الكتاب : صلة الإخوان |
صلة الإخوان ... 3 (1/1)
في حلية بركت أهل الزمان ... 3
مقدمة ... 5
الأخبار العشره ... 6
والحكايات عشر ... 11
الحكاية الأولى: ... 11
الحكاية الثانية: ... 12
الحكاية الثالثة : ... 13
الحكا ية الرابعة : ... 13
الحكاية الخامسة : ... 14
الحكا ية السادسة: ... 14
الحكاية السابعة : ... 15
الحكاية الثامنة: ... 15
الحكاية التاسعة : ... 16
الحكاية العاشرة : ... 17
الفصل الأول ... 19
( في صفته وحليته ) ... 19
( وأما صفته الظاهرة ) ... 21
وأما صفة ذاته الزكية ... 24
وأما حسبه الطاهر ومنصبه الشتهر : ... 25
وحكا لي رحمه الله تعالىَ ... 26
وحكي لي بعض الأصحاب ... 26
إشارة : ... 26
الفصل الثاني ... 26
في ابتداء درسه ، وقرأته في العلوم ... 26
الفصل الثالث ... 28
في زهده وتركه الدنيا ... 28
الفصل الرابع ... 33
في رياضاته ومجاهداته . ... 33
أما رياضته في المطعم ... 34
وأما رياضته في الملبس ... 35
وأمَّا رياضته في إذلال نفسه ... 38
الفصل الخامس ... 40
أوراده وعبادته وأذكاره ... 40
نكته في كيفية صلاته ... 45
ومن أوراده الصَّالحة: ... التفكر ... 48
الفصل السادس في مكارم أخلاقه ... 53
ومن مكارم أخلاقه: ... 54
وأما فضل الأمام المهدي ... 60
ومن فضله ــ عليه السلام ــ ... 63
وأوراده الصالحة ... 67
وأما مودة إبراهيم الكينعى: ... 68
اشتياق الكينعي لرؤية إمامه ... 68
ومن كتاب كتبه ( ع ) يعاتب فيه نفسه الشريفة ... 74
ومن كتاب كتبه ( ع ) الى القاضي آية الزمان ... 75
وأختصر من كتاب كتبه الى ولده على ... 76
وأما شيخه الفقيه الأمام حاتم بن منصور ... 77
رَوَى لي ولده هذا ... 78
[اشارة ] ... 78
وله ــ رحمه الله تعالى ــ : من مكارم الأخلاق ومحبة أهل البيت ... 79
من ورعه ... 79
ومن ورعه ... 79
ومن ورعه ... 80
ومن كرأماته ... 80
وأما الفقيه الأمام محمد بن عبد الله بن أبي الغيث ... 81
وأما الفقيه الأمام شمس الملة المحمدية ... 84 (1/2)
وتاج العصابة الزيدية علي بن عبدالله بن أبي الخير ــ رحمه الله تعالى ــ ... 84
قال المقري: وهذا حزب مشائخ شيخي أرويه ... 90
وأما ورعه ، ــ أعني علي بن عبد الله ... 91
الفصل الثامن ، والتاسع في كرأماته الظاهرة والباطنة ... 92
الأولى ... 92
الكرامة الثانية ... 93
الكرامة الثالثة ... 95
الكرامة الرابعة ... 95
الكرامة الخامسة ... 95
الكرامة السادسة ... 96
الكرامة التاسعة ... 97
الكرامة العاشرة ... 98
الكرامة الحادية عشر ... 98
الكرامة الثانية عشر ... 98
الكرامة الثالثة عشر ... 99
الكرامة الرابعة عشر ... 100
الكرامة الخامسة عشرة ... 100
الكرامة السادسة عشرة ... 100
الكرامة السابعة عشرة ... 100
الكرامة الثامنة عشرة ... 101
توفي إبراهيم الكينعي ... 101
الكرامة التاسعة عشرة ... 101
الكرامة العشرون ... 101
الكرامة الحادية والعشرون ... 102
الكرامة الثانية والعشرون ... 102
الكرامة الرابعة والعشرون ... 103
الكرامة الخامسة والعشرون ... 103
الكرامة السادسة والعشرون ... 103
الكرامة السابعة والعشرون ... 103
الكرامة الثامنة والعشرون ... 104
الفصل العاشر ادعيته ، وحكمه ، ومكاتباته الى أخوانه بالوعظ والزجر ... 106
ومن دعائه عند انفجار الفجر وقبله وبعده ... 106
ومن دعائه بعد صلاة التسبيح ، ... 108
ومن دعائه : ... 108
ومن دعائه ــ ر حمه الله ــ ، عند افتتاح التلاوة : ... 108
ومن دعائه مما أملاه علي وقال: أحفظه غيباً : ... 108
ومن دعائه ، ممَّا أملاه علي وشدد علي في حفظه غيبا ... 108
ومن دعائه: ... 109
ومن دعائه ــ رحمه الله تعالى ــ : ... 109
وأمَّا مكاتباته الى اخوانه ... 109
فمنها ما كتب اليَّ بخط يده : ... 109
ومن حكمه ماوجدته بخطه وأظنه خبراً قال : ... 115
ومن حكمه : ... 117
ومن حكمه رحمه الله تعالى ... 122
ومن حكمه ما وجدت بخطه : ... 122
الفصل الحادي عشر في تراثه ومخلفاته وموضع قبره ... 126 (1/3)
واما وقت وفاته وموصع قبرره وحسن الثناء عليه ... 129
تاريخ وفاته ... 130
مكان قبره ... 131
وأما ذكرك من ألحده ... 131
(نكته) : شافيه ... 144
كان من لباسه ... 146
وكان له عليه السلام وضائف ... 146
إشارة : ... 147
من طلب الله صادقا وجده . ... 150
صلة الإخوان
في حلية بركت أهل الزمان
تأليف مولانا الأما م السّميدع الهمام المستن في التقوى أوضح السنن والمؤدي للفروض منها والسنن المنفرد بأنواع القرب و الطاعات والمحلي في حلية الفضل والعبادات ، المختص بالورع الشحيح و(..........) بالمحيا النير الصحيح من أفنا عمره في رضى الحي الباقي ، والذي أبلي نفسه للغر ض الأخروي الباقي ، العماد عما د الدنيا و الآخرة ، سليل أبائه المطهرين يحي بن المهدي ، ، بن القاسم الحسيني ، نفع الله به في الدارين ،ورضي عنه وأرضاه آمين اللهم آمين
وصلى الله وسلم على محمد وآله الطاهرين ، ولا حول ولاقوة إلاّ بالله العلي العظيم ، وصلى الله
وسلم على سيد نا محمد وعلى آله الطا هرين .
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمدوآله
أما بعد حمدا لله على التوفيق والهداية الى معرفته التى هي أصل السعادة ، وعنوان كرامته ،الذي نصب لنا أعلام الأدلة الدالة من فطرته وأظهر فيها البراهين من آياته وحكمته وعلمنا منه مالم نعلم من بديع قدرته (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق )
تعليما لبريته ، وعلى كلمة إلاخلاص والإيمان بوحدانيته ، وعلى الاقرار بمحمد وما جاءه ،وعلى معرفة أوليائه ،وأولي العلم به ، نورقلوبهم بذكره وشرح صدورهم بنوره ،وطهر قلوبهم بلطفه ، وألهمهم أسرار عظمته ، وأراهم انوار ملكه وملكوته ،وفهمهم غامض كتابه وسنته ، وعلمهم دواء القلوب ،وعرفهم طب الذنوب ،فبذلو أنفسهم في ذاته لمرضاته ،فحباهم بلطفه وكراماته ، جعلهم ثالث نفسه في شهادته فقال ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة واولوا العلم قائماً بالقسط لاإله إلاهو العزيز الحكيم ) (1/4)
وسمى نفسه المؤ من وعبده المؤمن ، تشريفاً له بعبوديته ، والصلاة والسلام على محمد المصطفى من خليقته وعلى آله وصحبه وأسرته
وبعد فإن نعم الله لا يطاق لها شكرا ولاحمدا لعجز المكلف الضعيف العبد ، وفروعها لا تقف على حد ولاتنحصر بالعد ، ومن ألطاف الله السنية ونعمه الهنية أن عرفنا بأية الأوان والمعروف في الزمان الوسيلة الى الرحمن ومن ترجى بركته لمن تمسك بوده من الاخوان النطا سي الأسي ألألمعي ( إبراهيم بن أحمد بن علي الكينعي رضي الله عنه وارضاه وأزلفه بما لديه وحباه وأعاد من بركاته على العارف له والسامع والمبلغ والمستمع فأني كنت ممن حظي بمودته وشغف بمحبته ،وتمسك بأهذاب خدمته ،وعاهد المولى على عقد اخوته في الله خالصا من جميع الشوائب إنشاء الله ،فأقبل رضي الله عنه وأرضاه علىتأديبي وتهذيبي وتنقيح عيوبي ورحض حوبي ،فعل الشفيق الآسي والحدث الرفيق المواسي ،شاركني في أعما له وأدعيته،واهتم بأموري ايثاراً على اسرته وتلامذته ، فعجزت عن القيام بحقه والاقتداء به في الحياة ،وندمت وتداركت بعض حقوقه بعد الممات بنشر بعض ماخص به من الباقيات الصا لحات، لعل الناظر اليها يهتدي ،وباقواله وأفعاله وأفكاره يقتدي ( اولائك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده ) ،ومن لم ير مفلحاًلم يفلح ,, ولله القائل فتشبهوا إن لم تكونو مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح (1/5)
أردت بذالك وجه الله تبارك وتعالى ، والمعاونة على البر والتقوى سيّما لمن سل سيف العزم على اعدانه والساكنين في خلده ،وجوابا له مع تقرع كل من وجوه الاخوان امدهم الله بلطفه وكثربهم الايمان ،وجعلهم على الحق ابلغ اعوان ،، فاستخرت الله تبارك وتعالى وسالته التوفيق والهدايه لي ولاخواني ولكافة المسلمين ،والاخلاص في كل قول وعمل واعتقاد ونية وترك ، قال صلى الله عليه وآله وسلم :
إنه ذكر الصالحين تنزل البركة ،> وقال المؤ يد بالله : ذكر الصالحين وكلامهم حياة القلوب كما أن الطعام والشراب حياة النفوس ، دواء مجرب ، وسميت هذا الكتاب المبارك << صلة الاخوان في حلية بركة أهل الزمان>> (1/6)
وجعلته احدعشر فصلا
الأول ـ في حسبه و نسبه وصفاته الجمة
الثاني ـ في ابتداء درسه وقرائته في العلوم
الثالث ـ في زهده واسبابه وتركه الدنيا مع الغنى
الرابع ـ في غربته ورياضته ومجاهداته لنفسه
الخامس ـ في اوراده الصالحة وعباداته
السادس ـ في مكارم اخلاقه وتحمله لمشاق اخوانه
السابع ـ في اخلاص عبادته عن الدنيا والاخرة تعظيما لجلال الله وكبريائه
الثامن ـ في كراماته الظاهرة والباطنة
التاسع ـ في مجاورته البيت العتيق وما فتح الله له من الا سرار و الكرامات
العاشر ـ في أدعيته وحكمته
الحادي عشر ـ في تراثه ومخلفاته وموضع قبره وحسن الثناء عليه بعد موته في اليقظة والمنام ، ( وكلا نقص عليك من انباء الر سل ما نثبت به فوادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين ) ولابد من مقدمة قبل ذلك .
مقدمة
في فضل المؤمنين والعلماء والصالحين عشر آيات مبشرات ،وعشرة أخبار منبهات ، وعشر حكايات مشوقات ، ليكون لطفاً وبداية نستعد بها في الغاية والنهاية .
الآية الاولى ـ قال تبارك وتعالى{ آلَم ذالك الكتاب لاريب فيه هداً للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ، والذين يؤمنون بما أنزل اليك وما انزل من قبلك وبالآخرة هم يقنون أولائك على هدى من ربهم وأؤلئك هم المفلحون } آمنا بما انزلت فاجعلنا من المتقين المهتدين المفلحين
الآية الثانية ـ (ومالنا لانؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين ، فاثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين )
الآية الثالثة ـ قال الله تبارك وتعالى ( هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ابدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم ) أي والله العظيم (1/7)
الآية الرابعة ـ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لاتخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن اولياؤكم في الحياة الدنيا و في الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم ومن احسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) نسألك اللهم يارحيم ياكريم السلامة والاستقامة ثم الكرامة ,
الآية الخامسة ـ ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم اياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون ، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وممارزقناهم ينفقون اولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم
الآية السادسة ـ{ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولايرهق وجوههم قترولاذلة اولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ،والذين كسبو ا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة مالهم من الله من عاصم ) اخواني إن الحسنى ثواب الحسنى والزيادة رضاء الله عن عبده ، وقيل الزيادة غرفة من لؤلؤة بيضاء فرسخ في فرسخ لها أربعة الآف مصراع من ذهب قال صلى الله عليه وآله وسلم : لم أركالجنة نام طالبها ولا كالنار نام هاربها
الأية السابعة ـ ياأيها الناس قدجاءتكم موعظة وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤ منين ، قل بفضل الله وبرحمته فبذالك فليفرحوا هو خيرمما يجمعون .
الاية الثامنة { الذين أمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ، ألا بذكر الله تطمئن القلوب ، الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبا لهم وحسن مئاب } إخواني حي علي خير العمل هلموا رحمكم الله الى الله والى كرمه الجم ، ومنه فضله الذي عم ، في بعض الصحف يقول الله يا عبدي الى متى هذه الغيبة فبطولها تحصل الوحشة بيني وبينك أقبل اليّ أملأ قلبك غناً ويدك رزقاً ولاتباعد عني فأملأ قلبك فقراً وبدنك شغلاً ، أتدرون ماطوبى قيل هنيئاً مريئا ، وقيل شجرة في الجنة أغصانها متدلية على كل بيت منها ، غلظ ساقها للراكب المجد الف سنة ،وهي معنى قوله تعالى :(وظل ممدود وماء مسكوب ) تفجر أنهار الجنة من تحت ساقها . (1/8)
الأية التاسعة ـ { إن الله يدخل الذين أمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من اساور من ذهب ولؤلؤً ولباسهم فيها حرير وهدوا إلى الطيب من القول وهدو الى صراط الحميد .
الاية العاشرة ـ { إلاعبادالله المخلصين اولئك لهم رزق معلوم فواكه وهم مكرمون في جنات النعيم علىسرر متقابلين يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين لافيها غول ولاهم عنها ينزفون وعندهم قاصرات الطرف عين كأنهن بيض مكنون .} الى قوله تعالى : { لمثل هذا فليعمل العاملون ، وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوء من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون.}
والقرآن المجيد فيه شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ، لمن كان له قلب حاضر وفهم وافر ورتله ترتيلا ووقف عندعجائبه{ وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون أمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا ألو الألباب }
الأخبار العشره
مأثورة عن الذي لاينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى{ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلامن الله ورضوانا} صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وأنصاره (1/9)
الأول ـ من الشهاب قال صلى الله عليه واله وسلم :< يقول الله تعالى ذكره وجلت قدرته : أنا عند ظن عبدي فليظن بي عبدي ما شاء ، وأنا مع عبدي إذا ذكرني ، وجبت محبتي للمتحا بين فيّ والمتجالسين فيّ ،والمتباذلين فيّ ، والمتزاورين فيّ ، لاإله إلا الله حصني فمن دخله أمن من عذابي ، إشتد غضبي على من ظلم من لم يجد ناصراً غيري ، يادنيا مري على أوليائي لاتحلولى لهم فتفتنيهم ، يادنيا أخدمي من خد مني ، وأتعبي من خدمك ،من أهان لي فقد بارزني بالمحاربة ، ما ترددت في شيء أنا فاعله، ماترددت في قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره مسائته ، ولابد له منه ، ماتقر ب اليّ عبدي المؤمن بمثل الزهد في الدنيا ولاتعبد لي بمثل أداء ما إفترضت عليه ،ولازال يتحببّ اليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصربه ، ياموسى إنه لن يتصنع المتصنعون لي بمثل الزهد في الدنيا ،ولم يتقرب الي المتقربون بمثل الورع عما حرمت عليهم ، ولم يتعبد الى المتعبدون بمثل البكاء من خيفتي ، هذا دين أرتضيه لنفسي ولن يصلحه ألا السخاء وحسن الخلق ، فأكرموه بهما ما صحبتموه ، إذا وجهت الى عبدي المؤمن مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده فاستقبل ذلك بصبر جميل استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزاناً ، أو أنشر له ديواناً ، ثم الكبرياء ردائي والعظمة ازاري ، فمن نازعني في واحد منهما القيته في النار >
الخبر الثاني ــــ من السيلقية عن أنس بن ما لك قال قيل لرسول الله (ص) من أوليا الله الذين لاخوف عليهم ولاهم بحزنون ؟ قال :< الذين نظروا الى باطن الدنيا حين نظر الناس الى ظاهرها ، واهتموا بآجل الدنيا حين اهتم الناس بعاجلها ، فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم ، وتركوا منها ما علموا أن سيتركهم فما عرض لهم من ناءلها عارض إلا رفضوه ، ولاخادعهم من رفعتها خادع إلا وضعوه ،خلقت الدنيا بينهم فما يحيونها بل يهدمونها ،فيبنون بها آخرتهم ، ويبيعونها فيشترون بها ما يبقي لهم ،ونظروا الى أهلها فيها صرعى قد حلت بهم المثلات فما يرون أما ناً دون ما يرجون ،ولاخوفاً دون ما يحذرون .> (1/10)
تم هذا الحديث ، عليه مسحة من الكلام إلاهي لذي تقوي ويقين { أفمن شرح الله صدره للأسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكرالله }
الخبر الثالث ــ من الشهاب قيل لرسول الله (ص) من المؤمن يارسول الله فقال (ص) :< من عامل النا س فلم يظلمهم ، وحدثهم فلم يكذبهم ،ووعدهم فلم يخلفهم ، فهو ممن كملت مروئته ، ووجبت أخوته ، وطهرت عدالتة ،وحرمت غيبته . >
الخبر الرابع ــ عنه (ص) أنه قال:< إذاجاء ملك الموت لقبض روح المؤمن قال له ملكاه أنظرنا حتى نملأ مسامعه من الثنا ء الحسن ، فيقولان له جزاك الله عنا خيرا ،كنت فيما علمنا سريعا في طاعة الله بطيئاً عن معا صية, تحب الخير وأهله ،وتعمل ما استطعت منه فرب كلام قد اسمعتنا ،ورب مجلس كريم قد اجلستنا ، فأبشر بالموعد الصدق بيننا وبينك ، الموقف بين يدي الله بالشهادة لك عنده غدا >
الخبر الخاامس ـــ روي أن أبا ادريس الخولاني قال لمعاذ إني أحبك في الله فقال له معاذ أبشر فإني سمعت رسول الله (ص) يقول :< ينصب لطائفة من أمتي كراسي حول العرش يوم القيامة وجوههم كالقمر ليلة البدر ، يفز ع الناس ولا يفزعون ،ويخاف الناس ولا يخافون ، فهم أولياء الله الذين لاخوف عليهم ولاهم يحزنون >. فقيل من هؤلاء يا رسول الله ؟ فقال : هم المتحا بّون في الله . (1/11)
وروى إبن مسعود عن رسول الله (ص) أنه قال :< المتحابون في الله على عمود من ياقوتة حمراء في رأس العمود سبعون ألف غرفة مشرفون على أهل الجنة يضيئ حسنهم لأ هل الجنة كما تضي ء الشمس لأهل الدنيا ، عليهم ثياب سندس خضر مكتوب على جباههم هولاء المتحابون في الله .>
وروي إبن مسعود عن رسول الله (ص) أنه قال : في معني قوله تعالى ( اخواناً على سرر متقابلين ) < كانوا في الدنيا على الطا عة في الاجتماع ،والحياطة في الافتراق ،وظهور النصيحة ،وحفظ الغيبة ،وتمام الوفاء ، ووجود الانس،وفقد الجفاء ،وارتفاع الوحشة ،ووجود الانبساط ،ولهذا يحزن الناس وهم يفرحون>.
الخبر السادس ــ روي أن أبا هريرة دخل السوق فصاح : أنتم ها هنا وميراث محمد رسول الله (ص) يقسم في المسجد ؟ فذهب الناس الى المسجد ثم رجعوا فقالوا : ياأبا هريرة ما رأينا ميراثاً
قال ما رأيتم ؟
قالوا رأينا أقواما يذكرون الله ويقرؤن القرآن
قال ذالك ميرا ث محمد (ص) سمعت رسول الله (ص) يقول ما جلس قوم يذكرون الله ويتدارسون العلم إلا ناداهم منا د من السماء قوموا فقد بدلت سيئاتكم حسنات ،وغفرلكم جميعا >
وسمعت رسول الله (ص) يقول:< من زار عالماً فكأنما زارني ، ومن صافح عالماً فكأنما صافحني ،ومن جالس عالماً فكأنما جالسني ،ومن جالسني في الدنيا أجلسه الله معي في الجنة .>
وروى الفقيه حميد في كتاب الإيضاح عنه (ص) أنه قال < من زار عالماً فكأنما عبدالله ستين سنه .>
وروي عنه (ص) أنه قال:< من زار عالماً فكأنما زاربيت المقدس ، ومن زار بيت المقدس حرم الله جسد ه على النار . (1/12)
وفي بعض الاخبار عنه (ص) من العالم ؟ قال (ص) الذي إذا ذكر الله لا الذي يدعوا من الدنيا الى الا خرة ،ومن الشك الى اليقين ، ومن الرياء الى ألأخلاص.> ذكره في بعض الكتب غاب علي اسمه ، والله أعلم .
وقال (ص) :< العلما ء ورثة ألأ نبياء . >
الخبر السابع ــ روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله (ِص) قال :< إن لله ملائكة سياحين في الأرض ، فإذا وجدوا أقواماً في عبادة الله نادوهم هلموا رحمكم الله الى بغيتكم هلموا الى رحمة ربكم ، فيجيبون فيحفون بهم ، فإذا ما غدو الى السماء يقول الله تبارك وتعالى ـ وهو أعلم بذلك ـ على أي حال تركتم عبادي ؟
فيقولون : تركناهم يحمدونك ،ويذكرونك ، ويعبدونك
فيقول الله عز وجل : أي شيء يطلبون ؟
فيقولون :الجنة
فيقول : هل رأوها ؟
فيقولون : لا
فيقول تعالى : كيف لو رأوها ؟
فيقولون : لو رأوها لكانوا أشد طلباً لها وأشدحرصاً عليها
فيقول تعالى من أي شي يتعوذون ؟
فيقولون : من النار
فيقول : هل رأوها ؟
فيقولون :لا
فيقول تعالى: كيف لو رأوها ؟
فيقولون : لورأوها لكانو ا أشد منها هرباً وأشدخوفا
فيقول تبارك وتعالى : أشهدكم أني قد غفرت لهم
فيقولون : إن فيهم فلاناً الخاطئ لم يردهم وإنما جائهم لحاجة
فيقول تعالى : هم القوم لا يشقى لديهم خليلهم << جليسهم >> ,
وقال (ص) :< المجلس الصالح يكفر عن المؤمن ألفي ألف مجلس من مجالس السوء >
فقال عمر ـ وهو الراوي ـ إن الرجل ليخرج من بيته وعليه من الذنوب مثل جبال تهامة فإذا سمع العلم أوالعلماء خاف واسترجع من ذنوبه فيرجع الى منزله وليس عليه ذنب ، فلا تفارقوا مجالس العلماء ، فإن لله في الدنيا جنة فمن دخلها طاب عيشه ، قيل وما هي ؟ قال مجالس الذكر .
ثم اخواني الى متى هذا الغلاط ، ومتى نرتفع عن هذى الانحطاط، ومتى نقبل الى الأخرة بنشاط، أن مالكنا ومالك يوم الدين يدعون لنقف على أرائكة ويقطعنا جزاء من ملكه ، ويكرمنا على مائدته { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون } (1/13)
اخواني قطع بنا وا لهفاه .. اجبنا الخسيس العدو الراصد وغفلنا عن الصمد الرحيم الواحد ، تمسكنا بالقاذورات والقذارت والرذاذات من الدنية التي هي أم الخطيئات وعدوة الله وعدوة أوليائه ، واشتغلنا بكناس خسيس وغفلنا عن كل خطير ونفيس ,. اللهم احينا من هذه الموتة وأنقذنا من هذه الغرقة ،واكشف عن قلوبنا أغطية جهل معرفة حقوقك .
الخبر الثامن ــ منقول من الشفاء بتعريف حقوق المصطفى . قال علي عليه السلام : سألت رسول الله (ص) عن سنتة فقال :< المعرفة رأس مالي ، والعقل أصل د يني، والحب أساسي ، والشوق مركبي ، وذكرالله أنيسي ،والثقة كنزي ، والحزن رفيقي ، والعلم سلاحي ، والصبر ردائي ، والرضا غنيمتي ، والفقر فخري ، والزهد حرفتي ، واليقين قوتي ،والصدق شفيعي ، والطاعة حسبي ، والجهادخلقي ، وقرة عيني في الصلاة.>
اللهم أحينا على سنته
الخبر التاسع قال(ص) :< ثلاث من كنّ فيه استكمل ايمانه ، لايخاف في الله لومة لائم ،ولا يرائ بشيء من عمله ،وإذاعرض له أمران أحدهما للدنيا والاخر للأخرة آ ثر الأخرة على الدنيا .>
رواه أبو ذر عنه (ص) وقال قال لي رسول الله صلّى اللّه عَلَيْهِ وآلَه وسلّم : يا أبا ذر إتقي الله اينما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحوها وخالق الناس بخلق حسن .
الخبر العاشر ــ عن ابن عمر قال قال :رسول الله (ص) < لا يكمل لعبد الإيمان بالله حتى يكون قيه خمس خصال ، التوكل على الله ، والتفويض الى الله ، والصبر على بلاء الله ، والتسليم لأمر الله ، والرضاء بقضاء الله ، أنه من أحب لله ، وأبغض لله ، وأعطا لله ، ومنع لله ، فقد إستكمل الإيمان > (1/14)
< اخواني > أمدكم الله بالألطاف وآمنكم مما تحاذر وتخاف ، أما مر بأسماعكم ، وتكرر على السنتكم ما قال ربكم {في كتاب مكنون لايمسه الا المطهرون تنزيل من حكيم حميد} { ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون }
ولله در صاحب الصراط حيث يقول :
ليس الطريق الى الله إلا لمحمد بن عبد الله (ص) وكل علم أو حكم ليس الامن هذين البحرين العذبين ، والعمودين الباسقين ؛ كتاب الله فيه نبأما قبلكم ،وخبر ما بعدكم ،وعزايم أحكام ربكم وسنة نبيكم وشريعة هاديكم { ياأيها المدثر قم فأنذر ،وربك فكبر ،وثيابك فطهر ، والرجز فهجر} .
في بعض التفاسير الرجز حب الدنيا .
{ ياأيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أوانقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآ ن ترتيلا } الى قوله { ان ربك يعلم انك تقوم أدنى من ثلث الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك } رضي الله عنهم .
ولله القائل : تنيّه ياهذا النوم المدثر فهذا تباشير الصباح تنور
يبشربالغفران من بات ليله حليف سهاد خوف نار تسعر
وأشرق عنه ليله وهوساجد وأدمعه من خشية تتحدر
ينادي بإخلاص وخوف ورغبة لك العز يامولاي إني مقصر
وأنت قرير العين يلهو بك الكرا تمر بك الساعات لاتتفكر
كأنك ممامربالناس آمن وأنت إذا مهلت باق معمر
فدع عنك تطواع الهوىواتباعه وشمر فقد فاز المجد المشمر (1/15)
وبادر صلاة الليل قبل انسلاخه فقد اسمع الداعى وأبلى المدثر
وصلى على المختارمن آل هاشم محمد الهادي النبي المبشر
وكتابي هذا مأدبة للاخوان ، وسلكت فيه الترغيب للخلان ، والداع الى المأدبة يكرم بالاطعمة و الأشربة ،وإلا فقلوبنا أهل الزما ن كصم الجندل ، أوصميم الهند ، وإن يحتمل أن يحرد عليها بسيوف النصائح ،وتنسر عليها زماج الفضائح ، وينادي عليها بالصوائح ،هولاء قوم عصوا من ستر منهم القبائح ، وأظهر لهم القسر الصوائح ،ولم يقدروا الله حق قدره ، ففاتتهم المصالح ، ولا استحيوا من العمل الشنيع الطالح ، .
اخواني اعلموا أن الاعمال الصالحة يعملها البر والفاجر ولا يترك المعاصي إلاّ صديق مخلص ، قال (ص) في خبر طويل :< من صبر على طاعة الله كان له مائة درجة ،ومن صبر عن معصية الله كانت له ألف درجة .>
والكلام ذوشجون ،والغريق بكل حبل يلتوي . والله المستعان على نفسي
والحكايات عشر
الحكاية الأولى:
قال تعالى { كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكراً }
وقال (ص):< حكايات الصالحين ،وذكرهم جند من جنود الله يقوي بها قلوب العارفين .>
رَوَى أن كعب الاحبار قال :لم أجد باعثاً للقلوب ، وجذباً للمحب المحبوب أخص من آية في التوراة ،
قال الله تعالى لنبيه موسى : إن لي عباداً من عبادي يحبوني وأحبهم ،ويشتاقون أليّ وأشتاق إليهم ،ويذكروني وأذكرهم ،وينظرون الى قدرتي وكمالي وأنظر اليهم بعين رحمتي ، فإن حذوت طريقهم أحببتك ، وإن عدلت عنهم مقتك ، فقال يارب وما علامتهم ؟
قال: يراعون الظلال بالنهار لصلواتهم كما يراعي الراعي الشقيق غنمه ،ويحنون الى غروب الشمس كما تحن الطير الى أوكارها عند الغروب ، فإذا جنهم الليل واختلط الظلام ، وفرشت الفرش ، ونصبت الاسرة وخلى كل حبيب الى حبيبه ،نصبوا لي أقدامهم ،وافترشوا لي وجوههم ، وناجو ني بكلامي ، فبين صارخ وباكي , وبين قائم وقاعد ، وبين راكع وساجد ، بعيني ما يتحملون من أجلي ، وبسمعي ما يشكون من حبي ، أول ما أعطيهم ثلاثا ، (1/16)
الاولى ــ أقذف في قلوبهم من نوري فيخبرون عني كما أخبر عنهم
الثانية ــ لوكانت السموات و الأرض في موازينهم ما أستكثرتها
الثالثة ـ أقبل بوجهي عليهم أفترى من أقبلت عليه بوجهي يعلم أحد ماأريد أن أعطيه ، ياموسى أنا عند المكسرة قلوبهم من أجلي
الحكاية الثانية:
قال شقيق بن إبراهيم البلخي لحاتم الاصم رضي الله عنهما : منذ كم صحبتني ؟ قال منذ ثلاث وثلاثين سنة قال فماذا تعلمت مني في صحبتي قال تعلمت ثمان مسائل قال شقيق إنا لله وإنا إليه راجعون ذهبت أيامي معك سداً قال حاتم ما تعلمت غيرها قال شقيق : هاتها حتى أسمع منك فقال حاتم : الاولى نظرت الى هذا الخلق فرأيت كل واحد منهم يحب محبوباً فهو ومحبوبه الى عند القبر فإذا وصل القبر افترقا ودفن وحده فجعلت الحسنات ومحبوبي فإذا دخلت القبر دخل معي قال : أحسنت فما الثانية ؟
قال نظرت الى هذا الخلق فرأيت من كان معه شي له قيمة ومقدار رفعه وحفظه ثم نظرت الى قول الله (ما عندك منفد وما عند الله باق فجعلت كلما وقع في يدي من شيء له قيمة ومقدار وجهت به إليه كيما يبقى لي محفوظاً عنده قال : احسنت ياحاتم فما الثالثة ؟
قال نظرت الى قوله عز وجل ( فأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى 0( فعلمت أن قوله حق لاريب فيه فاجهدت نفسي في دفع الهوى حتى استقامت على طاعة الله ، قال أحسنت فما الرابعة .؟
قال نظرت الى هذا الخلق وكل منهم يرجع الى الحب والمال والشرف فإذا هولا شيء ونظرت الى قوله تعالى ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) فاتقيت الله وخفته ، قال: أحسنت يا حاتم ، فما الخامسة ؟ قال نظرت الى هذا الخلق يطعن بعضهم على بعض ، ويغتاب بعضهم بعضاً فعلمت أن أصل ذلك الحسد ، ونظرت الى قوله تعالى ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ) فعلمت حقاً أن القسم من الله فتركت الحسد وأحببت الخلق ، قال أحسنت ياحاتم ، فما السادسة ؟ قال: نظرت الى هذا الخلق يبغي بعضهم على بعض ، ويقاتل بعضه بعضاً فنظرت الى قوله تعالى( إن الشيطان لكم عدوفاتخذوه عدوا ) فعاديته ،واحترزت منه ،واخذت حذري منه لأن الله قدشهد عليه أنه عدولى فعاديته ،وتركت عداوة الخلق ، قال احسنت ياحاتم ، فما السابعة ؟ قال نظرت الى هذا الخلق كل واحد منهم يطلب هذه الكسرة ، في جهد نفسه ويترك المفروض عليه ، والطاعة ويتعب نفسه ،ويدخل فيما لايعنيه ثم نظرت الى قوله تعالى ( وما من دابة في الأرض إلاّ على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها ، كل في كتاب مبين ) فعلمت أني واحد من هذه الدواب المضمون رزقها فرزقي مضمون ،فاستغلت بالله وتركت ما ضمنه ، قال احسنت ياحاتم ، فما الثامنة؟ قال نظرت الى هذا الخلق ، فاذاهم يتوكل أحدهم على صنعته والاخر على تجارته , والاخر على صحته فكل مخلوق قد توكل على مخلوق مثله ،فرجعت الى قوله تعالى ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره ) فتوكلت عليه ، قال احسنت ياحاتم ، قدجمعت في هذه المسائل علم التوراة ،والانجيل ،والزبور ،والفرقان العظيم . (1/17)
وهذا شقيق وحاتم من التابعين ، روى أبوبكر الصديق تولا الله مكا فئته عنه (ص) قال يا أبا بكر قل لأمتي يكونوا على أثري ، وأثر أصحابي ،فإني لم أبعث فاجراً ولا خوانا ، ولكن بعثت داعياً وهادياً ورحمة ، وما أمرني ربي بجمع الدينار والدرهم ،ولكن قال:( فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين ، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) . (1/18)
الحكاية الثالثة :
روى أبوطالب المكي في كتاب <قوت القلوب وطريق المحب الى المحبوب > أن أحمد بن الحواري ، دخل يوماً على سليمان الدار فراه يبكي فقال ما يبكيك ياشيخ الصدق ؟ فقال :ويحك يا احمد إنه إذا جن الليل وافترش أهل المحبة أقدامهم وجرت دموعهم على خدودهم ، أشرف الجليل عليهم ، فقال بعيني من تلذذ بكلامي ، واستراح بمناجاتي ، فبي حلفت لأنظر إليهم بعين رضاي ،وأبيحهم رياض قدسي ،فعلامة حب الله يا أحمد حب القرآن ، وعلامة حب الله وحب القرآن حب السنة ، وعلامة حب السنة حب الآخرة ، وعلامة حب الا خرة بغض الدنيا ، لا تأخذ منها شيئاً ، إلا زاداً وبلغة الى الآخرة ،وتقديم أمر الآخرة على أمور الدنيا من كل ما تهوى النفس ، والمبادرة الى أوامر الحبيب ،والتذلل للعلما ء به ،والعاملين له ، ثم التعرز على أبنا ء الدنيا المؤثرين لها ،والبعد عنهم . ولله القائل :
يا نسيم القرب ما أطيبك ذاق طعم ألانس من حل بكا
أي عيش لأناس قربوا قدسقوا بالكأس من مشربكا
الحكا ية الرابعة :
قال أبو طالب المكي : كان بعض المجاورين بمكة عنده دراهم أعدها للإ نفاق في سبيل الله قال فرأيت ليلة فقيراً يطوف بالليل .......والسمت فكنت أطاء أثار قدميه وأمشي خلفه فلما قضى طوافه وقف بالملتزم فسمعته يقول : دعا خفيفاً جائع كما ترى عريان كما ترى فما ترى فيما ترى ؟ يامن يَرا ولا يُرا ، وعليه خلقان رثاث فقلت في نفسي ما أجد لدراهمي موضعاً خير من هذا فجئته بالصرة فدفعتها إليه ، وقلت أنت هكذا مسكين ، تكون هذه معك تنفقها على نفسك ووضعتها علىطرف إزاري بين يديه ،فأخذ منها خمسة دراهم فقال أربعة ثمن مأزرين ،ودرهم أتقوته ثلاثا ،ولاحاجة في سائرها ، قال فرأيته الليلة الثانية عليه مأزران جديدان ، فهجس في نفسي منه شيء فالتفت إليّ فأخذبيدي فأطا فني معه اسبوعاً كل شوط في جوهر من معا دن ألأرض يتحشحش تحت أقدامنا الى الكعبين منها ذهب وفضة وياقوت ولؤلؤ وجوهر لم يظهر للناس ، فقال هذا كله قدأعطيناه فزهدنا فيه ونأخذ من الدني الخلق أحب الينا لأنه أحب اليه . (1/19)
الحكاية الخامسة :
رُوِي: أن رجلا زار أخاً له في الله في قرية نائية فلقيه نبي من أنبياء الله فقال له: الى أين تريد ؟ فقال: أزور أخاً لي في هذه القرية ، قال: هل بينك وبينه رحم قال: لا ، قال : فهل عليك له نعمة ؟ قال: لا قال :فهل ترجوه لمنفعة دنيا قال :لا إلا اني أحبه في الله ، قال النبي: إنَّي رسول الله إليك يقول لك: إن الله قد أحبك كما أحببته فيه .
وعن الحسن البصري قال: كان بعض السلف يؤجر نفسه في سبب أولاد أخيه في الله ، فكا ن احدهم يخلف أخاه في عيا له أربعين سنة ما يفقدون ألاوجهه .
قال الفضيل : بقي من لذات الدنيا ثلاث: لقاء الأخوان ، وصلوة الجما عة ، وقيام الليل .
وقال آخر: أخ لك في الله كلما لقيك علمك خيراً ، خير لك من أخ كلما لقيك حط في كفك مثقالا .
الحكا ية السادسة:
رَوَى سعيد بن المسيب قال : دخلت علىعلي بن الحسين زين العابدين عليهم السلام عند طلوع الشمس ،وهو قائم يصلي كأنه ساق شجرة ، قد ثفنت جبهته ، وانخرم أنفه ،فقلت: ما هذا الإجتهاد لولم تخلق النار إلا لك ؟ فقال: ما يدري علي بن الحسين الى جنة يصير أم الى نار ،ثم بكا ولم يزل ساجدا ً حتى زالت الشمس ،وهو يقول : لا إله ألا الله حقاً حقاً لا إله إلا الله إيمانا وصدقا ، لاإله إلا الله تعبداً ورقا ، فقال سعيد : أشهد ياعلي بن الحسين أنك ممن يستشفع به الى الله ، ثم قال له علي بن الحسين : قد ذقت حلاوة الدنيا ،وفتحت لي بهجتها ، واستوي عندي رطباً ويابسا ، وذهبها وفضتها ،وكأني أنظر الى عرش ربي بارزأ والى أخل الجنة كيف ينعمون ، والى أهل النار كيف يعذبون ، فأسهرت ليلي ، وأظمأت نهاري ، وقليل ما أنا فيه من حق ربي . (1/20)
وهذا سعيد بن المسيب الراوي رُوِي أنه دخل الكعبة فأحرم فيها بركعتين ختم فيها القرآن شكراً لدخوله بيت الله .
وروي أن بعض من حضر مقام علي بن الحسين عليهم السلام ذكرخفض عيش الملوك وتنعم أهل الدنيا بنعم الله تعالى ، فقال : لاتنظروا الى حفض عيش الملوك ولين لباسهم ، ولكن انظروا الى سرعة ظعنهم وشر منقلبهم ، وأملىعليه هذه الابيات :
ملوك الأرض حكام الرعايا ونحن عبيد خلاق البرايا
أدمنا عيشنا بجريش ملح إذا أكلوا الثرايدوالقلايا
شددنا وسطنا بحبال ليف إذا لبسوا الخوايصرُ الجلايا
وإن لبسوا الشفوف معلماتٍ فخرنا بالمرقع والعبايا
وإن سكنوا فصوراً عالياتٍ سكنا في المساجد والزوايا
غداً يتبين السادات منَّا وينظرأينا أوفاعطايا
الحكاية السابعة :
قال ذو النون :بينما أنا في بعض سياحاتي إذ أنا بشيخ على وجهه سيما العارفين ، فقلت له :يرحمك الله كيف الطريق الى الله ؟ فقال: لوعرفته لعرفت الطريق إليه ، ثم قال لي: ياهذا دع الخلاف والإختلاف ، قلت : يرحمك الله أليس إختلاف العلماء رحمة ؟ قال نعم الا في تجريد التوحيد ، قلت :وما تجريد اللتوحيد ؟ قال فقدان رؤية ما سواه لوجدانه ، قلت : وهل يكون العارف مسروراً ؟ قال : وهل يكون العارف محزوناً ! فقلت: أليس من عرف الله طال همه ؟ ، قال: بل من عرف الله زال همه ، قلت :وهل تغير الدنيا قلوب العارفين ؟ ، قال :وهل تغير العقبي قلوب العارفين حتى تغيره الدنيا ، قلت: أليس عرف الله صار مستوحشاً ؟ قال: معاذ الله أن يكون العارف مستوحشاً ،ولكن يكون مهاجراً متجرداً ،قلت : وهل يكون العارف متأسفاً على شيء غير الله ؟ قال: وهل يعرف العارف غير الله فيتأسف عليه ؟ قلت : وهل يشتاق العارف الى ربه ؟ قال: هل يكون العارف غايباً عن الله طرفة عين حتى يشتاق اليه ، قلت : ما إسم الله الأعظم ؟ قال : ان تقول الله وأنت تهابه ، قلت : إني كثيراً ما أقول الله ولا تداخلني الهيبة ، قال : لإنك تقول الله من حيث أنت لا من حيث هو ، قلت أعطني ، قال :حسبك من الموعظة علمك بأنه يراك ، فقمت من عنده فقلت : ما تأمرني به؟ قال: إطلاعه عليك في جميع أحوالك لاتنسه. تم ذلك ، وأنشد بعض المحبين: (1/21)
لولاشهودجماله في ذاتي ما كنت أرضاساعة بحياتي
ماليلة القدر المعظَّم قدرها الاإذاعمرت بها أوقاتي
إن المحب إذاتمكن في الهوى والحب لم يحتج الىميقات
الحكاية الثامنة:
عن كعب ألاحبار قال: في صحف إبراهيم الخليل عليه السلام ،يقول الله: ياإبرهيم من قام لي متعبدًا أربعين يوما بلياليها أينعت الحكمة من قلبه حتى ينظرما عندي ببصائرقلبه ،فيكون أنا مؤدبه ،وراعيه ،ورازقه من حيث لا يحتسب ,. (1/22)
ولله القائل :
طريق الوصل سهل إن تردني وفي معنا ك فاطلبني تجدني
قريب حيث كنت وحيث تغدو وحيث تروح فاطلبني تجدني
وإني منك في قرب وبعد كقاب القوس فاطلبني تجدني
فإن تك قدضمئت اليّ شوقاً فقاطع كل من تهوى وصلني
وإن تك تبتغي مني بديلاً فقاطعني وودعني ودعني
ستذكرني إذا جربت غيري وتحمدكل أمركان مني
الحكاية التاسعة :
رَوَى : في كتاب < موازة الاخوان > للفقيه أبوالقاسم السُقَيْف ــ وهو كتاب نفيس في علم المعاملة ــ قال : قال (ص) : إذا كان يوم القيامة أوقف الله عبده الفقير المؤمن بين يديه وأدناه منه ،وقال له: وعزتي وجلالي ما زويت منك الدنيا لحقارتك عندي ولا لضعفك لديَّ ،ولكن أنظرالى ما أعددت لك من الجنان ،والحور الحسان ،فينظر الى ما أعد الله له ،فلولا أمسك الله روحه لذهب من شدة الفرح ،ولكن دونك هذ ا العا لم فمن أحبك لاجلي ،وكساك لأجلي , وأطعمك لأجلي ، وسقاك لأجلي، فهو لك ،وشفَّعتك فيه ،فينظر الفقير الى وجوه الناس فيأخذبيد هذا وبيدهذا ،وهم لا يعرفونه ،فيدخلهم الجنة بغير حساب ،وهذا معنى قوله ( ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون ) وفي بعض التفاسير: ألازواج والقوام المشايع والمبايع والمتابع . والله أعلم وري
عنه (ص) يشفع يوم القيامة ألانبياء، ثم العلما ء، ثم الشهداء ، فإذاً المؤمن لايخلو من أحد ألاثنين الشا فعين .
ولله الإمام الجرجاني حيث قال :
إذاما الليل أظلم كابدوه فيسفر عنهم وهم ركوع
أدر الخوف نومهم فقاموا وأهل ألامن في الدنيا هجوع (1/23)
هم الشفعاء يوم العرض حقاً نجوم للهدى وهم خضوع
كذى طمرين قال الله هذا يبَّرأَ ليّه الطرف الدموع
وقدختمنا الحكا يات بحكا ية في تاج الايمان ،وموضع الرأس من الاسلام في الصلوة ختامه مسك، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون .
وهي:
الحكاية العاشرة :
قال محمد بن سيرين : لو خيرت بين دخول الجنة وبين صلاة ركعتين لاخترت صلاة ركعتين لأن في دخولي الجنة رضاي وفي الصلاة رضاء ربي ألم تسمعوا الى قوله تعالى ( ولله يسجد من في السموات ومن في الأرض وظلالهم بالغدو والآ صال ) والى قوله (ص) (خلق الله عالمه علىثلاثة أصناف: صنف قيام لايركعون وهي السموات والعرش وبعض الملائكة والجبال والشجر ،وصنف ركوع لا ينتصبون وهم: الملائكة وذوات الاربع من الدواب وغيرها ،وصنف سجود لا يركعون وهم الأرض والبحار وما يمشي على بطنه من الدواب ، فمن صلى ركعتين فكأنما عبدالله تبارك وتعالى بعبادةكل مخلوقاته مع ما ينفردبه من الذكرالتلاوة) .
وعن شيخ الصدق الحسن البصري ، قال: للمصلي ثلاث كرامات: الأولي تتناثر عليه الرحمة والبر على رأسه من عنان السماء الى مفرق رأسه ، الثانية أن الملائكة تحدم من موضع قبره الىعنان السماء ، الثالثة، أن الملائكة لاتزال تنادي لو يعلم العبد من يناجي ما أنفتل من صلاته ,
وروى أن شاباً تقياً لزم المسجد والعزلة فقيل له: لوخالطت في حلق العلماء؟ فقال: لا حاجة لي فيهم إذاأردت أن أناجي ربي قمت الى الصلوة ،وإذا أردت أن يناجيني قرأت كتابه لانه تعالى يخاطبني ،ياعبدي اتقيني ،اعبدني ياعبدي، اذكرني، أقدرني حق قدري .
وقيل أن للصلاة اثني عشر ألف مسئلة قبلها وفيها وبعدها ،ولابد من ذكر صلاة اهل الصدق والوفاء ،إنشاء الله في صفة خلوة سيدي ابراهيم الكينعي ,
اخواني إذاهب عليكم نسيم التعارف سحراً ،وآنستم ما قرع سمع الكليم حين سرا،وشممتم من روائح القوم مسكا وعنبراً، ولاحت لكم أعلام خيامهم زهراً ،وفجّر حجر مغنا طيسهم من حجر قلوبكم نهراً،وشاهدتم معنا عند الصباح يحمد القوم السرا ،فانظروا الىما لمحت أعيان عيون البصائر ،وتبلجت ألأفئدة بطمأ نينة عنده ،وتبلجت الضمائر من ألآيات المبشرات ،والاحاديث المنبهات (1/24)
،والحكايات المشوقات ،فإن ما لت الىالكتاب العزيز فهو الشفاء والحصن الحريز انتهزتم الفرص ولزمتم للنفوس الربص فانها كالطير ‘إإ إ إذا خرج من القفص ، أقبلتم على........... تلاوته بكلكم ،وعكفَّتم عليه دهرَّكم ،ورتلتموه ترَّتيلا ، ووقفتم على كل آية طويلا ،وسمعتموه من الحملة الخاشعين ،وجربتم أنفسكم مع المجتهدين .
سمع عمر .... قارئاً يقرأ ( أفرأيت إن متعنا هم سنين، ثم جاءهم ما كانوا يوعدون، ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون ) فوقعت في قلبه ..... وغشي عليه ،وقال: قدقرأت هذه الآية كذاوكذامرة فلمَّا سمعتها ماكأنَّها قدقرعت سمعي ,.
وروي أن أعرابياً دخل البصرة أوالكوفة ـ والله أ علم ـ وهوراكب على راحلته ،فأولَّ من لقيه الأصمعي رحمه الله تعالى ،فقال :انزل أيَّها الأعرابي عن ناقتك لاسمعك شيئا من كلام الله ، فقال الاعرابي : أولله كلام ؟! قال: نعم ،فنزل لنفحة الرحمة التي خص بها فتعوذ الاصمعي وقريء ( إن المتقين في جنات وعيون ) الى قوله تعالى (وفي أنفسكم أفلاتبصرون ،وفي السماء رزقكم وما توعدون ) فقال الاعرابي : حسبي ،فكسر قوسه ، وقصد له ناقته فنحرها ، فقال للأصمعي: أعني على تفريقها للمساكين ،وذهب فاراً الى الله للسعادة الأ بدية ،فغاب عن الأصمعي مدة ،فرأه فقال: أعدعليّ من كلامالله ما قرأت عليّ ،فقرأت الآية من أولها (وفي السما ء رزقكم وما توعدون ،فوربَّ السماء والأرض أنَّه لحقَّ مثلما أنَّكم تنطقون ) ،فقال الأعرابي من هذا الذي ألجأ الله حتى أقسم من هذا الذي ألجأ الله حتى أقسم ! ؟ فلم يزل يرددها حتى خرجت نفسه ،فجهزَّه الاصمعي وصلي عليه ودفنه ،ورآه في منامه على حال سنية ، فقال له :ماحالك ؟ فقال: رفعني الله على منازل الشهداء لأنَّ الشهداء قتلوا بسيوف الكفار ،وأنا قتيل كلام الجبَّار . (1/25)
وإن لاح لنفوسكم من أخبار نبيكم ( ص) قبس هداية فهو الد ليل في البداية والشفيع في النهاية ، أقبلتم على كتب الاخبار النبوية ،وألاخبار المعروفة فمن المختصرات < الأربعين السيلقية > فهي شفاء للقلوب الصدية ،وشرحها <الأنوارالمضية > للأمام المؤيد بالله يحى بن حمزه ، <حديقة الحكم > شرحها الأمام المنصور بالله ، ومن الكتب كتاب < سلوة العارفين > للأمام الجرجاني ،و < البالغ المدرك > وشرحه لأبي طالب ، و<شمس الأخبار > و<تنبيه الزاهدين الراغبين > لمحمد بن عبد الله الرقيمَي رحمه الله تعالىَ ،وغير ها من الكتب البسيطة، لكن هذه من جملة تراث سيدي ابراهيم الكينعي ،في خزانة كتبه ،فهذه سفينة من ركبها نجا والى الخير وصل واهتدى ،وإن جاشت على قلوبكم جنود حكا يات الصالحين ،وهملت دموعكم على معالم أهل التقوى واليقين ،فبها ونعمت ،كفيتم مؤنة الطلب ،وأخذتم خلاصة ذوي البصاير والأدب ، فلم يغترفوا ـ رضي الله عنهم إلامن هذين البحرين الزاخرين بالدرر ،وفلذالمرجان ونفيس الجوهر ،فقد دللتكم على كيميا السعادة وكنوز الحسنى والزيادة ، طالعتم كتاب <جلا الأبصار بحكا يات الصالحين والأخيار > للفقيه العالم نزيل الحرم الشريف أبي القاسم بن محمد السقيف ،وكتاب < روض الرياحين في كرامات الصالحين > حصله ابراهم الكينعي على مشقة صدر له من الشهر من عزعليه ما يطلب هان عليه ما يبذل ،وكتاب < بستان العارفين لحكايات أهل اليقين > للجوزي ،وهذه في جزانته رحمه الله موجودة وحلية شيخكم و دليلكم الى الله بعدكتابه وسنة نبيه، فهي مغناطيس الفوائدوبغيةالرايد لأن المشاهد والعلوم أكثر بغية اشاء الله تعالى ،هذا الكتاب المبارك ،وشمَّرتم على الأطلاق على كتب المعاملات ،فهي أعذية القلوب كما أن الطعام والشراب أغذية النفوس ،وبه قوام الخلقة الأنسانية ،وهي موجودة في خزانة شيخكم رحمه الله < سلوة العارفين > وكتاب < الأنطاكي > و< جواهر قوة القلوب> لأبي (1/26)
طالب المكَّي ،وكتاب < عوارف المعارف> للشهروردي ،و< تذكرة ذوي الألباب > وهي أنفس ما يقصد المبتدي والمنتهي ،وكتاب < التصفية > للحسن الديلمي ،وهي خلاصة الخلاصة الشافيية الكافلة الكافية انشاء الله تعالى ،وكتاب <بداية الهداية > للغزالي ،وفي غير الخزانة < تصفية الأمام يحى بن حمزة >،وكتاب <إحياء علوم الدين > نفيس بسيط جامعا للعلوم كأسمه ، وغير ذلك ، والدليل يرشد الى الطريق . والله الهادي (1/27)
إن التجار إذا راحوا وقدربحوا أنساهم الربح ما أعناهم السفر
وهاأنا بأسم الله أبتدي، وبه في كل أموري أهتدي
الفصل الأول
( في صفته وحليته )
في حليته علىسبيل الجملة ،ونشأته الطاهرة ،وحسبه الطاهر .
أما صفته وحليته فهي معنى ماقاله بان مدينة علم الله ،وحامل وحي الله ، أسدالله في الأرض ،وحجته على الخلق ، أمير المؤمنين ،وسيد الوصين ،علي ابن أبي طالب كرَّم اله وجهه ،حيث قال لهمَّام رحمه الله تعالى في صنعة المتقين ،وقد جعلتها في مختصري هذا غرة شادخة ،ولمعة باذخة ، لأن كلامه عَليه السلآم عليه مسحة من الكلام الألهي ،وعبقة من الكلام النبوي ،والمدينة لا تدخل إلامن بابها ،لأنه أمام هذه الطريقة ،ومفتاح علوم أهل الحقيقة ،وهذه هي الغرة المباركة .
روي جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين عن: أبيه الحسين أن رجلاً من أصحاب أمير المؤمنين عَليه السلآم قام اليه يقال له: همام ،وكان عابداً مجتهداً ، فقال: ياأمير المؤمنين صف لي المتقين كأني أنظر إليهم ، فتثاقل عن جوابه ،وقال له: ياهمَّام إتق الله وأحسن فإن الله مع الذين اتقو والذين هم محسنون ،فقال همَّا م :يا أمير المؤ منين سألتك بالذي أكرمك بما خصَّك به وفضلك بما أتاك، وأعطاك لما وصفتهم لي ، فقامَ عَليه السلآم على راحلته: فحمد الله وأثنى عليه ،وصلى على نبيه (ص) ثم قال: أمَّا بعد فإن الله خلق الخلق وكان غنياً عن طاعتهم ،لاتضره معصية من عصاه ،ولاتنفعه طاعة من أطاعه ،وقسَّم بينهم معايشهم ،ووضعهم من الدنيا مواضعهم ،فالمتقون فيهاهم أهل الفضائل ،منطقهم الصواب ،وملبسهم الاقتصاد ،ومشيهم التواضع ،خضعوا لله بالطاعة فغضوا أبصارهم عما حرم الله عليهم ، نزلت أنفسهم منهم في البلاء الذي نزلت في الرخاء ،رضوا عن الله بالقضاء ،لولا الآجال التي كتب الله عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفت عين شوقاً الى الثواب ،وخوفاً من العقاب ،عظم الخالق في أنفسهم، وصغر مادونه في أعينهم ، فهم والجنة كمن قدرآها فهم فيهامتكؤن ،وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون ،قلوبهم محزونة ،وأسرارهم مأمونة ،وحوائجهم خفيفة ،وأنفسهم عفيفة ،<ومؤنتهم > في الأسلام عظيمة ،صبروا أياما ًقصاراً أعقبتهم راحة طويلة ، أرادتهم الدنيا فلم يريدوها ،وطلبتهم فاعجزوها ، امَّا الليل فصافون أقدامهم ،تالين لأجزاء القرآن ،يرَّتلونه ترَّتيلاً ،يحزنون به أنفسهم ،ويستثيرون دوآء دآءهم ،فإذا مروا بأية فيها تشويق ركنوا اليها طمعاً وتطلعت أنفسهم اليها شوقاً ،فوطَّنوها نصب أعينهم ، جاثون علىركبهم ،يحمدون جبَّاراً عظيماَ ،وإذا مروا بأية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وابصارهم ،فاقشعَّرت جلودهم ،ووجلت قلوبهم ،وظنوا أن (1/28)
صهيل جهنم وزفيرها وشهيقها في أصول أذانهم ،مفترشين جباههم وأكفهم واطراف اقدامهم ،تجري دموعهم على خدودهم ،يجارون الى الله سبحانه في فكاك رقابهم ، وأما النهار ، فحكماء ، علماء، بررة أتقياء، قدبراهم الخوف بري القداح ،ينظر اليهم الناظر فيحسبهم مرضا ،ومابالقوم من مرض ،يقول: قدخولطوا ،وقدخالط القوم أمر عظيم إذاهم ذكروا عظمة الله، وشدَّة سلطانه ،مع ما يخالطهم من ذكر الموت وأهوال القيامة ، فطاشت له حلومهم ،وذهلت عنهم عقولهم ، فإذا استفاقوامن ذلك ،بادروا الى الله بالأعمال الزاكية لايرضون لله بالقليل ، ولايستكثرون الجزيل ،فهم لأنفسهم متهمون ومن اعما لهم مشفقون ، إن زكي أحدهم خاف (1/29)
مما يقولون ،وقال: أنا أعلم بنفسي من غيري وربي اعلم بنفسي مني ، اللهم لاتؤخذني بما يقولون ،واجعلني خيراً مما يظنون ،واغفرلي مالا يعلمون ، فمن علامة احدهم أنك ترى له قوة في دين ، وحزما في لين ، أيماناً في يقين ،وحرصاً على علم ،وفهما في فقه ، وكيساً في رفق، وشفقة في يقظة ،وقصداً في الغنى،وخشوعاً في العبادة ،وتجملا في الفاقة ،وصبراً في الشدة ،ورحمة للمجهودن ،واعطافي رفق ،ورفقاً في كسب ،وطلباً في الحلال ،ونشاطاً في الهدى ،وتحرجاً من طمع ،وبراً للعامة ، واعتصاماً عند الشهوة ،لايغرن..... منجهله ،ولايدع المحاسنة ،يعمل الاعما ل الصالحة ،وهو على وجل ،يمسي وهمه الشكر ،ويصبح وشغله الذكر ،ويبيت حذراَ،ويصبح فرحاً .
فلما انتهى الى آخر كلامه عَليه السلآم شهق همَّام شهقة كانت فيها نفسه ، فقال أمير المؤمنين: هكذا العظة البليغة في اهلها .
سبحان المعطي بغير حساب ، ما أشبه الليلة بالبارحة ، ولله الأمام المتوكل احمد بن سليما ن عليه السلام حيث يقول من قصيدته
دعيني أطفيءعبرتي مابدا ليا وأبكي ذنو بي اليوم إن كنت باكيا
لعل البكاء يشفي في الوجد بعضه اذا لم يكن لكل من ذلك شافيا (1/30)
وليس عجيبا إن بكيت ولو دماً وأذهب دمعي من بكاي الاماقيا
فقدمات همام لوعظ امامه وصادف قلباً للمواعظ واعيا
فيا أيَّها المغرور أقصر عن الهوا وأقبل الى التقوى ولاتك لاهيا
ولولا الترجي للشهادة والهدى واضحاً الىالرحمن والدين داعيا
لماسرت إلافي طريق ابن ادهم وكنت لعمرو بن العبيدمواخيا
وكابن خثيم والجنيد اخى التقى فماكان منهم واحد متوانيا
.......... أرضاً لا أرى الناس وكنت لاصناف الوحوش ..........
الى اخرها ،وهي خمسون بيتا على هذه الصفة وحولها من نسوان سبعون بيتا وهما في خزا نته .
( وأما صفته الظاهرة )
جملة..........الى أنوار ها السطعت سألتني أيها الأخ الاخص الحبيب المولع بكل عبد منيب أن أضع مختصرا ً فيما شذ عنك ،وعز اخوانك من صفة الشفيق الحبيب فأجبتك الى ذلك رغبة فيما عند الله لمن أحب أولياءه وموافقة لقصدك الحسن ،وإلحاحك المستحسن في أبياتك التي هيجت بها الحزن وأطارت الوسن وأذرفت دموع المقل على الوجن ، قلت منها :
... ياحبيبي حبيبنا قد تولى ... ... ونبا في العلا وشادوعلَّى
... في نعيم ثم ملك مقيم ... ... نال كل الرضا قولا وفعلى
وفقك الله لرشاد الدارين ،وسداد الخطتين ، وكساك فضل العارفين ،وجما ل المتنسكين ،وكمال المقربين ،وأذاقك حلاوة المنقطعين،
ونعمَّك بخشية المتها لكين،وإخلاص الموقنين ،واخبات المرافقين ،ونصب لك علم الاستعداد لبعد السفر وشقة المعاد ،فعلى الخبير بها وقعت وبأين نجدتها أنخت لأختصاصه به الخاص الذي سار في وده بالاخلاص ،فهاك ما يقر الناظر ويبلج الخاطر ،في شيخي وسيدي في الدين ،وفي علوم أهل التقوى واليقين ، دليلي الى الله بعد كتابه الكريم، ونبيه ،ولطفه العميم، شيخ الصدق،وتربية الفضائل ،المنير بجلال الكمال ولطف الشمايل ملاذ العلماء والاعلام قدوة أهل الدين والإسلام ،الكوكب الزاهر الساري ،الموَّلع بعبادة الخالق الباري ،صارم الدين الصافي، فرندة علم الهداية الخافق ،قمطر العلوم المتزايد ، أويس أوانه ، وابن أدهم زمانه ، وجنيد أقرانه ،وبصري خلانه ،وبسطامي أخدانه ،نظير عمروابن العبيد في زهده وعلبمه ،وسفيان في حكمه وحلمه ،وابن دينار في وعظه وخوفة؛ قمراندية الذكر وشمسها ،ومغناطيس خلوتها وأنيسها ، العلم الفهيم ، الكينعي ابراهيم . (1/31)
( في نسخة شمائل ) : ... ... صفةلم تزدنا فيك معرفة ... وانما لذة ذكرنا ها
ولساني عن بيان فضله كليل ،وبراعتي لاتحسن صياغة هذا ألاكليل ،ومن رام ذلك كان كمن نحل عين الشمس إشراقاً ،وورق الحمام الوانا ،واطواقاً ، ما إن ذكر في مجلس إلافاحت نوافجه، وصعدت الى الملأ الأعلى معارجه ،نشر الله عليه خافقان بنود إكرامه ،وعقد له رايات اقطاع جنانه ورضوانه،والبسه تاج الكرامة من عنده ،وأحله بالجاه في أهل وده ،وحشره في زمرة نبيئه واخوانه من النبيين والمرسلين ، والشهداء والصالحين ، وحسن اؤلئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما .
نعم هورجل شمَّر تشمير اللبيب ،الحازم ،وعزف نفسه عن الدنيات ،واستعمل عقله الذي هو حجة الله عليه ، وتبصر بعقله ما يصير اليه ،استصبح بكتاب الله ،وستنار بسنة محمدبن عبدالله (َص) وخاض في لججها مدة من الزمان فاستخرج منها اللؤ لؤ والمرجان ،فاعتدلت فطرته ،وصفيت طبيعته ، وسمت همته ،نظر بعينه الصحيحة لنفسه ،ومهد لغده ورمسه ،وتزود لبعد سفره من الأعما ل الصالحة , والتجارة الرابحة ، ( إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور ) ( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقنا هم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور ،ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور ) ، ما يفوز به عند الله لينال كرامة الله التى أرادها ،وجمع شؤون الاستعداد ،واستكثر من العدة والزاد ،فاسلمه ذلك الى مباشرة اليقين بربه ، كما قال (ص) :< أعبد الله كأنك تراه فإن لم تره فإنه يراك > (1/32)
فاستلان ما استحسنه المترفون ، واستأنس بما استوحش منه الجاهلون ،صحب الدنيا أيام حياته نضيفاً ، عفيفا ،خفيفا ، قد أيقن بالخلق جاد بالعطية ،بذل نفسه ، وجاهد عدوه دله الله فاستدل ،ولطف به فالتطف ،وخاطبه ففهم ،وعلَّمه فعلم ، استهان بالعاجلة فاثر العاقبة ،ومهدلطول المنقلب ،الىعيشةراضية في جنة عالية قطوفها دانية ،كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الايام الخالية ،انشاء الله تعالى ، ترك فضول النظر فوفق للخشوع وترك فضول الكلام فوفق للحكمة، ترك فضول الطعام فوفق لحلاوة الفكر والذكر والعبادة ،ترك تخيلات الظنون فوفق للبهاء والهيبة ،ترك عيوب الناس فوفق لأصلاح عيوبه ،لزم الخلوة والفكرة فوفق للعلم بالله النافع ،لزم القناعة فأعطي مفاتيح كنوز المنافع ،أهمل الاشتغال بما تمسك به أكبر الرجال فنال الفضل والتفضل والافضال فبلغ انشاء الله غايات الأماني ، وقصار الأمال ،كما قال تعالى ( يسبح له فيها بالغدو والآ صال رجال لاتلهيهم تجارة ولابيع عن ذكر الله وإقام الصلوة وإيتاء الزكاة يخافون يوماًتتقلب فيه القلوب والأبصار ) بشره في وجهه، وحزنه في قلبه ، اوسع شيئ صدرا ،وأقل شيء كبرا ، وأذل شي نفسا ،طويل الهم ،كثير البكاء والغم ،كثير الصمت الاعن ذكر الله ،ذوسكينة ووقار ،واذكار وأفكار ،مسرور بفقره محسن الظن بربه ،لين العريكة ،ضحكه تبسم ،واستفهامه تعلم ،ومراجعته تفهم ،وقاَّف عند الشبهات ، محيَّار عند الخطرات ، مراقب في اللمحات ،مؤثر على نفسه بما يأتيه من الشهوات ، كثير علمه، عظيم حلمه ،وثيق عزمه ، اذاصمم على أمر فيه لله رضا لم يلوه عنه ،من الدنيا إن سئل ووجد اعطا وإلا توجع وشفع ودعا ، يحب في الله بفقه وعلم ،ويقطع في الله بحزم وعزم ،مذكر للغافل ، مقرب للجاهل، بلطف العبارة ،ناصر للدين ،محام عن المسلمين ،باذل نفسه في جهاد الملحدين مع أئمة الحق المبين ،معترف بحق أهل البيت عَليهم السلآم الصغير (1/33)
منهم الكبير ،مقدم لهم في الصلوات وغيرها من القربات ،معتقد أنما نال الخير إلاببركتهم وبفضل علمهم ، أبُ لليتامى والمساكين كافل لأخوانه المودين بنفسي من ساهم الملائكة والانبياء في أفعالهم انشاء الله تعالى ، (1/34)
وقال لسان حاله في محرابه ابتهاله : الهي قد أعطيت من العبادة أقربها ،ومن الطاعة أحبها ،ومن المعرفة لك أدومها ،وسقيتني بكأس المحبة عندما سمعتك تقول ( يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ) وكشفت عن قلبي أغطية جهل معرفتك ، فلك الحمد والحمد من نعمك ،فلك الحمد فها أنا ذا بين يديك أناجيك في أركان الحق بين وياض العرفان ، أسألك الامن والإيمان ،وتمام الود والإحسان ،يارحمن يارحمن يارحمن:
ولله القائل :
... فلي قلب أراك به ... إذا ما العين لم تركا
... وإني فيك ذو أمل ... يرقي قلبي الفلكا
... ولي شوق اليك غداً ... عليه القلب مشتبكا
تحمل في الهوىشجنا متى سكن الهوى احتركا ...
ولوصبت مدامعه غدت من مائها بركا
لقد شغف الفؤاد بمن أراه بمهجتي ملكا
كسيحون محبته غدا قلبي به سمكا ...
ومالي عنده من بدل ومن لسمائه سمكا
اخي ألهمك الله وإيانا رضوانه هذه مجة من لجة ،وقطرة من مطرة، من حلية من اجتمعت قلوبنا من سببه في حياته وبعد وفاته ،وميل أخيك الى الأختصار خشية الملل وكلول قلب الكسلان ،ولمع البارق يدلك على الغيث الدافق أنشاء الله ،وقد افيض على أخيك بجمع هذا المختصر المبارك من بركته وبركة من ذكر بسببه ،ومن يذكرانشاء الله تعالى ، بركتان ، أحدهما استودعها الله تبارك وتعالى من سلب ما هدى وحبا وحفظ ما خوَّل وأعطا ، والبركة الثانية سري على حزنه العظيم ،والكمد عليه ورحمه الله الجَسيم ،وعلمت يقيناً أن الآ خرة خير له من الأولى، كما قال تعالى لنبيه وحبيبه محمد صلّى اللّه عَلَيْهِ وآلَه وسلّم ( وللآخرة خير لك من الأولى ) ، وكقوله (ص) (من أحب لقاء الله أحب الله لقائه > ،ولقوله تعالى ( وما عند الله خير للابرار ) ، وننشر أوراده الزكية ،وأعما له الصالحة الباقية الرضية ،ولقدجاء ذكره لذكر الصالحين والعلماء الراشدين كحجر المغناطيس تجذب الحديد ،والله أسأله التوفيق والمزيد ،ولالوم لنا إن بلغنا عليه من الحزن غاياته ،ومن الجزَع والعياذ بالله نهاياته ، لأنا فقدنا الوالد الشفيق المؤثر بالخطير والدقيق والحدب علينا الى سوآء الطريق ،والمروح على قلوبنا بمراوح نسيم التحقيق ،والجاذب لنا من الهوة في عذاب الحريق ، والمطهر لأخلاقنا من الرذايل المذمومة ، والسجايا الملومة ،كا فاه الله عنا وغفر له ولنا ، ولله در القائل : (1/35)
... ... ما نالت النفس على بغية ... الذَّمن ودصديق أمين
... ... من فاته ود أخ صادق ... ... فذلك المغبون حق اليقين
في الله نحتسبه ،وندخر ليوم القيامة ثوابه ، في الخبر عن سيد البشر (ص) قال: (مصايب الدنيا خمس ،موت ألاخ في الله ،وفوت الحج ، وموت العلماء والصالحين ، ونسيان القرآن ،وفوت التكبيرة الأولى من الأمام ) . والصبر أي أخي بنا أجدر .
... ... إصبر لكل مصيبة وتجلد ... واعلم بأن المرء ليس بمخلد ( في نسخة إبن مخلد ) (1/36)
... ... واصبر كما صبر الكرام فإنها ... نوب تنوب اليوم تكشف في غد
... ... وإذاأصبت بنكبة تشجى بها ... فاذكر مصابك بالنبي محمد
هذه جملة من صفة أخلاقه المرضية :
وأما صفة ذاته الزكية
المقدسة بالرحمة والتحية ، فهو من أحسن الناس وجها ،وأتمهم خلقة ،وأقربهم الى الأصفرار والرقة ،ربعة من القوم ،ليس بالطويل ولا القصير ،وكان بنانه الاقلام ترعف بالبركة لمن قصده من الانام بوجه أبيض قد غشاه نور الأيمان وسيماء الصالحين ،قد أحاط بذاته من كل مكان ،صفاقلبه على وجهه يلوح ،ونوافح مسك الحكمة من فِيْهِ يفوح ،رقيق القلب ،ذايب الأطراف ،ذوسكينة ووقار وحياء ما عليه غبار ، سريع المشية ، غير ملتفت إلا الى قصده إذا مشى كأنه راكع من الاطراق ، أوخايف من ضارب الأعناق، إذا خرج نهاراً ازدحم الناس على تقبيل يده ،والتشبث بأهدابه ،والتبرك
برؤية وجهه ،وهو يكره ذلك وينفر عنه ، يغضب إذا مدح ،ويقول : يافلان دع هذا لمرء يفرح به ، ويسر إذا نصح ، سمعته يقول غير مرة : ياليت لي مؤدبا ، من رأه بديهة هابه ،وانفتح له قلبه محبة، ويقول الر ائي : من هذا الذي ملأقلوبنا نوراً ،ووجوهنا حبوراً ؟ فيقال : هذا ابراهيم الكينعي ، فيقول الرائي سبحان من يصطفي ويعطي ـ بلسان حال الرائي ــ ، من قبل يده المباركة وجد لها حلاوة ،وعليها طلاوة ،ويود تقبيلها على الدوام ،ما وضع يده على قلب قاس الا رق وانشرح ،ولا على أليم الا سرا عنه ، ولعينيه فتح إذا تلا الكتاب العزيز سمعت في جوفه الازيز ، إذا رأه العلماء تواضعوا لرؤيته ،وعكفوا على اقتطاف ثمرات حكمته ،وإذارىه أبناء الدنيا عافوها، وودوا أن لم يحوزوها من الذلة وألأ نكسار والحياء منه ويقول لسان حالهم : إذاكان هذا عند الله المنزلة العا لية ،وهو في هذه البزَّة البالية ،وسأذكر من رفض الدنيا لرؤيته انشاء الله تعالى ،وإن رآه أهل المعاصي والفسوق أعجمهم القلق، ورشحت أجسادهم بالعرق ،وارتعدت أوصالهم بالفرق ،واستحيوا من الله عند رؤيته ،واضمروا التوبة ، وساء ذكر من تاب على يديه في موضعه انشاء الله تعالى , واقرع القلم بالاختصار ،والمفصل عن الأحاطة بصفاته الغزار لأنها فردوسية ،واجنحتة غرابها طاووسية تستملح ،وبها إلى الخيرات تستفتح ومن بركاته نستفتح ونستمنح وبها إلى معالم الهدات تنصح ، انشاء الله تعالى . (1/37)
وما أجدره بما قيل :
... ... اني وإن كنت المحب له يقينا ... واصف في حلية الوصفه
... ... ولست أما هنا بمقتدر للعجز مني على بيان صفه
... ... قداعجز الناس وصف غرته ... رويك في السير آية الرصفه
... ... ان تحاذر الكلام قاظية ... ... بموجة الفصل منه مرتشفه
وأما حسبه الطاهر ومنصبه الشتهر :
فهو من خلاصة العرت ،وذوي المنا صب والحسب ممن يحمون الجار،ويمنعون الذَّمار،ويكرمون الضيف ،ويغيثون الملم ،هم يقال لهم: بنو الكينعي ذوحصون ومنعة ،ورياسة ،ورفعة ،بلدهم من مغارب ذمار على بريد منها ، من نفاسة أخلاقهم يقال لهم: < عز المغرب> ـ وادي مزارعهم عظيم ،والزرع يأتي فيه كثيف جسيم ،ووطن بمحضري قصبة ذرة بوطن رمح الفارس الباسق ،وزاد ذراعا ونصفا ،وربما لحضتم عناية أزلية كما لحضت حليمة في شاتها ،وبنت شعيب في سقي غنمها (1/38)
< ناقص صفحة رقم 34 >
ومن ذوي البصيرة والعبادة والزهادة ،وأمهم كذلك ولها كلام وفعال في الأيثار للضيف والمساكين على أطفالها ما يخرجنا البسط ، وأخوه محمد رضي الله عنهما من الصالحين العظماء والحكماء الكرماء ،وغير ملتفت الى الدنيا ،زهدَّ أصلي، وطبع ليس بتكلف ، لأنها عنده كلاشيء يذكر ،وأمَّا أخته مريمَ رحمها الله تعالىَ فهي رابعة زمانها ،وسعوانة دهرها ،بلغت من الزهد الغاية ،ومن العبادات النهاية ،بكت حتى عمست ،وصلت حتى أقعدت ،وصامت حتى نحلت ،وخالطها الخوف حتى الموت لما عجزت عن القيام كانت تقول : ياابراهيم طوبي لمن قام ليلةَ قبل الموت ،ولها كرامات تطول وحكايات يرويها ذوو العقول ،وصلح على يدها رجال ونساء ،وسنت في هذه معبر سننا في وضايف العبادة الى الآن،ولاتزال انشاء الله تعالىَ ، وكان القاضي العلامة محمد راشد السحافي يقرء عليها في القرآن ،وهو رجل من أعلم أهل زمانه ، وأزهدهم واورعهم ،وافضلهم ،حكى لي رَحمه الله تعالىَ ، قال : أتيتها يوما بكتب نم الأخبار والصلوات المرغبات ،والأدعية للأوقات ، قالت: يا إبراهيم هذه من المفرحات ،ونحن الى التأديب أحوج ،ولكن اجتهد لي في الأنطاكي ،وغيره ، فأمرت بنسخ الأنطاكي وكتاب ، < جلأ الأبصار > وصل من مكة بسببها . والله أعلم . وكتاب الوافد والعالم . وحكى لي رَحمه الله ، قال : قضيت لصاحب لي حاجة من السوق وربما قد دخل أول الوقت فقالت: ما شغلك عن فضيلة المواظبة على أو الوقت يا إبراهيم فقلت: إشتريت لصاحب لي حاجة من السوق وعَول عليَّ ،فقالت :وهل هذا صاحب يشغلك عن طاعة مولاك في وقتها بئس الصاحب ، إشارة في بعض الصحف من شغل مشغولا بالله عن الله أدركه المقت في ساعته . (1/39)
وحكا لي رحمه الله تعالىَ ،قال: ما كانت أختي مريم تقبض شيئا الاماتواريه الى فيها وقد ربما يوما ما تكون القفوعة وهي خبزه غليظة في تلك الناحية بين ايدينا ساعة ،كل يتحرج من قضعها إلا أنه لايصير الى واحد منا إلا بعضها ، وقدربما تقوم وهي على حاله . (1/40)
وحكي لي بعض الأصحاب: أنهم قي إبتداء أمرهم ما يدخل بيتهم شيء من الزكاة بل كان لهم ثور يحرثون عليه لسداد هم من شدت ورعهم .
وحكي لي رَحمه الله تعالىَ عن وقت صغره قال : كان لنا دون عشر من الغنم ، فسرحتها في بعض الأيام الى الراعي فندة علي شاة أكلت من ورق جوز غصب على قوم فأصابني أمر عظيم ،وخطب جسيم ،وأخذت حجرين بيدي وعالجت خروج الورق من فم الشاة خشية أن أقبض الورق بيدي جهلا مني بذلك ،وعمري في ذلك اليوم العشر أو التسع . والله أعلم
وهذا أمارة المورد العذب لمن ظمي ومن طرق رشاده عمي ولمع البارق يدلك على النو المطير
إشارة :
روي إن امرأة جائت الى إمام العلم أحمد بن حنبل رَحمه الله تعالى ، فقالت يا إمام الحكمة إنّا اهل بيت فقر ،وربما مرت مشاعل السلطان علينا ليلا فنغزل علىضوءها سلكاً أو سلكين ، فقال: ومن أنت يَرحمك الله فقالت: أنا أخت بشر الحافي، فقال :لقد عجبت أن يكون هذا الورع المشافي إلا لاهل بيت بشر الحافي ، لاتفعلين يَرحمك الله . ما أشبه هذا بتلك . وقلت: ولم يطرق سمعي أبدا شفا لمن سمع ........ ويعي من ورع ابراهيم الكينعي . اعاد الله من عوارف ماعرفهم ،ونفح مثل ما نفحهم من أحبهم من كافة الأخوان ، انشاء الله تعالى .
الفصل الثاني
... في ابتداء درسه ، وقرأته في العلوم
لما بلغ التكليف وكمل عقله الشريف ،وتوفي والده رحمه الله تعالى وبركاته عليهم وعليناَ معهم ضرب أكباد المطي بالارتحال الى صنعاء اليمن ليرقا الى درج الكمال، فأناخ مطي سفره، وعزمه بعقوه من استنار بعلماء واستصبح بمصباح حكمته وفضَّله وفهمه إمام أهل الشريعة المحمدية ، وسلطان علماء الحقيقة الربانية ، السجاد في الليالي ،والبكاء في صلواته من خوف الباري ، حاتم بن منصور الحملاني قَدس الله روحه في الجنانَ وحباه بالحور الحسانَ .......عليه كما قال تعالىَ في سورة الرحمن { هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان } في الفقه مدة من الزمان حتى حصل الفائده من فقه أل محمد عَليهم السلآم قدر عشر سنين ، وضرب فايدته فحلق عليه وأقرى فيه برهة من الزمان ،من جملة من قرى على ابراهيم: الشيخ الخضر رَحمه الله تعالىَ وصحب في عرض قرأته فضلأ ذلك العصر ، وأخذ منهم ،وأغترف من بحور علومهم كحاتم رَحمه الله ،ومحمد بن عبد الله الرقمي ، ولابد من نكتة في ذكرهماَ في موضعهماَ انشاء الله تعالى ، لنأخذ من البركة وسطها من أولها الى أخرها إنشاء الله ، وقرى في الفرايض على الشيخ الخضر بن سليمان الهرشي حتى برز فيها على مشايخه ، سمعت من القاضي العالم أحمد بن محمد الشامي رحمة الله عليه ورضوانه قال: ما في الجيل واليمن، أفرض من ابراهيم بن احمد سيماء في الجبر والمقابله ، وسمعته يوماً قال: يمكني أفهم ما في هذه البركة من ارطال الماء بالمساحة ،وطالت صحبته مع الشيخ الخضر ،ولم يفترقا حتى الممات ، حجا معاً سبع سنين ،وتوفي الخضر في البحر ودفن في جزيرة ،وجعل وصية أخاه في الله ابراهيم الكينعي ، وجعل ولاية كتبه اليه ،وهي الآن من جملة تراثه ،واتخذ مدينة صنعاء له وطناً ،لاجتماع العلماء والصالحين فيها ،والجمعة والجما عة ،وتأهل وأولد بناتاً ، الله أعلم بعدتهن ،وسكن في درب الفقيه العالم ، المدرس احمد بن حميد شيخ الأئمة عَليهم السلآم في علم الكلام (1/41)
،وأصول الفقه ،قرى عليه الامام المهدي على بن محمد بن على ،والامام الواثق مطهر بن محمد بن المطهر ، وقرى عليه الامام المهدي بن القاسم في الاصولين حتى فهمهما ،وكان هذا احمد بن حميد أعاد الله من بركاته عالما فاضلاورعا ،يرى لاهل بيت محمد أبلغ مما يرى لنفسه ،ويهش عند رؤيتهم اهتشاش المنهم الضرم ما لم أره في غيره كافأه الله بالحسنى ، حكى لي رحمه الله أنه قرأ سورة { كهيعص } وانتهى الى ذكر الانبياء عليهم السلام ابراهيم الخليل ، واسماعيل ،ويعقوب ،وموسى ،وهارون , وإدريس صَلوات الله عَليهم فارتعش قلبه ،وقال يالك من شرف ، يعظمهم الله ،ويذكرهم عنده ،أوما في معنى هذا فسمع قائلا لا يراه يقول : وأنت منهم ،وأنت منهم . وكان نفع الله به في علم الكلام كعبد الجبار قاضي القضاه ،وفي الورع كعمر وبن عبيد ،وفي ولاءأهل البيت كالصاحب الكافي ،وهذا الدرب المذكور شرف بشرف احمد بن حميد رَحمه الله تعالىَ ،حتى صار غرة المدينة وخلاصة سككها . (1/42)
وتزوج ابراهيم ــ أعاد الله من بركاته ــ إبنة الفقيه العالم الفاضل الزاهد العابد ربيب ومفسر آية القرآن ، محمد بن احمد ، عرف بالذبياني ، أسكنه الله بحبوحة جنته ،واعاد من بركته ومن بركة ولده الفاضل الزاهد المفسر على بن محمد ،وقف معهم مدة ساكناً في الدرب ،وتعلق بصحبة أخ له في الله تعالى يقال له: الفقيه الفاضل راشد بن محمد ، وخالطه مخالطة حتى قيل : راشد بن محمد الكينعي ، وليس منهم ، فحج البيت العتيق معه سنين ،والخضر رحمه الله متجردين .
الفصل الثالث
في زهده وتركه الدنيا
مع الغنا ، فإنه رحمه الله لَما خيل له الاستغناء عن الناس ومشقة الاولاد ،وما لابأس به حذراً من ما به البأس وعلم ما قال (ص) ( أن من الذنوب مالايكفرها إلا همّ نفقة العيال) ، وقال (ص) : الوقوف من العيال ساعة ،والنظر اليهم أحب الى الله من عبادة ألف سنة لايعصي فيها طرفة عين > رواهما: على بن محمد عن: أبيه محمد الرباني ، وفي قوله تعالى { إن من أموالكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم } ذكر جار الله الزمخشري في كتاب الكشاف أن النبي (ص) رأى الحسنين يعثران ناذيالهما وهو يخطب الناس على المنبر ،فنزل يرفعهما ويقبلهما ،ويقول : صدق الله العظيم { إن من أموالكم وأولادكم عدواً لكم } . وقيل: يكلفون على الكسب من هنا وهنا . و في بعض التأويل , يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال: هذا أكل عياله حسناته . وقال بعض السلف: العيال سوس الطاعة . (1/43)
وحكى لي رَحمه الله تعالىَ قال : ما بعت سلعة مرابحةً ، وربما قلت: يوما لمشتري السلعة تروَّى فربما أن في السوق خيراً منها ، قال لي: يافلان ما علمت مدة تجارتي أني خسرت في بضاعة قط ،ولوشريت في التراب لربحت فيه ،وكان يخالط في تجارته ،ويأخذ برأيه الفقيه العالم الفاضل شديد الورع كثير الخوف والفزع راشد بن محمد بن نسيب رَحمه الله تعالىَ رحمة واسعة وغفرله مغفرة جامعة ولولده الفاضل العالم المثالة في حب الله عبد الله ابن راشد وأعاد من بركاتهما ، وكان هذا راشد بن نسيب من المشهورين في ليله ونهاره في حوايج المسلمين واخوانه في الدين ، أشَّد الناس ورعا،ً وأقلهم طمعاً، وأكثرهم للمسلمين نفعا ،وله من شدة التحرز في الورع ما يخرجنا عن المقصود ،وكان إذا شرا حطبا مشتركا لم يقسمه الابالميزان ،وكان على وجهه نور الايمان ،وفي وجهه رَحمه الله عَلامة عيسة من تحت أنفه الى أسفل ذقنه ،وعلماء اليمن < صعدة > يروون فيه: خبرا عن رسول الله (ص) الله أعلم بصحته ،وصفته [ إشارة ] روي أن عمر بن عبد العزيز رَحمه الله تعالىَ كان يؤخذ له حلة الابريسم بالالوف فلبسها ، فيقول :ما أحسنها لولاخشونة فيها , فلما استوا على ظهر الخلافة زهد في الدنيا ،وكان يؤخذ له القميص البالي ، قيل: بثلاثة دراهم ،فيقول: ما أحسنه لولا لين فيه ،فقيل له : سبحان الله كيف هذا؟ ،تقول بالامس: هذااحسن خشن ،وتقول اليوم: هذاحسن لولا لينه ؟ فقال لي نفس تواقة تاقت الى الخلافة ،حتى أدركتها ثم تاقت الى ماعند الله ثم زهدت فيها ،وأرجو من الله الزيادة . (1/44)
فلما انتهى رَحمه الله في التجارة على هذه الصفة المحمودة ، والسيرة المنقودة ،وجمع مع علمه مالا من حله، وعاد به على اخوانه وأهله، بقصده الحسن وبركة البيت العتيق الراحض للفقر والمحن لخطته عين الرحمة من رب العباد،وأدركته عناية القرب والوداد ،وقرأكتاب الله بالتدبر والخشوع والتفكر والخضوع ، فتنبه من قبل أن الاشتغال بغير هذا أجل وقد كقيناك فتوكل بلسان حاله ،أيها الاخوان فعند ذلك وجل قلبه فطرقه دمع ،ولبس سرابيل أهل الورع وخالط أهل الخوف والعبادة ،وغفل عن اخوانه أهل الشريعة والافادة ،وقلق منه الوضين، واستوحش من كل صديق أمين ،ونظر بعين قلبه ولبابة لبه الى كتاب ربه، فوجد فيه البغية المقصودة والضالة المنشودة، فاقتبس من قبس نار الكليم نوراً، ونظر في كتاب مسطوراً { أنك بالوادي المقدس طوى، وأنا أخترتك فاستمع لما يوحى، إنني أنا الله لاإله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلوة لذكري، إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ، فلا يصدنك عنها من لايؤمن بها واتبع هواه فتردى ... الآية } فأخذ رَحمه الله تعالىَ عصى غنم الهوى وهرول ,واتكل على الله عَز وجلَ , وهش بها على غنم هواه ,ودافع بها عداه ،واتخذها ستره في قبلة الصلوة ،وتعبان حفظ في النوم والانتباه ،وظلاَّ في الحرور ,ودثاراً في اليوم المقرور ،وورقا يقتطف به من ثمراتها ،ويستخرج الماء المعين من سغباتها ،فتارة هي في يده عصى ،وتارة تكون حوله أربعون ذراعا هذه مئارب ابراهيم في عصى غنم هواه ،وعصى موسى الكليم آية من آيات الله تعالى ،ونظر الى قول الله تعالى لنبيه بالقول الحازم، والحتم اللازم: { فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين ، واعبدربك حتى يأتيك اليقين } ونظر الى قوله تعالى: { المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا } وفكَّر في قوله تعالى لنبيه (ص) بالنهي التام، والزجر العام: { ولا تمدَّن عينيك الى ما (1/45)
متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ،ورزق ربك خير وأبقى ،وامر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لانسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى} ونظر الى قول الله تبارك وتعَالى بجامع الامر الكامل، والقول القاصل { واصبر يا محمد نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا} ذكر في تأويلها أن كبراء قريش قالوا: يامحمد إذا أردت نقف في مقامك، ونسمع كلامك هذا أخرت عنا هولاء الذين ريحهم ريح الضَّأن ، وعنون أهل الضفة فهم النبي (ص) ليتألف قريشا فنزل هذا الوعيد في الأمر السديد ،مثل قوله في قصة ابن مكتوم { عبس وتولى، أن جأءه الاعمى ،وما يدريك لعله يزَّكا ،أويذكر فتنفعه الذكرى ،أما من استغنى < يامحمد > فأنت له تصدى ،وما عليك ألا يزَّكا } . وأهل الصفة رَضي الله عنهمَ زهاء ثلاث مائه ،منهم عمار بن ياسر ،وسلمان الفارسي ،وصهيب ،وبلال ،وابن مسعود ،وأبوذر ،وابوهريرة ، قيل: كان العشرة منهم يتداولون الثوب الواحد للصلاة الواحدة وماكان بين أحدهم وبين الأرض فراشا قط . وكان عندهم أن نعمه الله فيما صرف عنهم من الدنيا أعظم مما صرف اليهم منها . (1/46)
وعن الحسن البصري رَحمه الله تعالى: أدركت سبعين بدريا ماكان لأحدهم ثوبا ثانيا ، وطالع كتاب< الصفوة في حلية الصحابة > تجدهم هنالك وهي قمطر علوم ابراهيم الكينعي رَحمه الله تعالىَ . ونظر بعين قلبه الى ما سمع في الصحاح عن نبيه (ص) من الا حاديث المتواترة الصحيحة ،منها قوله :( ما ذئبان ضاريان في زريبة غنم بأسرع فسادا فيها من حب الشرف والمال في دين المرء المسلم) ، وقد حازهما فخاف واتخذ الجنة والتجفاف ،والى قوله (ص) ب : (تكون أمتي في الدنيا على ثلاثة أطباق: أما الطبق الاول فلا يرغبون في جمع الاموال وادخاره ولايسعون في اقتنائه واحتكاره إنما رضاهم من الدنيا سدجوعة وستر عورة ورضاهم ما بلغ بهم الى الاخرة ،فأولئك الذين لاخوف عليهم ولاهم يحزنون ، وأما الطبق الثاني فيحبون جمع المال من أطيب سبله، وصرفه في أحسن وجوهه، يصلون به أرحامهم ،ويبرون به اخوانهم ،ويواسون به فقراءهم ،ويعض أحدهم على .......أسهل عليه من أن يكتسب درهما من غير حله ،أو أن يضعه في غير وجهه ، أوأن يكون خازنا له الى حين موته ، فأولئك الذين إن نوقشوا عذبوا ،وإن عفي عنهم سلموا , والطبق الثالث ظاهر> . ونطر الى قوله (ص) رواه: الامام الجرجاني في سلوة العارفين ،فطالعه من هنالك لانه أبسط ،وبما يكون اليه أنسط لابي الدرداء قال قال : رسول الله (ص) : (تفرغوا من هموم الدنيا ما استطعتم ،فإنه من كانت الدنيا أكبر همه، أقسى الله صفته، وجعل فقره بين عينيه ،ومن كانت الاخرة أكبر همه جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه ،وما أقبل عبد بقلبه الى الله تعالى إلا جعل الله تعالى قلوب المؤمنين تغدوا اليه بالمودة والرحمة، وكان الله اليه بكل خير أسرع ) . (1/47)
وهمة سيدي رَحمه الله لَيست همة ،ولا في عزيمته أزمة، بل زهد في الدنيا ،وعف ونبذها ظهريا ،وبها استخف ،ونظر الى الاخرة والجنة والتحف ، فإذا الدنيا والاخرة بالنظر الى عظمة الله وجلاله وكبريائه تشبه لا شيء الى شيء ،فتعلق قلبه بالملأ الاعلى، وعبد ربه عز وعلى ،كما كان هو له أهلا . (1/48)
سمعته يوما قال : لو لم يخلق الله جنة ولانارا أليس يحق له أن يعبد ؟ بلى !! وعزتة وجلاله ، والكلام شجون، وقلب الخايف أهوج .
ثم نظر في صندوق علمه وخزانة صدره ما قال أمير المؤمنين: على بن أبي طالب عَليه السلآم في كلامه لهمَّام وكان به مهما ما وقدير وفي كلامه عَليه السلاَم :والله لدنياكم هذه أهون في عيني من عراقة خنزير في يد مجذوم ، وقال :والله لدنياكم هذه عندي أحقر من إتان دبرة ،وعقصة معزة ،والله ما اكتنزت من دنياكم تبراً ،ولاادخرت من غنايمها وفرا ،ولاحرت من ارضها شبرا ،بلى !! كان لنا فدك من كل ما أظلته السماء فشحت عليه نفوس قوم ،وما أعددت لبالي ثوبي طمرا ،ألاوإن لكل مأموم أماما يقتدي به. ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ،ومن طعمه بقرصيه ،ألاوإنكم لاتقدون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد ،ولو شئت لاهتديت الطريق الى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح، ونسايج هذا القز ،ولكن هيهات أن يقودني طمع الى تخير الاطعمة ولعل بالحجاز أو اليمامة من لاعهد له بالشبع ،ولا طمع له بالقرص ، وأيَّم الله لأروض نفسي رياضة تهش معها الى القرص مطعوما ،وتقنع بالملح مأدوما ، ولأدعَّن مقلتي كعين نضب معينها ، يادنيا غري غيري ،قد بتتك ثلايا لا رجعة لي فيك ،والله لو كنت شخصا مرئيا لاقمت عليك حدود الله في عباده ،غررتهم بالاماني ،والقيتهم في المهاوي ،هيهات من وطئ دحظك زلق ،ومن ركب لججك غرق ،ومن أزور عنك وفق ،طوبى لنفس أدت الى ربها فرضها ،وهجرت في الليل غمضها ،وافترشت بوجهها أرضها ، في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم ،وتجافت عن مضاجعها جنوبهم ،وهمهمت بذكر الله شفاههم ،وتقشعت بطول استغفارهم ذنوبهم ، فاتق الله يابن حنيف ،وليكفك أقراصك ليكون من النار خلاصك . (1/49)
ونظر فيما حفظه من كلام السلف والتابعين فزاده من اليقين وقيل لحاتم الأصم رَحمه الله :بَلغني أنك تجوز المفاوز بالتوكل من غيرزاد ؟ قال: بل أجوزها بالزاد ،قيل : مهٍ ؟ قال : أربعة أشياء قيل :ماهي ؟ قال : أرى الدنيا بحذافيرها مملكة الله ،وأرى الخلق كلهم عباد الله ،وأرى الاسباب والارزاق كلها بيد الله ،وأرى قضى الله نافذا وقدره ورزقه مقسوم . فقال له أبو مطيع : آهٍ ياحاتم ..نعم الزاد زادك فإنك لتجوز به مفاوز الأخرة . (1/50)
ونظر الى قول سليمان الداراني رَحمه الله تعالَى : إذارأيت الاشياء كلها كشيء واحد من معدن واحد ، لمالك وأحد رأيت مالم تر، وسمعت مالم تسمع ، وفهمت مالم يفهم الخلق .
وقال امام الصدق الحسن البصري رَحمه الله تعالىَ : لوكانت الدنيا رصاصا ،والسماء نحاسا ،ثم اهتممت برزقي، لظننت أني مشرك .
وقال: وددت أن أهل البصرة في عيالي ,أن حبَّة بمثقال . وقال سفيان الثوري رَحمه الله تعالىَ : الزهد في الرياسة وحب المدح أشد من الزهد في الدينار والدرهم ،لان الدينار والدرهم قد يبد لان في طلب ذلك ، قال: وهذا باب غامض لايعرفه إلاّ من سما من العلماء . أعاد الله ( [ ن ] : سوهم ) من بركاتهم . لله در الهمَّم العالية ،والعزمات السامية ،والبصائر المنورة ،والافكار المحبرة ، لقد تعلقت بقوله (ص): ( إن الله يحب معالي الامور ،واشرافها، ويكره سفسَّافها ) .
... ... لايدرك المجد الاسيد فطن ... لما يشق عالى السادات فعَّال
... ... لولا المشقة ساد الناس كلهم ... الجود يفقر والاقدام قتال
ولله القائل تريد من إدراك المعالي رخيصة ... ولابد دون الشهد من إبر النحل
ونظر رَحمه الله تعالىَ الى الأبيات التي هي للأمام الناصر الحسن بن على عَليهم السلاَم التي أولها:
... ... نظرت الى الدنيا بعين زوال ... فآثرت نفسي والحقوق بمالي
... ... واليت لاأبقي تراثا لوارثي ... وإن غاض اخواني وساء عيالي (1/51)
... ... أأترك ما جمعته لمفرَّق ... قليل فعال الخير غير مبالي
... ... خسرت إذاً سعيي وخبت وإنما ... أروح من الدنيا بحسن فعالي
... ... وأعظم أموالي علىَّ عطية ... ... تقرَّ بها عيني بغير سوالي
... ... يرد إلهي في المعاد ثوابها ... ... ويخلفها الرحمن بعد ليالي
... ... وأحرزتها من غير قفل وخاتم ... وبت خفيف الظهر ناعم بال
... ... ... ولله القائل:
... ... إنَّ الزهادةمن ثلاثة أحرف ... زاي وهاءفانتقده ودال
... ... فالزاي ترك للتزين عامدا ... والهاء ترك هواك فهو ضلال
... ... والدال دنياك الذميمة فاطرح ... وكذ العبادة أحرف أمثال
... ... فالعين علم بالأدلة باء ها ... بين تبين العد اوالمال
... ... فإذا فعلت دنوت وهو كماله ... وهناك والله العظيم كمال
اخواني: هولاء القوم ركبوا الجادة، وخلو بثبات الطرق ،ولم يلو هم عن قصدهم تعلق ولا تعوق ،
وا شوقاه الىسفرهم ما أيمن بشراه وا توقاه الى اولاجهم ،ما أحمد صباح سراه .
أما الكينعي ابراهيم فقد شرب في عين الحبوة شرب الهيم ،وشد الرحل بالانساع ،وحاسب نفسه في الأوقات والسَّاع ،وراض نفسه ، كأنها حبة مقلاه ،أوريشة في فلاه ، فشرب بالكأس الرويه ،وعكف على خدمة مولاه بالجارحة والروية، فما فكرته إلا في باهر ملكه وملكوته ،ولاتعرض له خاطر إلافي قاهر جببروته ،إن قام فلله ،وإن قعد فللَّه ،وإن تكلم فللَّه ،وإن صمت فللَّه . سمعته يوما يقول : أنا وقلبي في علاج أريده لايدخل إليه شيء الا لله ،ولا يخرج منه شيء الا لله أدع الله لي ياأخي: تقريبا منه لأخوانه ،وإلا فالدعاء منه يستمد ، إن ولي الله الذي نزَّل الكتاب وهو يتولى الصالحين .. نعم . فلما عرف، ومن ثمار علمه اقتطف ، جاد بالعطية ،وأيقن بالخلف ، جمع أموال التجارة من الورق والعين ،وقال : تبا لمن يفتح لك العين ، وأسلمها الى أخيه في الله ( ن : [ الفاضل ] ) راشد ابن محمد الكينعي ،وقال: دونك هذا المال إصرفه في نفسك، وفي أولادك ،واخواني، واخوانك ،وأرحامي ،وأرحامك ،وخرج من كل ما يملك ، حتى نعله وثياب ابدانه ،وطلق نسائه ،ولبس من أخشن الصوف ،وانتعل المخصوف . قال لي رَحمه الله تعالىَ : دخلت يوما الى البيت وقد كان لي ابنة تقم البيت وتفتح الباب فانزعجت ، وقالت : يا ابه من أخذ ثيابك البيض ؟ ، وودعها وخرج فار الى الله لايلوي على أحد سواه ،واتخذ ركوة وعصا وحبلا وقدح ،وهام على وجهه يريد مكة، والعراق، وبيت المقدس ، فخرج من صنعاء ،وشعر به اخوه هذا راشد ،وكافة اخوانه ، فلحقوا بالاثر حتى أدركوه قريبامن ظفار ، فتعلقوا تعلق المرضع بأمه ،وكثر منهم البكاء والضجيج ،والتحرج والضيق ،وأقسموا بالايمان المغلظة لئن لم يرجع معهم ليسيروا معه ، محبة فيه، وشفقة عليه، وفقدا لما بينهم من الصحبة و المودة والقربى ، ولما انطوا عليه من المواساة في البأساء والضراء والشدة والرخاء ولفضل علمه وعميم فضله ، فأدركته الشفقة باخوانه البشريه، (1/52)
وعرف أن في هذا رضى لبارئ البرية ، فرجع الى مدينة صنعاء ،واعتكف في مسجد الرصاص، وحوليه الحدائق المورقة ، والعيون المغدقة ، احمد بن حميد ، وحاتم بن منصور ، ومحمد بن حسين ، ومحمد بن عبد الله الرقيمي ، وأعانوه على مقصده ،ودافعوا عنه من يريد شغل قلبه من الجنة والناس ، ووقف على حالته الحسنة في مسجده المبارك زهاء سنة ، واختار الله لابنته داركرامته ، فحمد الله على الخلاص من ربق التكليف ، وقال لسان حاله : حسنة تقبلها الله ،وعورة سترها ،ومؤنة كفاها الله ، واتخذ أخاًله يقال له: يحى بن محمد الخشنخاشي ، رجلاً فاضلاً ،زاهدا ، عابدا ، مقري للقرآن ، فسار نحو اليمن رفيقان ، نقل عليه الكتاب العزيز غيبا وقراة القرا رضي الله عنهم ، وكان في سفره هذا يقطع الليل بركعة أوركعتين ، كما حكى لي: أخوه هذا يحيى ،وزار أخته مريم رَحمهما الله تعالى بمعبر ، ووقف معها أياما ،واشتد فرحها بتركه الدنيا وزهده فيها لانه لم يعجبها دخوله < فيما > لابأس به، وإن لم تكن ضاقت ، لانهامن الفضل والزهد كما حكيت فيما مر ، وكانت قد زمنت , واخوه الكبير محمد المؤنس لها ،والقائم بحالها ، ولم يضع الله له ولياً، قال تعالى في قصة ابراهيم الخليل: { اني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عندبيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي اليهم وأرزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون } . (1/53)
كنت معه بمكة المشرَّفة فسرنا الى موضع التجارة ليلا يقال له: < السويقه > فقال : ها هنا كنت أجمع الدنيا ، فيمد نطعه فيه يصلي ما كتب له ،ويستغفر ويبكي ، ويقول < كانت > حاله التلصص وصانه الله عن ذلك ،لكن من نظرها بعين الورع اتخذها كالكنيف، وعند الضرورة يؤتي الكنيف ، وقال: هاهنا في هذا المكان دفنت مدرجة فيها ذهب وفضة حتى نرجع من الجبل فيا ليتني لم أرجع اوما معناه هذا من شدة الأسف وتضييع أيامة في التجارة ،وكانت يسيرة مع أن العلماء الراسخين في العلم لا يستقيمون على ما أستقام عليه أيام تجارته ، وقال لي : يا فلان كانت لي وظايف ايام تجارتي حسية، ووردا في التلاوة ،ووردا ً في الصلاة ، وورداً في الدرس ، فقال رَحمه الله تعالىَ يوما : لابارك الله في قرين السوء يقرب الى الدنيا، ويقوي العزم عليها اوما معناه ، وحكى لي الثقة: أنه لبس ثوبا سويسيا حسنا فقال له : ما رأيت أحسن في هذا الثوب عليك ، فقال له ابراهيم : من رق ثوبه رق دينه ، هذا كلامه في حال التجارة . (1/54)
الفصل الرابع
في رياضاته ومجاهداته .
لما عرف بعين التحقيق، وفكرة التوفيق، ولاحت له سبل الطريق، وعرف عدوه الملازم والغريم المحاسم ،وهي النفس الامارة بالسوء ، فثاغرها جهارا ،وسل عليها سيف العزم ليلا ونهارا واعلانا وإسرارا، ومنعها فضلات الطعام والشراب والمنام، وقلة مخالطة الانام مدة من الزمان ، حتى خرجت من النفوس الأمارة بالسوء الى النفوس اللوَّامة ، فتنبهت ولامته على مامضى، وتيقظت فداركها وحاسبها محاسبة الشريك الألد لشريكه ، وكنت اسمعه يحاسبها فاظن معه رجالا يخاصمونه حتى اشرف عليه وليس معه احد ، مدة من الزمان ، حتى خرجت من النفوس اللوَّامة الى النفوس المطمئنَّة ، فتروحت واطمأنَّت وانشرَّحت مدة من الزمان ، فتعلقت بالمولى ومحبته وخدمته حتى رضيت وقنعت ، قال لي يوما : لو اعطيت الدنيا بجوانبها ،ومفاتيح الجنة كلها لما اخترت الا وقوفي بين يدي الله ساعة أناجيه فيها . ولاتخرج النفس الأمارة الى النفس اللوامة الى النفس المطمئنة الأ بعد الرياضة التامة والمثاغرة القوية والمحاسمة العظيمة ، والحرب خدعة، والخير عادة ، قال بعض العارفين : (1/55)
... ... لكل امرء منا نفوس ثلاثة ... يعارض بعض بعضها في المقاصد
... ... فنفس تمنَّيه ونفس تلوَّمه ... وثالثة تهديه نحو المراشد
وهي التي قال الله تعالى: { يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي } .
أما رياضته في المطعم
فاعتمد على الصيام الابد الافي العيدين وأيام التشريق ، فإذا كان بعد العشاء الأخرة تناول الطعام ، فإذا تناول الطعام ثقل عن القيام وعجز عن التلاوة ، شاهدته: يوما يقع من قامته من غلبة النوم ، فجاهدها بقلة الادام مدة لايأكل الاقطع الخبز يابسا ، فما تهيأ له القيام على ما يريد ، فجاهدها حتى أنقادت له بأنها لا تناول الطعام الا في السحر ، فاعتدلت على ذلك وديدن عليه واستقام ،وانشرح حتى الموت ، سمعته يقول : كم من ليلة اسابق الفجر على عشاي فتارة أسبقه وتارة يسبقيني ، كم من يوم يدخل عليه بعض اخوانه وعشاه موضوع معد لمن يدخل عليه من أهل الحاجة من اخوانه ، وكان رَحمه الله تعالىَ: إذا كان عشاه بشيء من الادام تركه وآثر به بعض اخوانه ممن يعز عليه مرارا كثيرة . (1/56)
قال لي يوماً : إذا دخل عليك فقير فأعطه شيئا يأكله ،وإذا دخل عليك عالم فراجعه في المسائل ،وإذا دخل عليك من أبناء الدنيا فاحتشمه وعظه واضرب له الامثال من غير تصريح ،وكان هذا طبعه فيمن يدخل عليه .
وكان يوما يعول عليه بعض اخوانه المودين أن يدخل منزله فيساعده ويبسط ويأكل من طيبات ما اضيف به ،ويترك لصاحب المنزل شيئا يأكله تارة يلقه بيده، وتارة يقول: هذا لك ، وهذا لأهل بيتك ، لأجل التبرك ، فيدخل على أهل البيت الكل منهم بركات ومسرات ودعوات قبل الطعام وبعده ، وكان إذا وضع تحته شيء من اللحم قطعتين أو ثلاث وهو يريد لايأكل الا واحدة ، فان كانت منفردة أخذها ، وإن لم ينتبه ، فإن تنبه أحد من اخوانه أن يبددوهن ......يأخذ ما أحب ،والاترك الجميع ، وكذلك عناقيد العنب ، خشية أن يقبض فوق ما يدخل فاه لأنه بنا نفسه على ذلك منذ إبتدائه الى انتهائه ، لايقبض كتابا الاممَّن عرف ورعه ،ولايقبض طعاما الاما يواريه الى فيه ،ولا يقبض ثوبا الاما يستر عورته من ابتداء نشؤه ،وكذا كان أهله رَضي الله عنهمَ ، وكذلك كان يعاقب نفسه إذا أنس منها مللا وكللا بأن يحلف إلا أذاقها طعاما أياماً ، او سأل عما لا يعنيه ، او أجاب فيما لا يعنيه فيتنبه في اللحظة والسَّاعة ويتدارك ما قيل عنده وما قال فيأدب نفسه بذلك . سمعته يوما يقول : مارأيت مثل أخي الفقيه أحمد بن منصور رَحمه الله تعالىَ في المراقبة فيالخطاب ، كان إذا خرجت من فيه اللفظة لاحظها وانزعج إن لم تكن لله ،رحمهم الله تعالىَ ، كان إذا عرف ذلك منه سأله بعض اخوانه: بالله أن يفطر أو يتناول شيئا من الأدام فيعزم عليه السؤال فيتناول اويفطر ...... وهو يبكي ،وتارة يغشى عليه ويسقط ويبقى ملقافي الأرض على جنبه ساعة، وتارة ساعتين، وتارة بين الصلاتين ، أملى عليّ بعض اخوانه هذه الابيات: (1/57)
... ... قوم همومهم بالله قد علقت ... فما لهم همة تسمو الى أحد
... ... فمطلب القوم مولاهم وسيدهم ... ياحسن مطلبهم للواحد الصمد
... ... ما إن تنازعنهم دنيا ولاشرف ... ولا المطاعم في اللذات والولد
... ... ولا لباس لثوب فائق أنق ... ولاالتلذذ في الاموال والعدد
ولو جعلت هذا المختصر في مطعمه وملبسه لوسعه ،ولكن إشارة تدل على سعة ما قيل فيه ،وميلي الى الأختصار ، وقف على هذه الصفة من الصيام، والقيام، وقلة الطعام زهاء ....... سنه ،حتى بلغ من الضعف غاياته ومن السقم ، حتى رقَّ جلده ولو كشط لحمه كله لما ملأ الكف .والله أعلم . ومع هذا كان صلياً في الصلاة، وقويا على القيام والصيام والسير إذا أحب المرحلة أوالمرحلتين او الثلاث ما أفتره فيما أحب هذا الضعف عن صيام ولا قيام، صدق (ص) حيث قال : صوموا تصح أجسامكم من الألم وقلوبكم من الأسقام . ما علمت أنه مرض في مدة هذه إلا يسيرا عارضاً ألا مرة ضعف ضعفا عظيما حتى يظنه الرائي خرقة ملقاة ،وقعد ثلاثة أيام ملقا على قفاه ، فقال له اخوه سعيد بن منصور الحجي رَحمه الله تعالى : ابراهيم: اذكر ربك ، فقام منزعجا بأعلى صوته : ياسعيد: لم أنساه فاذكره ياسعيد ، لم أنساه فاذكره ، بأعلى صوته ثلاثا او أربعا ثم استلقى وبكى، حتى شاهدت دمعه على ملأ عينيه من الحاجبين الى وجنتيه ، لم يستطع مسحه بيده من الضعف، وقلة الحركة ،وأظن ذلك الضعف لحال عارضة قطع أوصاله . (1/58)
وأما رياضته في الملبس
فإنه لماَّ ترك الدنيا مع الغنى الحلال لبس مدرعة من خشن الصوف مدة، ثم تركها، ولبس شملة غبراء من خشن الصوف , وإزارا من مرقعات صوف وقطن ،وكوفيه من صوف مدة من الزمان، وإهاب كبش يسجد عليه ، ونازعته نفسه يوما بأن يقبل من بعض اخوانه شملة اخرى ربما هي أرطب ، فأقسم بالله لا استبدل بها خمس عشرة سنةً، وقد كانت خلقة، فكان كلما وجد خيطا ملقا في الطريق او في بيوت اخوانه من اخلاق فراشهم الصوف أخذه واتخذ إبرة، وكلما فترت نفسه من الصَّلاة استفتح الصلاة والذكر وحرَّك تلك الشملة بالخيوط ، ووجد في ذلك لذَّة ، والى الآن في بيت اخيه سعيد بن منصور منها قطعة للتبرك بها ، وفي بيته من شعر رأسه وقلامة أضافره ، وأوصى سعيد: بأن يدفن معه ، وكان بعض اخوانه يأتي له بالشملة او الإزار يلبسها فيكره رده بها، فتقف عنده مدة من الزمان، حتى يكون الغبار عليها والتراب ، ثم يقول لصاحبها: إني غير محتاج إليها فتفضل بنقلها لاتشغل عليّ مكاني ، فيرفعها . وعظم الشتاء في سنة فعوَّل عليه أخ له في عبائة غبراء يلبسها فساعده وأبقاها على ملكه، وأباح له لبسها، وكذى في كل ما ملك من مقراض، وإبرة، ونعل، ومشعل، وعصى ،كان يخرجه عن ملكه الى ملك من يحب من اخوانه ليلقى الله خفيفا كما خرج من بطن أمه ، وتارة يكسو بها بعض اخوانه من أحب شملة إيثارا إن لم يجد له من يحقه به . (1/59)
سافر سنة مكة شرفها الله تعالى وسار معه بعض اخوانه زهاء اربعة أو خمسة فاهتم رَحمه الله تعالىَ لكل واحد منهم في عباءة، ورداء، وهدايا، الى قدر اثني عشر عباءة لاخوانه المودين والمنقطعين ، وما رأيته لبس عمامة الإ في آخر مدته خشية البرد ، فكان يلبس عمامة من خلق بساط وتارة خلقة منيَّله ، وكان نعله من نعال الحجاج مقلوبة الجلد ،وكان إذا سافر أخذ عصى في يده، وركوة، وحبلاً ، مربوطا فيها. وفي الركوة كيس فيه إبر، وخيوط، ومقراض، وموس، ومسواك، واخلَّة، وقراطيس ادعيه وصلوات للأيام، والليالي ،هذه أهبة سفره، وشملة، وإزار، وسفرة للصلاة ، وكان يسافر في كل سنة في الاغلب ، تارة يزور اخوانه بصعدة وظفار وحوث وقعره ( ن : [ وغره ] ) وثلأ، وتارة يزور اخوانه بجهران ومعبر وذمار ومصنعة بني قيس وخبان ، ويتفقد احوالهم ويسعى لمن خلف أيتاما في سدادهم من حيث يعرف ويتفقد أولاد اخيه محمد بن احمد ويحثهم على الطاعة ، وير شدهم الى الطريق الحسنة ،ويتفقد اخوان اخته مريمَ رَحمها الله تعالىَ ،واخواتها في الله ، ويرم لهم من النفقة والكسوة سدادهم ، ويزور في كل عام شيخه في الدين، وقدوته في التقوى واليقين، امام أهل السنة والكتاب، ولبابة الولي الالباب، زاهد اليمن والشام، والسيد الحصور القوَّام المبرء من مقارفة الاثام ،ولي العترة الكرام الباذل نفسه لهم من كافة الانام، تاج أهل الايمان القاضي: حسن بن سليمان توَّجه الله بتاج كرامته، وازلفه بجواره، وأعاد من بركاته، فهو منشأ البركات في اليمن، والذي سن الحسنات والسنن ماكان يعرف في بلاد الزيدية من أهل الطريقة قبله أحد، ولايتزيا بزي أهل العبادة والزهادة من أحد ، وهو رَحمه الله تعالىَ وأهله من خلاصة شيعة آل محمد الطاهرين، ومن المجاهدين لاعدائهم المعتدين ، نشأعلى الزهد والورع والخوف والفزع ما لايمكن شرحه، ولا يتكيف وصفة، وحاز العلم والعمل، ماكان يوجد في وقته مثله من أحد في علم (1/60)
الفقه والأخبار النبويه والتفاسير سيماء في فقه الناصر عَليه السلاَم ، كان لباسه شملتين من خشن الصوف الأ غبر وكوفية صوف ،وكان يأكل من الطيبات ،وقال: هي تستدعي خالص الشكر ،وكان يحي الليل قياما والنهار ذكرا وفكرا ودرسا للعلوم ، وكان يلزم الخلوة ،ويقف في المساجد المهجورة ، يغلق عليه فيها وعمَّر مائة سنه وإثنين وثلاثين سنة فلما عجز عن القيام كان يحي الليل صلاة من جلوس ،وكان له كرامات تروى وفضائل تحكى منها أن جذم غزو اليمن ــ وهم الترك ــ قصدوهم الى بلدهم وأدي الجار، فلزموه وساروا به نحو اليمن كل رجل ممسك بيد وفارس من خلفه قال لي رَحمه الله تعالىَ : رمحه بين جنبيه فجعلت أقرى <يس> وإذا أنا مستقيم، والرجَّالين سايرين، والفارس، وأنا مستقيم حتى تواروا عليَّ بحَمد الله ومنها روى لي سيدي ابراهيم بن احمد قال : زاره الخضر عَليه السلاَم أربع مرات يكالمه ويحادثه ويعلمه أدعية مجابة . (1/61)
ومنها قال لي : نزعت في الليل من بير في الجلب دلوا وأردت أزيد الاخر سمعت قائلا يقول :قد دلوا ياسيدنا يكفيك ، وقال: واظنه ياولدي من الجن .
ومنها أنه حصورما يعرف النساء ، قال: ولايعرف أنه احتلم . ومنها روى لي السيد العالم الفاضل احمد بن عبد الله بن ضمُرة عن ابن عمه السيد........ زمانه وبركة أوانه علي بن عبد الله بن محمد بن أمير المؤمنين يحى بن حمزة عن إبراهيم الكينعي ــ رَحمة الله تعالىَ ــ قال قال أخ من أخوان حسن بن سليمان ويقال له: ـــــــــــــ وكان صالحا عابدا فجائه وهو مسجى ميت فقال: السلام عليك يافلان ففتح عينه ساعة ثم أطبقها . وروى القاضي حسن بن محمد الشامي ،وهو رجل من فضلاء الزيدية زاهداً، عابداً صوَّاماً قواماً، أن القاضي حسن بن سليمان قال : كنت أحمي جربة لنا في وادي الجار فجائني جماعة أظنهم صلحاء قطعت لهم خمس عشرة سبولة كبيرة ، صعيفا ، فقالوا :سرنا من أسفل الوادي الى أعلاه فما ذقنا فيه صعيفاً ،قال فجائت الجراد فأكلت الوادي كله ما سلم فيه إلا جربتنا تلك ،فقال :له القاضي هذا ببركة الصالحين أو بركة الصدقة ، قال الراوي: بل هي كرامة لحسن بن سليمان ، أعاد الله من بركات الصالحين ، ونفحنا بمثل ما نفحهم ،ووفقنا لمثل ما وفقهم آمين آمين . (1/62)
وكان محباً لأهل البيت ويعتقد أنما أحد منهم يدخل النار ويحتج بايات من كتاب الله العزيز ومن السنة النبوية والاثار المروية .
ولما فتح الله تعالى على الامام المهدي لدين الله على بن محمد بذمار وبلادمذحج ، قال لي يوماً لابد لي من إعانة هذا الإمام وولده صلاح عَليهما السلاَم لاسلبهم الله ما خولهم، وحفظ عليهم ما أعطاهم ، بهذا اللفظ لكن ياولدي ما جيت وأنا أحسنه إلا أني أكون أخزن لهم التبن لأن السوس يخونون فيه ويبيعونه ، قلت: صانك الله من ذلك ، فكان يخترف في وادي الجربتين، ووادي عرقب ،وكانوا يعظمَّونه ويتبركون به فحثهم على تأدية الزكاة الى الأمام عليه السلام فامتثلوا وسلموا الحقوق الواجبة ماء ينا والوفاء وهم أهل شوكة وغلبة وأكثرهم كانوا زراعا فأهطعوا المراسمة ،وكان ياخذ من واجبات الواديين والسفل قدر الربع يفرقها على اخوانه المسلمين والضعفاء والمساكين ،والثلاثة الارباع موفرة للجهاد الى الأمام والى ولده ، وشمَّر في حث الناس على الجهاد بين يدي الأمام وولده الناصر عَليهم السلاَم ،وجمعا الأموال التي كان يطلعها أوقارا من البهائم ألوفا وماءينا وكان ربما يصير من هذا الربع الى اخوان ابراهيم الكينعي ،والى أيتام اخوانه منه شيئاً. رأيت في مكة المشرفة بخط السيد الامام احمد بن الجيلاني أعاد الله من بركته زاهد الحسن بن سليمان من وادي الجار قريباً من مدينة ذمار ،وكان هذا السيد من العلماء المبرزين، الراسخين، المجتهدين، العبَّاد، الزاهدين، الورعين، المتقشفين ، خرج من الجيل والديلم لزيارة مولانا الامام المؤيد بالله يحي بن حمزة أبن رسول الله فوصل وقد توفي عَليه السلاَم، فزار الامام المهدي لدين الله على بن محمد بصعدة ،وسار الى اليمن لزيارة ولده الأمام الناصر وهو سيد يقرء في مصنعة بني قيس، ولزيارة هذا القاضي حسن بن سليمان نفع الله بهم الجميع . (1/63)
ولهذا السيد تصانيف في العلوم، وفي الزهديات ما يشفي ، رأيت له كتابا نفيسافي مكة المشرفة يسمي <الصفوة في زهد الصحابة > ــ رضي الله عنهم ــ في علم المعاملة فيه ما يدل على فضله وكرم أصله وقال في آخره: أبياتاً: قال قائلها أحمد بن أمير الحسني استحسنها وهي: (1/64)
... ... ... أيانفس إن تطلبي عافية ... ... فلابد أن تلزمي زاوية
... ... ... فأكثر أبناء هذا الزمان ... ... سباع إذا فتشوا ضارية
اكف عن الخير محبوسة وألسنة بالختا جارية
... ... ... فطوبا لمستحلس بيته ... ... قنوع له بلغة كافية
... ... ... نداماه دون الورا كتبه ... ... فلا اثم فيها ولا لاغية
... ... ... فإن ضاق يوما بها صدره ... تضجر في خفية خافية
... وأمَّا رياضته في إذلال نفسه
أعني ابراهيم الكينعي، فكان لايعد نفسه إلامن أعظم الاعداء عليه قال رَحمه الله: النفس أعدا الاعداء لأن الشيطان يوسوس وهي تقتل نفسها بنفسها جهاراً ، قلت له يوماً : كيف سيدي ؟ قال :وما حال من هو هكذا ؟ ، وأنشد في ما قاله بعضهم ، قيل: أنها للشافعي:
... ... إني بليت بأربع ماسلطو ... الا لعظم بليتي وعناي
... ... إبليس والدنيا ونفسي والهوا ... كيف السبيل وكلهم أعدئي
... وما علم منه أنه ذكر نفسه بخير ولاقومه ولاقوله ولاعمله ،و لاافتخر بشيء مما على الدنيا ، زاره الأمام الناصر لدين الله أمير المؤمنين محمد بن على ابن محمد بمدينة ذمار وكان ــ رحمه الله تعالى ــ في دهليز لبعض اخوانه ، فسَّلم عليه وقبَّل يده في الظلام ، وقال للأمام : إن علم الله مني محبته لوصولك اليّ لم يكن لي جزاء الا النار (1). وزاره رجل فاضل ، فقال : أتينا من أرض بعيدة لزيارتك ، فقال له : أمثلي يزار ..؟ أمثلي يؤتا ؟ وبكى ، وغشي عليه طويلا ، فسقط ما في يد ذلك الرجل وظن أن قد فارق الحياة ، وتلك غشية تصيبه الفينة بعد الفينة . وإذا دخل عليه زائر ومسلم أقعده على مصلاه ،ووقف بين يديه مطرقا ، لعل يطرق سمعه كلمة حكمة ، وكذا إن زار أحدا من اخوانه ،وقف بين يديه ، وكان يزور العلماء ليلا ونهارا ، وقبورهم إن كان معه أحد ، قال له زرو جدك وأنا وجدي ،وقال: يوما عقب زيارته لمشهد السيد الأمام المهدي بن قاسم رحمه الله تعالى : أحجراً تطوف بأحجار ! .. أين القلوب أين القلوب يالهفاه ؟ ؟ وكررها مرارا . (1/65)
__________
(1) ـ ( في حاشية من النسخة الأصلية ) لعل هنا ........... كلام يتحقق والمعنى مستقيم وذلك أن الكينعي أحمد قد أخرج حب الشهوة من قلبه ومعنى كلامه أن إذا علم الله محبة من الكينعي لزيارة الإمام له لأجل الشهرة والفخر فليس له جزاء إلاّ النار ولهذا صح المعنى .
وكان يزور من مرض من اخوانه ومن غاب تفقد أحوال أهله بنفسه ،وما يتهيأ له، سمع منه بعض المسلمين كلمة في نصيحة حسنة فانزعج ووصل اليه في الليل واعتذر منه ، وقبّل رجليه ورأسه وقال له :أنت أعرف مني ،والذي صدر مني على سبيل النصيحة ، وكان إذا خالط الاخوان فقلبه مع الله وجسده بينهم ، وإن سكت فلسانه يتقلب بذكر الله تارة يقول: يا الله ..يا الله ، وتارة يقول : الله الله ، وإن تكلم بكلمة شخص بعد ها ببصره الى السماء للمراقبة ، وإذا أراد لقاء من يأتيه من اخوانه ومواجهتهم ، شخص بعدها ببصره الى السماء وحرر النية في فعله وقوله وتركه ، فإذا لم يحضر نية قعد قعدة مبلس وحزن كثيراً ، كانت نيته في كل صباح محددة أن كل قول وعمل وترك ومخالطة وعزلة وفكر وذكر وإيناس مسلم وتذكير غافل وإيثار وابتدا سلام لكل وجه حسن يقرب الى الله للوجه الذي يريده على الوجه الذي يريده وعلى وفق إرادته ومشيئته وأمره ونهيه ، وكان يحث اخوانه على هذه النية ، ومن كان له مال أمره بالزيادة على هذه أن كلما خرج من يده لايرجع اليه ولاعوضه من صغير أوكبير ، ومثقال ذرة من أوجب حق يعلمه عليه ، إن كان والا فقربه وصدقة ، وعلى كل وجه حسن يريده ، وكان يحب الخلوة ، وكان إذا دخل قرية طلب له مكانا خاليا ويؤتى اليه بالنفقة ،وكان يحب مكان الخلوة أن يكون مظلما إلاعند أوقات الصلاة فيحب معرفة الوقت ،وكان يحب الوقوف في المساجد إذا كان معه من يدافع عنه الناس لأنَّه لا يكلم في المسجد ولايتكلم فيه ، وإذا وصله غريب عن خصلته هذه الشريفة أخذ بيده وخرجا عن المسجد وكالمه وفاكهه وقضى حاجته ، وكانت أخلاقه كأخلاق الأنبياء ــ عليهم السلام ـــ أن ذكر غافلا فبسكينة ووقار ولطف وتحنن ونصيحه ، وإن كان ممن يحب من اخوانه قوي عليه مرهم دائه والهمة الحمئة التامة ليزول الداء وكان الإتعاظ والواعظ نافعا، له من أقواه لأنه لاتراه إلاخايفا، أو باكيا، (1/66)
أومغشيا، أومصليا، أوتاليا، أومفكرا، أو مكبا، على كتب الحكمة ، فإن فاجأه أحد اعطاه الكتاب وقال: انظر ما قال: فلان ، وكان إذا راء كلمة حكمة تدل على هدى، او ترد عن ردا أعلمها فإذا دخل عليه من اخوانه من يدخل قال : إفتش على ما قد اعلمت لك حتى يقضي ورده الذي هو فيه، ثم يفاتح اخاه ويراجعه على تلك الحكم ، دخلت يوما وهو يبكي بكاءً من مزعجاً فقال : إقرأ عليّ في هذه الصافحة ، ومن مكارم أخلاقه لم يقل: اقرأ عليك هذه لأن عنده أني متعظ وعكس المسئلة اجمل بحالي، فقرأت ما عينفي كتاب: قوة القلوب ، قال الحسن البصري ــ رحمه الله تعالى ــ :يا ابن آدم إنما أنت مراحل ، كلما مضي يوم وليلة قطعت مرحلة فإذا فرغت المراحل بلغت المنزل إمَّا الى جنة او الى نار ، وقال آخر : مثل العبد في عمره مثل رجل في سفينة تسير وهو قاعد كذلك العبد يدنو من الاخرة وهو غافل ، وقال :إن العبد تعرض عليه ساعاته في ليله ونهاره أربعا وعشرين خزانة فيرى في كل خزانة خيرا قدمه عطا وجزاء ولذة فيسره ذلك ويغتبط به ، وإذا رءا ساعة ليس فيها منم ذكر الله فيسوءه ذلك ويتحسر حسرة لا إقالة بعدها لاتزال حسرتها أبدا الأبد ، قال ــ رحمه الله تعالى ــ فكيف بنا إذا كانت ساعاتنا وأوقاتنا في السيئات وكسب الحيات والعقارب والمصايب ، وكان قائماً في رأس درجة فسقط من قامته الى أسفل الدرجة مغشيا ، فحملناه حملا حتى ادخلناه المنزل وقعد مغشيا عليه من ضحى الشمس الى قائم الظهيرة وأفاق ، وكنت يوما بجنبه قاعدا فتنفس الصعداء فشممت رائحة قطعة اللحم المشوية فالتفت اليه لانظر الى جسمه هل احترق ، فإذاهو على حالته ، فأشفقت عليه فما أحذره ، كما قال بعض الخائفين من أبيات (1/67)
... ... الماء من ناظري والنار في كبدي ... ... إن شئت فاغترفي او شئت فاقتبسي
... قال الله تعالى في الزبور: يا داود أحببني وحببني الى خلقن وصف لهم كرمي ،وشوقهم الى لقائ ، قد أفلح من أطاعني بجوارحه كلها وأناب اليّ واستغفرني ، وإذا سمع آياتي تتلى عليه كادت عظام صدره تتقطع قطعا، فوعزتي وجلالي لاوفينه أجره يوم القيامة غير منقوص . (1/68)
الفصل الخامس
أوراده وعبادته وأذكاره
وإخلاصها تعظيما لجلال الله وكبريائه كما عرف الله حق معرفته وراض نفسه رياضة جذبته الى خدمته وخافه مخافة لوقسمت على أهل دهره لكفتهم ،وشكره شكر ملإ ئكته وأنبيائه الذين عصمهم ،ورجاه رجاء أهل المحبة الذين قربهم وبكأس مودته أرواهم وبرضاهم عنه أرضاهم وتبجيلة حباهم وبمناجاته إصطفاهم فوظف ــ رحمه الله ــ أيامه ولياليه وجيع ساعاته أورادا صالجة من الذكر والفكر والصلوات والتلاوات بحيث لوفاته شيء لقضاه ولو شق مع اشتغاله عن ذلك ليس الا في خير خاطر مرض او غلبة نوم إذ لاشغل له غير ذلك لأنه قطع العلايق الدنيويه بالمرة والترهات البشرية وكل شيء يشغله إن ذكر الله ، قال يوما لبعض خواصه المريدين : يا عبد الله كل شيء شغلك إن الله فهو عليك مشؤوم ، كان ــ رحمه الله ــ تعالى إذا فرغ من صلاة الصبح يدعو الله بدعوات عميمة ويتلو الأسماء الحسنى تارة جهرا، وتارة مخافته ،ويصلي على ملائكة الله ويخص جبريل وميكائل و عزرائيل واسرافيل ،ويصلي على أنبياء الله، ويقول: الهي أجرنا من النار عشرمرات، ومن سخطك علينا، ومن كل قول يقربنا الى سخطك والنار ، ثم يقرأ تهليل القرآن ثم سورة يس وتبارك ، ثم ياخذ مسبحته ، وكانت من خشب فيسبح الله ويحمده ويهلله ويكبره ويحولق ويستغفر مائة مرة ويقرأ آية الكرسي مائة مرة وسورة الاخلاص مائة مرة ، ثم يستقبل التلاوة غيبا يأخذ ما كتب له ، وكانت التلاوة والذكر عليه سهلا ويسَّره الله عليه ، كان بعض اخوانه يحادثه في حاجة وهو يريد مسبحته ، فسأله من سأل ، قال : قرأت آية الكرسي مائة مرة ، وكان
يخير اخوانه من أوراده ليقتدوا به ، وكان يعتقد أن أعماله كزيوف فلا يزال ذاكرا تاليا حتى يرفع الضحى ، ثم يستقبل الوضوء ، وكان يتوضأ باليسير من الماء ، كانت له ركوة يغتسل منها ويتوضأ ، ويشرب ، وكان يعرض وضوءه على أكابر العلماء من أوله الى أخره ، ويقول: هل رأيتموني مخلاً فيه بواجب اوسنة ، فيقولون: هكذا وضوء رسول الله (ص) ، كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد ، فإذاهو في وضوئه تغير وجهه وكثر ابتهاله الى مولاه بالدعاء والتضرع بالمأثور، وسواه ، فإذا فرغ من وضوئه تشهد لله بالوحدانية ثلاثا ، ثم يقرأ ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) ثم يقول : أسألك تمام الوضوء وتمام الصلاة وتمام المغفرة وتمام الرضى ، ثم يقول :اللهم اغفر لي يا خير الغافرين، وارحمني يا خير الراحمين ، الحمد لله الذي خلقني فهو يهدين ،والذي هو يطعمني ويسقين ،وإذا مرضت فهو يشفين ،والذي يميتني ثم يحيين ،والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ، رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين ، واجعل لي لسان صدق في الاخرين، واجعلني من ورثة جنة النعيم ،واغفر لي ولوالدي ، كما ربياني صغيرا . (1/69)
وهو يروي ماقال عن رسول الله (ص) بإسناده الصحيح ، وماكان مأثورا في الوضوء وبعده ، ومن الصلوات فهو يفعله ويلاحظ عليه ويسأل عنه علماء الحديث ويباحثهم عن سندهم ، ثم يستقبل الصلاة في وقت الضحى في الحضر والسفر لايتركها فيما أعلم ، فيصلي أثنتي عشرة ركعة، في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وآية الكرسي مرة وسورة الاخلاص عشر مرات ثم بعدها صلاة التسبيح بالجرز، ويس، وحَم السجده، وحَم الدخان ، ثم لايزال قائما يصلى حتى تكون الشمس على الرأس ، ثم يدعو ويبتهل ويستغفر ، ثم يأخذ مما عنده من الكتب فيقرأ ما تيسر ، ثم يقيل يسيرا تارة مضطجعا، وتارة قاعدا ، وكان يقول : أصحابنا عندهم اعتقاد صلاة الضحى بدعة والصلاة خير موضوع ، وهذا وقت الغفلة اشتغال الناس بأسواقهم ومعايشهم ، وأنا أروي عن رسول الله (ص) أنه قال: ( ثلاث عليّ واجبة وعليكم سنة: الضحى، والاضحى، والوتر، ) . قال ــ رحمه الله تعالى ــ : ومن البعيد أن يكون ماهو واجب على حبيب الله ورسوله بدعة ، ثم يقوم عند الزوال يأخذ سواكه ويتوضأ ، وكان إناء وضوئه لايزال عنده في منزله ليلا ونهارا الا إذا كان يشمسه فعلى باب منزله وفوقه وموضع خلواته ، فيتوضأ كما مر ، وكان له قبقبان يغسلهما ويدخل بهما الى موضع صلاته ، ثم يصلي صلاة الزوال بحسن قنوت ويدعو فيهما ويتضرع ويبتهل ويستجير من النار ، ويروي فيها خبرا: أن النار تسعر في هذه الساعة فأكثروا عنده من الاستجارة بالله من النار، ثم يصلي بعد هذه الاربع ثمان ركعات ، ثم يؤذن إذا سمعه السامع ظن أعظاءه قد تقطعت من إعظام الله ، ثم يصلي ركعتين خفيفتين ، ثم يدعوا بين الأذان والاقامة بدعوات مخصوصة ، ثم يقيم الصلاة ويقوم بين يدي الله ــ تبارك وتعالى ــ ولجوفه أزيز كأزيز المرجل ، وهو يطرق ببصره مرة بعد مرة ، وكأنه شادية او أصل شجرة، فيتوجه بسكينة وخضوع واطراق قبل التكبيرة يعتقدها أخرصلاة يصليها ، كما قال (ص) : ( يا أنس صل (1/70)
صلاة مودع ترى أنك لاتصلى بعدها أبدا ) ، وهو يطرق ببصره نحو السماء بتحرير النيات المقربة الى الله تعالى ، مع ما خالطه من الهيبة لعظمة الله تعالى والخوف الشديد، كأنَّ قدميه على الصراط يريد الجواز، وكأنَّ النار قدامه يريد الوثوب عليها فيكبر تكبيرة جهرية يظن أن قلبه قد انصدع ،وصدره انشق من سمع تكبيرته المزعج قلبه وطاش لبه ، وقال: ــ سبحان الله ــ أين يستقيم هذا ر وحه مع هذا الخوف العظيم الباهت لمن رأه وسمعه ، فيقرأ : فاتحة الكتاب بتدبر وتفهم وترتيل وسورة معها ويركع بتعظيم وخضوع ويرتفع (1/71)
( ن : [ يقوم ] ) بسكينة، ويهوي بخشوع، ويسجد سجود من كأنه بين يدي المعبود ، ويسبح بترتيل ، يقف عند كل لفظة ، ويضع كفيه حذاء خديه ، كاشفاً لكفيه ، فإذا أتم صلاته وقعد للتشهد الاخير وأراد أن ينطق بالشهادة انضربت أعظاؤه، وتململت جنوبه، وكان يستقل من الأرض كأنه غصن شجرة في يد جاذب قوي يهزه، فينطق بالشهادتين بصوت خاشع يكاد ينفلق الصخر عند سماعه، فيسلم على السكينة والهيبة العظيمة فإذا نظرت الى وجهه عند فراغه فكأن وجهه طلي بالزعفران، ثم يمد كفيه ويبتهل بالاسماء الحسنى، ويدعو، ويتضرع الى الله، ثم يسبح التسبيح والتحميد والتكبير المأثور، ويقرأ آية الكرسي، وشهد الله الى آخر، الآية هكذا في ابتدا أمرة ثم بعد انتهائه إذا فرغ من صلاة الفريضة يبست أعضائه، وتقلصت شفتاه، ويخر مغشيا عليه ساعة وتارة ساعتين وتارة بين الصلاتين، فإذا حضره بعض اخوانه ربما نعشه وكالمه لكي يعقل عما كان فيه، فربما ينتعش، فيقوم، ثم يصلي السنة وبعدها صلاة كثيرة مأثورة الى زهاء خمسين ركعة ، فتارة يصل بين الصلاتين بالصلوات، وتارة يفتر قليلا قبل صلاة العصر ،وأكثر حالاته إحياء ما بين الصلاتين بالصلوات الطوال، ثم يصلي قبل أذان العصر أربع ركعات (1) في كل ركعة بالفاتحة وآية الكرسي وسورة الاخلاص ثلاث مرات، وهو يرويها: عن النبي (ص) ، وكان يحث عليها ،ويقول: ادخلوا في دعوة نبيكم (ص) حيث يقول : ( رحم الله من صلى قبل العصر أربع ركعات ثم يصلي العصر ) كما ( ن : [ على ما وصفته ] ) وصفت وفوق ما وصفت ووصفي دون ماحكيت ، وفي قلبه مما لا يحيط به الا الله ، وما حكيت الا قطرة من مطرة ولايعلم ذلك الا الله والراسخون في العلم { قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون } الآية (1/72)
__________
(1) ـ مأثورات يقري في الأولى بالزلزلة مع الفاتحة وفي الثانية بالعاديات وفي الثالثة بالقارعة وفي الرابعة بالهاكم ثم يؤذن كما ...... ثم يصلي أربع ركعات .
الكريمة ، ثم يبسط في الدعاء والثناء على الله تعالى ساعة ، وقد كان اخوانه يدخلون عليه بعد هذه الصلاة ، وكان يحب ذلك فيأخذ مسبحته بيده ويقعد بين أيدي اخوانه ويفاكهم ويساءلهم عن احوالهم ، ولسانه رطب عن ذكر الله وطرفه يطرق الى السماء للمراقبة في الخطرات واللحظات، ثم يزلجهم الى باب المكان الذي هو فيه مسجدا وغيره ويصافحهم ، ويقول : استغفر الله لي ولكم ولمن ذكرنا ، وقد أبرأت ذمتي يافلان وأنت يافلان يدعو كلا بإسمه من غير كني ، ويحب من يناجيه: بإسمه يا ابراهيم هكذا في كل موقف في الأغلب ، ثم يوصيهم: بالدعاء في الحياة وبعد الممات ويقول: يافلان قد جعلت لي شيأ من حسناتك قد وصلتني بشيء من صدقاتك فإني فقير ما أملك شياء وقد فزتم بالصَّدقات أيها المياسير علينا وعلى غيرنا ، ثم يستقبل الوضوء فيتوضأ قبل غروب الشمس بساعتين أوساعة، فيستغفر ماشاء الله ويوحد الله كثيراً، ويقرأ سورة الاخلاص مائتي مرة وآية الكرسي مائة مرة، فإذا غربت الشمس قال: غربت الشمس وارتفعت الاعمال وعظمت ذنوبي وعفو الله أعظم من ذلك ، ويستغفر الله له ولاخوانه ولكافة المسلمين خمسا وعشرين مرة يرويها: مأثورة عن الرسول (ص)، ثم يؤذن بأذان من سمعه وله قلب كاد يذهب عقله ، ثم يصلي المغرب كما مر ويحيي ما بين العشاءين بالصلوات المأثورة ، وهي موجودة في كتبه بخطه ، وكان يؤاخر صلاة العشاء حتى يذهب بعض الثلث الأول من الليل ، ولايتكلم فيما بين الصلاتين الا بمهم يفوت عليه فضله ، ثم يصلي العشاء الاخرة ويطول في قرأتها ويدعو بعدها طويلا ويفطر على حبات قليلة أو شئ يسير ، ثم يتوضأ ويستقبل الليل صلاة وذكرا ودعاء وتفكرا ومحاسبة لنفسه وتلاوة للكتاب العزيز بصوت حسن خاشع فوق المخافته ودون الجهر الكثير ، إذا تلاه غيباً رتله ووقف عند عجائبه، فإذاكان آخر الليل أوتر، وتعشا عشاه، وتوضاء، وصلى صلاة الإنتباه، ركعتين، ثم ركعتين، ثم أربعا، ثم ركعتين، (1/73)
كلها مأثورة: عن النبي (ص)، ولايزال في التضرع والبكاء حتى يطلع الفجر ، فإذا طلع صلى ركعتين خفيفتين بالفلق والناس، ثم يؤذن كما وصفت ، ثم يصلي الفجر، ويستقبل النهار بذكر الله وعبادته . هذا في سائر الأيام والشهور . (1/74)
وأمَّا شهر الله المحرَّم ورجب وشعبان وشهر رمضان الكريم فيلزم الخلوة في هذه الاربعة الحرم ويوظف فيها وظايف
منها لايتكلم فيها أبدا فيما عرفت وعلمت ، فإن كتب اليه في جاجة مهمة دينية جوَّب في ظهر ورقة اوفي عصى او في لوح لفظات يسيرة جوابا . ومنها لايدخل اليه من بني آدم احد والذي يأتيه بالوضوء والطعام يتركه على باب منزل خلوته المباركة أو يهيء في مكان للتجمير والتدفية، فينزل له في أي وقت أحب . ومنها أنه لايفرط في ساعات الليل والنهار بل اللحظة فيما أحب ، ويقطع علائق الكتب لاتقف عنده في هذه الخلوات، فيقرأ في كل شهر ستين ختمة (1) النهار ختمتين، وفي الليل ختمة قياما وتلاوة، ويضاعف الصلوات والاذكار التي في سائر السنة، فإذا خرج من هذه العكفة المباركة شاهدت نورا يلمع على وجهه ولو كشط لحمه لما ملأ الكفين والله أعلم ، ويكاد يدرك بياض العظم من رقة جلده ، وكنا نسمع ونرا في كتب العبادات عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ــ عليه السلام ــ أن أوراده الصالحة في اليوم والليلة ألف ركعة غير الاذكار وإملاء الحكمة، وكذا عن: زين العابدين على بن الحسين كان له خمس مائة نخلة يصلي عند كل نخلة ركعتين كل يوم ألف ركعة غبر التلاوة والاذكار ونشر العلوم . وكذا عن: عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن أبي طالب صلى الفجر بوضوء العشاء ستين سنة ، لإذا كان آخر الليل قال : الهي لم أعبدك حق عبادتك، لكني لم أشرك بك شيئاً ولم أتخذمن دونك وليا . وكذا عن: أبي حنيفة ــ رحمه الله تعالى ــ صلى الفجر بوضوء العشاء
__________
(1) ـ القرآن الكريم في كل يوم ختمتين وفي شهر رمضان عمت بركته تسعين ختمة .
أربعين سنة ، فإذا كان آخر الليل تمثل بهذا البيت: (1/75)
... ... كفى حزناً أن لا حياة هنيئة ... ولا عمل يرضى به الله صالح
مع كتب العلوم التى قال (ص) : سيأتي رجل من أمتي يقال له النعمان يحوز ثلاثة أرباع العلم ويشارك الناس في الربع الاخر، وكذا عن: أصحاب رسول الله (ص)، وعن التابعي: كالحسن البصري، ومالك ابن دينار، وسفيان الثوري، وبشر الحافي، وتابعيهم كالجنيد، والبسطامي، وغيره وغيرهم ، وروايتهم في حلية الابرار في خزانة الكينعي، فإن قال قائل : أنى يتهيءهذا العمل الكثير في هذا الوقت اليسير والساعات اليسيرة لهذا الرجل وهاؤلاء السادة ، قلت : إن ذلك يسير على من يسره الله عليه لقوله تعالى: { والذين اهتدوا زادهم هدا وأتاهم تقواهم } ولقوله تعالى: { والله يضاعف لمن يشاء } ـ والخير عادة ، قاله (ص) وروي أن رجلاً صالحاً من أهل صنعاء في زمان الهادي ـ عليه السلام ـ رءا النبي الخضر ــ عليه السلام ــ في جامع صنعاء في غربي مؤخر المقدم ، فقال له: أنت النبي الخضر ؟ فقال له : نعم ، فقال : أدع الله لي فقال: يسر الله عليك طاعته ، فقال له : زدني فقال : ما أجد زيادة .
رَوَى لي بعض اخوان سيدي ابراهيم الكينعي ــ رضي الله عنهما ــ ، أنه شاهد ابراهيم صلى الشعبانية مائة ركعة بين العشائين ، وكانت الصلاة والتلاوة عليه سهلة يسيرة ، وكان ذلك دأبه يصليها بين العشائين في كل ليلة من الثلاثة الاشهر: شهر رجب، وشعبان، ورمضان ، حكى لي هذا اخوه حسن بن موسى قلت له يوما : إني يتهيأ لك هذا الختم وقد قال (ص): من قرأه في دون ثلاثة أيام لم يفقه ؟ فجوَّب عليَّ بجوابين ، أحدهما أن الله سهل عليَّ ذلك وأجد خفة في لساني في الصلاة والتلاوة ولا أجدها في سائر الكلام ، والثاني لو أتدبر كتاب ربي لما استطعت أمر بآية وعيد .
نكته في كيفية صلاته
... ــ رحمه الله تعالى ــ قال لي يوما : كيف أنت تقرأ فاتحة الكتاب قلت:اسمع مني فقرأتها عليه .. الخ ، وقصدي أنه قصد كوني لا ألحن في قرأتها ، فتبسم وملا عليَّ وقال : إن فاتحة الكتاب هي أم القرآن ، والسبع المثاني ، والشافية ، وسورة الشفاء ، وأهل الصدق والوفاء يقرأونها باللسان ويتدبرونها بالقلب ، قلت : أفدني جزاك الله عني خيرا ، فشخص ببصره نحوالسماء مرارا لتحرير النيات وإخلاصها لله ــ تبارك وتعالى ــ ، وقال : إذا ابتدئت فاتحة الكتاب وقلت : بسم الله الرحمن الرحيم أخطرت بقلبك أنك تبتدئ به في صلاتك ، وقولك ، وعملك ، ونيتك ، وموتك ، وحياتك ، ودينك ، ودنياك ، وكل أمرك ، فإذا قلت : الحمد لله أخصرت بقلبك حمداً، كثيراً، طيباً، مباركاً فيه ، رب العالمين ،كان ولاشيء، ثم خلق العالم لحكمته ورحمته وقدرته وإظهار حججه لالحاجته ووحشته من غير حاجة اليه ، ثم يفنيه ويبقى وحده الرحمن التي وسعت رحمته الدنيا والاخرة رحمن الدنيا، ورحيم الأخرة <مالك يوم الدين > مالك: التصرف ، { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار } يوم الدين: يوم الجزاء < إياك نعبد >: يا من هذه صفته أي يارب، يارحمن، يا رحيم، يامالك يوم الدين، < وإياك نستعين > : نطلب منك المعونة على عبادتك وتأدية فرائضك على ما ينبغي لك، وعلى صغير أمرنا وكبيره، وديننا ودنيانا ،وكل مثقال ذرة من أمرنا كله لانطلب معينا سواك ، < إهدنا >:دلنا ووفقنا وأرشدنا ، < الصراط المستقيم >: الدين القويم الذي تحبه وترضاه وترضا به عمَّن أتاك به ، < صراط الذين أنعمت عليهم >: من ملائكتك وأنبيائك وأوليائك وخاصة خدامك، < غير المغضوب عليهم >: من الكافرين، الفاسقين، وأهل البدع والاهواء، والضلالات المضلة، < ولا الضالين > : من اليهود والنصارى والمجوس ، فلمَّا فرغ حار فكري ، فقال : فكيف تسجد وتركع ؟ فقلت : تكليفي دون هذا ، وقد ستره ــ تبارك وتعالى ــ علي وجهل الناس بعلم (1/76)
الغيب من نعمة الله ، فلو أطلق عنان فكره لضاقت عليَّ حُبِك النطاق ، ولكن رآي همتي كليلة وعزيمتي ذليلة . قلت له يوما : هل تذكر شيأ في صلاتك ؟ فقال : وهل شيء أحب اليَّ من الصلاة فأذكره فيها ، يا يحيى: إذا دخلت في الصلاة فريضة او نافلة نسيت الدنيا وأهلها ومهما كبَّرت في الصلاة فكأنها تكبيرة على ميت ، وأين نفسي والدنيا وما فيها . وهذه الكرامة الكبرى والشرف ، والله الا سنى التى عجزت عنه الصحابة والتابعون والاولياء والصالحون ، وهي عنوان كراماته وتاج فضائله . اطلت معه يوما الجلوس ، فقال : نقوم الى مهرتنا ، يعني الصلاة ، قد صارت مهرة والا فلسنا نؤديها كما ينبغي ، وما معناه هذا ، قلت إن صلاتك حسنة ، قال : أين هي من صلاة حاتم الاصم ؟ هل وقفت عليها ؟ قلت نعم . قال : فما قال رسول الله 0 (ص) لأنس ؟ صل صلاة مودع ترا أنك لا تصلي بعدها، واضرب ببصرك الى موضع سجودك ، واعلم بأنك بين يدي من يراك ولا تراه ، قلت : أفدني جزاك الله خيراً ، فقال ينبغي للمصلي أن يطهَّر قلبه كما يطهَّر ثوبه ، ويحظر باطنه كما حظر ظاهره ، وينعث قلبه ويبحثه ، ويشعره ويزجره بأنه بين يدي من لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ولاما تجنه الصدور ، ويخص صلاته بقرأت ، قل: أعوذ برب الناس ، فيتوجه بتعبد وتدبر ويكبر بإجلال وتعظيم ، ويقرأ بتفهم وتضرع ، ويركع بلين وتعظيم ، ويسجد بخضوع واعتراف بالعبودية ، خجل من مولاه الذي هو مطلع على قلبه ، أفاً سمعت يافلان ما قال العالم الوافد ؟ قلت أفدني وأجرك على الله تعالى قال : قال : الصلوات مواصلة، ومضافاه ومناجاة، ومداناة، المصلي يقرع باب الله، وهو قائم على بساط الله ، الصلاة صلة بلا مسافه، وطهارة كل خطيئة ، وليس للمرء الاماعقل من صلاته ، ولاترفع إذا غفل عن مناجاته قال الله تعالى: { لا تقرَّبوا الصَّلاة وأنتم سكاري } قيل: سكارى من حب الدنيا وشغولها ولهذا ترك أولياء الله الدنيا (1/77)
لتفريغ قلوبهم لمناجاة الله في صلاتهم . قال ثابت البناني ـ رحه الله تعالى ـ :كابدت الصلاة عشرين سنة، وتنعمت بها عشرين سنة ، وسمي المحراب محرابا لان المصلي يحارب نفسه وشيطانه ودنياه ، وقال بعضهم : يحشر الناس على قدر هيئاتهم في الصلاة من الطمأنينة والهدوء والسكينة ، وقال بعضهم ـ ذكره في قوت القلوب ـ: المصلي كالمصطلي بالنار، فإذا صلي العود بالنار صلح بالمصلي يصلي بنار السطوة الالهية والعظمة الربانية ، قيل إذا التفت المصلي ، يقول الله تبارك وتعالى : أقبل ياعبدي فأنا خيرلك ممن تلتفت اليه ، تعالى الله علوا كبيرا ، ما أرحمه بعبد السوء وألطفه ، أوما وقفت يا فلان: على مال الحسن البصري ــ رحمه الله تعالى ــ ، ماذا يعز عليك من أمر دينك إذا هانت عليك صلاتك ، أوحى الله تعالى: الى نبي من أنبياه ــ عليهم السلام ــ : إذادخلت في الصلاة فهب لي من قلبك الخشوع، ومن بدنك الخضوع، ومن عينيك الدموع ، وانظر الى قوله (ص) : الصلاة كالميزان والمكيال ، وقد سمعتم ما قال الله تعالى: في المطففين وقوله: { وزنوا بالقسطاس المستقيم } وروي: أن الحسن البصري رأه صديق له في المنام قال ما فعل الله معك ؟ قال الحسن: أقامني بين يديه وقال لي: ياحسن أتذكر يوم كنت تصلي في المسجد إذ رمقتك الناس بأبصارهم قردت حسنا في صلاتك ، فلو لا أن أوَّل صلاتك لي كان خالصا لطردتك اليوم من بابي ولقطعتك مرة واحدة فلما فرغ من كلامه سقط مغشيا عليه وأسفت إذلم يستتم ما في نفسه فلم يزل مغشيا عليه طويلاً . قال يوماً: انظر الى هذين البيتين ما أحسنهما فأعطاني قرطاسا وقدكان ــ رحمه الله ــ إذا أعجبه شيء كتبه أو علمه فإذا دخل عليه أحد من اخوانه أهدا اليه وحرَّر النية عند الاعطا بنفسي من شفيق وحبيب فيه: (1/78)
... ... ... أقرع الباب ونادي ... يالطيفاً بالعباد
... ... ... أنا عبد وابن عبد ... والى الحفرة عاد
... ... ... ليس لي زاد ولكن ... حسن ظني فيك زادي (1/79)
... كنت معه في سفر مكة فرصدت أوراده الصَّالحة في اليوم مائة وعشرين ركعة: فيها ما يقرأ فيه بالسبع المنجيات: والبقرة، وآل عمران، وسورة الأنعام، وصلاة التسبيح وقت الضحى مرة، وبعد الظهر مرة، وفي الليل مرة، وبين العشائين خمسين ركعة ،واما صلاة الليل فإنه يقوم الليل كله وأنا أرقد الليل كله ، وكان يقول: صلاة العشائين ناشئة الليل، وهي صلاة الاوابين، وهي صلاة الذين تتجافا جنوبهم عن المضاجع ، ويروي فيها أخبارا جمة ، وعلى الجملة أن كل صلاته وأذكاره مأثورة وكلما روي: عن النبي (ص) من صلاة، وذكر، وتسبيح، ودعاء، حصل معة النهمة العظيمة حتى يفعله ويجعله له وردا ، وكان يقرأ آية الكرسي بعد الفجر مائة مرة، وسورة الأخلاص مائة مرة ، وروى لي الثقة، أنها ألف وقبل المغرب آية الكرسي مائتي مرة ، ويحاسب نفسه قبل المغرب، ويبكي بكاء عظيما مستمرا في سفره وحضره ، فإن لم يبك أصبح من الغد مريضا متألما غير نشط على أوراده ، وكنا نفهم ورد البكاء فنقوم عنه ، ولابَّد من هذا الورد في السفر والحضر وإذا فاجأه البكاء ونحن معه إبتل رداءه وموضع سجوده ، وكانت معه حجر صغيرة إذا غلبه النوم اتخذها تحت خده ظناً مني والله أعلم.
... قال له بعض اخوانه : ياسيدي أن في قلبي قسوة ، وإذا دخلت في الصلاة كأني في السوق لاأعقل ما أصلي ، فقال ــ رحمه الله تعالى ــ : يافلان تعوذ بالله من الشقاوة ، اليس الله يقول: { قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون } ولم يقل: غافلون ، وقال (ص) : ( ليس لك من صلاتك الاماعقلت ، وإن أحدكم ليكتب له من صلاته: ربعها، سدسها، عشرها، يكتب له ما عقل، لاما عنه غفل ) ، لكن خالطك دآن عظيمان ، أحدهما اشتغالك بالدنيا وفضلاتها وفضولها فتأتي الى الصلاة بعد هذا الشغل وتجعل صلاتك كقدح الراكب ، كما روي عن بعض الصالحين قال لاخوانه : أراكم تجعلون عمل الدنيا مقدما موفرا ،وعمل الاخرة منقوصا مؤخرا ،وقد قيل من سهي في وضوئه سهى في صلاته ، وإذا لم تهب الملك الذي تقدم عليه، وتطلب رفده، وتناجيه بقلب حاضر مقتك ، المصلي يقرع باب الله وهو على بساط الله ،والله مطلع على حركاته وسكناته وضمير قلبه ولمحات طرفه ، عجب لغافل غير مغفول عنه ، الداء الثاني ، تأتي الى الصلوات وبطنك شابع ولست بجائع ، وقد قال (ص): (1/80)
( من ملأ بطنه من الطعام فقد الخشوع ) ، ولهذا قال النبي داود ـ عليه السلام ـ : لأن أترك من عشائي لقمة أحب الي من قيام عشرين ليلة ، يافلان: مثل القلب مثل الجوهرة الشفافة فإذا أضيف اليه ما يوافقه من الخشن القليل كان له كالصقال ، وإذا أضيف اليه الدسم والزهم والكضة وسددت عليه الحواس أيان يعقل ويصطقل وبالله يشتغل هيهات ..هيهات ، أما سمعت أمير المؤمنين ــ كرم الله وجهه ــ في الجنة : العبادة حرفة آلتها المجاعة . وقال النبي (ص): ( لكل شيء باب وباب العبادة الصوم ) . وقال (ص) ( ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطن ) . وقال: ( ماشبع محمد وآل محمد من طعام حتى لقي الله تعالى ) . وقال : ( إن من كان قبلكم يعرون بعرا وأنتم بثلطون ثلطاً فأتبعوا الحجارة الماء ) . وقال: (ص) ( لخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك ، ونوم الصائم عبادة وصمته تسبيح ،وعمله مضاعف ودعائه مستجاب ) أ ق. (1/81)
سمعت ما قال العالم للوافد ــ عليهما السلام ــ لما سأله عن الخشوع ؟ قال العالم : أكثر الصيام تسلم من الاثام ، أقل من الطعام تشتق الى القيام وتخشع جوارحك للعزيز العلام ، من شبع من الطعام غلب عليه المنام وقعد عند القيام ، الشبع يظلم الروح، ويترك القلب مقروح ، الشابع يفقد الخشوع، ويذهب عنه الخضوع، ،ويحرص بعد القنوع ، الجائع عفيف خفيف ،والشابع عاكف على الكنيف ، الشبع يصيب منه الوجع، ويذهب الورع ،ويكثر الطمع ، الصوم في الفواد نور، وفي المعاد سرور ، كم من طاعة نبغت عن مجاعة ،وكم من جوعة أتت بخير بضاعة ، يافلان: الجهادَ الجهادَ ، فما سمي المحراب محرابا الا أنه موضع حرب النفس والشيطان { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } ، فالنفس لا تنقاد الا بالرياضة التامة مع رواض جريت ، وقال بعضهم : معاشر المريدين: لا تأكلوا كثيرا وتشربوا كثيرا وتحسدوا كثيرا , وقال بعضهم : النفس تطلب يوما تسهل فيه الطاعة وذلك يوم لم يخلقه الله . وقال بعضهم :ماشبعت يوما قط الا عصيت او هممت ،اوتعرف يافلان: كيف نية الصوم ، أما سمعت ما قال الجنيد ــ رحمه الله تعالى ــ يجعل أحدكم مابينه وبين الله مخلاة من الطعام ،ويريد أن يجد حلاوة المناجاة ، هيهات . قال: صف ــ وبالله التوفيق ــ قال نية الصوم الأمساك عن المطعومات ليميت به دواعي الشهوات ،ويحفظ به جوارحه الست ، هي السباع في الوثبات ، يغض بصره، ويحفظ سمعه، ويحبس لسانه ، لأنه الكلب العقور من الغيبة والنميمة وأذا المسلم ، ويحفظ قلبه من الاشر، والبطر، والرياء، والسمعة، والتزين للخلق، والمباهاة، والترفع، والأزدراء بالمسلمين، والحسد، والحقد ، ويحفظ يديه ورجليه وبطنه عن تناول الحرام والشبهة ،ويستحب له أن يصبح كحيلاً دهينا ليبعد عن الرياء لأن ذبول الشفاه واسراج العيون يعتري الصيام وبأظهار ذلك ومحبة ذكره يكون رياء فيجهد في إخفاء ذلك . وقال بعض العارفين الراسخين : إخفِ حسناتك (1/82)
كما تخفِ سيئاتك . (1/83)
... فلما انتهى كلامه: لاخيه: انتحب بالبكاء طويلا ثم مد يده وابتهل الى الله تعالى، وقال: الهي: قد ضمنت لصاحب المصيبة في الدنيا العوض والثواب، فإن رددت علينا أعمالنا لعدم الاخلاص لوجهك وكما ينبغي لك فلا تحرمنا أجر مصيبة الرد والطرد يا معروفا بالمعروف، ياذا الجلال والإكرام ، وصل على محمد وآله وسلم .
... ومن أوراده الصَّالحة: ... التفكر
في آلاء الله ومخلوقاته ،وفي زوال الدنيا وأحوال الاخرة ، كان له ورد في التفكر ، ورد بالنهار وورد بالليل فيعمل معه التفكر مالايعمله العمل من الثمول والذهول وتتابع الزفرات ،وهو داعي البكاء والعويل والحزن الطويل ، وقف على كتاب: ( العبر والاعتبار في مصنوعات الجبار ) للجاحظ فازداد خوفاً وعلماً ، لكنه كاد أن يذهب عقله فرفعناه عمه وغيَّبناه منه ، دخلت عليه يوما وهو مغشي عليه فرفعت رأسه الى حجري وفاتحته الكلام، فانتعش وقال: هاك هذا القرطاس اقرأه فأخذته من يده المباركة وقبَّلتها وقبَّلت القرطاس تعظيما ، وإذا فيه ما نسخته بخطه : حسبي ربي ونقل من التصفية للديلمي عن بلال أنه قال: أذَّنت أيام رسول الله (ص) لصلاة العتمة، وانتطرت خروج رسول الله 0ص) فلم يخرج من الدار، فدخلت عليه فوجدته ساجداً ويسيل من دمعه نهر فقلت: يارسول الله، الصلاة فرفع رأسه من السجود ، فقلت: بأبي وأمي أنت يارسول الله أشر أصابك ؟ فقال: نزل جبريل وقال لي : يامحمد: إن صلواتك، وصومك، وحجك حسن، ولكن انظر بعين العبرة الى القدرة الى السماء مع طوله وعرضه وغلظة وتأليفه وهو معلق بلا علاق ولاعمد ، فانظر بعين العبرة الى قدرتي ، فتفكر ساعة في هذا أحب اليَّ من عبادة العباد ألف سنة ، وفيه: الفكرة مخ العقل ، وفيه: الفكرة تذهب الغفلة وتحدث الخشية كما يحدث الماء الزرع والنبات ، ما استنارت القلوب بمثل الفكرة ،ولاجلبت بمثل الأحزان ، وفيه: إنما فضل الفكر على سائر العبادات
بثلاث: أولها: أنه من أمر الغيب ،وذلك غايه التصديق ، وثانيها: أنه لا يحسد صاحبه، ولا يدخل رياء وذلك غاية الإخلاص ، وثالثها: أنه لاسبيل للشيطان عليه وذلك غاية السلطان . (1/84)
وفتح يوما كتاب التصفية للديلمي ــ رحمه الله تعالى ــ وقد علَّمه بخيط من صوف ، قال : فائدة شافية كافية ، اعلم أن التفكر على خمسة أوجه: الاول: في صنع الله وعظمته وقدرته ، فمنه تتولد المعرفة ، الثاني: في نعمائه وإحسانه ، فمنه تتولد المحبة ، الثالث: في وعده ووعيده وشدة انتقامه فمنه يتولد الخوف والزهد والورع وترك الإشتغال ، الرابع: في إلطافه وحسن صفاته وارادته لصلاحك ورشادك، فمنه يتولد الرجاء والرغبة والمواضبة على ما يقرب اليه ، الخامس: التفكر في سوء أدب نفسه، وهتك حرمات ربه، وقبح معاملته إياه ، فمنه يتولد الحياء وذلة النفس ، فقال: أكتب في الحاشية ، يالهامن كلمة شافية موقظة .
سرت معه الى خبان مدحج لزيارة الاخوان ثمة، فانتهينا الى فوق هجرة الاخسى ببني قيس تحت عرقة شاهقة فاستقام مبهوتا ، فبهت .حزراً عليه من التردي في ذلك الشاهق، فوثبت عليه أنا وأخ لنا أسكناه فقال : تقولون: ممَّ خلق الله هذا الجبال والصخرات الصم ؟ ثم ارتعش مليا وغشي عليه ، ثم أفاق وقال: : سبحان من خلق هذا الجبال من عدم وعلى غير مثال ، ثم قال: ( قتل الإنسان ما أكفره ، من أي شيء خلقه ) . ثم قال: الذي خلقها سودا وغبرا يجعلها جوهرا شقافا ، كما روي: أن حصباء الجنة من در وياقوت ، فسبحان من أحاط بكل شيئ علما، وأحصى كل شيء عددا، ولم يعجل على من عصا، وستر على من غفل وجهل بالمولى. ثم قال: ــ رضي الله عنه وأرضاه ــ ذكر الرازي في مفاتيح الغيب أن غلظ الأرض خسمائة عام، وبينها وبين الأرض الثانية خسمائة عام، والثالثة كذا، والربعة كذا، والخامسة كذا، والسادسة كذا، والسابعة كذا ، والسماوات كذا بين الأرض والسماء خمسمائة عام، وغلظها خمسمائة عام، وكذا الثانية، والثالثة، والرابعة، والخامسة، والسادسة، والسابعة ، ثم قال: والحوت الذي أقسم الله به: { ن والقلم وما يسطرون } ، لو أدرجت السموات السبع والأرضون السبع في أحد منحريه ما تبرم بهنَّ ، فنطر الينا قد بهتنا من جهلنا وغفلتنا ، فقال : الذي خلق هذه الجبال من عدم قادر أن يجعل منها روجا ، ثم قال: إنَّ هذا الجبل من عدن الى مكة يسمى: في العراق جزيرة اليمن لأن البحر من جميع جوانب هذه الجزيرة من عدن الى مكة الى الشحر الى تهامة . ويحكى: أن بحر عدن وبحر هرمون كالكمَّين للقميص والله أعلمَ ، ثم قال: قيل: أن لارضين السبع بجنب سما ء الدنيا كحبة خردل ، ثم السماء الدنيا تحت الثانية كريشة في فلاة، والأرضون السبع والسموات السبع بجنب العرش العظيم كخاتم في أرض فلاة ، قال :وذكر في الثعلبي في قوله تعالى: { ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية } قال: على صورة الوعول ما بين (1/85)
ظلفه الى ركبته خفقان الطير المسرع ثمانين ألف عام ، فما قمنا من ذلك المقام الا وقد أنقطعت أوصاله من تململ أعطائه ،وما سرنا الأ ورجلان منا يمسكان بيده ، وقال يوما: في معنا قوله تعالى: { وفي أنفسكم أفلا تبصرون } ، يابن آ دم: سافرت المشارق والمغرب لتعرفنا، فلو سافرت في يفسك لوجدتنا في أول قدم درت البلاد تطلبنا، ونحن اليك أقرب من حبل الوريد . ونحن معكم أينما كنتم ، وأنشد بعض أهل الكمال: (1/86)
ذومن عجب أني أحن اليهم ... وأسأل عنهم من أرا وهم معي ...
وتطلبهم عيني وهم في سوادها ... ويشتاق قلبي وهم بين أضلعي
... وأفكاره ــ رحمه الله ــ عجيبة، ونتائجه غريبة، وعلومه باهرة، وحكمه ظاهرة قال (ص) : ( من أخلص لله أربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ) ، فكيف من أخلص لله عمره وهو خمسون او ستون سنة ، ومن هاهنا أقف على الاختصار وأفر ش الاكثار لأن فوائد أفكاره المباركة تأتي مجلداً كبيراً والله أعلم .
... ومن أوراده المباركة: الصيام حبب اليه الصيام والقيام حتى لقيَّ الله تعالى وكان إذا سئل بالله ليفطر تكرمة لأخيه في الله أفطر، وتغيرت حالته وانكسر قلبه، وجدد الطهارة لكل صلاة، وقال: كل هذا من بطني ، وسمعته يوما يقول: لو وجدت رخصة في أيام التشريق لصمت ، قال له بعض اخوانه : أما أنا فان الصوم يشق بي ، سبحان الله أليس الذي أنت تأكله بالنهار تأكله في الليل وتنال درجة الصَّائم الذي ليس له جزاء الا الجنة كما في الخبر ، كنت معه في سفره الى خبان مذحج لزيارة اخوانه فسرنا الى بلد يقال لها دمت وبالقرب منه عين عينا حارة يقال لها: بريد وهي آية من أيات الله تعالى جبلا شاهقا على شكل القدر، فطلعنا الى أعلاها ، فأشرفنا عليها وهي تفور وتغلى وزوَّها يأخذ الوجه واستدارة الماء في رأس الجبل قدر المرحام قيل: أن الطير إذا مر عليها سقط فيها ، وينبع من عروق من هذا الجبل عيون كثيرة تفور وتغلي وإذا وضع الانسان يده او رجله رفعها سريع من شدة حر الماء والزمنى والمرضى يقصدونها ويتحممون فيها فوقفنا معه ثلاثة أيام نشاهد هذه الآية العظيمة ونغتسل فيها مراراً ، فطلعنا الى أسفل خبان، فأصابنا العطش، وربما خف علينا العشاء فقلنا تحت الشجرة ففتح لنا بشيء من الخبز والماء البارد، فعولنا عليه كثيرا لأجل الحمى الذي اعترانا فما ساعدنا بل قال: عرضت على نفسي الوان الطبايخ هذه الساعة حتى الزبرناخ، والوان الفواكة، والوان الطعام والشراب، فما رغبت في شيء مرة واحده فالحمد لله ، وقصده والله أعلم خفف علينا اشتغالنا بحاله . (1/87)
روى لي يوما: ان طفلة خرجت من بيت قوم صالحين، فرأت رجلاً يأكل بالنهار في غير شهر رمضان فقالت لأهلها: إني رأيت رجلا يأكل بالنهار لعله: يهودي فقالوا لها مهلاً نستغفر الله العظيم ، انكرت الطفلة ذلك لأن أهلها لا يفطرون في النهار بل يصومون الدهر ، ولم يضفها الى اسم رجل ولا الىكتاب لأنه رحمه الله تعالى كان ما يروي شيئاً إلاّ يسنده إلى رجل أو كتاب فظنت (1/88)
ــ والله أعلم ــ أن الطفلة من أهل بيتهم كما مره في فضلهم وزهدهم . سمعته ــ رحمه الله تعالى ــ يقول : قال (ص) : ( من صام لله يوما محتسبا بعده الله من النار خمسمائة عام ) ، وقال لي يوما : يا يحي كم من مرة اسابق الفجر على عشاي ، وقد ظهر لي أنه طوى مرة ثلاثة أيام ومرة خمسة أيام لا يذوق فيها طعاما ولا غيره لمسابقته لطلوع الفجر كما قدمت ، وقال لي يوما : كان سهل القشري يطوي نيفا وعشرين يوما لاياكل فيها قال: واقسم عبد الواحد ابن زيد ــ رحمه الله تعالى ــ بالله أنما طافا الله عبداً عباداً الا بالجوع، ولا والا هم الا بالجوع، ولا طويت لهم الأرض الا بالجوع، ولا مشوا في الهوا الا بالجوع ، قال: وذكر ابو طالب المكَّي في ( قوت القلوب ) مثل البطن مثل المزهر ـ وهو العود المجوف ذو الاوتار، وإنما حسن صوته لخفتة ورقتة وخلاء جوفه ، فكذلك الجوف إذا خلا كان أعذب للتلاوة، وادوم للقيام، وأقل للمنام ، وقال: روي: أن عيسى ــ عليه السلام ــ قعد يناجي ربه ستين صباحا ماطعم فيها شيئا فخطر بباله الخبز، فانقطع عن المناجاة ،وموسى ــ عليه السلام ــ لما ترك الاكل أربعين يوما قربه الله نجيا ، وجد في مسوداته بعد موته قال: فصل من كلام أهل الأشارة . قال: سئل يحيى بن معاذ عن الصوم فقال: الصَّوم ، فقال: صوم العامة عن الطعام والشرب، وصوم الخاصة صوم العبودية، فيفطرون بذكره من حلاوة الخدمة ،ويجلسون على مائدة النعمة ،ويأكلون من ثمار الحرفة ،ويشربون من عين المحبة
،ويقومون بشكره، وينامون بأنسه ، ويستضيئوا بضوء التوفيق ، ويتسحرون بالشوق ، ويصَّلون ركعتين ركعة من خوف القطيعة، وركعة رجاء الوصلة ، ثم يسلمون على أيمانهم بالانقطاع عن الدنيا وعن شمائلهم بالانقطاع الى الآخرة ، ثم يقولون: لبيك من نفسي وروحي ، لبيك من قلبي وعقلي ما دام ا لروح في جسدي ، فإذا كان ذلك فهو من أهل هذه الآية قوله تعالى: { والذي هو يطعمني ويسقيني وإذا مرضت فهو يشفيني } من مرض القطيعة برجاء الوصلة أي يطعمني من حلاوة الخدمة ، ويسقيني من عين المحبة ، ويشفين من مرض القطيعة برجاء الوصلة ، وأراني في كتاب قد علمه ، قال: أبو سليمان الداراني : مثل الجوع مثل الرعد، والقناعة مثل السحاب، والحكمة بالمطر ، الى غير ذلك من فوائد علمة ، وأوراده الصالحة على الجملة من ما قربة، أوطاعة، أو عمل صالح مأثور عن الأنبياء والأولياء والصالحين إلا عمل به واتخذه في أوراده وشيء من عبادات الملا ئكة ــ عليهم السلام ــ وتسبيحاتهم ، وأذكارهم، دخل عليه رجل يوما من اخوانه فعظَّمه وقال: عليَّ لهذا منة أهدى الي فضل صلاة أربع ركعات فبل العصر فأنا أسميها صلاة فلان فأدعو له فيها ، وأمَّا إخلاصه في طاعة الله وهي ظاهرة ، وزهده في الدنيا والاخرة أورثه الاخلاص الخاص ، كما قال (1/89)
ــ رحمه الله تعالى ــ : لو لم يخلق الله جنة ولا نار أليس يحق له أن يعبد ، بلى وعزَّتة وجلاله . أملى عليَّ يوما: من أقبل على الدنيا أحرقته نيرانها من الحرص والشغل والغفلة وغير ذلك، فصار رماداً: ومن أقبل على الاخرة أحرقته نار الخوف فصار سبيكة ينتفع بها ، ومن أقبل على الله أحرقته نار التوحيد ونار المحبة فصار جوهرة نفيسة لا قيمة لها ، وقال: أظنه رواه: خبراً: ( أن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وقوما عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار ، وقوما عبدوه تعظيما لجلاله وتقديسا لذاته فتلك عبادة الابرار ) ، وقال له بعض اخوانه: إن صلاة الجماعة فيها الفضل كما تحقق عظيم فجوَّب عليه جواباً مختصراً : وأيَّا عندك أفضل الوقوف مع العبيد اومع الملك فندم ذلك المتكلم ، وقال لي يوماً: أكتب هذه الكلمات في مختصرك ( تذكرة أولي الالباب ) : ما أتاك من الدنيا فلا تفرح به: وما فاتك فلا تحزن عليه ، واجعل همك لما بعد الموت ، هذه الكلمات لعلي ــ عليه السلام ــ ، فقال الفقيه ــ رحمه الله تعالى ــ هذه التي بعدها تريد، وأملي علي يوما من خط يده المباركة ، قال: المخلص العارف أن يكون غذاؤه ذكر الله ورأس ماله اليقين بالله ، ومطيته الهيبة من الله، ولباسه تقوى الله، وتحريكه التفويض لامر، الله وعزمه التسليم الى الله، ومهنته التعظيم لله، فهو محبوس في سجن الرهبة مقيد بالحياء ، متنعم بالمناجاة ، قد أمرضه الشوق ، وأشغفه الحب ، له ورع لا يشوبه طمع ، ويقين لا يشوبه طلب ، وأنتباه لا تشوبه غفلة ، وذكر لا يشوبه نسيان ،وعزم لايشوبه عجز ، وعلم لا يشوبه جهل ، ودعاء لا تشوبه فترة ، فعليك بهذه الطريقة فالزمها ، وأقبل عليها بقولك، وفعلك، وسرك، وجهرك، وسمعك، وبصرك، فإن الخير والبركة بحذافيرها لمن سلك هذه الطريقة ، فمن صبر عليها أربعين يوما إتقد في قلبه مصباح النور، وانفتح له عينان في قلبه يبصر بهما الى أحوال الدنيا وأحوال الاخرة (1/90)
وعلوم الملأ الأعلى ، تم كلامه ــ رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه ــ ، وكان في ابتداء أمره يخفي أوراده وأقوله وأفعاله ، فلما عرف المولى، وأنس بجلال الله، واستغني به عما سواه، كان ظاهره وباطنه كشيء واحد، لمقصود واحد، لمعبود واحد، لمالك واحد، لرازق واحد، لمنعم واحد، على مأدبة واحدة، في مملكة واحدة، لمعز واحد، لمذل واحد، لموفق واحد، وهو لكل شيء واحد ، فرآ ما لم ير، وسمع ما لم يسمع ، ولله القائل: (1/91)
... وإن لربي صفوة من عبيده قلوبهم في روض حكمته تجري ...
... وأبدانهم قداسكنت حركاتها ... لما في صدور القوم من خالص السر
... تراهم صموتا خاشعين لربهم ... وأنفسهم مجموعة الهم والفكر
... صفوافد نواثم استقرت قلوبهم بحيث يرون الغيب بالغيب كالجهر
... فهم حجج المولى على الخلق كلهم لدعوتهم تهمي السحائب بالقطر
... كساهم إله العرش من نسج وده ... وأغناهم طرا عن القصد للغير
... يضيء ظلام الليل حسن وجوههم ... فأنوارهم تربو على الانجم الزهر
... وجدة بخط يده المباركة ما نسخته : حسبي ربي وكفى ، قال شقيق ابراهيم البلخي ــ رحمه الله تعالى ــ : حصن العمل ثلاثة أشياء: الأول: أن يرى العبد أن القوة على العمل من لطف الله وتوفيقه ليكسر به العجب ، الثاني: أن يبتدي عمله بالاخلاص ليكسر به هواء النفس والشيطان ، الثالث: أن يبتغى ثواب العمل من الله ليكسر به الطمع من الناس ، ولا يحكم ذلك الا بشيئين أحدهما: أن يعرف قطعاً أن أهل السماوات والارض لو أرادوا أن يزيدوا في رزقه حبة خردل أو ينقصوا اويقدموا قبل وقته او يؤخروه لم يقدروا على ذلك أبدا ، الثاني: لو اجتمعوا على أن ينزلوا به مكروهاً لم يرده الله لم يقدروا على ذلك او يدفعوا عنه مكروها أراده الله تعالى به لم يقدروا .
... وقال بعض أهل الكمال: ينبغي للمؤمن أن يأخذ الادب في أخلاص أعماله وصلواته كالراعي للغنم يصلى عندها لا يطلب من غنمه حمدا ولا ذما ولا منفعة ولا يخشى مضرة . (1/92)
... ووجدت بخطه قال: الوافد للعالم من أهل البيت ــ عليهم السلام ــ صف الإخلاص قال العالم : الإخلاص مثل نور الشمس أدنى غيم او غبار يكدر من ضوءها قدر ذلك الغبار إن كان ريا محضا أظلمت، وإن كان مشوبا بغرض دنيا اوتعجيل منفعة كان ذلك على قدر ذلك فافهم، فمن كان لله أخوف فهو به أعرف ، ومن ها هنا أقرع القلم فادافع ما انتهى اليَّ من جواهر حكمته في هذا الفصل ، أسأل الله بذاته العظماء وأسمائه الحسنى أن ينفعنا بما علمنا وعرفنا ولا جعله حجة علينا ، في بعض كتب الحكمة :إذا كان يوم القيامة قامت كلمة الحكمة بين يدي الله تعالى وتقول : يارب أنصفني من هذا وقف عليَّ ولم يعمل بي ، اللهم احملنا على عفوك ولا تحملنا على عدلك .
... الفصل السادس في مكارم أخلاقه
...
وتحمله لمشاق اخوانه وأبناء اخوانه ومحابه ، قال تبارك وتعالى: { إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون ، والذين هم بأيات ربهم يؤمنون ، والذين هم بربهم لا يشركون ، والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم الى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيراًت وهم لها سابقون } .
وقال (ص): (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : (الكرَّم التقوى والخير عادة )، وسئل صلى الله عليه وآله وسلم عن مكارم الأخلاق ؟ فقال : (أن تعطي من حرمك ، وتعفو عن من ظلمك ، وتصل من قطعك ) ، وفي خبر آخر (وتسلم على من يسلم عليك ) ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : (من أصبح صائما ، وأعطى سائلا ، وعاد مريضا ، وشيع جنازة ، ولم ينو ظلما لأحد من المسلمين ، وسلم على كل من لقي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ) ، وقال إبراهيم الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ : ما لقيت أحدا من المسلمين الا رأيت له الفضل عليَّ ، وسألت الله له خيراًلدنيا والاخرة . (1/93)
... ومكارم أخلاقه لا تنحصر، ولطف شمائله ظاهرة ، لكن نذكر: نموذجاً منها وتنبيهات عليها ــ انشاء الله تعالى ــ ، منها: ما حكيت: عنه أعاد الله من بركاته ، ومنها: أنه قال : ما أرضى أن أحدا يدخل النار من أجلي ، ويجدد البرى في كل موقف يذكر ذلك أني قد أبرأت كل أحد ظلمني في عرضي أومالي وعن كل شيء يسأله ربي عليَّ من قول أو عمل أو اعتقاد ونية وعزم ، واسقاط كل حقوقي عن أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أجمعين الا الدعاء من اخواني فإني أحبَّه . وهذه تاج مكارم أخلاقه، وعنوان فضله ، ومنها ، أن رجلاً جاء إليه معتذرا من قول قاله في عرض مراجعة: سأله ما معنى الخلوة ؟ ، فجوَّب عنه بقوله رحمه الله عنه صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن العبد ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ) ، فقال له ذلك الرجل: قد ندمت وأستغفر الله فيطيب قلبك عليَّ ، فقال له: يافلان شر الأخوان من ألجأك الى الاعتذار . ، ومنها أنه جدَّد العزم والنية وارتحل الى مكة والحجاز، وابتدأ سفره هذا، وابتدأ نيَّته في تحمل مشقة السفر العظيم في سبب دين علق في ذمة بعض خواص اخوانه شغله ما عليه من الدين وعدم ذات يده ، فشمَّر لله تعالى وصلة لرسول الله (ص)، ولأخيه السيد العالم الهادي بن على بن حمزة ، وهو زهاء مائة وخمسون قفلة ، فوصل الى مكة المشرفة ، وجمعها من حيث أراد الله ، وسار بها بنفسه الى الصفراء وينبع ، وسلم دين أخيه واستبرئ لذمته من ورثة عدة وكتب إلى أخيه بأني قد قبلت وقضيت عنك وسلمت ما عليك الى أرباب الدين ، وحصلت لك البراءة التامة ، وعليها حكم الحاكم وشهادة الشهود . جعل الله هذه الصلة من أثقل ما يجد في ميزانه ، وأعاد من بركاته على كافة اخوانه . (1/94)
... ومن مكارم أخلاقه:
أنه أرتحل مسافة خفيه الى عند الأمام الناصر لدين الله محمد بن على بن محمد بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سبب حاجة لبعض محابه ، ولم يشعر بمسيره حتى أخبره ، قال للأمام ــ عليه السلام ــ : إن فلانا كما تعرف لاشيء معه وله بنات لأماوى لهن سوا الله فأحبَّ تصرف له بيتا من بيوت الباطنية بصنعاء اليمن ، فقال له الأمام ــ عليه السلام ــ : قد جعلنا له بيتا وأعنأبا وأوطانا ومستغلات ما يسد خلته ويكفي عائلته ، وكتب بخط نفسه بذلك: كتاباً عظيماً بمحضره وأشهد الأمام على نفسه شهودا من العلماء والفضلاء ، وأمر حكامه أن يحكموا بما وهب للمشفوع له ، ووصل ــ رحمه الله تعالى ــ مبشرا لأخيه بذلك ـ ولوكان حاضرا لما فعل لفعله ـ فقال له أخوه في الله: جزاؤك على الله وثوابك مضاعف ــ انشاء الله تعالى ــ ، لكن كيف هذا ؟ قال هو من أطيب الأرزاق ، وكفرهم أجمع عليه علماًء الإسلام وجميع الملل فقدر هذا البيت والمال والمستغلات بخمسين ألف دينار كل خمسة دنانير منها أوقية ، فقبض ما ذكر أخوه المود له فيه قبضا كاملا وزرعه وباعه واشتغل مدة حياته وكذا ورثته ــ انشاء الله تعالى ــ ، كل ذلك ببركته وشفاعته وحسن قصده . (1/95)
... ومنها: أنه شفع لبعض اخوانه بقريه من الأمام الناصر ــ عليه السلام ــ فأجابه وهو يستغل منها في كل عام خمسة عشر حملاً من الحب و الدراهم ، والغنم مئينا ، وعلى الجملة إنكافة اخوانه سيما الفقراء المحتاجين يتفقدهم في كل عام بما يحتاجون إليه من الكسوة والنفقة والأعياد وغير ذلك حتى بالبخور المائعة وغيرها . قال ــ رحمه الله تعالى ــ لأنها تقل القمل في الشميل ، والتفضيل يورث التطويل ولمع البارق المنير يدلك على النوا المطير .
... وأما اهتمامه ــ رحمه الله تعالى ــ في دفع الضرر عن اخوانه وعن المسلمين بيده ولسانه ودعائه وشفاعته فمما لا ينحصر ولا يتعدد حتى أنه كان ينابذ عليهم بلسانه . رأيته يوماً وقد أخذ بطرف ثوب رجل خاصم بعض خواص اخوانه ، فقال له: تقول هكذا لفلان ؟ أمثلك يقول ذلك ؟ أمثلك يجتري عليه ؟ ـ وهو يغمزه بيده فاستحياء ذلك المخاصم وفرَّ ووليَّ ، وفي الله نحتسب من فارقنا من شقيق . ومنها: أنه ذكر لبعض موَّديه الصَّالحين أنه يحتاج الى شيء من المال ليتخذ به منهلا مباركاً ، فقال له ذلك الموَّد : بأسم الله خذ ماشئت ، فاتخذ ــ رحمه الله تعالى ــ بركة عظيمة، ومنهلاً مباركاً، ومورداً عذباً عظيماً، عليه الزحام على طريق مدينة ذمار ما بين معبر ورصابة وأنفق على هذه البركة من الدراهم الوفا ومن الثياب والحب وغيره شيئاً كثيراً . وكان ــ رحمه الله تعالى ــ في مدة العمارة يطوف عليهم الفينة بعد الفينة ، والمقيم على العمارة رجل فاضل من اخوانه يقال له: الفقيه يوسف بن محمد الطلحامي أعان وباشر واجتهد ، وكان ــ رحمه الله تعالى ــ يدعوله ويثني عليه . مرَّ الأمام الناصر ــ عليه السلام ــ على هذه البركة يوم غزا الى عدن في عساكر كالجراد فنزل ــ عليه السلام ــ من ظهر جواده وقعد على شفيرها، وشرب من ماءها ، وهو يحمد الله تعالى، ودعا لسيدي إبراهيم الكينعي ، فقال له بعض خدمه: من عمر هذه البركة ؟ فقال: إبراهيم الكينعي ــ نفع الله ببركاته ــ ؟ ، وأنا أسمع ذلك وأشاهده ، وكان الباعث والسبب في عمارة أربع برك واسعة في نواحي مدينة صنعاء سأذكرها في مآثره الحسنى ــ انشاء الله تعالى ــ ، وكان يسير في كل عام في الأغلب نواحي ذمار والسفل وبلاد مذحج ، لزيارة اخوانه ويتفقد بني عمر ببركته وقصده ويشفع لأخوانه ويعول أولاد أخوانه يتامى ونساء و غيرهم ، وربما يحمل لهم من صنعاء شيئاً من الكسوة والكوافي والمصأون والمصالح الكثيرة (1/96)
يهديها الى الصَّالحين والصالحاًت ، ويقول: احد في قلبي مسرة عظيمة بهذه المسابح فيؤنسهم ويقرر قلوبهم ، ومن وجده بما يلازم له ما يحتاج إليه من فضل الله تعالى لأنه ــ رحمه الله تعالى ــ ماكان يملك شيئاً قط، ولا يسافر الا بركوة في يده وعصا ومصحف كريم ، لكنه عبد غني مستغني بغني مولاه تبارك وتعالى ، ويذكر غافلهم، ويدفع عنهم الأذيات ، كان ــ رحمه الله تعالى ــ يحب اخوانه ويعظمهم تعظيماً كثيراً ويحب من يحبون ، ويكره من كرهوا، ويدعو لمن أحسن إليهم، ويدعو على من يسىء إليهم ، يقول: شغله الله بنفسه، وكفاكم شره ، فكان كما يقول: أما هلك من يؤذيهم والاهدي الى الخير في الأغلب ، ومن مكارم أخلاقه المبرورة وسجاياه المشكورة: أنه كتب الى بعض مودَّيه من مكة المشرفة كتاباً: مبشرا مذكرا لأخوه بأنه وإن بعد عنهم فقلبه معهم ، نسخته: حسبي ربي وكفى ونعم الوكيل ، وصل يارب على محمد وأله وسلم: ياإلهي: أفقر الفقراء الى الملك الأعلى محبه بلسانه وجنانه المؤمل أن يقبل تراب أخمص نعليه وما ذلك على ربي بعزيز إبراهيم ابن أحمد ، أما بعد: فإني أحمد الله الذي لا إله إلاهو حمداً كثيراً مباركاً فيه . (1/97)
وصلني كتابك فشفاني: وسكن أشتغالي بك ، فليس في قلبي أقدم منك كما يعلم ربي ، وكذا من رحمه الله تزوره آناء الليل وأطراف النهار ، اخونا وحبيبنا سعيد بن منصور الحجي فلقد أوحش عليَّ اليمن بعده، ومضى فراقه، وسرني هذه الوفاه التى حصلت له على الاقبال على الاخرة فاني في حقه من علماًء الباطن وأنتم من علماًء الظاهر ، كان من الأفاضل المقربين، ومن خيرة الأولياء والصالحين، جمع الله بيننا وبينه ، حيث الإفتراق بعده ، تعلم أن أحوالي بحمد الله جميلة غاية ما يكون من أمور الدنيا والأخرة ما أعتقد يحصل لي خير الا ببركة دعائك، ودعاء حي مريم كان خاطرها معي ، فرحم الله مريم وأصلح أمورنا الجميع بمحمد وآله ، وتعلم أن لي في مكة المشرفة أربعة مواضع كلها أشاهد فيها البيت العتيق ، ومن ألطاف الله الجميلة معرفتي بهذا السيد العالم محمد بن على النحيي الحسيني ، ــ حسن الله به حال دنياي وآخرتي ــ ، وكنت في جنب علمه في علم المعاملة كمثل أهل شعوب في جنب عالم ،حاز علم الشريعة وعلم الحقيقة ، وعاده شاب حدث تأتيه الفتوح من البلاد وما عليه الامرقعة للحر والبرد ، وله تصانيف: في علم الشريعة، وعلم الطريقة، وله فضائل جمة ، وقد كتب اليك، ووأخيته لك، وصدَّر لك بسجاده ومسبحة ومحبا ، وهو رجل زادني الله به هدىً ونوراً وبهجة وحبورا ، والفقيه علي بن أبي القاسم الشقيق ناظراً لأموري معيناً لي ، فجزاهم الله علىَّ خيراً ، والشريفة المفضلة والدتك ، والسيد الولي صنوك ، والسيد الحبيب ولدك عبدالله ، وكافة الأصحاب والأحبَّاب ، الله يتحفهم بأشرف السلام وأزكي التحية والإكرام ، وقد كان كتبت العام نيف وعشرين ورقة فيها تفصيل الأصحاب والأحبَّاب من بني قيس الى صعدة , وأهل لصلوات والطوافات والمخصوصون بالدعوات المجأبات ــ ان شاء الله تعالى ــ ، أنت قد أشركتك في جزء من عملي كله إذا قبل ربي ، فأهل الصلوات والطوافات الأمام المهدي علي بن محمد (1/98)
بن علي ، وولده الأمام الناصر صلاح الدين ، والقاضي حسن بن سليمان ، والفقيه حسن بن محمد النحوي ، وولديه محمد ويحى ، وسليمان بن بحيى الصعيتري ، وحاتم بن منصور ، و محمد بن عبد الله الرقيمي ، وعبد الله بن محمد بن يحيى بن حمزة ، و...... يحيى بن محمد العمراني ، وراشد بن نشيب ، وعبد الله بن راشد بن نشيب ، وسعيد بن منصور الحجي ، والفقيه علي بن عبد الله رأبي الخير ، والسيد أحمد بن المهدي ضوك ، والسيد الناصر بن أحمد ، والسيد الهادي بن يحى ، وصنوه المهدي بن يحى ، والسيد الهادي بن علي ، والسيد محمد بن يحى الطبيب ، والفقيه على بن النضير ، والفقيه يحى بن محمد التهامي ، وحسين بن الدرب ، والفقيه قاسم بن عمر ، وأخوه على بن عمر ، والفقيه محمد بن يحى بن حبيب ، وابني سعيد محمد ودأود ، والسيد محمد بن علي صأحبَّ لوشل ، والفقيه سعيد بن علي من ثلا ، والسيد محمد بن سليمان الخمري ، وأخي راشد بن محمد ، ومن أهل صعدة : السيد دأود بن يحيى ، والسيد الهادي بن براهيم ، والقاضي عبد الله بن أحسن ، وأخوه علي بن أحسن ، والقاضي محمد بن حمزة ....... والقاضي محمد بن حمزة ، والشريفة فاطمة بنت الأمام ، وأهل الدعوات أخواننا بلاد مذحج وذمار ومعبر وصنعاء وثلا وظفار وحوث ، هذا الذي حضرني في الأصحاب وقد عملت على المسير إليكم بالجسم والقلب والقلب معلق في مكة ــ عليها السلام ــ والله تعالى يتقبل من الجميع وقد ذكر تلك الاصحاب جملة لوحهين أحدهما لا يعتقدوا غفلتي عنهم ، والثاني ليتذكروني بالدعاء فالموت ات وكأنك بمن قد مات قد نسى وبعد السلام عليكم وعلى كافة الأخوان والدعاء الدعاء وصل يارب على محمد وآله وسلم . تم كتابه (1/99)
ــ رحمه الله تعالى ــ واستخرت الله وذكرت لمعة شافية وسحابة بالبركات هامية في مودته لآل محمد جملة ، وفي الأمامين الأكرَّمين اللذين احيا الله بهما دينه واشمخ أنفه واعلى رسمه وطمس بحميد سعيهما رسوم الحادين ، وقائد الفاسقين ، وسنن المجرمين وعتاة الظالمين المولي الأمام المهدي لدين الله العلى علي بن محمد بن علي الهادي لدين رسول الله ( ص ) وعليهم السلام وولده الأمام ........لدين الله امير ....... وسيد المسلمين رحمه الله الشاملة على البلاد والعباد ونقمة على ............ ......... .... صلاح الأمة وكاشف الغمة محمد بن علي بن محمد توجهما الله بتاج كرامته واحلهما دار الأمن والسلامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً وجزاهما عن الإسلام خيراً وعن المسلمين ثوأبا جزيلاً واعاد من بركاتهما على العارف والسامع والمبلغ وصلى الله عليهما وعلى أبائهما بأفضل الصَّلاة والسلام وأزكى التحية والأكرام وفي حلية اخوانه المذكوريه وفضلاء دهر من العلماء والصالحين ، لنفوز بحبهم ، وننتبرك بذكرهم ، ــ انشاء الله تعالى ــ . وأما فضل أهل البيت ــ عليهم السلام ــ جملة ، فقال تبارك وتعالى { ثمَّ أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ، ومنهم مقتصد ، ومنهم سابق بالخيراًت بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أسارر من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير ، وقالوا: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور ، الذي أحلنا دار المقامة من فضله لايمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب } ، روى الأمام الهادي الى الحق ــ عليه السلام ــ أن هذه الآية نزلت في آل محمد عليهم السلام , وقوله عز وجل: { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ، ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله لغفور شكور } قيل: يارسول الله من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم ؟ قال : ( (1/100)
علي وفاطمة وإبناهما ) , وقال(ص) : ( أحبَّوا الله لما يغذوكم من نعمه ، وأحبَّوني لحب الله ، وأحبَّوا أهل بيتي لحبي ) . وقال صلى الله عليه وآله وسلم : (من مات على حب آل محمد بشَّره ملك الموت بالجنة ، ثمَّ نكير ومنكر ، ومن مات على حب آل محمد جعل الله زوار قبره الملائكة ، ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله ) . وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( رأيت على باب الجنة ليلة أسري بي مكتوب بالذهب لاإله الا الله ، محمد حبيب الله ، علي ولي الله ، فاطمة أمة الله ، الحسن والحسين صفوة الله ، على باغضهم لعنة الله ) . وقال صلى الله عليه وآله وسلم ( نحن أهل البيت شجرة النبوة ومعدن الرسالة ، ليس أحد من الخلائق يفضل أهل بيتي غيري ) . وقال (ص): ( أنا شفيع لثلاثة يوم القيامة ، للضارب بسيفه أمام ذريتي ، والقاضي لهم حوائجهم إذا اضطروا إليه ، والمحب لهم بقلبه ولسانه ) . وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( استوصوا بأهل بيتي خيراً فإني أحاجَّ عنهم غدا ومن أكن خصمة أخصمه ) . وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سرى ذات يوم بأهله عقيب أكل طعام ، ثمَّ بعد ذلك أكب على الأرض بدموع شبه المطر، فأكب على قدميه الحسين يبكي ، فقال: مهلاً ياحسين ، فقال : يارسول الله إني رأيتك فصنعت مثل ما صنعت ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم :سررت بكم اليوم سرورا لم أسر قبله ، فنزل جبريل فأخبرني: أنكم قتلا ومصارعكم شتا فأحزنني ذلك ، فقال الحسين : من يزورنا على تباعد قبورنا وتشتيت شملنا ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم : طائفة من أمتي يريدون بذلك بري وصلتي إذا كان يوم القيامة أخذت بأعضأدهم فأنجيَّهم من شدائدها وأهوالها ). وقال (ص): ( من زار قبرا من قبورنا ــ أهل البيت ــ ، ثمَّ مات في عامه مات شهيدا ) . وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( من زار قبرا من قبورنا أهل البيت وكل الله بقبره سبعين (1/101)
ملكا يستغفرون له الى يوم القيامة ) . وقال :(ص) ( لاتؤذوني في أصحأبي فإنكم لو تمسكتم بعشر ما تمسكوابه لفزتم ) . قال إبراهيم الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ : عند الزيدية ، والشافعية ، وأصح الروايتين عن الحنفية ، أن الصَّلاة على الآل في الصَّلاة تجب ، وروي لي ــ رحمه الله تعالى ــ عن: الفقيه الأمام الحسن بن محمد النحوي ــ رحمه الله تعالى ــ أن ملكا من ملوك الإسلام إختلفت عليه آرا المذاهب ، وتشتت عليه العقائد ، فجمع علماًء الأمصار ، وقال لهم: تشتت عليَّ العقائد والمذاهب فأحبَّ تدلوني على عقيدة القى الله بها ، وكان فيهم السيد الأمام الرضي بن أحمد ــ مصنف نهج البلاغة ــ وحضرت الصَّلاة وقدموا السيد ليصلي بهم فصلى بهم وتشهد ، فقال: اللهم صل على محمد وأبي بكر وعمر وعثمَّان ، فصاحوا من خلفه أفسدت الصَّلاة ..أبطلت علينا صلاتنا ، فتبسم الملك وقال : أبطلت الصَّلاة ؟ قالوا: نعم قال: هكذا بطلت ؟ قالوا بأجمعهم : نعم ، فقبض الملك ثيابه وقام وعرف أن متابعة آل محمد هو المجمع عليه ومازاد على ذلك . (1/102)
... وكان إبراهيم الكينعي يحب أهل البيت محبة ظاهرة لايتقدمهم في قول ولاعمل ، ويقول يهنيكم يا آل محمد الشرف العلي في الدنيا والأخرة ، وشاهدته يوماً يقبل نعل شريف جاء إليه ويضع يده على صدره متبركا ، وأروي عنه: خبرا يسنده الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( لايزول قدم عبد على الصراط حتى يسأله الله عن أربع : شبابه فيم أبلاه ؟ وعمره فيم أفناه ؟ وماله من أين أكتسبه ؟ وفيمَ وضعه ؟ وعن حبنا أهل البيت ) .
وكان ــ رحمه الله تعالى ــ يستبريء ممن عرف من أهل البيت ، ويقول : لسنا نقوم لكم بحق يا آل محمد فأحلوا علينا ، مع أنه كان الحفي بآل محمد ، ما علمت أنه دخل عليه شريف الا يقف بين يديه وفقة العبد الذليل المطرق ، جزاه الله عن آل محمد خيراً ، إلا أنه ــ رحمه الله تعالى ــ يوالي في الله ويعادي في الله ، يكره الظالم والعاصي ولو كان شريفا ، قال لي يوماً : إتق الله فإن ثوابكم مضاعف وعقابكم مضاعف ، وتلى الآية{ يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذَاب ضعفين ، } ، وكان يزوره الأمراء من الأشراف فلا يأذن لهم في الدخول ، ولا يواجههم ، وإذا فاجؤه فر منهم فرار النعاج من (1) السميدان وكان ينهى اخوانه عن الصَّلاة البتراء ، وكان ــ رضي الله عنه وأرضاه ــ يصلي صلاة كثيرة ويهدي ثوابها إلى روح رسول الله ( ص ) وكذا من الختم الكثيرة ، وكذا لجبريل وميكائيل ، وعزرائيل وحملة العرش العظيم ، وكذا يصلي ويهدي ثوابها الى الأئمة السابقين من علي ــ عليه السلام ــ الى يومنا هذا في الأغلب في كل يوم وليلة من الصَّلاة وختم القرآن الكريم ، ويقول ــ رحمه الله تعالى ــ : أفعل ذلك لعل الله تعالى يقبله مني ببركاتهم واسرارهم ، وكان يقول لبعض اخوانه: كن أدع لي ولاخوانك فإن ــ الملائكة عليهم السلام ــ يقولون : ولك مثله ، وكان يجعل جزاً من أعماله كلها لبعض اخوانه ، ويتقرب بذلك الى الله ، ومذهبه ــ رحمه الله تعالى ــ أن هدايا الأعمال تبلغ الأحياء والأموات ، ويروي في ذلك: أخبارا كثيرة ، منها: إذا كان يوم القيامة رآى المؤمن من التحف والطرف والكرامة ما يحير فكره ، فيقول: أنا لي هذا ؟ فيجاب: هذا بدعاء أخيك لك ، وكان ــ رحمه الله تعالى ــ يقول : وأين منكم مثل الأخ الصالح ، أهلك يقتسمون ترا ثك وهو يدعولك ، وأنت (1/103)
__________
(1) ـ في حاشية الأصل هكذا ( لعله السندان بالكسر وهو العظيم من .......... والرجال ) .
تحت أطباق الثرى ، وكلامه في ذلك كثير ، وعلمه فيه جم غفير ، لكن الأختصار معتمدي (1/104)
... وأما فضل الأمام المهدي
-عليه السلام- لدين الله علي بن محمد بن على بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومودته فيه ففضله ظاهر كظهور الشمس ، وفضائله أعاد الله من بركاته تروى : من غير لبس وسيرته ــ عليه السلام ــ أربعة اجزاء مجلدة ، وكذا سيرة ولده الأمام الناصر ــ عليه السلام ــ أجزاء مجلدة ، لكن ذكرهم قد عرض ، ولي فيه غرض ، وثناي عليهما مفترض ، جمع ــ عليه السلام ــ علوم الإجتهاد في سنين يسيرة ، وكان شيخه الفقيه الأمام أحمد بن حميد بن سعيد ــ رحمه الله تعالى ــ كما تقدم ، وحاز خصال الأمامة من بلوغ درجة الإجتهاد في العلوم كلها ، وما من فن حي الا أقرأ فيه حتى المنطق ، وصنف في فن من الفنون ومكارم الأخلاق التى لم يسبقه إليها أحد ، التى فاقت وراقت ، والكرَّم الذي عم واشتهر ، وحسن التدبير والسكينة والوقار والجهاد ، جمع في وقت سيادته وجوه الشرف من الحمزات ومشائخ العرب من كل مكان ، وغزا حراز الباطنية بعساكر كالجراد ، فنال منهم منالا عظيماً ، وأخرب أكثر قراهم ، ووقعت فيه وفي عسكره ( ع ) خديعة فوقعت فيه جراحات عظيمة ، قيل: أنها نيف وثلاثون ضربة وطعنة ، وقيل من اخوانه الفضلاء وسادت أهل البيت وشيعتهم جماعة ، وأيس منه فأحياه الله تعالى لحياة الإسلام ، فلما توفي الأمام المؤيد بالله يحى بن حمزة بن رسول الله ( ص ) اكسفت شمس العلوم والبركات على كافة المسلمين لأن هذا الأمام يحيى بن حمزة ذكر العلماء أن ما أحد قبله في العلم والزهد من علي ــ عليه السلام ــ ــ إليه مثله قبله ، صنَّف في العلوم: نيف وتسعين مجلدا في كل فن ، وذلك ظاهر لا يخفي ، ونور لا يطفأ ، صنَّف في علم المعاملة: كتاب التصفية ، وهو من أنفس الكتب وأبلغها ، وكتاب الأنوار جزئين شرح الأربعين الحديث السيلقية ، وكتاب الإنتصار ، نيف
وعشرين جزء ا في الفقه ، وكان زاهدا في الدنيا ، كان تحته بساط خلق ، وقيل له: لو أخذت بساطاً جديداً ، فقال: لو شئت أن يكون بساطي من ذهب وحرير لفعلت ولكن لنا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسوة ، جهَّز ابنته سيدة نساء العالمين ، ابنة رسول صلى الله عليه وآله وسلم سيد المرسلين ، زوجة سيد الوصين بوسادة من أدم حشوها ليف وإهاب كبش ، كانت فاطمة ــ عليها السلام ــ : تعجز على ناحيته وينامون على ناحيتة ، وأمر رسول الله(ص) : أن ينثر في بيتهم ليلة بنا علي بها من بطحاء الروحا ، وكان له ــ عليه السلام ــ سبعة أولاد: علماًء حلماء ، كرَّماء ، عبَّاد ، زهَّاد ، ومجاهدون: عبد الله الكبير حاز شروط الأمامة كلها ، وله وقعات وملاحم في حرب الباطنية بصنعاء وغيرها ، ومحمد : عالم ، فاضل ، كريم فائق الكرَّم جامع لخصال الشرف ، تحمل مشقة هجرتهم حوث ، وكان العلماء والدرسة في بيته الى قدر الخمسين أو الستين ، ومن الضيف الى قدر ذلك وأكثر حتى لقي الله، وادريس: كان عالماً ، فصيحاً ، شجاعاُ ، له ملاحم تروي ، ووقعات تتلا ، سيما في حرب الباطنية ، وحسين: كان عالماً ، فاضلاً ، حاز خصال الكمال برمتها ، وله جهاد عظيم ، كر على مائة فارس وخمسائة فارس وهو في قدر عشرين فارساً ومائة رجال ، فلحقهم وكسرهم ، وقتل منهم وأسر من الغز والأشراف والعرب، وكان له كرأمات وبركات تروى ، وأحمداً : كان عالماً ، فاضلاً ، زاهداً ، عأبداً ، متواضعاً ، متحننا على المسلمين ، خادم للدرسة والمساكين بنفسه ، زاهدا في الباس وركوب الخيل ، والهادي: كان عالماً ، فاضلاً ، متواضعاً ، خرج من ماله كله ، ولبس الخشن من الصوف ، وانتعل المخصوف ، وسكن الهجر في الشرف وغيره ، وزهد في سكون المدائن ، وقال: السكون فيها يجر الى الدنيا ، وللهادي عشرة : أولاد علماًء ، حلماء ، فضلاء ،كرَّماء ، ذو ورع ، ودين وحياء ويقين ، والمهدي: كان عالماً ، فاضلاً (1/105)
، زاهداً ، عأبداً ، متعففاً عن الدنيا ، له ضيعة ببلاد مدحج يكتفي بها ، تارك للتعلقات ومخالطة أولي الرياسات ، سمعت حي السيد الأمام الواثق بالله المطهر بن محمد بن مطهر -عليهم السلام - قال : أولاد الأمام يحى بن حمزه سادات السادات بهم الى الله تستنزل البركات وهم كما ذكر وأبلغ . (1/106)
... فلما توفى الأمام المؤيد بالله يحى بن حمزة ــ عليه السلام ــ أظلمت الأقطار ، وارتاعت الأمصار ، واجتمع العلماء القادة والفضلاء السادة: علماًء صعدة ، وعلماًء ظفار ، وعلماًء حوث ، وعلماًء مدحج الى مدينة ثلا ، وأهل ثلا أهل المقة الشافية والمودة الكافية في أهل البيت وشيعتهم ، فاجتمع من العلماء الى قدر ثلاث مائة أو يزيدون ، وقعدوا يطلبون الأمام المهدي ــ عليه السلام ــ بالقيام شهرين كاملين وما ساعدهم حتى ألحوا عليه إلحاحا عظيماً ، وشهدوا له بأن القيام هو الواجب عليه ، حكى لي القاضي الأمام سيد علماًء الإسلام عبد الله بن الحسن الدواري ، قال : لقد عالجنا الأمام المهدي معالجة أعجزتنا فلما عزمنا عليه ما كان جوابه لنا الا بالبكاء وقوله: من رضيتموه بايعته وشايعته ، وما أصلح لذلك ، وكان يشار في ذلك الموقف الى من قد جمع خصال الكمال السيد الأمام محمد بن أبي القاسم ، والسيد الأمام الهادي بن يحى بن الحسين ، والسيد الأمام دأود بن يحى بن الحسين ، والسيد الأمام محمد بن على بن وهاس ، فعرفوا كماله فأوجبوا عليه ، وقام بالأمر لله قاصدا ولأعدائه محاربا ، يشن الغارت على الباطنية ، أخرب ضِلَع وأخرب قراهم التي قريب من ثلا ، وحط علي صنعاء سبعة أشهر ، وارتفع منها على صلح ، وخراج ، وشمَّر الى صعدة وحارب بني حمزة وفتح صعدة ، وقامت الفتنة بينه وبين بني حمزة زهاء عشرين سنة ، وبلغت الشدة معهم غاياتها ، قيل له ــ عليه السلام ــ : لو فررنا لأن المدينة قد دخلت ، فقال : لو دخلوا على سجادتي لدافعتهم عنها ، فأهلكتهم الحروب ببركاته ،
واخذ حصونهم وطردهم الله ببركاته ، لأنهم كانوا يجاهرون الله بالمعاصي الظاهرة مالا يمكن ذكره ، نعوذ بالله من معاصي الله ، وسار ــ عليه السلام ــ استفتح ظفار ، وعفّار ، وجأهلي حجة ، وأقبل ــ عليه السلام ــ الى ناحية ذمار فلقيه ولده الأمام الناصر ــ عليه السلام ــ بعساكر مدحج الى حدة بني شهاب ، واستفتح الشهأبية والسخانية والجهرانية ، وكان غزّ ذمار قد طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد ، فوصلوا إليه الى معبر فلزم منهم نيفا وعشرين فارساً ، وسار ولده الناصر ــ عليه السلام ــ استفتح ذمار وهران ، ووقف الأمام المهدي بذمار ست سنين يبسط العدل ، ويقرع الظلمة ، ويؤمن الطريق ، بعد أن كانت القوافل تقف الشهر والشهرين ما بين صنعاء وذمار ،- وهو مسير ليلة ويوم - ، فأمن الله به السبل ، وقمع به الظلمة ، ونصره بولده الأمام الناصر - عليه السلام - ، واستفتح رداع ، وضمير نزار ، وبلاد باطنية مدحج ، وبلاد المغارب الى حد عتمة وابراز وانتشر فضله وعم نائله ، وله كرأمات مشهورة ، وأوراد مسطورة ، منها: أنه كان يقري في مسجده موسى بقطيع صنعاء وحلقة قرأته نيف وعشرون قارئا ، فجاءه القاضي الشامي من هجرة المعذر ويده عضباء قد يبست ، فقال: يامولانا هذه يميني كما ترى ، فأمسكها الأمام ونفث فيها ، وتلى عليها ، فامتدت أصابعه وكوعه حتى بدت لحمة بيضاءفي راحته قد غلبت على الأصابع ، فكبر من حضر واستعظم مإليه نظر . ومنها ماروى لي إبراهيم الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ قال: مسح على مقعد أعرفه يسير على عود في يده فشفي من حينه وساعته ، وفضائله مسطورة في سيرته , وكان أوراده المباركة منها: إحياء الليل ، وصيام أكثر الدهر ، وحسن الخلق التى وسعت ، وتحننه على المسلمين ، وكان إذا عرف أن نفقته طحنت على مطحن الصدقةلم يأكل منه شيئاً ، قال لي ــ عليه السلام ــ : تقف معنا في ذمار هذا الشهر الكريم رمضان ، ولا تفطر الا معي ، (1/107)
فقلت: سمعا وطاعة لأمير المؤمنين ، فكنت أصلي معه المغرب ، فيحي ما بين العشائين بالصَّلاة والبكاء والخضوع والخشوع ما يزعج السامع ، فإذا كان بعد تمام صلاة العشاء وتمام أوراده المباركة استقبل اخوانه بوجه لم أر مثله كانه القمر ليلة البدر نوره قد على ، ولحيته تملأ صدره كأنها قطنة مجلوحة فيحضر الطعام فيمد يده للدعاء وهو يرتعش كالسنبلة ، فتارة يدعو وتارةيصيبه ثمَّول فيسكت ساعة ، وتارة تقع دموعه على الأرض ، وتارة يرتعش حتى يكاد يستقيم ، فإذا قرب الطعام أدارني في اخوانه العلماء الفضلاء وأقعدني على طرف سجادته ومد بيدي الى سكرجة فيها عشاه ، أكثر الأحيان آتي على أخيره ، ويقول: يأولدي هذا من نفقتي هي أطيب لك ، ربما في طعام أصحابنا شيء من الصدقة ، بنفسي هو من شفيق ورفيق ما أشبه أخلاقه بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تبارك وتعالى: { وإنك لعلى خلق عظيم } ، جاء إليه رؤسأء بعدان ـ وأنا حاضر ـ فاستعلمهم ، فقالوا : لما ظهر ولد مولانا الى ناحية السحول أمر الملك الأفضل من يسخر الجعلا فحملوا الحجارة للأوضاف من سائلة فلان الى داير ثعبان ، فالتفت الينا بوجه مشرق منير ، فقال: هل هذا عند الله قليل ؟ هل هذا عند الله قليل ؟ سلطان اليمن مريب منا والحمدلله ، ثمَّ تلا هذه الآية: { ولا يطأون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً الا كتب لهم به عمل صالح } ، جاء إليه رجل من المسرفين ، فقال له : يامولانا ضع يدك على صدري ، وأطعمني شيئاً من عيشك ، يكون فيه شيء من ريقك لعل الله يتوب علي ، فوضع يده الكريمة على صدره وأطعمه بلسة نفث فيها ، وأنا أعرف ذلك الرجل وإسرافه وأعرفه بعد ذلك تاب وأناب وزهد وعف عن الدنيا حتى هو اليوم يعد من الفضلاء والزهاد ، ومن حملة الأتاد ، أعاد الله من بركاتهم ، ولو حكيت مارأيت فيه لجاءكتاب . (1/108)
... جاء إليه السيد الأمام الناصر أحمد بن محمد بن الناصر بن أحمد بن الحسين ــ عليهم السلام ــ وكان عنده بالمنزلة العظماء فقال : يامولانا إن بنت الأمام يحى بن حمزه أم يحي بن المهدي قابلتني أقابلك تقابله بلبس الثياب لأني لم اجد تلك المدة شيئاً من الثياب ، فلبست شملة ، فقال له : سبحان الله العظيم ، مثلك ومثلها من يتكلم بذلك من زهد في هذه الحرمة التى افتضح الناس بأكلها يقوم في وجهه الاقي أهله ، وإنالله وإنا إليه راجعون ، صدق الأمام والمؤيد بالله حيث يقول في كتابه سياية المريدين : من دخل في طريقنا هذه نسبه أهل الزمان الى أستيلاء السوداء عليه وتغير المزاج ، حكى ليَّ بكلامه هذا السيد رحمه الله تعالى ، فلما كان بالغد دخلت عليه مع السيد أحمد ــ رحمه الله تعالى ــ فاستفتح الأمام كلامه بحمد الله والصَّلاة على رسوله ، وتبسم طويلا ، وقال : يأولدي إن السيد شمس الدين ذكر أن والدتك الشريفة المطهرة قابلته تقابلنا نقابلك أن تسر قلبها ، وتلبس الثياب ، وتترك هذه الشملة ، وقد ساعدناها وكلمناك ، وإن كان هذه الشملة عندي حزمة (1) مزمة في كل شيء ، وكشف الشملة عن عنقي وقبله ، بنفسي من شفيق فإني لأجد برد شفاته الى وقتي هذا ، وفاضت عيناه بالدموع ، وقال: هذه منا قلة خير ياشمس الدين إن لم ننفعه ونعينه فلا نضره ، فكأنه وقع في قلبه أن السيد ــ رحمه الله تعالى ــ وقع في نفسه شيء من كلام الأمام ، فقال الأمام ــ عليه السلام ــ : إن كلنا ما فينا خير وأين خيرنا من كزين العابدين ، وكعبد الله بن الحسن أشر احوالهم كانت عندهم هي أحسن أحوالنا اليوم ، قال: من قال: كيف يامولانا ؟ قال: اشر أحوالهم عندهم اليوم ، وهي أحسن أحوالنا ، وهي تنسم الحفظة الكرام من كتب السيئات ، ثمَّ بكا وانتفض وتململ جبينه ــ عليه السلام ــ . (1/109)
... ومن فضله ــ عليه السلام ــ
__________
(1) ـ أي شيء حسن .
وفضائله: أن تولى أمور نهيه وأمره وحله وعقده وغزواته وحضور مقأماته العلماء الأفاضل ، والسادات الأماثل ، والعباد المجتهدون ، والزهادالمشمرون ، والقضاة المبرزون ، كعبد الله بن الحسن الدواري حاكمه بصعدة ، ووزيره ووصيه من بعده ، والهادي بن يحى بن الحسين ، وزيره ووزره ووصيه من بعده والمعين له بجميع الأموال من الأهنوم والمغارب ، وبلاد خولان ، وكذا السيد الأمام دأود بن يحى بن الحسين ، وزره ووزيره ووصيه ، والسيد الأمام الحسين بن يحى بن حمزه ، كان أميرا له بصعدة ومتولي حرب بني حمزة ، والسيد الأمام قدوة أهل الإسلام محمد بن أبي القاسم وزيره ووزره ،كان معه في حرب ظفار فتوجع السيد وأذن له الأمام بالنقلة الى حوث ، فقال : أحبَّ أن القى الله وأنا في الجهاد ، فتوفي في الطريق ودفن في ظفار ، وقبره مشهور مزور ، ثمَّ ولده من بعده السيد عماد الدين يحى بن محمد بن أبي القاسم ، والفقيه الأمام الحسن بن محمد النحوي ، كان وزيره ووزره بثلا وحاكمه في صنعاء اليمن ، ثمَّ السيد الأمام شمس الملة والدين أحمد بن الناصر ، كان وزيره ووزره والمتولى على أمره في بلاد سنحان وبكيل والمغارب والمشارق ، وكان في السيد من التحرز والورع في أيام دولته مايدل على فضله وزهده وعلمه وحلمه ، ثمَّ الفقيه الأمام شمس الدين أحمد بن ساعد ، كان ايضا وزيره ووزره وحاكمه بمدينة ذمار ، وفيه من العلم والفضل والورع والزهد ماشهرته تغني عن ذكره ، ثمَّ القاضي العلامه شمس الدين أحمد بن محمد الشامي ، كان وزيره ووزره ، وكان يضدر ويورد عن الأمام ، وتوليته في بلاد مدحج وصباح وبني وهيب وبلاد رعين ، وتولى جهاد الباطنية بكحلان ونواحيه ، ثمَّ الفقيه الأمام أحمد بن عيسى الشحري ، كان حاكما متوليا وجامعا للأموال والواجبات ، ثمَّ الفقيه العالم المجاهد اسماعيل بن محمد كان واليا للمغرب كبه وعتمه وابراز وبلاد سماه و قفر حاشد ، وكان يأتي بالدراهم (1/110)
الى عند الأمام على الجمال والدواب ، ثمَّ القاضي آية الزمان وبركة الأوآن الحسن بن سليمان ، كان متوليا وجامعا للأموال ، وحاشدا للرجال للجهاد في سبيل الله بين يدي الأمام المهدي ــ عليه السلام ــ وقد قدمت في زهده وورعه فصلاً شافياً ، ثمَّ الفقيه العالم الفضل الزاهد سعيد بن الدعوس ، كان والياً لبلاد عنس والمتصرف على خراجاتها وواجباتها . (1/111)
... هؤلاء فضلاء العصر وأوتاد ، الدهر عرفوا فشمروا ، ولخدمته ابتذلوا ، وكانوا كحواري عيسى بن مريم ــ عليهم السلام ــ وكأصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ماترك واحد منهم ممكنا فيما عرف أنه يحسنه ، وقد مر ما قال القاضي حسن بن سليمان ــ رحمه الله تعالى ــ ، قال : ماأحسن نفع الأمام ــ عليه السلام ــ الا أني أكون خزانا للتبن لأن السوس يخونون فيه ، وكان ابرهيم الكينعي رحمه الله يقول : نتنعم وننام وأمير المؤمنين المهدي لدين الله محصور بصعده ما فينا تقوى ولأخير ، وكان يأمر اصحابه من أهل صنعاء يجمعون أشياء من الواجبات ويصدربها على يده هذا هو الفضل المبين لأهل التقوى واليقين ، وأيده الله بولده الأمام الناصر ــ عليه السلام ــ ، وكفاه كل مؤنة في أمر الجهاد
من القبض والصرف والغزو الى بلاد الباطنية والجبريه وقمع الظلمة والفسقة وقطَّاع السبل ، سمعت الأمام المهدي يوماً يقول : ماالناس مصدقون مني فيفك عنهم هذا اللجام لجام الحق ، ثمَّ اختار الله له مالديه ونقله الى واسع رحمته ، وبعد إبلائه في الله وجهاده في سبيل الله ما يقر الله به عينه ويزلفه عنده ــ انشاء الله تعالى ــ ، أصابه خلط فالج أزال عنه التكليف وولده الأمام الناصر ــ عليه السلام ــ القائم بالأمر والنهي وسداد الثغور مده سنة كاملة ، ثمَّ أن الأمام الناصر ــ عليه السلام ــ جمع العلماء من صعدة وعلماًء بلاد مدحج ، وقال: هذا الأمام فد سقط عنه تكليف الأمامة وأنا مسكين ، وكنت أصدر وأورد عن أمر أمير المؤمنين الذي أجمع على أمامته علماًء المسلمين ، فالآن ألقيت حبلها على غاربها فانظروا لأنفسكم ، وهذه عهدة المسلمين وألآت الجهاد على أيديكم ، فحاروا في الأمر وساروا الى ظفار بأجمعهم ، واتفق فيه علماًء الأمصار الى الآلف وثلاث مائه من العلماء وأهل البصائر المنورة ، فنظروا لأنقسهم ولمذهبهم ولدينهم ، فأجمع رأيهم على تقليده الأمام الأمامة وتحمله للزعامة ، فما ساعدهم ، وقال : أنا قليل البصيرة بل عديمها ، قالوا : الواجب عليك القيام وإن تركت فأنت مخل بواجب وخبروه وراجعوه ، فوجدوه ،كاملاً في العلوم ماهراً ، وللمسائل ممارساً ، فبايعه العلماء من حضر ذلك الجمع المبارك منهم: السيد الأمام الواثق بالله المطهر بن محمد بن مطهر بن يحي ، وقال : أشهد لله أن هذا أمام مفترض الطاعة رضيت به أماماً لي وللمسلمين ، ثمَّ قام القاضي عبد الله بن أحسن الدواري ــ أيده الله ــ ، ثمَّ قام السيد الأمام عبدالله بن الأمام يحي بن حمزه ، ثمَّ الفقهاء العلماء بنو حنش ، ثمَّ الأول فالأول ، حتى أتو على آخرهم فنوَّر الله بصائرهم ووفق أنظارهم ، وجعل الله في ذلك خيراً كثيراً ، وقام بالأمر ضليعاً ، وجاهد (1/112)
أعداء الرحمن ، وشن الغارات الى حرب سلطان اليمن فغزى عدن وأخرب فيها ، وغزا زبيد وأخرب قصورها ، وغزا المهجم وأخرب دورها ، وغزا حرضا وعمر حصنها ، ووقف بعد الدعوة شهوراً ، وتوفي الأمام المهدي ــ عليه السلام ــ واجتهد في اخفائه كيما يحصل مراده في نقله الى مشهد جده الهادي لأنه أوصى أن يدفن بصعدة ، فامتثل وصيته ، فوقف في ذمار في تأبوت أشهر ، ثمَّ سار به صأحبَّهم الكافي شبيبة أبي السرايا في حق آل محمد الفقيه الزاهد العابد على بن صالح بن يحيى ، فلم يشعر به أحد حتى دفن بصعدة ليلاً ، رأيت بخط الأمام المهدي ــ عليه السلام ــ ، أني جعلت الوصي من بعدي السيد العلامه دأود بن يحيى ، والسيد العلامة الهادي بن يحيى ، والقاضي العلامة عبد الله بن حسن الدواري حتى أتفقت بالولد محمد ، وكنت أظنه بخلاف ما هو عليه من الكمال فهو الوصي من بعدي في اموري كلها ، وأوصي أن يكون المتولي للصلاة عليه السيد الأمام دأود بن يحيى واتخذ الأمام الناصر له فبة بجنب قبة جده الهادي ــ عليه السلام ــ والتحية والإكرام ، ثمَّ أن الناصر ــ عليه السلام ــ مدَّ الله ظل عدله ، ونشر من فضله ، مالا يمكن شرحه ، من أخبار سوم الدين ، وزم ايدي الظالمين ، ورفع منار المسلمين ، والإحسان الجم ، والمعروف الذي عم ، على السادات والعلماء والمتعلمين والفقراء والمساكين ، سمعته يوماً يقول : ما أجد من الأصحاب الأوله أقطاع وعادات في كل عام فادني من تمسك بالدين أميراً في هذه الدولة الحميدة ، وهوكما قال ــ عليه السلام ــ ولنقتصر على ذكر أوراده المباركة وما عز (1) من مكارم أخلاقه ، وثناء العلماء عليه ، ومودة حي إبراهيم الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ فيه ــ انشاء الله تعالى ــ ، وأخرب بلاد الباطنية بعد أخذه لصنعاء اليمن وأهلكهم قتل في يوم المنقَّب زهاء من خمسمائة وقبض حصونهم ، وحاصرهم في فدة والقلعة مره سبعة أشهر ومره (1/113)
__________
(1) ـ أي : بدا
ثلاثة أشهر ، حتى أبأدهم الله وأقماهم ، وجرا قلمه المبارك من حلي بن يعقوب الى باب زبيد الى الشحر بساحل البحر الى كور الجحافل بالمشرق الى جبلة اليمن الى بيشه ، وأطلع له سلطان اليمن العاده في كل عام أربعين ألفا ، وأحيا الله به الدين ، وأمات بسره وبركته وهيبته شوكة الكا فرين والفاسقين ، وأمن السبل ، وحقن الدماء ، وسكن الدهما ، واستوفي حقوق الله الواجبة من الأعراب والرعايات وكانت دولته المباركة ودولة أبيه الأمام المهدي نيفا وأربعين سنة واستمر من ذكرت من العلماء في ولا يته كما كانوا في ولاية أبيه ــ عليهما السلام ــ ، وكانت له هيبة في قلب الكافرين والفاسقين والحأسدين ما لا يمكن وصفه ، حتى أن الواحد منهم إذا كلمه دهش وارتعدت فرائصه ، وكان كثير التهيَّب في مجلسه ــ عليه السلام ــ بالسلاح والعدد والآلات ، وكانت له محبه ومودة في قلوب المسلمين والعلماء والصالحين ، كما مرَّ ما لايمكن شرحه ، رأيت يوم فتح حصن جربان الباطنية كان بحضرته علماًء عصره ، وأوتاد دهره ، فساعة الفتح شاهدتهم يقبلون أقدامه الشريفة ويضعون رؤسهم في حجره المبارك ويقولون: الحمد لله ا لذي بلغنا هذا اليوم ، وأدركنا دولتك ، ولم نسمع بشيء من هذا في وقتنا هذا ، وكانت القوافل تمر من صعدة الى صنعاء الى ذمار الى نقيل صيدا الى مخلاف جعفر وجبلة بلارفيق ولا مطلب ، وأين ما أحبَّوا الحطاط حطوا في الليل أو في النهار في القفار والشعاب ، وبين القرى المتباينة ، وما ذلك الا ببركاته وفضله وسره وقصده الصالح ، كان إذا طلب من أهل القوافل الزبيب والتمر ، قالوا : إن المخيط في يد صلاح بن على ، والحكايات في ذلك كثيرة ، سمعته: وهو على أعواد المنبر بذمار بعد قيامه بأمر الأمامة يقول : يا معشر المسلمين بعد أن حمد الله وأثني عليه ووعظ الناس حتى ضج ا لمسجد بمن فيه من البكاء والعويل والخشوع الطويل : إني ما قمت بهذا الأمر الا لله ولإعزاز كلمة (1/114)
الدين ، وزم أيدن المارقين ، لا لغرض دنيوي ولو كان لنا في الدنيا غرض لكان أيسر ما نحن فيه يكفينا ، فاخترنا خيرت ما في أيدينا وسكناها ورفهَّنا على أنفسنا ، اللَّهم إن علمت مني خلاف ذلك فلا وفقتني ولا هديتني ولا رحمتني ، ولا أجرتني من نارك وغضبك ، وأسبل دموعه شبه المطر حتى تقاطرت على ثيابه وعلى منبره وفراشه وعلى المنبر وأنا شاهد بذلك ، كلامه وبكائه فأشهد به . (1/115)
... وأوراده الصالحة
كان يحيي بين العشائين بالصَّلاة ولا يتكلم بين الصلاتين ، فإذا فرغ من ورده صلَّى العتمة وبعدها ركعات ، ثمَّ يسجد سجدة طويلة قدر قراءة جزء من القرآن ، ثمَّ يقبل الى أهل حضرته وهم العلماء الفضلاء العبَّاد الصالحون ، فيفطرون ويخرجون من عنده ويستقبل الليل مطالعة للكتب ، ونظراً في مصالح المسلمين وسداد الثغور ، وينام هُنيهة ، ثمَّ يقوم في أول الثلث الأخر فيحييه صلاة واستغفاراً وبكاء وخشوعاً ودعاء حتى تطلع الشمس ولا يتكلم قبل طلوعها ولو عراه مهم ، وكان يدعو قبل الفجر بدعاء من اللمعة النورانية للبوني ثمَّاينة وأربعين مرة ، ربما شاهد فيه سراً واجابة ، وهو رب أغمسني في بحر هيبتك حتى أخرج منه وفي وجهي ساعات هيبة يختطف أبصار الحأسدين من الجن والإنس فتعميهم برمي سهام الحسد ، وأحجبني بحجابك النور الذي باطنه النور ، وظاهره النور ، واسألك بإسمك النور ، وبوجهك النور ، أن تحجبني في نور اسمك بنور اسمك حجأبا يمنعني عن نقص وشين يمازج مني جوهرا أو عرضا إنك نور الكل ومنور الكل ، يانور يانور يانور ، يامصور الأنوار يامودع الأنوار قلوب عباده الأخيار: { الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضىء ولو لم تمسسه نار ، نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء } ، ثمَّ دعاء علَّمه أياه إبراهيم الكينعي ، أوله: بمعتبر
طيبرد منفرد ينفرد .. الى آخره ، وهو في خزانة إبراهيم ــ رحمه الله تعالى ــ ، ودعاء أيضا علَّمه أياه ، أوله يدعابه عند الصباح: [ اللهم يامن دلع لسان الصباح بنطق تبلجه ، وسرح قطع الليل المظلم في غياهب تلجلجه ، وأتقن صنع الفلك الدوار في مقادير تبرجه ] ، وهو يأتي ثلاث ورقات ، وهو مروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، بالسند الصحيح ، والأسماء الحسني رويت له بسندها الصحيح من مكة المشرفة فنقلها عني غيباً مراراً كثيرة ، وكان يتلوها بعد كل فريضة كما حكيت عن مشائخي في سندها ، وكان يصلي الصلوات على أول أوقاتها في السفر والحضر جماعة بأهل مقامه المبارك الشريف ، وكان يصوم رجب وشعبان وشهر الله المحرم والأيام البيض ، وتسع الحجة في الحضر والسفر لا يفطرها فيما علمت وتيقنت ، وكان على وجهه الكريم من الأنوار ما لا يستطاع الحاح النظر في وجهه من النور والبهى والسيما الأسنى ما لا ينكره الا حأسداً وجاحد ، كنت أوافقه في السفر والحضر فإذا اتفقنا ذاكرني أوراد الصالحين وحكاياتهم ، وشيئاً من كلامهم وحكمهم فلا أقوم من مقامه الشريف حتى أرى عينيه تفيضان بالدموع ، ثمَّ يدعو لنا ويقول : ادع الا في موافقات يسيره لا يخلوا لنا فيها ما يليق ذكره ، ــ أعاد الله من بركاته ــ . (1/116)
... وأما مودة إبراهيم الكينعى:
فكان يوده مودة لله خالصة ، قال يوماً: نستغفر الله من تقصيرنا في حق هذا الأمام ، وكان يزوره في كل عام الىذمار ، وإن كان في صنعاء ففي الشهر أو في الشهرين زوره في الليل في خلوة خالية ، ويقف عنده شطر الليل ، وكان يذكر له أحوال الناس ، ويسأله لإخوانه وللفقراء ، فيقول له: وقَّع ماتشاء وسلَّمها الى فلان من خدمه سهلت أو عسرت جلت ، أو دقت ، وشايعه ، وتابعه ، وجاهد معه ، وغبر أقدامه في الجهاد في غزاة حراز الباطنية ، وكان فيها والسيد الأمام الناصر بن أحمد بن مطهر بن يحيى ، والفقيه الأمام على بن عبد الله بن أبي الخير ، وفضلأ عده ، كانوا في تلك الغزاة ، وكان ــ رحمه الله تعالى ــ معه في يوم المنَّقب وبيت غفر ، وكان يخرب من البيوت والأطيان بيده المباركة ، وكان معه يوم فتح حصن بيت الغم ، فطلب الفقيه موافقة الأمام قال له الأمام : نحن نأتي اليك أي وقت أحبَّبت أو أحبَّبنا أن نأتيك ، فكان يزوره وهو في خيمة بعض أهل وده ، فكان الأمام ياتيه ليلاً أو نهاراً ويقف معه شطر الليل والنهار يتذاكرون: العلم ، وكلام الصالحين ، والأمور الاخروية ، وإذا ذكر أحد: حال الدنيا قال الأمام : حاشا هذا المقام المبارك من ذكر الدنيا ، قال إبراهيم الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ ما وجدت في علم المعاملة ، وعلوم أهل الحقيقة ، ووظائف أهل الطريقة ، ومكاشفات الحقيقة ، في وقتي هذا أعرف من الأمام الناصر ــ عليه السلام ــ أراني كتبا غريبه في علوم الزهَّاد والعبَّاد وحكايات الأوتاد مالم أره منها :كتاب ( قصائد ربانية ) تدهش الآلباب لفلان المصري ، وكتاب ( كيما السعادة ) للغزالي ، وأجزاء من ( احياء علوم الدين ) ، (1/117)
اشتياق الكينعي لرؤية إمامه
كان إبراهيم الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ يشتاق الى رؤية الأمام ، ووعظه ، وحكمه ، ولهذا يزوره ، وكان يقسم ــ رحمه الله تعالى ــ أن إذا وافق الأمام ليقبل أخمص قدميه ، فيقول الأمام: أنا أكفَّر عن يمينك ، فيقول: لابد لي أن أفعل ويحب الأمام أن لا ينفره أو يضيقه ، وكان يأخذ يد الأمام ــ عليه السلام ــ ويضعها علي صدره ، وأذا أكل معه أخذ لقمة وأشار بها الى الأمام أن ينفث فيها من ريقه ويقرأ عليها شيئاً من القرآن ، وكان يقول ــ رحمه الله تعالى ــ : حالة المسلمين قبل هذه الدولة المباركة كحالة إليهود في الذلة ، لأنهم بذلة وصغار والمسلمون بها ولا تسلم لهم ثيابهم وبهائمهم وزروعهم ، هذا شيء رأيناه في صولة العرب وشرة الرعايا ، ونحن ــ بحمد الله ــ في هذه الدولة أمرا نأمر وننها ومشاركون للأمام في ملكه ، هذا معنى كلامه ــ رحمه الله تعالى ــ ، وكان يحكي لي: ما جرى على هجرة المسلمين من الباطنية وأجلاف العرب ببلاد مدحج وحهران ، وصيح بكيل ومن أنتهب من السادات والعلماء والمتعلمين ، ومما أكرَّمه به من العلم والفهم ما روى الفقيه العالم الفاضل الزاهد حسين بن منصور الصيعي: وهو من علماًء أهل المذهب الشريف سيما في علم الأصولين محلق فيهما ، محقق ، من أفضل أهل وقته علماً وورعاً وعفة وزهدا وتفان ، إن رجلاً شافعي المذهب وفد من حضرموت: تريد قصد الأمام المهدي علي بن محمد ــ عليه السلام ــ لرشاده فوصل الى ولده صلاح ببلاد مدحج ، فقال لأهل حضرته: وهم السيد الأمام الواثق بالله المطهرين محمد ــ رحمه الله تعالى ــ والقاضي العلامة جار الله أحمد بن عيسى المشهور بالتحقيق والتدقيق في علم الكلام ، والفقيه أحمد بن أبي القاسم بن غرار المعروف بالبصيرة والفضل والفهم الوافر ، والفقيه معيض بن عبد الله الصعدي المعروف بكما له سيما في علوم القرآن شيخ الأمام الناصر ــ عليه السلام ــ في علوم القرآن ، فقال لهم (1/118)
الحضرمي: إني رجل شافعي المذهب والشفعوية يزعمون أنهم على الحق ، وأنتم تزعمون أنكم على الحق والقدر مسئلة وقعت في ........... وأنتم علماًء الإسلام وأهل النقض والإبرام فإن شفيتم غليلي ، والا قصدت صعدة الى أبيك المهدي ــ عليه السلام ــ ، فقال لهم ولد الأمام صلاح ــ عليه السلام ــ : جوَّبوا على هذا الرجل ، فقالوا: جوَّب عليه نتبرك بالإبتداء بكلامك ، وقصدهم والله أعلم يحكوا للرجل كلام المعتزلة وكلام يطول فتنحنح ولد الأمام صلاح ــ عليه السلام ــ وكان يومئذ حديث السن ، عمره ثمَّاني عشرة سنة على ماروى لي الفقيه حسين ، وحمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد وآله بأفضل ما يصلي عليه ، وقال: روي لي الثقات ــ رضي الله عنهم ــ أن أربعة من التابعين من علماًء المعتزلة وهم: واصل بن عطا ، وعمرو بن عبيد ، والحسن البصري ، وعامر الشعبي ، دخلوا على الحجاج بن يوسف ، فقال لهم : ما تقولون في القضا والقدر ؟ فقال واصل بن عطاء : لا أدري إلاّ ما أروي: عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ــ عليه السلام ــ أنه قال: لرجل سئله عن القدر ؟ ، فقال له : أتحسب أن الذي نهاك دهاك إنما دهاك أسفلك وأعلاك والله بريء من ذلك ، وقال عمرو بن عبيد: لا أدري الا ما أروي عن امير المؤمنين: ــ عليه السلام ــ أنه قال لرجل: سئله عن القدر ؟ ، فقال له إذا كانت المعصية حتماً كانت العقوبة عليها ظلماً ، وقال الحسن البصري: لا أدري الا ما أروي: عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ــ كرَّم الله وجهه ــ في الجنة لرجل سئله عن القضاء والقدر ؟ ، فقال ــ عليه السلام ــ : أتحسب أن الذي فسَّح لك الطريق يلزم عليك المضيق ، وقال عامر الشعبي: لا أدري الا ما أروي: عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ــ عليه السلام ــ أن رجلاً سئله عن القضاء والقدر ؟ ، فقال له : ماستغفرت الله منه فهو منك ، وما حمدت الله عليه فهو منه سبحانه ، فتبلج وجه السائل الحضرمي ، (1/119)
وثلج صدره ورضي بقوله وأكتفي ، وآب على عقبه راشداً مفلحاً منجحاً ، وترك المسير الى صعدة ، وأنارت وجوه من ذكر بحضرته وحمدوا الله تعالى على فهمه ، و غزارة علمه ، وانتفاع القاصد المسترشد بكلامه ، فهذه كرامة له تروى وآية تتلى ، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( ياعلي لأن يهدي الله على يديك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس ) . وروى لي الفقيه حسين المذكور أولا، الله أعلم سمعها من الأمام الناصر أو من غيره ، قال: دخل النعمان بن ثابت وهو ــ أبو حنيفة ــ رحمه الله تعالى ــ ، قال: دخلت المدينة على ساكنها السَّلام لزيارة جعفر بن محمد الصادق ــ عليه السلام ــ ، فأتيت أبنه موسى بن جعفر وهو في المكتب يتعلم القرآن مع الصبيان ، فقلت له: أين يضع الغريب حاجته إذا كان عندكم أو أراد ذلك ؟ ، فقال له موسى ــ عليه السلام ــ وهو طفل صغير: يتجنب شطوط الأنهار ، ومساقط الثمَّار ، وأفنية الدور ، والطرق النافذة ، وجنب المساجد ، ويضع ويرفع بعد ذلك حيث شاء ، قال أبو حنيفة : فلما سمعت منه هذا القول نبل في عيني ، وعظم في قلبي ، فقلت له: جعلت فداك فمن من المعصية ؟ فقال : أقعد حتى أخبرك ، قال: فقعدت ، فقال : المعصية لا تخلوا أما أن تكون من العبد أو من ربه تعالى أو منهما جميعاً ، فإن كانت من الله فحاشاه أن يظلم عبده الضعيف بمالم يفعل ، وإن كانت منهما جميعاً فالقوي لايعذبه لأنه شريكه فيه ، وإن كانت من العبد فإليه توجه الأمر وله وجبت الجنة أو النار ، فقال أبوحنيفة ذرية بعضه من بعض ، والله سميع عليم . (1/120)
... وقيل: جرت مناظرة بين زيدي وجبري في القضاء والقدر ، فقال الزيدي : هي مسئلة خلاف بين آدم ــ عليه السلام ــ وبين أبليس ، فقال آدم: ربنا ظلمنا أنفسنا ، وقال إبليس: فبما أغويتني لأزييَّن لهم في الأرض ولأغوينَّهم أجمعين ، ثمَّ قال المجبري : فما يقول في علي ومعأوية ؟ فقال الزيدي: أحدهما في النار لا محالة ، والتعيين اليك ، فانقطع الجبري . (1/121)
... ووقف زيدي على جماعة من المجبرة ، فقال لهم مامعناه : ما أعرف المجادلة والإطاله ، لكني أسمع في القرآن قوله تعالى: { كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله } ومفهوم هذا الكلام عند كل عاقل أن موقد النار غير الله وأن المطفي للنار هو الله فكيف تقولون: أن الكل من الله وأن الموقد للنار هو المطفي لها ، فانقطعوا ولم يردوا جوأبا .
... وسئل عدلي عن آية ؟ فيها معنى الإضلآل ــ تعالى الله علواً كبيراً ــ ، فقال العدلي للجبري : أما تعتقد أنت وسائر المسلمين أن القرأن نزل حجة لنبيكم صلى الله عليه وآله وسلم على الكافرين والعاصين ؟ قال بلى: قال : فإذا منع الله الكفار والعصاة من الإسلام والطاعة كان القرآن حجة للكفار والعصاة على نبيكم ، فانقطع خلق كثير الله أعلم بعدتهم .
... وكان ــ رضي الله عنه ــ إذا رآى أليما أو بهيمة أليمة قال : أنذروا للأمام صلاح فيها نذرا وهي تعافا ، وجدت بخط يده بعد موته ــ رحمه الله تعالى ــ ما لفظه : يا هو، يا هو صلي على محمد وآله لما كان ، في صفر غالب ظني سنة احدى وتسعين وسبعمائة ، وأنا بمكة ــ شرها الله تعالى ــ وأنا مشغول القلب بشخص أحبَّه كثيراً ، وأود عوله بان الله يحفظه وينصره ويرضى عنه فأجبت وأنا في اليقظة بأنا قد حفظناه ، ونصرناه ، ورضينا عنه ، وأمرت أن اكتبه لا أنساه وكرر عليَّ مراراً ، وقيل لي: بشّره بهذا ، فيطيب نفساً، ويقر عيناً ، وهو الأمام الناصر صلاح بن علي .
... ورأيت بخط يده المباركة بعد موته ما لفظه: أنت أنت نَمْت في بعض الأيام في شعبان في سنة تسعين ، وأنا في مكة ــ شرَّفها الله تعالى ــ ، وإذا بحي القاضي حسن بن سليمان (1/122)
ــ رحمة الله عليه ــ فسألته عن شيء يتعلق بالأمام ؟ فقال : أنا أشهد أنه أمام حق بالتحقيق والسلام .
... ورأيت بخط يده المباركة مالفظه : حسبي ربي وكفى ونعم الوكيل ، لما كان في النصف الأول من الشهر المعظم شهر رمضان أعاد الله علينا من بركاته ، طلبت أدعو عند الملتزم ، وهو مأبين الباب والحجر الأسود لأن الدعاء في هذا المكان مستجاب على ماروي بما كنت أدعو للشخص فنهيت أن أدعو لأن الحاجة قد أنقضت وأمرت أن أكتبه فكتبته ، وكان إذا دخل عليه أحد من اخوانه أو رآهم مجتمعين قال: قلوبنا يازيدية فيها قسوة والشوفع إذا أهمهم أمر فزعوا الى كتاب الله، وأمامكم من المشرق الى المغرب ومن البحر الى البحر بين أعداء معه وأعداء يقصدهم ، إقرأوا عليه ، واستحفظوا ، وأقرأوا يسّ مراراً ، ويلزم كل واحد منكم قرآءة يسّ على قدر اقباله ، وكان يقول: لولا أني نهيت لأخبرتكم عن الأمام صلاح من الكرامات والتنويرات ما يزيدكم فيه اليقين ، وكان ــ رحمه الله تعالى ــ يأمر أخاه سعيد بن منصور الحجي ــ رحمة الله عليه ــ أن يتخذ للأمام من طيبات الطعام والآلوان والرمان وعنب البياض وغيره ، ويقول: لا تحمله حتى أشاهده فارآه حي الوالد سعيد قدرا فيها طبيخ محلا، وقدرا فيه زيرباج ، وصحن فيه حبز شعير ، وبرنية فيها عسلاً ، وأوعية من عنب البياض من عنبه قدمها للأمام ــ عليه السلام ــ ، فرأيت سيدي إبراهيم ــ رحمه الله تعالى ــ في وجهه السرور وقال : أدخلت عليَّ بقعلك هذا السرور أدخل الله عليك الفرح والسرور في اليوم العسير ، ورأيت الوالد سعيد في ذلك اليوم مسرورا ، وربما أن الأمام دخل على قلبه مسرة ، وهي التى قصد إبراهيم لأنه يعرف أن ذلك بإشارته ، وأن
في ذلك الطعام مقصداً صالحاً ، فكان كما ظن ، وبلغ مسرة الأمام بذلك وفرق منه شيئاً لأولاده وأزواجه ، والله أعلم بتركا بقصده ــ رحمه الله تعالى ــ . (1/123)
... وسار مع الأمام الىصعدة فلما وصل صعدة قال: أريد الحج ، فدافعه الأمام ــ عليه السلام ــ أشد الدفاع ، وقال: لابد لي ، فأخذ منه الأمام ( ع ) عهداً وخطأبا بالرجوع فوفى بعد وقوفه في مكة ثلاث سنين ، وقال الأمام الناصر ( ع ): مهما كان الفقيه إبراهيم بين أظهرنا فما نرى مكروها ــ انشاء الله تعالى ــ ، وكان كما قال وظن ، وجاء مرة الى عند الأمام فنزل الأمام عن جواده ، وعانقه ، وصفحه ، وهو في بزَّة بالية فقال بعض من يليه: من هذا الذي عانقه الأمام ؟ فالتفت إليه الأمام وقال: هذا مجهول في الأرض معروف في السماء ، وكان الأمام يزوره الفينة بعد الفينة ، زاره في ذمار الى بيت أخ له من اخوانه ثلاث مرات ، قال له: إن علم الله مني أني أحبَّ وصولك وتعبك اليَّ لم يكن لي جزاء إلاّ النار ، وزاره الأمام الى بيت سعيد بن منصور الحجي مراراً ، وإذا كان معه في مخارج جهاد تفقده الأمام ( ع ) بنفسه الشريفه ، ويأمر من بتفقد طهوره وركوبه ونفقته ، قال الأمام المهدي لولد الناصر ( ع ) : جاءني الفقيه إبراهيم الكينعي وقال: يريد المسير معك الى رداع ، فعرفت أن الله قد نصرك وحفظك ، وما هو إلاّ كالحرز في يدك ، أو ما معناه ، هذا فقال الأمام الناصر ( ع ) : ذلك من فضل الله وبركات مولانا وسره ، وكان كما قال نُصِرَ ( ع ) نصراً ظاهراً لم يكن مثله في الوقت ، قال لي الأمام الناصر ( ع ) يوماً بيريم : ما كدنا نصدق بما يحكى عن الصالحين المتقدمين حتى شاهدنا الفقيه إبراهيم فوجدناه على أبلغ ما حكي عنهم لأن خوف الله تعالى والشوق الى لقائه كاد يذهب روحه ، يعلم الله تعالى ما أقف عنده ساعة إلا أظن أن روحه قد خرجت ، قال لي يوماً ــ رحمه الله تعالى ــ : يا يحيى ما كنت أعرف الواصل
والمتصل والحال إلامن الأمام صلاح ، قلت: فكيف ذلك ؟ قال : قد عرفته من الأمام ، رقد وقفت عليه في كتاب (عوارف المعارف ) للشهروردي وهو في الخزانه فطالعه ، كنت مع الأمام الناصر بذمار ، وكنت احضر معهم في سماع كتاب الثعلبي في تفسير القرآن ، فابتداني الأمام وقال جاءتني ورقة من صعدة: بأن الفقيه إبراهيم وصل من مكة وتوجع من حلي الى صعدة ، وقد بلغ معه الضعف غاياته ، يعلم الله أني سهرت هذه الليلة شغلا عليه وخيفة ، فلما بلغه موت الفقيه ــ رحمة الله تعالى ــ وبركاته عليه سقط ما في يده وقال : الآن والعياذ بالله وقع ما كنا نحاذر فإنا بالله عائذون ، ووقف بعده الأمام أشهراً ، ووقع عليه أمر الله الموت الموت الموت فإنا لله وإنا إليه راجعون ، نحمده على مامنح ووهب وعلى ما استرجع وسلب ونستغفره ونتوب إليه ، ونسأله ونتضرع إليه أن يوفقنا لكل ما يرضيه من كل قول وعمل واعتقاد ونية ، ويختم آجالنا بالخير والحسنى ، ويثبتنا بالقول الثابت في الدنيا والأخرى ، ويتقبل منا موالاتنا لأوليائه ومحبتنا لمحمد وآله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقبره ( ع ) بالقبة الغراء بصنعاء اليمن مشهور مزور مقصود . (1/124)
... ونجم عقيب لقائه لربه قرن الشقاق ، وارتفعت بعده أرباب أهل الكفر والنفاق ، فاسترجع الباطنية أقماهم الله قلاعهم وقراهم ، واظهروا دينهم ، وطلعت جرائد سلطان اليمن لحصار مدينة ذمار ، والباطنية وأحزابهم ، حاصروا صنعاء اليمن ، والحمزات أجلبوا على صعدة الهادي ( ع ) ، فاجتمع الى صنعاء علماًء صعدة وظفار وحوث وبعض علماًء صنعاء ، ونظروا في الإستقامة لدينهم ، ودفع الكفر الملاحدة وشياطينهم ، فلم يجدوا لهذه الملَّمة ، ولاسراجاً في هذه الأزمة أحرى وأولى من ولده ( ع ) لما رأوا فيه من الهمَّة العالية ، والتقوى الخالصة ، والنشَّو الطاهرة ، فعولوا عليه تعويلاً كثيراً وعكفوا عليه طويلاً ، وقال: أنا قاصر عن هذه المرتبة لكن أكن لمن رضيتموه معيناً ، قال القاضي الأمام عبد الله بن حسن الدواري : الكلمة في وقتنا قليل ، ونرجو من الله أن تكون كاملا كأبيك الناصر وجدك المهدي ( ع ) فقام داعيا الى الله تعالى والى دين أبائه الأكرَّمين ، وشهدوا له بالأمام ، وأنه أولى من تحمل الزعامة غرة شهر محرم سنة أربع وتسعين وسبعمائة ، وكنَّوه المنصور بالله على بن محمد بن علي رحمه الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ، فصَّدق الله ظنهم وفراستهم فيه حيث يقول صلى الله عليه وآله وسلم : ( اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله)، فقام بالأمر ضليعاً ، رفع المحاط التى على صنعاء اليمن وكبت سلطان اليمن ورد جرأيده خائبة خاسئه تحت السيف ، وخابت طنون الحمزات من صعدة ورجعوا عنها خائبين مقتولين مرذولين ، وشن الغارات على بلاد الباطنية ليقميهم ، وظهر بحمد الله عدله على العباد ، وحسن سيرته في البلاد ، وانتشر فضله ، وابتدء ظله ، وأحدق عليه العلماء ، ودعا له المساكين ، وأهل الطرق والضعفاء ، واعترف به من حاربه من بني عمه وأشياعهم وسائر القبائل والحمزات بفضله ، وهطعوا الى ظل عدله ، وفاؤو الى عوارف عطائه الجسيم واحسانه العميم ، (1/125)
ورسخت يده المباركة على مدينة صعدة الهادي ( ع ) ، وظفار المنصور ، وصنعاء اليمن ، ومدينة ذمار ، وهو الآن في شن الغارات على بلاد الباطنية حولي صنعاء ، وبلاد مدحج ، وناحية حراز ، ويام صعدة أقماهم الله ، ومكنه مثل مامكن أباه الناصر ( ع ) منهم ومن قلاعهم الحصينة ، وعلى سلطان اليمن وصأحبَّ جبل بعدان ، وجبل الشواقي محاصران المدينة جبل اليمن الآن والله المستعان وهما من أنصاره ( ع ) . (1/126)
... وكلام الأمام الناصر في المواعظ والحكم كثيراً جمَّاً غفيراً ، لكنه كتب الى إبراهيم الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ كتاباً أورده ها هنا لكوننا بصدده وهو :
... الله أسئل بجلآل جلآله وكمال كماله ، ومعاقد العز من كبريائه وبذاته العظماء وأسمائه ، وبأوليائه وأصفيائه وملائكته وأنبيائه أن يوفق الفقيه ، الأفضل ، الأعلم ، الأزهد ، صارم الدين ، قدوة الأفاضل المقربين إبراهيم بن أحمد الكينعي ، ويعيد من بركاته ، ويرزق الجميع عيشة سوية ، وخاتمة مرضية ، وتوبة صادقة ، وحالة لرضى الرب موافقة ، أن يكفينا شر أنفسنا خاصة ، وشر الشيطان ، وشر الناس ، أما النفس فهي الأمارة بالسوء بنص الكتاب العزيز ، وهي اللوامة بنصه أيضاً ، فهي آفة الآفات ومصيبة المصيبات الشهوات مرادها ، والمعاصي مقادها ، والطاعات ضدها ، ومخالفة الكتاب والسنة جدها ، وأما الشيطان فعدو راصد ، ومنتصب كائد يأتي الإنسان من بين يدنه ومن خلفه وعن يمينه ، وعن شماله ، لايفتر من الوسوسة ، ولا يميل من الهندسة ، قد بدأ بأبينا آدم فأخرجه من الجنة ، وسلبه من المنة ، ثمَّ إحتال على الإنبياء المعصومين حتى نظم كثيراً منهم في جملة المكلومين ، هذا عاثر من خطيئته ، وهذا معلن بمصيبته ، ثمَّ التفت الى الأولياء والمريدين والصالحين ، فطحنهم بكلاكه واحتنكهم إلامن عصمه الله ، وقليل ما هم ثمَّ نعق بالناس فوجدهم أخف من ورقة فتضاحك منهم وتشاغل عنهم ، ووجدهم في مهنته أرحب منه صدراً ، واحد ضفراً ، وأطول باعاً ، وأشد مصاغا ، فبث فيهم رسلاً وكانت له الجولة والصوَّلة في كب الناس على مناخرهم ، وأما الناس فكالذياب العادية ، والكلاب العأوية إن دانيتهم نهشوك ، وإن بعدت عنهم بهتوك ، وإن باينتهم عادوك ، وإن داجيتهم كادوك ، والهوى من بعد هذه الأشياء مضل ، وجنوده وافره ، والنار من بعد هذا محفوفة بالشهوات والجنة محفوفة بالمكاره ، فكيف يكون الخلاص من هذه العقاب الصعبة ، والذي أشار إليه سهَّل الله لقاه وأطال بقاه من عمارته للرباط المبارك بمسجد الأخضر بصنعاء ، فاعلم أرشدك الله وإيانا إن الوقت لا يحتمل ما في نفسك ، والناس (1/127)
غير ملتفتين الى هذه الطريقة ، فإن ترجح لك وعزمت عليه ، صرف إليه من الجهات ما يسد خلة من يقف فيه ، انشاء الله ، وبعد السلام عليك ورحمة الله وبركاته وهو مسئول الدعاء . (1/128)
... ومن كتاب كتبه ( ع ) يعاتب فيه نفسه الشريفة ، وهو من أنفس الكتب ، وأعزرها لغة وعلماً وحجة وحكما : ... يا محمد منيت من أبناء دهرك بالأمرين ، وبليت منهم بالأطودين والأقورين ، وكنت في علاجهم كالفرس الأشقر إن يتقدم ينحر أويتأخر يعقر ، شغلوك عن خويصة نفسك ، واهتبلت بقولهم في سعدك ، ونحسك وسعد قولهم في الحقيقة منحوس وبخوس ، ونحسه في حقك لو تنطست مانوس مرغوس ، فهل لك في ترك نفاقهم بنبذ وفاقهم ، وفي الخلاص من رباقهم واسترقافهم باطراح رقراقهم ، ألا نظرت الى رميهم لك بالشكاسة والكزازة ، وتفكرت في نهوض أحدهم عنك بملاء الصَّدر من الحزازه ، يتألى على الله في صيور ( في ن: [جيور ] ) أمرك ، وتعجب الحاضر والبادي بدخيله صدرك ويفتن في الاحاديث ، كحاطب الليل ، ويستن في الأكاذيب كعاني الخيل، كما قال جار الله العلامة ملقيا أسباب الفتن ، محلفا في الأدب والسنن ، وراي استنابه : لا تدفع من صدره دافع ، ولا يزعه من دين حق وازع ، ولا يزعه من عرق حق نازع ، يأكل لحم أخيه بالنقيصة والثلب ، ويلبغ في دمه الحرام ولوغ الكلب ، ويصوّت ويصعَّد في تمزيق فروته ، ويقوم ويقعد في قرع مروته ، ويخلط ذلك باستهزاء متتابع واستغراب متدافع .
... يا محمد: تنبه علي أنارك وزحا ليقك ، ودع الناس ، وتأمل في قذاربقك فإن ذنوبك دائره واصبة ، وسوءتك عليك لازبه ، وإن الأمارة والأمامة إذا طلعت الأمارة حسرة وندامة ، فنافس نفسك قبل الإنتقاس ، واكمشها في فعل الخير قبل الإنكماش ، وروقها بأوقات الصَّلاح ونادها هلمي الى الفلاح ، وعرفها بملازمة الر قيب العتيد ، وبأهأويل الموقف الصعب الشديد ، وإن عللتها بعسى ولعل انتظمت ما قيل في المثل ( ) شقيت وحج الجمل ) .
... يامحمد: إن كثرة الناس بين يديك حويجية يوم القيامة عليك ، وإن من تحت يدك من الخلائق خصومك يوم الفضائح والبوائق ، فارتفع عن ضلعك ، وخذ لقصرك من........ ولا تنافس فيما تنافس فيه الناس من الجذاذات والقذاذات ، وقيد نفسك فيها عن الرذاذات ، وانظمها في سلك القاذورات ، وحرزها في جملة المحظورات فإنك إن أردت النقدلم يكن لك فيها سند ولا نقد ، وإن خصمت في مباديها قذفتك في أقاصيها ، فادرها ( في ن: [ فاحرزها ] ) بقلب الآلمعي المعيدان ، وأقرع منها قرع الفقد السامن السميدان ، وإناك وإنطامك ( في ن: [ انتظامك ] ) في سلك الطياطرة ( في ن: [ الضياطرة ] ) ، فكلا الوجهين غير سديد والمتصف بهما أو بأحدهما غير رشيد . (1/129)
... يا محمد: كن في أمر دينك لوذعي مذمذي ، وفي دنياك نطاسي أحوذي ، وخير الأمور أوسطها ، لاتفريطها ولا إفراطها ، في بعض الاثار : ثلاثه أشياء لا تخرج من العاقل: منها حديث النفس ، وقد ترجح ظهوره فربما ينتفع به ــ انشاء الله تعالى ــ .
... تم كتابة ( ع ) وكشف الفاظه اللغوية في الكتب البسيطة .
... ومن كتاب كتبه ( ع ) الى القاضي آية الزمان وعلامة اليمن عبد الله بن الحسن الدواري ما لفظه : أيدالله المسلمين ، ودمرأركان الظالمين ، ببقاء المقام الأكرَّم ، فخر الملة والدين ، زهرة زمانه ، وكوكب نظرائه ، وغرة أهل أوانه ، وحلية أكفائه ، مهذب الأخلاق ، حلوالشمائل ، مرصَّع الأوصاف ، دثر الفضائل ، ورضعة المكارم ، حليا المكاتب ، أفعاله عقود تمايمها ، ونقطة بيكارها ، وفصوص خواتمها ، عين الفضل الناظرة ،ولمعته الزاهرة ، مشرق اللطافة ، حلو المذاق ، أكيد العلاقة ، يفتق به نور الأمال بعد الذبول ، ويعود به نور الذبال بعد الخمود والخمول الى أن قال : ومن بحلة الثناء كان كمن يجل عين الشمس إشراقا ، وورق الحمام ألوانا وأطواقا والله يتحفه بسلام حفت بالرحمة جوانبه ، وهملت باليمن والبركات سحائبه ، وتمتع ببقائه ، ويصرف الأسواء عن حوبائه ، ورد كتابك الكريم ، متضمنا لشفاء العلة ، ونقع الغلة ، حكى الروض نشره ، وازرى بروض الشمس بشره ، في خطة من كل قلب شهوة ، حتى كان مداده الأهواء ، ولكل قلب قرة في قربه ، حتى كان معينه الاقراء ، لو استنزل به العصم لأجابت ، أو استعتب به العوام لأنابت ، هو سماء فضل جادت لصوب الحكم ، وشيء طلع حاله من العلم وما أودعه من التعويد بماضي العبد ، فالله يهنيه نعمه الظاهرة ، ويصليها بخيراًت الآخرة ، ويعيد على الجميع من بركات العيد ، وينظر الينا بعين الرحمة يوم يقال: لجهنم هل امتلأت ؟ وتقول: هل من مزيد ؟ ، وما أشار إليه من النعم المتكاثفة بما من الله من الفتوح المترادفه فهي نعم جليلة الأخطار متباعدة الرجاء والأقطار ، استيصال شأفة الباطنية الملحدين ، واجتثاث جرثومة الكفرة العمين ، أخرجهم من صياصيهم ومكن من نواصيهم ، فصاروا أسرى بعد أن كانوا أمراء ، لم يغن عنهم من الله شيئاً ، ولا منعتهم فدتهم (1) من جنود الحق ، ولا (1/130)
__________
(1) ـ في حاشية الأصل : ( اسم موضع كان لهم )
قلعتهم أحاطت بهم جنود الإسلام فاقتلعتهم ، وتزلزلت بهم القلل الشوامخ ، حتى وضعتهم وكان هذان الموضعان منشاء تدليسهم ، وموضع أقاضتهم ، وتأنيسهم ، وهما عتبه الآلحاد ، ومنهما طرأ مذهبهما الخبيث في جميع البلاد فنقول: الحمد لله رب العالمين ، اكمل الحمد على كل حال ، وهذا وإن كان من أنواع الشكر فهو بالأضافة الى الشكر الحقيقي غير معدود ، ونحن مقصرون عن الشكر الكلي ، وهيهات أن نتسنم الى حضيضه لنكوص الجد وضعف المريرة وتلويث القلب بالشعب الدنيوية ، وملابسه الفكرة لأحوال العاجلة ، إذا كان الشكر من صفات السالكين ، ونحن منهم بمعزل وهم يقولون إن الشكر لا ينتظم الامن ثلاثه: أصول علم ، وحال ، وعمل ، وعلى التحقيق لاحظ لنا فيها الا في واحد منها فأما نفثات اللسان في بعض الأحيان ، وجنوح الجنان في أوبة من الزمان ، فهذا شكر الوكلة وببضاعة الثكلة ، وهو صفتنا الغالبة ، واحوالنا المتناسبة ، وعسى ولعل فقد ورد في الأثر: ذنوب المقر بين حسنات الأبرار ، وما هذا معناه ، في بعض الاثار أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل : كيف أصبحت ؟ قال: بخير يارسول الله ، فأعاد السؤال عليه ، وأعاد حتى قال : في الثالثة بخير أحمد الله واشكره فقال صلى الله عليه وآله وسلم : هذا الذي أردت في بعض حقائق الشكر عن الجنيد: ــ رحمه الله تعالى ــ ، الشكر أن لا ترى نفسك أهلاً للنعمة ولعلنا قد أخذنا من هذه الحقيقة بنصيب ، وليعلم أطال الله عمره أن هذه النعم الجليلة مع حسن العقيدة وصلاح النية وإنتفاء الشوائب حقيرة بالإضافة الى مأوعد الله، وهذا كما ورد في الحديث ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ) ، ونعوذ بالله أن يكون ثوأبا معجلاً فلاجرم يسر مأوقع من الفتوح للمسلمين على أيدينا للزلفة عند الله ولما وعد المجاهدين بأن ثوابهم على قدر احوالهم وتأثرهم ، سيما في مثل هذا الزمان فإن أبواب الشر فيه مفتحة ، وأبواب الجنة مغلقة ، فوقوع مثل هذه (1/131)
الأمور فيه كالخارق للعادة لمن تأمل وعقل ، فأما ما يعتقده الناس من السرور بشدة الوطأة وانبساط الدولة فهذه نقمة نعوذ بالله منها ، وماذا يفعل الحليم بملك فايل ، وظل زايل ، تزول زهرته ، وتبقى تبعته ، مامن عبد وأنعم ( في ن: [ أمعن ] ) النظر في أحواله الا رأى من الله نعماً كثيرة تخصه لا يشاركه فيها الناس كافة ، وقد ورد في الأثر: أن حياء العبد من تتابع نعم الله عليه ، ومعرفته بتقصيره عن الشكر شكر ، والإعتذار من قلة الشكر شكر ، والإعتراف أن النعمة ابتداء من الله من غير استحقاق شكر ، وحسن التواضع بالنعم والتذلل فيها شكر ، وعلى الجملة فأحوالنا ضعيفة ، ونفوسنا مهينة ، وأمورنا مشوبة عينا وحكما ، إذ قلوبنا مزابل الشهوات ، وملاعب الشيطان ، فالله المستعان والله المستعان . (1/132)
... وأختصر من كتاب كتبه الى ولده على ــ عليه السلام ــ ثبت الله أحوال الولد جمال الدين على بن أمير المؤمنين ، ووفَّقه لمحاسن الخلآل ، وزيَّنه بالإحاطة بعلم الحرام والحلآل ، وأكرَّمه بالورع والتقوى ، وألزمه سمت الحق في الصمت والنجوى ، وهداه الى الخيراًت ، وذاده عن المكروهات والمحظورات ، وأتحفه بشريف السلام .
... أعلم يابني: أنك في غرة اجتماع للشهوات ، وقاموس دواعي اللذات ، وعباب صولة الشيطان نعوذ بالله منه ، وقوة مضرة النفس المركبة في الإنسان ، وارتفاع منار الهوى ، وشدة اضطراب الأهواء ، وضعف العقل المانع ، وخَوَر الحجا الوازع ، والأخطار العظيمة ، والمخأوف الظاهرة الجسيمة ، سيما في هذا الزمان ، فإن الخير قد خَلِقَ ، إن هذا الدين بدأغريبا وسيعود غريبا كما بدأ ، وأنت الآن بين أمرين ، إن صنت نفسك عن الهلاك وزممتها بعنان الإمساك ، وقذعتها عن الزلل والأرتباك ، فعسى أن تفوز بالحظ ، الأسنى وتنال من الله الزيادة والحسنى ، ويرجى لك مع ذلك مايرجى للأبرار ، وتعد في جملة المصطفين الأخيار ، وإذا انتفعت في نفسك فربما ينفعالله بك غير ك بدعاء يستجاب ، وعمل يستطاب ، وشفاعة مقبولة ، ونفاعة مبذوله ، وإن أوردت نفسك موارد التلف ولم تصنها عمَّا نزهها أباؤك وفضلاء السلف ، وصمَّت أذناك عن أمور الأخرة ، وعميت عينك عن العترة الطاهرة ، وهنن حواسك الى جنا أمانيها ، ولم تعرج بين محاسنها ومسأوئها وأنجعفت في ميدان اللهو العتيد حتى جاءت سكرة الموت بالحق ذلك ماكنت منه تحيد ، فأغرس يابني: كلامي هذا في صدرك ، وأستثمَّره في عسرك ويسرك ، واستصبح به في ديجور أمرك ، وعليك بطلب العلم وحفظه ودراسته ليلاَ ونهاراَ فإنه رأس الخصال الدينة ، فاجعل العلم رأس مالك وأقبل عليه بكلك ، ولا تجعل معه شريكاَ فإن حصوله على خطر مع الأستبداد ، فكيف مع المشاركة ، ولادين لمن لا عمل له ، ولا عمل لمن لا علم له ، ولا إخلاص لمن لا ورع له ، ثمَّ التيقض في المحأورة والمكاتبة والمراسلة ، ثمَّ اكتساب خصال الخير كلها لاتطرح شيئاً منها ، فأنت من منصب شريف ، ومحتد منيف ، وصن نفسك عن مسأوئ الأخلاق ، وارفعها عن أن تنسب الى الدنيا من الطباق ، وكن ذكي الباطن ، نابه الفكرة ، مانع الرؤية ، حاضر الجواب ، سالم الإرتياب ، صحيح الأركان والمباني ، حلو (1/133)
المعاطف والمجاني ، محسن الى القريب والبعيد ، مولع بكل عبد منيب ، وقد صدَّق الله ظنه في ولده ، وقوّى فراسته في فلذة كبده ، الولد سر أبيه ، قد صار أماماً ، وللحق حسأما ، وسيما للدين ، وسراجاً وهاجاً للمسلمين . (1/134)
... أعاد الله من بركاته عليَّ وعلي السامع من بركات آل محمد الطاهرين ، وحشرنا في زمرة أبيهم خاتم النبيين ، وأدخلنا في شفاعته ، وأحيانا على سنته وأماتنا على ملته ، والحمد لله على التوفيق لمحبة آل محمد واللإقتداء بهم .
... وأما شيخه الفقيه الأمام حاتم بن منصور
الحملاني ــ رضي الله عنه ، وأرضاه ، وأعاد من بركاته ــ ، فهو كما وصفت في أول الكتاب: أماماً من أئمة الشريعة المحمدية ، وسيداً لأهل العبادة ، وقدوة لمن أراد الزهادة ، وغيثاً لمن أمَّه من أهل الفقر والفاقة ، كان زميلاً في درس العلوم للأمام المؤيد بالله ذى العزة يحيى بن حمزة ( ع ) ، وكان شيخهما في العلوم ، وقدوتهما في طاعة الحي القيوم الفقيه الأمام فدوة زمانه وغوث أوانه محمد بن يحيى بن خليفه بهجرةحوث ــ حرسها الله بالصالحين ــ ، وكان شيخ محمد بن خليفة السيد الأمام ، الصوام ، القوام ، المتنزه عن قبض الحلآل والحرام محمد بن وهاس روي: أنه ( ع ): ما نكح ، ولاذبح ، ولا فتح بأبا ، ولا قبض درهماً ، حتى لقي الله تعالى ، وكان هذا حاتم بن منصور ــ رحمه الله تعالى ــ قد براه الخوف ، وأنحلته العبادة حتى كان يرى كالشن من الخوف والبكاء ، ما راي على رأسه عمامة قط ، وكان يلبس الثوب الى نصف ساقه ، ولايسدل الثوب في صلاته .
رَوَى لي سيدي إبراهيم بن أحمد الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ قال : صلى حاتم بن منصور زهاء أربعين سنة بالجماعة أماماً ماترك صلاة واحدة بالجماعة نعلمها ، ولامدة الاربعين سجد لسهو الا ست مرات ، وما يدع البكاء في الصلوات الجهرية والمخافته ، وما يترك صلاة التسبيح في اليوم ( في ن: [ مرة ] ) في وقت الضحى ولافي الليل مرة حتى لقي الله تعالى ، روي لي الثقة: أنه قبض روحه وهو يصليها مستلقياً من المرض ، وكان محلقاً وشيخ أهل زمانه في أصول الدين وأصول الفقه والفقه ، وله موضوعات ، ومسائل فقه مروية ، وأنظار ، واجتهاد ، فعراه الخوف ، وأذل لبَّه ، فترك نشر العلم ، واشتغل بالعبادة ، وقد أخذ منه بالنصيب الأوفر ــ انشاء الله تعالى ــ ، وكان لا يدخر شيئاً حتى ليومه بل يؤثر به اخوانه ويواسي بما فتح الله له أهل الفاقة من المسلمين ، وكان يدَّان ......... والآلوف من الدراهم والدنانير في تزويج الفقراء من درسته واخوانه ، ومن شكا عليه العنت ، وما خلف شيئاً من متاع الدنيا الا ثوباً وكوفية ونعلاً ، وكان تحته بساط خلق وفروة عاريه ، وتولى قضاء ديونه ، وتحمَّل مشقة أطفاله ولده الفقيه الفاضل الزاهد محمد بن حاتم بن منصور . (1/135)
... رَوَى لي ولده هذا: أن تاجراً من أهل صنعاء وكان صالحاً تقيا جاءه ليودعه وهو يريد التجارة الى مصر ، فقال له حاتم ــ رحمه الله تعالى ــ : يافلان لو خيرت بين أن أحوز هذا الذي شغلك أو أكون أعمى واصم لاخترت العمى والصمم ، وكان لا تأخذه في الله لومة لأئم . جاءه يوماً أمير صنعاء وملكها : معتذرراً في حد سارق وجده أخذ على أخ من اخوانه ثوباً في الليل ، فسلم على الفقيه وأراد تقبيل يده ، فانزوى عنه الفقيه وعن مس يده كأنها ثعبان ، فقال :ياسيدنا قد فعلنا بهذا السارق وصنعنا ، فقال له الفقيه ــ أعاد الله من بركاته ــ : ياعبد الله هذا السارق يأخذ الناس بالليل ، وأنت تأخذهم بالنهار ، فبهت ذلك الأمير وولي منكسر القلب مسودَّ الوجه . (1/136)
... [اشارة ]
... أروي: بالسند الصحيح عن: النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( إذا لقيتم أهل المعاصي فالقوهم بوجوه مكفهرة ) . وقال (ص): ( إنه من أحبَّ لله ، وأبغض لله ، وأعطالله ، ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان ) .
... وقال ــ تبارك وتعالى ــ : { لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ، ولو كانوا أبائهم أو أبنائهم أو أخوانهم أو عشيرتهم } ولا أخص من الولد والوالد والأخ ولست أنا في شيء من ذلك استغفر الله .. استغفر الله .. أستغفر الله .
... في مناجاة موسى ( ع ) : يقول الله تعالى : ياموسى إن خزانتي مملؤة من الصلوات والقيام والعبادة ، ولكن هل آتيتني بمعاداة عدَّو لي وموالاة وليَّ لي أو آتيتني بعد آبق .
... وله ــ رحمه الله تعالى ــ : من مكارم الأخلاق ومحبة أهل البيت
والإحسان إليهم ، سيما الى الأمام يحيى بن حمزه مالا يمكن وصفه لكثرته ، وكان للمسلمين ولأخوانه في الدين والأرامل والمساكين والضعفاء والمرملين كالوالد الشفيق ، يتحمل لمصالحهم ومرافقهم الصعب من الأمر ، والذب عن الدين ، فجزاه الله عن آل محمد وعن أخوانه والمسلمين أفضل ماجزا محسناً على احسانه آمين آمين . (1/137)
... وقبره مشهور مزور بصنعاء على باب اليمن بمشهد السيد الأمام ، الصّوام ، القوَّام ، علم أعلام أهل الإسلام ، خليفة زين العابدين ، المختص بالكرامات من رب العالمين: المهدي بن قاسم بن مطهر بن زيد بن على بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، فهما ضجيعان وتوأمان وأليفان في حياتهما ومماتهما ــ حباهما الله تعالى بالرضى والرضوان وأسكنهما الجنان ــ ، رضيعا لبان ثدي أم تحالفا باسحم داج عوض لانتفرق .
... وكتب حي السيد الأمام عبد الله بن محمد بن أمير المؤمنين يحيى بن حمزة بخط يده الكريمة في لوح على قبر حاتم بن منصور هذين البيتين:
... ... ... عمت فضائله فعم مصابه ... والناس فيه كلهم مأجور
... ... ... والناس مأتمهم عليه واحد ... في كل دار رنة وزفير
... وضمَّ مشهد السيد الأمام المهدي بن قاسم من العلماء والفضلاء والكملة في أهل زمانهم من أذكره لأتبرك بذكرهم .
... لما توفي حي الأمام المهدي بن قاسم بعد أن فاز ، وبكماله على أهل زمانه أمتاز ، وعلى صراط الله ودينه الممستقيم جاز ، كان ( ع ) أعلم أهل زمانه ، ومستند أوانه ، مجتهداً في العلوم ، راسخاً في المسموع والمعلوم ، أقرأ في أصول الدين وأصول الفقه والفقه مدة من الزمان زهاء ثلاثين سنة ، وكان يؤهل للأمامة وتحمل الزعامة العامّة ، واشتَّد الزحام عليه والمطالبة بعد موت المؤيد بالله يحيى بن حمزة ــ عليه السلام ــ فامتنع أشد الامتناع ، وكان له رحمه الله الورع الشافي ، والحجا الوافي ، والكرامات الظاهرة ، ما لا يستطاع ذكره في هذا المختصر .
... من ورعه أن العامي يستفتيه فيحكي: له خلاف أهل البيت ويقول: خذ بقول من شئت ، فيقول العامي : ما أعرف إلاّ ماترجح ، فيقول : ما أفعل . (1/138)
... ومن ورعه ــ عليه السلام ــ أن أهل قرية جاؤا إليه بحب كثير، وشك أن واحدا منهم وضع عليه مكيال حب من زكاة ، فأظهر الضيق عليهم ، وأقسم لولا أن الله ندب الى إكرام الضيف والتجأوزله ماذقتم لنا طعأما وأمر بتفريقه على المسلمين ، وكان على أوقار من البهائم .
... ومن ورعه ( ع ): أن الأمام المهدي علي بن محمد ( ع ) صدر له من صعدة بثياب نفيسة مفصلة فما قبلها لشكه أن يكون فيها شيٌ من الزكاة حتى جائه جواب الأمام ( ع ) ما يعلم فيها من الواجبات مثقال ذرة فقبلها ، وما لبسها حتى لقي الله ... ومن كرأماته: أن القاضي العلامة جارالله بن أحمد بن عيسى ، وكان جامعا للعلوم حاز الكرَّم والإفضال ما لم يسبقه إليه في وقته أحد ، مشمَّرا في الجهاد والقيام في حرب الباطنية ونصرة الأمام المهدي علي بن محمد مالم يسبقه إليه أحد مع فرلاضل ظاهر مشتهر ، روى لي: أن راعياً في زراجة جهران كان له عشرمن الغنم فتبرك بالسيد وذبح له العاشرة ، وحكى للسيد الراعي بمقصده ، فدعا له السيد بالبركة فجاء الراعي بعد مدة ، وحكى للقاضي: أن غنمه التسع وضعن ثمَّانية عشر سخلة في مدة ثمَّانية أنام .
... ومن كرأماته أن رجلاً فاسقاً رجم ولداً له بحجر حتى أبكاه ، فدعا عليه ، وأبتلي بالجذام في وقته حتى كان عبرة بين الملأ وتقطعت أعضاؤه ، ومات ، وله ( ع ) موضوعات أصولية وفروعية وقياسية ، روى في الفقه الأمام أحمد بن حميد بن سعيد شيخه ( ع ) قال :لو قسم عقل المهدي بن قاسم على الناس لكفاهم ، وكان يستوحش من الأمراء وأهل الرياسات وإذا وفد عليه منهم أحد أضافه ، وإذا سوروا عليه عيشا منع أولاده وأهله من أكله ، الى غير ذالك من كماله وعقله ( ع ) ، وكان ساكنا ( ع ) بالتجاف من بلاد سنحان مهاجراً لما رأى من شوكة الظلمة بصنعاء اليمن ، فدخل صنعاء لمهم له فمرض بها ، وتوفي فيها ، وكان يدعوالله أن يميته بين المسلمين ، فاستجاب الله ــ سبحانه وتعالى ــ ، وتولى الصَّلاة عليه أخوه حاتم بن منصور ، وأتخذ عليه مودة في الله ، ومعينة على طاعة الله ، وعونه على مأربه كلها حبيب آل محمد ، وولي صالحي أوانه عن يد عفيف الدين ، ذوالدين القويم ، والقلب السليم ، والإحسان العميم ، والورع المستقيم ، سعيد بن منصور الحجي مشهدا بالآجر والقضاض على قبره ودفن بالقرب منه حاتم ــ رحمه الله تعالى ــ ، وبعده الفقيه الأمام شحاك الملحدين ، وناظورة المسلمين ، إبراهيم بن علي العراري ــ رحمه الله تعالى وأرضاه ــ ، وكان عالماً ، جامعاً للعلوم ، محتهداً فيها محلقاً لم يسبقه أحد من أهل زمانه ، وقبر بعده فيها : السيد الفاضل ، العابد ، الزاهد ، المجاهد ، ربيب القرآن ، وحليف الأحزان ، الحسن بن المهدي بن الهادي ، وقبر فيه: السيد الفاضل، العابد ، الراكع ، الساجد ، محمد بن على الأعقم ــ رحمه الله عليه ورضوانه ــ ، وقبر فيه: الفقيه الأمام العلاَّمة فخر العصابة الزيدية ، وتاج اكليل الفرقة الناجية ، محمد بن زيد بن داعر (1/139)
ــ رحمة الله عليه وأرضاه ــ ، وكان محلقا ، مجتهداً ، سيما في أوصول الدين ، زاهداً عن الدينا ، متورعا عنها ، بسأما في وجوه الناس أجمعين ، وقبر فيه: المقري الأفضل ، العابد الأكمل ، عمر بن أحمد الشرقي ، وكان من عباد الله الأبقياء ، الخفيا ، أنحله الخوف ، وقطع أوصاله الحياء من الله، والشوق الى لقاءه ، وقبر فيه: راشد بن محمد بن نشيب وولده عبد الله بن راشد ، وكانا من أفاضل المسلمين ، ومن ذوي التقوى ، واليقين ، والورع الرصين ، والنفع لإخوانهما في الدين ما يفوزان به عند رب العالمين ، وقد قدمت ذكرهما في ذكر ورع إبراهيم الكينعي ــ رضي الله عنهم وأعاد من بركاتهم ــ ، ودفن فيه: الفقيه العالم يحيى بن محمد التهامي ، وكان عالماً في الأصولين والفرائض علماً راسخاً ، وتحقيقا بالغاً ، شيخه فيها الأمام المهدي بن قاسم ــ رحمه الله تعالى ــ وكان حسن الخلائق لطيف الطريق ، محسن الظن بالله ــ تبارك وتعالى ــ ، ومعتقد أن الله لا يعذب أهل التوحيد بالنار ، وكان يقول ــ رحمه الله تعالى ــ عفواًلله وكرَّمه أوسع من غضبه وانتقامه ، وبقي في المشهد المقدس موضع دفن فيه عامره سعيد بن منصور الحجي ، وكان فاضلاً ، عأبداً ، زاهداً ، أنفق أكثر ماله على اخوانه المسلمين والفقراء والمحتاجين ، وكان يتخذ الضيافات العظيمة للسادات والعلماء ويفكههم بأنواع الطيبات واللذات ، ــ فجزاه الله عنهم وعنا خيراً ــ ، وعلى هذا المشهد المقدس انوار النبوة وأعلام الهداية ، مقصود للزيارة من كل فج ، لايزال فيه الزائر والتالي والمتضرع الى الله في قضى مأربه أكثر النهار ، ما دعى فيه داع في حاجة الا قضيت . (1/140)
... وفد الى صنعاء رجل من شيراز متصوفاً صالحاً فأمسى بالقرب من المشهد ، فشاهد في الليل أنوارا تصعد من قبر المهدي بن قاسم حتى تبلغ أعنان السماء ، فاتخذ فيه عريشاً ، وعبد الله فيه مدة من الزمان ، أعاد الله من بركات من ثوى فيه وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خيراً . (1/141)
... وكتب في لوح على قبر السيد الأمام المهدي هذه الأبيات: إبن عمه السيد الأمام يحيى بن قاسم بن إبراهيم بن مطهر، وكان عالماً ، فاضلاً ، كاملاً ، مجاهداً ، أستشهد في حرب الباطنية الملاحدة حولي صنعاء ، وقبره في غربي صنعاء مشهور مزور ، وهذه الأبيات :
... ... ... ضريح فاز بالخير العميم ... وفاق بذى الكرامات الكريم
... ... ... وذاك صلاح دين الله حقا ... أخي الايات والذكر الحكيم
... ... ... وكيف يحيط بالمهدي قبر ... ولمحو الحسن من وجه وسيم
... ... ... ولم تسع الأراضي منه مجدا ... واحسانا وحسن ثناء مقيم
... ... ... فزار ضريحه في كل حين ... سلام من لدي رب رحيم
... وأما الفقيه الأمام محمد بن عبد الله بن أبي الغيث
الرقمي ــ رحمه الله تعالى ــ فكان عالماً ، مصنفاً ، مجتهداً ، عأبداً ، زاهداً ، ورعاً ، متواضعاً ، متخشعاً ، متبتلاً ، أواهاً ، منيباً ، قطع عمره في طاعة الله الخالصة ، النهار صيأما ، والليل قيأما ، ما ترك صلاة الجماعة خمسين سنةً أماماً شاهدته إذا خرج من بيته لصلاة الفجر يبكي كالثكلى ، وله جوار ، وكان إبراهيم الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ بأقواله وأفعاله يقتدي ، بارآئه يهتدي ، كما قدمت في أول الكتاب ، قال الأمام المهدي لدين الله على بن محمد بن على: من أحبَّ أن يرىَ مَلَكاً يمشي على الأرض فلينظر الى محمد بن عبد الله الرقمي ، والى حاتم بن منصور ، وله رحمه الله تصانيف جمَّة منها: كتاب ( تنبيه الراغبين الزاهدين ) ، بسيط ، ومنها كتاب ( التحفة في الأخبار النبوية ) ، وله كتاب: ( الأدلة من الكتاب والسنة على مراد الله تعالى من خلقه ) ، وله: ( مواعظ شافية ، وحكم بالغة ، موجوده مدونة ) ، نسخ بيده المباركة من ماله خمسه وعشرين ختمة القرآن العظيم ، وكتب أدعية وغيرها بيده المباركة ، وكان لا يدخر ممافتح الله عليه الا لثمَّانية أيام ، وإذا فضل عليه شيء من نفقة الثمَّان اتخذ مأدبة من اللحم والطعام ودعا عليه نفرا من اخوانه ، ومن طلبة العلم ، شاهدت ذلك مراراً ، وكان له كيس واسع يشتري فيه من السوق فتت الخبز والجزر وشيئاً من الزبيب ، ويطوف به على منازل الدرسة ، وكان يحمل الحطب والكبا على ظهره الى بيته وبيوت اخوانه تواضعا وتخشعا وتقربا ينفع المسلمين ، رأيته إذا مشى كأنه راكع من خشية الله ، وكان يدخل البيوت ويعظ النساء ويخبرهن بالواجب عليهن من الصَّلاة والزكاة وطاعة الأزواج ويطوف على الأرامل والأيتام ويقضى مأربهن حتى صلح من الرجال والنساء والصبيان ببركته خلق كثير في زمانه ، وكان إذا حضر في مجمع لم يكن منه فيه إلاّ وعظاً شافياً ودعاء وتضرعاً وبكاء وتخشعاً ، وترك الاقراء في آخر زمانه مشتغلاً (1/142)
بالعبادة الخالصة ، وقد فاز من العلم والتجارة الرابحة والسعايات الصالحة ــ انشاء الله تعالى ــ، وتوفي بصنعاء مشكوراً سعيه باقيافي الصالحين هدية ، قبره مشهور مزور ، تشد إليه الرحال ، وتسعى إليه زمر النساء والرجال ، قبلي صنعاء بالقرب من مسجده فروة بن مسك صأحبَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ــ رحمه الله تعالى ــ وأعاد من بركاته على العارف والسامع والمبلغ . آمين ، وخلَّف ختماً وكتباً ووصية فيها إبن بنته الفقيه الفاضل محمد بن أحمد بن يحيى بن حبيب الصنعاني ، وهو رجل فاضل عالم يضرب بورعه الأمثال ، ويقتدي به في الأفعال والأقوال محلق في فقه آل محمد ــ عليهم السلام ــ ذو عفاف ، وورع ، وقنوع ، وخوف ، وفزع ، مرافب أواه ، تارك لهواه ــ رضي الله عنه وأرضاه ــ (1/143)
... وأما الفقيه الأمام الحسن بن محمد النحوي ــ رحمه الله تعالى ــ فهو شيخ شيوخ الإسلام ، مفتي فرق الأنام ، مؤسس المدارس في اليمن ، محيي الشرائع والسنن ، طبق فضله الآفاق ، وانتشر علمه وفاق ، مضيت أقضيته وأحكامه في مكة ومصر والعراق وبلاد الشافعية والحنفية ، ولم يعاب ، كانت حلقته في فقه آل محمد تبلغ زهاء ثلاثين عالماً ومتعلماً في حلقه واحدة ، فشيوخ بلاد مدحج وآنس والمغرب وصنعاء وذمار وحجة والشرف والظاهر وبعض شيوخ الشافعية تحصرهم درسته وتلامذته وهو شيخهم ، وله تصانيف رايقة ، ومسائل في الفقه لائقة ، وأنظار منورة ، واجتهادات مسطرة علماًء العصر والأوان عاكفون عليها ومواظبون على درسها ، وهي تأتي مته مجلدة مفيدة جداً ، منها: كتاب في التفسير ( سمّاه : التيسير ) ومنها: كتاب في علم المعاملة ، كان لا يفارقه في أكثر الحالات ، وكان يقول: ذكر الصالحين وكرأماتهم جلاء القلوب القاسية ، وكانت أخلاقه شبيهة بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخلاق مفترة ، وسجايا شافية ، منبسط للقريب والبعيد ، مجلسه العام الناس فيه سواء موضف وضايف في يومه للأقراء ثلاثة أوقات أدْوَالاً تامة وللحكم وقتين لحاجة الناس الماسَّة الى أقضيته وأحكامه ، وللنسخ وقتا يعود به على نفسه وأولاده ، وما كان يأكل إلاّ من كديده حتى لقي ــ الله تعالى ــ ، وقد كان في بصره بعض ضعف ، وكان له من الورع الشافي والزهد في فضلات الدنيا الوافي ما لا يسعه كاغد ، يلبس العباء الخَلقَ والشملة الخلقة ، وما يلبس القمصان إلا للتجمل في المجلس العام . (1/144)
... وكنت أحضر في بعض الأحيان على غدائه أو عشائه فأجده خبزاً تارة براً ، وتارة شعيراً، تارة بحلبة ، وتارة يابس بجريش ملح ، ومن ورعه قال لي يوماً: ما لنا غداء اذاً لاضفناك وإن عندي لكيساً مملوءً دراهم لمسجد الجامع ما تساعدني نفسي اقترض منه درهماً ، وكان مجلسه ــ رحمه الله تعالى ــ لايذكر فيه احد من المسلمين الا بخير ، ومن ذكر فيه مسلماً بما لا يليق بحاله ظهر الضيق والظجر في وجهه الكريم . وقال لي يوماً: من تعود ترك الغيبة وظن السوء بالمسلمين سهل الله عليه ......... وسمعته يوماً ، يحكى: في مجلس الدرس أنه راى في المنام أن القيامة قامت وأن الناس في قاع صفصفا وليس راكب الا الأمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة ( ع ) راكب على فرس بيضاء ورديفه عليها رجل من المشرق يعرفه صالح والأمام يسرع بسير الفرس وهو يقول : لمثل هذا اليوم حسن ( في نسخة ....... : حسَّنَّا ) الظن بالناس ، لمثل هذا اليوم حسن الظن بالناس . (1/145)
... وكان أشدَّ الناس مودَّة لآل محمد وأكثرهم تعظيماً لهم وتوقيرا ، سمعته ــ رحمه الله ــ يقول: إذا لم يكن في حلقة قرائتنا من أهل البيت أحد ، أعتقده خداجا ونقص ، وكان تمضي أحكامه على وفق مراد الله فمن حكم عليه فكأنه من الرضى بقوله ، وفعله حكم له والمحكوم عليه والمحكوم له معترفان بفضله شاهدان بعدله وذلك ظاهر مشتهر ، وناهيك بها من كرامة تروى وآية تتلى ، وكانت = الفتأوى = ترد عليه من اليمن الأعلى والأسفل ومن تهامة ومن علماًء الحنفية والشافعية ومن عدن وجبلة وتعز لأنه ــ رحمه الله تعالى ــ أحاط بفقه الفقهاء ودرس فيه في زبيد وغيرها على علماًء الحديث والفقه وما عرف بمجتهد بعد الأمام يحيى بن حمزة في الفقه الا هو ، فكانت الفتأوى تشغله وتهمه ويجوَّبها ليلا لأزدحام الأوراد عليه في النهار ولو أفردت كتاباً بسيطا فيما أعرف من علمه وفضله وزهده وورعه وخوفه وخشوعه وأوراده الصالحة ، فصلا عن غيري لما أحطت باليسير من سيرته ، لكن قد عرض ذكره ولي فيه غرض ، وحقه عليَّ واجب مفترض ، لأني لم أبلغ التكليف إلا وأنا من جملة درسته ، وممن تعلق بمودته وأشرب قلبي بحبه ، فجزاه الله عني وعن كافة المسلمين أفضل الجزاء وبلَّغه من رضاه وعفوه أقصا المنا بمحمد المصطفى وأله أهل الشرف والوفاء . (1/146)
... وكانت وفاته ــ قدس الله روحه ونور ضريحه ــ ، في سنة إحدي وتسعين وسبعمائة وقبره ــ رحمه الله تعالى ــ فريب من باب اليمن بصنعاء اتخذ عليه الشيخ الصالح أحسن بن محمد بن شليف مشهدا وتقرب الى الله بذلك ، ومشهده مقصود مزور ، يتوسل الى الله بقبره في نيل الأمنيات ودفع البليات .
... (وكتب بيده ) في لوح على قبره هذه الأبيات الحاكية لحاله في الحال والماضي والمستقبل ، الفقيه الأمام العالم الفاضل جمال الدين على بن صالح بن محمد العدوي ، وكان من أكمل أهل زمانه في العلم سيما علوم القرآن ، فهو سيد أوانه فيها ، زاهد عابد فاضل كامل ــ ــ رحمه الله تعالى ــ عليه ورضوانه وهي هذه الأبيات : (1/147)
... ... أيا زائراً للقبر جدَّد به العهداً ... ولا ترى من تكرير زورته بدا
... ... وإن كنت لا تدري بما ضم لحده ... فدونك فاعلم ما الذي سكن اللحدا
... ... حوى القبر هذا العلم والحلم والتقى ونور الهدي والزهد والجود والمجدا
... ... فيا وحشة الدنيا لفقد ضيائها ... بمن كان طودا للشريعة فانهدا
... وخلَّف ولدين فاضلين عالمين كاملين ، اتبعا طرائقه واقتفيا آثاره وانتفعا بما علمهما ، فرشدا وأرشدا ، وهديا فهديا ، وصلحا فأصلحا ، عفا عن الدنيا الدنية وطهَّرا أخلاقهما من المرتع الوبية ، مكارم أخلاقهما تضرب بها الأمثال ، ولطف شمائلهما يعجز عنها الكملة من الرجال ، جمال الدين الأكبر محمد بن الحسن محلقا عليه في فقه آل محمد أنطاره وسجاياه مثل أبيه وورعه وزهده واجتهاده كأبيه ، أقضيته وأحكامه ماضية في مدن الإسلام ، وهو أقضى قضاة علماًء الزيدية الكرام ، تَفِد عليه الفتأوى كما كانت تَفِد من الأمصار الى أبيه .
... وعماد الدين يحيى بن الحسن من أفاضل وقته ، وعلماًء عصره ، محلقا عليه في فقه أل محمد ، ذو ورع ، وتقوى ، ودين ، محبب الى كافة المسلمين ، لطيف الشمائل الى القريب والبعيد ، مولَّع بكل عبد منيب ، اتخذهما إبراهيم الكينعي من أجل اخوانه واحلهما في ديوان أحبَّابه وخلانه وأشركهما في أدعيته وصلواته كما مرَّ ــ رضي الله عنه ونفع بهم ــ .
... وأما الفقيه الأمام شمس الملة المحمدية
وتاج العصابة الزيدية علي بن عبدالله بن أبي الخير ــ رحمه الله تعالى ــ
: فهو سلطان العلماء الأبرار ، وملاذعلماًء الأمصار ، لم يبلغ أحد في وقته مابلغ ، ولا أنتهى الى ماأنتهى ، جمع الفصائل عن يد ، وحاز الكمال وانفرد ، لم يبلغ الحلم حتى قد صار عالماً محلقا مصنفا ، نقل كتاب شرح الأصول غيباً وفرأه شرفا ونصف شرف ، وبلغ الحلم هكذا روي لي ــ رحمه الله تعالى ــ ولم يبلغ الى عشرين سنة الا وقد صار مجتهدا في العلوم في أصولها وفروعها وجليها وغامضها وله ــ رحمه الله تعالى ــ في كل فن تصنيف وموضع في الصولين والفروع والرد على المجبرة والفرق الإسلامية والملاحدة وعلوم المعاملة والزهد ، وحكايات الصوفية المحمودة منها والمذمومة الى زهاء خمسة وأربعين موضوعا ، ومن طلبها وجدها ، واستضاء بنورها ، واستصبح في ديجور جهله بضيائها ــ انشاء الله تعالى ــ ، فلمَّا بلغ من العلوم المنتهى ، وفاز منها بالقدح المعلا جاءه ، مخاطب التوفيق والأرتقاء الى سنام التحقيق ، العلم يهتف بالعمل ، فإن أجابه وإلا ارتحل ، عكف على كتب أهل التقوى واليقين واظب عليها عدة من السنين ، وراض نفسه رياضة يعجز عنها من عرفها وسمع بها ، دقَّق فيها وحقَّق ، وصنَّف فيها وراق وأشرق ، فهو أمام أهل الشريعة وشيخ أهل الطريقة ، واستاذ أهل الحقيقة . (1/148)
... رَوَى لي إبراهيم الكينعى ــ رحمه الله تعالى ــ قال : إنَّ عبد الجبار قاضي القضاة أبلغ الناس في علم الكلام وعندي أن علي بن عبد الله أبلغ منه وأغزر علماً واعظم فهما ، لكنه في زمان أهله عقق ، أو ما معناه هذا ، وسمع علي بن عبد الله تلقين الشهادة وكيفية الطريقة الى الله على المقري العلامة شمس الدين بركة أهل المذاهب من المسلمين أحمد بن محمد بن النَّساخ ــ رحمه الله ــ بسنده الى جعفر الصادق ، وزين العابدين الى علي ــ عليهم السلام ــ الى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وسمع إبراهيم الكينعي ماذكرعلى الفقيه الأمام علي بن عبد الله وأخذ عنه التلقين وكيفية الطريق الى الله واخلاص الذكر والعبادة ، فهو شيخ إبراهيم في زهده وورعه ، وقد وته في أفعاله وأقواله ، وكان لا يفارقه الفينة بعد الفينة لما يرد عليه من مسائل الشريعة وطرايق أهل العبادة والذكرو مايرد عليه من أحوال المريدين ، وما يطرأ عليهم من الشبه ، فيحلها بعلم وتجربة وكيفية التلقين موجود في خزانة إبراهيم الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ ، وها أنا أذكر طرفا من ذلك من املائه علي اخوانه ، وسمَّاه المقدمة والوظائف في طريق المريد والطائف : (1/149)
... بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلي الله على محمد وآله ، أعلم ــ أرشدك الله وإيانا ــ من نظر في عاجل أمره وعاقبة حاله لم يقر به قرار ، ولا يؤيه دار ، وأنه ليطمئن الى الفرار ، ويأوي الى الفيافي والقفار ، ويأنس بالسباع ، وينفر عمَّا تتوق إليه الطباع . إذ العاقل إذا شاهد الموت والفوت وما بعدذلك من الأهوالےلابد له منےأن يبےي نفسه ويوطَّنهےےعلى أحد ثلےثة أقسام : [الأےل] ےأما أ ےينكر ذلك وهذا هو ےلهلاك الأكبر مع أنےالعےلأےلا ےقبله ، وهيهات ما أبعده وهو مستحيل .
... [الثاني] : أن يقربه ولا يتحرز منه ولا يعد له عدة فهذا أقرب .
... [الثالث] : أن يتحرز ويعد له فهذا هوالسعيد ، فإن قيل: كيف لا يختار العقلاء مع كمال عقولهم طريق السعادة ؟ ، قلت: منعهم بل أعماهم حب الهوا وطول الأمل كما قال (ص): [ في حاشية الأصل هكذا: الوحقيقة الأمر المهلك انه حب الدنيا كما قال ( ص ) ] ( حب الدنيا رأس كل خطيئة ) ، ولقد تكلم العلماء في ذلك كلأما وعرفوا أن الخطأيا من حب الدنيا ، فإن قلت: فما الدنيا ؟ قلت : قد قيل: فيها معان كثيرة لكن الذي يليق بالحال أن يقول: الدنيا ما بعَّدك عن مراد الله وعن الأفضل مما يريده ، فإن قيل وما مراد الله والأفضل ؟ ، قلت: الطاعات كلها مراد الله ، لكن بعضها أفضل من بعض ، والأفضل يختلف بالأزمان والأشخاص والأحوال والأفعال وغير ذلك من القرائن التى لا حصر لها والبعد عن الأفضل نقص فإن قيل : فبما أخرج حبَّ الدنيا عن قلبي ؟ قلت بمعرفة آفاتها ووخيم عواقبها مع أن التكليف لم يرد بإزالة شهوة الشيء عن القلب لكن بالصبر عنه والكف وسياسة النفس حتى يرجع المشتهى مكروها ، وتكون الرغبة والشهوة في الأمور النافعة لا الضارة ــ بعون الله ــ ، فإن قلت: فبما أصل الى ذلك ؟ قلت تصل ــ انشاء الله تعالى ــ بقطع ثلاث عقبات، نذكرها على سبيل الجملة ــ انشاء الله تعالى ــ (1/150)
... الأولى ــ عقبة الصبر وهي الصبر على القيام بالواجبات واجتناب المقبحات وعلي ما آتاك من الإمتحانات من قبل الله أو من الخلق ومجاهدة النفس علي ذلك أولا فإنه يعود من بعد ذلك رضاء الله ــ خالصا بعون الله تعالى ــ .
... العقبة الثاينة ـــ عقبة الزهد فتزهد أولا في الشبهات ، ثمَّ في الحلآل ، ثمَّ في كل شيء الاالله فإذا لم يبق في القلب الا الله فذلك غاية السعادة ،ولكن بثلاثة شروط : [ الأول ] التزام الطاعة والشريعة ، [ الثاني ] أن لا تكره الدنيا ولا تحبها فأن ذلك شغل وغرور ، [الثالث ] : أن لا تعلق قلبك بذات الله على الحقيقة ، بمعنى التصور والتكييف فأن من نظر في الذات ألحد ،ومن نظر في المخلوقات وحد لكن على سبيل التعظيم له والإمتثال لأمره والإستعانة به والحاجة إليه في كل حال ، العقبة الثالثة : وهي عقبة المواظبة ، وهي أن تواظب على عشر خصال: الأولى: الندم على كل قبيح لقبحه ، وعلى كل اخلآل بواجب لوجوبه ، الثانية : العزم على أن لا تعود الى شيء من ذلك ، الثالث :اللجاء الى الله في كل حال والتعويل عليه في كل أمر ، الرابعة : الرجاء له ولكرَّمه واحسانه في كل شيء الا عند الذنب وذكره فإن الأولى الخوف ، الخامسة : الشكر وهي أن تشكر الله على السراء والضراء والشدة والرخاء ، وعلى كل حال من الأحوال ، السادسة : الذكر وهو بالقلب واللسان والأفعال جهدك ، السابعة : أن تنوي كلما زال عنك من مالك من غير اختيار منك ونية حاضرة فيه أنه من أوجب حق كان أويكون للأخذ والأ فمن حقوق الله تعالى أن لم يكن في معلومه أنه يعود ولاعوضه ، الثامنة : أن تقصد أن كلما فعلته أو تركته فإنه لكل وجه حسن يريد الله على الوجه الذي يريده ، الواجب لوجوبه ، والمندوب لندبه ، وأجتناب القبيح لقبحه ، والمباح لما يقترن يه من القرائن التى تصيره مندوبا ، التاسعة : أن بقدم الأهم فالأهم مما يعنيك ، العاشرة: أن تعرض عنما نهيت عنه وما لا يعنيك . (1/151)
... وبعد أداء هذه العشرة لا تزال نادما ، عازما ، لاجئا ، شاكرا ، ذاكرا ، نأويا ، قاصدا ، مقدما للأهم فالأهم ممَّا يعنيك ، معرضا عن القبيح وما لا يعنيك فإذا فعلت هذه فأنت أما متشرع أو متصوف ، وهذا التقسيم إنما هو في الطريقة ، وأما في الحقيقة فهما لايختلفان قط ــ أعني الشريعة والتصوف ــ فإن كنت متشرعا فخذ بالأفضل فالأفضل في حقك من الشريعة تبلغ خصال المتصوف ــ انشاء الله تعالى ــ ، وإن كنت متصوفا فحبذا ، لكن تجنب مقالاتهم المخالفة للشريعة ، وقد أشرنا إليها في بعض المواضع لكن من الواصلي (1/152)
ــ انشاء الله تعالى ــ ونشير إليها هاهنا ، ونأخذ من ذلك فنقول :اجتنب مذهب بعضهم في أن الإنسان فد يبلغ الى درجة يكون فيها قريبا من النبوة أو مثلها في بعض الأمور ، وأن التكليف قد يسقط عن بعض فضلائهم فلا يصلون ولا يأتون بواجب ، وعن اللوامة الذين يفعلون الذنوب حتى يلوموا أنفسهم ، وعمَّن يصوم الى آخر النهار ثمَّ يفسده لدفع العجب ، وعمَّن يعلق العظام برقبته في الأسواق لدفع الكبر ، وعن المذاهب الفأسدةمن التشبيه والجبر والإرجاء ، وعن تمثيل ( في ن: [ تصوير ] ) الوسواس والخواطر الفأسدة بالآلهام والوحي والمكاشفة والحظرة ، وعن امتناعهم من الجهاد مع أهل البيت وإجابة دعاتهم المحقين منهم ، وعن السماع والرقص ، والوجد ومشاهدة الجنة والنار ، وعن أفعال الحلولية الذين يقولون: أن الله عرض يحل الصورة الحسنة ــ تعالى الله عن ذلك علواً
كبيرا ــ .
... وبعد فأن حدّثتك نفسك بأنك قد بلغت المراد بعد الجهد في قطع هذه العقبات فأعرض عليها أموارا فإن وجدتها منقادة سلسة فقد بلغت ، وهي أن تختار الفقر على الغنى ، والشدة على الرخاء ، والجوع على الشبع ، والآلم على الصحة ، والذل على العز ، والعزلة على الأهل ، وغير ذلك من المشاق في طاعة الله وقتل النفس فأنه دين القوم ويرجا لك أن تكون من الواصلين المتصلين ــ انشاء الله تعالى ــ فإنك تبلغ ، ثمَّ تصل ، ثمَّ تتصل ــ انشاء الله تعالى ــ . ولمَّا كان الإجتماع من التابعين ما لا يخفي ، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم ( عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة ) فكيف عند اجتماعهم والبنا على وضائف تكون لهم فيه ــ انشاء الله تعالى ــ أحبَّ اضعفهم حالا في الطريقة الا مارحم الله الفقير الى الله ، تعالى على بن عبد الله أن يجعل هذه كالمقدمة لتلك الوضائف التى يختارونها ، وذكر تلك الوضائف بعدها ليذكرهم أن يشركوه في صالح دعائهم ، فلسان حاله ونطقه: يقول قد استوصيت جميع المسلمين بالدعاء وبما أمكن من القربات في الحياة وبعد الممات وما اصبنا فيه فالحمدلله ، وما أخطأنا فنستغفر الله ، والحمدلله عونك اللَّهم وصل على محمد وآله اللهم بلغنا رضاك وأختم لنابه يا كريم وجميع المسلمين واكفنا جميع الأسواء بمحمد وآله ، وتلك الوظائف ثلاث: منها ما يرجع الى الأوقات: وهي التى قد ترتبت الليل للعبادة قدر الإمكان ، والنهار للصوم قدر الإمكان ومن صلاة الفجر الى طلوع الشمس للذكر ، وبعده للعلم الى وقت الضحى ، وبعده لحوائج الدنيا ولأخوانه ، وبعد القيلولة الى الصَّلاة ، وبعده العلم الى العصر ، وبعده العصر للذكر والعلم أو الحاجة مما ينوب له أو لغيره من المسلمين ، ومنها مايرجع الى الأحوال: وهي أن لا يختص أحدا بشيء من رياسة الدنيا ولا بشيء من جهده ، ويكون اللباس الصوف وشبهه والأكل أي شيء كان ، ومنها ما يرجع الى الأشخاص : فالواقفون (1/153)
هذا حكمهم والزائر يكرَّم ويوعظ ، والمريد الوقوف يختبر حاله ، ثمَّ يعلم ، ثمَّ يدخل في الجملة ، وضابط الجميع : أن لا يشتغل بشيء وهو بقدر على أفضل منه ، ولا يقارب شيئاً من الدنيا الجايزة وهو يمكنه الصبر عنه . تمت المقدمة والوظائف ــ جزاه الله عن اخوانه وعن المسلمين كافة الجزاء الأوفا وحباه بالخير كله والحسنى ــ . (1/154)
... وله ــ رحمه الله تعالى ــ فيما نحن بصدده موضع حسن سميَّ (عقد اللآلي في العشر الخصال في التزود للمئآل ) العشر: نادماً عازما ، لاجئا ، راجيا ، نأويا ، قاصدا ، شاكرا ، ذاكرا ، تاركا ، مقدما للأهم فالأهم ، وشرح كل خصلة بشرح عجيب ، وتفصيل أنيق غريب ، وله موضوع سمَّاه ( ثمَّرة النظر وجولة البصر في تأويل {ولذكر الله أكبر } ) ، وله كتاب :( اللآلي المضيئات في تحصيل مسائل النيات ) ، وله موضوع سماه ( اصلاح الطويَّة بتحصيل صالح النية ) وله موضوع سمَّاه إبراهيم بن أحمد الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ
( الكافية الشافية فيمن اعترض على أئمة الهدي ومصأبيح الدجا ) ، وله موضوع في: الأسماء الحسنى وصفات الباري جل وعلى ، ومن املائه في الفتن الواقعة بين المسلمين فإن القاعد خير من القائم فيها وأن الإنسان يعمد الى سيفه فيدقه بحجر ، وله موضوع في: الدعاء وكيفيته ، ومختصري هذا لا يتسع لشيء مما ذكرت وهي موجودة ، فمن بحث وجد فيها الشفاء لعيه ، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( شفاء العي السوأل ) .
... وأما كيفية الذكر والتلقين: فهو أخذ عنه إبراهيم الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ ، ورواه ، وتلقَّنه بمحضري من الفقيه الأمام فخر الأنام وعمدة أهل الإسلام على بن عبد الله بن أبي الخير أيده الله ، وهو أخذ وروى وتلقَّن من المقري العلامة أحمد بن محمد النسَّاخ ، وأنا أروي وآخذ وتلقَّنت الذكر الشريف عنه ، وعن سيدي إبراهيم ــ رحمه الله تعالى ــ ، وعن المقري المذكور تبركا بذلك وبهم وبحكاية سلسلة السمَّاع ، فهو ماروى: علي بن عبد الله ابن أبي الخير ــ أيده الله ــ عن: المقري أحمد بن محمد النسَّاخ ــ أعاد الله من بركاته وجزاه عنا خيراً ــ ، قال المقري: أروي عن: مشائخي أهل الطريقة والحقيقة ــ قدس الله سرهم ــ أن الذكر حياة القلوب ، وجاذب أسرار الغيوب ، وبه يتصل المحب الى المحبوب ، كما أن النظر حياة العقول وجالب الحكم والعلوم ، وللذكر أصل ، وفرع ، وشرط ، وبساط ، وخاصَّة فاصلة الصفاء ، وفروعه الوفاء ، وشرطه الحظور ، وبساطه العمل الصالح ، وخاصيته وثمَّرته فتح من الله المجيد ، ومكاشفات لأسرار التےحےد . (1/155)
... وللذكر فضائل لا تحصى: منها: أنه لا ينقطع في الدنيا والآخرة ، ومنها: يدخل في الحصن الحصين ، قال الله تعالى ( لا إله إلاَ الله حصني فمن دخله أمن من عذأبي ) ، ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( أفضل ما قلت أنا .......... من قبلي لا إله إلاَ الله ) ، ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم (سبحان الله تملأ احدى كفتي الميزان ، والحمد لله تملأ الكفة الأخرى ، ولا إله إلاَ الله ترفع الحجب بين العبد وبين الرب ) ، واجمع الراسخون في العلم ــ قدَّس الله أرواحهم ــ أن لهذه الكلمة الشريفة أثرا عظيماً ، خاصة بليغة في رفع الحجب ، وهي سراج الظلمة البشرية ، ومفتاح خزائن الملكوت والذكر منشور الولاية ، فمن أعطي الذكر فقد اعطي المنشور .
... والذكر يكون بالقلب واللسان حميعا فإن اقتصر على أحدهما فالقلب أفضل ، وأهل العلم اقتبسوا هذا النور من روح سيدنا محمد المصطفى ــ صلوات الله عليه وعلى آله وسلامه ــ ، بواسطة روح أمير المؤمنين ، وسلطان العارفين ، أسد الله ، ووليه علي بن أبي طالب فإني أروي: عن: شيخي يرويه: عن مشائخه: أن أمير المؤمنين ــ كرَّم الله وجهه ــ جاء الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يارسول الله دلني على أقرب الطرق الى الله وأسهلها عليَّ عباده وأفضلها عند الله ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( عليك بمدأومة ذكر الله في الخلوات ، فقال علي ــ عليه السلام ــ : كيف أذكر يارسول الله ؟ فقال (ص): غمَّض عينيك واسمع مني ثلاث مرات ، ثمَّ قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا إله إلاَ الله ثلاث مرات وعلي يسمع ، ثمَّ قال علي : لا إله إلاَ الله ثلاث مرات والنبي يسمع ، فتلقَّن الحسن بي أبي الحسن البصري هذا الذكر من علي بن أبي طالب ( ع ) والحسن ــ رحمه الله تعالى ــ لقَّن الشيخ حبيب العجمي ، وحبيب العجمي لقَّن دأود الطاي ــ أعاد الله من سره ــ ، ودأود لقَّن معروفا الكرخي ، ومعروف أخذ من علي بن موسى الرضى ، وهو تلقَّن من أبيه جعفر الصادق ، وهو تلقَّن من أبيه محمد الباقر ، ومحمد الباقر تلقَّن من أبيه زين العابدين علي بن الحسين ، وعلي بن الحسين تلقَّن من أبيه الحسين ، والحسين تلقَّن من أبيه محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولقَّن سري السقطي ، وسري لقَّن أبا القاسم الجنيد ، والجنيد لقَّن أبا محمد بن رويم ، ورويم لقَّن محمد بن حنيف الشيرازي ، ومحمد لقَّن أبا العباس النهأوندي ، وأبو العباس لقَّن الشيخ أبا النجيب ، وأبو النجيب لقَّن فراحا الريحاني وفرح لقَّن وجيه الدين ، ووجيه الدين لقَّن أبا النجيب الشهروردي ، وأبوالنجيب لقَّن علي بن برعوش الشيرازي وعلي لقَّن عبد الصمد البطيري ، وعبد الصمد لقَّن (1/156)
بدر الدين الطوسي ، ونجم الدين الإصفهاني ، وهما لقَّنا حسن السميري ( في ن: [ السمسيري ] ) ، والحسن لقَّن شيخي ذي الأنوار والأسرار يوسف الكوراني بمصر ، وشيخي يوسف لقَّنني كيفية الذكر فكشفت رأسي ، وغمضت عيني ، وتربعت بين يديه ، وقال: ثلاثا ـ وأنا أسمع ، ثمَّ قلتها: ثلاثا وهو يسمع ، وكذا البسني الخرقة المباركة كما ألبسه شيخه عن مشائخه المتدأول من بركتها ، ونسبتها الى من ذكر حسبما ذكر ، وكتب اضعف العباد وافقرهم الى سيده الذي لا يخلف الميعاد أحمد بن النساخ ــ تغمده برحمته ــ ، ثمَّ أني لقَّنت سيد العلماء الراشدين ، وقدوة المخلصين جمال الدين علي بن عبد الله بن أبي الخير أيده الله تعالى ووقف بين يدي وغمض عينيه وقلت : لا إله إلاَ الله ثلاثا وهو يسمع ثمَّ غمض عينيه ، وقال : لا إله إلاَ الله ثلاثا وأنا أسمع ، وقد أذنت له أن يلقَّن الذكر الذي هو وسيلة العارفين وكذلك الحزب المبين من يشأ يرويه ولمن يشأ ، يسمع الله منا ، وأعاد علينا من أنوار من ذكرنا وتبركنا بأمائهم وأسرارهم بمحمد وآله الطاهرين ، في سنة ثلاث وسبعين وسبع مائة سنه ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم . (1/157)
... ثمَّ أن الفقيه الأمام جمال الإسلام وبركة الأنام علي بن عبد الله ابن أحمد بن أبي الخير
ــ أيده الله تعالى ــ لقَّن سيدي إبراهيم بن أحمد الكينعي: الذكر العظيم والسر الكريم كما ذكرنا ، وكذا الحزب المبين ، والبسه الخرقة المباركة حسبما ألبسه شيخه عن مشائخه ، ثمَّ إن سيدي إبراهيم لقَّني : الذكر العظيم والحزب المبين وألبسني الخرقة المباركة تبركا بفعلهم واقتباسا لأنوار من ذكر وأسراره ، وكتب الشريف تعريفاً: الفقير الى الله اللاجئ الى مولاه يحيى بن المهدي بن قاسم بن مطهر الحسيني أمدَّه الله بالآلطاف ، وأمَّنه مما يحاذر ويخاف بجاه محمد وآله ، ونحن نتبرك بذكرهم آمين آمين ، وصلى الله على محمد وآله وسلم .
... قال المقري: وهذا حزب مشائخ شيخي أرويه (1/158)
: عنه ، وهو يرويه: عنهم ــ رضي الله عنهم أجمعين ــ فمن أراد الخير كله والأنوار والأسرار ويدخل الحصن الحصين فليقرأه بعد كل صلاة ، وبعد سنتها ، وهو على وضوء جالسا متربعا مستقبل القبلة واضعا راحته على فخذيه ، وإن كانوا جماعة احتلقوا حلقة ذكر ، فيقرأ الفاتحة عشر مرات ، وقرأهذا الحزب المبارك ، فيقول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلاَ الله ، والله أكبر ، ولاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ، فضلا من الله ونعمة ، شكرا من الله ورحمة ، الحمد لله على التوفيق ، ونعوذبه ونستغفر الله من كل تقصير وتفريط غفرانك ربنا واليك المصير ، سبحان العلى ربي الأعلى الوهَّاب ، سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ، سبحانك ما عرفناك حق معرفتك ، سبحانك ما قدرناك حق قدرك ، وأشهد أن لا إله إلاَ الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيى ويميت ، وهو حي لا يموت ، بيده الخير ، هوعلى كل شيء قدير ، ثلاث مرات وإليه المصير ، لا إله إلاَ الله الحق المبين ، لا إله إلاَ الله أرحم الراحمين ، لا إله إلاَ الله أكرَّم الأكرَّمين ، لا إله إلاَ الله حبيب التوابين ، لا إله إلاَ الله غيات المتستغيثين ، لا إله إلاَ الله الملك الجبار ، لا إله إلاَ الله الواحد القهار ، لا إله إلاَ الله الحليم الستَّار ، لا إله إلاَ الله العزيز الغفار ، لا إله إلاَ الله أبداً حقا حقا ، لا إله إلاَ الله تعبدا ورقا ، لا إله إلاَ الله قبل كل شيء ، لا إله إلاَ الله بعد كل شيء ، لا إله إلاَ الله يبقى ربنا ويفني كل شيء ، لا إله إلاَ الله المعبود بكل مكان ، لا إله إلاَ الله المذكور بكل لسان ، لا إله إلاَ الله المعروف بالإحسان ، لااله الا الله وحده ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وأعز جنده ، وهزم الاحزاب وحده ، ولا شيء بعده ، لا إله إلاَ الله له النعمة ، وله الفضل ،
وله الثناء الحسن ، لا إله إلاَ الله ، ولا نعبد الا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ، هو الأول ، والأخر ، والظاهر ، والباطن ، وهو بكل شيء عليم ، ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ، حسبنا الله ونعم الوكيل ، ونعم المولى ، ونعم النصير. (1/159)
... فإذا فرغ من الحزب المبارك كرَّر قول : لا اله الا الله ، يسدد بالقوة على لفظة الاثبات ، من مائة الى مائتين الى ثلاث مائة الى أربع مائة الى خمس مائة الى الآلف الى أكثر فإنه يرى العجائب والأنوار والأسرار والأفكار ، ــ إنشاء الله تعالى ــ ، لأن قول لا إله إلاَ الله ترفع الحجب ،
وأوصى إبراهيم الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ : أن يجعل هذا الحزب وسنده في كفنه مع ختمة القرآن ، جعلها في كفنه مجلدة كالهيكل وخطوط الأئمة والصالحين بالدعاء والتضرع الى الله سبحانه .
وأما ورعه ، ــ أعني علي بن عبد الله
ــ ، وزهده وبعده من الدنيا وأهلها فهاك مايشفى وما هو حجة عليَّ وعليك الا مارحم الله مخَضَ أمره مخض السقاء ، وتشكك حتى في جرع الماء واقتات النوا حتى فيما ينبذ ويلقى ، صار إليه منا ثوب من الصوف يسأوي ستة دراهم في مقابلة عوض منه وفضل فأبرأته منه مراراً ، وبعته منه مراراً ، واسقطته عنه مراراً ، وكلما اتفقنا كرر كلام ذلك المسح البالي ، بقوله :قد ابرأت وأنا قبلت خيل ليَّ أن المجالس التي كرر ذلك علي أثنا عشر مجلسا أو نيف وأربعون مجلسا ، ما لفظة: البراء والأسقاط والصرف ، وكذا حكاه لي: من أثق به في عشرة اصواع من الطعام ، وعشرة دراهم باحتة فيها وفي أصلها واصل أصلها وصارفه فيها ،وأبرأه منها ، إن يكن مستحقا للصرف ولا هبة والا صدقة والا يدرا ، وفعل المعطي ذلك في المجلس فصدرله وكلاء عدة بالبراء وصحة ما قد فعل فيها الى نيف وخمسة عشر موقفا ، وهلم جراء ، ولله دره من زاهد ، من نظر الى قوله تعالى:{ فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } ، قل فعله في التحرز في معنى ذلك والخشية لله تعالى ومن تقرزه في الطهارت ما لا يمكن وصفه ، من اختلاط طهارت أهل الملل المختلفة في المساجد ، وكفار التأويل ما لا يمكن وصفه ، ولا يدخل بيوت الأغنياء والأمراء رأساً ، ولا يصافحهم أبداً ، شديد المولاة لأهل الله ، شديد المعاداة في الله ، قد تبلغ معه الحاجة غاياتها فلا يبالي بمشقة نفسه وأطفاله ، ولو بسط يده لنال من الدنيا منتهاة لجلآلة قدره ، وعظم مودته في قلوب الأئمة الهادين وأهل الدنيا وذوي المال من المسلمين ، ومكارم أخلاقه فائقة وفضله وفواضله وكرَّمه وشفقاته رائقة ، اقل الناس كبرا ، وألطفهم جانبا ، حلو الشمائل ، بسأما في وجوه خاصة الناس وعامتهم ، ما رأيته عبس وأزوارَّ عن أحد من الخلق فيما أعرف واحسب ، محب لآل محمد بجنانه ولسانه وسيفه وسنانه ، وجاهد الباطنية مع الأمام الناصر ( ع ) (1/160)
بحراز وغيره ، وتحمل في ذلك المغزى مشقة السفر وكأبة المشقة ، وكان معه تلميذه وقرت عينة وعيون المسلمين السيد الأمام الصَّوام القوام المختص بالفضائل المنير با شرف الخلآل وألطف الشمائل الناصر بن أحمد بن الأمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى ، وهذا السيد أعاد الله من بركاته أكمل أهل زمانه ، وآية أوانه ، جمع العلم والعمل والورع والزهد والكرَّم ومكارم الأخلاق برمتها يؤهل للخلافة ويرجا لدفع كل مضرة ونيل كل مسرة ، وهو بحمد الله لعيون المسلمين قرة ، وقرائته في كل العلوم على الفقيه الأمام على بن عبد الله بن أبي الخير ، وهو له ولآل محمد كالوالد الحدب ، وشيخه في كتب الحديث عمه الأمام الواثق المطهر بن يحيى ، وكان إبراهيم الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ في ذلك المغزا ثالثهم مع عدة من العلماء الراشدين والأفاضل المقربين أعاد الله من بركاتهم ، ونفعنا بمحبتهم ، وجزاهم عن الإسلام وأهله خيراً ، ولمع البارق يدلك على النوا المطير ، ــ وعند ذكر الصالحين تنزل الرحمة والبركة ــ . (1/161)
... وسأذكر من عين من اخوانه ــ رضي الله عنه وعنهم ــ في موضعه إن عنّ ــ انشاء الله تعالى ــ وبالله الثقة .
الفصل الثامن ، والتاسع في كرأماته الظاهرة والباطنة
وما فتح الله له في مجأورته البيت العتيق من الأسرار والكرامات في اليقظة والمنام :
الأولى: كتبت الى الفقيه الأمام علي بن أبي الخير ــ رحمه الله تعالى ــ وقد تضجر في بريه مدينة صنعاء لخريف العنب اسأله عما يعرف من كرأمات سيدي إبراهيم بن أحمد الكينعي ــ رحمه ا لله تعالى ــ ، فجوَّب كتاباً منه أن قال: سأل من أمره مطاع: ومخالفته لا تستطاع أن أذكر من أمور أخي الفقيه الأوحد بركة الزمان ونور الأوان أويس العصر وإبراهيم بن أدهم الدهر إبراهيم بن أحمد الكينعي نفع الله به وأعاد من بركاته فلقد فاقت فائضلة (1) الحصر وفاق على فضلاء العصر ــ فرحمة الله عليه ــ في كل حين، مزورة في البكر والاصيل ، هيهات ان يأتي الزمان بمثله إن الزمان بمثله لبخيل ، فأقول: كان الفقيه نفع الله به وافر العقل ، رصين الذهن ، شديد الورع ، عالم في كل فن من الفنون الدينية ، درس في الإبتداء على فقيه اليمن وعلامة الزمن أمام أهل العبادة المشهورة بالتقى والزهاد حاتم بن منصور في الفقه حتى بلغ الغاية ، فأقرأ فيه ومن تلامذته فيه: الشيخ الخضر بن الهرش المعروف بالتدقيق ، والتحقيق ، والذكاء ، والمعرفة الباهرة ، وكان تلازمهما في الصحبة أمر مشهور ، وكان في الفرائض وتدقيقها هو المشار إليه فيها حتى فاق في ذلك أهل عصره ، وكان في سائر الفنون من الرجال المهرة ، ولقد كنت أعجب من ذكائه وفطنته وفهمه في كل فن ومراجعته منه المراجعة الحسنة الواقعة ، ثمَّ اشتغل بكتاب الله تعالى فأتقنه غيباً ، ثمَّ طالع تفاسيره وكتب الصوفية فكان أماماً في ذلك ، ثمَّ مع هذا ، فتميز علم الشريعة والطريقة والحقيقة ، ويقوم بكل واحد منهما علماً وعملاً بحيث جمعهما على أحسن وجه محمود الوفاق ، ثمَّ كثير التحنن على الإخوان ، لا يغفل النظر في حوائجهم والعناية فيها بكل جهده ، وأما تحرزه وورَّعه فبلغ منه أنه قال لي : قد عزمت أني لا أريد اكل من العنب لا أجل تخليط المواريث ، وكان لباسه الخشن من الصوف ، وأما المأكل ، (1/162)
__________
(1) ـ لعلها : فضائله .
فقال: أنه لايضره مع أنه قد تحققه في كثير من الأوقات غاية وأكثر وقته الصوم ، وقال لي: أن الآلتفاتة الواحدة قد تشغله عن قرأته ، وذكره ، وإقبالة قلبه ، وقطع الليل في العبادة كان دأبه ، وقال لي في أوائل أمره: أنه يرا كأنه يطير ، وكأنه في ربعة في الجو ، أوشبه هذأوهو من بركة قراءته: قل هو الله أحد فيما أظن ، وقال في انتهاء امره: أنه يجد لذة في نفسه يختارها حتى على الجنة وعلى كل شيء وقال: لا يجد في نفسه شيء من الشك في العقيدة ، ولا تغير قلب علىمسلم ، ولايرضا أن أحدا يعاقب من أجله ، وربما قال: لوكان الموت مكنه لفعله ، وكان يذم نفسه كثيراً ، وكان يذكر أنه بعد ما لزم الطريقة يشم رائحة طيب المرأة كأقبح ما يكون ، وينفر عنه غاية الى غير ذلك من الخصال الحسنة ، نفع الله به آمين آمين آمين ، تمَّ كتاب الفقيه الذي كتب اليَّ (1/163)
... الكرامة الثانية :ما أكرَّمه الله بقوله تعالى في محكم كتابه الكريم: { الله نزَّل أحسن الحديث كتاباً متشابها مثاني تقشعرَّ منه جلود الذين يخشون ربهم ، ثمَّ تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله ، ذلك هده الله يهدي به من يشاء } ، وبقوله تبارك وتعالى: { إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون ، والذين هم بأيات ربهم يؤمنون ، والذين هم بربهم لا يشركون ، والذين يؤتون ما أتو ا وقلبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ، أولائك يسارعون في الخيراًت وهم لها سابقون } وبقوله تعالى: { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ، وإذا تليت عليهم أياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون ، أولئك هم المؤمنون حقا لهم جنات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم } ، وبما روي: أن بلآلا أذن الفجر ، واستبطأ رسول الله(ص) ، فدخل عليه منزله ، وقال :يارسول الله فما أجابه ونظر إليه فإذا هو ساجد ، وناداه: فلم يجبه ، وحرَّك قدمه صلى الله عليه وآله وسلم فلم يجبه ، فصاح
وا ويلاه ! مات رسول الله فأغارت ابنته فاطمة ــ عليها السلام ــ ، وقالت: مهلاً يا بلآل هذه الغشوة التى تصيبه من خشية الله تعالى ، فأفاق صلى الله عليه وآله وسلم وكأنه قطنة غمست في زعفران وعرقه ينحدر كالجمان فقال : يابلآل مر أبابكر فليصل بالناس فإن اعضاي مضطربة لمَّا ترك ــ رحمه الله ــ الدنيا كما مر في أول المختصر ، وأقبل على نقل الكتاب العزيز فنقله غيباً على أخية يحيى بن محمد الخشخاسي كما حكى لي ، قال: لما نقلت القرآن الكريم ، وكنت أتلوه بالليل ، ويخيل لي أني واقف في الهوا ، فتارة أتلوه بالعذوبة والشفا ، وتارة ما اجزع فيه واتردد في الآية الواحدة مراراً ، وكان أولا يرتعش ويصفار ، ثمَّ في التشهد ينتفض ويتململ جنوبه ، ثمَّ تناهى به حتى ينتفض انتفاضا شديدا ، ثمَّ يسقط على الأرض مغشيا عليه ،ثمَّ يفيق وقد مج دمه ،ثمَّ تناهى به حتى خيف عليه الموت ويقع من قامته على ما وافق من حجر أومدر أو شاهق أوجدار أوشوك ، لأنه لا تستطيع دفعه ولا دفاعه بالمرة الكا فية أولا من خوف الله والنار ، قال الفقيه الأمام علي بن عبد الله: من أراد أن يقتل الفقيه إبراهيم ذكر عنده النار ، فاتقوا الله أيها الإخوان فيه ، ثمَّ تناهى به حتى يسقط ويقف مغشيا عليه أكثر النهار أولا من الخوف ،ثمَّ الحياء من ــ الله تبارك وتعالى ــ ، ثمَّ من الإجلآل والتعظيم ، ثمَّ إذا ذكر سبحانه عنده بما لا يليق بحاله الكريم فسألناه عن ذلك فقال ــ رحمه الله تعالى ــ : كنت أولا أخشر على نفسي أن تزهق وأجد الم الموت عيانا ، ثمَّ أني الآن أجد في سقوطي لذة وقلبي كامل العقل مشغول بالله بعالى ، ولقد أجتهدت في سقوطي أن أحرك يدا أورجلاً أو لسانا أو جفن عيني ما استطيع أبداً وأما عقلي فبحمد الله محفوظ ولا ينتقض عليَّ طهور، وتناهى به حتى أعتراه الثمَّول ، شاهدته مرة يمحض أخاه في الله سعيد بن منصور الحجي على هذه الحالة واميس منه ، (1/164)
فناداه: يا إبراهيم: اذكر ربك فانتعش وقال : ياسعيد لم أنساه فاذكره ، وكانت هذه الكلمة موقظة له في ذلك الثمَّول ، وكان يسقط في الخلاء والملأ وقد تقدم من بهت من سقوطه في أول المختصر ، فهذه أجل الكرامات ، وقد روي: أنها لا تكون إلا في المصطفين من الأولياء كما حكي: عن مالك بن دينار ــ رحمه الله تعالى ــ أنه مرعلى سوق الشوائين ، فنظر الى الرؤس المشوية فتلى: { تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون } ، فسقط مغشيا عليه ، فحمل وما أفاق الا بعد ثلاثة أيام ، وقد قيل: أن القلب إذ صفي ورق كان كالماء في الإناء ادني شيء واهراق ، روى أبو طالب المكي في كتاب ( قوة القلوب ) : أن للخوف سبع مفائض يفيض إليها من القلب وقد يفيض الى السحر وهي الرية فيذهب الأكل والشرب وينشف الدم ، وقد يفيض الجوف الى الكبد ، وقد يفيض من القلب الى المرارة فيحرقها فيموت العبد ضعفا ، وقد يطير الخوف من القلب الى الدماغ فيحرق العقل ، وقد يفيض من القلب فيورث الكمد اللازم والحزن الدائم ، ويحدث الفكر (1/165)
الطويل والسهو الدائم الذاهب ، وهذا من مقأمات الأخيار المصطفين ، وقدكان في هذه
الطبقة جماعة من التابعين والصَّحابة ، كان عمر: يغشى عليه فيقع من قيام فيضطر كالبعير ، وكذا سعيد بن خثيم ، وكان من زهَّاد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن أمراء الاجناد ، وقد روي عن حمران بن أعين: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قرأ آية في سورة الحاقة فصعق ومات حمران ــ رحمه الله تعالى ــ ، ومن التابعين منهم الربيع بن خيثمَّ ، وأويس القرني وزرارة بن أوقا ونظرائهم ، قال أبوطالب: وقد يفيض الخوف من القلب الى النفس فيحرق الشهوات ويمحو العادات ويخمد الطبع ويطفي شعل الهوى وهذا أحمد المخأوف عند العارفين ، والعارف معتدل بين الخوف والرجاء .. الى آخر كلامه .
... الكرامة الثالثة ـ وروي أخص اخوانه عنده السيد العالم الفاضل الزاهد الهادي بن علي أنه حثه على قرائة آية الكرسي ورغبه أن قال: إني قرأتها فسمعت مناديا ينادي: يا إبراهيم ، وروى عنه شخص أنه: قال: عقيب قراتها: يا إبراهيم قد قبلناك ، وروى عنه آخر: أنه سمع مناديا ينادي ياإبراهيم ليهنك ما أعد الله لك . (1/166)
... الكرامة الرابعة ـ مارواه الفقيه العلامة الأكمل الأفضل يحيى بن محمد العمراني ، وكان اخص اخوانه عنده وقف معه بالحيمة بالمغرب شيتاً الشتاء ، وكان يقف في مسجد حدور بالحيمة ، ونفقته عند أحبَّ اخوانه إليه هذا فيروي: عنه: كرأمات: منها: أن بعض اخوان الفقيه عول عليه أن يكون نفقته إبراهيم معه مدة يسيرة فاستحياء منه ، فأختلفت ليفقة فتغير حال الفقيه ، وأصابتهه وحشة عظيمة ، وما ساغ له الطعام الذي يؤتى به ، فوافق الفقيه يحيى ، وأخبروه بالقصة وودعة ليرتحل فشق ذلك عليه ، وقال: إني استحييت من ذلك الصَّأحبَّ وأنا أعرفه كثير الصَّلاح والعفة والدين والتحرز في إخرج الزكاة وغيرها فوقف واستمرت نفقته من بيت أحبَّ الناس إليه الفقيه المذكور ، فبحث الفقيه يحيى عن سبب عدم اساغة الفقيه إبراهيم نفقته الى هذا المسجد الخالي في القفر الموحش ابن أخ لهذا الرجل يتيما فعرف كرامة الفقيه إبراهيم ــ اعاد الله من بركاته ــ ، ومنها: أنها نفرت نفسه أيام أ فيما يأتيه من التفقه وتركها وبقرب هذا المسجد شجرات عالية فيأتي وتحتها من أطايب الفواكه التين والبلس ، وقد انحط عن الشجر العالي الى الأرض فيأكل منه رغبته ويدع الباقي ، ومنها ، أنه قال صالح وتلميذه علي بن أحمد ين همدان ، قال: روى لي: إبراهيم بهذه الكرامة ، ورواها: السيد الهادي أيضاً: أن نفسه اشتهت شحماً ولحماً ، فإذا بربعة مملوئة من الشحم واللحم النضيج طرحت إليه من طاقة عالية في المسجد وتركت بين يديه غير مفتوحة ، وسأل صالح هل وصلت لي بربعة فيها شحم ولحم ؟
قال: أنا في المغرت لا نعرف الثرب فيها ولا يذبح فيها الا ، الماعز والضأن معدوم في المغرب ، ومنها مرضى شفيواً ببركة دعائه ، ووضع يده عليهم عدة ، وتتابع بركات وثمَّرات في وقوفه معهم في ذالك المسجد المبارك مالا يمكن شرحه لكثرته وميلي الى الإختصار الا للأهم المستفيض (1/167)
... الكرامة الخامسة ـ مارويت عنه ــ رحمه الله تعالى ــ أنه قال: كنت في حصن المصاقر ببلاد مدحج فجيئ بعصيدة حسنة بمحضر القاضي حسن بن سليمان ، وعدة من الأفاضل الزاهدين فعوَّلوا عليَّ في الأفطار فساعدتهم رغبة في ادخال المسرة عليهم فذكرنا اسم الله ومدوا أيديهم الى الطعام وأردت امد يدي لأكل معهم فما امتدت يدي أبداً بل كأنها عود يابس فقمت وقلت: ترجح لي اتمام الصيام ، وبحثت عن تلك العصيدة فقيل: أن أصل عملها لمتولي أمر كان معنا في الحضرة ، وكان ابتداء هذا اللطف لي في كل شيء فيه شك وغصب وقد كنا إذا جيئ له بطعام ولم يتنأول منه شيئاً عرفنا أن فيه مافيه الى وقت لقائه لربه .
... الكرامة السادسة ـ ماروي تلميده وأقرب الناس إليه على بن أحمد بن همدان الصنعاني ، وهو رجل أبتدء هدايته على يد الفقيه إبراهيم الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ وأخذ من عوارفه وأسراره فصار الآن صالحاً ، راشداً ، مرشداً ، منوراً ، قد انكشف له من أسرار الأسماء الله الحسنى ما أنس به وتنور واهتدى وكُفي ووفي ونال بها المنى وله مكاشفات تروى وأسرار تتلى ، قال: كنا مع سيدي إبراهيم الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ بشعب موتران شرقي جبل نقم صنعاء وقفنا معه في ذلك الشعب أشهراً ، وشاهدنا من أسراره وعوارفه وكرأماته وبركاته ما يصعب ذكره لأتساعه ، أعظمها أن قال لي: اشتغلت بنفقتكم وجوعكم فشغلني ذلك وألمَّ قلبي ، فسمعت ها تفا يقول : يا إبراهيم إن علمت أنا نتركهم أو نضيعهم فيحق لك أن تشتغل بهم ، وإن علمت أنا لا نتركهم فلم تشتغل بهم ، قال: فسكن ما بي والحمدلله .
... وري: عنه أيضا قال لي : فقدت أخا من اخواني يسمى منيفا ، وكان مختليا في برَّية بالبادية على مرحلَّين ، فحك في قلبي رؤيته فحرج عليَّ شخص ، فقلت: من أنت ؟ فلم يجيبني ، فقال شخص عن يميني: هذا منيف فسررت برؤيته ، قال الراوي: وسمعت أن منيفا قال: أنه حمل من مسجد ورد إليه تلك الليلة ، وسأذكر لهذا منيف كرامة أذكرها في موضعها ــ انشاء الله تعالى ــ وسأل هذا عن شيخه إبراهيم ــ رحمه الله تعالى ــ قال : ياسيدي لم لا تر عينا شيئاً من فتوحاتك الخاصة ، فقال: اني إذا ابديت شيئاً عوقبت عليه ومنعت اشياء محصورة . وقال له يوماً: كيف شأنك في ابتدا ء أمرك ؟ قال: كنت شديد النفرة عن الناس ، وكنت أسكن البراري والقفار ، فقلت : ياسيدي هل استوحشت قط ؟ قال : لا إلا في ليلة جأتني إمرأة بعيس ، وسألتني بالله لأتناول منه فتناولت ، فأصابتني وحشة كادت روحي أن تزهق ، فبحث عن أصل ذلك الطعام فقيل أن ملحه من وجه مشكوك فيه فتبت الى الله تعالى . (1/168)
... الكرامة السابعة ــ مما فتح الله عليه من الأسرار والأنوار بمجأورته مكة المشرفة ، وهي كثيرة جدا لكني أذكر ما وجدت بخط يده المباركة فيما وصلني بعد موته من كتبه وأوراقه التى كانت لا تفارقه في السفر والحضر ، منها: كتب بخطه الذي أعرفه معرفة لا لبس فيها ، ما لفظه: حسبي ربي وكفى ونعم الوكيل ، لما كنت ماشياً الى العمرة في بعض ليالي شهر رمضان المعظَّم ، أعاد الله من بركاته ، في النصف الأخير ، وإذا بأذني اليمين تذكر سيدي وخالقي ورازقي ، وكان من ذكرها ، وإن قدمت أو أخرت في اللفظ ، يارباه ويارباه ويارب ، يالله يارحمن ، بصوت ظاهر ، ليالي متتابعة ، فسرني هذا من غير أني اعتقد أن فيه زيادة قربه هذا الذكر الماضي من غير موافقة ، وذكراً آخر مع الموافقة ، ياغوثاه يا الله ، وكل لفظ مكرر تكرارا كثيراً ، ثمَّ خطه بيده المباركة ، وقصد بلفظ الموافقة الله يعلم موافقة الملائكة لأنه حكى لي: أنهم كانوا يوافقونه ــ رحمه الله تعالى ــ في طريق العمرة ويسمع الهرج والكلام كأنهم جماعة والله أعلم . (1/169)
... الكرامة الثامنة ـ ما وجد ت بخط يده المباركة بعد موته التى أشهد أنه خطه شهادة لا لبس فيها: أنت أنت وصل يارب على محمد وآله وسلم حصل لي في مكة ــ شرفها الله تعالى ــ ثلاث ساعات ، ساعةمن باب المعرفة ، وهي أحبَّ اليَّ من مائة عمرة ، وساعة من باب الشوق لست أعدل بها شيئاً ، وساعة من باب الأنس وغيره ، وهي أحبَّ اليَّ من مامضى من عمري كله من الأفعال والأقوال والأفكار ، وبعد هذا حصل في قلبي الم فكاني به وقد أخرج قلبي الى مقابل لي وشق وأنا أبصر ، فما وجد فيه شيئاً مما يوجد في القلوب التى ليست بطيبة ، وبعد هذا غسلوه وأنا أبصر ، وكنت مشتهي ابصر الإناء الذي يصب منه الماء فما حصل لي الأ رؤية الماء وبعد هذا ردوه كما كان الى موضعه الذي كان فيه ، هذا كله في اليقظة لا في المنام ، ثمَّ أنه حصل لي وقت ممتد من بعد صلاة الظهر الى قبيل العصر في النصف الأخير من شوال من قبيل الفرح والسرور ، فأنساني بما قبله ، وما أمكنني أعدله بشيء مما في الدنيا أو مما في الآخرة لأنه حصل فيه فنا عن الكائن والمكونات وعن جميع الشهوات ، ورضيت النفس بها وقرت وسكنت وما زاد تطلعت الى شيء غير هذا ، وحصل لي فيه لطف خفي زادني في المعرفة ، ولم يداخلني مثقال ذرة أنه زادني قرنة الى الله عز وجل فله الحمد كثيراً ، تم ما كتبه بيده المباركة . (1/170)
... فإن قال قائل: هذه معجزة كانت من معجزات نبينا (ص): ، قلت: هي وإن كانت من أبلغ كرامات الأولياء فهي معجزة لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم وقلت: ليس في العالم كله أشرف من الملائكة والأنبياء والمؤمنين ، لقوله تعالى: { شهد الله أنه لا اله الا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط ، لا اله الا هو العزيز الحكيم } والمومن أحتوشته جنود رحمة ، وجنود فتنة ، فمن جاهد جنود فتنه فاز ونال الكرامات في الدنيا والأخرة وللشرف كله حاز العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ، وسؤالك يا هذا كالخازباز .
الكرامة التاسعة ـ ماوجدته بخط يده المباركة بعد وصوله كتبه وأثاثه من مكة بعد موته ــ رحمه الله تعالى ــ ما لفظه: ، أنت أنت وصل يارب على محمد وآله ، لما كان في يوم الجمعة من النصف الأخير من شهر صفر سنة احدى وتسعين وسبعمائة ، وأنا أدعو لأخ من أخواني وإذا بقائل يقول: قد أنجاه الله من النار ، ورضي عليه ، وكرر عليَّ الكلام مراراً ، ماأدري كم هي ، وقال لي : وقع لا تنسا ، وأضف الأمر اليك ، وأكتبه في قرطاس نقي ، وبشره بهذا ، وهو سعيد بن منصور الحجي رحمه الله رحمة الأبرار ، وأن مجار من النار كل هذا في اليقظة لا في المنام ، تم ما كتبه بيده المباركة ، وقد تقدم ثلاث كرأمات في فضل الأمام الناصر صلاح ابن علي ــ عليه السلام ــ بخطه بعد موته ، فقف عليها ــ انشاء الله تعالى ــ (1/171)
الكرامة العاشرة ـ ما وجدته بخط يده الكريمة بعد موته ــ رحمه الله تعالى ــ ، حسبي ربي ، وصل يارب على محمد وأله أخبرني بعض الإخوان: أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد صلاة العشاء ليلة الخميس ليلة خمس عشرة من شهر المحرم سنة احدى وتسعين وسبع مائة ، قال الرسول (ص): هذا إبراهيم ما طلبتاه الى مكة الا ليجاور بغير التكليف انشاء الله ، وكان صبح هذه الليلة بعد صلاة الفجر وحصل في قلبي من المحبة الوقوف في مكة شيء لا يعلمه الا الله الذي أحدثه بعدما كانت نفسي قد نفرت من مكة والوحشة ممن فيها وصأحبَّ هذا الرؤيا قد حصل لي منه رؤيا جأت علىمارأى كأنها وحي ، تم ما كتبه بيده ــ رحمه الله ــ .
الكرامة الحادية عشر ـ تفجر ينأبيع الحكمة من قلبه على لسانه كما قال (ص): ( من أخلص لله أربعين صباحا ظهرت الحكمة من قلبه على لسانه ) ، ولقد كان ينثر من كلام الحكمة اللدَّني ما يبهر العقول ويذهب اللب . حكى لي ــ رحمه الله تعالى ــ في أبتداء أمره: أنه كان كلام الحكمة يمر على قلبه ويشغله حتى يكتبه في الحجارة وفي التراب وفي غشاء مصحفه حكمة لدنَّية لا مسموعة ، وسأذكر طرفا منها في فضله ــ انشاء الله تعالى ــ ، ومن أبيات الشعر الحكمية من قلبه ، وسمعه في الليل من غيره . (1/172)
الكرامة الثانية عشر ـ ما جاءني في كتاب من مكة المشرفة من السيد الأمام الجامع لخصال الكمال خير الخلق وخلاصة أهل الشرف محمد بن علي النجيبي الحسيني البخاري ــ أعاد الله من بركاته ــ ، وهو الذي حكى لي سيدي إبراهيم بن أحمد ــ رحمه الله تعالى ــ في كتاب منه أن قال: من جملة ألطاف الله تعالى لي في مكة المشرفة أن جمع بيني وبين السيد محمد ، وعرفني به فانتفعت كثيراً في أموري كلها حتى أني في جنب ما يعرف مني في علم المعاملة في جنبه كمثل أهل شعوب في جنب عالم حمع علم الشريعة وعلم الحقيقة ، سيرته كسيرة فضلاء الطريقة لباسه في مكة سدارا من صوف لحره وبرده ، وما يدخر من الدنيا قليلا ولا كثيراً الا يفرقه في وقته ، وله كرأمات وتنويرات أذكرها لك عند الأتفاق ــ انشاء الله تعالى ــ وتأتيه الفتوحات من كل فج فلا يدخر منها شيئاً ، وهو عالم في كل فن أقرب الى الحداثة ما يعد في لحيته شيبة فيما أعرف فجزاه ربي عني خيراً ، هذه صفة السيد في كتاب إبراهيم الكينعي ــ رحمه الله ــ .
وأمَّا كتاب السيد الذي كتبه الي فهو بسيط حسن موقفاً يدل على غزارة علمه منه ، أن قال: من الأخ الفقير المعترف بالتقصير محمد بن علي الحسيني النجيبي البخاري الى سيد شريف يحيى بن المهدى الحسينى الهمك الله ذكره ، وأوزعك شكره ، ورضاك بقدره ، واعلم يا سيدي: أنه ورد في الأخبار: ( يموت المرء على ما عاش عليه ويحشر على [ما] مات عليه ) . نسأل الله التوفيق والموت على الإسلام لنا ولأحبابنا وحسن الخاتمة ، ومنه: الحمدلله الذي أشرق نوره في قلوب أوليائه ، فاستنارت به سماوات أرواحهم وأرض نفوسهم واشباحهم ، الله نور السماوات والأرض ومن فيهن ، السنتهم بذكره لهجة ، وقلوبهم بنوره بهجة ، إن نطقوا فعنه ، وإن استمعوا فمنه ، فكم من منشور لوأ ولاية يخفق عليهم وراية خلافة قد خرج إليهم ادخلهم إليه مدخل صدق بالغناء عما سواه ، وأظهر هم للخليقة مخرج صدق تأمين بنوره وسناه فهم برازخ الأنوار ، ومعادن الأسرار ، وصلهم لما قطعهم ، وجمعهم لما فرقهم ، وغيبهم عنهم ، فلو قسم نور واحد منهم على أهل الأرض لوسعهم . (1/173)
... ومنه أن قال: العلماء ورثة الأنبياء أي: العلم بالله لان العلم بالله يورث الخشية لقوله تعالى: { إنما يخشى الله من عباده العلماء } ، ولم تزل سلسلة الصلاح تمتد من وقت نبينا صلى الله عليه وآله وسلم الى وقتنا هذا ، ولن تزال الى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وهو خير الوارثين ، فالله تعالى يحقق نسبتنا من هذه الطائفة ، وأن يتوفانا على محبتهم وأن يزيدنا منهم ودَّاً ، ولايجعلنا ممن نقض له عهداً بمنه ولطفه ، ومن لطف الله بنا وعوارفه علينا أن جمعنا وعرفنا بشيخ زمان ، قطب المكان ، سعد المودين ، وأهل الدين ، سيد مهتدين ، شيخ ، الفاضل ، العالم ، العامل ، الكامل ، بتكميل الله إبراهيم بن أحمد الكينعي اليمني فخر بمن ويد الزمن كفل الله هدايته بمنه وجوده ، ورقاه في غايات شرفه بحق محمد وآله أجمعين ، أعرف سيدي شريف أخي يحيى أكرَّمه الله بالأسرار الربانية والمعارف الآلهية ، أن سيدي شيخ إبراهيم حجة من آيات الله فضله ، عظمه ، كرَّمه عند الله جسيم ، زواره ملائكة الله ، ومؤنسه كرام الحضرة الآلهية ، يشاهد ذلك عينا في المكة والبيت العتيق وطريق العمرة ولقد حضر علي ما شهدت ولولا ذلك لأخبرتك بعجيب غريب قريب مجيب ولعل الله الكريم المنان يجمع البين ، ويدني الديار ، ونفوز بلذة الأخوة الصالحة في الله . (1/174)
... ومنه في آخر كتابه: تخالف الناس في الصوفي واختلفوا ، وكلهم قال قولا غير معروف ، ولست أمنح هذا الأسم غير فتى صافا فصوفي حتى سمي الصوفي ، وقال قلبي الصوفي: مركب من أربعة حروف الصاد والوأو والفاء والياء ، والصاد صبره وصدقه وصفاه ، والوأو وجده ووده ووفاه ، والفاؤ فقده وفقره وفناه ، والياؤ إذا تكمل فيه ذلك تعلق قلبه بمولاه ، وقال قلبي :
... ... حبيب ليس يعدله حبيب ... وما لسواه في قلبي نصيب
... حبيب غاب عن بصري وشخصي ... ولكن عن فوادي ما يغيب
... تم ماذكرت من كتاب السيد المذكور ، وهو بسيط وكتاب آخر ابسط منه وفيه مايدل على اتصاله بطاعة المولي وإنفصاله عن الدنيا الدنية ، وغزارة علمه وتغطمط فهمة وحلمه ، ــ أعاد الله من بركاته ومن بركات من نحبه فيه وله ــ . (1/175)
... الكرامة الثالثة عشر ـ ما رواه لي الفقيه النقي التقي الطاهر الناشي على طاعة الله وعبادته وخوفه وخشيته أحمد بن عمرو البخاري الصنعاني ــ وفقه الله تعالى ــ : انه رأى بعد موت إبراهيم الكينعي في منامة الجنة وقصورها وأنهارها ، ومنازل الأنبياء والصالحين ومنزلة عالية ، قيل له: هذه منزلة إبراهيم بن أدهم ــ رحمه الله تعالى ــ ، ثمَّ رأى قصورا عالية وأنهارا جارية ، ورأى فيها شيخه إبراهيم بن أحمد الكينعي ، وهي أعلى من منزلة إبراهيم بن أدهم ، فقال: سبحان الله منزلة الكينعي فوق منزلة إبراهيم بن أدهم ، فقال له قائل: لولا أن منازل الأنبياء لا يحلها أحد من الآدمين سواهم لكان بها إبراهيم الكينعي ،
ورأى حي الفقيه العامل الزاهد الكامل المقري علي بن أحمد البصير في منزلة في الجنة حسنة ، فقال: بما نال علي البصير هذه المنزلة الحسنة ؟ فقيل له: أنه كان ينسل من فراش أهله فيتلو القرآن ويصلي في الليل .
ورأى هذا أحمد: أن الفقيه الصالح الفاضل حسن بن يوسف الشوي في الجنة ، في قصور وحور ، ومنزلة عالية ، فقال : وبما نال هذه المنزلة ؟ قيل: لأن يعلم القرآن لله ولا يأخذ على تعليمه أحرا . حكيت هذا في المنام للفقيه الأمام علي بن عبد الله بن أبي الخير ــ رحمه الله تعالى ــ ، فقال : هذا عندي أن منزلة إبراهيم الكينعى أبلغ من منازل من تقدمه من ألأولياء والصالحين ، قلت : ومن إبراهيم بن أدهم ؟ قال : ومنه لأنه صبر صبراً لم يصبره أحد من المتقدمين على مجاهدة نفسه ورياضتها ، وبنا أمره على العلم والخشية .
الكرامة الرابعة عشر ــ ما رواه أخص اخوانه عنده السيد العالم الزاهد الورع الهادي بن علي العلوي ــ أعاد الله من بركاته ــ : أنه رأى إبراهيم بن أحمد الكينعي في المنام على حال رضية ، ووجه مشرق ، قائم يصلي ما بين السماء والأرض على سمت قبور صنعاء بباب اليمن ، وسمت مشهد السيد الأمام المهدي بن قاسم ، ومن فيه من اخوانه العلماء العاملين . ــ أعاد الله من بركات من ذكرنا أجمعين ــ . (1/176)
الكرامة الخامسة عشرة ــ ما رواه لي الفقيه العالم الفاضل الورع الشديد الورع محمد بن أحمد بن يحيى بن حبيب ــ وفقه الله تعالى ونفع به ــ : ما سمع عن حي إبراهيم الكينعي ـ رحمه الله تعالى أن إبراهيم رأى في المنام أن قائلا يقول له: مكتوب على جبينك الأيمن ، محكوم لك بالسعادة ، وروايته لي بعد موت إبراهيم أحسبه ما كان يرويه عنه في حياته الله أعلم .
الكرامة السادسة عشرة ــ مأوجدته بخط يده بعد موته ، قال : كنت واقفا في مكة بين المغرب والعشاء ، فأمرت أن أقسم بالله بالجلآلة ثلاث مرات على الحاجة المهمة ، وقبل القسم فقرت عيني وسكن قلبي ، وقيل لي : قد كفيت كل ماكان ينوبني من أمور الدنيا وأمور الأخرة بجود الله وكرَّمه فله الحمد دائم بدوامه ، تم ما كتب بخط يده المبارك .
الكرامة السابعة عشرة ــ ما رواه لي الفقيه الفاضل محمد بن على النهمي وهو: رجل أوَّاه ، منيب ، من عباد دهره ، وزهاد عصره ، منقطع الى الله تعالى بالكلية ، لازم لمساجد الخلوات ، من تلامذته ــ رحمه الله تعالى ــ أنه ــ رحمه الله تعالى ــ كان واقفا في هجرة الأوصاب وأراد أن يقيل فقام وأخد ركوته وقال : وقع في نفسي أن أخي راشد واصل الي اليوم فألقاه الى مكان فلان فسار الى ذلك المكان فلقي أخاه راشدا وسلم عليه وأخبره: أن شخصا أخبره: بقدومه من غير موعد بينهما فقضيا مأربهما من الأتفاق ورجع ــ رحمه الله تعالى ــ الى الهجرة وراشد رجع الى صنعاء .
الكرامة الثامنة عشرة ــ ما رواه لي الفقيه الأفضل أحمد بن علي النونو تلميذه ــ رحمه الله تعالى ــ عن: السيد الأمام الواثق بالله المطهر بن أمير المؤمنين ــ عليهم السلام ــ ، قال: إبراهيم الكينعي أمان لأهل الأرض من بواعث أيات القيامة ، ومثل ذلك قد رويته: عن: الأمام الناصر ــ عليه السلام ــ أنه قال : القلب واثق بالله أن ما يصيبنا فتنة وإبراهيم الكينعي بين أظهرنا ، وكان كما قال وزعم . (1/177)
توفي إبراهيم الكينعي
في ربيع الأول سنة ثلاث وتسعين وسبع مائة سنة ، وتوفي الأمام ــ عليه السلام ــ في أخر شهر القعدة منها ، بعد أن سقط ــ عليه السلام ــ بعين حلحال بحجة ، فلما توفي ( ع ) هاجت الفتن وتوالت المحن ، وحصل بين المسلمين المخالفة والأحن ، وظهرت شوكة الباطنية ، وبارزت العرب الباري ــ تبارك وتعالى ــ بالمعاصي الظاهرة بحيث لا احتشام ولا حياء ، فإنالله وإنا إليه راجعون .
الكرامة التاسعة عشرة ــ ماروى تلميذه وزميله في الحضر ورفيقه في السفر حسن بن موسى بن حسن ، وقد تقدم ذكره وفضله ، قال: كنت مع سيدي إبراهيم ــ رحمه الله تعالى ــ ببلاد بني سهل في قرية يقال لها( الحمره) فقال : يأحسن إعلم أن النوم بحمد الله قد ملكته بعد أن ملكني إن شئت أن أنام نمت ، وإن شئت لا أنام ولو أضطجعت لم أنم ، وإن شئت ينام جسدي وقلبي مع الله فعلت ، وإن شئت ينام قلبي نام .
... وقال لي: هذا حسن رصدت أياماً متتابعة هل أرى لسيدي إبراهيم شيئاً من الأذى وأنا معه في بيت واحد لا أفارقه الشهر ، فما رأيت شيئاً ، فقلت له: إني مترصد لعلي أرى لك شيئاً من الأذى في هذا الشهر الذي أنا معك فيه فما رأيت شيئاً ، قال : وأنا أيضا مارأيت شيئاً ، حتى أني احس بيدي بعد المخرج فما أجد شيئاً قط ، وقد تقدم فضل الفقيه حسن وصدقه .
الكرامة العشرون ــ ما روى لي الشيخ العابد ، الزاهد ، المنقطع الى الله بالكلية ، المختص ـ على زعمه ـ بإسم الله الأعظم ، عبد الله بن صالح ، وهو رجل ترك الدنيا بالمرة ، لباسه السَّلب الخشن ، قليل الأكل يطوي ، الى قرين الخمسين يوماً ، إن قام قال: الله ، وإن قعد قال: الله ، وإن تكلم قال : الله ، فلسانه وقلبه مشغول بالله ، منوَّر القلب ، حافي القدم ، حاسر الرأس يفتح عليه من أسرار الأسماء وأدعياتها شيئاً كثيراً ، من رآه بهت وإنزجر عن الدنيا ، عف وادَّكر ، قال: لما بلغني كرامات سيدي إبراهيم واحد مشائخي في الدين وفي علوم أهل اليقين توسلت الى الله بمحبته ومعرفته أن يفيض عليَّ بما أفاض عليه ويكرَّمني بمثل ما أكرَّمه ، فكنت ليلة في مؤخر جامع صنعاء فسمعت أذني تذكر الله ، ثمَّ أنفي ، ثمَّ أصابع يدي ورجلي بذكر عجيب غريب ، كل ذلك ببركة إبراهيم ، وتحريك خاطري وتعلقه به وتذكره ، هذا ذكر أعضاي ... وله الحمد لله سبحانك أنت الله العلي الأعظم ، وأنت أعظم سبحانك أنت الله الكريم الأكرَّم ، وأنت أكرَّم ، سبحانك أنت الله العليم ، والأعلم وأنت أعلم ، سبحانك أنت الله القادر القدير وأنت أقدر ، سبحانك أنت الله الرحمن الرحيم وأنت أرحم . (1/178)
... هكذا كما رواه لي .
الكرامة الحادية والعشرون ــ ما حكى بعض اخوانه: أنه رأى في منامه سنة خمس وثمَّانين أن القيامة قامت ومد الصراط على شبه الدرج لكنها ضيقة المرتقى ، وإبراهيم بن أحمد الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ أعلى درجة منه في منزل فيه الظل هو ، والرائي على شبه المتنزه ، والمتفرج على الناس ، وهم في شدة ضنكا وإذا بقائل يقول: ما جاز إلا عبيد الله وأبو القاسم بن إبراهيم بن هشيم شاهدهما الرائي جازا على الصراط الى برَّية حسنة بيضاء نقية على صفتهما ولباسهما ، وهذه كرامة لإبراهيم وعبيد الله ولأبي القاسم وللرائي ــ انشاء الله تعالى ــ وهذا أبو القاسم ــ أعاد الله من بركاته ــ : أقبل على طلب العلم فنال منه ، ثمَّ ترك الدنيا وخلاطة أهلها ، ونقل القرآن غيباً على المقارئة الحذَّاق ، ولزم مواضع الخلوات سنيناً وشهوراً ، فتنور قلبه وأطرح الدنيا وأهلها بخلاف غيره ، ومهما أشتهر فضله وبركته في جهة فرَّ الى جهة أخرى ، وهو أحد تلامذة إبراهيم الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ وأخص اخوانه وأحبَّابه عنده ، لا يملك من الدنيا شيئاً قط الا ما وارا عورته من المرقَّعات ، وله كرامات تحكى وحكم ، لدنية تروى ، ووظائف في العبادة والتلاوة يعجز عنها غيره . (1/179)
الكرامة الثانية والعشرون ــ ما روى تلميذه وتربيته الفقيه الفاضل علي بن سلامة المدحجي ، وكان مجاوراً معه في البيت العتيق: سأله يوماً ؟ ، قال له : هل يعرف سيدي إبراهيم جبل إبراهيم وهو على خمس مراحل من مكة مما يلي بجيلة السَّراةَ ؟ قال له إبراهيم ــ رحمه الله تعالى ــ : ما جبل إبراهيم عندي الا كدرجة بيت سعيد الحجي ، أي لا أزال فيه ، ولا علمت أنه سار إليه ظاهرا قط في حججة كلها .
... الكرامة الثالثة والعشرون ــ وهي الكرامة العظما ، والفضيلة الكبرى ، التى عجز عنها أفاضل الصحابة والتابعون ، فيما يروى ، وهو ما قال لي يوماً ــ رحمه الله تعالى ــ : يا يحيى ــ بعدكلام طويل ووعظ نبيل ــ إني إذا دخلت في صلاة فريضة كانت أو نافلة لم يعلم الله مني أني ذكرت الدنيا وأهلها فيها منذ منة ستين وسبع مائة ، والحمد لله تعالى على هذه النعمة الكاملة ، ذلك فضل الله يؤتية من يشاء والله ذو الفضل العظيم . (1/180)
الكرامة الرابعة والعشرون ــ ما وجدت بخط يده المباركة بعد موته ــ رحمة الله عليه ــ ورضوانه ، ما لفظه: ياهو يا هو صل على محمد وأله لماكان في آخر صفر سنة احدى وتسعين وسبع مائة ،وأنا بمكة ــ شرفها الله تعالى ــ وأنا مشغول القلب بشخص أحبَّه كثيراً وأدعوله بأن الله يحفظه وينصره ويرضى عنه ، فأجبت وأنا في اليقظة: بأنَّا قد حفظناه ونصرناه ورضينا عنه ، وأمرت أن أكتبه لا أنساه ، وكرَّر عليَّ مراراً ، وقيل لي: بشَّره بهذا ، فيطيب قلباً ، ويقر عينا ، وهو الأمام الناصر صلاح بن علي ــ عليه السلام ــ قال: ورأيت في المنام في شعبان سنة تسعين ، وأنا ــ بمكة شرفها الله تعالى ــ وإذا بحي القاضي حسن بن سليمان ــ رحمة الله عليه ــ فسألته عن شيء يتعلق بالأما م فقال القاضي : وأنا أشهد أنه أمام حق بالتحقيق .
... ورأيت بخط يده المباركة بعد موته ما لفظه : حسبي ربي وكفى ونعم الوكيل ، وكان ــ رحمه الله تعالى ــ لا يكتب إسم الذات في القراطيس خشية أن يستخف بها ، قال: كان في نصف شهر رمضان المعظم ــ أعاد الله من بركاته ــ ، طلبت أدعو عند الملتزم بما كنت أدعو لهذا الشخص فقيل لي ـ في اليقظة: ـ قد استجيب دعاؤك فيه وأمرت أن أكتبه فكتبته ، وهذه الكرامة له وللأمام الناصر ولمن أحبَّهم بشارة ــ انشاء الله تعالى ــ ولمن شايع وتابع وبايع ، أسأل الله العظيم ذلك وتصديق الظن فيما هنالك .
الكرامة الخامسة والعشرون ــ مارواه لي تلميذه ، وتربيته ، الفقيه ، الفاضل ، الزاهد ، المتخلي عن الدنيا ، المنقطع الى الله بالكلية: يحيى بن أحمد الصنعاني: أنه رءا في المنام وهو بصنعاء ،ملائكة في ساحة مسجد نضير ، عليهم الهيبة والسكينة ، وهم في الطول كالمنارات ، وإذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم قاعد بينهم كالقمر المستدير ، فأمسك بيد الرائي وقال للملائكة : انتظروني ها هنا حتى أزور إبراهيم الكينعي ، فأمسك على يد الرائي وسار حتى دخل عليه موضع خلوته بيت سعيد بن منصور الحجي ، فدخل لزيارته وانتظره الرائي حتى خرج ، فأعطاه زبيبا حسنا وسار معه حتى دخل بين الملائكة في تلك السَّاحة المباركة . (1/181)
الكرامة السادسة والعشرون ــ ما رواه يحيى المقدم الذكر: أن الفقيه عبد الله بن قاسم البشاري سمع عليه كتاب ( عوارف المعارف ) ، فسأله عبد الله البشاري بمحضر الفقيه يحيى : هل تسرنا بكرامة لك تشرح صدورنا ؟ فقال : مالي كرامة الا أني إذا أردت أمرا أو سفرا وسألت الله الخيرة سمعت شخصا يقول: أفعل أو لا تفعل .
الكرامة السابعة والعشرون ــ مارواه هذا يحيى عن: تلميذ إبراهيم الكينعي ــ رحمه الله ــ منيف ــ رحمه الله تعالى ــ: أنه كان قاعدا معه في نواحي ذمار فالتفت ولم ير الفقيه إبراهيم ، فسار منيف حتى وصل الى صنعاء فسأل سعيد بن منصور متى وصل إبراهيم ؟ فقال : قبل أمس وقت كذا فنظر منيف فإذا هو الوقت الذي استلفت فيه ولم يره .
الكرامة الثامنة والعشرون ــ ما تفاءلت في حقه ، وفتحت المصحف الكريم ، وظهر لي في حقه هذه الآية الكريمة : { إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين ، شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه الى صراط مستقيم ، وأتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الأخرة لمن الصالح } ــ انشاء الله تعالى ــ في شهر رمضان سنة ست وتمثَّلت وسبعمائة ، ولله القائل ـ تمثلت به وتفاءلت:
... أحبَّبت ياسيدي أناسا ... في وسط البابهم حللتا (1/182)
... شغلتهم بك فاستراحوا ... انلتهم منك ما أردتا
... سألتك الله أن تهب لي ... مثل الذي لهم وهبتا
... ومن نظر الى كرامات الإمام الناصر الأطروش الحسن بن على ( ع ) استصغر ما حكيناه: ، والذي حكيناه عنهم وعن الأمام الناصر بجنب ما أعد الله لهم في دار كرامته ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولاخطر على قلب بشر ، قليل في جنبه ، والله تعالى يقول:
ــ وقوله الحق المبين ــ { إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين ، كانوا قلبلا من الليل ما يهجعون ، وبالأسحار هم يستغفرون }
... الكرامة التاسعة والعشرون ــ أني رأيت في منامي في نصف شهر شوال سنة ست وثمَّانين: أن حيَّ سيدي الفقيه الأمام إبراهيم بن أحمد مسجى بيننا وحضر قوم على دفنه ليسوا من جنس بني آدم ، فقال قائل منهم : فما يرون أماناً دون ما يرجون ، ولا خوفا دون مايحذرون ، وقال قائل منهم: يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذة اللشاربين ، لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون .. آية الصافات الى آخرها .
... ومما نقل من كلامه ومن خط يده مما نحن بصدده ، قال: الحمد لله الذي أسعدنا به عن غيره وبه عن ذكره ، ولا يعرف هذا ويصفه الا من ذاقه ، ولا يجد لذة طعم العسل الا من ذاقه ، فمن لم يسلك الطريق فلا يكن منه نكير على أهل التحقيق ، فهي منح من الملك الجبار يفيضها على من يشاء ويختار ، فإن لله عبادا لهم معه أحوال إذا فارقتهم بقوا إليها يحنون وعليها يأنون لهم في أول الليل مكأيده ، وفي آخر الليل مشاهده ، بعين قلوبهم لا بعين أبصارهم ، فهم به والهون ، وعن غيره غافلون ، شغلهم به عما سواه ، فقطعهم عن الذكر والصَّلاة وعن الفكر والقرائة هؤلاء الأبطال لا أنت يابطال ، لم يشتغلوا بالقيل والقال ، ولا في مجالسة الرجال ، ولا في المراء والجدال ، تم كلامه الرائق ورسمه الفائق ، ولله القائل مما نقلته بخطه: (1/183)
... ... ... تضيق بنا الدنيا إذا غبتم عنا ... وتذهب بالاشواق أرواحنا منا
... ... ... بعادكم موت وقربكم حيا ... وإن غبتم عنا ولو نَفَسَا مِتْنا
... ... ... نموت إذا غبتم ونحيا بذكركم ... وإن جاءنا منكم بشير اللقا عشنا
... ... ... فلو لا معانيكم تراها قلوبنا ... إذا نحن أيقاظا وفي النوم إن نمنا
... ... ... فقل: للذي ينهى عن الوجدأهله ... إذا لم تذق معنا شراب الهوى دعنا
... ... ... الم تنظر الطير المقفص يافتا ... إذا ذكر الأحبَّاب حنَّ الى المغنا
... ... ... وفرح بالتغريد يوماً فؤاده ... فيطرب أرباب العقول إذا غنا
... ... ... كذلك أرواح المحبين يافتا ... تحركها الأشواق للعالم الأسنا
... ... ... فإن لم تذق ماذا قت القوم يافتا ... فبالله ياخالي الحشا لا تعنفنا
... ... ... وسلم لنا فيما ادعينا فإننا ... إذا غلبت أشواقنا ربما صحنا
... ... ... وفي السر أسرار دقاق لطيفة ... تباح ذمانا جهرة لوبها بحنا
... ... ... فلا تلم السكران في حال سكره ... فقد رفع التكليف في سكرنا عنا (1/184)
ولله الحلاج (1) حيث يقول في أبيات وجدتها بخط إبراهيم الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ
... ... ... لبيك لبيك ياسري ونجواي ... لبيك لبيك ياقصدي ومعناي
... ... ... أدعوك بل أنت تدعوني اليك فهل ناجيت إياك أم ناجيت إياي
... ... ... ياكل كلي وكل الكل ملتبس ... وكل ذلك ملبوس بمعناي
... ... ... يامن به كُلِفَّت نفسي فقد تلفت وجدا فصرت رهينا بين أهواي
... ... ... أدنو فيبعدني خوف ويقلقَّني ... شوق تمكن في مكنون أحشاي
... ... ... حبي لمولاي أظناني وأسقمني ... فكيف أشكو الى مولاي مولاي
... ... ... يأويح روحي من روحي فيا أسفاه علي مني لأني أصل بلواي
... ... ... كأني غرق تبدو أنامله ... ... تغوثا وهو في بحر من الماء
... ... ... وليس يعلم مالا قيت من أحد ... الا الذي حل مني في سويداي
... ... ... ذلك العليم بما لاقيت من دنف ... وفي مشيئته موتي وإحياي
... ... ... ياغاية السؤل والمأمول ياسكني ... يا عيش روحي ويا ديني ودنياي
... ... ... قل لي: تعاليت ياسؤلي ويا أملي ... كم ذا اللجاجة في بعدي وإقصاي
... ... ... إن كنت بالغيب عن عيني محتجا ... فالقلب يرعاك في الابعاد والناي
__________
(1) ـ في حاشية الأصل هكذا ( في بيت الحلاج قسوة وخلاف الأدب ........ ترشد ) .
ومما نقلته من خطه ــ حفظه الله ــ: من عابد زمانه وأويس أوانه سليمان بن محمد البوسي الصنعاني ، وكان رجلاً صالحاً ترك الدنيا مع الغناء ، ولبس الشعر ، وسكن في القبور ، وطال عمره في الزهد والعبادة والفقر والإفتقار ، وكان دأبه إذا دخل المدينة يلتقط القراطيس المكتوبة من الأسواق والأزقة ويدعها في بيت حتى إمتلاء منها ، وأوصى ببيته لمن يلتقط القراطيس الى الآن ، وأنفق جزءً من ماله أتخذ منه طرزا في محاريب الجامع والمساجد بلا إله إلا الله محمد رسول الله ، وتطرف برواية في فضل أهل البيت عليهم السلام وهو : (1/185)
... ... ... ... رأيت ربي بعين قلبي ... ... فقال: من أنت ؟ قلت: أنتا
... ... ... ... أنت الذي حزت كل جود ... وكل ملك قأنت أنتا
... ... ... ... فأين لا أين منك كلا ... ... وليس حيث بحيث أبتا
... ... ... ... وليس للوهم فيك وهم ... فيعلم الوهم كيف أنتا
... ... ... ... أشار سري ليك حتى ... ... فني فناي ودمت أنتا
... ... ... ... ففي فناي فنى فياي ... ... وفي فياي وحدت أنتا
... ... ... ... خيال عيني سرور قلبي وحيثمَّا كنت كنت أنتا
... ... ... ... وذكرك بفمي وحبك بقلبي وجلآلك بروحي
... ... ... ... وجمالك بعقلي وكما لك بكلي فأني تغيب
... ومما قاله إبراهيم ــ رحمه الله تعالى ــ
... ... ... ... ببابك عبد واقف متضرع ... مقل فقير سائل متطلع
... ... ... ... حزين كئب من جلآلك مطرق ... ذليل عليك قلبه متقطع
... ... ... ... أنا الضارع المسكين ممدوة يدي ... اليك فمالي في سوابك مطمع
... ... ... ... أغنني اغنني من علاك بنظرة ... الي فقلبي مستهام مفجَّع
... ... ... ... فؤادي محزون ونومي مشرد ... ودمعي مسفوح وقلبي مروَّع
... ... ... ... فلا تبلني بالبقد منك فإنه أشد بلأالخائفين وأوجع (1/186)
... ... ... اذا رجع القصاد منك يسولهم فياليت شعري كيف عبدك يرجع ... ... ... ...
الفصل العاشر (1)ادعيته ، وحكمه ، ومكاتباته الى أخوانه بالوعظ والزجر
كان ــ رحمه الله تعالى ــ كثير التضرع والدعاء ، وكان أكثر دعائه لدني من نفسه , سواء المأثورات في الصباح والمساء وعقيب الخلوات ، وكان أكثردعائه :
( اللهم سلمنا وأرحمنا ). يكرره مراراً ، وكان يأمر اخوانه بالتضرع والدعاء ، وما يزوره أحد أو يزور أحد الا عول عليه بالدعاء وقال : أن الله أمرنا بدعائه والأمر يقتضي الوجوب ، لقول تعالى { ادعوني استجب لكم } قال: فهذا امر ووعد من رب كريم ومولى كريم ، وروى عن زين العابدين ــ عليه السلام ــ أنه قال :من لم يدع الله غضب عليه .
ومن دعائه عند انفجار الفجر وقبله وبعده
ما رواه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يدعو به بعد ( ن: [ قبل ] ) ركعتي الفجر : اللهم ربَّ الصباح ، وفالق الإصباح ، وجاعل الليل سكنا ، والشمس والقمر حسبانا ، ذلك تقدير العزيز العليم ، أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي ، وتجمع بها شملي ، وتلم بها شعثي ، وتردد بها الفي وتصلح بها ديني ، وتحفظ بها غايتي ، وترفع بها هاهدي ، وتزكي بها عملي ، وتبيض بها وجهي ، وتلهمني بها رشدي ، وتعصمني بها من كل سوء ، اللهمَّ اعطني إيمانا صادقا ، ويقينا ليس بعده كفر ، ورحمة أنال بها شرف كرامتك في الدينا والآخرة ، اللهم اني أسألك الفوز عند اللقاء ، ومنازل الشهدا ، وعيش السعدا ، ومرافقة الأنبياء ، والنصر على الأعداء ، اللهم ما قصر عنه رأيي ، وضعف عنه عملي ، ولم تبلغه نيتي من خير وعدته أحدا من عبادك ، أو خيرا أنت معطيه أحدا من بريتك ، فإني راغب اليك فيه ، وأسألك هو ، يارب العالمين ، اللهم اجعلنا هداة مهتدين ، وللحق منقادين ، وبطاعتك عاملين ، ولك في الخلوات مناجين ، واليك من الخليقة منقطعين ، وبتلاوة كتابك متنعمين ، ولك آناء الليل وأطراف النهار قانتين ، ولأموالنا فيما يقربنا اليك منفقين ، وعلى النعماء شاكرين ، وفي البأساء صابرين ، غير أشقياء ولامحرومين ، ولا عن بابك مطرودين ، وتوفنا اتقياء مستورين ، واحيينا سعداء مرزوقين ، واحشرنا آمنين مسرورين ، مع الذين انعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا ، ذلك الفضل من الله وكفي بالله عليما . (1/187)
اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة ، وهذا الجهد ، وعليك التكلان ، ولاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ، أسألك الأمن يوم الوعيد ، والجنة يوم الخلود ، مع المقربين الشهود ، الركع السجود ، والموفين بالعهود ، إنك رحيم ودود .
اللهم اجعل في قلبي نورا ، وفي قبري نورا ، وفي بصري نورا ، وفي سمعي نورا ، وفي بشري نو را ، وفي لحمي نورا ، وعن يميني نورا ، وعن شمالي نورا ، ومن فوقي نورا ، ومن تحتي نورا ،ومن أمامي نورا ، ومن خلفي نورا . (1/188)
اللهم زدني نورا واعطني نورا ، واجعل لي نورا يوم لقاك يا أرحم الراحمين ) .
وكان من دعائه ، وجدته بخطه ، قال: دعاء عظيم فيه من الفضل مالا يحصيه الا الله ، يقرئ بعد صلاة عصر يوم الجمعة ، فيصلي قبل العصر أربع ركعات ، في الأولى الزلزلة ، وفي الثانية بالعاديات ، وفي الثالثة بالقارعة ، وفي الرابعة بألهاكم مع الفا تحة ، ثم يقرى هذا الدعاء :
( اللهم يامن شفع فارتفع ، وأتقن مابدع ، وأحكم ما صنع ، وأعطا ومنع ، وبسرَّ ونفع ، ونظر الى الجبل فتزعزع ، وخرَّ موسى صعقا من الفزع ، وأنار شهاب نوره فلمع ،أحاط بكل شيء علمه ، وأنفذ في كل شيء حكمه ، يامن علا فقدر ، وقدر فقهر ، وعصي فغفر ، ولم تحط به الفكر ، وأنزل من السماء ماء فشق به الحجر ، وأنبت به الشجر ، يامن لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ، يامن كان ولا مكان قبل الدهور والأزمان ، حيث لاهواء ولاهوام ، ولاظل ولاغمام ، ولاقمر يضيء ، ولاكوكب يسري ، ولاجبل راسي ، ولاعرش ولاكرسي ، ولاجني ولا إنسي ، ولا سماء مبنية ، ولا أرض مدحية ، ذلك الله اللطيف الخبير ) .
ثم كتب في آخره فقال :طوبى لمن كان منطقه ذكرا ، ونظره اعتبارا ، وسكوته فكرا ، ووسعه بيته .
ومن دعائه بعد صلاة التسبيح ،
وكان يصليها في النهار مرَّة وفي الليل مرَّة : ( اللهم إني أسألك توفيق أهل الهدي ، وأعمال أهل اليقين ، ومناصحة أهل التوبة ، وعزم أهل الصبر ، وتعبد أهل الورع ، وتوكل أهل الخشية ، وطلب أهل الرغبة ، وشوق أهل المحبة ، وعرفان أهل العلم , حتى أخافك مخافة تحجزني عن معاصيك ، حتى أعمل بطاعتك عملا أستحق به دار كرامتك ، وحتى أناصحك في التوبة خوفا منك ، وحتى أخلص لك النصيحة حبا لك ، وحتى أتوكل عليك في الأمور حسن ظن بك ، سبحان خالق النور ) . (1/189)
ومن دعائه :
( اللهم بتضوع نسيم روح ريحان ، جواهر قعور بحور ، أنوار سر إسمك الأعظم ، الذي انقعت بتجليه عطش أكباد واردي حوض برك ، وقاصدي سوح سرك ، يامن له الإسم الأعظم ، وهو أعظم ، ويامن تقدم على القدم وهو أقدم ، يامن ليس له حد يعلم وهو أعلم ، أسألك بإسمك العظيم ألأعظم وبنور وجهك وبما جرا به على اللوح القلم ، أن تعجل ينجح مطالبنا وبلوغ مئاربنا ، وأن تجري بمرادي القضاء والقدر ، فقد دعوتك بإسمك الذي نجا به من نجا ، وهلك به من هلك ، يا الله لا شريك لك سبحانك اللهم وبحمدك ) .
ومن دعائه ــ ر حمه الله ــ ، عند افتتاح التلاوة :
( اللهم افتح علينا حكمتك ، وانشر علينا رحمتك ، واسبغ علينا نعمتك ، واعذنا يارب من الشيطان الرجيم ، واهدنا صراطك المستقيم ) .
ومن دعائه: ممَّا أملا عليَّ وهو متخل في معين فلاح بمصنعة بني قيس ، وقال لي : احفظه غيباً :
( اللهم أجر وجهي من لفحات الجحيم ، وبطني من شراب الحميم ، وجسدي من عذابك الأليم ، إنك غني كريم ) .
ومن دعائه مما أملاه علي وقال: أحفظه غيباً :
( اللهم حفف هيبة صدمة قهرمان الجبروت بالطافك النازلة من باب الملكوت حتى نتشبث بأذيال لطفك ، ونعتصم بك عن انزال قهرك ، ياذا الرحمة الشاملة ، والقدرة الكاملة ، والحجَّة البالغة ، والنعم السابغة ، ياذا الجلال والإكرام ، وصلى الله على محمد خير الأنام وآله العز الكرام ) .
ومن دعائه ، ممَّا أملاه علي وشدد علي في حفظه غيبا (1/190)
وروى طرفا منه ، قال: أروي عن شيخي فيه: أن ما دعا به اسيرا الا فك أسره ، وقد جربه عدة من الأسرى ، وما قرأه فقير الا استغنى ، ولاخائف الا أمن ، ولاذو وسواس الا فك قلبه ، ولا طالب حاجة الا قضيت ، ولا مديون الا قضي الله دينه ، الىغير ذلك من فضله وشرفه عند الله وهو هذا :
( بسم الله الرحمن الرحيم ، بمعتبر طيبرد ، منفرد ينفرد ، هشهشة مكشاكسة خنوخة خطوفة ، الله القاهر ، الله القادر ، الله يذل كل جبار عنيد { إن كانت الا صيحة وأحدة فإذا هم خامدون } توكل ياصباح ياوضَّاح ياساكن الرياح بحفظ ذاتي ، واخفا مهجتى من كل طاغ وباغ وعاد ومعندي ، بحق صَفْصِيفَيْلا عبيلا ، أنك سماح منيلا من يعرض لنا من أعدائنا كان قتيلا ، ولاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم .
ومن دعائه:
( اللهم قلَّب قلوبنا علي محبتك وطاعتك ، اللهم أنا نسألك قبولك وإقبالك علينا ، اللهم املاء قلوبنا من معرفتك ، ومن غنائك ، ومن الأفتقار اليك يا أرحم الرحمين ) .
ومن املاه علي ما رواه بإسناده : أن أعرأبيا قال بحضرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا أرحم الراحمين .. يا أرحم الراحمين . ثلاثا .
فتبسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه .
فقال الأعرأبي : أراك تهزأ بي يا حسن الوجه .
فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( معاذا الله ، لكنك لما قلت : يا أرحم الراحمين فتحت أبواب السماء ، وقلت الثانية: يا أرحم الراحمين فتبادرت الملائكة لها ، وفتحت أبواب السماء كلها ، فقلت الثالثة: يا أرحم الراحمين ، فاهتز العرش ، فقال الرب جل وعز : يا ملائكتي ، أشهدكم أني قد غفرت لقائلها ، وادخلته في سعة رحمتي ) .
ومن دعائه ــ رحمه الله تعالى ــ :
( اللهم آنسني يوم الوحدة ، والطف بي في يوم الشدة ، أعطف علي بحلمك ، ولا توآخذني لضعفي ياكريم ) .
وأدعيته كثيرة ، وكان يعتمد على المروية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، في مجموع بن عزيز وغيره ، ولكني ذكرت ما كان يدعوبه وهو غريب . (1/191)
وأمَّا مكاتباته الى اخوانه
فمنها ما كتب اليَّ بخط يده :
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم :
من العبد العاصي الخاطئ ، الى أخية الغافل اللاهي عما نحن إليه نعود من ضيق اللحود ، واليوم الموعود ، وشاهد ومشهود ، وشهادة الجلود على أهل المعاصي ، وأهل الجحود
فنسأل من جلت عظمته أن ينجينا من شر هذا ومن النار ذات الوقود ، بمحمد وآله ،والسلام عليك ياأخي ، يايحيى ، وقرت عيني من قلب بك مشغول ، وبسيف الذنوب مقتول ، وبقيد الخطايا مكبول ،
أمَّا بعد ، يا أخي فالله يعطيك من كل خير في الدنيا والآخرة ، ويلهمك الى أحب الأعمال إليه ، وأن يجمعنا في داره مع أوليائه ، بحقه ، وصل مشرف عظيم شرفك الله وعظمك ، وانك في قراة داره ، فالله يبارك لك فيها ، ويجعلها خالصة لوجه .
وذكرت أن الدنيا عليك متعذرة ، وفي هذه اللفظة دعوى وشكوى :
أما الدعوي فأن كنت صادقا فقد ادعيت أنك من الأولياء ، لأن الله يحمي الدنيا الأولياء ويعطيها من يشاء ، وليست كذلك كانت متعذرة أيام النهده وأنت مليس السفرة ، ويعتريك الصفره أيام الغنيمة والأحوال سليمة ، ما أحد يصلك بقرص ولا أنت تجد قرص ، والأولاد يصاغون ما يجدون ما يأكلون هَدِيْكَ أيام الثواب وقلة الحساب .
وأما الشكوى فكيف تشكو مولاك الذي خلقك فسواك ؟
امثله يشكى وقد أنعم عليك ، وأولاك أن جعلك من أولاد الأنبياء ، وسلك بك مسلك الأولياء ، فأنته عن شكواك لا يسلبك ما أولاك من عظيم الإحسان ، ومن النعم ، وأنما مثلك الا كما قال تعالى في أول هذه :{ وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خولَّه نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل } لما بسط لك الدنيا عدت عليه بالشكوة .
وأما ذكرك زهد الناس فيك فلا تلتفت اليهم ، ولا تنظر اليهم بعين الاحتقار ، ولنفسك بعين الاستكثار ، فاحذر على نفسك أن تأخذ الكثير لكثره ، أو ترد القليل لقلته ، بل على قدر الحاجة, ، فكن على يقين أنه لا شرف أشرف من الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة. (1/192)
وعلى الجملة انك تنقطع الى مولاك بالكلية ، فليس لك ولا لي سواه ، خزائنه ملآن من جميع الألوان . ولا تمنيك نفسك أنك تفيض على الأهل والبنات لتنال الدرجات ، فاني أخشى عليك أن تقع في الدركات ، والعياذ بالله ، فأنت انشاء الله مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين . أقبل إليه يعطك من كل خير لديه ، و يؤيك إليه . الجم نفسك بلجام الزهد ، وحرفها بعنان التقوى ، واجرها في ميدان الورع ، وسقها بسوط الصبر ، وادخلها اصطبل الخلوة ، وأعلفها الجوع ، واسقها ماء الدموع ، والبسها الذل والخضوع ، واربطها الىجدار التوكل . وهيهات ، وهل يمكن هذا ، ومعنا العدو مكالب ، والهوى غالب ، والقرير الى الدنيا يجاذب ، والنفس الى الرفاهية تطالب ، والوأحد في نفسه مكاذب ,
فالى الله المشتكا والألتجاء من هذه الأعداء . وقلت : زهدوا فيك ، ويالها من نعمة إن تمت ، وخصلة شريفة أن اقبلت . وما كنت أشتهى أن تذكر ما ذكرت ، من أهل الجهة ، لا يقال: الأنسان محتقر . لما فعلوه ؛ فمن أولاك معروفا قليل أو كثير ، فبفضل الله ليس لك على أحد مِنَّة ، ولا فضل الا بالتقوى . أو يمنّيك الشيطان الغوى أنك ابن النبي ، وأن لك الشرف العلى ، فتسخط علىالناس. هذا وأنا استغفر الله مما ذكرت ، فإن أخطأت فاغتفر ، وإن أصبت فانجز . ومقصودي تذكيرك أياي لا تنساني من الدعاء خاصة في الخلوات ، ووقت العبرات ، واوقات الصلوات .والا فما أنا ممن يكاتب ولا يعاتب , ومن العجب أن صحيحا يداويه عليل ، أو اعمى يهدي الى سواء السبيل ، ويكون الى خير دليل .
وامَّا حالي فأشر حال ، امرني فتركت ، ونهاني فارتكبت ، وأفاض علي بالإحسان وقابلته بالعصيان ، فيا ويلاه ثم ، يا ويلاه ، إن لم يعف عني ، وأما عيش البهائم فهو علي متراكم بلطف الملك ا لحميد ، واحسان الأخ سعيد بعد السلام عليكم ورحمه الله وبركاته وتحياته ومرضاته وصلى الله على محمد وآله وسلم . (1/193)
ولقد نطق في كتابه هذا بالحكمة وفصل الخطاب ، وبالضياء التام لذوي الألباب .
أعاد الله من بركاته على أحبائه واخوانه المسلمين ، آمين .
وكتب الى تلميذه وأحب أخوانه إليه الفقيه قاسم بن عمر الحويلي ، وهو رجل نشاء على طاعة الله وخوفه ، واستصبح بنور علم إبراهيمبن أحمد الكينعي وفعله ، وخرج من ماله كله ، وأنفقه على المسلمين والفقراء والمحتاجين ذو بصيرة ، ودين رصين ، وورع متين ، يضرب بورعه ا لمثل ، ويقتدى به الآن في القول والعمل ، وكان إبراهيمالكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ يقف معه في بيته ، ويعتمد في أكثر مهماته عليه ، ويقبل بكله إليه ، وكان محسنا على يد إبراهيم الى كافة الأخوان ، وهو باق على ذلك الى الآن ، ممن يتعب نفسه في حوائج المسلمين وفقه الله ونفع به وبصالح عمله آمين آمين .
وهو ما أوله :من عبد أساء وعصى من ليس بأهل أن يعصى ، ذلك الله الملك الأعلى
السلام عليك يا أخي من قلب اليك مشتاق ، وفيه ألم واحتراق ، من البعد عنك ومن خوف يوم التلاق ، وما له من الله من واق ، يوم يؤخذ بالنواصي من كان لله عاصي ، ما فيه لأحد خلاص الا الخواص لمن نزل سورة الإخلاص فتأهب للقدوم الى هذا اليوم الذي يجتمع فيه الخصوم ، والله إنه ليوم شؤم على كل ظلوم . فإياك وخلطة الناس فإنها تكثر الوسواس ، ولاتخالط الا من كان فيه لله نصيب ، كعبد الله بن راشد ، وأحمد بن حبيب .
واعلم يا أخي أنها صدرت وأنا والله في مسجد في الخلأ ، بعيد من الملأ ، مجاور لأهل البلاء ، لعله يحصل للإنسان ملامة من نفسه اللوامة . . .
الى آخر كلامه ، وهو عجيب غريب . (1/194)
ومن كتاب كتبه الى تلميذه نشؤ هدايته ، وغذي حكمته وعلمه ، الفقيه الفاضل أحمد بن على بن أبي الغيث النونو -كان من أهل الدنيا وذوي الثروة والترف فيها - ، رأى إبراهيم الكينعي فزهد فيها وعف ، وعلى عوارف شيخه عكف ، وهو حدث السن ، فخالطه الخوف وأشرب قلبه حب الله والدار الآخرة ، واقتدا بأحوال شيخه إبراهيم وأقواله وأفعاله ، وهو من فضلاء وقته وعبَّاد دهره يستمنح منه الدعاء والبركات ، ويقتدى به في الباقيات الصالحات ، فكتب له هذا الكتاب ليكون له اماما ، ولدوعى شهوته زماما وهو : حسبي ربي ، وصل يارب على محمد وآله وسلم يا كريم
كان ــ رحمه الله تعالى ــ لا يكتب اسم الذات جل وعز في الكتاب خشية أن تنبذ ، وكان لا يذكر الجلا لة الا بنية وعزم على وفق ارادة الله تعالى ، وقد التمس منه ذلك ، فوعظه بما ترا ، وناهيك من كلام لكنه كان عنده أن كلامه من سقط ا لمتاع ، فوعظه بكلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال مما نقلته بخط يده المباركة :إن العبد إذا لزم لنفسه الوظائف وكان من الله خائف ، حصل له من الله لطائف .اللهم اغفر لإبراهيم. قل يا أحمد : آمين .
ثم قال : روي عن النبي (ص) أنه قال :( ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله تعالى لا يريدون بذلك الا وجهه الا ناداهم مناد من السماء : قوموا مغفورا لكم ، قد بدلت سيأتكم حسنات .)
وعن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( إن في الجنة عمدا من ياقوت أخضر عليها غرف من الزبرجد الأخضر عليها أبواب مفتحة.
قيل : يارسول الله من ساكنها ؟
قال: المتلا قون المتصافحون المتحابون في الله عز وجل ) .
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم : يقول الله عز وجل :( يا أيها الشاب التارك شهوته من أجلي أنت عندي كملائكتي ، وجبت محبتي لمن يجالس فيَّ ، وجبت محبتي لمن يزاور فيَّ ، وجبت محبتي لمن يباذل فيَّ ، من اشتغل بذكري عن مسألتي اعطيته أفضل ما اعطي السائلين ) . (1/195)
ما انصفني ابن آدم يدعوني فاستجب له ، وعصيني فلا يستحي مني ، فضل كلامي على غيره كفضلي على خلقي .)
وعن أبي الدرداء عنه صلى الله عليه وآله وسلم: ( إن الرجل ليتعلق بالرجل يوم القيامة ، فيقول: بيني وبينك الله . فيقول : ما أعرفك .
فيقول : بلى أنا اعرفك الا تعرف يوم كذا مررت بحائطي فأخذت منه تبنة فتخللت بها ، ثم رميت بها , أنا اليوم محتاج الى منفعتها ردها علي .)
وكان بعضهم يبكي ، ويقول: أخشى أن أوكون مثل بكر أذهبت بكارتها ، فإذا زفت الى الزوج فرح الناس بها وهي حزينة لما تعرف من نفسها ، فإن سترها زوجها فالحياء منه أبدا ، وإن فضحها فالويل العظيم .
وروي عن إبراهيم بن أدهم : أنه رأى رجلاً يحدث الناس بشيء من الدنيا ، فوقف عليه
فقال : هذا كلام ترجو فيه الثواب ؟
فقال الرجل : لا .
قال : فتأمن فيه من العقاب ؟
فقال الرجل : لا .
فقال: ما تصنع بكلام لا ترجو فيه ثوابا ولا تأمن عليه عقاباً ؟ ، عليك بذكر الله .
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم :( ان العامل بالحسنة يحتاج الىخوف أربعة أشياء :
أولها : الخوف أن لا تقبل منه لأن الله إنما يتقبل الله من المتقين .
الثاني: أن لا يخلص عمله بل يشاب بالرياء ونحوه ، لان الله تعالىيقول :
{ وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين }
والثالث : الخوف من أن يكون عليه من المعاصي ما يبطلها أو من الحقوق ما يستغرق ثوابها .
والرابع : الخوف من احباطها بعمل المعصية بعدها الخاتمة السوء .
نسأل الله أن يكفيناها .
وروي عن الفضيل بن عياض أنه قال : قرأت آية من كتاب الله تعالى والعمل بها احب الي من ختم القرآن ألف مرة ، وادخال السرور على المؤمن ، وقضاء حاجته احب الي من عبادة العمر كله ، وترك الدنيا ورفضها احب الي من التعبد بعبادة أهل السماوات والأرض ، وترك دانق من حرام أحب الي من مائة حجة بمال حلال . (1/196)
وعن غيره : ترك فلس من حرام أفضل من مائة ألف كيس يتصدق بها .
قالت عائشة: أنه ليأتي علىآل محمد الشهر ما يختبزون خبزاً ولا يطبخون قدراً .
قال علي ــ عليه السلام ــ : جهز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة ابنته في خميلة وقربة ووسادة من أدم ، حشوها ليف ، وما كان لنا الا إهاب كبش ننام على ناحيه ، وتعجن فاطمة على ناحيتة .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( من ترك ثياب جمال وهو قادر عليها تواضعاً لله جل ثناؤه , كساه الله حلة الكرامة ) .
قيل: أنه دخل على ابن سيرين نصرانيان، فلما خرجا من عنده قال : لولا أن تكو غيبة لأخبرت أيهما (1) أطيب
( أطب ) .
قال :نقلا ؟
قال: سماعا .
تم كتابه الى أخيه أحمد ــ رحمه الله تعالى ــ .
ومن كتاب له اليَّ من مكة المشرفة :
سلام عليك من قلب مشغول ، ومن نفس معلول .
أحوالي جميلة فوق ما تظنه ، من سكون قلب , وقرار ودعة ، وما طعمت لذة الحياة الا في مجاورتي هذه المباركة . حالي في مكة كبعض الزيالع ، ما بيني وبين أحد معرفة ، ومن عرفني قطعته ، الا هذا السيد محمد واخوانه ، وهم قوم عجم ، انتفع بهم ولا يضرولي بشيء .
والنفس متطلعة لقدومك الي هذا البيت الشريف ، وتزور جدك صلى الله عليه وآله وسلم وعليكم أجمعين ، وقد صدر لك محباً ( أي عطاءاً ) من السيد كوفية ومسبحة وسجادة :
... ... ... ان كنت تسمع ما أقول وتفعل ... فارحل بنفسك قبل أن تك ترحل
__________
(1) ـ في حاشية الأصل هكذا ( ينظر إنشاء الله )
... ... ... ودع التشاغل بالذنوب وخلها ... حتى متى والى متى تتعلل (1/197)
... ... ... تلهو وعمرك يضمحل وينقضي ... والظهر منك بما قضيت مثقل
... ... ... كن كالذي حذر البيات فلم يزل ... في ظلمة الليل الطويل يقلقل
... ... ... يدعو الإله بذلة وتملق ... ... وإليه بما قد جنى يبتهل ( يتنصل )
... ... ... فغدا يقوم من الحفيره آمنا ... ... يعلو النحيب ووجهه يتهلل
... ... ... إن كان جاهي أخلقته خطيئتي ... فبجاه أحمد راغبا اتوسل
... ... ... يدنيك منا عن قريب عاجل ... ... والله يستر أمرنا ويجمَّل
واعلم يا أخي أن ذكر الله منك من علامة ذكره لك ، فاستكثر منه ، وإن اكتسابك الطاعة من علامة التوفيق ، فاستكثر منها ، ووقوعك في الغفلة وكسب الذنوب علامة الخذلان ، فاجتنبها ، والزهد في الدنيا ممايريح قلبك وبدنك ، فاطلبه ، والتوكل على الله شرف الدنيا والآخرة ، فالزمه ، والموت آت غير فائت ، فأدم ذكره ، والدنيا حانوت الشيطان ، فاخرج منها ، والناس فتنة ، فافزع الى الخلوة .
ويا ليتك يا يحيى تأخذ معنا مما أنعم الله علينا من برد اليقين ، وقرار الدعة ، ولذة العيش ، وصفوة النعم من الباري جل وعز . . الى آخر كلامه .
وأمَّا كلامة في الحكمة فقد تقدم ما أغنى عن ذكره ، وأقواله وأفعاله وأفكاره كلها حكمة ، وقليل من العلم يحتاج الى كثير من العمل , لكني أجد بنشر ما عرفته من حكمه لذة ومسره وقرة عين ــ إنشاء الله تعالى ــ .
روى لي تلميذه الفقيه الفاضل علي بن أحمد بن همدان قال :سألت سيدي وشيخي وطريقي إلى الله: أي البكاء أعظم : بكاء الخوف ، أو بكاء الحب ، أو بكاء الشوق ، أوبكاء الفرح ؟
فقال : بكاء الفرح لأنه يكون مقرونا بملاقات المحبوب .
قال: قلت له يوماً : ياسيدي ، أي الإسمين أعظم: قول العبد الله الله . أو قول: العبد أنت انت ؟.فقال: قوله: أنت أنت ، لأن الغيبة على العارف ، حرام والحضور مرام ، فذكر الحاضر مع مولاه بقلبه والغايب بعقله . (1/198)
قال لي يوماً : ذكر الرازي في مفاتيح الغيب: أن من لزم اسم الذات وهو (الله الله الله ) إنقادت له العوالم الجسمانية والروحانية بشرائطه وتحقه .
قلت: فما الشرائط والحق ؟
قال الشرائط : الإتيان بالواجبات واجتناب المقبحات ، والحق الإجلال والتعظيم .
وسألته يوماً قلت : لو أن سيدي استعمل أسماء الله تعالى .يحصل له الإسم الأعظم ؟
فقال لي: نعم ، لكنه شعلني عن الله والإشتغال بمادونه علل ، نعوذ بالله منها ومن البعد عنه .
وقال لبعض إخوانه : إن العدوّ غايته أن يأخذ الروح والمال .والشيطان ــ نعوذ بالله منه ــ ،العدوّ الأكبر يطلب هلاك الروح والمال ، والعار والخلود في النار وداعي الفسوق وأنواع العقوق والكفر والنفاق ، وإلى سوء الأخلاق ، وإلى الدنئ من الطباق .فأيهما ـ يا أخي ــ أضر عداوة وأشدَّ مكيدة؟
فهو الكلب الكلب ، وليس المفزع منه إلا إلى ربه ، والإستعانة به ، والإستغاثة من شره بربه ، والفرار من طريقته ، والهرب من قربه ــ إنشاء الله تعالى ــ .
ومن حكمه ماوجدته بخطه وأظنه خبراً قال :
( من لزم سبع كلمات كان شريفاً عند الله ، وعند ملائكته ، وغفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر ، ووجد حلاوة الطاعة ، وحيي بخير ، ومات بخير :
أولها : أن يقول عند إبتداء كل شئ من عمله :بسم الله .
وثانيها : أن يقول عند فراغ كل شئ من عمله: الحمد لله .
وثالثها : أن يقول بعد كل كلام ليس له :استغفر الله .
ورابعها: أن يقول بعد قوله أفعل كذا أو أقول كذا : إنشاء الله .
وخامسها :إذا أصابه مكروه أن يقول : لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وسادسها : أن يقول عقب كل مصيبة إنا لله وإنا إليه راجعون .
سابعها : أن لايفتر لسانه من لاإله إلا الله . (1/199)
وروى لي: خبراً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( من صلى عليّ في يومه مائة مرة جاء يوم القيامه ،وعليه قميص من فضة ورداء من ذهب ، يحلف بالله الذي لاإله إلا هو ماخلق الله عذاباً له قط ) .
وروى لي: خبراً عنه: صلى الله عليه وآله وسلم :( أهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي من الأرض أتى أهل الأرض ما يوعدون ) .
ومن حكمه التي كان يكتبها لخواص إخوانه بخط يده المباركة :
قال فصل: يقول الله : أنا العوض الحاضر عن كل غايب وحاضر ، مخوف دون النار مرجوّ دون الجنة مأمول ، دون الدنيا معدود ، دون المال محبوب ، دون النفس قريب ، دون القلب ، من أعطاني كلاما أعطيته كلاما ، ومن أعطاني عملاً أعطيته عملآ ،ومن سوّف بالتوبة إليّ سوفت بالعفو عنه ، ومن أرجأ بالإقبال إليّ أرجيت بالإقبال إليه ، ومن وعدني وعدته ، ومن أنجزني أنجزته ، وكان الله على كل شئ رقيبا .
إن من أجهل الناس من يطلب معروفي بمنكره ، وكرمي بشحه ، وإحساني بإسائته ، ورضاي من طريق سخطي ، وجنتي من طريق ناري {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون ؟؟ }
ومن حكمه : أن قال لإخوانه في مجمع ذكر الله واجتماع في رباط أحدثه رحمه الله تعالى: إخواني ، أسقطوا عن رؤسكم الدعاوي ، واخبتوا إلى الملك الباري . تواضعوا إذا رفعتم ، وتضرعوا إذا وضعتم ، فإن أجل الأحوال والكرامات الموهوبة والمقامات المطلوبة: عقل عالم، ولسان صائم ، وذكر دايم ،وقلب بحقوق المحب قائم ،ولما بينه وبين بارئه من الأسرار كاتم ، فإذا سألتم ، فأسألوا الحكمة ، وإذا طلبتم ، فاطلبوا العصمة .جاهدوا أنفسكم حق المجاهدة ، فإنه من مات على مجاهدة نفسه لحق بأرواح الشهداء .نزهوا رُبطكم ومجالسكم عن الطمع والجدال ، وتنزهوا عن الشبه وإلا فالأسواق في طلب الأرزاق أولىمن التعرض لمقت الخلاق ، فاقتدوا بالسلف أيها الخلف .
ووجد بخطه قال : طاووس اليماني ــ رحمه الله تعالى ــ لرجل : إن كنت تريد الصاحب فالله يكفيك ، وإن كنت تريد العبرة فالدنيا تكفيك ، وإن كنت تريد الرفيق فالحفظة الكرام تكفيك ، وإن كنت تريد مؤنساً فالقرآن يكفيك ، وإن كنت تريد العبادة فطاعة الله تكفيك ، وإن كنت تريد الموعظة فالموت يكفيك ، فإن كان الذي قلت لك لا يكفيك فالنار يوم القيامة تكفيك . (1/200)
وقال لي يوماً : قال صلى الله عليه وآله وسلم :( إنَّ القلب إذا لم ينكر المنكر نكس فجعل أعلاه أسفله ).
وقال ( ص ) ( لا تحل لعين ترى الله يعصى فتطرف حتىتغين وتشتعل ) وقال لي: وجدت في كتاب أن صبيين وثبا على ديك فنتفاه ولم يتركا عليه ريشة ، وشيخ قائم يصلي ، فلم يأمرهما ولم ينههما ، فأمر الله الأرض فابتلعته {كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون } .
وقال لي :وجدت في كتاب: أنَّ إمرأة رأها رجل وهي تسعى مهرولة وهي تذكر الله تعالى فقال لها: إلى أين أيتها المرأة؟
قالت :أريد أرضا لايعصى الله فيها الخبيث .
وولّت فارة إلى الله ــ تبارك وتعالى ــ .
ومن كلامه :ليس الزاهد من لايملك شيئا ، إنما الزاهد من لايملكه شئ .
ومن كلامه ــ رحمه الله تعالى ــ : رض الله بالفقر ، والإفتقار ، والذل ، والإنكسار ، تحي قلوب العارفين .
وتكلم بحضرته رجل شريف قذز بكلام فيه مافيه . فقال ــ رحمه الله تعالى ــ : أما أنا فذلي عطل ذل اليهود.
وقال يوماً :ما أحسن ما قال فلان ــ غاب عني إسمه ــ :حقيقة الإنقطاع: أن لاتأتي ، ولا تؤتى ، ولا تعرف ، ولا تعرف ، ويكون الحق ، ولا يكون ترك ، ومرك حلوه وجلوه .
ومن حكمه :
قال ــ إملاء في مواقف عدة ــ : فجمعته لأخيه العالم ، الفاضل ، الزاهد ، العابد ، سعيد بن علي الشهابي الساكن ( بثلا ) كان من علماء الشريعة ، وفضلاء أهل الطريقة ، من تلامذته ــ رحمه الله تعالى ــ ، بلغ معه الزهد غاياته والورع نهاياته ، وأحرق قلبه الخوف حتى الموت ، حكى لي ــ رحمه الله ــ : أنه تزود من مكة الى صعدة صاعا من قلى شعير ، وجمع حجارة عظيمة علىظهره المبارك في ثلا وعمربها مسجداً كبيراً ، وزاد آخر وزاد مئذنة ، وزاد خانكان ، وهو الآن مسجد مقصود مهاجراً للصالحين والعابدين والزاهدين . (1/201)
وقبره ثمة مشهور مزور وببركته وسره ، وقوفات فتح الله بها لهذين المسجدين في حياته وبعد وفاته ، ما يسد ، والله أعلم حال من يقف فيه ويقصده من الصالحين وذوي التقوى واليقين .
روى لي الأخ الصالح يحيى بن أحمد الصنعاني ، وكان من تلامذة إبراهيم الكينعي ، قال: قلت لسيدي الفقيه سعيد ــ رحمه الله تعالى ــ : يا سيدي هل رأيت في عمرك الخضر ــ عليه السلام ــ ؟ قال : كنت في ثلا فدخل على رجل عليه سيماء الصالحين ، ومنظر الخائفين ، ذو شيبة وضية ، فسلم علي ، وصافحني ، وقال : أتأذن لي آكل من هذا العيش ؟
فقلت: نعم .
فقال : أتأذن لي أن أشرب من هذا الكوز ؟
قلت: نعم .
فأكل ثلاث لقمات وشرب ثلاثة أنفاس ، فقلت: من أين أنت ؟
قال : من العرب ، اتيت من زيارة الفقيه محمد ين حسن السودي ، ــ نفع الله به ــ .
فخرج من عندي ، وتنبهت أشك أنه الخضر .
قال ــ رحمه الله تعالى ــ : ما صار أحد من الأولياء ، والزهاد ، والأبدال ، والأوتاد ، من وقت زين العابدين الى وقتنا هذا الا بأمور عشرة :
الأول : طهارة الباطن والظاهر :
أمَّا الظاهر ، فالتلوث بالنجاسات لا يصلح للمناجاة ، والعبد مفتقر الى الله في كل طرفة ولحظة ، فإن الله يحب التوأبين ويحب المتطهرين .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم :( الوضوء سلاح المؤمن ).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم :( من أصابته مصيبة وهو على غير وضوء فلا يلومنَّ الا نفسه .) (1/202)
والوضوء على الوضوء ، نور على نور ، فإذا داوم العبد على الطهارة يوشك أن تتلألأ فيه الأنوار الربانية ــ إنشاء الله تعالى ــ .
والباطن : أن يطَّهر قلبه من الرذائل ؛ من الغل والحقد لكافة المسلمين ، وأهل التوحيد والقبلة المحمدية ، ومن الحسد المهلك . قال بعض الحكماء : قاتل الله الحسد فما أعد له بداً بصاحبه فقتله وهو يأكل الحسنات كما تحرق النار الحشيش ، والرياء والتكبر على المسلمين بالقول والفعل والإعتقاد ، ومن التكبر: أن يعتقد كمالا في نفسه أبداً ، الى غير ذلك من سوء الأخلاق .
الثاني : لزوم الخلوة وهي العزلة من الناس ومن الشواغل ، وإذا كانت في بيت مظلم فهو اجمع لنور القلب .
كان صلى الله عليه وآله وسلم : يحبب إليه الخلوة قبل النبوة ، وكان يتحنث بجبل حراء الليالي والأيام قبل النبوة بخمسة عشر سنة ، كماروي .
وكما قال الخليل إبراهيم ــ عليه السلام ــ : { وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا } لأن النفس تأنس الى الناس واللهو واللعب ، فإذا حبسها العبد عن الناس واللهو واللعب ضعفت واضمحلت ترهاتها ، فحينئذ يتنور القلب ، ويظهر برهانه كما قال علي ــ عليه السلام ــ : العبادة حرفة ، حانوتها الخلوة ، والخلوة قبر الحي .
ومن حبب الله الخلوة إليه فقد استمسك بعمود الإخلاص ــ إنشاء الله تعالى ــ .
الثالث: الصمت الا عن ذكر الله تعالى ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( وهل يكب الناس على مناخرهم في النار الا حصائد السنتهم . )
وقال صلى الله عليه وآله وسلم :( الصمت نصف العبادة ).
لأنه ينجو بالسكوت عن الكذب والنفاق .
وأُمر النبي زكريا بالسكوت فقال :
{ آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام } .
ونطق عيسى ــ عليه السلام ــ وهو طفل ، فلا يبعد ان العبد إذا سكت عن فضول الكلام تكلم به القلب ، ونورَّه الله تعالى ، قال الله تعالى: { وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب }{ ولقد آتينا لقمان الحكمة }. (1/203)
قيل : الصمت الا عن المهم .
واللسان إذا سكت نطق القلب ، فاشتغل بطاعة الله تعالى وذكره وفكره .
الرابع : الصوم ، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم :( الصوم جنة ، والجنة تدفع كل البلاء والآفات ) .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم :( لكل شيء مفتاح ومفتاح العبادة الصوم ) .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم :( نوم الصائم عبادة ، ونَفَسَه تسبيح ، وعمله مضاعف ) .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم :( ما من عبد اصبح صائما الا فتح الله له أبواب السماء ، وسبحت أعضاؤه ، واستغفر له أهل السماء الى أن توارى الحجاب ) .
والصوم يؤثر في تقليل الأجزاء الترابية ، والمائية ، فيصفوا قلبه من الدين والغم والغبن ، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم :( إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله سبعين مرة ) .
الخامس : دوام ذكر الله تعالى ، مع حضور القلب بالقوة الشديدة من غير رفع الصوت ، بحيث يدخل أثره في العروق ، فإن الشيطان يخنس من الذكر .
وأفضل الذكر : ( لا إله إلا الله ) ، لقوله تعالى: { إليه يصعد الكلم الطيب ، والعمل الصالح يرفعه } .
فقول:( لا إله إلا الله تصعد الى الله بغير واسطة ، والعمل الصالح ترفعه الملائكة .
والذكر نور ، فإذا استولى الذكر على القلب تنور القلب وتنور عيناه ، فيرى في الظلمة ما لم يكن يرى ، وهذا الذكر يكون للمبتدي ، فأما المنتهى فيشتغل بالذكر وقرائة القرآن والفكر لأنه أفضل الاذكار .
السادس: التسليم والرضى كما قال تعالى: { اذ قال له ربه أسلم } ، وكما قال تعالى: في مدح الصحابة: { ومازادهم إلاّ إيمانا وتسليما } ، كما قال تعالى: { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } .
وكما قال ــ تبارك وتعالى ــ :{ ومن اسلم وجهه لله وهو محسن } . (1/204)
وكما قال تعالى :{ ومن يسلم وجهه الى الله } .
ويدخل فيه التفويض ، والتوكل ، والانقطاع ، والرضا بقضاء الله المبرور من الفقر ، والمرض ، والحزن ، والخوف ، والقبض ، والبسط ، والأنس ، والهيبة ، والمعرفة ، والمحبة ، والمحو ، والإثبات ، والبعد ، والطرد ، والقرب ، والتقريب .
فإذا كان كذلك ظهرت شمس القلب وشمس الإيقان ، وشمس الروح الريحاني ( الروحاني ) ، وحينئذ تهرب عساكر الشك والريب وتنزل الملائكة حول القلب ، وحينئذ يكل اللسان عن وصف الله وعظمته وجلاله ، ويقرأ حينئذ
: { وما قدرو الله حق قدره } .
السابع : نفي الخواطر الرديئة ، كما قال تعالى: { وإن الشياطين ليوحون الى أولياءهم } .
وكما قال: { ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم .. } الآية .
وكما قال صلى الله عليه وآله وسلم :( ليس أحد الا ومعه ملك وشيطان: فلمة الملك إيعاد بالخير ، ولمة الشيطان إيعاد بالشر ) .
لقوله تعالى: { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا }.
فحينئذ الخواطر اربعة :
أولها : خاطر الحق ــ سبحانه وتعالى ــ وهو يقع في القلب من غير سبب بل يبقى القلب به مطمئنا ، ونوع يأتي وهو : الألهام كما قال تعال: { ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها } .
والشيطان لا يحدث في القلب الا الوسوسة ، نعوذ بالله منه .
وثانيها : خاطر القلب كما قال تعالى { والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة } أي: مطمئنة منطلقة من الشك والريب .
وثالثها : خاطر الملك ، وهو الذي يثلج به قلب المؤمن ، ويطمئن ، كما قال الصحابي : كان رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ: جواد: وكان أجود ما يكون في شهر رمضان ، وان جوده كالريح المرسلة .
ورابعاها :خاطر الشيطان والنفس فإنه يدعو الى الضلالة غالباً فإذا دعاه الى ذنب ودافعه العبد بالمجاهدة دعاه الى ذنب آخر ، وله لطائف في الأضلال ، فيضل كل وأحد بما يليق به ، والنفس توافقه ، فتمني صاحبها فتقول : الأيام والأعوام كثيرة فتعلَّم الآن وعسى أن تعمل بذلك في آخر عمرك. (1/205)
الى أن تأتيه ا لمنية بغتة .
كما قال بعضهم: جائني الشيطان لما لزمت الخلوة ثم قال: إنك رجل عالم وعلمك بالإنقطاع عن الناس يذهب . فدافعته ، فجائني من طريق فقال: إنك رجل عالم فلو جمعت كتابا فسميته: ((حيل المريد على المريد )) كان ذخرا لك في الدنيى والآخرة.
فهممت بذلك , فنبهني عليه الشيخ ،وقال : هذا الشيطان يريد أن يشوش عليك الخلوة فاحذره .
الثامن : ربط القلب بالشيخ لأنه رفيق في الطريق ، ودليل من التعويق
كما قال تعالى : {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين }.
وكذا لا ترى ، صوفيا محققا ولا مريدا متطرقا إلا وهو آخذ طريقة الزهد والولاية والعلم الحقيقي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ــ عليه السلام ــ ، كالجنيد ، والبسطامي ، وبشر الحافي ، وإبراهيم بن أدهم ، وغيرهم من أئمة الطريقة .
كما قال صلى الله عليه وآله وسلم : (مثل الجليس الصالح كالداري (1) ) .
وقد قيل : من لم يكن له إمام وشيخ فإمامه وشيخه الشيطان .
والذي يصلح شيخا من يعرف طريق الحق ويسلكها ويعرف مخاوفها ومضارها ومنافعها ، والمنال والعلامات والأحوال والكرامات .
التاسع : ترك النوم إلامن غلبة ،وحد الغلبة: أن يتشوش عليه الذكر والقراءة والصلوات ، فحينئذ ينام حتى يعقل مايقول كما قال تعالى: {كانوا قليلا من الليل مايهجعون ، وبالأسحار هم يستغفرون }.
__________
(1) ـ العطار .
والنوم راحة البدن ، والمجاهدة إتعاب البدن ، فإذا هجر المجاهد النوم والإستراحة ، دانت له الجوارح فيحيى القلب ، وترتفع عنه حجب الشهوات ، فحينئذ ينظر إلى عالم الملكوت بعين قلبه ، فيشتاق الى ربه . (1/206)
العاشر : المحافظة على الأمر الوسط في الطعام والشراب لاالشبع ولا الجوع المفرَّط كما قال تعالى: {وكلوا واشربوا ولاتسرفوا إنه لايحب المسرفين } .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( من أكل طعاما بشهوة حرّم الله على قلبه الحكمة، ومن تركها رزق لله قلبه الحكمة ) .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( إذا سكنت كلب الجوع برغيف فعلى الدنيا الدبار ) .
وفي هذا الخبر تعيين قدر الطعام فافهم .
وقيل: الآفات كلها مجموعة في الشبع ، والخيرات كلها مجموعة في الجوع .
وآفات الشبع كثيرة قد عدها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ــ عليه السلام ــ ــ رواها في كتاب : (التصفية ) للديلمي ـ الى سبعة وعشرين :
تقسى القلب ، وتضر الجسد ، وتذهب البهاء ، وتنسي الرب ، وتمحق الدين ، وتذهب باليقين ، وتنسي العلم ؛ وفيه ترك الأدب ، وركوب المعاصي ، واحتقار الفقراء ، ونقصان العقل ، وذهاب السخاء ، وزيادة البخل ، وثقل النفس ، وزيادة الشهوات ، وقوة الجهل ، وكثرة الكلام الفضول ، وحب الدنيا ، وكثرة الضحك .
ويقل الاخلاص ، ويطيل النوم ، ويكثر الغفلة ، ويفرق الأصحاب ، ويكثر الغم .
الى غير ذلك من الخصال الدنية .
وفي الجوع سبعا وعشرين خصلة اضدادها : وهو المانع عن العلم والعمل الذين لهما خلق الإنسان .
وأجمع الحكماء والزهاد على أن الجوع سبب نور القلب ، والشبع مانع عنه ، وهذا ظاهر قد جربناه ووجدناه .
وهو يورث الكسل ونقض الطهارة ، واجتناب الملائكة ، وتضييع الأوقات ، وقراءة القرآن ، وسجود الحوادث الشكر .
وقيل : الشابع يدور حول الخلاء والنجاسات ، والجيعان حول المساجد والجماعات .
والدنيا هي كثرت الأكل ، والزهد في الدنيا هو قلة الأكل .
قيل : الجائع نظيف خفيف ، والشابع عاكف على الكنيف . (1/207)
واعلم يا أخي: ــ أعاد الله من بركات دعائك عليَّ ــ أن العبد إذا اشتغل بهذا النوع من السعادة الابدية والسلامة الدينوية والأخروية حسده الشيطان ــ نعوذ بالله منه ــ غاية الحسد كما حسد على أبيه آدم ــ عليه السلام ــ ، فأخرجه من الجنة ، ويضيق عليه الدينا ، ويترك اشغاله ، ويشتغل خاصة بوسوستة واضلاله حتى يخرجه عن طريق الجنة ، فعند ذلك ينبغي أن العبد لا يتزعزع لمكيدته ويستعين بربه عليه كما يستعين بصاحب الكلب على الكلب .
أمدَّك الله واياي وكافة اخواننا بلطفه وعونه بمحمد وآله .
تم ذلك في سنة خمس وسبعين وسبع مائة .
ومن حكمه رحمه الله تعالى
قال له بعض الأخوان : ما الملك والملكوت ؟
فقال : الملك : ما ظهر لنا ، وما بطن فهو الملكوت .
قال: وقيل : الملكوت خلق فوق السماوات السبع ، وخلق تحت الأرضين السبع ، والله أعلم .
ومن حكمه ما وجدت بخطه :
قال داود ــ عليه السلام ــ : لئن أترك لقمة من عشاي أحبَّ الي من قيام عشرين ليلة قال : وما مرض قلب بأشد من القسوة ، وما اصلحت نفس بمثل الجوع ، وهما زماما الطرد والخذلان .
وقال : يا أخي، حدد السفينة فإن البحر عميق ، واكثر الزاد فإن الطريق بعيد ، وأخلص العمل فإن الناقد بصير .
وقال ــ رحمه الله تعالى ــ : ليكون حظ أخيك منك ثلاث خلال ، لتكون من المحسنين السالمين :
إن لم تنفعه فلا تضره ، وإن لم تسره فلا تغمه وإن لم تمدحه فلا تذمه .
وقال ــ رحمه الله تعالى ــ : قال حاتم الأصم : الكاذب كلب أهل النار ، والحاسد خنزير أهل النار ، والمغتاب والنمام قردة أهل النار .
وحكى لي قال : المروءة شيء هين : وجه طلق ، وكلام لين .
ومن ها هنا أقدع المفصل ، وانزع يدي من القلم خشية الإطالة ، لأن افعاله واقواله وفكره حتى صمته حكم وأمثال ، يعجز عنها الكملة من الرجال الكرم والتقوى .
قال صلى الله عليه وآله وسلم :( ثلاثا والله تعالى يقول: { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } وقال تعالى: { اعدت للمتقين } ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولاخطر على قلب بشر ، فالمتقون فازوا بشرف الدنيا وكراماتها ، وشرف الآخرة ، وما اعد الله لهم فيها ، طوبي لهم وحسن مئاب . (1/208)
وأما من اهتدى بهديه ، واقتدا به ، وتعلق بأهدابه ، وواضب على تتبع أقواله وأفعاله ، فهم عدد جم لكني أذكر من ظهر فضله ، ونص ــ رحمه الله تعالى ــ على خيره وعلمه وكرمه وكراماته ، ومن ترك الدنيا وزينتها لأجل رؤيته .
منهم:
السيد ، الأفضل ، العلم ، الأطول ، جمال الدين الهادي بن علي العلوي ، كان من أحب الناس عنده ، وأقربهم منهم منزلة ، عيبة سره ووصيه بعد موته ، وهو سيد عالم في الشريعة المحمدية ، سالك مسلك فضلاء الطريقة ، محقق في علم أهل الحقيقة ، ورعه وزهده مما يضرب به الأمثال .
وروى لي سيدي إبراهيم ــ رحمه الله تعالى ــ : أن الملائكة ــ عليهم السلام ــ تقول : السلام عليك ياهادي ، السلام عليك من ربك .
وغيرذلك .
ومنهم:
الفقيه ، العالم ، المحدَّث ، الورع ، الزاهد ، عبد الله بن قاسم البشاري الظفاري اتخذه ــ رحمه الله تعالى ــ زميلاً في الحضر رفيقا في السفر ، عيبة سره ، وقرة عينة ، ترك الدنيا ، وزهد فيها وعف ، وعلى عوارف شيخه عكف ، أحدث هجرة في قفر بناحية بيت انعم سنحان ، وعمر فيها مساجد بنية شيخه مسجداً وله ، ظهر فضله ، وانتشر ذكره ، وكانت النذور تأتي الى هجرة هذه من أقاصي البلدان ، وهو من اوصياء شيخه إبراهيم ــ رحمه الله تعالى ــ .
ومنهم: الفقيه ، العلامة ، الأفضل ، زميل أمير المؤمنين الناصر ــ عليه السلام ــ ، الفضل بن سعيد من هجرة الأوطان بمدحج ، كان ــ رحمه الله تعالى ــ يعتقد فيه الفضل والفهم والمعرفة بطرائق أهل الآخرة .
وكان ــ رحمه الله تعالى ــ يقصده للزيارة الى مصنعة بني بدا ، ويرم له مصالح ، وكفل أولاده بعد وفاته ــ رحمه الله تعالى ــ ، وله كرامات وفضائل تروى وحكم تتلى . (1/209)
ومنهم: الفقيه الفاضل المفضل عبد الله بن حسن من قرية ( معبر ) اهتدا بهديه ، واقتدى به في ملازمة الخلوات وعدم الكلام في المساجد وفي الأشهر الحرم ، وفي سائر الأيام يتردد في الكلمة ، ويراقب عند لفظه بها ، وله كرامات .
ومنهم: الفقيه المنقطع الزاهد حسن بن موسى بن حسن من هجرة الأوطان ، ترك زينة الدنيا ، واقتدى بشيخه إبراهيم
ــ رحمه الله تعالى ــ في ملبسه ومطعمه وقوله وفعله ، يحيى الليل قياماً ، والنهار صياماً ، ورعه شاف ، وزهده واف ، قدوة لأهل العبادة ، وسراج لأهل الخير والزهادة .
قال إبراهيم ــ رحمه الله تعالى ــ : حسن كإسمه .
حصل له من الألطاف والكرامات مالم يحصل لنا ، وكان زميلا لشيخه في الحضر ورفيقاله في السفر ، وكان والده موسى بن حسن من العلماء الفضلاء الكملة ، وكان ممَّن واخاه إبراهيم وزاره ووقف معه وخالطه على عبادة الله تعالى ، واخوه إبراهيمبن حسن كان من العلماء الأفاضل ، ومن عيون القادة الأماثل ، كان درسهما في العلوم ، وقد وتهما في طاعة الحي القيوم على السيد الإمام المهدي بن قاسم ــ عليه السلام والتحية والرضى والرضوان ــ .
ومنهم: السيد ، الأفضل ، والقلم الأطول ، ينبوع الفخار ، وقدوة الأخيار ، محمد بن علي السراجي ، من مصنعة بني قيس ، من أفاضل دهره وكمَّلة عصره ، ذو بصيرة ودين ، وورع رصين ، وبعد عن الدنيا وأهلها متين .
خالطه الخوف حتى لم يرَ سالياً ، غزير الدمعه في الخلاء والملاء .
فرَّ من الناس وهجرهم ، وعمر هجرة مباركة تسمى (الوشل ) واتخذ فيها مسجداً لخلوة إبراهيم الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ وبنيته .
وكان يقف عنده مدَّة ، ويقصد من صنعاء للزيارة ، وهجرته مهاجراً للصالحين ، ومغرس لأهل التقوى واليقين ، والنذور والفتوحات تأتي الى هذا السيد ــ اعاد الله من بركاته ــ من أقاصي البلدان وأدناها ، وله كرامات تروى وحكم تتلى ، علم العلوي فائق ، وزهده رائق ، وشرفه باسق ، وهو عند الله سابق ، وكرمه لائق ، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم . (1/210)
وله ــ عليه السلام ــ : ولدان فاضلان زاهدان ، لزما طريقة أبيهما المثلا ، وزهدا حتى عدا من أئمة الطريق ، وقدوتا أهل التحقيق إبراهيم وأحمد ــ وفقهما الله لأحسن كل مقصد بمحمد وآل محمد ــ .
ومنهم العبد ، الصالح ، الناشيء على العمل الصالح ، عبد اللطيف ، ذو الحنين والوجيف والخوف ، وخفقان القلب والرجيف ، قرت عين سيدي إبراهيم ، منيف .
من أشد الناس خوفا ، وأكثرهم بكاء ، وأتركهم لزينة الدنيا ، لباسه شملة غبراء ، وراسه لايغطى .
كان حي إبراهيمي حاذرعليه الموت من عظم خوفه ، وتارة يجده ملقا فيحسبه قد مات لما عرف من شدة خوفه ، وتعلق قلبه بحب الله والشوق الى لقائه .
وروى لي سيدي إبراهيم ــ رحمه الله تعالى ــ قال : اخرج منيف حبا مقليا للذر في قفر فسمع ، قائلاً يقول : ( والسابقون السابقون ، اولائك هم المقربون ) .
وكذا اخو منيف في الله ، وزميله في طاعة الله ، محيي الليالي بالبكاء في المحراب من خوف الباري محمد الشماحي ازم لطريقة شيخه إبراهيمفي الملبس والمطعم والأوراد الصالحة ، لطيف الشمائل ، بسَّام في وجوه كافة الناس.
إذا تلي القرآن المجيد عكف الخاص والعام عليه ، ومقتدون للصلوات خلفه الإخوان والمسلمون .
ومنهم: قاسم بن عمر الحويلي ، ومحمد بن أحمد بن يحيى بن حبيب ، وقد تقدم شرح حالهما أما قاسم: فخرج من ماله ، وأنفقه ، ولبس الصوف ، وانتعل المخصوف ، وجاهد نفسه ، وراض حتى تنعم في حدائق الذكر والرياض ، وكان من أحبَّ الناس الى إبراهيم ــ رحمه الله تعالى ــ ، وهو أحد اوصياء إبراهيم من بعده ، ومحمد بن حبيب وصيَّه أيضا ، وصنوه: الفقيه ، الفاضل ، الورع ، الزاهد ، علي بن عمر الحويلي وصيّ إبراهيم أيضا ، وهو من أكمل الناس عقلا ، وأشدهم ورعا ، هؤلاء الثلاثة ــ رضي الله عنهم ــ قدوة لأهل الدين وملاذ للفقراء والمتعلمين. ولاخوانهم في الدين ، ورعهم شاف ، يعجز عنه الوصاف . (1/211)
إذا علموا أن بالمدينة شيئا مغصوبا من حطب أو لحم تركوا الشراء منه حتى يعلموا ذهابه بالمرة مع الحاجة المهمة ، وبنو أمرهم على الورع والخوف والفزع .
ومنهم: الشاب ، التقي ، الناشئ ، على طاعة الله تعالى وخوفه يحيى بن حمزة البرم الصنعاني
كان: فاضلا ، عابدا ، زاهدا ، ترك الدنيا مع الغنى ، واقتدى بشيخه إبراهيم في لباسه وأوراده ، ولقي الله على أحسن الطريقة ، خالطه الخوف حتى الموت .
ومنهم: بصنعاء اخوان ، وبذمار اخوان ، وبثلا اخوان ، وبحوث اخوان ، وظفار اخوان ، وبمعبر اخوان ، وببلاد مدحج اخوان ، صبّر ، فضلاء ، نبلاء ، عقلاء ، تركوا الدنيا وزينتها ، وشمَّروا على ساق الجد في خدمة المولى ، وليهنيهم الشرف الأعلى والفوز عنده جل وعلا ، وليهن إبراهيم من على يديه اهتدى ، وترك الدنيا ، وطار الى الله بأجنحة الخوف والرجاء . أعاد الله من بركاته وبركاتهم ، وجمع بيننا وبينهم في برد العيش وقرار الدعة بجوار نبينا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
قال القاضي الإمام فخر الإسلام عبد الله بن أحسن الدواري ــ رحمه الله تعالى ــ : لإبراهيم الكينعي وقد قصده للزيارة في بيت ذمار : اني رأيت في هذه الجهات من الصالحين ، وذوي الزهد والتقوى واليقين جمَّا كثيرا من سالكي هذه الطريقة الذين يلبسون المرقعات والشمال ، وكل هذا من بركة قصدك وسرك المبارك . (1/212)
ـ أو ما هذا معناه ـ ، ونحن في صعدة وبلادها ما نرى أحدا من أهل هذا الزي واللباس والإنقطاع الى الله والمواظبة على العبادة ، فنحب منك ونعول عليك لتسير الى بلادنا ليشمل أهلها البركة .
فساعده إبراهيم ــ رحمه الله تعالى ــ ، وسار الى صعدة الغراء ، فصدَّق الله فراسة القاضي الإمام ، وقوي ظنه ، فرشد وسلك هذه الطريقة من أهل صعدة الغراء خلق كثير ، ولزموا هذا الزي ، وتركوا زينة الدنيا ، ولزموا المساجد ، وحلقوا على ذكر الله تعالى ، وكتب المعاملات في مسجد الإمام المنصور (1) بالله في برَّية صعدة .
وقدوتهم في العبادة وشيخهم في الزهَّادة الآن : القاضي : الأفضل : العالم، الأكمل ، داود بن محمد الجيلاني ، الواصل من جيلان لزيارة إبراهيم الكينعي .
وهو إمام أهل الطريقة ، وقدوة أهل الحقيقة ، له تنويرات ومكا شفات ، ويحكى له كرامات جمَّة ، وتصانيف في علوم المعاملة مع خوف ملازم ، وحزن دائم ، وقلب لشروط الأدب قائم .
وتلميذ إبراهيم الكينعي علي بن قاسم النخار الصعدي في جماعة وعصابة: يعبدون الله تعالى ، ويذكرونه ، ويمجدونه ، ببرَّية صعدة ، ومسجد الهدارس بفللة .
ووقع قلب إبراهيم الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ : مودة شافية ، ومقة كافية ، في صعدة وفي أهلها ، ويثني عليهم الثناء الجميل الحسن .
__________
(1) ـ في الحاشية هكذا : ( في مسجد المنصور بصعدة ) .
وقد أناخ بها ، وسكن جسده ببريتها الى يوم ينفخ في الصور وتبعثر القبور ، ويقوم منها ــ انشاء الله تعالى ــ مبجلا محبورا ، وبالنور مغمورا ، مع الأئمة السابقين ، والعلماء الراشدين ، والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا . (1/213)
كان ــ رحمه الله تعالى ــ إذا ضطجع على الأرض من غير وسادة ولا فراش تنفس الصعداء بالزفرات والتأوه وقال : يا ليت شعري أين يحط هذا الرأس ؟ الله أعلم .
قال الخاطي والجاني: اللهم حطة في أحب البقاع إليك .
وقصده مكة ، ولهذا جاورها ثلاث سنين رجاءً لذلك .
فجاء من المجاورة ، وانحط بصعدة ــ فهذا دليل على فضلها وفضل من فيها من الأئمة الهادين ولأن من لمعة اتخذها عند الله خبية صالحة اذكر فيها من بصعدة الغراء ، من الأئمة ، والعلماء ، والزاهدين ، والفضلاء من الأموات والأحياء ، ــ أعاد الله تعالى من بركاتهم ــ .
الفصل الحادي عشر في تراثه ومخلفاته وموضع قبره
وحسن الثناء عليه بعد موته رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه
أما تراثو رضي الله عنه ونفع به فهو ما وجدت في وصيته التى كتبها احب اخوانه إليه الفقيه الإمام يحيى بن محمد العمراني في سنة 764 وهو ساكن معه في الحيمة ، من إملائه ما لفظه :
هذه وصية الفقير الراجي لعفو مولاه العلي الكبير إبراهيم بن أحمد بن علي الكينعي
يشهد لله بالوحدانية ، ولمحمد بالرسالة ، ويوصى الى كافة اخوانه والى المسلمين أن يشركوه في صالح أعمالهم وأدعيتهم جزاهم الله خيرا .
وقد خلف شيئا من اثاث الدنيا ، وقد وقفه على من صار بيده شيء منه لله وفي سبيله وهو: مقصان ،وموسى ، وابرتان ، وركوة ، وحبل ، وشفرة ، ومقضمة للقلم ، وأوراق ، وكراريس فيها صلوات وحكم فقد وقفتها على من وقع في يده شيء منها من اخواني في آخر جزء من أجزاء صحتي التى تتعقها وفاتي ، وشملتي المرقعة تكون كفنا لي فلي في ذلك غرض .
ولا احل على من خالف أو بدل أو حول والكتب التي أمرها إليّ موقوفة وشروطها مكتوب في شيء منها ، فيعمل عليه . (1/214)
والله خليفتي على اخواني وكافة المسلمين ونعم الخليفة .
وأما وصيته في مرض موته رحمة الله عليه ، التي وصلت من صعدة فليس فيها مزيد فائدة الا توقيع كتبه التي هي تراثه .
قال رضي الله تعالى عنه : الكتب التي تحت يدي لحي القاضي احمد بن معافا ، ولحي الشيخ الخضر الهرشي ، وكتب الزهد كلها موقوفة ، وفي كل كتاب وفقية ، وقد جعلت ولايتها بعد وفاتي الى الفقيه عبد الله بن قاسم الباري ، ثم الى السيد العلامة الكامل جمال الدين الهادي بن علي بن حمزة العلوي .
وجعلت الناظرين على ذلك الفقيه علي بن عمر الحويلي ، واخوه الفقيه قاسم بن عمر الحويلي ، والفقيه محمد بن أحمد بن حبيب ، والشريف يحيىبن المهدي .
فإن نظروا في ولد اخي علي بن محمد، صلاحية ، وكان من أهل المعرفة صيروا الكتب إليه ، والا وفقت بصنعاء لا تخرج منها .
وتوقيع الكتب الخزانة العود ، وقفلها فيها .
وفيها شرح القاضي زيد < اللمع >شرح الأصول اصول الأحكام ،< عقد الفرائض >، بيان معوضة ،< محموع زيد بن علي> ،< الأحكام >للهادي عليه السلام ، مجموع الهادي ، الأو امر في تقديم أهل البيت عليهم السلام ، التذكرة لحسن بن محمد النحوي ، شمس الأخبار ، المهدب للمنصور ، سلوة العارفين ، المغني للناصر عليه السلام شمائل المصطفى الناسخ والمنسوخ مجموع زهري ،ديوان الادب درب، الفرائض، الطرف والتحف ،ديوان شعر التهامي ، فقه اللغه المفصل في النحو، اسرار الفكر ، شرح مقدمة طاهر ، فضل الحج ، تعاليق فرضيه ، كراريس الزهد ، ختمتان كريمتان ، روض الرياحين ، كتاب جواهر قوى القلوب ،كتاب الانطاكي ، الحكايات، والوافد والعالم ، بداية الهداية ، كتاب المرافق ، عوارف المعارف ،كتاب التصفيه للديلمي .
وكلما يصح وقفه مني ولي فقد وقفته لله تعالى وفي سبيله ومصرفه للاخوان وخرق من بطاين الكعبة ومسابح ،وخرق اخر تفرق على الاخوان . (1/215)
ومن عين له مني سلم إليه الإمام الناصر عليه السلام سجاده ليحيى بن المهدي عمامة الصوف هذين من بعض الاخوان هدية والنوى والكحل وخرق الكعبة تفرق على الاخوان من بني قيس الى ظفار . بتاريخه سنة ثلاث وتسعين سبعمائه سنة .
هذا تراثه وميراثه يشبه الأنبيا ، وكما قال أبوهريره فيما تقدم : انتم هاهنا وميراث محمد يقسم في المسجد. يعنى العلم والحكمه.
وبعض الأوليا حضره الموت فبكى وقال :قال رسول الله صلىالله عليه واله وسلم :< ليكون بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب .>
وانظروا الى ماحولي من هذه الأوساد وانما حواليه مطهره وجرة وقميص ورداء ونعلان وكوفيه . وكان رحمه الله تعالى لايمك شيئا قط لا حقيرا ولاكثيرا ولا يقبض الا ما وارى عورته أو سد فاقته ، ملكني شملته ومدرعته ووسادته وركوته مرارا وقال : قد ابحت لي استعمالهن أباحة مطلقة ونذرت علي بهن في آخر جزء من اجزا ء صحتك التي يتبعها سبب وفاتك؟؟
قلت: نعم.
قال: ان صح هذا والا فهي وصية مقدمة على كل وصيه واعمل فيهن بصرف المالك من هبة أو ايثار ؟
قالت :نعم ، وكلتني ما اردت تدخل في ملكي اقبضه لك على هذه الصفه؟
قال : نعم هذا الذي ترونه.
وقال: ما أحب اني القى الله تعالى بشئ من الدنيا الامثل ماخرجت من بطن امي ويا ليتني اسلم مما اسلفت ، أو قال اسرفت .
ولله القائل
له خصائص مصطفون بحبه اخبارهم في سالف الازمان
اختارهم من كل نظرة خلقه فهم ودائع حكمه وبيان
ومن حكمه وهي جمه وافرة ، ما وجدته بخط يده:
من ترك الادب على البساط رد الى الباب , ومن اساء الادب على الباب رد الى سياسة الدواب. ومن اساء الادب في سياسة الدواب رد الى سياسة الكلاب ، ومن اساء الادب في سياسة الكلاب سلطوا عليه انواع العذاب .
وكان رحمه الله تعالى يرويها بلسانه . (1/216)
ووجدت بخطه: من حكمة الصوفي له بقلبه مشاهده والمتصوف صاحب مراقبهوالمتشبه بالصوفي صاحب مجاهده والمتشبه بالمتشبه صاحب زي لاغير .
ولله القائل
كفا شرفا أني مضاف اليكم وأني بكم ادعي وارعى واعرف
اذا بملك الأرض قوم تشرفوا فلي شرف منكم اجل واشرف
واما وقت وفاته وموصع قبرره وحسن الثناء عليه
رحمة الله عليه وسلامه فإني لما علمت برجوعه الى الله تعالى ولقائه لمن يحب لقاه اظلمت الاقطار واسود النهار وتزعزع الفؤاد وانتزع العقل أو كاد استرجعت واستغفرت وحمدت الله تعالى على عظم المصيبه وحلول الرزيه التي رزينا بها وقلت كما قال علي عليه السلام متمثلا بقوله :
الا أيها الموت الذي ليس تاركي ارحني فقد افنيت كل خليلي
اراك بصيرا بالذين أحبهم كأنك تسعى نحوهم بدليلي
كتبت كتأبا الى السيد الإمام جمال المله المحمديه وتاج اكليل العصابه الزيديه وشمس اندية العلوم الربانيه آية الزمان وبركة أهل الأوان جمال الدين الهادي بن إبراهيم بن ععلي بن المرتضى بن مفضل مد الله فضله ونشر بره واعادمن بركاته ، استعلمته من مرضه رحمه الله تعالى ووقت وفاته واخبره بوضعي لهذا الكتاب ويحقق لي حال إبراهيم الكينعي في مرضه وقبله وبعده وما شاهد من كراماته وموضع قبره فوصلني جوابه الكريم المسلي لكل قلب مكلوم اليم ؛
ما أو له : بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله على كل حال جوال من اسلمته ذنوبه ولكن الى رب كريم وكتاب من أو بقته عيوبه ولكن في سوح غفور رحيم قد ركب قاموس الشهوات فطرح به مركبه ، واستوى على ظهر الغفله فحلق به منكبه صاح في مسمعيه هاتف الزجرة الواجدة فحسبه صدا ولاح في عارضيه نذير اللآخرة الوارده فخضبه صدا لايعرفل في التزود لآخرته فتيلا من نقير ولا يدري في سفر رحلته كيف التدبير صنع من اخى على عقله قناع الغفلة وران على قلبه الاغترار بنفس المهلة الشارب لدنياه شراب الهيم عند هواه ؛ الهادي بن إبراهيم ثقف الله بتوفيقه ما بقناه حاله من العوج وواقف نفسه بلطفه على كنه ما اشتملت عليه من الهوج وهداه بوهاج الزياده وغذاه الى منهاج العبادة اخوه في الله المحب له صدقا انشاء الله تعالى فيشتاق إليه شوق الطافيل الى أو لادها ويحن إليه حنين العطابيل الى افلاذ اكبادها . (1/217)
علما بان في اجتلا غرة الاخ الحبيب المولع بكل عبد منيب سلالة زين العابدين يحيى بن المهدي بن زيد بن علي بن الحسين جلاء للقلوب وبالنظر إليه انتفاء الكروب ولمّا وصلني كتابه الذي فاقت اصوله وراقت فصوله كان فاتحا للخيرات وصوله.
اهلا به من كتاب طبق مقصد الثواب وطابق مقصد السنة النبوية والكتاب ذكر سيدي ايده الله عنايته البريه المرضيه تاليف مختصر يحتوى حلية الصوره الرضية من هذه البريه فاهتز القلب الى ذلك نشاطا ومد الشوق الى ماهنالك بساطا ، وراقتني تلك الفصول المذكورة والتراجم المسطورة لاشتمالها على نكت من احول شبلي زمانه وأو يس أوانه ، شبيه سميه إبراهيم بن ادهم في العبادة ونظيره في التقوى وازهادة ، ملك عباد الملك الجليل المتشبه بسميه إبراهيم الخليل ، يهتز لوصفه القلم وترتاج الدواه ، وتعطر بمدحه الاندية وتعذب السنة الرواه ، وما ذكر في مقام الاّفا حت نوافجه وصعدت الى الملك الاعلى معارجه .
قلت ايدك الله:
اصف لك كراماته وما انتهى إليّ من احواله ، فسبحان الله أنّي لي مقول يصوغ هذه الحلية الشريفة ، أو قلم يحوك هذه البردة اللطيفه الظريفه ، لساني عن بيان فضله كليل ، وبراعتي لاتحسن صياغة هذا الاكليل، لكني اسلس مفاد الطاعة وارتسم لما ذكره حب الاستطاعه 0 (1/218)
اعلم وفقك الله انه :
لما وصل من جوار البيت العتيق وقف فيه ثلاث سنين ووصل الى <حلي > وابتداه المرض فيه ورفيقه وزميله العبد الصالح التقي العابد صبيح مولى ال زيدان وصل الى ناحية جازان شكى أهل الجهات تلك الجدب والعطش فدعالهم ولساير أهل البلدان فحصل ببركته ذلك المطر العظيم الذي عم البلدان كلها , يوم الاربعاء في شهر ربيع الأو ل ؛ هكذا رواه صبيح رحمه الله تعالى.
فلما وصل قريبا من صعدة
قال لصبيح : اني رايت لعشرة من اخواني الجنة وامرت ان ابشرهم .
فقال له صبيح: منهم ؟.
فقال: السيد محمد بن حسن بن باقي ، والسيد قاسم بن أحمد القاسمي ، والقضي محمد بن حمزه والفقيه أحمد بن يحيى الشرفي ، والفقيه محمد بن صالح ، والفقيه أحمد بن موسى بن دارين ، والفقيه علي بن جعفر الروام ، واخوه سليمان بن جعفر ، والفقيه داوود بن سليمان الزعبري ، وانت ياصبيح بن عبدالله .
وما ذكره سيدي من كلامه في مرضه ووقت وفاته فانه لم يحضرني شئ منه مع انه بلغ به الضعف غاياته والسقم نهاياته ، حتى يخيل لنا ان ما بقي عليه شئ من اللحم ابدا .
ولما توفي رحمه الله خرج أهل صعده كافه السادة والعلماء والامراء ، واهل المدينة عن بكرة ابيهم إلا الشاذ.
تاريخ وفاته
وكان ذلك اليوم بكرة نهار الأربعاء ثامن وعشرين من ربيع الأول سنة ثلاث وتسعين وسبع مائه .
وفي يوم موته اكسفت الشمس.
تقدم السيد الإمام داوود بن يحيى بن الحسين ، صلىعليه وهو الذي أوصى حي الإمام المهدي علي بن محمد يتولى الصلاة عليه ، فكان هذا من تمام لطف الله وتوفيقه .
ولما نجزت الصلاة عليه ظهر لنا كسوف الشمس في تلك الساعه , فتكلم الناس ان هذا الكسوف لاجل موت إبراهيم الكينعي رحمه الله تعالى ، واكثر الناس من هذا وازدحم الناس عليه يتبركون بجنازته، والسعيد من لمسها . (1/219)
وصلى الناس صلاة الكسوف وفرغنا وللناس ضجيج وبكاء وانين قد ظهر وعلا .
وكنت الخطيب على قبره رحمه الله تعالى ، فحمدت الله ، وذكرت للناس طرفا من فضله وعبادته وزهده وورعه وتركه للدنيا ، وعزيت المسلمين ، وسألت الله ببركاته ان يعصمنا بالصبر ويجعل معرفتنا له معرفة مباركة علينا ، وهنيت أهل صعدة بقبرانه معهم وسكونه في تربتهم 0.
مكان قبره
واما مكان قبره فهو في البقعة المباركة راس الميدان غربي مدينة صعدة ، قد عمر عليه هذا صبيح مشهد , وهو مشهور مزور مقصود ووقف هذا صبيح بعده اياما , وتوفي ودفن بمشهد الفقيه رحمة الله عليهم واعاد من بركاتهم .
ثم اني انشأت ابياتا رسمت في حجرضريحه وهي :
يازائر القبر فيه بهجة الزمن العابد الصدر نور الشام واليمن
هذا الذي صحب الدنيا بلا شحن فيها وكان بدار الخلد ذاشحن
هذا نضير أو يس في عبادته قد كان والقرن المشهور في قرن
وكان الحسن البصري في ورع وفي علوم هدا تعزا الى الحسن
اذا تضمح محزون بتربته زالت عن القلب منه لوعة الحزن
وأما ذكرك من ألحده
فهو الفقيه الفاضل يعقوب بن هبه القلوه
وهورجل من حملة الكتاب العزيز له تقوى ودين ويقين متين.
اخبرني انه لمّا كشف وجه الفقيه إبراهيم عن الكفن وجد وجهه كأنه قطعة النور والسراج المبتنير شيئا لم يره في ميت قبله رحمة الله عليه واعاد من بركاته .
واما مارسمه سيدي ايده الله تعالى من اني انشئ فيه قصيدة اذكر فيها فضله واعزي بها اخوانه واهله , فامرك مطاع ومخالفتك لا تستطاع , فسوف اعمل فيها الفكره واخرجها على اسلوب عجيب وسلك غريب انشاء الله تعالى . (1/220)
لكني اقدم قبل ذلك كلاما ليكون للقصيدة اماما :
اخواني ، لتحصنوا الدنيا فإنها عن قريب ترفض حاضنه ، ولا تعجبوا بزينتها فإنها عن وشيك تسلب زينتها وتسترد محاسنها ، ومتى راقكم زبرج زخارفها واعذبكم مخارفها فانظروا الى من كانت له اكثر رياقه واسلس ساقه واسحم نوا وازهر ضوا تمضمضوها اياما يسيره، وصحبوها اعواما قصيره ثم فاجأهم ملك الموت بوجه لايرحم صغيرا فيؤخر له أباه ، ولا يعظم كبيرا فيمهله حتى يتزود لعقباه .
هيهات.. مأمور يقبض النفس ولو كثر حولها الضجيج ، ومرسل ينزع الروح ولو عظم من اهلها الشيج , ولو رحم والد الفضيلة أو ولد الشرف محله لاحجم عن قبض روح سيد الثقلين حين حضر به احتضاره ، ثم سبطيه الحسنين ، وهو يمسح ببردة عرق الجبين ، ويراوح في المدّ بين الشمال واليمين .
هيهات .. عبدا أمر فأطاع ، ولم يكن لعمر أحد بقطاع .
إخواني ، اذا كان الموت قادما لابد من قدومه ، وهاجما لاريب في هجومه ، ولذات الدنيا مشوبة بالاّكدار ، والمقصود بنا غير هذه الدار ,فما لنا لانزهد في ملابسها الدنيه ونرغب عن مطاعمها المطليه من المرارة بعين القطران ، ونصاحب فيها الشظف والقسف ، ونباين منها التحف والطرف ، ونعرف أنها لاتدوم لها لذة وأن سبيلنا فيها سبيل من قد مضى.
حذو القذة بالقذة أين المتشبهون بالصدر الأو ل .أين المقتدون بالسلف الأفضل .
إخواني ، إنما السعيد فيها من اتخذ الصوف رياشه والشجر معاشه وبعد عن الضوضاء وخلى الناس وأمرهم في رضا ، واعتصم بالخلوات وأنس بالوحوش في الفلوات ، وكان سراجه القمر وفراشه التراب والمدر .
إخواني ، هذه رتبة شريفة ودرجة منيفة لسنا من أهلها ، ولكن إخواني لنأتي أدون مراتب الزهادة وأخفض درجات العبادة ، نتجمل بالملابس ونترك ما لأباس فيه حذرا مما به البأس وزم, الألسنة عن نزغات فلتاتها ، وتخفص الجوارح من نزوات هفواتها ونتشبه بطرف من طرائق الصالحين. (1/221)
هذه نصيحتي لكم ولكن لاتحبون الناصحين .
إخواني ، وإن فاتنا مشاهدة أولئك الأخيار ولم ندرك الحظ بملاحظة السادة الأخبار من أئمة هذه الطريقة وعلماء هذه الحقيقة , الذين جعلهم الله للناس سادة ولفضلاء الوقت قادة ، أسقاهم من محبته بالكأس الروية وقصر منهم على طاعته الجارحة والطويه ، فما يحضر لهم فكر إلا في باهر ملكوته ، ولا يعرض لهم خاطر إلا في قاهر جبروته ،جوانحهم في ارتياد مرضاته جانحة وجوارحهم في الإنقياد لطاعته متجانحة ، لايرتضون غير عبادته عملا ولا يرون في خلاف إرادته أملا ، ركبوا الجادة وخلوا بثباتة الطريق ومضوا أمما واتخذوا التوفيق الرفيق , واشوقاه الى بدار سيرهم ، ما أيمن مسراه ، واشوقاه الى سعد سفرهم ما أحمد صباح سراه ، قد قدموا الزاد ليوم المعاد وركبوامن الأعمال الصالحة ركايب سلسة القيادة ,
فقد ادركنا آخر من كان آخرا بالنسبة اليهم فهو أول في التقدمعليهم .
كذا وصف الصأحب قاضي القضاة ، وكذا أصف الكينعي رحمه الله تعالى .
ذلك الفقيه الإمام الألمعي إبراهيم بن أحمد الكينعي أزلف الله مراتبه في دار السلام وجمع بيننا وبينه في منزل الكرامة ، وبعثه كما قال الصنعاني في الدعاء لنفسه توّه الله يوم بعثته بتاج رضوانه ومغفرته .
فتشبهوا إخواني بأحواله واقتدوا به في أفعاله وأقواله .
وهذه القصيدة التي رسم وعلى أخيه حتم .
شجر الكرامة والسعادة أينعي للقاء سيدنا الإمام الكينعي
وبزيني دار النعيم لوافد وافاك بالعمل الزكي المقنع
خطب المليحة فاستجادصداقها بتعبد وتزهد وتورع
لاحت له الدنيى تريد خداعه لكنه بغرورها لم يخدع (1/222)
وتحسنت بزخارف لوصاله فأبا وطلقها طلاق مودع
قالت له مالي أراك موليا عني وقدطابت مراعي ومرتعي
وأنا المعجلّة المزينة التي تهوى العقول لمنظري ولمسمعي
فأجابها أنت المليحة برقعا والشين كل الشين تحت البرقع
أنت التي فتنت عقول عبيدها جهلا ويعرفها الذكي الألمعي
دار متى ما أضحكت في يومها أبكت غدا بعدا لها من مرتع
وقرارة الأحزانوالأوجال والأ فزاع والأو جاع والمتوجع
أين الذين خدعتهم بحلاو ة وطلاو ة ومصانع وتصنع
وجحافل محشودة ومجادل معمورة ومعاقل وتمنع
كانوا ملوكا فيك ثم أصبحوا تحت الثرى في كل قبر بلقع
شربوا بكأس مرّة مادونها من ملجأ أبدا ولا من مدفع
أتغرني دار الفياء بزينة مقطوعة في ظلها المتقطع
هيهات ذاك وقد سمعت صفاتها بكلام مولانا البطين الأنزع
هذا جواب الكينعي وإنه بلسان حال أخي العفاف الأورع
العالم العلم التقي الفاضل المتنفل المتبتل المتطوع
العابد المتزهد المتجرد المتهجد المتسجد المتركع
مازال بين عبادة وزهادة وتلاوة وتحضع وتخشع
كانت إذاقرعت مسامع اذنه بالوعظ ودّبأنها لم تفرغ
إذكان من خوف يموت بجسمه والقلب منه في المحل الأرفع
وإذا ذكرت الله جلّ جلاله أسق انهار خدوده بالأدمع
وكأنما وقفبت به أفكاره فوق الجحيم وفي الجنان الأربع
فيذوب من وجل ويهفو قلبه بالشوق بين تخوف وتطمع
كان الظلام إذا شجا أبصرته كاقوس بين تسجد وتركع
جينا وقام الى الصلاة وساعة وجثا جثوّالسائل المتضرع
ويسره أن يستطيل له الدجا ويسوءه في الفجر قرب المطلع
وإذا رأيت رأيت أصفر خاشعا كمقدم للقتل فوق الأنطع (1/223)
قد مات إلا أن في أعضائه حركات حي القلب واعي المسمع
متبلد في أمر دنياه وفي أخراه يالك من ذكي لوذعي
عبد الصلاة وسيد السادات في فضل وفي كرم ومجد أرفع
وأخو مرقعة أحب إليه من إكليل قيصر في الملوك وتبع
حفظ الحديث من الوصي وقوله رقعت واستحييت من مترفع
وتراه من صوم كأن عظامه قطع الأخلة آذنت بتقطع
وضالع دقت كدقة فكره ... والفضل أجمع بين تلك الأضلع
ياأيها القبر الذن في صعدة ... لأجل مقبور به ومودع
اعلمت أنك روضة وخضرة ... مفتره في زهرها المتقطع
بالمودع الملحود فيك وياله ... من مودع بك ياله من مودع
فيك الزهادة والعبادة كلها ... والعلم والورع الشحيح بأجمع
تالله أنك قد جمعت من التقى ... وعبادة الرحمن ما لم يجمع
كن مضجعا لفتى مضت ليلاته ... مجانفا عن طيبات المضجع
يايوم إبراهيم كل مفجع ... بسواك في التحقيق غير مفجع
من أين مثل أبي السعادة في الورا ... يهدي الى نهج الهداة الأوسع
ان العبادة بعده محزونة ... ... محرابها يبكى بأغزر مدمع
وكذى التلاوة والذين افدتهم ... منهاج فضلك ياله من مهيع
يحي الذى يحيىالهدا بحياته ... اعني رضيع هداك ازكى مضع
ما زال مقطوع الفؤاد مولعا ... رعيا لمقطوع الفؤاد مولع
يبكى عليك بقلبه وبعينه ... جزعا ومن هذا الذي لم يجزع
لكن تجرع من فراقك غصة ... هي عنده سلساله المتجرع
إذا قال اذا عذلوه من برحائه ... ودموعه كاللؤلؤ المتقطع
ليست دموعي هذه بمدامع ... لكنها كلم الخطيب المصقع
كانت فرئد لؤلؤ من وعظه ... في مسمعي فتحدرت من مدمع
قد كان واعظي الخطيب و لم يكن ... في جمعة ابدا ولا في مجمع
لكن بأوقات السعادة كان لي ... فيها محاسن وعظه المتقرع
ومن البلية غيبتى عن قبره ... في صعدة عدكان يوم تجمع (1/224)
خرجوا به في صبح يوم اكسفت ... شمس النهار به لاأمر مفضع
يا ليت اني كنت حضر موته ... فأكون بين مودع ومشيع
وأكون من جملة النعش الذي ... حملته أجنحة الكرام الركع
اصريع آيات الوعيد إذا تلى التالى ورجع منطق المترجع
وطبيب اسقام الذنوب ومرهم ... الأفراح من يعل الفوأد المرجع
من المداوي للقلوب إذا اشتكت ... رين الذنوب وشرب سم منقع
يا نفس إبراهيم انت كريمة ... في داره بدعائه لما دعى
انت المراده عندربك فاسمعي ... بالمطمئنة حين قال لك ارجعي
صلى عليك الله نفسا ازلفت ... بالخلد في غرف القصور الرفعي
تم ذلك .
قال السيد الإمام الهادي بن إبراهيم عليه السلام قال لكل مثن عارفة من جزا ، وعارفتى في هذه البيات على تعالى
ومما كان يستحسنه من القصائد المتضمنة للحكم ، وينقل شيئا منها بخط يده رحمه الله تعالى هذه القصيدة للإمام القاسم بن علي العياني ، قالها وأمر ان تدفن معه ، وتكتب على ضريحه عليه السلام وكذى فعل إبراهيم .
... ... اصبحت يامولاي جارك في الثرى متوسد الجنب اليمين كما ترى ...
... ... مستسلما للأمر مالي حيلة ... منقطع الأسباب منحل العرى
... ... أزعجت من بين الأحبة مقلقا ... مسترهنا بحرائمي مستأثرا
... ... نادا منادي الموت لي فأجبته ... بالرغم منقادا ذليلا احقرا ... ... ... وأذا قني جرعا أذوب لطعمها ... فشربت كأس الموت مرًا مسكرا
... ... وسكنت من بعد التوسع منزلا ... ضاقت جوانبه وحيسا مفقرا
... ... ضيفا لربي طالب لكرامة ... وعلى الكريم لضيفه اسنا القرا ... ... ... وأضافتي ياخالقي وكرامتي ... ... أن تسمح الذنب العظيم وتغفرا
... ... وتجود بالجود العميم تفضلا ... ... فالعفو منك لعبد سوء قصرا
... ... إن الكريم إذا تخفر عبده ... ... من ذنبه خوف العقوبة خفرا (1/225)
ولو أن جاهي كان عندك قاصرا فالفضل والإحسان لما يقصرا ... قد قلت في الذكر الحكيم مقالة ... جذل القوأد لذكرها واستبشرا ... لاتقنطوا من رحمتي وستغفرواقصدت وجهك راجيا مستغفرا وعلمت حقا أن وعدك صادق ... ماكان ذلك من حديث يفترا ... وأن المقصر والمقر بذنبه ... وأن الذي في المنكرات تهورا وأنا الضعيف فلا انتصار بقوة عندي ولا عذر لدي فأعذرا ... ... كلا ولا عمل فيؤنس روعتي ... فبقيت عيا خئفا متحيرا
... ... لا ارتجي الا الاها راحما ... ... برارا وفا قاهرا متكبرا ... ... ... لم يلزم الخلق الوجوب لحاجة ... ... كلا ولا ترك القبيح تضررا
... ... بل كان تدبير الأمر قدرا ... ... جل الحكيم مقدرا ودبرا
... ... فبحق من رفع السماوات العلى ... ... فاستمسكت طوعا بلا عمد يرى
... ... ودحى من الأرضين سبعا مثلها ... ... أرسى عليها الشم شامخة الذرا ... ... وبحق أحمد والوصي وفاطم ... ... وبحق سبطيها شبيرا وشبرا
... ... لتوسعن علي ضيق مضجعي ... ... وتجير ضعفي من نكير ومنكرا
... ... ولتؤمنن مخافتي ياسيدي ... ... يوم النشور إذا وردت المحشرا ... ... ... يوما يشيب الطفل من أهواله ... ... ويشاهد الفزع العظيم الأكبرا
... ... واصلني تحت اللواء لعلني ... ... القى النبي محمدا خير الورا
... ... اروي ظمائي بشربة من حوضه ... ... فهو الذي يسقى هناك الكوثرا ... ... ومن الجحيم وحرها وعذابها ... ... فارحم ضعيفا مذنبا متحقرا ... ... يرجو النجاة له بحسن رجائه ... ... ويأمل الخيرالجزيل الأو فرا
... ... والخير ان اعتقته ورحمته ... ... والصيد كل الصيد في جوف الفرا ... ... ... ثم الصلاة على النبي واله ... ... مالاح برق أو تلالأ جوهرا
وهذه القصيدة نقلت من خط السيد محمد النحيبي البخاري (1/226)
... ... استغفر الله من جرمي ومن زللي ... يانفس مازلت من جرمي على جل
... ... استغفر الله من نفس تنازعني ... كسب الذنوب وتركي صالح العمل
... ... استغفر الله من عين نظرت بها ... ايام زهر الصبا واللهو والغزل
... ... استغفر الله مما قلته عبثا ... ... نسيته وهو مكتوب علي ولي
... ... أستغفر الله من كف لمست بها ... محارم الله في الأستار والكلل ... ... استغفر الله من يوم ضيعة وينقضي وهو من عمري ومن أجلي
... ... استغفرالله من سعي الى لعب ... ولذة فنين مكتوبة قبلي
... ... استغفر الله من نوم سهوت به ... عن الصلاة فلم أنهض من الكسلي
... ... استغفر الله من اذن سمعت بها ... اللهو لم استمع للنصح والعذل
... ... استغفر الله من حق بخلت به ... وعاقني عنه طول الحرص والأمل
... ... استغفر الله كم أخطي فيغفر لي ... ما أكرم الله كم أعصي فيستر لي
... ... استغفر الله إن الله ذو كرم ... عسى الهي بفعل الخير يختم لي
... ... استغفر الله وأحدا فردا صمدا ... ما زال مقتدرا في الكون لم يزل
... ... استغفرا الله نجانا وأكرمنا ... ... بسيد الخلق جمعا خاتم الرسل
... ... فذاك أحمد من نرجو شفاعته ... خير البرية من حاف ومنتعل
... ... صلى الاله عليه كلما طلعت ... شمس النهار وما دارت علي حبل
... ... واله الطهر ذي الأنوار من قدم ... أهل الفضائل والعلياء على زحل
ومما وجد في مسودته رضي الله عنه وأرضاه وغفر لنا وله آمين آمين
... ... ... الى كم أنت في بحر الخطايا ... ... تبارز من يراك ولا تراه
... ... ... ودينك دين ذي ورع وزهد ... وفعلك فعل متبع هواه
... ... ... فيا من يأتي معتنق المعاصي ... ... وقني الله شاهدة تراه
... ... ... اتطمع أن تنال العفو ممن ... ... عصيت وأنت لم تبلغ رضاه (1/227)
... ... ... فتب قبل الممات وقبل نوم ... ... يلاقى العبد ما ك غيره
... ... ... احزن على أنك لا تحزن ... ... ولا تسئ إن كنت لا تحسن
... ... ... واضعف عن الشر كما تدعي ... ضعفا عن الخير فقد يمكن
غيره قاله من كتاب روض المشتاق
... ... ... لو جرا دمعك ياهذا دما ... ... ما تعدمت الينا قدما
... ... ... انما يصفو لعائنا لامرء ... ... حفظ العهد وراعا الذمما
... ... ... كيف يخفي لك أمر بعدما ... ... نشر العذر عليه علما
... ... ... عندنا منك أمور كلها ... ... حيرة فيما لدينا وعما
... ... ... وأرى ذلك داء معضلا ... ... ابدا تزداد منه سقما
... ... ... كم حميناك فلم تبق لنا ... ... وتعديت وواقعت الحما
... ... ... نح علينا أسفا أو لا تنح ... ... وقرع السن علينا يدما
... ... ... مارأينا منصفا عامله ... ... منصف في صفة فاختصما
... ... ... انت لوشا لمتنا بلت المنا ... ... قلى من سالم الأسلما
وغيره من روضة المشتاق
... ... ... لي في التوبة رأي ... والهوى يغلب رأيي
... ... ... كلما دأو يت قلب ... ي غلب الداء دواي
د ... ... ... ويلتا ان قيل يوما ... عذبوا هذ المرائي
... ... ... كان يعصيني بسر ... ويرى من أو ليائي
... ... ... قدموه لحساب ... وعذاب لجزائي
... ... ... اترئي الخلق ترضي ... هم ولا بطلب رضاي
... ... ... انما الخلد جزاي ... لعبيدي الأتقيائي
ومن خطه نقل
... ... ... يا ساهيا عما ليس ويفرض دعواك تبرم والحقيقة تيقض ...
... ... ... لاالدمع فاض ولا الفوأد مفوض ... هلا الى نفحاتنا تتعرض
... ... ... يامن تقلب في المحبة قلبه ... ما من تكدر بعد صفو شربه
... ... ... يامن تولا والحبيب يحبه ... إن كان أعياك السعام طلبه (1/228)
... ... ... ... فالجأ إليّ أنا الطبيب الممرض
... ... ... أخلص لنا نغنيك عن كل الورى ... لك عند نا ملك كثير ولوبرى
... ... ... يا خسر بايعنا وربح من أشترى ... اقبل الينا يا جبان فكم برا
... ... ... ... ... منواينا في بحر غيك تركض
... ... ... من فكرنا السماء ذكرك انجم ... وبنا الينا يقتدي لتفهم
... ... ... من غيرنا تشكو إليه فيرحم ... الوليس فدر اشت حنا حك انعم
... ... ... ... منا فما لك نحونا لا تنهض
... ... ... حق الرضا منا لمن يرضا بنا ... ما ردقط مؤمل عن بابنا
... ... ... انزل بساحتنا ولذ بحنابنا ... افما تحن الى سماع خطابنا
... ... ... ... نحن الكمال فمن بنا تتعوض
... ... ... كل الوجود مسبب عن جودنا ... كل العقول درت وجود وجودنا
... ... ... ورجالنا ركبو الصيد وعودنا ... ولقد شهرت بحل عقد عهودنا
... ... ... ... كم ذا تعاهدنا الوفاء وتنقض
... ... ... شيدت آمالا وعمرك قد مضى ... اظلمت اعمالا وشيبك عد أضاء
... ... ... مستاننا لزمانه وقد انقضى ... ارضيت ويحك حالة لا ترتضا
... ... ... ... فصحيفة سوداء وشيب ابيض
... ... ... وعظ الأحبة فاستمع لعضاتهم ... بذل النفوس يقل في مرضائهم
... ... ... أو صوك بالتقوى فخذ بوصاتهم ... قهم الأساة فناد في عرصاتهم
... ... ... ... اصنحا ببابكم العليل فمرضوا
... ... ... وغيره كان رحمه الله تعالى يروي منه شيئا
يامعدودا في الثيب وهو مع الصبيان ، يامحسوبا في البصراء وهو مع العميان ، تسافر بالحياء ولاتنزل الاحسان ، من حام حول الهوى فإن الهوى اهوان .
ألم يأن للذين آنوا أن تخشع قلوبهم ؟، ألم يأن !
يأو اقفا في الماء وهو ظمأن ، ياعارف بالطريق وهو حيران ، هذه ساعات الصلح ، وهجر الهجران ، مر اوان وجا أوان وانت الى الآن في هذا الأوان . (1/229)
ألم يأن للذين امنوا ؟، ألم يأن ؟
أما وعظت بآي القرآن ، أما زجرت بثلب الأقران ، تدفن الميت ولا وعظ كالعيان ، وبعود غافلا مأقرب هذا النسيان
ألم يأن للذين امنوا ؟
ألم يأن البصر في الحرام ، واللسان في الأثام والقدم يسعى في الحطام ، هذه تجارة ترجع الى الخسران .
الم يأن للذين امنوا ؟ ألم يأن ؟
أنت في دار من سكانها لم ينعم ، ومن صح فيها يسقم ، على بابها الأعلام لأربابها قد رقم :كل من عليها فان .
ألم يأن للذين امنوا ألم يأن ؟
سار الصالحون وتوقفت ، وجد التائبون وسوفت ، ما يقعدك عن الطريق وقد عرفت ؟
ألم يأن للذين امنوا ألم يأن ؟.
للإمام القاسم بن إبراهيم عليه السلام :
... ... درعت درع للقنوع حصينة ... اصون بها عرضي وأجعلها ذخرا
... ... ولا أرهب الدهر الخؤون فإنه ... قصاراه أن يرمي بي الموت والقفرا
... ... واعددت للموت الاله والعفوه ... وأعددت للفقر القناعة والصبرا
*
وللإمام الهادي بن الحسين عليه السلام
... قربي حلتى وهات سراجي ... حلتي من عنيق صوف النعاحي
... وسلاحي يراعة في يميني ... في شباها عصير عفص وراحي
... وأنيسي إذا خلت كتابي ... وذه منيتي وهذا علاجي
*
للأمام الناصر الأطروش عليه السلام
... على كل حيد للمنون سمات ... وقد طال عمر الأو لين فماتوا
... ايصفو على وقع النوئت منهل ... اتبقى على قرع الخطوب صفات
... صوالج دهر والزمان لواعب ... وميدانها الذنيا ونحن كرات
*
لشافعي رحمه الله تعالى
... أمت مطامعي فأرحت نفسي ... فإن النفس ماطمعت تهون
... وأحييت القنوع وكان ميتا ... وأحيائه عرضي مصون (1/230)
... إذا اطمع المّ بقلب عبد ... علته مذلة وعلاه هون
*
غيره
... اجهد لنفسك حان السقم والتلف ... ولا تضيعن نفسا ملها خلف
... العمر ينفد والأنام دائرة ... والسبل شتى وسعي الناس مختلف
... والناس في غفلة والموت يرصدهم ... كل يعلل والأرواح تختطف
... والمرء ضيف بدار لا مقام بها ... فيها الفجائع والروعان يرتدف
*
عشرة ابيات من البردة في مدح النبي (ص) كان يستحسنها ، والبردة وتوشيحها ، وغيرها من جملة تراثه ، رضي الله عنه وجزاه عن اخوانه خيرا بمحمد واله منها
... فإن أمارتي بالسوء ما اتعظت ... من جهلها بنذير الشيب والهرم
... من لي برد جماح منغوايتها ... كما يرد جماح الخيل باللجم
... فلاترم بالمعاصي كسر شهوتها ... إن الطعام يقوي شهوة النهم
... والنفس كالطفل إن تهمله يشب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
... فاصرف هواها وحاذر أن تواليه ... إن الهوى ماتولى يصم أو يصم
... ورعها وهي في الأعمال سائمة ... وإن هي استحلت المرعى فلاتسم
... كم حست لذة للمرء قاتلة ... من حيث لم يدري أن السم في السم
... واستفرغ الدمع من عين فد امتلاأت ... من المحارم والزم حمية الندم
... وخالف النفس والشيطان واعصهما ... وإن هما محضاك النصح فاتهم
... ولا تطع مهما خصما ولاحكما ... فأنت تعرف كيد الخصم والحكم
... استغفر الله من قول بلاعمل ... لقد نسبت به نسلا لذي عقم
... ظلمت سنة من أحيا الظلام الى ... أن اشتكت قدماه الضر من ورم
... وشد من سغب احشائه وطوا ... تحت الحجارة كشحا منزف الأدم
... ورأو دته الجبال الشم من ذهب ... عن نفسه فأراها أيما شمم
... وكيف تدعو الى الدنيا ضرورة من رولاه لم تخلق الدنيا من العدم
... محمد سيد الكونين والثقلين ... خير الفريقين من عرب ومن عجم (1/231)
... هو الحبيب الذي ترجى شفاعته ... لكل هول من ألأهوال مقتحم
... دعا الى الله فالمستمسكون به ... مستمسكون بحبل غير منفصم
... ماسامني الدهر ضيما واستجرت به الا ونلت حوارا منه ليضم
*
وغيره
فتقدم السباف في غسق الدجا ... تطوي القفار وتهجر الأو طانا
... هجر والخلائق والعلا ئق في رضا ... محبوبه وتحنب الإخوانا
... شرب الظماء حتى تعطش قلبه ... فغدا وروح من الظماء ريانا ...
* ...
وقال من روض الرياحين
... اعميت عيني عن الدنيا وزينتها ... وفانت والروح شسء غير مفترق
... إذا ذكرتك وافا مقلتي أرق ... من أول الليل حتى مطلع الفلق
... وما تطابقت الأحداق عن سنة ... الا رأيبك بين الجفن والحدق
*
هدية من رجل هندي إليه سماها الوسيله إلى رسول الله (ص)
... حاد البوازل إن لاحت لك الخيم ... من الكثيب وبان البان والعلم
... ارسل قلوصك بالودي فذاك به ... ظل ظليل ......الشيخ والجم
... وقصد سرا طيبة السادات أنهم ... هم الملوك لهم كل الورا خدم
... وأسأل أهيل الحما من مغرم بهم ... متيم دمعه هام ومنسجم
... يا ساكني طيبة ياعرب كاظمة ... رقوا لمن دمعه من مقلتيه دم
... والله لاحلت عن حبي لاا قبا ... حاشاي أني بالسلوان اتهم
... هم المراد ولي في حبهم قمر ... له الحصى ناطق والبدر منقسم
... طه البشير له الأخلاق أربعة ... العفو والصفح والإحسان والكرم
... من نور طلعته الغراء أربعة ... فجران والشمس ثم البدر منقسم
... في الكون من شعره الحبرى أربعة ... الليل والجنح والديجور والظلم
... وحل في خدر خير الرسل أربعة ... العلم والحلم والتوفيق والحكم (1/232)
... وآمنت إذبدا اجناس أربعة ... الجن والإنس والأملاك والأمم
... وعطلت إذ بدا ياصاح أربعة ... الإفك والسحر والأو ثان والصنم
... وحن شوقا الى مرآه أربعة ... الجذع والغصن والأطيار والرخم
... وطاب من سيد الأكوان أربعة ... الأصل والنسل والانساب والنسم
... وبالعلى إذا رقى وافته ارعة ... الرحب والبشر والتمكين والعظم
... مؤيد وله في الحرب أربعة ... الفتح والنصر والتمكين واللمم
... محمد له الأسماء أربعة ... محمد أحمد هادي ومعتصم
... لولاه ما وجدت في الحي أربعة ... الخيف ثم منى والبيت والحرم
... لولاه ما عرفت بالبيت أربعة ... ركن وحجر وميزاب وملتزم
... لولاه ما يممت في الحج أربعة ... الركب والوفد والأضعان والخيم
... لولاه ما كان في الإسلام أربعة ... العهد والدين والأهلون والرحم
... لولاه ما شاقني من بخد أربعة ... الند والبان ثم الشخ والحزم
... لكنني عاقني عن ذللك أربعة ... الذنب والوزر والعصيان والندم
... يا سيد اتاه في معناه أربعة ... الخضر والعرب والأتراك والعجم
... هل لإبن عباس في معناك أربعة ... وصل وقرب وأفراح ومغتنم
... تملي عليك صلوات الله أربعة ... البر والبحر والأفاق والأكم
*
غيره
مازلت دهرك للعلا متعرضا ... ولطال ما قد ملت عنا معرضا
جافيتنا دهرا فلما لم تجد ... عوضا سوانا عدت تندب ما مضا
لوكنت لازمت الوقوف ببابنا ... لكسبت من احساننا خلع الرضا
لكن نقضت عهودنا وتركتنا ... ..... ضاق عليك متسع الفضا
لكننا من حودنا نبدي الذي ... بعد الإساءة جاءنا متعرضا
ونننيله عفوا ونغفر ذنبه ... ونرد اسود ماجناه ابيضا
* (1/233)
وغيره
انت سروري ومنتهى حر.... ... وأنت في سواد الليل سماري
غيره
يامن تشبه بالسادات ظاهره ... ليس المحقق في الإحسان كالحاكي
اصبحت ......عينا لادموع لها ... وتشتكى ألما من غير ادراكي
ياظالما عظمت في الظلم حالته انت الظلوم فأنت الصارخ الشاكي
دلائل الحزن لاتخفى شمائلها جسم نحيل وطرف ساهر باكي
هذا التصنع شرك ظاهر فعسى بحق ربك لاتأتي بإشراكي
وازهد وخل زها الدنيا لصأحبها حتى تقول لقد قطعت اشراكي
وأخلص الذكر حتى لاتدنسه فمن تدنّس لايحضى بإدراك
يانفس توبي الى مولاك ضارعة فما لفقرك يوماغير مولاك
*
غيره
تواضع لاخوانك المسلمين إذا مالقيت بخفض الجناح
ولين الكلام وبذل السّلام ولطف المساء ولطف الصباح
وعاشررهم في حميع الامور بعدل الافا وبذل السماح
قبولا نصوحا سليما حليما امينا شفيقا قليل المزاح
كثير التحمل بادي التجمل في الانقباض وفي الانشراح
لاخوانك السادة المؤمنين تقز بالكرامة يوم الفلاح
*
ومما وجد بعده للفقيه عبد الله العنسي رحمه الله تعالى آمين
الهي ذا الجلال أرى القوافي تهز بها العباد الناس هزا
فما لي لاأهز جناب ملك تبارك ما أجل وما أعزا
اذا اتخذ العباد لهم كنوزا جعلتك لي من الحدثان كنزا
وان سألوا العباد سألت من لا اخاف لديه عرضي أن يرزّا
اسير إليه حاجاتي فتقضى ولم تسمع لي الاذان ركزا
واخضع في يديه فيرتقي بي جلالة قدره شرفا وعزا
اذاما استجلب القرآن حزني به ايقنت أني سوف أجزا
أعيذ بنور وجهك ثوب ديني وثوب جلالتي من ان ييزّا
*
للشبلي رحمه الله تعالى (1/234)
ذكرتك لااني نسيتك لمحة وايسر مافي الذكر ذكر لساني
وكنت بلا وجد اموت من الهوا وهام علي القلب بالخفقان
فلما أراني الوجد أنك حا ضري شهدتك موجودا بكل مكان
فخاطبتك موجودا بغير تكلم ولاحظت معلوما بغير عيان
*
من السفينة قيل لإبراهيم بن ادهم:
انت عبد؟
قال: نعم .
قيل :لمن ؟
قال :فلما أراد أن يقول ,غشي عليه فلما أفاق
جعل يقول: إن كل من في السمأو ات والارض إلاآتي الرحمن عبدا .
ثم قال 0:إذا سميتني عبدا فقد اجللت من قدري ، ولو سميتني مولا ومولاي الذي تدري
ولو ناديتني ميتا لجأو بتك من قبري ولو فبتشت عن قلبي ترى اسمك في صدري.
قال سليمان الخواص: مامن أحد يكون به داء الا وانا أرجو دواه , إلامن طلب الرياسة من القراء والاخوان العلماء , فبماذا ادأويه ؟ والقرآن والسنة عقاقير المسلمين الذين يتدأوون بهما فإذا لم ينتفعوا بهما فماذا من الادوية يشفيهم ؟.
ولبعضهم 0
إن صحبنا الملوك تاهوا علينا واستبدوا بالراي دون الجليس
أو خدمناهم لقبض وبسط كان ادعا الى دخول الحبوس
أو لزمنا السلاح نبغي به العز تعدا الى احترام النفوس
أو صحبنا التجار عدنا الى اللوم وصرنا الى حساب الفلوس
فلزمنا البيوت نتخذ الحبر ونطلي به وجوه الطروس
ونناجي العلوم في كل فن عوضا عن مكالمات الكؤوس
وقنعنا رضى بما رزق الله ولم نكترث بهم وبوس
وغنينا بما عكفنا عليه من خضوع لكل نذل خسيس
عزة النفس والسلامة في الدين اصطبار الفتى لدهر عبوس
*
ولبعضهم: إذا أطاعك لسانك واهمك شأنك أحبك إخوانك ؛ وهابك اقرانك؛ وكثرت افراحك؛ وقلت احزانك 0 (1/235)
(نكته) : شافيه
في فضل الهادي بن إبراهيم وفضل ابيه إبراهيم وفضل جده علي بن المرتضى أعاد الله من بركاتهم
أما الهادي فكتابه الذي مرّ من عنوان فضله وعلمه وورعه وزهده ؛
أما علمه فهو رجل جامع للعلوم له موضوعات في كل فن أكمل أهل زمانه , محلق عليه فيها ، يؤهل للامامة ويتوخا لتحمل أمر الخاصة والعامة ، مع الخوف العظيم للعدل الحكيم والورع الشافي والعفة عن المراتع الوبيه ومكارم الأخلاق التي شرف بها وفاق ، ما رأي معبسا قط بسّاما في وجوه المسلمين ، مشمرا في حوائجهم وحوائج المساكين يضرب بلطف شمائله المثل ، ويقتدى به في كل قول صالح وعمل إمام لأهل العبادة مونس لاهل الطريقة.
يعتقد رحمه الله تعالى أن ترك الدنيا وزينتها أبلغ الاعمال الصالحة ، قد زينه الله بالتقوى والزهادة ، وكمله بفصاحة اللسان التي لاتوجد الآن في انسان :من النظم والنثر والتصانيف الرائقة والحكم الفائقة .
ومن جواب جوبه الإمام الناصر عليه السلام ما لفظه:
وصل كتابه الجامع للمحاسن الفارق بين العذب الزلال والاحن الاسن
فتعطل جيد الخلافة يدرره ويثمر وجه الحال بغرره متجلببا بالعجب جامعا للادب قد ملأ الدلو الى عقد الكرب وضمنه ماهو اشهى من المن والضرب ، ولعمري لقد اصبح منشئه عميد الفصاحة وناموسها ويافوخ البلاغة وقاموسها ، وماهو إلا نظايم المسك الأذفر وكرايم اليم الاخضر كنوز الرموز ، ورموز الكنوز ، وافكار الابكار ، وابكار الافكار، نبّه ووعظ وقرظ وايقظ، لله دره من منطيق،
وما ذكره من كلام الشافعيه ما لغيره من الايمان ، وينبغي الذب عن الحوزة الزيدية والانتصار للاسرة النبويه باليد واللسان والسيف والسنان ، فلا زالت بلك الرويه تنبذ الجواهر الظريفه وتقذف بالدرر الشريفة .
والله يمد مدته ويحرس كريم مهجته ، ويعيد من بركاته .
والله يعلم ان القلب يأنس به ويعتقد فضله وكرمه ، ويأنس بأن هذا الدين لايهضم له جانب وهي في الحياه . (1/236)
الى آخر كلامه 0
وكان إبراهيم الكينعي رحمه الله تعالى يعظمه تعظيما عظيما ويكرمه .سمعته يوما يقول: هذا الهادي بن إبراهيم إمام من أئمة أهل البيت عليهم السلام ، لأنه يافلان أعلم الناس في علوم الشريعة ، وأكملهم في علوم أهل الطريقة والحقيقة .
قال : له أحب منك أبياتا على وزن هذا البيت الأول .
فأنشأها رضي الله عنه :
صغير هواك عذبني ... فكيف به إذا احتنكا
... ... ... هواك عليك مقتصر ... وقلبي هام فيك بكا ...
ولي روح به شغف ... يروح اليك وهو لك
وإني فيك ذو وله ... فما أبقا ولا ترك
ولي شوق اليك غدا ... عليه القلب مشتبك
لقلبي باللقاءضحك ومن خوف الصدود بكى
فياعجبا ه من دنف ... لدمع جفونه سفك
إذاذكر الفراق بكى ... وإن ذكر اللقاضحك
حمل في الهوى شجنا ... متى سكن الهوى احترك
ولو صبت مدامعه ... غدت من مائها بركا
محب صار من شغف ... يطوف في الهوى سمكا
لقد ضعف الفؤاد بمن ... أراه لمهجتي ملكا
وإني منه في فلك ... رقى قلبي الفلك
كسجون محبته ... غدا قلبي له سمكا
ومالي عنك من بدل ... ومن لسمائه سمكا
وقد تقدمت بعض هذه الأبيات فأبيت بها هنا على الكمال والوفاء .
وله عليه السلام كرامات تروي منها : (1/237)
خرج عليه قوم إنتهبوا ثيابه ومركوبه من تحته ،مشى حافيا فكان من يوم خامس ما وقعوابه وقع بالذي وقعوا به أنتهبوا ولزموا غيروا وبعضهم قتل وشاهدهم بعينه .
وهذه كرامة ظاهرة وآية باهرة .إعترف بها أهل القصة وسواهم وتأبوا الى الله وأنأبوا .
وأما أبوه السيد الإمام إبراهيم ، فكان عالما فاضلا زاهدا عابدا قد أبراه الخوف وأنحلته العبادة ،وكان وجهه يتلألأ نورا ،وكان يرى نور وجهه من بعيد ،وكان مصفار اللون من خوف الله تعالى وله وظائف في العبادة والتلأوة ، وله ولأهل بيته مايعجز إلا من وفقه الله تعالى .
روى الأفضل أحمد بن الهادي بن أمير المؤمنين المؤيد بالله يحيىين حمزة عليهم السلام :
أن هذا إبراهيم أعاد الله من بركاته كان يؤثر بطعامه وطعام أهل بيته الفقراء ، ورب ليلة يضمر فيها جوعا ,
كان من لباسه
العبا والخشن من الصوف ،وكان يلبس الشملة ، فإذا كان الليل طرحها على أولاده من شدة البرد .
وفراشهم الحصير وعبادته وزهادته وأوراده الصالحة قبلة للصالحين وقدوة للعارفين ،وله كرامات ظاهرة وفضائل باهرة وقبره عليه السلام بهجرتهم هجرة الظهراوني بشظب.
انقطعوا الى الله تعالى بها وهاجروا من فتن الدنيا وأقبلوا الى الله بكلهم ، وعبدوه بصدقهم ، ويقينهم ، وظفوا الوضائف الحسنة من العبادة والتلاوة ودرس العلوم ، ومشائخهم وشبابهم ونساؤهم بهم ضرب المثل ويتوسل إلى الله عزوجل بهم .
وكان له عليه السلام وضائف
منها ماظهر على وجه الكريم من الخوف الممازج للحمه ودمه ، ومنها :
ساعات ليله ونهاره لا تمر ساعة الا في ذكر أو صلاة أو تلاوة أو قرائة أو إقراء في العلوم .
ومنها :كاتن له يقين وطمأنينية قلب ما يبهت الرائي كان وصل الى حدة بني شهاب لزيارة بنت اخته الشريفة الفاضلة العاملة الزاهدة سيدة نشأ دهرها وبركة أهل عصرها حورية بنت محمد بن يحيىالقاسمي ،< فعملت >به همة ، فقصدته للزيارة فصليت خلفه العصر ، اعتقد أنها أفضل صلاة قد صليتها ، لما رأيت منه فيها من الخوف والنحيب والرجيف والوجيف والعنين والأنين والسكون والهدوء ، والطمأنينة في الأركان كلها . (1/238)
فلما فرغ من صلاتة أخذ مصحفه الكريم ووضعه على رأسه وقال : الهي مالنا من عمل صالح نتوسل به اليك الا أني أتوسل اليك وأبتهل بين يديك وأسألك بجاه كتابك هذا الكريم أن تجينا من النار .
وقيل هذا ديدنه بعد كل صلاة فريضة ، وكانلا يملك شيئا من الدنيا سوى ثيابه التى يلبسها .
وأما كراماته قهي جمة العدد متضاعفة السرمد لكني أذكر منها كرامة هي كافية ، وهي:
مارواه الثقة الأمين أحمد بن خالي الهادي بن الإمام يحيىبن حمزة أن رجلا من أهل تلك الناحية وجد في جربة له حجر عظيمة اعياه كسرها فوقع في نفسه ...........السيد الإمام على بن المرتضى بن مفضل ليصلي عليها لعل الله ييسر ببركته كسرها
فساعده السيد الإمام وارتقا عليها ، وتوجه وصلى ، فلما ببلغ الشهادة بالوحدانية شهد بها من صميم فؤاده عليه السلام فتفلق الحجر من تحته من عظم يقينه ووقوع الشهادة على ارادة الله تبارك وتعالى.
فانزعج الناس من قعقعة الحجر فوصلوا فوجدوها قد مرت قطعا ، وهذه والله كرامة عظيمة وآية كبرى ، أعاد الله من بركاتهم آمين.
إشارة :
روي أن مريد بن أبي يزيد البسطام ذكر الله تعالى بكلمة الإخلاص بمحضره في مسجد الجامع فتصاكت قناديل المسجد حتى تكسرت بعضها في بعض .
فانزعج اخوانه من ذلك
فقال لهم أبو يزيد: اني معتقد ان السواري تصاك بعضها في بعض ، ولقد عجبتم من القناديل لله أهل الأسرار وأهل الإخلاص واليقين الخاص ، لقد تعجلوا برد اليقين ولذة الإخلاص كأنهم مشاهدون لما أعد الله لهم . (1/239)
وأروي عن اسيد الإمام الوثق بالله المطهر بن أمير المؤمنين محمد بن المطهر
قال لي يوما : يأو لدي إن لي أخا في الله تعالى يقال له السيد محمد بن يحيىالقاسمي من شظب وهو زوج كريمة السيد الإما م علي بن المرتضى اعاد الله من بركاتهم الجميع ، ولم يأو لدي ولا أري بأفضل منه علما وخوفا وورعا وزهدا وعبادة وفقرا ورضا وتوكلا وتويضا وغناء بالله ، وكان ننذر له نذور مما فتح الله عليه
ويقول وأخي محمد بن يحيىمما فتح الله من كذا بكذا.
سمعته غير مرة يقول :توصي اخي محمد في بركة في شظب فوقع في نفسه من الخوف ما كاديقبضه ،
فقال : الهي وسيدي إن علمت ان اعتقادي فيك وفي توحيدك على وفق ارادتك فأسألك أن تريني كرامة اطمئن باها وأزداد بها يقينا يقع علي مطر يسيل السيل ويدخل هذه البركة حتى تفيض ، قال السيد الواثق عليه السلام : فما قام من مقامة حتى دفع عليه المطر .
وكان كثيرالتشكك في الطهارة ، ودخل السيل وامتلأت البركة .
فوجده جذلا فرحا وقد اردمه المطر والسيل.
هذه كرامة وبشارة لهم ولمن يحبهم انشاء الله تعالى .
وأروي قريب من هذه الرواية ما رواه لحي إبراهيم بن أحمد الكينعي رحمه الله تعالى عن القاضي الفاضل محمد بن إبراهيم الاجازي ووجدتها معلقة معه .
وكان رحمه الله تعالى يحب اظهاره لأنه كان كلما كان يقرب الى الله تعالى أحب اظهاره مالفظه :
أقول وأنا العبد الفقير الى الله تعالى محمد بن إبراهيم بن أبي الفتوح الزيدي :كنت واقفا أنا ووالدي إبراهيم ووالدتي وإمرأة لأبي ايضا في صرح دار نحن فيها ساكنون ببيت حاضر من اعمال صنعاء ، وفوق الصرح مخزان مغلق وفوقه سقف آخر ، والشمس حامية ولا سحاب في السماء نراه , إذ نبع علينا ماء من وسط الخشبة لامن حولها بل من نفسها حتى سال من الخلوة الى الحجرة ، ومن الحجرة الى الدرج . (1/240)
فارتعنا وحارت أفكارنا ، فهمت والدتي أن تصيح في الناس .
فقال والدي رحمه الله : اسكتوا ما أحد داري بهذا غيري.
فعلنا اخبرنا ولا زمناه فما أجابنا مدة مديدة نحو من خمس أو ست سنين ، حتى أتيت من شبام من القرائة على حي الفقيه الإمام احمد بن مرغم .
فلقيني والدي الى قريب من صنعاء فوقفت معه تحت حجرة في بلاد سنحان فسألته بالله تعالى ليخبرني عن ماء الخشبة .
فقال : يأو لدي اني ختمت القرآن في تلك الليلة وسألت الله تعالى إن كان راضيا علي وراضيا بفعلي واعتقاداتي أن يريني آية باهرة أزداد بها يقينا ، وتكون لي بشارة ، فخرج الماء من الخشبة .
وانا أشهدلكم بهذه الشهادة عن أبي وعن مشاهدة الماء يخرج من نفس الخشبة .
قال فقلت له : يا أبة ، كيف اعتقادتك اعتقد بها ؟ .
فقال : يأو لدي كما قيل
... لو شقيت قلبي للقي وسطه ... سطران قدخطا بلاكاتب ...
... العدل والتوحيد في جانب ... وحب أهل البيت في جانب
... إن كنت فيما قلته كاذبا ... فلعنة الله على الكاذب
وكان هذا القاضي إبراهيم نفع الله تعالى به من علماء الكلام المبرزين فيه المحلقين ، وفي أصول الفقه والفقه والعبادة وتلاوة الكتاب العزيز ، كان من مقارئه القرآن الكريم وله من الخوف والزهد والحجا ما لايمكن شرحه .
كان حي الإمام الناصر عليه السلام يوده ودا شافيا وينشر من فضله ويتفقد احواله ويعاتبه إذا اطال الغيبة عنه .
عند صوفية الشافعية وفقهائهم بأن الزيدية قساة القلب وإن الكارمات والأسرار لايجوزونها البته ، لقلت يقينهم وشدة قلوبهم (1) (1/241)
وأجد مختصري هذا المبارك مفخرا لنا أيها العصابة الزيدية والفرقة الناجية عليهم السلام وعلى منكري فضل آل محمد وشيعتهم (؟)
فالحمد لله على التوفيق لهذا ، والإنتصار لآل محمد وشيعتهم والجهاد باليد واللسان والسيف والسنان والإعتقاد في الجنان انشاء الله تعالي .
سمعت أبي المهدي بن قاسم رحمه الله تعالى يقول : كرامات أهل البيت ابلغ وأكثر من غيرهم ، ثم قال : أن سيدا فاضلا يقال له فلان ـ غاب عني اسمه ـ من جبال خولان من بني الهادي عليه السلام سار في قفر ومعه جماعة من اخوانه فاعترض لهم الأسد في طريقهم باسط ذراعيه في ممرهم ، فلما رآه اصحابه ولوا فارين والسيد نفع الله به ما ارتاع.
فقال له :اذهب عنا لاتروعنا . ايها الأسد عن طريقنا ، فبصص وحرك ذنبه ورأسه وحن الى وجه السيد, وتمرغ بين يديه .
فقال لأصحاته بعد أن أنسوا بسلامة السيد من الأسد ، وقال لهم :لابد لي مما أسير مع هذا الأسد فماله الاشان.
فسار الأسد وهو يبصص بين يدي السيد ، والسيد يتبعه حتى أدخله غيظة موحشة وأو قعه على اللبوة فهشت تريد السيد.
فوثب عليها الأسد وانبسط عليها ومديديها الى نحو السيد عليه السلام
فنظر السيد الى يدها , فوجدها وارمة وظن أن فيها شيئا ، فاستخرج عليه السلام الشفرة كانت معه فبضع فاستخرج من يدها شصرة عظيمة من عود ، ونرج القيح منها .
وولا عليه السلام ، وتبعه الاسد يمشي قدامة ويحن الى وجه السيد ويبصص بين يديه ، حتى وصل الى اصحابه في ذلك المكان وقد انتزعت ارواحهم خيفة على السيد .
فلما وصل السيد الى اصحابه، تمرغ الأسد بين يديه ومسح برأسه نعال السيد ، وولا مسرعا شاكر بلسان حاله .
من طلب الله صادقا وجده .
سافرت الحج الى بيت الله الحرام مع سيدي ابراهم بن أحمد الكينعي رحمه الله تعالى.
سنة ثمان وسبعين وسبع مائة سنة في رفقة من اخواني وأحبابي منهم السيد الهادي بن علي بن حمزة العلوي ، والسيد الأفضل معدن افخار ودرة آل محمد المختار محمد بن أحمد بن الناصر بن أمير المؤمنين أحمد بن الحسين عليهم السلام ، والشيخ الصالح الأواه المنيب محمد بن علي الأسد ، وكان هذا علي بن الأسد أبا محمد من عباد الله الصالحين الخائفين الوجلين المشمرين على ساق الجد ، وكان وجهه قد علته صفرة الخوف ، وخالطه حتى الموت . (1/242)
امسك هرة يوما وقال :سألتك بالله الذي لااله الاهو ايتها الهرة لتخبريني , هل أنا من أهل الحنة أو من أهل النار؟
فقالت الهرة بلسان فصيح :بل أنت من أهل الحنة .
روي لي هذه الرواية ولده محمد بمحضر إبراهيم الكينعي رحمه الله تعالى .
ومنهم اخي وقرة عيني أحمد المهدي بن قاسم وهو مبرز في العلوم مشمر في طاعة الحي القيوم ، نشأ على العلم والعبادة منذ بلغ عشر سنين ، وحج وهو ابن سته عشر سنة .
ومنهم الفقيه الصالح يحيىبن اسعد اللوز .
وشاهدنا في سفرنا من الكرامات والفتوحات والحمايات والكفايات في البر والبحر مالا يمكن شرحه لسعته .
زرنا في طريقنا الفقيه الإمام الحجة على الأنام ذو الكرامات الظاهرة والأسرار الخارقة والولاء الجزيل لآل محمد عليهم السلام .
......بن حسن بن حسين السودي برباطة المسما رالحرز فشاهدنا له كرامات وتنورات ، ويحق له الخوفة ومراقبته واطراقه وملازمة اسم الله الأعظم .
قال له إبراهيم رحمه الله تعالى بمحضري : أي الأسمان أو لي بالملازمة ان يقول :العبد الله الله ، أو ياالله يا الله ؟
فقال محمد بن حسين: الاقوله يا الله ، لأنه حاضرناظر والغيبة على الله حارم .
ورأيت ناسا اكبوا على قدم الفقيه محمد ين حسين وهم يقولون :يا سيدي، نشاء المطر هلكت زروعنا ودوابنا .
وأكثروا الملازمة للفقيه ، فقال : ابشروا .
فكان عشية ذلك اليوم فشاهدنا جبلهم عليه المطر ولم يزل عليه حتى لم نره من شدة الغيث. (1/243)
واتفق لنا في تهامة أن ناسا من الرباع رصدوا لنا مكانا يريدون نهبنا ، ونحن في قافلة وافرة فخرجوا وشاهدوه اعني إبراهيم الكينعي رحمه الله تعالى فلما رأوه سقط مافي أيديهم ، وكأنك صببت عليهم ماء أو نارا.
فطرحوا سلاحهم وأكبوا على قدمه يقبلوناه ويتوبون ويجأرون إليه يطلقهم لوجه الله تعلى . وكأنه ـ والله اعلم ـ اصابهم شيء اقعدهم .
فقال رحمه الله : اذهبوا وتوبوا الى الله .
فقال رجل منهم يقال له سرمدا: أما أنا ياشيخ فاني اتوب الى الله تعالى ، وادبع رأسي .
يعني يحلقه .
فالزمني طريقة البوبة ، فدعا له رحمه الله تعالى .
وسرنا بحمد الله سالمين غانمين ، وسكانا في البحر في مركت عظيم كانت لنا فيه الحكمة واختلافيه إبراهيم في منزل وحده وأحرم وهو مختل وحج ولا يتكلم .
ووقفنا في مكة المشرفة شهرين في احسن حال وانهم بال عرفنا بالصالحين وهدانا الله به الى طريق أهل اليقين ، والكلام شجون .
فمن افضل مارأيت من المجاورن ثلاثة نفر :
رجل عالم فاضل خائف مراقب يقال له: شمس الدين المصري وفقه الله تعالى.
وأخيته .
وأحبه قلبي ، فرأيته يوما في الحجر الكريم فقال لي : من أنت ؟
فقلت : فقير مذنب.
فقال : ماأريد هذا ، أنت محمدي ؟
فقلت : نعم.
فاستلقي على قفاه الى جدار الحجر , وقال : بخ بخ لكم آل محمد أهل الشرف والوفاء والتحقيق والصفاء .
فلازمني في الصحبة ، فقلت له يوما : أقسم عليك هل فيكم يا علماء الشام والعراق عالم عامل بعلمه زاهد في الدنيا أو متصوف صادق ؟
فقال : لا ، ياسيدي بل عمائم مدورة وقمصان مقدورة وأكمام ذيالة ، وهذا شيء لا نعرفه في بلادنا .
قلت له : إن في بلادنا علماء وزاهدون في الدنيا يخافون الله تعالى فيما نالوا من القوت وستر العورة ويراقبونه.
قال : هذا شيء غريب ، الا أنكم أيها الزيدية تفرقتم شيعا . (1/244)
وقال : مارأينا منكم يا أهل اليمن مثل هذا الشيخ الأصلع .
يعني إبراهيم بن أحمد رضي الله عنه .
قلت له هذا عالم عامل زاهد .
فقلت: له فزهادكم كيف ؟
قال : ياسيدي صوفي بدرهم .
قلت : كيف ؟
قال : مرقعة بدرهم وناموسة بدرهم ، وركوة بدرهم، ثم أنشد
... أهل التخوف قد مضوا ... صار التصوف محرقه
... صار التصوف صيحة ... ... وتواجد أو منطقه
الثاني : شيخ من الهند حنفي المذهب يقال محبب كإسمه
عمره قريب من المائة السنة ، جاوز في مكة ثلاث وعشرين سنة يعتمر في كل يوم عمرة ماشيا على قدميه .
قد رصدته مرارا يطوف ويسعى ويحلق فمن دعائه في الصفا والمروة والعمرة وتحت الميزات ، يصلي على ملائكة الله وأنبيائه وأو ليائه ، ويصلى على محمد وآله ، ثم يقول :
اللهم الطف بآل محمد وتقبل منهم ، وارفع عندك منزلتهم وأكرم لديك جوارهم ، اللهم اجعل دينهم قاهرا لجميع الأديان ، اللهم اغن فقيرهم ، وتجاوز عن مسيئهم ، اللهم الطف بأهل الحرمين الشريفين والمجاورين .
ويدعوا لهم بدعاء حسن ، ثم يدعو للمسلسين والمسلمات ، ما سمعته يدعو لنفسه قط .
اضافني ليلة ونزل معى الى باب بيته .
فقلت له إنك شيخ كبير معذور مشكور .
فقال : والله ياسيدي لو قلعت عيني لتطأ عليها ما أديت لكم حق يا آل محمد .
يقولون في مكة السيف المسلول الشيخ محبب ، وسمعت من يقول في المسعي وحق شيبة نجيب. اعاد الله من براكاتهم وبراكات من عرفنا منهم ومن لم نره ، ولا نقرفه ، وهو معروف عند الله تعالى .
الثالث: الشيخ حسن بن محمود الشيرازي ، رجل فاضل طويل القامة حسن الخلق والخلق يلبس البياض قميص وعمامة بيضاء يسدلها كعمامة الرسول (ص) .
نور الأيمان على وجهه وسيماء الصالحين قد شملة يسكن في رباط الزيدية بمكة .
وقع بيننا وبينه التعارف أو لا بالقلوب ثم الأشخاص فوجدناه صالحا له أسرار عجيبة وتنورات غريبة ، لايزال بجنب سارية في الحرم الشريف قاعا اكثر عبادته التفكر والذكر الخفي . (1/245)
مجاور البيت العتيق خمس عشرة سنة ، لأني سألته كم لبثه في مكة ؟
فقال : اعلم ياسيدي شريف ـ لسانه أقرب الى العجومة أعاد الله من بركاته وأسراره وادعيته ـ أعلم أني كنت شيخ زاوية الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد الشوروردي ، ومريديته .
ومدرسته أثني عشر الف مريد في ربط وزوايا وطباخين وخبازين ،
والشيخ يقف على باب الرباط للهداية والشفاعات والصلح بين الناس وللتأديب والتقريب للفقراء وغيرهم .
قال لي : ياسيدي ولو تأتيه البغية في شفاعة أو دفع مضرة لسار معها ، ليتمكن من توبتها وهدايتها ، قال : ولا اعتراض على الشايخ في مثل هذا ينكس قلب المريد .
فكنت في زأو ية واخواني المريون فيها أربعة الآف او يزيدون ، فوقع في نفسي الانقطاع الى الله تعالى وتركت كل شيء يشغلني عن الله فطلقت زوجاتب وقسمت تركتي علي فرائض الله وودعت أو لادي وجواراتي وأهل مودتي وفررت الى الله تعالى والى جوار بيته العتيق .
وله كرامات عظيمة من وقع في نفسه شيء من أحبابه فقط حاجة من الله أو بغمرة بيت الحاجة وأخبر الصبح بما سمع فيها .
قلت له ياسيدي شرف الدين سألة الله حاجة احب تلازم الله تعالى لي في قضائها وتخبرني بكرة غدا انشاء الله تعالى.
فقال : بسم الله وارتسم بالسمع والطعة فثبت لي ومان بكرة وهو يتبعين على قوله في الحرم الشريف حتى وجدني، فصافحني ولزم على يدي وأخبرني
قال هذه الليلة رأيت في منامي أني واقف تحت العرش العظيم والملائكة صافون من حوله
فقلت : سيدي شريف يحيىبن مهدي يسأل الله حاجته .
قال فقالت الملائكة عليهم السلام : نعم طلب ولدا صالحا يحصل انشاء الله تعالى عن قريب فإذا حصل سماه أبو العطايا.
فقالي: سيدي شريف هذه حاجتك ؟
فقلت: أي والله . (1/246)
ومرة قلت له هكذا وأضمرت عمارة هجرة بأعلى حدة بني شهات .
فقال : وقف في منامه بين يدي الله تعالى وقال كما قال .
وكلمته الملائكة عليهم السلام نعم طلب عمارة مكان وما تهيأ فإن تهيأ وعزم تم نفعه وبركته.
وصلني منه كتاب جواب منذ سنتين
قال وماذكرته من شرح الأساء الحسنى فاعلم يا سيدي أن الأشتغال بأسمائه وأسرارها علة شاغلة عنه تبارك وتعالى والعلة علة .
قيل: للشيخ أبي الحسن الشاذلي قدس الله سره : أعرشي أنت ام كرسي ؟
فقال : طينة الجسم ارضية والنفس سمأو ية ، والقلب عرشي ، والروح كرسي ، والسر مع الله تعالى بلا أين .
وفي كتابه إليّ من الفوائد والغرائب لكنه ذهب من يدي ؛ الله اعلم بيد من صار من الاخوان. وكان يعظم اخي أحمد ويقول: له شأن عظيم وحال قوي .
صدق الله ظنه فيه وفراسته بحق محمد واله فحصل الولد المبارك وسميته عبدالله أبا العطايا تبركا بكلامه بعد أيابنا من بيت الله العتيق وشرح لي ان يكون صالحا عالما تقيا زاهدا قال خادما للفقراء متواضعا لله.
وهذا ولدي عبدالله أبو العطايا محب الى المسلمين والفقراء والمساكين مجتهد في طلب العلم قد نقل من المختصرات خمسه كتب غيبا وعمره اثني عشر سنة وقد صار مرضيا وفي سنة خمس وتسعين قد عزم على غيب القرآن الكريم ، وكثيرا ما يلازمني في الحج الى بيت الله الحرام ويشتاق إليه.
بلغ الله فيه أملي وأمل إخواني وفقه الله لصالح القول والعمل وعصمه عن الجهل والخطأ والزلل بمحمد واله وبملائكة الله اتوسل ان يجعله ممن اهتدى واناب ومن أهل الحكمة وفصل الخطاب آمين وصلى الله على محمد الامين وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين آمين 0
أحمد الله حمدا مباركا على اعانتي زبر هذا الكتاب الجليل مع ان الايدي قد كلت عن مثل هذا العمل وقد اعانني جل وعلا فله الحمد والمنه اتمامة بقدر الطاقة والامكان .
تمام زبره في الساعة المباركة الثامنة والنصف من ليلة الاربعاء (1/247)
الموافق 7شهر رمضان الكريم سنة 1404هجريه بقلم مالكه الفقير الى الله المقر بالتقصير
أحمد بن سالم القاسمي غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين آمين ورزقه حب محمد واله آمين آمين وصلى الله على محمد واله وسلم .
والحمد لله رب العالمين
ولاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم 0
* * *
تم كتاب صلة الإخوان بعد التصحيح