اصطفى الامام لنفسه ما شاء ونفل من أحب من أهل الاجتهاد والعنا إن رأى لذلك وجها فليأمر بالغنائم من بعد ذلك فليقسم على خمسة اسهم فيعزل من الخمسة لاسهم سهما وهو خمس الغنائم لمن سماه الله وجعله له. ثم يأمر الامام بقسم الاربعة الاخماس الباقية من الغنائم فليقسم بين أهل العسكر الذين قاتلوا وحضروا فيقسم للفارس سهمان وللراجل سهم ولا سهم إلا لفرس واحدة وقد قال غيرنا انه يسهم لاثنين ولسنا نرى ذلك في الغنائم ويسهم للبراذين مثل سهام الخيل العراب، ولا يسهم للبغال ولا للحمير ولا للابل فإذا قسمت أربعة أخماس الغنيمة على من حضرها من المقاتلة الاحرار البالغين المسلمين، أمر الامام بالخمس الذي كان عزله فيقسم على ستة أجزاء ثم فرق على من جعله الله له من أهله الذين حكم به لهم.
باب القول في قسم خمس الغنيمة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يؤمر بالخمس فيقسم على ستة أجزاء فجزء لله تعالى، وجزء لرسوله، وجزء لقربي رسوله، وجزء لليتامى، وجزء لابن السبيل، وجزء للمساكين، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: * (واعلموا انما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول
---
[ 487 ] (2/487)
ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) * (24) فأما السهم الذي لله فيصرفه الامام في أمور الله وما يقرب إليه مما يصلح عباده من اصلاح طرقهم وحفر بيارهم ومؤونة قبلتهم وما خرب من مساجدهم وإحياء ما مات من مصالحهم وغير ذلك مما يجتهد فيه برأيه مما يوفقه الله فيه لمالا يوفق له غيره وأما السهم الذي لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو لامام الحق ينفق منه على عياله وعلى خيله وعلى غلمانه ويصرفه فيما ينفع المسلمين ويوفر أموالهم. وأما سهم قربى آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو لمن جعله الله فيهم وهم الذين حرم الله عليهم الصدقات وعوضهم إياه بدلا منها، وهم أربعة بطون: وهم آل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل العباس، ويقسم بينهم ذلك قسما سواءا الذكر فيه والانثى لا يزول عنهم أبدا لان الله سبحانه إنما أعطاهم ذلك لقرباهم من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومجاهدتهم معه واجتهادهم له، ولا يزول عنهم حتى تزول القرابة، والقرابة فلا تزول عنهم أبدا ولا تخرج إلى غيرهم منهم، وهذه الاربعة البطون فهم الذين قسم عليهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الخمس، وقد روي لنا أنه أعطى في الخمس بني المطلب، فبلغنا عن جبير ابن مطعم قال: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب اتيته أنا وعثمان فقلنا: يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله به منهم، أرأيت اخواننا من بني المطلب أعطيتهم ومنعتنا وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام إنما بنو هاشم وبنو
---
ص 487..
(24) الانفال 41.
---
[ 488 ] (2/488)
المطلب كهاتين ثم شبك بين أصابعه، فلذلك قلنا إنه لا يجوز أن يقسم على غير هؤلاء الاربعة البطون، لان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يذكر أنه قسم لغيرهم إلا أن يكون بني المطلب فقد يمكن أن يكون قسم لبني المطلب عطاء منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لهم وهبة وشكرا على ما كان من قديم فعلهم وصبرهم معه واجتهادهم لا على أنه سهم لهم فيه، والامام في ذلك موفق ينظر فيه بنور الله وتسديده. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وإنما يجب ما ذكر الله من سدس خمس الغنيمة لمن سماه الله من قربى آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهم هؤلاء الاربعة البطون الذين سمينا إذا كانوا كلهم للحق تابعين ولامام المسلمين ناصرين سامعين مطيعين مواسين صابرين موالين للحق والمحقين معادين للباطل والمبطلين، فاما من كان من هؤلاء كلهم غير متبع ولا مجتهد وكان عاندا عن الصدق منحرفا عن إمام الحق فلا حق له في ذلك ولا نصيب له مع أولئك إلا أن يتوب إلى الله من خطيئة ويظهر للامام ما أحث من توبته فيكون له إن كان منه ذلك أسوة غيره من الرجال في حكم الله سبحانه، وفي المال. وأما سهم اليتامى وسهم المساكين وسهم ابن السبيل فإن يتامى آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومساكينهم وابن سبيلهم أولى بذلك من غيرهم، فإذا لم يكن في آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتيم ولا مسكين ولا ابن سبيل رد ذلك على أقرب أبناء المهاجرين إلى رسول رب العالمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكلما استغنى قوم أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من قوم رد في قوم سواهم ممن هو أقرب إلى الرسول، فإذا استغنى أبناء المهاجرين من الاقرب فالاقرب من رسول رب العالمين رد ذلك في الانصار على قدر ما كان من منازل
---
[ 489 ] (2/489)
أوليهم واجتهادهم مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يبدأ منهم بأكثرهم اجتهادا في الجهاد والنصيحة لله وللاسلام، فإذا استغنى من ذلك الانصار رجع في سائر المسلمين من العرب وغيرهم، فكان ليتاماهم ومساكينهم وابن سبيلهم. ومن عند من أبناء المهاجرين والانصار وسائر المسلمين عن الحق والمحقين فناصب أو خالف أو خذل امام المؤمنين لم يكن له في شئ من ذلك حق كما لم يكن لمخالفي آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ذلك حق ولا في غيره حق. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وإنما قلنا إن يتامى آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومساكينهم وأبناء سبيلهم أولى بما جعل الله لليتامي والمساكين وابن السبيل في الخمس من غيرهم لان يتامى غيرهم ومساكينهم وابن سبيلهم يأخذون ما يجبى من الاعشار والصدقات وهم لا يأخذون وينالون من ذلك مالا ينالون فلذلك جعلناهم بسهام الخمس أولى من غيرهم ما كانوا إليه محتاجين وكان فيهم من ذكر الله من اليتامى والمساكين وابن السبيل، وفي ذكل ما بلغنا عن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام أنه كان يقول في قول الله تبارك وتعالى: * (واعلموا أنما غنمتم نم شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) * (25) هم يتامانا ومساكيننا وابن سبيلنا وقلنا إنهم إذا استغنوا عن ذلك رجع إلى الاقرب فالاقرب من أبناء المهاجرين تفضيلا لمن فضل الله من قربى رسوله المجاهدين، وكذلك جعلنا ذلك من بعد أولئك للانصار لقدر إجتهادهم وصبرهم، وكذلك يجب على إمام المسلمين أن يعرف لذوي العناء في الاسلام موضع عنائهم، فإن ذلك أنفع للدين وأرجع على المسلمين.
---
ص 489..
(25) الانفال 41.
---
[ 490 ] (2/490)
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وإن إحتاج الامام إلى صرف الخمس كله في مصالح المسلمين فله أن يصرفه في ذلك ولا يقسمه كما فعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم حنين، وكما فعل أمير المؤمنين عليه السلام في حرب صفين أخذ الخمس واستحل منه أهله، وإنما يكون للامام ذلك عند حاجته إليه وضرورته لا في وقت مقدرته وسعته، وإن كان المساكين أولى بذلك كله صرف إليهم، وكذلك أبناء السبيل. ومن الحجة فيما قلنا به في سهم اليتامي والمساكين من الغنيمة التي أفاءها الله على المؤمنين المجاهدين من قولنا إنها من بعد آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لابناء المهاجرين ثم الانصار من بعد استغناء المهاجرين ثم هو من بعد استغناء الانصار عنها لمن جاء بعدهم من المؤمنين والمسلمين عامة قول الله تبارك وتعالى: * (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا تكون دولة بين الاغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهو واتقوا الله إن الله شديد العقاب، للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون، والذين تبوؤا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) * (26).
---
ص 490..
(27) الانسان 28.
---
[ 491 ] (2/491)
باب القول فيمن حضر الحرب والغنيمة من النساء والصبيان والمماليك وأهل الذمة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل من حضر من هؤلاء القتال لم يضرب بسهم كغيره من الرجال ولكن ينبغي للامام أن يرضخ لهم على قدر عنائهم ومنفعتهم وما كان من دفاعهم عن المسلمين واجتهادهم في طاعة رب العالمين.
باب القول في الاسير الذي لا ينبغي أن يقتل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أسر الاسير وأوثق بوثاق يمنعه من البراح والانفلات بنفسه لم يجز بعد ذلك قتله ووجب حبسه والاستيثاق منه إذا خشي منه أمر أو سبب مما يضر بالمسلمين، فإن بدت من الاسير أمور يباين فيها بعد أسره رب العالمين وكانت الحرب بعد قائمة ولم يكن الاسير صار إلى حبس المسلمين فالامام مخير في قتله كما فعل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضوان الله عليه في الاسير الذي أسره عمار حين بدت منه المكيدة لامير المؤمنين والحرب قائمة بين المحاربين. حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الذين لا يجوز قتلهم من الاسرى، قال: هم الذين أثخنهم المحقون بالوثائق والانقياد لهم أسارى، فقلنا له وما الاسر؟ فقال: هو الوثاق والاطر كما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لتأخذن على يدي الظالم فلنأطرنه على الحق أطرا) فقيل وما الاطر فقال هو الرباط والعقد كما قال الله سبحانه: * (وشددنا أسرهم) * (27) تأويله أوثقنا عقدهم وأطرهم فجعل سبحانه
---
ص 491..
(27) الانسان 28.
---
[ 492 ] (2/492)
أسرهم توثيق حلقهم وكان ذلك هو المعروف في كلام العرب ولغتهم ومنطقهم فمن أوثق رباطا وإنقاد مذعنا لذلة فهو الاسير الذي نهى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عن قتله ولا ينبغي لمؤمن يقدر لاسير كافر أو فاجر ظالم على إيثاق الاجابة صاغرا في أسره من حبل أو غيره في رباط أو وثاق حتى ينتهى به إلى ولي أمر المؤمنين فيمن عليه بعد أو يحبسه ولا يحل للامام ان خاف منه خيانة في الكف عن قتال المحقين أن يخرجه من الحبس ولو ذهبت فيه نفسه، وكيف يصح في حكم الحكيم إرسال من لا يؤمن على قتال أبر المؤمنين وأعظمهم عند الله في العناء عن دين الله منزلة وقدرا وكيف يرسل من يخاف أن يذهب من ساعته وفي فوره فيكون أعون ما كان للظالم في ظلمه وفجوره وهم قد يرون حبس الماجن وإن كان غير محارب على مجونه ويقولون إنه قد يلزم إمام الحق إن يخلده ما كان ماجنا في بعض مجونه ومن يقول إن عليا رحمة الله تعالى عليه أوجب إرساله وهو يخاف على المؤمنين قتله أو قتاله، وأنه أرسله أو خلاه فأطلقه حين حسن به في الكف عن قتال المؤمنين ظنه وفي ترك العودة إليه أمنه. والله عزوجل يقول لرسوله: * (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين) * (28) وقوله سبحانه على سواء فإنما هو على بيان وكيف يرسل أسير الكفرة الظالمين مع الخوف له على مشاقة رب العالمين، ولا يحبس إن ساءت به الظنون وظهرت منه في مشاقة، الله المجون، والله يقول جل ثناؤه وتقدست أسماؤه: * (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا اثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها) * (29) ولا يكون من أبدا ولا فداء إلا من بعد الحبس
---
ص 492..
(28) الانفال 58. \ \ \ (29) محمد 4.
---
[ 493 ] (2/493)
والوثاق غير ما شك، وبذلك جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيهم إذ بيتوا ليلة بدر في الرباط والوثاق فكان لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعمه في تلك الليلة من القلق والارق ما قال له عمر فيما يقال ويذكر مالي أراك يا رسول الله منذ الليلة أرقا وفي ليلتك هذه كلها ساهرا قلقا؟ فقال ه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ومالي لا أقلق وأنا أسمع منذ الليلة أنين عمي في الاسرى فلو كان الحق عنده غير حبس الاسير بعد الاسر لامر بتخلية عمه أمرا فلو لم يجز حبس الاسير إذا لم يؤمن سنة تامه لما جاز حبسه ليلة كلها بل ساعة واحدة، وليس ينبغي للمؤمنين أن يأسروهم حتى يخزوهم ويثخنوهم بالقتل منهم وفيهم بالظهور البين عليهم، فإذا قتلوا وطروا وغلبوا وقهروا ارتبطوا حينئذ وأسروا، فإن استسلم الظالمون للحكم ودخلوا بعد المصافة في السلم باقبال منهم إلى الحق وإقرار وتولي بغير غلبة عن المحقين أو فرار لا يتحيزون فيه إلى فئة أو رجال ولا ينحرفون به لمنازلة أو قتال كف في هذه الحال وازدجر عن مدبرهم. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وأيما أسير قامت عليه البينة بأنه قتل من المسلمين قتيلا قتل به، وإن جرح أقيد منه. قال: وإن لم يكن قتل ولا جرح وتاب وظهرت توبته وجب على الامام إن يخليه إلا أن يخافه فيحبسه، وكذلك لو خاف غيره من جميع الناس وجب له حبسه.
باب القول في قتال أهل القبلة في مدنهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا ينبغي أن يبيت أهل القبلة في مدنهم ولا يوضع عليهم المنجنيقات يرمى بها في داخل الحصن ولا يمنعوا من ميرة ولا شراب ولا يفتح عليهم بحر ليغرق مدنهم ولا
---
[ 494 ] (2/494)
يضرب مدينتهم بنار خشية أن يصاب من ذلك من لا تحب إصابته من النساء والولدان وغيرهم من المؤمنين الذين لا يعلمون، وأبناء السبيل المستخفين في بدلهم وغيره ممن ليس على دينهم ممن تؤديه المدن والقرى وفي ذلك ما يقول الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غزوة الحديبية حين يقول: * (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطأوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما) * (30).
باب القول في البيات
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز أن تبيت العساكر الكبار التي لا يؤمن أن يكون فيها بعض المتوصلين بها من أبناء السبيل أو التجار أو النساء أو الصبيان، كذلك لا يجوز بيات القرى ولا المدن. فأما ما كان من السرايا والعساكر التي قد أمن أن يكون فيها أو معها أحد ممن لا يجوز قتله فلا بأس أن يبيتوا ويقتلوا كثروا أم قلوا إذا كانت الدعوة قبل ذلك قد شملتهم وصارت إليهم وبلغتهم فأبوا قبولها ورفضوها، فإن بيت من ذلك شئ فغنيمة ذلك لمن بيته وفيه الخمس.
باب القول في الفئ وتفسيره
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الفئ كل أرض فتحت بالسيف أو صلحا أو أخذت وتركت على حالها كسواد العراق وغيره، ومن ذلك ما يؤخذ من أهل الذمة من الجزية فذلك فئ يقسم على صغير المسلمين من الاحرار وكبيرهم الشريف فيه وغيره سواء إلا أن يحتاج الامام أن يصرف ذلك أو بعضه في مصالح المسلمين وأمورهم فيكون ذلك له لانه الناظر لهم وعليه فرض من الله الاجتهاد في جميع أمورهم، ويرزق
---
ص 494..
(30) الفتح 25.
---
[ 495 ] (2/495)
فيه وفي غيره من أموال الله مقاتلتهم غير أن آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرزقون من الصدقات والاعشار وغيرهم يرزق منها.
باب القول فيما ينبغي أن يوصي به الامام سريته إذا أخرجها أو عسكره إذا وجهه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا وجه الامام واليه في محاربة عدوه وجب عليه أن يوصيه بكل ما يقدر على من طاعة الله والرق وحسن السياسة وجودة السيرة والتثبت في أمره ثم يقول: بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا تقاتلوا القوم حتى تحتجوا عليهم فإن أجابوكم إلى الدخول في الحق والخروج من الباطل والفسق، ودخلوا في أمركم فهو أخوانكم لهم مالك وعليهم ما عليكم، وإن أبوا ذلك وقاتلوكم فاستعينوا بالله عليهم ولا تقتلوا وليدا ولا إمرأة ولا شيخا كبيرا لا يطيق قتالكم ولا تعوروا عينا ولا تعقروا شجرا إلا شجرا يضركم، ولا تمثلوا بآدمي ولا بهيمة، ولا تغلوا ولا تعتدوا، وأيما رجل من أقصاكم أو أدناكم أشار إلى رجل بيده فأقبل إليه بإشارته فله الامام حتى يسمع كلام الله وهو كتاب الله وحجته فإن قبل فأخوكم في الدين، وإن أبى فردوه إلى مأمنه واستعينوا بالله لا تعطوا القوم ذمة الله ولا ذمة رسوله ولا ذمتي، أعطوا القوم ذمتكم وأفوا بما تعطونهم من عهدكم. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وكثير من هذا القول كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوصي به عساكره. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: فإن كانت السرية تقاتل قوما من أهل دار الحرب أمرت بأن تدعوهم إلى شهادة أن لا إليه إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأخبرت أنهم إن أجابوا إلى ذلك فقد حقنوا دماءهم ومنعوا أموالهم، وأوصى فيهم بما أوصى في أهل البغي.
---
[ 496 ] (2/496)
باب القول فيمن غزى بأجرة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من خرج في سبيل الله مستأجرا بأجرة لولا هي لم يخرج قال فله أجر غزوه وكلما أصاب في ذلك العزو لمن استأجره بماله على أن يغزو.
باب القول فيما في أيدي الظلمة وأعوانهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا ظهر إمام الحق على أئمة الظلم أخذ كلما في أيديهم ولهم من قليل وكثير دقيق وجليل عرض أو غيره إلا أن يكون جارية استولدوها فإنها لا تؤخذ باستيلادها لانهم قد استهلكوها، فأما ما كان سوى ذلك من الضياع والاموال وغير ذلك مما استحدثوه في سلطانهم فيؤخذ ذلك كله ما استحدثوه من أموال الله وما استحدثوه في السلطنة من غير ذلك من غلات إن كانت لهم قبل سلطنتهم لان ما استهلكوة من أموال الله أكثر مما يؤخذ منهم، وكذلك الحكم في إتباعهم وأهل معاونتهم على ظلمهم، فإن أقام أحد من المسلمين بينة على شئ بعينه قائم لم يتغير ولم يستهلك فأقام عليه البينة أنه غصبة غصبا وأخذ منه ظلما وجورا سلم إليه ورد بعد الغصب في يديه. حدثني أبي عنه أبيه: أنه سئل عما في أيدي الظلمة من الاموال والضياع والجواري إذا ظهر إمام العدل عليهم، فقال: يؤخذ جميع ما في أيديهم من ذلك، فقيل له: أرأيت إن اتخذوا من ذلك جواري فأولدوهن فقال: هذا استهلاك منهم لهن فقيل له أرأيت إن كانوا قد ورثوا شيئا من غير هذا أو وهب لهم شئ من غير هذا فقال: ما استهلكوا من أموال الله أكثر من ذلك.
---
[ 497 ] (2/497)
باب القول فيما حكم به أهل البغي في جوايزهم وقطايعهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يقر من حكمهم ويثبت ما كان حقا ويدفع ما كان باطلا، وإنما أثبتنا ما كان من حكمهم موافقا للحق لانه حق وما كان حقا فهو حكم الله لا حكم الحاكم به. قال: وأما قطايعهم وجوايزهم فأنه يثبت من ذلك ما لم يكن سرفا، وكانوا أعطوا من أعطوه إياه على غير معاونة لهم عل إطفاء نور الحق واخمال كلمة الصدق، وكان أعطاؤهم له إياه في صلاح المسلمين، أو بحق واجب من رب العالمين، وأما ما أعطوه للهو والطرب والاشر والكذب ومضادة الحق والمحقين ومصانعه على قتل المؤمنين وإهلاك المسلمين فإن ذلك غير مردود علهيم ماخوذ من أيديهم. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن ما حكم به الظالمون من الاحكام فقال: يقر من ذلك ما وافق حكم الله، ويسخط من ذلك ما أسخط الله عزوجل.
(باب القول في أموال تجار عسكر أهل البغي)
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كلما كان من أموال التجار في عساكر أهل البغي مما لم يجلبوا به على المحقين من سلاح ولا كراع فلا يجوز للمحقين تغنمه ولا يحل لهم أخذه وما أجلبوا به من خيل أو سلاح جاز أخذه وتغنمه للمسلمين إن ظفروا به، وأما غير ذلك فيسلم إليهم وليس في فسقهم من معونتهم للمبطلين لما يجلبون إليهم من منافعهم مما يحل ما لم يجلبوا به من أموالهم.
---
[ 498 ] (2/498)
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن أموال التجار التي في عساكر الفجار هل يكون غنيمة للمسلمين وفيا أم لا يحل ذلك للمؤمنين عند ظهورهم عليهم؟ فقال: كلما كان للتجار في عساكرهم أو لغيرهم وسلم أهله من أن يجلبوا به على المسلمين أو ينصبوا بما في أيديهم لمحاربة المؤمنين فلا يحل للمؤمنين أخذه ولا اغتنامه وعلى المؤمنين تسليمه إلى أهله وأسلامه لان متاجرتهم لهم في تلك الحال ورفقهم عليهم بمرافق تجارتهم وإن كانت فسقا فلم يجعل الله تغنم أموالهم بفسقهم في تلك الحال للمؤمنين حالالا ولا حقا والمؤمنون وإن قالوا بعداوتهم في ذلك ونكالهم، فليس يستخلون مع ذلك، وإن قالوا به فيهم تغنم شئ من أموالهم.
باب القول في أموال النساء والصبيان التي تكون في عساكر أهل الظلم والطغيان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كلما كان من ذلك في عساكرهم لم يجلب به على المحقين فلا يجوز نغنمه للمؤمنين، وكلما أجلب به صبي أو إمرأة أو تجار فهو غنيمة للمسلمين. حدثني أبي عن أبيه: أنه كان يقول: في تغنم ما كان معهم من الاشياء لمن معهم من الحرم والاطفال والنساء إن كلما لم يجلب به مالكه لقتال المحقين فهو لكل من ملكه إياه من المالكين وكلما أجلب به رجل أو إمرأة على المحقين فهو غنيمة للمحقين وفئ للمسلمين.
---
[ 499 ] (2/499)
باب القول في الامام يقول للرجل إن قتلت فلانا فلك سلبه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو قال إلمام لرجل من أصحابه إن قتلت فلانا فلك سلبه لرجل ممن يحاربه فقتله كان له سلبه الظاهر المعروف من الثياب والمنطقة والدرع والسيف والفرس والسرج والحلية وغير ذلك م الادوات الظاهرة، وإن كان معه جوهر أو مال من تحت ثيابه أو بعض رحاله فليس ذلك من سلبه ولا يجوز له أخذه، لان السلب إنما هو ما لبسه أو ركبه المتسلح من آلة الحرب. قال: ولو أنه قال: إن قتلت فلانا فلك سلبه فقتله هو وغيره معه لم يكن السلب له ولا للذي معه، لانه إنما جعل له على قتله فقتله معه غيره ولم يجعل له على ذلك سلبه. فإن كان الامام قال قولا مرسلا: من قتل فلانا فله سلبه، فقتله هو وغيره كان السلب له ولمن قتله معه. قال: حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الامام يقول لرجل محارب للاسلام إن قتلته يا فلان فلك سلبه، أي شئ للقاتل من سلب المقتول؟ فقال: كل معلوم من سلبه غير مجهول. قلت فإن كان معه جوهر من در وياقوت أو مال من فضة أو ذهب عظيم القدر. فقال: ليس له من ذلك إلا ما يعلم ويرى من كل ظاهر من سلبه لا يخفى، مثل ما عليه من لباسه وسلاحه وآلايه وفرسه لان ذلك من الامام كله عطيه مجعولة، وليس للامام أن ينقصه شيئا مما جعل له ولا لاحد أن يدفعه عنه. قيل إفن أعانه على قتله غيره هل لغيره شئ واجب مما جعل له؟ فقال: لا إلا أن يكون الامام قال قولا مرسلا لم يخص بالقول فيه رجلا من قتل فلانا فله سلبه فيكون لمن أعانه على قتله مثل الذي له من سلبه لانه قد يقتله
---
[ 500 ] (2/500)
الواحد والاثنان والجماعة فيكون حالهم كلهم في قتله واحدة، وإن قال إن قتلته يا فلان يريد رجلا بعينه فلم يقتله إلا مع غيره لم يكن السلب له ولا لمن يقتله معه، قيل له لم لا يجون بينهما وهو لو كان قودا أقيد به جميعهم فلم لا يأخذون سلبه بينهم كلهم؟ فقال: لانه لم يجعل لهم إنما جعل له دونهم على أن يقتله هو وحده لا معهم فلما قتلوه جميعا كلهم، بطل ما كانت عليه المجاعلة إذا كانوا كلهم قد ولوا معه قتله، ولو كان قودا كان كلهم به مقتولا ولزمهم جميعا من القود ما لزمه، وكان حكمهم جميعا في ذلك حكمه. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولو أن الامام قال لرجل احتل في قتل فلان فإن قتلته فلك سلبه فتحيل عليه بأن يستعين معه غيره، أو يستأجر معه من يحاوشه ويعينه عليه فقتله ببعض ما احتال عليه من ذلك كان ما جعل له الامام واجبا له دون غيره.
باب القول فيما يجعل الامام لمن قتل قتيلا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن الامام قال لرجل إن قتلت فلانا فلك ألف درهم أو أقل أكثر فقتله أعطاه الامام ما جعل له في غنيمة إن كانت وإن لم تكن غينمة أعطاه من الفئ، فإن لم يكن الفئ حاضرا أعطاه من صدقات المسلمين وأعشارهم لان الله جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله إنما جعل الصدقات للاسلام وأهله منافعا ومعونات.
---
[ 501 ] (2/501)
باب القول في أموال السواد وغيره مما افتتح من البلاد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كلما جبى من جباية أرض افتتحت أو بلد صولح عليه فهو يخمس ويخرج خمسه لمن سماه الله عزوجل.
باب القول فيما يجب من أداء الامانة إلى الامام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: فرض من أكبر فروض الله أداء الامانة إلى الامام، ومن أداء الامانة النصيحة له والصدق في كل خبر يخبره به، والغيب الحسن له من خلفه والاستقصاء له في جميع أسبابه. ومن ذلك أداء الامانة في الاموال التي تجبيها الجباة ومن ذلك ما يهدى للعامل في عمله فعليه أن يؤدي الامانة فيه ويرفعه إلى الامام فان أجازه له حل له، وأن منعه منه حرم عليه، وأن أجاز له بعضه جاز له ما أجاز منه. وفي ذلك ما بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إنه استعمل رجلا على بعض الاعمال فلما كان رأس السنة عزله، فأتى بسليف من دراهم يحمله حتى طرحه بين يدي علي، فقال: يا أمير المؤمنين هذا أهداه لي أهل عملي ولهم يهدوه لي قبل أن تستعملني ولا بعدما نزعتني فإن كان لي أخذته وإلا فشأنك، فقال أمير المؤمنين رحمة الله عليه: أحسنت لو أمسكته كان غلولا، وأمر به لبيت المال.
باب القول في التحيز إلى فئة عند الزحف للقاء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يحل للمسلمين التحرف والتحيز عن عدوهم إذا التقوا إلا أن يكون تحرفا لقتال أو تحيزا إلى فئة يستعين بها أو يلجأ إليها، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه:
---
[ 502 ] (2/502)
* (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب الله ومأواه جهنم وبئس المصير) * (31). وفي ذلك ما بلغني عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنهم قالوا كنا في مسلحة من مسالح العدو فلقينا المشركين فحصا الناس حيصة فكنا فيمن حاص فلما رجعنا إلى أنفسنا قلنا وكيف ننظر في وجوه المسلمين وقد بؤنا بغضب من الله قال فدخلنا المدينة ليلا فقلنا نخرج من المدينة وفيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم نلقه فغدونا إليه وهو غاد إلى صلاة الفجر فلقيناه فقلنا يا رسول الله نحن الفرارون فقال: (بل أنتم الكرارون أنا فئة لكل مسلم قال فقبلنا يده).
باب القول في إنتظار إمام حق
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: المنتظر للحق والمحقين كالمجاهد في سبيل رب العالمين وفي ذلك ما بغلنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من حبس نفسه لداعينا أهل البيت أو كان منتظرا لقائمنا كان كالمتشحط بين سيفه وترسه في سبيل الله بدمه).
باب القول في السلب هل يخمس
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قال إلامام في الحرب من قتل رجلا فله سلبه فسلب كل قتيل لمن قتله وعليه فيه خمسه لانه تغنيم ن الله له، وكذلك ما خرج من البحر والمعادن والركاز في ذلك كله الخمس.
---
ص 52..
(31) الانفال 25.
---
[ 503 ] (2/503)
باب القول في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وفيمن ولي شيئا من أمور المسلمين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض من الله لا يسع تركه ولا يحل رفضه وهو أكبر فروضة التي أوجبها على عباده وأعظمها وفي ذلك ما يقول الله عزوجل * (الذين إن مكناهم في الارض أقاموا الصلاة واتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور) * (32) وفيه ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم حتى إذا بلغ الكتاب أجله كان الله المنتصر لنفسه ثم يقول ما منعكم إذا رأيتموني أعصى إلا تغضبوا لي) وفيه ما بلغنا عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (إان الله بعثني بالرحمة والملحمة وجعل رزقي في ضلال رمحي ولم يجعلني حرثا ولا تاجرا الا إن من شرار عباد الله الحراثين والتجار إلا من أخذ الحق وأعطى الحق، ثم تلى قول الله سبحانه * (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير) * (33) وفي ذلك ما بغلنا عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (ما أغبرت قدما أحد في سبيل الله فطعمته النار) وبلغنا عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لنومة في سبيل الله أفضل من عبادة ستين سنة في أهلك تقوم ليلتك لا تفتر وتصوم نهارك لا تفطر) وبلغنا عن حسان بن ثابت الانصاري أنه قال يا رسول الله ان عندي عشرة آلاف فإن أنفقتها يكون لي أجر مجاهد فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكيف بالحط والارتحال.
---
ص 503..
(32) الحج 48. \ \ \ (33) التوبة 73.
---
[ 504 ] (2/504)
قال يحيى بن الحسين عليه السلام: ويح من ولي شيئا من أمور المسلمين أي مركب ركب فمن ولي شيئا من أمور المسلمين فليعلم أنه بين العذاب الاليم والثواب الكريم ثم ليعدل بجهده وليحرض لربه فإنه يجد كلما قدم من خير وشر فليؤثر الآخرة الباقية على الدنيا الفانية وليعامل الله فإنه غدا يلقاه فلعله يكون كذلك فليحسن النظر لنفسه في ذلك فإنه بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من ولي شيئا من أمور المسلمين أتى يوم القيامة ويداه مغلولتان إلى عنقه حتى يكون عدله الذي فكه، أو جوره الذي يوثقه. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه والله لولا كرامة الله ومحبة ما أحب الله والايثار لما أراد ووجوب الحجة واداء واجب الفريضة والمعرفة من نفسي مالا يعرفه مني غيري والرغبة فيما بذل الله من الثمن الربيح حين يقول تبارك وتعالى: * (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم) * (34) ومع ذلك طلب الدرجات اللواتي فضل الله بهن المجاهدين على القاعدين حين يقول: * (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله عفورا رحيما) * (35) والرجاء أن يصلح الله أمور المسلمين ويلم بنا شعث المؤمنين ويهدي بنا العباد ويؤمن بنا البلاد
---
ص 504..
(34) التوبة 111.
(35) النساء 95.
---
[ 505 ] (2/505)
ويشبع بنا البطون الجائعة، ويسكون بنا الظهور العارية ونرد المظالم على المظلومين ويقوى في الحق جميع العالمين ونذل المبطلين ونعز المحقين ونسير بسيرة ملائكة رب العالمين وأنبيائه المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين ونذكر بسيرتنا أفاضل من مضى من آبائنا ونكبت أعداء الحق، ونظر كلمه الصدق ونرضي الرحمن ونسخط الشيطان، لسقيت أخرها في أثر أولها ولرددت وجوه أولها على آخرها وخليت قليلها الباقي يلحق بأوله الماضي حتى يعلم الجهال وأهل الشك من الضلال إن دنياهم عندي أمرها أيسير وأهون على يحيى بن الحسين من انقير، ولكن يحجب عن ذلك ويمنعنا عن أن يكون كذلك ما وصفنا وقلنا وذكرنا مما فيه رغبتنا من كرامة ذي الجلال والسلطان والرغبة في مرافقة الصالحين في الجنان ورحمة المسلمين ونصر الحق والدين والاقتداء بأولى العزم من النبيين فنسأل الله الخيرة في كل الامور والدفع لكل مخوف على الدين أو محذور وان يبلغنا في ذلك ما أملنا به من طاعة ربنا وسيدنا والحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم الحق المبين وحسبنا الله العلي الكريم عليه توكلنا وهو رب العرش العظيم وصلى الله على محمد خاتم النبيين وعلى أهل بيته الطيبين.
باب القول في فضل الامام العادل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من حكم بحكم الله وعدل في العباد وأصلح البلاد من أهل بيت النبي المصطفى فهو خليفة الله العلي الاعلى إذا كانت فيه شروط الامامة وعلاماتها وحدودها وصفاتها، وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر من ذريتي فهو خليفة الله في أرضه وخليفة كتابه وخليفة رسوله [ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ]
---
[ 506 ] (2/506)
وبلغنا عنه عليه السلام أنه قال: (الوالي العادل المتواضع في ظل الله ورحمته فمن نصحه في نفسه وفي عباد الله حشره الله في وفده يوم لاظل إلا ظله، ومن غشه في نفسه وفي عباد الله خذله الله يوم القيامة) قال: (ويرفع للوالي العادل المتواضع في كل يوم وليلة كعمل ستين صديقا كلهم عامل مجتهد في نفسه) قال: وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (يقال للامام العادل يوم القيامة في قبره أبشر فإنك رفيق محمد). قال: وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من أحيا سنة من سنتي قد أميتت من بعدي فله أجر من عمل بها من الناس لا ينقص ذلك من أجور الناس شيئا، ومن ابتدع بدعة لا يرضاها الله ورسوله كان عليه أثم من عمل بها لا ينقص ذلك من إثم الناس شيئا، وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ثلاث من كن فيه استكمل خصال الايمان: الذي إذا قدر لم يتعاط ما ليس له وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، وإذا غضب لم يخرجه غصبه من الحق).
باب القول في السيرة في أهل البغي
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجب قتال من بغى من المؤمنين على طائفة من المؤمنين أو على إمام حق من المحقين فيجب جهادهم إذا امتنعوا من الحكم ولم يرضوا بالحق كما قال الله سبحانه: * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفي إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) * (36) فأوجب
---
ص 506..
(36) الحجرات 9.
---
[ 507 ] (2/507)
قتال من بغى من المسلمين على طائفة من المؤمنين فكيف بقتال من بغى على رب العالمين وخالف حكم المحقين، ولم يطع من أمره الله بطاعته من الائمة الهادين، فمن امتنع من ذلك وخالف الرحمان وأبدى المجاهرة لله والعصيان وجب على المسلمين قتاله أبدا حتى يفئ إلى أمر الله ويحكم بحكم الله ويسلم الامر لاولياء الله حتى يكون الدين لله خالصا كما قال عزوجل فيما نزل من كتابه وفرقانه: * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين) * (37) فيجب على من قاتل الظالمين الباغين أن يحتج عليهم من قبل قتالهم ويدعوهم إلى كتاب ربهم فإن أجابوا حرم عليهم قتلهم وقتالهم وأموالهم وإن امتنعوا من الحق حل للمسلمين قتلهم وقتالهم ويغنم ما أجلبوا به في عساكرهم ولم يجز سبيهم ولم يحل ذلك فيهم. كذلك فعل أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام بالبصرة يوم الجمل قتل من قاتله وأخذ ما في العسكر ولم يتبع من المنهزمين مدبرا ولم يجز على جريح ولم يجز لاحد سبيا فتكلم بعض أصحابه في ذلك وقالوا أحللت لنا دماءهم وأموالهم وحرمت علينا سبيهم، فقال: ذلك حكم الله فيهم وعليهم وفي غيرهم من سواهم ممن يفعل كفعلهم، فلما إن اكثروا عليه في ذلك قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم قال: أيها الناس إنكم قد أكثرتهم من القيل وألقال والكلام في مالا يجوز من المحال فأيكم يأخذ عايشة في سهمة، فقالوا كلهم لا أينا، فقال فكيف ذلك وهي أعظم الناس جرما. فلما أن قال ذلك لهم استفاقوا من جهلهم
---
ص 507..
(37) الانفال 39.
---
[ 508 ] (2/508)
وأبصروا من عماهم واستيقظوا من نومتهم وصوبره في قوله واتبعوه في أمره وعلموا أن قد أصاب وجانب الشك والارتياب. قال يحيى بن الحسين عليه السلام: فكل من شاق الحق وعانده وجب قتاله وحل دمه، ومن حل بالمحاربة دمه كان غنيمة للمسلمين عسكره، وحرم سباؤه ملم يجز ذلك فيه.
باب القول في الجاسوس والسيرة في محاربة أهل دار الحرب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن صح على الجاسوس أنه قتل بجساسته أحد من المسلمين قتل وإلا حبس. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لا يجوز عندنا قتال أهل دار الحرب إلا مع إمام حق عادل يجوز معه سفك دمائهم وأخذ أموالهم وسبي ذراريهم فأما بغير إمام مستحق لذلك فلا. قال: وينبغي أن يدعو إلى الاسلام والى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله فإن أجابوا إلى ذلك فهم مسلمون لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم لا يجوز بعد ذلك قتلهم ولا أخذ أموالهم ولا سبيهم، فإن أبوا ذلك عرض عليهم أن يكونوا أهل ذمة ويؤدوا إلى المسلمين الجزية وتجري عليهم أحكام المسلمين ويولا ولاة المسلمين على بلادهم ويتركوا على دينهم كما يترك أهل الذمة، فإن أجابوا إلى ذلك وضعت عليهم الجزية كما وضعت على غيرهم فتؤخذ من مياسيرهم وملوكهم ثمانية وأربعون درهما، قله ومن أوساطهم وتجارهم أربعة وعشرون درهما ومن سفلتهم وفقرائهم اثنا عشر درهما فان أبوا ذلك حوربوا واستعين بالله عليهم.
---
[ 509 ] (2/509)
فإذا انهزموا وضع السيف فيهم وقتلوا مقبلين ومدبرين وأسروا وسبوا واستبيحت بلادهم من بعد أن يثخن بالقتل رجالهم، ثم تجمع غنايمهم فتقسم على خمسة أجزاء فيخرج منها خمس لمن سمى الله عز وجل من أهل الخمس وتقسم الاربعة الاخماس الباقية بين الذين حضروا الوقعة على مقاسم الخيل والرجالة للفارس سهمان، وللراجل سهم ثم يقسم الخمس على من جعله الله له على ما شرحنا وذكرنا في أول كتابنا هذا، وللمشركين من الوفاء والامان بالعهد ما للباغين غير أنه ينبغي للامام إن لا يترك منهم أحدا ممن يدخل إليه بأمان إلا أعلمه وأخبره أنه لا يجوز له أن يقيم في بلاد المسلمين أكثر من سنة وإنه إن وجده في دار الاسلام من بعد السنة لم يتركه أن يخرج منها فجعل عليه الجزية وكان ذميا فإن وجده حكم فيه بذلك.
باب القول في وضع الخراج على ما افتتح من الارضين فترك ولم يقسم كما فعل بالسواد وغيرها من أرض السام ومصر وغير ذلك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا افتتحت الارض فرأى الامام أن يتركها ولا يقسمها ويعامل عليها أهلها الذين كانت لهم أولا أو غيرهم بالنصف أو أقل أو أكثر فله أن يراضيهم من ذلك على شئ يكون معروفا. فأما أرض السواد فقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه لما أن ولي بعث رجلا من الانصار على أربعة رساتيق من رساتيق (38) المداين وعلى البهقنات ونهر شير ونهر الملك ونهر
---
ص 509..
(38) الرساتيق هي النواحي.
---
[ 510 ] (2/510)
جوين، وأمره أن يضع على كل جريب زرع غليظ درهما ونصفا وعلى كل جريب زرع وسط درهما، وعلى كل جريب زرع رقيق ثلثي درهم وأمره أن يصع على كل جريب من النخل عشرة دراهم وعلى كل جريب الرطبة وهو القصب عشرة دراهم، وعلى جريب الكرم وجريب البساتين التي تجمع النخل والشجر على كل جريب عشرة دراهم، وأمره أن يلقي كل نخل شاذ عن القرى لمارة الطريق، وأمره أن يضع على الدهاقين الذى يركبون البراذين ويتختمون الذهب على كل رجل منهم ثمانية وأربعين درهما وأمره أن يضع على أوساطهم التجار منهم أربعة وعشرين درهما، على سفلتهم وفقرائهم اثني عشر درهما ففعل ذلك وجبى من تلك الاربعة الرساتيق ثمانية عشر ألف درهم وستين ألفا ونيفا.
باب القول في أمان أهل الاسلام لاهل الشرك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أهل الاسلام يجوز أمان الواحد منهم على كلهم، لو أن رجلا أمن عسكرا من عساكر أهل الشرك، أو قرية من قراهم ثم علم بذلك الامام لم يجز له استباحتهم حتى يخرجوا من ذمة الامان الذي أمنهم المسلم. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لو أن رجلا أو رجلين من المسلمين أو ثلاثة أمن ء وا مائة من المشركين معروفين على أنفسهم وأموالهم ثم افتتحت قريتهم لم يجز للامام أن يحدث حدثنا في الذين أمنهم النفر المسلمون ولا في أموالهم وكان ما سوى ذلك غنيمة. قال: ولو افتتحت قرية من قرى الشرك وغنم كلما كان فيها من مال أو رجال أو جوار وسيق ذلك وحيز كله ثم أتت بعد ذلك جماعة من المسلمين فقالوا للامام إنا كنا قد أمنا أهل هذه القرية على أنفسهم
---
[ 511 ] (2/511)
وأموالهم لم يكن ذلك بشئ ولم يقبله الامام إذا كانت الجماعة التي ادعت هذا ممن حضر الفتح والقتال والاسر، وأخذ المال ولم يتكلموا في وقت افتتاحها بشئ من ذلك ثم تكلموا من بعد ذلك فلا يلتفت إلى قولهم لانهم لو كانوا من أهل الصدق والوفاء والدين ما استجازوا السكوت من بعد أمانهم لهم ولا محاربتهم ولا قتلهم وسوق أموالهم وسفك دمائهم وليس من استجاز ذلك في دينه بأهل أن يصدق على غيره. قال: فان كانوا غيبا من العسكر في ذلك الوقت ثم أتوا فتكلموا بذلك فأقاموا البينة عليه صدقوا وأطلق لهم كل ا في أيدي المسلمين. قال: ولا يجوز أن يؤمن أحد أحدا من المشركين إلى غير مدة، ولا يجوز ضمانة لهم بذلك أبدا لان أمان المشركين إلى مدة ثم يقام فرض الله عليهم بالمجاهدة لهم والدعاء إلى دين الاسلام. قال: ولو وجه الامام عسكرا فافتض بلدا فأتى بسبيه وماله فقال الامام لم آمركم بهذا البلد وهذا البلد قد كنت أمنت أهله إلى مدة كان في قوله مصدقا ووجب ردهم إلى بلدهم ومأمنهم وليس حاله إذا ادعا ذلك كحال غيره. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لو أن قوما من أهل دار الحرب دخلوا دار الاسلام بأمان لم يجز للامام أن يتركهم يشترون سلاحا يخرجون به معهم ولا كراعا ولا يخرجون من دار الاسلام إلى دار الحرب بشئ من السلاح والكراع إلا أن يكونوا دخلوا بشئ فيخرجوا به بعينه فإن دخلوا بسلاح ليستبدلوا به فلا بأس أن يستبدلوا بالجيد رديئا من المسلمين ويأخذوا فضل ما بينهما.
---
[ 512 ] (2/512)
باب القول في الاسير المسلم يؤمن في دار الحرب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا استؤسر المسلم ودخل أهل الشرك دارهم أسيا معهم فسأله بعضهم أن يؤمنه أو ابتدأه هو بالامان فأمنه لم يكون أمانه بجائز على المسلمين لانه أسير في أيدي المحاربين وفي دارهم تجري عليه أحكامهم.
باب القول في المسلم يدخل قرية من قرى الشرك بأمان منهم فيستغار عليهم وهو بينهم فيسبوا هل يجوز له شراؤهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا دخل المسلم قرية من قرى الشرك بأمان منهم فاستغير عليهم وهو بينهم فسبوا فإن كان شرط لهم حين دخل عليهم إلا يحدث فيهم حدثا لم أحب له شراؤهم، وإن لم يكن شرط لهم ذلك فلا بأس أن يشتريهم خارجا من الدار التي دخلها بأمانهم. قال: ولا بأس ان يشتري من أهل الدار التي دخلها بأمان شيئا إن سبوه من غيرهم ولا بأس أن يشتري المشركين بعضهم من بعض، وأن يشتري الولد من الوالد، والاخ من الاخ، لانه يجوز له أخذه وغصبه على نفسه فالثمن كله أجرة استأجر بها الآخذ له.
باب القول في الرجل من أهل دار الحرب وفي الذمي يسلمان على يد الرجل المسلم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أسلم الحربي على يد مسلم فهو مولاه وهو يرثه إن لم يكن للحربي ورثة مسلمون إن مات
---
[ 513 ] (2/513)
الحربي، وإن أسلم ذمي على يد مسلم فمات الذي أسلم على يد المسلم ولا وارث له ورثه المسلمون كلهم، وكان ميراثه في بيت مال المسلمين لانه عهدي ذمي ليس بحربي.
باب القول في المملوك يسلم في دار الحرب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أسلم المملوك في دار الحرب ثم هاجر إلى دار الاسلام كان حرا، فإن أسلم مولاه بعد ذلك ودخل في دار الاسلام فلا سبيل له عليه لان الاسلام قد أعتقه قبل إسلام سيده. قال: ولو أسلم سيده في دار الحرب ثم استغار المسلمون على تلك الدار فسبوها واستباحوها لم يكن العبد المسلم بداخل في غنائم المسلمين لما سبق من إسلامه، وكذلك لو أسلم العبد ثم أسلم سيده في دار الحرب لم يكن على السيد ولا على العبد سبيل ولا على أموالهم إلا أن يكون مالا يحمل كالعقار، والضياع والعبد مملوك لسيده لانهما أسلما جميعا في دار الحرب فهما على حالهما.
باب القول في الحربي يسلم ويهاجر إلى دار الاسلام وله في دار الحرب أولاد ثم يظهر المسلمون على تلك الدار ما سبيل ولده
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا من أهل دار الحرب أسلم وهاجر إلى دار الاسلام في ظهر المسلمون على تلك الدار التي فيها ولده كان كلما ولد له لم يكن بلغ في وقت إسلام أبيه مسلما تابعا لابيه لاغنيمة للمسلمين فيه، ومن كان منهم بالغا في وقت إسلام أبيهم كان غنيمة للمسلمين، وإنما جعلنا أولاده الصغار تبعا له لان رسول الله صلى
---
[ 514 ] (2/514)
الله عليه وعلى آله وسلم قال: الاسلام أولى بالولد، وإذا أسلم أحد أبوي الولد الصغار جر إسلامهم إسلامه فصاروا مسلمين وانتزعوا من يد الكافر وصيروا في يد المسلم. قال: وكذلك لو أن حربيا تزوج صبية في دار الحرب ثم أسلم زوجها وقد كان دخل بها ثم أسلم أحد أبوي المرأة من قبل أن تقضي المرأة عدتها ثلاثة أشهر ولو بيوم واحد ثم خرج بها أبوها إلى دار الاسلام بعد ثلاث سنين أو أكثر كانت في ملك زوجها وبيده لان أباها أسلم قبل انقضاء عدتها فجر إسلامها فصارت مسلمة بإسلام أبيها قثبتت عقدة نكاحها ولم يحرم على زوجها الامساك بعصمتها، ولو كان إسلام أبيها بعد انقضاء عدتها لم يكن لزوجها عليها سبيل إلا بنكاح جديد.
باب القول في أهل دار الحرب يسلمون وفي أيديهم رقيق مسلمون من رقيق المسلمين مما كانوا أخذوه وغنموه من المسلمين قبل إسلامهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أسلم أهل دار الحرب على رقيق مسلمين لمسلمين في أيديهم فهم له أرقاء على حالهم لانهم أسلموا وهم في أديهم، ومن أسلم على شئ في يده قد كان أخذه في دار شركه فهو له.
باب القول في المكاتب وأم الولد يسبيهما أهل دار الشرك ثم يسلمون عليهما
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أسلم الحربي وفي يده أم ولد لمسلم أو مكاتب فدى الامام أم الولد من بيت مال المسلمين لسيدها إن كان معسرا، وإن كان مؤسرا أجبره الامام على افتدائهما بقيمتها. ولايجوز
---
[ 515 ] (2/515)
للمسلم الذي أسلم وهي في يده أن يطأها لانها أم ولد المسلم، فإن كان الذي أسلم وهي في يده قد وطئها في دار الحرب ثم دخل به وهي حامل منه كان الولد لاحقا بنسبه لانه وطئها في حال يستحيل فيه وطئها فترجع إلى من كانت له أم ولد بقيمتها، ولا يدنو منها حتى تضع ما في بطنها وتطهر من دمها وأما المكاتب فينبغي لمن هو في يده في قيمته فإذا أدى إلى الذي أسلم عليه قيمته كان الولاء للذي عقد له المكاتبة أولا، فان أبى العبد أن يسعى للذي أسلم عليه في قيمته كان مملوكا في يده وحاله في تركه السعي للذي أسلم عليه في قيمته كحاله لو ترك السعي للذي كاتبه في قيمته يكون مملوكا إذا كان ذلك، وكذلك ما أتاك من هذا الباب فقسه على هذا القول إن شاء الله تعالى.
باب القول في العبد المسلم يسبيه أهل دار الحرب فيرتد عن الاسلام في دار الحرب ثم يسلم عليه بعضهم ويخرج به إلى دار الاسلام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا سبي المملوك المسلم فارتد عن الاسلام ثم خرج به بعضهم مسلما عليه عرض عليه الرجوع إلى الاسلام فإن أسلم فهو مملوك لمن أسلم عليه ودخل به دار الاسلام، وإن أبى أن يسلم ضربت عنقه، وكذلك المكاتب يعرض عليه الاسلام فإن أسلم أدى كتباته إلى من أسلم عليه كالقول الاول، وإن لم يسلم ضربت عنقه. وكذلك أم الولد إذا ارتدت في دار الحرب ثم أسلم عليها بعضهم ودخل بها مرتدة عرض عليها الاسلام فإن أسلمت افتداها أبو ولده إن كان موسرا، وإن كان معسرا افتداها له الامام، فإن أبت أن تسلم ضرب عنقها، فإن كانت حاملا استوني بها فإذا وضعت استرضع ولدها يسترضعه أبوه، فإن كان معسرا
---
[ 516 ] (2/516)
استرضعه له الامام ثم يعرض عليها الاسلام فإن أسلمت وإلا قتلت، فإن لم يوجد لولدها من يكفله ويرضعه استوني لها فطامه لان لا يقتل نفسان بنفس، فإذا فطم فإن أسلمت وإلا قتلت.
باب القول فيمن قبل الذمة وأدى الجزية من أهل دار الحرب قصار ذميا وفي يده مماليك مسلمون من مماليك المسلمين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قبل أهل دار الحرب أن يكونوا ذمة وأدوا الجزية ودخلوا دار الاسلام ومعهم مماليك مسلمون من مماليك المسلمين قيل لسادتهم إن أجببتم أن تفتدوهم بقيمتهم فافتدوهم فإن افتدوهم وإلا أمر الذين هم في أيديهم ببيعهم من ساعتهم لانه لا يجوز أن يملك ذمي مسلما، وكذلك إن كانوا دخلوا بمكاتب قيل له: اد إليه مكاتبتك وولاءك للذي عقد لك المكاتبة أولا فان أبى أن يؤدي إلى الذي دخل به المكاتبة أمر ببيعه لانه لا يجوز له أن يملكه إذا كان مسلما ذمي. قال: وكذلك لو دخل أحدهم في الذمة ومعه أمة مسلمة قد حملت منه في دار الحرب قيل له اعتزلها لا يجوز لك الدنو منها وما في بطنها مسلم بإسلامها، فان أسلم الذمي الذي كان دخل بها وهي في عدتها فهي أم ولده، فإن خرجت من عدتها فلا سبيل له عليها إلا بنكاح جديد ومهر وشهود ورضى منها بذلك، وهو وليه لانها أم ولده إذ قد أسلم، وهي معه على ثلاث تطليقات تامات، وليست الفرقة الاولى بطلاق. تم بحمد الله جزء أبواب السير وهو الرابع جزء
---
[ 517 ] (2/517)
كتاب الزهد والآداب وغيره من محاسن الاخلاق
---
[ 519 ] (2/519)
بسم الله الرحمن الرحيم
باب القول في إختلاف آل محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن آل محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يختلفون إلا من جهة التفريط فمن فرط منهم في علم آبائه ولم يتبع علم أهل بيته أبا فأبا حتى ينتهي إلى علي بن أبي طالب صلوات الله عليه والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشارك العامة في أقاويلها واتبعها في شئ من تأويلها لزمه الاختلاف ولا سيما إذا لم يكن ذا نظر وتمييز ورد ما ورد عليه إلى الكتاب ورد كل متشابه إلى المحكم. فأما من كان منهم مقتبسا من آبائه أبا فأبا حتى ينتهي إلى الاصل غير ناظر في قول غيرهم ولا ملفت إلى رأي سواهم وكان مع ذلك فهما مميزا حاملا لما يأتيه على الكتاب والسنة المجمع عليها والعقل الذي ركبه الله خحجة فيه، وكان راجعا في جميع أمره إلى الكتاب ورد المتشابه منه إلى المحكم فذلك لا يضل أبدا ولا يخالف الحق أصلا.
باب القول في فضل زيارة قبر الني صلى الله عليه وعلى آله وسلم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: حدثني أبي عن أبيه أن
---
[ 520 ] (2/520)
قال: حدثني رجل من بني هاشم كان صواما قواما عن أبيه يسنده إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من زارني في حياتي أو زار قبري بعد وفاتي صلت عليه ملائكة الله اثنتي عشرة ألف سنة) قال: وبلغنا عن الحسين بن علي عليه السلام أنه قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يا رسول الله مالمن زارنا فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من زارني حيا أو ميتا أو زار أباك حيا أو ميتا أو زار أخاك حيا أو ميتا، أو زارك حيا أو ميتا كان حقيقا على الله أن يستنقذه يوم القيامة)، قال: وبلغنا عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من زار قبري وجبت له شفاعتي). قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وإنما يجب هذا كله على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويفعله لمن كان محبا له ولاهل بيته غير معاد لهم ولا موال لعدوهم ولا حاملا لذنب مسيئهم على محسنهم، فأما من كان عدوا لهم غير قائم بفرض الله عليه فيهم فلا تجب له شفاعته ولا تناله كرامته، ولو وجبت لاعدائهم بزيارتهم الشافعة والكرامة لوجب الثواب لمن صلى وصام ولم يقر بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لان العمل لا ينفع إلا بإقرار كما أن الاقرار لا ينفع إلا بالعمل.
باب القول في الترغيب في طاعة الله عزوجل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن زيد ابن علي عليه السلام عن آبائه عن علي عليه السلام أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (سبعة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله: شاب نشأ في عبادة الله ورجل دعته امرأة ذات حسب ونسب إلى نفسها فقال: إني أخاف الله رب العالمين، ورجل خرج من بيته فأسبغ
---
[ 521 ] (2/521)
الطهور ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله فهلك فيما بينه وبين ذلك ورجل خرج حاجا أو معتمرا إلى بيت الله، ورجل خرج مجاهدا في سبيل الله). قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: هذا أعظمهم حظرا عند الله ورجل ضارب في الارض يطلب من فضل الله ما يكفي به نفسه أو يعود به على عياله، ورجل قام في جوف الليل بعدما هدأت كل عين فأسبغ الطهور ثم قام إلى بيت من بيوت الله فهلك فيما بينه وبين ذلك.
باب القول في الاستغفار
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أن رجلا أتاه فشكا إليه بعض ما يكون منه فقال له: أين أنت عن الاستغفار؟ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من ختم يومه يقول عشر مرات أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه اللهم اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم إلا غفر الله له ماكان من يومه أن قالها في ليل إلا غفر الله له ما كان من ليله. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ذلك لمن كان تائبا منيبا مخلصا له توبته، فأما من كان عاصيا مقيما على المعاصي غير مقلع عنها ولا تائب إلى الله مخلصا منها فلو استغفر الله سبحانه في كل يوم وليلة مائة ألف ألف مرة لم يغفر الله له وكيف يغفر له ذنبا وهو مقيم عليه، أو يكون راجعا إلى الله منه وهو داخل فيه، ألم يسمع إلى قول الله عز وجل حين يقول: * (إنما يتقبل الله من المتقين) * (1) فحكم بالتوبة والمغفرة لمن خرج إلى الله بالتوبة من المعصية، فاما من أقام على كبائر
---
ص 521..
(1) المائدة 27.
---
[ 522 ] (2/522)
العصيان واستغفر الله مما هو مقيم عليه من مخالفة الواحد الرحمان فإنما ذلك عند الله مخادع لنفسه معرض عن رشده يقول مالا يفعل ويستغفر الله مما يعمل * (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم ما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذا أليم) * أما سمعوا الله سبحانه يقول في أولئك ومن كان دونهم من أهل الخطايا مثلهم: * (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما، وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما) * (2) فكفى بهذا القول من الله ومثله بيانا ونورا وهدى وضياء لمن أراد الحق والاهتداء.
باب القول في الاستئذان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا استأذن المسلم على المسلمين في دارهم فليستأذن وهو متنحى عن الباب ولا ينظر إلى ما وراء الباب ولا ما وراء الدار ولا ما في البيت فإن الاستيذان إنما جعل خوفا من نظر العينين إلى مالا يحب صاحب البيت أن يراه غيره، والاستئذان ثلاث مرات إما بالتسليم على أهل الذار، وإما بأن يقول المستأذن ندخل عليكم فالاولة تنبيه لمن في الدار وانذار واعذار، وأما الثانية يتأهب فيها الناس ويأخذون لباسهم، والثالثة يجيبون فيها بأدخل أو لا تدخل، فإن أذن له دخل وإن قيل له إرجع رجع وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: * (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا
---
ص 522..
(2) النساء 17. \ \ \ البقرة 8.
---
[ 523 ] (2/523)
الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوفون عليكم) * (3) الاية وإنما جعل الله الاستئذان في هذه الثلاثة الاوقات وحضهم عليها لانها أوقات كان المسلمون في ذلك الزمان يختارون إتيان نسائهم فيها ليتطهروا للصلوة ومن الجناية طهرا واحدا، وينبغي للرجل ألا يدخل على أمه ولا على بنته ولا على أخته ولا على عمته ولا على خالته ولا على جدته حتى يستأذن.
باب القول فيمن بكى من خشية الله وفي زيارة الاخوان في الله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم آله أنه قال: (من خرج من عينيه مقياس ذباب دموع من خشية الله أمنه الله يوم الفزع الاكبر. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: أراد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله المؤتمرين بأمر الله تعالى المنتهين عن نهي الله المؤمنين المتقين الصالحين المهتدين. قال وبلغنا عن سلمان الفارسي رحمة الله عليه أنه قال: (خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم زائرا لا ناسية من أهل اليمن كانوا بايعوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الاسلام فدخل عليهم فجعل يصافحهم واحدا واحدا فلما خرجنا قال يا سلمان ألا أبشرك فقلت بلى يا رسول الله قال: ما من مسلم يخرج من بيته زائرا لاخوة له مسلمين إلا خاض في رحمة الله وشيعة سبعون ألف ملك حتى إذا التقوا وتصافحوا
---
ص 523..
(3) النور 58.
---
[ 524 ] (2/524)
كانوا كاليدين التي تغسل إحداهما الاخرى وغفر لهم ما سلف وأعطوا ما سألوا). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أولئك المهتدون من المؤمنين ألا تسمع كيف يقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما من مسلم والمسلم لا يكون مسلما حتى يخرج من معاصي الله إلى طاعته.
باب القول في وصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه دعا بنيه وهم أحد عشر رجلا أولهم الحسن بن علي عليه السلام والحسين، ومحمد الاكبر، وعمر، ومحمد الاصغر وعباس، وعبد الله، وجعفر، وعثمان، وعبيدالله، وأبو بكر، بنوا علي بن أبي طالب عليه وعليهم السلام، فلما اجتمعوا عنده قال: يا بني ليبر صغاركم كباركم، وليرأف كباركم بصغاركم، ولا تكونوا كالاشباه الغواة الجفاة الذين لم يتفقهوا في الدين ولم يعطوا من الله اليقين كقيض بيض في أدحي، ويح الفراخ فراخ آل محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم من خليفة مستخلف وعفريت مترف يقتل خلفي وخلف الخلف. ثم قال: والله لقد علمت بتبليغ الرسالات وتمام الكلمات وتصديق العدات واليتمن الله نعمته عليكم أهل البيت. ثم قال للحسن والحسين عليهما السلام: أوصيكما بتقوى الله ولا تبغيا الدنيا ولا تلويا علي شئ منها، قولا الحق وارحما اليتيم وكونا للظالم خصما وللمظلوم عونا واعملا بالكتاب ولا تأخذكما في الله لومة لائم. ثم نظر إلى محمد بن علي ابن الحنفية فقال هل فهمت ما أوصيت به أخويك قال نعم قال:
---
[ 525 ] (2/525)
أوصيك بمثله وأوصيك بتوقير أخويك وتعظيم حقهما وتزيين أمرهما ولا تقطعن أمرا دونهما. ثم قال أوصيكما به فانه شقيقكما وابن أبيكما وقد علمتما منزلته كانت من أبيكما وأنه كان يحبه فأحباه. وكان آخر ما تكلم به بعد أو أوصى الحسن بما أراد لا إليه إلا الله يرددها حتى قبض صلى الله عليه فقبض ليلة الاثنين لاحدى وعشرين من شهر رمضان من سنة أربعين من مهاجر النبي صلى الله عليه وعلى آله إلى المدينة، فكبر عليه الحسن بن علي رحمة الله عليه خمسا.
باب القول في الاغراء بين البهائم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (ملعون من أغرى بين البهائم).
باب القول فيما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أفعال قوم لوط
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن زيد بن علي رحمة الله عليه عن آبائه عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (عشر من أفعال قوم لوط فاحذروهن إسبال الشارب، وتصفيف الشعر، ومضغ العلك وتحليل الازار، وإسبال الازار وإطاره الحمام، والرمي بالجلاهق، والصفير، واجتماعهم على الشراب، ولعب بعضهم ببعض) وبلغنا عن زيد بن علي رحمة الله عليه عن آبائه عن علي عليه السلام أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (ثلاثة لا تنالهم شفاعتي يوم القيامة ناكح البهيمة، ولاوي الصدقة، والمنكوح من الذكور كما تنكح النساء).
---
[ 526 ] (2/526)
باب القول في حامل القرآن وفضل قراءة القرآن
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن زيد بن علي عليه السلام عن آبائه عن علي عليه السلام أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يأتي القرآن يوم القيامة وله لسان طلق ذلق قائلا مصدقا وشفيعا مشفعا، فيقول يا رب جمعني فلان عبدك في جوفه فكان لا يعمل في بطاعتك ولا يجتنب في معصية ولا يقيم في حدودك، فيقول صدقت فيكون ظلمة بين عينيه وأخرى عن يمينه، وأخرى عن شماله، وأخرى من خلفه تنتره هذه وتدفعه هذه حتى يذهب به إلى أسفل درك من النار. قال: ويأتي فيقول يا رب جمعني فلان عبدك في جوفه فكان يعمل في بطاعتك ويجتنب في معصيتك ويقيم في حدودك، فيقول صدقت فيكون له نورا يسطع ما بين السماء والارض حتى يدخل الجنة، ثم يقال له اقرأ وارق فلك في كل حرف درجة حتى تساوي النبيين والشهداء هكذا وجمع بين المسبحة والسوطا). قال: وبلغنا عن زيد ابن علي عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن علي بن أبي طالب عليه السلام انه قال: كان رجل من الانصار يعلم القرآن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأتاه رجل من كان يعلمه بفرس فقال هذا لك أحملك عليه في سبيل الله فأتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسأله عن ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تحب أن يكون حظلك غدا. فقال: لا والله قال فاردده.
---
[ 527 ] (2/527)
باب القول في بي الوالدين وصلة الرحم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن زيد ابن علي عن آبائه عن علي عليه السلام قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر فقال: (يا أيها الناس إن جبريل أتاني فقال يا محمد من أدرك أبويه أو أحدهما فمات فدخل النار بأبعده الله قل آمين فقلت آمين) وبلغنا عن علي عليه السلام أنه قال: (إن الرجل ليكون بارا بوالديه في حياتهما فيموتان فلا يستغفر لهما فيكتبه الله عاقا، وإن الرجل ليكون عاقا لهما في حياتهما فيموتان فيستغفر لهما فيكتبه الله بارا). وبلغنا عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام انه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من أحب أن يملى له في عمرة ويبسط له في رزقه ويستجاب له الدعاء ويدفع عنه ميتة السوء فليطع أبويه في طاعة الله وليصل رحمه وليعلم أن الرحم معلقة بالعرش تأتي يوم القيامة لها لسان طلق ذلق تقول اللهم صل من وصلني، اللهم اقطع من قطعني، قال: فيجيبها الله تبارك وتعالى أني قد استجبت دعوتك فإن العبد لقائم يرى أنه بسبيل خير حتى يأتيه الرحم فتأخذ بهامته فتذهب به إلى أسفل درك من النار بقطيعته إياها كان في دار الدنيا). وبلغنا عن زيد ابن علي عن آبائه عن علي عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان من تعظيم إجلال الله أن تجل الابوين في طاعة الله. وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (النظر في كتاب الله عبادة والنظر إلى البيت الحرام عبادة والنظر في وجوه الوالدين إعظاما لهما وإجلالا لهما عبادة) وبلغنا عن الحسين ابن علي عليهما السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
---
[ 528 ] (2/528)
(إن الرجل ليصل رحمه وقد بقي من عمره ثلاثا فيجعلها الله ثلاثا وثلاثين، وإن الرجل ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاث وثلاثون فيجعلها الله ثلاثا). قال: وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من يضمن لي واحدة أضمن له أربعا من يصل رحمه فيحبه أهله ويكثر ماله ويطول عمره ويدخل جنة ربه).
باب القول في حق المؤمن على المؤمن وحق الجار
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أن من أوجب المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم). وبلغنا عن جعفر ابن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: من قضى لمؤمن حاجة قضى الله له حوائج كثيرة إحداهن الجنة، ومن نفس عن مؤمن كربة نفس الله عنه كربا يوم القيامة، ومن أطعمه من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقاه من عطش سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم، ومن كساه ثوبا كان في ضمان الله ما بقي عليه من ذلك الثوب سلك، والله لقضاء حاجة المؤمن أفضل من صوم شهر واعتكافه. وبلغنا أن رجلا أتى الحسين ابن علي عليه السلام في حاجة فسأله أن يقوم معه فيها، فقال: يا أخي ما منعك أن تقوم مع أخيك في حاجته، فقال إني
---
[ 529 ] (2/529)
معتكف، فقال الحسن عليه السلام لان أقوم مع أخي المسلم في حاجته أحب إلي من إعتكاف شهر. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه بلغنا عن الحسين بن علي عليهما السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما آمن بالله فقالوا من يا رسول الله، فقال من بات شبعان وجاره جائع وهو يشعر). وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أنه قال: (البر وحسن الخلق والجوار زيادة في الرزق وعمارة للديار). حدثني أبي عن أبيه قال: حدثنا أبو سهل سعد ابن سعيد عن الفضل عن الحسن عن أخيه عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما يؤمن قيل من يا رسول الله؟ قال رجل لا يأمن جاره بوائقه وحدثني أبي عن أبيه قال حدثنا المقبري عن المفضل عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما أمن قيل من يا رسول الله؟ قال من لم يأمن جاره غشمه وظلمه). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه وبلغنا (أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يشكو جاره فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم اطرح متاعك على الطريق فطرحه فجعل الناس يمرون فيلعنونه إذ الجأه جاره إلى ذلك قال فجاء إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال يا رسول الله ما لقيت من الناس فقال وما ذا لقيت منهم قال يلعنونني، قال لقد لعنك الله قبل الناس، قال فإني لا أعود يا رسول الله قال فجاء الذي شكا إلى النبي فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ارفع متاعك فقد أمنت وكفيت).
---
[ 530 ] (2/530)
باب القول في التوكل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن الله تبارك وتعالى يرزق عبيده أرزاقه ويوسع عليهم ارفاقه ويخص بذلك المتوكلين عليه الواثقين بما لديه، فيكون ذلك منه سبحانه نعمة وأجرا لهم وحجة على الفاسقين وتفضلا عليهم فهو رازق الخلق من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون قال: وأكثر رزق الله لمن توكل عليه واتقاه من حيث لم يحتسبه قط، ولم يرجوه، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا) * (4).
باب القول في المتحابين في الله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (أنا شفيع لكل أخوين تحابا في الله من مبعثي إلى يوم القيامة) قال: وبلغنا عن زيد بن علي عليه السلام عن آبائه رضوان الله عليهم عن علي عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال الله تبارك وتعالى وعزتي وعظمتي وكبريائي وجودي لادخلن داري ولارافقن بين أوليائي ولازوجن حور عيني المتحابين في المتواخين في المتحبيين إلى خلقي.
---
ص 530..
(4) الطلاق 4.
---
[ 531 ] (2/531)
باب القول فيمن تشبه بالرجال من النساء ومن تشبه بالنساء من الرجال
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ملعون من تشبه بالرجال من النساء في حال من الحال، ومن تشبه بالنساء من الرجال، وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه لعن الراكبة والمركوبة وقال لا يدخل الجنة فحلة من النساء، ولعن الله وملائكته من أتى رجلا أو بهيمة أو رجلا تشبه بالنساء أو إمرأة تشبهت بالرجال، ولعن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الواصلة والموتصلة، والواشمة، والموتشمة من غير داء، والنامصة والمنتمصة، وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم إني لاكره أن أرى المرأة لاخضاب عليها. وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما يمنع إحدكن أن تغير أظفارها، ويروي عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يأمرهن بالخضاب ويأمرهن بالقلائد في أعناقهن وأن يلبسن الحلي أو غيره ما يقدرون عليه في أيديهن وأرجلهن، وكره لهن أن يتعطلن تعطل الرجال وكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكره للمرأة أن تصلي وليس عليها قلادة ولا شئ. وكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإن كان له ولد لم يسلط عليه الشيطان.
باب القول في الاستخارة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ينبغي للمسلمين أن لا يفعلوا شيئا من أمورهم من أسفارهم ولا من جميع أسبابهم إلا من
---
[ 532 ] (2/532)
بعد إستخارة الله عزوجل في ذلك الشئ، فيقول اللهم أنك تعلم ولا نعلم وتقدر ولا نقدر وانا نريد كذا وكذا، اللهم فإن يكن لنا في ذلك خيرة فيسره وسهلة وقونا عليه وأنا فيه، وإن لم يكن لنا فيه خيرة فاصرفنا عنه يا ربنا في عافية أنك ولي كل خير ودافع كل ضير، وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يعلم أصحابه الاستخارة كما يعلمهم السورة من القرآن، وكاتن يقول إذا أراد أحدكم أمرا فليسمه وليقل اللهم إني استخيرك فيه بعلمك واستقدرك فيه بقدرتك فانك تعلم ولا أعلم وتقدر ولا أقدر وأنت علام الغيوب اللهم ما كان خيرا لي من أمري هذا فارزقنيه ويسره لي وأنى عليه وجبه إلي ورضني به وبارك لي فيه، وما كان شرا لي فاصرفه عني ويسر لي الخير حيث كان. وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال من سعادة المرء كثرة إستخارته، ومن شقائه تركه الاستخارة. وبلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: (ما أبالي إذا إستخرت الله علي أي جنبي وقعت).
باب القول في فضل الاعمال بالسحر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (إن الله جل جلاله في آخر ساعة تبقى من ساعات الليل يأمر ملكا ينادي فيسمع ما بين الخافقين ماخلا الانس والجن ألا هل من مستغفر يعفر له هل من تائب يتب عليه هل من داع بخير يستجب له هل من سائل يعط سؤله هل من راغب يعط رغبته يا صاحب الخير أقبل يا صاحب الشر أقصر اللهم أعط كل منفق مال خلفا، وأعط ممسك مال تلفا. وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه
---
[ 533 ] (2/533)
وعلى آله وسلم أنه قال: من فتح له باب دعاء فتح له باب اجابة ورحمة وذلك قوله الله سبحانه: * (ادعوني أستجب لكم) * (5). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من فتح له باب الدعاء فليكن أكثر ما يدعو الله به ان يسأله الرضا والرضوان وأن يرزقه الجهاد في سبيله والشهادة فإن ذلك أفضل ما أعطي العاملون.
باب القول في حسن الخلق وفضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وفضل صلاة يوم الجمعة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الحسن الخلق قريب من الله قريب من الناس، والحسن الخلق يدرك بحسن خلقه ولين جانبه من مودة الناس مالا يدركه المعطي للمال الذي لا خلق له من الرجال، فمن حسن خلقه فليشكر الله وليعلم أنها أكبر نعم الله عليه. وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله أنه قال: (إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم نهاره القائم ليله المجاهد في سبيل الله، وأن سئ الخلق ليكتب جبارا وان لم يملك إلا أهله). قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: من أكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله كثرت رحمة الله له ورفع درجته ومحا سيئته، وأن أفضل أوقات الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله ليوم الجمعة، وأن أفضل ساعات الجمعة لوقت الزوال، وأن يوم الجمعة لافضل الايام وأعظمها عند ذي الجلال والاكرام، وأن ليلة الجمعة لافضل الليالي، وأن الاعمال لتضاعف في يوم الجمعة وليلتها، وإنما سمي يوم الجمعة لا جتماع الناس فيه لاداء فرض الصلاة كما أمرهم الله حين يقول:
---
ص 533..
(5) المؤمن 60.
---
[ 534 ] (2/534)
* (يأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) * (6) قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه ومن تعظيم الله لذلك اليوم أن جعله للمسلمين عيدا، وفيه ما بلغنا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن جبريل أنه قال (أن يوم الجمعة يوم القيامة وفيه تقوم الساعة). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ما زلت مذ رويت هذا الحديث يدخلني في كل يوم جمعة وجل وخوف وما ذلك من سوء ظني بربي ولا قلة معرفة مني برحمة خالقي، ولكن مخافة من لقائه ولم أقم بما أمرني بالقيام به، وأنهض بما حضني على النهوض فيه وجعله أكبر فرائضه علي وأعظمها عندي ولدي في مباينة الفاسقين ومجاهدة الظالمين والنصرة لدين رب العالمين، وأني لارجو أن يكون الله سبحانه لا يعلم مني تقصيرا في طلب ذلك ولا في الحرص على أن أكون كذلك، ولكن لا راغب في الحق ولا طالب له من الخلق ولا معين لي عليه ولا مؤازر لي فيه، ولقد دعوت إلى ذلك فعصيت، ونهضت فيه فخذلت وخليت، ودعوت إلى الرحمن وجهدت في إحياء ما أميت من الايمان فصمت أذان هذا الخلق عن دعوتي وزهدوا فيما خبروا من حقائق سيرتي، وخولفت في أمر الله فلم أتبع وعصيت حين دعوت إلى الله فلم أطع فقلت رب إني لا أملك إلا نفسي فبعتها منه، ومالي في جوف الكعبة البيت الحرام بما بذل لي من الثمن الربيح ذو الجلال والاكرام حين يقول: * (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم
---
ص 534..
(6) الجمعة 9.
---
[ 535 ] (2/535)
الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم) * (7) ثم انتظرت أمر الله وأرصدت لذلك حتى يفتح الله ويأذن فيما طلبت من إحياء حقه إذن بعونه وتسديد وتوفيق لذلك وتأليف بين قلوب العباد الذين يرجى بهم إصلاح البلاد، أو نلقاه سبحانه على ذلك عازمين وبه متمسكين.
باب القول في التواضع والصبر والشكر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: التواضع زين المؤمن ومن تواضع لله وللمسلمين رفعه الله وما أرض رويت فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج فعلا نبتها واخضر جنابها وأينع ثمرها وكثر ماؤها وعظم خيرها بأحسن عند المحتاج إليها من التواضع في الامام العادل عند الله إذا كان تواضعه لله وفي الله، ومن تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر وتجبر في أرض الله وضعه، ومن رفعه الله لم يتضع ومن وضعه الله لم يرتفه. قال: وأفضل القيام بنعم الله شكر الله، وأفضل الشكر الله الحمد لله والانتهاء إلى أمره والاجتهاد في طاعته، وليس الشكر باللسان دون الفعل. الشكر بالفعل واللسان، فمن شكر الله أطاعه ومن أطاعه فقد شكره. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: الصبر شعار المؤمنين وهو باب يغلب الفاسقين، وأكرم الصبر الصبر على طاعة الله والمداومة على مرضاته والصبر عن معاصيه والحمل للنفس على ما يرضيه، وأزين الصبر الصبر على مخالفة الهوى. والمثابرة على الزهد في الدنيا، وفي ذلك ما يقول العلي الاعلى: * (فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي الماوى، وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي الماوى) * (8).
---
ص 535..
(7) التوبة 111.
(8) النازعات 37 / 38.
---
[ 536 ] (2/536)
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ليس من أهل الصبر من لم يصبر نفسه عن معاصي الله ويصيرها على طاعة الله، وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (أن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدا ابتلاه وإذا ابتلاه فصبر كافأه) وفي ذلك ما بلغنا عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله (ثلاث من كن حرم الله لحمه على النار وأولجه الجنة من إذا أصابته مصيبة استرجع وإذا أنعم عليه بنعمة حمدالله عليها عند ذكره إياها، وإذا أذنب استغفر الله). وبلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: (أوحى الله إلى موسى بن عمران أتدري لما اصطفيتك على الخلائق وكلمتك تكليما قال لم يا رب؟ فقال لاني أطلعت على قلوب عبادي فلم أجد فيهم أشد تواضعا لي منك.
باب القول في السخاء والعمل لله والبخل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: السخي قريب من الناس قريب من الله حبيب إلى الله حبيب إلى الناس إذا كان مؤمنا، وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (إن الله يحب السخي فأحبوه، ويبغض البخيل فابغضوه) وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (السخاء شجرة أصلها في الجنة وأغصانها في الدنيا فمن أخذ بغض منها قاده ذلك الغصن إلى الجنة، والبخل شجرة ثابتة في النار وأغصانها في الدنيا فمن أخذ بغصن منها قاده ذلك الغصن إلى النار). وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (من
---
[ 537 ] (2/537)
صلى ثماني ركعات في جوف الليل والوتر يداوم عليهن حتى يلقى بهن الله فتح الله له اثني عشر بابا من الجنة يدخل من أيها شاء). وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (صلاة السر تضعف على صلاة العلانية سبعين ضعفا).
باب القول في الرفق
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من استعمل الرفق في إخوانه دامت له مؤدتهم، ومن استعمله في أهل بيته استمال قلوبهم، ومن استعمله في أعداءه قل عنه عداوتهم، ومن استعمله في خدمه استدام نصيحتهم، ومن استعمله في رزقه من غير تقصير بحسبه ولا تصغير بمرؤته استدام نعمة ربه، وإن لمنفق خلقا ولممسك تلفا كما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا ينبغي أن ينفق المرء في معاصي الله رزقه الذي رزقه الله، ولا يحبسه عن طاعة الله، والسخاء من الله بمكان. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الرفق يمن والخرق شؤم) وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (إذا أراد الله بأهل بيت خيرا دلهم على الرفق). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: رفق المرء بنفسه أقرب إلى الله من رفقه بماله ولم يرفق بنفسه، من لم يقها شحها ويصرف عنها وقوع اللؤم علهيا ويخرج شقى البخل منها وينفي عار اللؤم فإنه متى لم يفعل ذلك بها فلم يقها شحها ومن لم يق النفس الشح من العالمين
---
[ 538 ] (2/538)
لم يكن عند الله من المفلحين ومن لم يكن عند الله من المفلحين فهو عند الله من الهالكين وفي ذلك ما يقول أصدق الصادقين: * (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) * (9).
باب القول في معاونة الظالمين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من أعان ظالما ولو بخط حرف أو برفع دواة أو وضعها ثم لقي الله عزوجل على ذلك وبه ولم يكن اضطرته إلى ذلك مخافة على نفسه لقي الله يوم القيامة وهو معرض عنه غضبان عليه ومن غصب الله عليه فالنار مأواه والجحيم مثواه أما أني لا أقول إن ذلك في أحد من الظالمين دون أحد بل أقول إنه لا يجوز معاونة الظالم ولا معاضدته ولا منفعته ولا خدمته كائنا من كان من آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو من غيرهم كل ظالم ملعون وكل معين ظالم ملعون. وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من جبا درهما لامام جائر كبه الله في النار على منخريه) وفي ذلك ما يقال إن المعين للظالم كالمعين لفرعون على موسى. وفي ذلك ما بلغنا عن أبي جعفر محمد بن علي رحمة الله عليه أنه كان يروي ويقول: إذا كان يوم القيامة جعل سرادق من نار وجعل فيها أعوان الظالمين ويجعل لهم أظافير من حديد يحكون بها أبدانهم حتى تبدوا أفئدتهم فيقولون ربنا ألم نكن نعبدك فيقال بلى ولكنكم كنتم أعوانا للظالمين. وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من سود علينا فقد شرك في دمائنا).
---
ص 538..
(9) الحشر 9.
---
[ 539 ] (2/539)
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: التسويد هاهنا هو التكثير فمن كثر بنفسه أو بقوله أو أعان بماله على محق من آل رسول الله صلى الله عليه وآله جميعا فقد شرك في دمه ووتر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ابنه، وأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا سخط بالسخط في ولده، وأرضى بالرضا فيهم من سائر الناس في أولادهم، وأن لهذه الامة الضالة الحاملة ذنب المذنبين من آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المحسن المطهر منهم الذي هو أسخط وأكره لفعل ذلك المسئ من سائر الناس لموقفا بين يدي الله يخاصمه فيه محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويحكم بالحق بينهم الله * (ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا) * ويح من فعل ذلك من هذه الامة أما يسمع قول الله سبحانه حين يقول في ذلك ومن كان من الخلق كذلك * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * (10) ويقول سبحانه: * (وكل إنسان ألزمناه طائرة في عنقه ويخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) * (11) بلى قد سمعوه ووعوه ولكن عاندوا في ذلك الحق وجنبوا عن الصدق ظلما وغشما وعداوة لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وولده وتمردا وظلما كأن لم يسمعوا الله سبحانه كيف أمر نبيه أمرا بأن يفترض على الامة مودتهم فرضا فقال: * (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) * (12) بلى قد سمعوا ذلك بآذانهم وفهموا فرض الله فيهم بقلوبهم ثم رفضوه من بعد ذلك رفضا وتركوه عداوة لآل رسول الله صلى الله عليه وآله وحسدا وكانوا كما قال الرحمن فيما نزل من آي القرآن فيمن كان قبلهم ممن عرف مثل ما عرفوا ثم جحد كما جحدوا فقال الله عزوجل: * (فلما جاءتهم
---
ص 539..
(10) فاطر 18. \ \ \ (11) الاسراء 13. \ \ \ (12) الشورى 23. \ \ \ سورة الكهف 49.
---
[ 540 ] (2/540)
آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين) * (13).
باب القول في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعاء إلى الله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من دعى إلى الله فأجيب كان له مثل أجر كل من أجابه غير منتقص من أجر المحسنين، والدعاء إلى الله فأكبر الاعمال. وفي ذلك ما يقول ذو الجلال والاكرام: * (أتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون) * (14) والذكر لله هاهنا هو الدعاء إلى الله، وفي ذلك ما حدثني أبي عن أبيه أنه كان يقول في قول الله سبحانه ولذكر الله أكبر قال: ذكر الله هاهنا هو الدعاء إلى الله. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ويدخل مع ذلك من ذكر الله شغل القلب في التفكر في جلال الله وقدرته وعظمته وسلطانه، والذكر له بما ذكر به نفسه من توحيده وعدله وصدق وعده ووعيده. قال: وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (لا يحل لعين ترى الله يعصى فتطرف حتى تغيره أو تنتقل). قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: يجب هذا الفرض على من أطاق التغيير، ومن لم يطق التغيير وجب عليه الهجرة لذلك الموضع الذي يعصى فيه الرحمان ويطاع فيه الشيطان إلى منكب من مناكب
---
ص 540..
(13) النمل 13.
(14) العنكبوت 45.
---
[ 541 ] (2/541)
أرض الله لا يرى فيه الفاسقين ولا تجري عليه فيه أحكام الظالمين من سهلها أو جبالها فإن الله سبحانه يقول: * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجرون فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا) * (15).
باب القول في أداء الامانة والوفاء بالعهد والصدق في الحديث
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: هذه من صفات المؤمنين وفي ذلك ما بلغنا عن رسول رب العالمين صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (اضمنوا لي ستا أضمن لكم على الله الجنة أوفوا إذا وعدتم وأدوا إذا ائتمنتم، وأصقوا إذا حدثتم، واحفظوا فروجكم وغضوا أبصاركم، وصلوا أرحامكم) وتصديق ذلك في كتاب الله * (وأوفوا بعد الله إذا عاهدتم) * (16) وقال: * (والمرفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) * (17) وقال الله سبحانه في أداء الامانة: * (فليؤد الذي أؤتمن أمانته وليتق الله ربه) * (18) وقال: * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا) * (19) وقال في الصدق: * (إن المسلمين
---
ص 541..
(15) النساء 97.
(16) النحل 91.
(17) البقرة 177 (18) البقرة 282.
(19) النساء 58.
---
[ 542 ] (2/542)
والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات) * ثم قال في آخر الآية * (أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما) * (20) فأخبر أنه أعد لمن كان كذلك ما ذكر الله سبحانه من ذلك. وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (الامانة تجلب الرزق والخيانة تجلب الفقر).
باب القول في الغيبة والكبر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الغيبة والكبر من أفعال الكافرين وليست من أخلاق المؤمنين وفي الغيبة ما يقول الله سبحانه: * (ولا تغتب بعضكم بعضا أيجب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم) * (21). وفي ذلك ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله للزبير ولصاحبه حين تناولا من ما عز بن مالك من بعد أن رجمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالا انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فهتك نفسه حتى رجم كما يرجم الكلب فسكت عنهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى جاز بجيفة حمار شاغر برجله فقال لهما أنزلا فأصيبا من هذا الحمار فقالا: يا رسول الله أنأكل الميتة فقال: لما أصبتما من صاحبكما آنفا أعظم من أصابتكما من هذه الجيفة إنه الآن ليتقمص في أنهار الجنة. وفي الكبر ما يقول الله سبحانه: * (كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار) * (22) وفي ذلك ما بلغنا عن أمير المؤمنين عليه السلام وأبي ذر
---
ص 542..
(20) الاحزاب 35.
(21) الحجرات 12.
(22) المؤمن 35.
---
[ 543 ] (2/543)
رحمة الله عليهما أنهما سألا رسول الله صلى الله عليه وآله فقالا: ما أعظم ذنب بعد الشرك عند الله؟ فقال: الكبر الكبر.
باب القول في الكباير وتفسيرها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الكبائر هي كل ما أوجب الله على فاعله النار إن لقيه عليه لم يتب منه ولم يخرج إليه منه مثل الشرك به والتشبيه له بخلقه، والتجوير له في فعله، وقتل المؤمن متعمدا والفرار من الزحف إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة، وأكل الربا بعد التنبيه وأكل مال اليتيم، واللواط، والزنا، وقذف المؤمنات المحصنات الغلافلات المؤمنات وشهادة الزور، والكذب على الله ورسوله والامام العادل متعمدا، وأكل أموال الناس ظلما والتعرب بعد الهجرة، وكل ما كان من ذلك مما وعد الله عليه فاعله النار.
باب القول في الصدقة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: صدقة السر تطفئ غضب الرب، وان أفضل الصدقات لما كان في السنين المسنات وذلك الحال ما جعله الله عقبة لا ينالها إلا الصابرون، وفي ذلك ما يقول الله تبارك وتعالى: * (فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبه يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة) * (24) وفي ذلك ما يقول الله:
---
ص 543..
(23) البلد 11 / 12.
(24) الدهر 8.
---
[ 544 ] (2/544)
* (والمتصدقين والمتصدقات) * (25) وإن الصدقة لتجلب الرزق وتدفع ميتة السوء. وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (استنزلوا الرزق بالصدقة).
باب القول في اصطناع المعروف
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: اصطناع المعروف فائدة من أكبر فوائد المسلمين وفيه الاجر العظيم من رب العالمين، ولا يعدم صاحبه نافلته في الدنيا ولا في الآخرة، وفي ذلك ما يقول حكيم من الشعراء:
من يصنع العرف لا يعدم جوايزه .... لا يذهب العرف بين الله والناس
وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (اصطنع المعروف إلى من هو أهله، وإلى من ليس بأهله فإن أصبت أهله فهو أهله وان لم تصب أهله فأنت أهله). وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعائشة: (تروين شعر ابن عريض اليهودي)؟ قالت لا، فقالت أم سلمة ولكني أرويه، فقال لها وكيف قال؟ فقالت قال: أجزيك إن أثنى عليك وإن من * أثنى عليك بما فعلت فقد جزى فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال جبريل يا محمد من أولاك يدا فكافه فإن لم تقدر فاثن عليه.
---
ص 544..
(25) الاحزاب 35.
---
[ 545 ] (2/545)
باب القول في العذر والترغيب في قبوله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الواجب على من أعتذر إليه أن يقبل العذر ويظهر القبول للمعتذر كان المعتذر محقا أو مبطلا، لان ذلك أشبه بأفعال أهل الايمان وأقرب لمن فعله إلى الرحمن. وفي ذلك ما بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من لم يقبل العذر من محق أو مبطل لا ورد علي الحوض. وفي ذلك ما بلغنا عن الحسن بن علي رحمة الله عليه أنه قال: (لو شتمني إنسان في أذني هذه واعتذر إلي في أذني هذه لقبلت منه).
باب القول فيمن أكره أو نسي
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من أكره على شئ أكرهه عليه من لا قوة له به، ومن يخاف على نفسه تلفا في عصيانه لم يكن بمعاقب على ما أكره عليه، وأدخل قسرا فيه، إلا أن يرضى بعد ذلك بما دخل فيه، فأما إذا كان قلبه غير راض به فلا شئ عليه في ذلك، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه في قصة عمار بن ياسر رحمه الله وما كان من فعل قريش به وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: * (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان، ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) * (26). وفي ذلك ما بلغنا عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أعطيت ثلاثا: رحمة من ربي، وتوسعة لامتي في المكره حتى يرضى يقول الرجل
---
ص 545..
(26) النحل 106.
---
[ 546 ] (2/546)
يكرهه السلطان الجائر حتى يرضى الذي هو عليه من الجور وفي الخطأ حتى يتعمده، وفي النسيان حتى يذكره).
باب القول في حريم المدينة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لما أن اطلع له أحد هذا جبل يحبنا ونحبه اللهم إن ابراهيم حرم مكة وأنا أحرم ما بين لا بتيها). قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لا يجوز أن يصاد الصيد ولا أن يعضد الشجر بشئ من لا بتي المدينة وهما حرتاها المحتوشتان لها المحدقتان بها وهما المحرم صيدهما.
باب القول في فضل المدينة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: حين خرج من مكة اللهم ان قريشا أخرجتني من أحب البلاد إلي فاسكني أحب البلاد إليك فأسكنه الله المدينة. وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي).
باب القول في الحياء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه، خير ما تخلق به المؤمنون الحياء، وخير الحياء حياء المستحين من الله، ومن لم يستح من الله جاهره بالعصيان، ومن لم يستح من الله له ينتظمه اسم الحياء، ومن استحى من الله لم يعصه متعمدا.
---
[ 547 ] (2/547)
وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (الحياء ن الايمان ولا إيمان لمن لا حياء له) وبلغنا عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: (لكل شئ خلق وخلق الانسان الحياء).
باب القول في الغضب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ضبط النفس عند الغضب يستدعي رضا الرب، والكظم للغيظ محمود عند الله لانه من الاحسان، وفي ذلك ما يقول الرحمن: * (والكاظيمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) * (27) قال: ومن دواء الغضب إذا اشتد بصاحبه أن يصلي على محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإن كان الغضبان قائما قعد، وإن كان قاعدا قام. وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن رجلا أتاه فقال يا رسول الله علمني كلمات أعيش بهن، ولا تكثر علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تغضب) وبلغنا عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (ليس الشديد بالشديد الصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).
باب القول في العراف والقائف والمنجم والكاهن
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يقبل قول واحد من هؤلاء ولا يعمل به ولا يتكل عليه، فمن قبل من ذلك شيئا فقد ظلم نفسه وأساء في فعله.
---
ص 547..
(27) آل عمران 134.
---
[ 548 ] (2/548)
قال: وكذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
باب القول فيما يستحب من الكلام ويكره
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجب على المسلمين أن يتحفظوا من الكلام كما يتحفظون من غيره من الافعال وقلة الكلام بغير الصواب خير من كثير الخطاب، ولو كان في كثير الكلام بغير ما يرضي ذي الجلال والاكرام خير واحد لكان في قلته من الخير أصناف شتى. وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من وقاه الله شراثنين ولج الجنة، قال رجل يا رسول الله ألا تخبرنا؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال مثل مقالته الاولى فقال الرجل ألا تخبرنا يا رسول الله فسكت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتكلم بمثل مقالته الاولى فذهب الرجل يتكلم فأسكته رجل إلى جنبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من وقاه الله شراثنين ولج الجنة شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه). قال: وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال أن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أنها تبلغ ما بلغت فيكتب الله لها بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أنها تبلغ ما بلغت فيكتب الله لها بها سخطه إلى يوم القيامة.
---
[ 549 ] (2/549)
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه بلغنا عن المسيح عيسى بن مريم صلوات الله عليه أنه كان يقول لبني اسرائيل: (لا تكثروا الكلام بغير ذكل الله فتقسوا قلوبكم فإن القلب القاشي بعيد من الله ولكن لا تعلمون).
باب القول في هجرة المسلم أخاه المسلم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ليس من أخلاق المسلمين التهاجر إنما التهاجر من أخلاق الفاسقين. والمؤمنون كما قال الله تعالى: * (إخوانا على سرر متقابلين) * (28) وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لا يحل لمسلم إن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام فيلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام). قال: وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام).
باب القول في معرفة المسكين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (ليس المسكين بهذا الطواف عليكم ترده التمرة والتمرتان واللقمة والقمتان، قالوا فمن المسكين يا رسول الله؟ قال: الذي لا يجد غنا بغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس).
---
ص 549..
(28) الحجر 47.
---
[ 550 ] (2/550)
باب القول في التعوذ والرقية في المرض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يرقي نفسه إذا مرض بالمعوذات، وينفث. وقال لبعض أصحابه وكان وجعا إلمس بيمينك على موضع وجعك سبع مرات وقل أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد فذهب عنه ما كان يجد، ويقال إنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقول أنزل الدواء الذي أنزل الداء، وكان يأمر المحموم أن يبرد حماه بالماء وكان يقول الحما من فيح جهنم فأبردوها بلا ماء، وكان يقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم من نزل منزلا فليقل أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإنه لن يضره شئ حتى يرتحل.
باب القول في الرؤيا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) وكان يقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لم يبق بعدي إلا المبشرات قالوا وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) وكان يقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان فإذا رأى أحدكم شيئا يكرهه فلينفث (29) عن يساره ثلاث نفثات إذا استيقظ ثم ليتعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره إن شاء الله تعالى).
---
ص 550..
(29) النفث: نفح خفيف معه ريق.
---
[ 551 ] (2/551)
باب القول في السلام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله أنه قال: (يسلم الراكب على الماشي، وإذا سلم واحد من القوم أجزأ عنهم). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: رد السلام فريضة لان الله عزوجل يقول: * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) * (30). قال: يحيى بن الحسين رضي الله عنه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: إن اليهود إذا سلموا عليكم فإنما يقولون السام عليكم فقولوا وعليكم.
باب القول في التصاوير
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لا تدخل الملائكة بيتا فيه تماثيل أو صور إلا ما كان رقما في ثوب). قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: أنا أكره قربها كائنة فيما كانت إلا أن لا يجد عنها صاحبها مندفعا، وإنما استثنى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم التصاوير المرقومة رحمة لا صحابها وترخيصا لهم فمن وجد عنها مندفعا فهو أفضل.
باب القول في اقتناء الكلب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الكلب نجس وأنجس منه من تنجس به، ولا يجوز اقتناء الكلب إلا لزرع أو ضرع أو صيد.
---
ص 551..
(30) النساء 86.
---
[ 552 ] (2/552)
وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من اقتنى كلبا لغير زرع أو ضرع أو صيد أو كلب ضار نقص كل يوم من عمله قيراطان). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قوله ضار يريد أن يتخذه صاحبه لينتفع به في الصيد.
باب القول فيما يتقى فيه الشؤم والبركة والمشؤوم مشؤوم، والمبارك مبارك.
باب القول في اللعب بالشطرنج
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز اللعب بها لانها ملعونة تلهي عن ذكر الله وإقامة الصلاة، والخير، وتدعو إلى الاثم والكذب والحلف والضير والمراء، وهي أخت النرد واسم الميسر يجمعها ويجب على من لعب بها الادب، وأن لا يسلم عليه وكفاه بهذا إخزاء وقلة وفسالة ورداءا.
---
[ 553 ] (2/553)
وقد بلغنا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه إجاز بقوم يلعبون فلم يسلم عليهم ثم أمر رجلا من فرسانه فنزل فكسرها وحرق رقعتها وعقل من كل من لعب بها رجلا وأقامه قائما فقالوا يا أمير المؤمنين لا نعود، فقال: إن عدتم عدنا.
باب القول فيما يكره من الاسماء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أصلح الاسماء خيرها وأطيبها وأعظمها بركة، وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من يحلب لنا هذه اللقحة فقام رجل فقال له صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ما أسمك فقال الرجل مرة، فقال اجلس ثم قال من يحلب هذه اللقحة فقام رجل فقال له صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما اسمك، فقال: حرب، فقال اجلس ثم قال النلي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من يحلب هذه اللقحة فقام رجل فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما أسمك: فقال يعيش فقال احلب احلب فحلب).
باب القول فيما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحجامة وأخذ الشارب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن حجاما يقال له أبو طيبة حجمة فأمر له بصاح من تمر وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه، وبلغنا عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يقول: إن كان دواء يبلغ الدار فان الحجامة تبلغه، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم لو كان في شئ شفاء من الموت لكان في شرطة حجام.
---
[ 554 ] (2/554)
وروي (31) عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (احفوا الشارب وأعفوا اللحى).
باب القول فيما يستحب من الكلام والعمل في السفر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان إذا وضع رجله في الغرز وهو يريد السفر قال: (بسم الله اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الاهل والمال اللهم أطو لنا الارض وهون علينا السفر، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الاهل والمال). وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يقول: إن الله رفيق يحب الرفق ويرضاه ويعين عليه مالا يعين على العنف فإذا ركبتم هذه الدواب العجم فأنزلوها منازلها، وإن كانت الارض حدبة فانجوا عليها بنفسها وعليكم بسير الليل فإن الارض تطوى بالليل مالا تطوى بالنهار، وإياكم والتعريس على الطريق فإنه طريق الدواب ومأوى الحياء.
باب القول في الوحدة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (الواحد شيطان والاثنان شيطانان والثلاثة جماعة) وبلغنا عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (الشيطان يهم بالواحد وبالاثنين فإذا كانوا ثلاثة لهم يهم بهم).
---
ص 554..
(31) لم يذكر هذا الذي بين قوسين الزيادة في النسخ المقصوص عليها فينظر.
---
[ 555 ] (2/555)
باب القول في فضل من يوالي آل محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (يا علي من أحب ولدك فقد أحبك ومن أحبك فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ومن أحب الله أدخله الجنة، ومن أبغضهم فقد أبغضك ومن أبغضك فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله ومن أبغض الله كان حقيقا على الله أن يدخله النار). قال وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما أحبنا أهل البيت أحد فزلت به قدم إلا ثبتته قدم حتى ينجيه الله يوم القيامة) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى) وقال صلى الله عليه وآله: (أهل بيتي أمان لاهل الارض والنجوم أمان لاهل السماء فإذا ذهب أهل بيتي من الارض أتى أهل الارض ميايوعدن وإذا ذهبت النجوم من المساء أتى أهل المساء ما يوعدون). قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: خيار هذه الامة من تولى الله ورسوله وأهل بيته أمير المؤمنين عليه السلام وذريته لان الله قد أمر بتوليتهم. وأشر هذه الامة وأظلمها من أبغض الله ورسوله وأهل بيته أمير المومنين وذريته لان الله قد حرم ذلك عليه في كتابه وعلى لسان نبيه محملى صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجعلهم خلفاء أرضه وأئمة خلقه وأشر هذه الامة وأظلمها من أبغض الله ورسوله وأهل بيته أمير المومنين وذريته لان الله قد حرم ذلك عليه في كتابه وعلى لسان نبيه محملى صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجعلهم خلفاء أرضه وأئمة خلقه ورعاة بريته وخزته وحيه وحفظة كتابه إستأمنهم عليه وجعلهم الهداة إليه وأمر بسؤالهم والالتجاء في كل علم فرائضه إليهم وجعل عندهم علم الكتاب وفصل الخطاب وتمييز ما التبس من الاسباب يهدون إلى
---
[ 556 ] (2/556)
الرحمن ويدعون إلى البر والاحسان * (نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء) * (32) ويؤتى التوقى من عباده من اهتدى والحمد لله العلي الاعلى والصلاة على محمد المصطفى وأهل بيته الاخيار النجبا وأتباعهم الاولياء. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وإنما أخرنا ذكر ما ذكرنا من بعض فضل آل محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم لنختم بذكرهم الكتاب كما ابتدأناه بهم لان الله سبحانه بهم ابتدأ لاظهار الحق والهدى، وبهم يختم سبحانه الدنيا.
---
ص 556..
(32) النور 35.
---
[ 557 ] (2/557)
تم كتاب الاحكام بمن الله ذي العزة والانعام، وصلى الله عليه محمد خير الانام وعلى أهل بيته السلام مادام الدوام واختلف النور والضلام، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، وحسبنا الله وكفى ونعم المولى ونعم النصير ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين.