فتاوى العلامة عبدالرحمن بن حسين شايم حفظه الله القسم الثاني تحتوي على  المسائل التالية

مبحث في الكلام عن الزيدية وأصولها ومشاهير رجالها وعن بعض مؤلفات علمائها وعن مذهبها في الفروع

المسمى بالرد الواضح الجلي

على السائل عن أتباع الإمام زيد بن علي

سؤال عن ألفاظ في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) لكميل بن زياد

فسّرها السارح ابن أبي الحديد بتفسير أشكل على السائل

مبحث في الكلام عن الزيدية وأصولها ومشاهير رجالها وعن بعض مؤلفات علمائها وعن مذهبها في الفروع

المسمى بالرد الواضح الجلي

على السائل عن أتباع الإمام زيد بن علي

مما ولي جمعه المفتقر إلى الله تعالى

عبد الرحمن حسين شايم

وفقه الله

آمين

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على كل حال من الأحوال، وصلى الله على سيدنا محمد وآله خير آل.

وبعد: فإن الإستاذ محمد حافظ السوداني سألني حينما كان مدرساً بالمعهد العالي بصعدة عن الزيدية وأصولها، وعن مشاهير رجالها، وعن بعض مؤلفات علمائها، وعن مذهبها في الفروع لِمَ خالفت فيه إمامها زيد بن علي (عليه السلام) ، وطلب إيضاح كل فصل من فصول السؤال، ولما كان السؤال واضحاً أجبته بحصيلة ما عندي، وإن كان مثلي لا يعوّل عليه في جواب ولا سؤال، ولا أنا ممّن يؤهل لفتح محكمات الأقفال، ولكن رجاءً لما عند الله من الثواب وعملاً بالحديث المشهور: ((مَنْ كتم علماً مما ينفع الله به في الدين ألجمه الله بلجام من نار))، أخرجه بهذا اللفظ الإمام أبو طالب (عليه السلام) في أماليه عن أبي سعيد رحمه الله، ولحسن ظن السائل بي كان تحرير ما سنح، فإن أصبت فبتوفيق الله تعالى وتسديده، وإن أخطأت فلقصور باعي وقلة إطلاعي، وأسأل الله تعالى أن يجعله تجارة لن تبور إنه جواد كريم.

وهذا أوان الشروع في

ترجمة الإمام زيد بن علي عليه السلام

أمَّا الجواب عن الفقرة الأولى من السؤال وهي: السؤال عن الزيدية، فأقدم قبل ذلك بحثاً يتضمن شيئاً يسيراً من ترجمة الإمام زيد بن علي (عليه السلام) .

فأقول: اعلم أنّ الزيدية هم أتباع الإمام الشهيد والوالي السعيد عقيد الفرقة الزيدية، ورباني الأمة المحمدية وارث علوم آبائه الأكرمين، وفاتح باب الجهاد لتشييد قواعد الدين، ومبلغ حجج الله تعالى إلى الناس أجمعين، أمير المؤمنين زيد بن علي بن زين العابدين بن الحسين شهيد كربلاء وسبط رسول الله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم وأحد ريحانتيه من الدنيا ابن أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب عليهم

مولده

مولده t: روى الإمام المرشد بالله (عليه السلام) بإسناده إلى الحسين بن زيد بن علي (عليه السلام) في سنة خمس وسبعين، واستشهاده سنة اثنتين وعشرين ومائة، وقد ترجم له جمٌ غفير من علماء الزيدية وعلماء الأمة المحمدية، وهو رضاً عند الجميع، ترجمه أبو العباس الحسني في مصابيحه والديلمي في مشكاته، والمقريزي في خططه المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار، وذكره السيد العلامة صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير في بسامته فقال:

 

وفي هشام وفي زيد أتت جللاً
دعا هشاماً إلى التقوى ونابذه
وصغّر الأحول الطاغي وحقّره
وبث دعوته في كل ناحية
فقاتلته جنود الشام وانحرفت
وخاض في غمرة الهيجا فأثبته
فكان ما كان من قتل الإمام ومن
لم يشفهم قتله حتى تعاوره

ومَنْ كزيدٍ وزيدٌ خيرةُ الخير
لسب آل رسول الله والنذر
ولم يكن في مقام الخصم بالحصر
وكان مخرجه لله في صفر
عنه العراق إلى أعدائه الفُجِر
سهم من القوم أهل البغي والأشر
صلب له فوق جذع غير مستتر
قتل وصلب مع التحريق بالشرر

 

وترجمهُ شراح البسامة كالعلامة محمد بن علي بن فند المعروف بالزحيف، والسيد العلامة أحمد بن محمد الشرفي وغيرهما.

قال نشوان بن سعيد الحميري في شرح رسالة الحور العين: وروى السيد الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين الهاروني في كتاب الدعامة أن جميع فرق الأمة اجتمعت على إمامة زيد بن علي إلا هذه الفرقة (يعني الرافضة).

قال: فلما شهر فضله وتقدمه وبراعته وعرف كماله الذي تقدم به أهل عصره اجتمع طوائف الناس على اختلاف آرائهم على مبايعته فلم يكن الزيدي أحرص عليها من المعتزلي، ولا المعتزلي أسرع إليها من المرجئي، ولا المرجئي من الخارجي، فكانت بيعته (عليه السلام) مشتملة على فرق الأمة مع اختلافها، ولم يشذ عن بيعته إلا هذه الفرقة القليلة التوفيق.

قال: ومن الواضح الذي لا إشكال فيه أنّ زيد بن علي يذكر مع المتكلمين إن ذكروا، ويذكر مع الزهاد، ويذكر مع الشجعان وأهل المعرفة والضبط والسياسة.

وروى الإمام محمد بن المطهر (عليه السلام) في كتابه المنهاج الجلي، ورواه الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين الهاروني (عليه السلام) في الأمالي من طريق كليب الحارثي: أن زيد بن علي دخل على هشام بن عبد الملك وقد جمع هشام الشاميين ثم قال له زيد بن علي: إنه ليس أحد من عباد الله فوق أن يوصى بتقوى الله وليس أحد من عباد الله دون أن يوصِي بتقوى الله وأنا أوصيك بتقوى الله، فقال له هشام: أنت زيد المؤمل للخلافة الراجي لها، وما أنت والخلافة وأنت ابن أمة، فقال له زيد (عليه السلام) : إني لا أعلم أحداً أعظم منزلة عند الله من الأنبياء صلوات الله عليهم، وقد بعث الله نبياً هو ابن أمة فلو كان ذلك تقصيراً عن حتم الغاية لم يبعث وهو إسماعيل بن إبراهيم والنبوة أعظم منزلة عند الله من الخلافة، وكانت أم إسماعيل مع أم إسحاق كأمي مع أمك، ثم لم يمنع ذلك أن جعله الله أباً للعرب وأبا خير النبيين محمد صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم، وما تقصيرك برجل جده رسول الله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم، وأبوه علي بن أبي طالب، فوثب هشام من مجلسه وتفرق الشاميون ودعا قهرمانه فقال: لا يبيتن هذا في عسكري، فخرج أبو الحسين زيد بن علي وهو يقول: لم يكره قوم حرّ السيوف إلا ذلوا، ورواه أبو العباس الحسني في مصابيحه وزاد أن هشاماً قال لأهل بيته بعد ما خرج زيد من عنده: أتزعمون أن أهل هذا البيت قد بادوا، لا لعمري ما انقرض قوم هذا خلفهم، وهي هكذا في أمالي أبي طالب أخذ معنى قوله (عليه السلام) : لم يكره قوم حرّ السيوف إلا ذلوا ولده يحيى بن زيد (عليه السلام) فقال:

 

يا بن زيد أليس قد قال زيدٌ
كن كزيد فأنت مهجة زيد

من أحب الحياة عاش ذليلا
تتخذ في الجنان ظلاً ظليلاً

 

حكى ذلك أبو الفرج الأصفهاني في كتابه مقاتل الطالبيين في ترجمة يحيى بن زيد (عليه السلام) ، وروى الإمام المهدي محمد بن المطهر (عليه السلام) في المنهاج والإمام أبو طالب في الأمالي بإسناده أن جابر الجعفي قال لزيد بن علي حين أزمع على الخروج بكلام ذكره له محمد الباقر من صفة خروج الإمام زيد بن علي، وأنه مقتول، فقال الإمام زيد بن علي (عليه السلام) : أأسْكُتُ وقد خولف كتاب الله وتحوكم إلى الجبت والطاغوت، وذلك أني شهدت هشاماً ورجل عنده يسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت للساب له: ويلك يا كافر، أما أني لو تمكنت منك لاختطفت روحك وعجلتك إلى النار، فقال هشام: مهٍ عن جليسنا يا زيد، فوالله لو لم يكن إلا أنا ويحيى ابني لخرجت عليه وجاهدته حتى أفنى، وروى هذه الحكاية أبو العباس الحسني (عليه السلام) في مصابيحه، وفيها أن الرجل الساب كان يهودياً وزاد في روايته فخرج زيد (عليه السلام) وهو يقول: من استشعر حب البقا استدثر الذل إلى الفنى، فذلك الذي هاجه إلى الخروج أهـ.

ومما رواه محمد بن الحسن الديلمي رحمه الله في كتابه مشكاة الأنوار لما جرى بين هشام وبين زيد بن علي كلام خرج زيد وهو يقول:

 

حكم الكتاب وطاعة الرحمن
كيف النجاة لأمة قد بدلت
فالمسرعون إلى فرائض ربهم
والكافرون بحكمه وبفرضه

فرضا جهاد الجائر الخوّان
ما جاء في الفرقان والقرآن
برئوا من الآثام والعدوان
كالساجدين لصورة الأوثان

 

 قال الإمام المنصور بالله (عليه السلام) في الشافي: وكان ديوانه (عليه السلام) قد انطوى على خمسة عشر ألف مقاتل خارجاً عمّن تابع من أهل الأمصار وسائر البلدان أهـ.

وروى الإمام المهدي محمد بن المطهر (عليه السلام) في المنهاج عن أبي الجارود عن الإمام (عليه السلام) أنه قال: سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني فإنكم لن تسألوا مثلي، والله لا تسألوني عن آية من كتاب الله إلا أنبأتكم بها، ولا تسألوني عن حرف من سنة رسول الله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم إلا أنبأتكم به ولكنكم زدتم ونقصتم، وقدمتم وأخرتم فاشتبهت عليكم الأخبار، وقد أجمع علماء الجرح والتعديل على جلالة قدر الإمام زيد وعدالته وعلمه وسبقه فقد ترجمه المزي في تهذيب الكمال، وترجمه الذهبي في تاريخ الإسلام وترجمه أيضاً في النبلاء، وترجمه كثير غيرهما وإذ قد اتفقت الأمة من جميع الفرق على جلالته وفضله ومرتبته في العلم والعمل فلا مانع من الحكم بكون إسناده أصح الأسانيد فقد ذكر الزين العراقي في الفيتة قوله:

 

وجزم ابن حنبل بالزهري
وقيل زين العابدين عن أبه

عن سالم أي عن أبيه البر
عن جده وابن شهاب عنه به

 

ومن المعلوم أن زيداً أثبت من الزهري وأرجح، وقد قال الإمام أحمد بن حنبل عند سماعه لحديث أسنده الإمام علي بن موسى الرضى (عليه السلام) وهو حدثني أبي موسى الكاظم عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن أبيه زين العابدين عن أبيه شهيد كربلاء عن أبيه علي المرتضى، قال: حدثني حبيبي وقرة عيني رسول الله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم: ((قال: حدثني جبريل عن رب العزة سبحانه قال: لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي)) أهـ.

قال الإمام أحمد بن حنبل: هذا إسناد لو قريء على مجنون لأفاق أهـ.

وقد أشار الإمام المنصور بالله (عليه السلام) إلى تقديم سند آبائه على غيره في قوله:

 

كم بين قولي عن أبي عن جده
وفتى يقول روى لنا أشياخنا

وأبو أبي فهو النبي الهادي
ما ذلك الإسناد من إسناد

 

وقال الهادي بن إبراهيم الوزير رحمه الله:

 

سند عن الآباء والأجداد في
سند عن الهادي وعن آبائه

أحكامهم وفنونهم والمفرد
لا عن طريق مسدد بن مسرهد

 

وقد انسحب الكلام فلنرجع إلى ما نحن بصدده فإنه (عليه السلام) لما خرج لرفع راية الإسلام قاتله طغام أهل الشام وكان ذلك في شهر صفر، وفي يوم الجمعة رُمي بسهم في جبينه فحمل إلى دور أرحب وشاكر فجيء له بطبيب فنزع السهم ثم مات من ساعته ودفن في مجرى ماءٍ وأجري عليه فأبصرهم غلام سندي فدل عليه، فصلبوه في الكناسة وحرقوه بعد ذلك، وخبطوه بالعثاكيل حتى صار رماداً وسفوه في البر والبحر وذروه في الرياح، نقلت هذا بتصرف من كتاب الشافي.

وللإمام (عليه السلام) كرامات ومزايا شهيرة حليت بها الأسفار، وشنف بها أسماع البادين والحضار

 

وسار بها مـن لا يسيـر مشمَّراً         وغــنّى بـها منْ لا يغني مغرداً

 

وسنتبع هذا الفصل بفصلين، الأول: فيمن أخذ العلم عنه من مشائخه، والثاني فيمن أخذ عنه من تلامذته وأتباعه ونستعين الله تعالى على إتمام ذلك.

أمّا الفصل الأول

فقال شارح المجموع القاضي حسين بن أحمد السياغي ناقلاً عن الشيخ العالم القاسم بن عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر البغدادي رحمه الله كان زيد بن علي شامةُ أهل زمانه، وجوهرة أقرانه، وإمام أهل بيت النبوة في وقته (عليه السلام) ، يعرف في وقته بحليف القرآن، له في الزهد والكرم ومحاسن الأخلاق ما ليس لغيره من أهل زمانه، فتح الله عليه بالعلم بعد أن أخذ عن جماعة من فضلاء الأمة كأبيه زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) وجابر بن عبد الله الأنصاري الصحابي، ومحمد بن أسامة بن زيد وغيرهم من أبناء الصحابة، وفتح الله عليه بأعظم ممّا أخذ عن الثقات، وقد رأيت الإقتصار في هذا الباب على ما ذكر لوضوحه.

تلامذته

وأمّا الفصل الثاني

 فتلامذته (عليه السلام) : أولاده الأئمة الأبرار والسادة القادة الأطهار عيسى بن زيد ومحمد بن زيد وحسين بن زيد ويحيى بن زيد، فعيسى بن زيد أخذ عنه ولده أحمد بن عيسى وسفيان الثوري وغيرهما، وكان عيسى زاهد زمانه، وهو جد العراقيين من أولاد زيد، ومحمد جد الذين ببلاد العجم، وحسين بن زيد هو جد المشهورين من ذرية زيد بن علي، ويحيى بن زيد هو القائم بعد أبيه (عليه السلام) وكان يحيى (عليه السلام) ينشد:

لـكل قتيلٍ معشر يطلـبونه     وليس لزيد في العراقين طالب

فقام بخراسان.

قال ابن سعد: قتله سِلْمُ بن أحوز، وأمُه ربطه بنت محمد بن الحنفية.

قال الهيثم بن عدي: لم يعقب يحيى وكان أحمد بن سيار عامل خراسان قد بعث سلماً إلى يحيى فظفر به بعد حروب شديدة وزحوف.

قال السيد صارم الدين في بسامته

وسلمته إلى سلم بن أحوزها
صلى الإله على زيد وصفوته
السالكين إلى الأخرى مسالكها
ففي النهار جهاد طال عثيره
وأشهد الله أن الحق دينهم

 

بالجوزجان بلا ضعف ولا خور
يحيى وصلى على أشياعه الغرر
والمقبلين على أعمالها الأخر
والليل ترجيع آي الذكر في السحر
وأنهم صفوة الباري من البشر

والضمير في قوله: (وسلمته) إلى الدنيا المذكورة في أول المنظومة.

رجعنا إلى ما كنا بصدده من تعداد تلامذته (عليه السلام) وهم كثيرون، منهم: منصور بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبو عتّاب بمثناه ثقيلة ثم موحدة، الكوفي ثقة ثبت، وكان لا يدلس، من طبقة الأعمش مات سنة (132) كذا في التقريب، قال السياغي في شرحه: احتج به البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم، وكان أحد دعاته وكان ورعاً فقيهاً محدثاً أهـ.

ومنهم هارون بن سعد العجلي أو الجعفي الأعور صدوق رمي بالرفض رجع عنه، من التابعين هكذا في التقريب.

قال السياغي في شرحه: هو من شيوخ مسلم.

قال في المقصد الحسن لابن حابس: وهذا منهم تحامل ونصب (يعني قول أهل الجرح والتعديل رمي بالرفض) وقد أنشد له ابن قتيبة في الرد على الروافض:

ألم ترَ أنّ الرافضين تفرقوا
فطائفة قالوا إمام ومنهم
برئت إلى الرحمن من كل رافضٍ

 

وكلهم في جعفر قال منكرا
طوائف سموه النبي المطهراً
يصير بباب الكفر في الدين أعورا

 

ومنهم معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاري استشهد مع الإمام، ومنهم محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو صاحب رسالة الإمام التي كان يدعو إليها، ورأيُ محمد ورأيُ أبيه التشيع في علي وأهل بيته والمحبة بلا غلوٍ، وإذا ذكر المحدثون ابن أبي ليلى فمرادهم عبدالرحمن والد هذا، وإذا ذكر الفقهاء ابن أبي ليلى فمرادهم محمد هذا، هكذا أفاده في المقصد الحسن، ومنهم معمر بن خيثم الهلالي، ومنهم محمد بن قيس بن الربيع، وكان فاضلاً ورعاً، ومنهم أبو حنيفة النعمان بن ثابت المعروف بأبي حنيفة، وهو أشهر من أن يعرّف، وسنبين فيما بعد أخذه عن الإمام ونوضح أن الفقهاء الأربعة هم أتباع أئمة الزيدية، وأنه لا خلاف بين أئمة الزيدية وبين الأئمة الأربعة، وأنه لم يشب نار الخلاف إلا بعض أتباع الأئمة الأربعة وقيل لسياسة دوليه.

ومن أتباع الإمام زيد وتلامذته سلمة بن كهيل الحضرمي أبو يحيى الكوفي ثقة من الرابعة كما في التقريب.

قال في المقصد الحسن: إمام نبيل له مائتان وخمسون حديثاً، وهو من أفاضل الزيدية، روى عنه الجماعة، وهو من رواة حديث: ((أنا مدينة العلم وعليٌ بابها فمن أراد العلم فليأت باب المدينة)) أهـ، وأنت خبير أن هذا الحديث قد رواه جماعة من الحفاظ وصححوه، وقد أخرجه الحاكم في مستدركه وأبو الصلت الهروي راويه من الشيعة الثقات ولا عبرة بتضعيف الذهبي له فذلك تحامل منه وتعصب لمكان تشيع أبي الصلت وكيف والحديث مخرج من طرق أخرى فكم قد رد الذهبي من أحاديث الفضائل وجرح رواتها لغير سبب إلاَّ التشيع الذي هو تعديل فحسبه الله.

في كفة الميزان ميل راجح
فاجزم برفع الأول واخفض رتبة

 

عن مثل ما في سورة الرحمن
للنصب واكسر شوكة الميزان

 

ومن تلامذة الإمام الإجلح بن عبد الله الكندي قال في التقريب: أجلح بن عبد الله بن حُجيّه بالمهملة والجيم مصغّراً أبا حجية الكندي، يقال: اسمه يحيى، صدوق شيعي من السابعة مات سنة (145) ومنهم أبو الجارود زياد بن  عبد الله الخارفي، ذكره يحيى بن حميد في التوضيح فقال: أبو الجارود زياد بن المنذر الهمداني وقيل الثقفي وقيل النهدي الأعمى وإليه تنسب الجارودية من الزيدية، قالت الناصبة: رافضي متهم له أتباع يروي في الفضائل والمسائل روى عن الباقر أنّ النبي صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم أمر علياً بثلم الحيطان أي يسد الأبواب التي كانت إلى المسجد، روى له الترمذي.

قلت: حديث سد الأبواب مشهور وقد أخرجه الحفاظ من طرق والبحث عن طرقه ليس من غرضنا وجرح الخصوم لروايه لا يضر إذ ذلك بناءً على قاعدتهم المنهارة جرح كل من روى في الفضائل، ومنهم سليمان بن مهران الأعمش ذكره ابن حجر في التقريب بلفظ: الأعمش ثقة حافظ عارف بالقرآن ورع لكنه يدلس مات  سنة (147)أهـ.

وذكره يحيى بن حميد في التوضيح فقال سليمان بن مهران الكاهلي: الأعمش وهو من أعلام الزيدية روى له الجماعة أهـ.

قال شارح المجموع رحمه الله: وهو رأس المحدثين وأهل الفقه أهـ. وهو كلام القاسم بن عبد العزيز، ومنهم سفيان بن السمط، قال شارح المجموع: وهو الذي روى عن جعفر الصادق إن زيداً لم يخرج لجهاد هشام حتى رأى النبي صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم في المنام يقول: يا زيد جاهد هشاماً ولو بنفسك أهـ.

ومنهم زيد بن الأنماطي وكان ناسكاً فاضلاً.

قال شارح المجموع رحمه الله: وقد روى له الترمذي وإسحاق بن راهويه، ومنهم نصر الوشا قال القاسم بن عبد العزيز: وهو الذي روى مناظرة زيد بن علي للزنديق عند هشام بن عبد الملك أهـ.

ومنهم عبد الله وعبيد الله ابنا محمد بن عمر بن علي ابن أبي طالب (عليه السلام) وكانا آية زمانهما، ومنهم معمر وسعيد ابنا خيثمة وكانا ممن شهد مقتل زيد بن علي (عليه السلام) وجاهدا معه وكانا محدثين فاضلين.

قال في التوضيح: سعيد بن خيثم الهلالي يروي عن زيد بن علي قيل ليحيى بن معين، فقال: هو شيعي ثقة.

قال الذهبي: وقع لنا من عواليه في دعا المحاملي، روى له الترمذي والنسائي، ومنهم أبو الزناد الموج بن علي، ومنهم علي بن صالح بن حي، وأخوه الحسن بن صالح بن حي الذي تنسب إليه الصالحية من الزيدية.

قال في التوضيح: الحسن وعلي ابنا صالح بن حي إلى الحسن تنسب الصالحية من الزيدية.

قال أبو نعيم: كتبت عن ثمانمائة محدث فما رأيت أفضل من الحسن بن صالح، وقال أبو زرعة: اجتمع فيه فقه وعبادة وزهد، وكان مذهبه ترك الجمعة مع الظلمة والخروج عليهم بالسيف، وروى الذهبي عنه حديث المنزلة بإسناد متصل حكى ذلك في ترجمته، ولما نقل الزعفراني موته إلى المهدي العباسي خرّ ساجداً وكان أخوه رأساً في العلم والعمل والعبادة روى عنه مسلم والأربعة، ومنهم محمد بن الفرات الجرمي وكان محدثاً فاضلاً، ومنهم القاسم بن أرقم والهيثم الطهوي الذي حدث عنه كبار أهل الكوفة، ومنهم عبد الله بن الزبير عم أبي أحمد الزبيري، ومنهم الفضل ابن الزبير عم أبي أحمد الزبيري صاحب دعوة الإمام الأعظم أبي الحسين زيد بن علي (عليه السلام) إلى العلماء، ومنهم عيسى بن أبي قرة، وكان ناسكاً فاضلاً، ومنهم راوي علوم الإمام زيد بن علي أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي حدث عنه الثقات، وهو كثير الملازمة للإمام زيد بن علي، وهو الذي أخذت الزيدية عنه مذهب الإمام على ما في المجموعين الحديثي والفقهي، ورجحوا روايته على غيره، وقد أوسع أصحابنا الكلام في الذب عن أبي خالد، وفندوا مطاعن الخصوم وردوها وبينوا بطلانها، ومنهم سورة بن كليب وكان ثقة الإمام زيد في أكثر أموره، ومنهم مطر التمّار وكان فاضلاً ورعاً، ومنهم سالم السلولي وهو الذي خرج زيد بن علي من بيته يوم قتل، ومنهم القاسم بن كثير، الفاضل العابد، ومنهم الوليد بن يعلى وكان حسن الصوت بالقرآن حتى أنها كان تخشع لقراءته قلوب العصاة، وكانت قراءته تعجب الإمام، ومنهم حسان بن قايد البارقي وكان فاضلاً شجاعاً في الجهاد، ومنهم محمد بن الحجاج البجلي، ومنهم عمرو بن أبي عمرو النخعي، ومحرز بن جبلة الأشجعي، وعمرو ويحيى ابنا الزبرقان المالكيان من خيار الكوفيين، وخليفة بن حسان الخثعمي وله اختيارات، وخباب السلمي وحمزة بن منصور وسالم بن أبي حمزة الثمالي وثابت بن أبي صفية والأشعث بن أبي صفية، والأشعث عم سعيد بن خثيم، وخباب بن زيد بن معتّب وكان فاضلاً وشهد مع زيد مقتله، وعبد السلام بن ميمون البجلي وشهد معه أيضاً، وسلمة بن ثابت الليثي وأبو سعيد إسماعيل الفزاري الطحان وكان فاضلاً، وصالح بن ذيبان المكنى بأبي ثميلة الأبار، ورجا بن هند البارقي، وأبو الصبار العبدي، ومحمد بن عبد الله الرصافي وكان فاضلاً نبيلاً، والأزهر بن الوازع المرادي وعامر بن الربيع العذري وعصير بن سلمة بن ثابت الليثي ونعيم بن ذي جدّان وأبو دلهم الوالبي من خيار الكوفيين وعبيد بن جعد البارقي وزياد بن درهم وكان فاضلاً وسلام بن السري الجعفي، ومساور بن حديد العامري، والصلت بن الحارث بن إياس الجعفي وإبراهيم بن نعيم العبدي وعبد الله بن سليمان الحضرمي، وشاكر بن عبد الله وعثمان بن عائشة، والشهاب بن عبد الله البارقي، وعبد الله بن عثمان النهدي، وقاسم بن عبد الرحمن الصهياني، وعيسى بن عنبسة وعبد العزيز بن أبي عثمان البارقي، وعثمان وحمزة بن أبي حمزة الثمالي وأبو عباد الأحول الهمداني وعمرو بن صالح الأشجعي، وعبد الله بن عثمان الأشجعي، فهؤلاء المشهورون من تلامذة الإمام الأعظم أبي الحسين زيد بن علي عليهما الصلاة والسلام وأتباعه وكلهم فضلاء أهل نسك وعبادة، ولكنهم بعد قتله (عليه السلام) وظهور بني مروان عليهم خملوا في الأرض ومنهم من قتل مع الإمام زيد بن علي صلوات الله عليه ولم يشتهر منهم بعد زيد بن علي في الأخذ منهم إلا أقلهم كمنصور بن المعتمر ومثل أبي الجارود وهو الذي ينسب إليه الجارودية من الزيدية، وهارون بن سعيد العجلي والحسن بن صالح وأخوه علي بن صالح، وهاشم بن اليزيد وكثير النوّا وصباح المري وعمرو بن قيس وأبي حنيفة النعمان بن ثابت ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وزبيد اليامي وسلمة بن كهيل وعمرو بن خالد الواسطي وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي، وأبي الزناد والمورج بن علي، وسليمان الأعمش والأجلح الكندي، ومعمر وسعيد ابنا خيثم الهلاليان، وسعيد بن الحجاج وقيس بن الربيع وسفيان بن أبي السمط، ومحمد بن الفرات الجرمي، وفضيل بن الزبير وعبد الله بن الزبير وسالم بن أبي حفصة والحكم بن عيينة، ومن السادة أولاده المتقدم ذكرهم، والسيد الإمام عبدالله بن الحسن كان ممن يفضله ويعتقد إمامته، ومن قوله رضي الله عنه: العلامة بيننا وبين الناس علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، والعلامة بيننا وبين الشيعة زيد بن علي (عليه السلام) فمن تبعه فهو شيعي ومن لم يتبعه فليس بشيعي، وهو أخذ العلم عن أبيه وعن جماعة من أبناء الصحابة ثم أولاده الأئمة الأعلام النفس الزكية محمد بن عبد الله والسيد موسى بن عبد الله والنفس المرضية إبراهيم بن عبد الله وإدريس بن عبد الله كلهم أخذوا العلم عن أبيهم، وعن بعض أصحاب زيد بن علي (عليه السلام) وعن أبناء الصحابة والإمام الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وأخوه الحسن بن علي، والإمام القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) والسيد أخوه الإمام محمد بن إبراهيم، والسيد أحمد بن عيسى بن زيد (عليه السلام) والسيد الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد (عليه السلام) ، والسيد القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومحمد بن محمد بن زيد (عليه السلام) ، ويحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد (عليه السلام) ، فمن هؤلاء من روى عنه محمد بن منصور المرادي جامع علوم آل محمد صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم وأعظم من روى عنه منهم القاسم بن إبراهيم وأحمد بن عيسى بن زيد والحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد عليهم السلام، فهؤلاء الذين صار الكوفيون على مذهبهم حتى انتشر إليهم مذهب الهادي والمؤيد بالله في آخر الزمان بعد خمسمائة وشيء، والهادي يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم أخذ العلم عن جده القاسم بن إبراهيم ثم اختار اختيارات كثيرة فصارت زيدية الحجاز واليمن على مذهبه ومذهب جده ثم أخذ ولده المرتضى عنه العلم، ودخل بلاد العجم، قلت: وهذا وهمٌ بل الذي دخل بلاد العجم هو ولد المرتضى، وهو الملقب بالهادي، واسمه يحيى وعنه أخذ أبو العباس والسيدان المؤيد بالله و أبو طالب علم الهادي (عليه السلام) والسيد الهادي يحيى المرتضى يروي العلوم عن عمه الناصر أحمد بن الهادي وهو عن أبي يحيى بن الحسين صلوات الله عليه رجعنا إلى تتمة كلام العلامة القاسم بن عبد العزيز رحمه الله، (فأخذ عنه أبو العباس الحسني) ثم أخذ الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين وأخوه أبو طالب عن السيد أبي العباس (عليه السلام) ، وكان الإمام الناصر لدين الله الحسن بن علي صاحب الجيل والديلم قد أخذ العلوم عن محمد بن منصور عن آل رسول الله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم ثم اختار اختيارات كثيرة فصار أهل الجيل والديلم لا يرون خلاف ما اختاره رأياً، ومذهبه عند أتباعه مشهور لا يختلف فيه اثنان، وسنده ظاهر وكذا مذهب القاسم والهادي والمؤيد بالله عند أتباعهم أشهر من الشمس في اليوم الضاحي، سواء أسند أم لم يسند، وأولاد جعفر الصادق (عليه السلام) ، وأولاد أولاده كانوا على رأي الإمام أبي الحسين زيد بن علي (عليه السلام) ومنهم من خرج على الظلمة للجهاد كمحمد بن جعفر الصادق (عليه السلام) وعبد الله بن جعفر وكزيد بن موسى بن جعفر وغيرهم من الأئمة السادة، وكان أكثر الفقهاء في الصدر الذي فيه الإمام أبو الحسين زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام على رأيه ثم بعده كذلك، فأبو حنيفة من رجاله وأتباعه في كل كتاب من كتب المقالات، وكذا صاحباه أبو يوسف ومحمد والشافعي محمد بن إدريس تلميذ لمحمد بن الحسن، وكان داعياً ليحيى بن عبد الله بن الحسن الإمام في زمن هارون الرشيد وشرس عليه بنو العباس لأجل ذلك، وكذلك كانت قراءته في غير الفقه على رجلين من أتباع زيد بن علي عليه الصلاة والسلام، وهما رجلا أهل الحق أحدهما مسلم بن خالد الربجي، والآخر إبراهيم بن يحيى المدني، وكذلك مالك الفقيه كان يفتي من سأله بالقيام مع محمد بن عبدالله النفس الزكية على المنصور أبي الدوانيق وشيخه جعفر بن محمد الصادق في الحديث، فلا مذهب أقدم من مذهب أبي الحسين زيد بن علي عليهما الصلاة والسلام، ولاأفضل وكيف لا يكون كذلك وهو يرويه عن أبيه عن جده عن النبي صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم فليس بينه وبينه إلا رجلان.

هذا وقد استوفيت في هذا كلام العالم الخريت الماهر القاسم بن عبد العزيز البغدادي رحمه الله مع إضافات أضفناها وتحسين لعبارة: واعلم أن المحدثين قد أكثروا الجرح والتنقيص لشيعة آل محمد وبنوا على قواعد منهارة، وجعلوا تلك القواعد أصولاً يرد كل ما خالفها كقولهم بأن الصحابة كلهم عدول، وأن التشيع محبة علي وتقديمه على الصحابة، فمن قدمه على أبي بكر فهو غال في تشيعه ويطلق عليه رافضي وإلا فشيعي، هذا كلام ابن حجر في مقدمة الفتح، وعلى هذا فالمحبين لعلي شيعة والمقدِّم له رافضي، وكلا الطائفتين مجروح عندهم.

 وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب: وقد كنت استشكل توثيقهم الناصبي غالباً وتوهينهم الشيعي مطلقاً فهذا حكم على كل شيعي بأنه مجروح وحكم بتوثيق كل ناصبي غالباً، فيقال: كيف تصنعون بالأحاديث المستفيضة  الواردة بوجوب محبة علي وأهل البيت، ويلزمكم أن النبي صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم الآمر بذلك شيعي، ثم ما بال المحدثين يتغاضون فقد قيل ليحيى بن معين: إن عبد الرزاق شيعي، فقال: لو ارتد عبد الرزاق ما تركنا حديثه، ثم إن لابن حجر في كتابه لسان الميزان ما يخالف كلامه السابق وهو قوله: فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو من يتكلم في عثمان وطائفة ممن حارب عليا t والغالي في زماننا هو الذي يكفر هؤلاء السادة ويتبرأ من الشيخين فهذا ضال مفتري، وإذا نظرت إلى قواعدهم وجدتهم لا يطبقونها إلا على الشيعة فهم إذا وصلوا إلى لعن علي وسبابه من معاوية بن أبي سفيان وأتباعه من النواصب لم يطبقوا شيئاً من كلامهم ولا من قواعدهم، ثم إذا خاضوا في ما جرى بين علي وبين من حاربه في الجمل وصفين والنهروان حكموا بالكف عن الخوض وباجتهاد مخالفيه، فهل هذا إلا اتباع للهوى ومخالفة لقواطع الأدلة، ثم انظر إلى رضاهم عمن ناصب علياً وأظهر سبابه ولعنه كحريز بن عثمان الذي أخرج له أبو داود وغيره مع اعترافهم بنصبه وعدّله ابن أبي حاتم.

روى عالم أهل البيت المولى عبدالله بن الإمام الحسن بن يحيى رضي الله عنهم في كتابه كرامة الأولياء قال: كان أبو اليمان وعمر ابن علي وغيرهما حققوا نصبه (يعني حريز بن عثمان) قال يحيى بن صالح: صليت معه الفجر سبع سنين وكان لا يخرج من المسجد حتى يلعن علياً سبعين مرة، وهذا مما يفضي بالعاقل إلى العجب العجاب، ويذهب بالحكيم إلى الإستغراب أهـ.

وما أبشع قول العجلي في عمر بن سعد بن أبي وقاص: تابعي ثقة روى عنه الناس أهـ.

وهو الذي باشر قتل الحسين بن علي (عليه السلام) .

وقال العجلي في عمران بن حطان: ثقة أهـ وهو القائل يمدح ابن ملجم لقتله أمير المؤمنين (عليه السلام) :

 

يا ضربـة مـِنْ تـقى ما أراد بـها         إلاَّ ليبلـغ من ذي العرش رضوانا

 

فانظر رضاهم عمن سب الوصي، وعمن باشر قتل سبط رسول الله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم، وعمن قتل علياً، وإذا لم تكن هذه الأفعال جرحاً فأيّ جرح في الدنيا، وإنك لتجد عجباً في قول يحيى بن معين أمين الجرح والتعديل عندهم في عمرو بن عبيد: كان دهرياً، قيل: وما الدهري؟ قال: يقول لا شيء، وقد رد عليه الذهبي مع تمسكه بذيل من الإنصاف بأن الدهرية كفار وما كان عمرو هكذا أهـ.

ولقد تناول المحدثون الأئمة الأربعة الذين طبقت علومهم الدنيا واتبع مذاهبهم أكثر الأمة، فقالوا في الإمام مالك: إنه يروي عن مجاهيل وضعفاء ومتكلم فيهم كعبد الكريم بن أبي المخارق وهو مجمع على تجريحه عندهم، أما الإمام أحمد على جلالة قدره عندهم فقد قالوا: يروي عن جماعة ضعفاء كعامر بن عبد الله بن الزبير، قال بعضهم: ما أعلم خلافاً في بطلان الإحتجاج به، قال ابن معين: جنّ أحمد يحدث عن عامر، أما الشافعي فقالوا فيه: يروي عمن هو مقدوح فيه بزعمهم كشيخه إبراهيم بن أبي يحيى قالوا فيه كذاب وضّاع قدري فيه كل بلية، وكشيخه الآخر مسلم بن خالد ضعفوه بالقدر وبكثرة غلطه وأنت تعرف أن أكثر حجج الشافعي تدور على هذين الرجلين، وأما أبو حنيفة النعمان بن ثابت فقد ضعفه المحدثون في فقهه وغمزوه بأنه يقدم القياس على النصوص على أني لا أحب التوسع في هذا ولو فتح هذا الباب لكان حقيقاً بالتأليف، ولست أنتقص حملة حديث الحبيب المصطفى ولا أتجهمهم ولكن أريد أن أوضح أن قواعدهم ليست بضربة لازب، وأن أقوالهم يؤخذ منها ويترك، وقد قال يحيى بن معين: إنا لنتكلم في رجال أرواحهم تغدو وتروح في الجنة، فنسئل الله أن يوفقنا لمعرفة الحق، وأن يبصرنا رشدنا وصلى الله على محمد وآله آمين آمين.

 

الزيدية و أصولها وامتداد نفوذها

أمَّا الجواب: عن السؤال: عن الزيدية وعن أصولها وامتداد نفوذها.

فأقول مستعيناً بالله تعالى: إن الزيدية نسبة إلى الإمام الأعظم أبي الحسين زيد بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) لموافقتها له في الإعتقادات الأصولية من القول بالعدل والتوحيد والوعد والوعيد والنبوات والإمامات من تقديم أمير المؤمنين (عليه السلام) وحصر الإمامة في أولاد السبطين ووجوب الخروج على الظلمة والأمر بالمعروف، فمن قال بهذا فهو زيدي، وليست هذه الموافقة تقليداً لأن التقليد في مسائل الأصول لا يجوز وإنما هو انتماء واعتزا فاتفق الإعتقاد وتطابق الإجتهاد فحسن ذلك الإنتساب إلى ذلك الإمام فإن كثيراً ما يقوله الأئمة الأطهار والعلماء الأبرار مذهبنا مذهبه واعتقادنا اعتقاده ويعنون كاعتقاده، وذلك حسن ولذلك أن المنتسب إذا اطلع على أصول ذلك الإمام وما أثمرت تلك الأدلة من الإعتقاد ربما حصل له اعتقاد صائب من دون بحث ولا تعب ولا نصب وإلا لم يكن لما قرره ذلك ولا غيره من العلماء فائدة، إذا قلنا: إن الأخير لا ينظر في نصوص إمامه بل يبتدي النظر والإجتهاد وهذا خلاف ما عليه العلماء قديماً وحديثاً ولذلك وضع العلماء المؤلفات في علم الكلام وغيره وشرع قراءتها والنظر إليها وهذا البحث قد استوفاه صاحب التوضيح وصاحب شذور الذهب ولخصت المحتاج إليه، وروي أن أبا الخطاب وجماعة دخلوا على الإمام زيد بن علي (عليه السلام) فسألوه عن مذهبه فقال: إني أبرأ إلى الله من المشبهة الذين شبهوا الله بخلقه، ومن المجبرة الذين حملوا ذنوبهم على الله، ومن المرجئة الذين طمَّعوا الفساق في عفو الله، ومن المارقة الذين كفّروا أمير المؤمنين، ومن الرافضة الذين كفروا أبا بكر وعمر وعثمان أهـ، وهذا عين مذهب أهل العدل، فأصول الزيدية هي التي سلمت من كل شين، واعتضدت أقوالها بالبراهين، فردت على الفرق المخالفة كالمشبهة والمجبرة والأشعرية الكسبية، فكم لهم في علم الكلام من مؤلفات حسان اعتمدوا فيها على حجج العقول وقرروا ذلك بمحكم المنقول:

 

لا يستزلك أقوامٌ بأقوالٍ
لا ترتضي غير آل المصطفى وزراً
وآية الود والتطهير أنزلتا
وهل أتى قد أتت فيهم فهل لهم
وهم سفينة نوح كل من حملت
والمصطفى قال إن العلم في عقبي
لم يثبتوا صفة للذات زائدة
ولا قضوا بثبوت الذات في أزل
دانوا بأن إله العرش ذوتها
لو كانت الذات ذاتاً قبل يوجدها
ما كان يخطر هذا من ركاكته

ملفقاتٍ حريات بإبطال
فالآل حق وغير الآل كالآل
فيهم كما قد روي من غير إشكال
من البرية من ند وأشكال
أنجته من أزل أهوى وأهوال
فاطلبه ثَمَّ وخل الناصب القالي
ولا قضوا باقتضا حال لأحول
وليس لله إلا صنعة الحال
بلا احتذاءٍ على حذو وتمثال
لكان كل محل سابق تال
للمصطفى صفوة الباري على بال

 

أمّا امتداد نفوذ الزيدية في البلدان فقد كفانا السيد الدامغاني في رسالته التي تكلم فيها على طوائف المسلمين وأهل النحل فقال بعد أن ذكر زيداً ما لفظه: ولم تزل الإمامة في أهل بيته قرناً بعد قرن معروفين عند جميع الطوائف باسمه، وبلدانهم التي يظهرون فيها ويكون لهم الشوكة على أهلها بالعجم جيلان وديلمان وبعض جرجان وإصبهان والري، وبالعراق الأعلا الكوفة والأنبار، وبالحجاز مكة وجميع بلدان الحجاز إلا المدينة، فإن الشوكة فيها للأثنى عشرية، وهم في نجد اليمن ظاهرون على مدنه صنعاء وصعدة وذمار ونحوها ولهم في سهولها بلدان كمدينة حلى وما بينها وبين اليمن من بلد المخلاف، ومنهم في المغرب جماعة كثيرة في جبال يقال لها أوراس، ومنهم أخلاط في أمصار السنية يتسترون بمذهب الحنفية، لأنّ أبا حنيفة من رجال زيد ومن أتباعه، وهم من أتقياء الشيعة لولا ما نقم عليهم ..إلخ. ولا نحتاج إلى نقل غير هذا وقد تغيرت الأحوال وتغيرات الزمن قد طرت فغيرت وبدلت وللدول في تغيرات المذاهب تأثير والله

رجال الزيدية

أمَّا الجواب عن السؤال عن رجال الزيدية:

 فأقول: إن الإحاطة بمشاهير علماء الزيدية إما متعذر أو متعسر ولكن سأحيل السائل على مؤلفات في هذا الشأن فإن أراد السائل تعداد الأئمة الذين ناصبوا أهل الفساد والعناد وجاهدوا في الله حق الجهاد فيرجع السائل إلى الإفادة لأبي طالب وللمجلد الأول من الشافي، ولما ذكره المهدي في مقدمة البحر وللتحف لشيخنا أبي الحسين، وإن أراد التوسع والإزدياد فعليه بشروح البسامة كالزحيف وشرح السيد أحمد الشرفي  والدامغة للحسن بن صلاح الداعي وغير هذه من المؤلفات في هذا الشأن، وإن أراد مشاهير العلماء فعليه بطبقات الزيدية الكبرى ومطلع

مؤلفات الزيدية

وأمّا الجواب عن السؤال عن بعض مؤلفات الزيدية:

 فنقول: لا غنا عن نقل بعض ذلك وإن كان المسلك متشعب فما ذكرناه سيكون دليلاً على ما لم نذكره.

واعلم: أنَّ الحبشي قد جمع في مؤلفه كثيراً من ذلك، وجمع السيد أحمد الحسيني الإمامي كثيراً من مصنفات الزيدية وهو مطبوع.

وأقول وبمادة الله أصول: نبدأ بمؤلفات الإمام الأعظم أبي الحسين زيد بن علي (عليه السلام) له المجموع الفقهي والمجموع الحديثي وكلاهما رواية أبي خالد عمرو بن خالد الواسطي رحمه الله وتفسير غريب القرآن من رواية عطا بن السايب وقطعة في التفسير رواها عنه عبدالله بن العلا، وله رسائل متعددة إثبات الوصية وكتاب مدح القلة وذم الكثرة، والصفوة ورسالته إلى العلماء وغير ذلك وكلها مشهورة وقد طبعت، وللإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية (عليه السلام) كتاب السنن وله كتاب السير وهو الذي أخذ منه محمد بن الحسن الشيباني ولأحمد بن عيسى بن زيد (عليه السلام) كتاب الأمالي وهي التي سماها المنصور بالله (عليه السلام) بدائع الأنوار، وهي المعروفة بعلوم آل محمد، فهذه هي والمجموع الحديثي في الحديث، ولهم في الحديث كتاب الأذان بحي على خير العمل لأبي عبدالله محمد بن علي بن الحسن (عليه السلام) وأمالي أبي طالب للإمام أبي طالب يحيى بن الحسين الهاروني، وأمالي المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني، والأماليان الخميسية والإثنينية للإمام المرشد بالله الخميسية أملاها في مجالس في يوم الخميس، والإثنينية أملاها في مجالس في يوم الإثنين، وكتاب أصول الأحكام للإمام أحمد بن سليمان (عليه السلام) جمع فيه ثلاثة آلاف حديث وثلاثمائة واثني عشر حديثاً بوّبه على أبواب الفقه، وأصله أحاديث التجريد للمؤيد بالله (عليه السلام) فهو مسند لأن أصله مسند، وكتاب شفاء الآوام للأمير الحسين (عليه السلام) وخرّج أحاديثه الضمدي، وفي عصرنا خَرَّجه السيد محمد بن حسين الجلال بتخريج حافل ولابن بهران الصعدي كتاب المعتمد في الحديث وله تخريج أحاديث البحر الزخار، وللإمام القاسم بن محمد (عليه السلام) كتاب الإعتصام وتتمته للسيد العلامة أحمد بن يوسف زبارة، وكتاب شمس الأخبار وأمالي السمان، هذا ما حضرني وقت النقل.

أمَّا المؤلفات الحافلة في الفقه المرتبط بالدليل: فشيء واسع لو لم يكن لهم إلا كتاب الجامع الكافي لأبي عبدالله محمد بن علي بن الحسن العلوي من أكابر محدثي أهل البيت ترجم له الذهبي وأثنى عليه وكتابه هذا ستة مجلدات اشتمل على ما لم يشتمل عليه غيره من السنن والآثار وفقه العترة الأطهار والصحابة الأخيار، وقد تصدّى في عصرنا هذا العلامة محمد بن الحسن العجري فخرج أحاديثه في مجلدين سماه الشامل الوافي في تخريج أحاديث الجامع الكافي، ومنها جامع الأحكام للإمام الهادي إلى الحق المبين يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم (عليه السلام) ولقد أجاد السيد العلامة صلاح بن الحسين الأخفش رحمه الله قال ما لفظه: ولقد طالعت كتاب الإمام الهادي (عليه السلام) المعروف بجامع الأحكام فرأيت ما يبهر الألباب ويغني في الفروع عن كل باب لما فيه من تفاصيل المسائل الشرعية بالعبارات الجلية والإستدلالات بالأخبار النبوية والآيات العُلْوية .. إلخ كلامه ثم قال بعده شعراً:

 

إذا ما شئت تنجو باليقين
وتأخذ ما تفوز به وتنجو
وتسلم من ملفق كل قول
وتشرب من زلال علوم طه
فدونك جامع الأحكام هذا
به درر المسائل قد حواها
إلى أن قال:ـ

كلام واضح لا عقد فيه
ولا تطويل يحوج من رآه
ولم يقصد بهذا الصنع إلا
فكل منه مغترف زلالاً
وكل في العلوم عليه كل

وتصبح ممسك الحبل المتين
بيوم الدين من علم ودين
وخلط الغث منه بالسمين
وتقصد مورداً صافٍ معين
ففيه نصوص يحيى بن الحسين
وأصبح مثل واسطة الثمين

قوي بالدليل المستبين
إلى التحرير بالقول الرصين
هدايتهم إلى الحق المبين
ومعترف بعالية الشؤون
يقصر عنه في كل الفنون

 

...إلخ كلامه، ولابن أبي النجم الأسانيد اليحيوية وهي أحاديث الجامعين الأحكام والمنتخب، وسنسرد ما استطعنا سرده من العلماء ونذكر ما لكل من المؤلفات بحسب استطاعتنا.

 ونبدأ بمؤلفات الإمام نجم آل الرسول صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم القاسم بن إبراهيم، قال السيد محمد بن إبراهيم الوزير: أما القاسم بن إبراهيم فهو من أول أئمة المذهب، وأنبل من في طراز الأئمة المُذْهَب، وهو الذي تفجرت منه بحار العلوم إفادة، وخضعت له رقاب الخصوم لما هو عليه من العلم والزهادة والمجد والإجادة أهـ.

وله (عليه السلام) من التواليف كتب كثيرة في كل فن منها كتاب الدليل الكبير في علم الكلام، وكتاب الدليل الصغير وكتاب العدل والتوحيد الكبير، وكتاب العدل والتوحيد الصغير، وكتاب الرد على ابن المقفع وكتاب المسترشد، وكتاب الرد على المجبرة، وكتاب تأويل العرش والكرسي، وكتاب مناظرة الفلاسفة والملحدة وكتاب تثبيت الإمامة، وكتاب الكامل المنير، وكتاب الفرائض والسنن، وكتاب الطهارة، وكتاب صلاة اليوم والليلة، وكتاب مسائل ابن جهشيار وغير ذلك، وقد عدها المنصور بالله (عليه السلام) والهادي بن إبراهيم والقاضي أحمد بن محمد مشحم في إرشاد السالك، وقد طبع مجموع كتبه في مجلدين ضخمين، ومؤلفات حفيده إمام الأئمة الأبرار الهادي إلى الحق المبين يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم (عليه السلام) .

قال في روضة المشتاق: فإنه (عليه السلام) بلغ من العلم النهاية وهو لم يبلغ في السن إلا سبعة عشر سنة، ومصنفاته (عليه السلام) كثيرة إلا إنا نذكر منها ما هو مشهور منها: كتاب الأحكام قد تقدم ذكره، وكتاب المنتخب، وكتاب الفنون، كتاب المسائل، كتاب مسائل ابن سعيد، كتاب الرضاع، كتاب المزارعة، كتاب أمهات الأولاد، كتاب الولاء، كتاب القياس، وفي أصول الدين كتاب التوحيد، كتاب المسترشد، كتاب الرد على أهل الزيغ، كتاب الإرادة، كتاب المشبه، كتاب الرد على ابن الحنفية من المجبرة، كتاب حوار الباطنية من القرامطة، كتاب أصول الدين، كتاب الإمامة وإثبات الوصية، كتاب الرد على من يزعم النص من الإمامية، كتاب الجملة، كتاب البالغ المدرك، كتاب الديانة، كتاب المنزلة بين المنزلتين، كتاب الخشية، كتاب ما ذكره من خطايا الأنبياء، كتاب الرد على ابن جرير، كتاب تفسير القرآن سبعة أجزاء، وله في الزهديات والوصايا والأشعار مواضيع شتى، نقلت هذا من كتاب إرشاد السالك لمحمد بن أحمد مشحم بتصرف، وقد عدَّ مؤلفاته الإمام المنصور بالله (عليه السلام) في الشافي والهادي بن إبراهيم الوزير في نهاية التنويه.

مؤلفات الإمام الناصر الحسن بن علي الأطروش (عليه السلام) :له من التواليف ما تكمد بها عين الحسود ويتضح الحق بها ويسود منها كتاب الإيقاظ وكتاب البساط، كتاب التفسير، قيل من أحسن ما ألف احتج فيه بألف بيت من ألف قصيدة، هكذا حكاه الحفاظ، كتاب المسفر، كتاب المرشد، كتاب الموجز، كتاب الهداية، كتاب الحجج الواضحة بالدلائل اللائحة.

مؤلفات الإمام المرتضى لدين الله محمد بن يحيى بن الحسين رضي الله عنهم منها كتاب الأصول في العدل والتوحيد، كتاب النبوة، كتاب الإرادة، كتاب التوبة، كتاب الرد على الرافضة، كتاب فضائل علي (عليه السلام) ، كتاب الرد على القرامطة، كتاب الإيضاح، كتاب النوازل، كتاب الرضاع، كتاب مسائل البيوع، كتاب مسائل الطبريين، كتاب التفسير وغير ذلك.

مؤلفات الإمام الناصر أحمد بن الهادي يحيى بن الحسين (عليه السلام) منها: كتاب النجاة، كتاب التوحيد، كتاب الفقه الأكبر، كتاب التنبيه، كتاب مسائل الطبريين، كتاب الرد على الإباضية من الخوارج، كتاب تفسير القرآن.

مؤلفات الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (عليه السلام) منها: كتاب التجريد في الفقه المرتبط بالدليل وأحاديثه مسنده يتكلم على الرجال ويناقش المخالفين ويحتج ويعلل وينص، وهو من أحسن كتب أئمتنا عليهم السلام، وله كتاب البلغة، وكتاب سياسة المريدين صغير في الزهد، وكتاب الزيارات، وكتاب المسائل، وكتاب الإفادة، وله في أصول الدين كتاب التبصرة، وله في الحديث الأمالي.

مؤلفات الإمام الناطق بالحق يحيى بن الحسين الهاروني (عليه السلام) : المكنى بأبي طالب الإمام العالم الناقد المجاهد الحافظ منها: كتاب المباديء في أصول الدين، كتاب الدعامة في الإمامة، كتاب جوامع الأدلة في أصول الفقه، كتاب المجزيء في أصول الفقه، كتاب التحرير في الفقه وشرحه بشرح قيل أنه ستة عشر مجلداً، وشرحه الأمير الحسين بالتقرير، وللقاضي زيد عليه شرح انتزعه من شرح أبي طالب وأكثر مجلداته موجودة، قيل: إن شرح القاضي زيد درب الزيدية، ومن مؤلفات الإمام أبي طالب أماليه المعروفة في الحديث، وله كتاب الإفادة في تاريخ الأئمة السادة، وللقاضي شريح بن المؤيد الفافي الجيلي علامة الشيعة مؤلفات منها أسرار الزيادات ولباب المقالات لقمع الجهالات، ولعلامة الآل جمال الإسلام علي بن العباس مؤلفات منها اختلاف أهل البيت، وكتاب ما يجب أن يعمل به المجتهد وغيرها، وللإمام أبي العباس أحمد بن إبراهيم الحسني مؤلفات منها المصابيح وغيرها، وللشيخ علي بن خليل الجيلي الزيدي وهو مجمع على جلالته، من أصحاب المؤيد بالله منها الجمع بين الإفادة والإفادات، وله المجموع المشهور، وللعلامة الفضل بن شيرين (كسيرين) أبي العباس الزيدي من أصحاب المؤيد بالله (عليه السلام) كتاب المدخل على مذهب الهادي (عليه السلام) ، وللعلامة محمد بن يعقوب الهوسمي الزيدي الناصري أبو جعفر مؤلفات منها شرح الإبانة أربعة مجلدات والكافي مجلدان، وللشيخ أبي يوسف الجيلاني من أصحاب السيدين المؤيد بالله وأبي طالب مؤلفات منها التعريفات والهداية على مذهب الناصر.

مؤلفات الإمام أحمد بن سليمان (عليه السلام) من أئمة الزيدية المجددين للدين منها: أصول الأحكام تقدم ذكره، كتاب حقائق المعرفة في أصول الدين، كتاب الحكمة الدرية في مناقب الذرية، كتاب المدخل في أصول الفقه، كتاب الهاشمة لأنف الضلال، كتاب الرسالة الواضحة.

مؤلفات علامة الشيعة شمس الدين جعفر بن أحمد بن عبد السلام بن أبي يحيى الأبناوي البهلولي منها: النكت وشرحها، كتاب إبانة المناهج في نصيحة الخوارج، كتاب التقريب في أصول الفقه والبالغة فيه، وله مؤلفات غير هذه، وله رحمه الله العناية البالغة في الرد على المطرفية وإبانة بوار مذهبهم، وقيل: على أهل اليمن نعمتان: الأولى للهادي (عليه السلام) أخرجهم من الجبر، والثانية للقاضي جعفرأخرجهم من التطريف، كان القاضي من أعوان الإمام أحمد بن سليمان وأنصاره هو والقاضي إسحاق بن عبد الباعث، وكان الأخير الخطيب لجامع الإمام الهادي، قال السيد في بسامته:

وجعفر ثـم إسحـاق لـه نصرا      فـي عـصبة وزر ناهيك من وزر

والمحدث لمذهب المطرفية هو مطرف بن شهاب نسبت الفرقة إليه، وفي مدة الإمام أحمد بن سليمان كثر أتباع المطرفية فانبرى لهم الأئمة الأعلام بالرد والنقض لمذاهبهم، ولما رجع القاضي جعفر من رحلته من العراق وأظهر علومه وتصدى للرد عليهم وكثرة المحن بينه وبينهم، وخرج الشيخ الفاضل الحافظ المحدث زيد بن الحسن البيهقي لزيارة الهادي (عليه السلام) وبين عوار المطرفية ورجع كثير منهم عندما ناظرهم، وبقي هذا العالم في اليمن سنتين بصعدة يحدث ليلة الخميس وليلة الجمعة في فضل أهل البيت ما أعاد حديثاً وباقي الأسبوع يحدث في السنة النبوية، ثم من بعد قام المنصور بالله (عليه السلام) فأبان وأوضح فساد عقائدهم وحكم بردتهم، وقد أوضح الإمام يحيى بن المُحَسِّن الداعي بعض عقائدهم في منظومته وهي طويلة سننقل منها بعض ما يوضح عقائد هذه الفرقة، قال (عليه السلام) في افتتاحها:

الحمد لله المعيد المبدي     أحمده فهو ولي الحمد
إلى أن قال:

أمَّـا كما قد فـعلت مُـطرَّف           فلا يعد كفرها إذ يوصف
ما مـصحف الذِّكر لديهم مصحـف     ولا لذي العـرش كـلام يـعرف

بل فاعل الصوت بزعم المشــــرك     والفعل لا يعدو يد المتحرك
بل صفـة قـالت لـقلب الـملـك     والصوت لا يطرق سمع المدرك
             مـا أشبـه القـوم بـأهل الفلك

والكذب المذموم منه واجب               عندهم ومستحق لازب
عجـــايب ما مثلـها عجايـب      والموت فعل الطبع والمصايب
              رمـاهم مـن ذي الجلال حاصب

قد أجمعوا بأن مــوت الطفــل     ليس لذي العرش به من فعل
ولا ابتـدا الرحمن خـلـق الوبل      بـل البخارات به تستعلى
            قـالوا بـما ركبَّه فـي الأصل

والموت دون العمر الطبيعي            ليس بصنع الصانع البديع
وكل خلق عندهم شنيع              فهو محالات من المصنوع
            كـالـدود والجعلان في الرجيع

وكل جدب حادث وخصب         ومرضٍ ومـحنـة ووصب
والبـرد الـواقع مثـل الحصب     قد أخرجوه من فعال الرب
               فـحـاربـوا الله وأي حـرب

واصبـع زائـدة فـي المولـود    ليست بخلق للعلي المحمود
وكل نقـص فهـو غير مقصود    حدّوا عطاءً لم يكن بالمحدود
                بـل هـو من خير وشر موجود

والرزق لا يحصـل إلاَّ بالحـيل     قـلنا فما الحيلة يا هذا الهبل
في الإرث هل فيه لمحتال عمل     وفي الغمام حيلة إذا استهل
             إلاَّ بتقـديـر العـليم لـم يزل

والله لا يرزق من يـعصـيـه     قلنا فهل من خالق يعطيه
غير مُسَوِّي الروح نفخاً فيـه      بل رزقــه جم لجـاحديه
             أمّا الكـفـاف فلعـابـديـه

قالوا وفعل القوم عنه ينبى    ما عاش عيسى باختيار الرب
إلاَّ عـلى مـعرفة بالطبِّ     قلنا لهم كم حكيمٍ طِببّ
             كـمثل بقـراط ثوى في الترب

والأرض في اليوم سواها أمس   وهكذا المصبح غير الممسي
فـالقوم من أنفسهم في لبس    والعقل قالوا فهو قلب الأنسي
              فـالثور أدرى منهم في الحدس

وما يُنَبِّي ذو الجلال رجلاً    إلا جزأً بالذي قد عملا
قالوا فلو شئنا لكنا رسلاً    قلنا فما يمنعكم يا جهلا
           صلوا وصوموا دهركم متصلا

ما بال قيس لم يكن نبياً    إذ عبد الـمهيـمن العليا
ست مئين خاشعاً تقياً     والحكم قد أوتيه صبياً
           يـحـيى وكـان الـمجتبى الرضيا

قالوا وسوّى خالق السمـاء    بين الورى في الستة الأشياء
في الخلق والرزق وفي العطاء  وفي التكاليف على ادعاء
             جـهلاً وفـي المـوت وفي الأحياء

إلى أن قال:

واختلف الحكم من الأئمة      فيهم وهم للعالمين عصمة
 فقال بعض هم كأهل الذمة    بـذاك قد أجرى الحسين حكمه
             فـالـزم الـجـزية كـل لمّـه

إلى أن قال:

وكفّر الطبيعة الرزقية    أئمة من صفوة الذرية
من ولد المختار يحيوية     فيهم صلاح وخلوص نية
         فـاعجب لهـذه الفـرقة الغوية

ثم أبو الفتح الإمام الديلمي     رماهم من علمه بالصيلم
وأحمد نجل سليمان الكمي    صرّح كفر القوم لم يجمجم
           فـي حضـرة منهم مع الحجلم

وقد قضى بسبيهم والكفر   ماضي العزيمات كريم الأصل
عَبْد الإله السابق المجلي     إمام حق جامع للفضل

...إلخ القصيدة، وقد عرفت بنقلنا لبعض أقوالهم خطئهم العظيم واعتناقهم لأقاويل الفلاسفة والثنوية ولأقوال كثير من أهل الملل الكفرية وتفردهم بأقوال لم يسبقوا إلى إحداثها ولكنا لا ندري من أي جهة استمدوا هذه الأقوال غير أنّ أئمة الزيدية عليهم السلام أبطلوا تلك الأقوال ووَأَدَوا ذلك المذهب الوليد.

وهذا عارض من القول تعرض لذلك السائل عند ذكرنا للقاضي جعفر فلنعد إلى سرد بعض المؤلفات فنقول:

مؤلفات الإمام الأعظم أمير المؤمنين المنصور بالله عبد الله بن حمزة بن سليمان (عليه السلام) منها: الشافي وهو كاسمه شافٍ وكافٍ في موضوعه وهو أربعة أجزاء ردّ به على فقيه الخارقة، والعقيدة المنصورية وشرحها الفقيه حميد الشهيد بالعمدة مجلدين، وكتاب زبد الأدلة، والرسالة الناصحة وشرحها، والدرة الشفافة جواب الرسالة الطوافة، وحديقة الحكمة وصفوة الإختيار، ورسالة الثبات إلى كافة البنين والبنات، وله الفتاوى منها المهذب جمعه محمد بن أسعد، وله رسائل وفتاوى جملة طبعت، وله العقد الثمين في الرد على الإمامية الإثنى عشرية، وله ديوان شعر وقد عدَّ بعض العلماء مؤلفاته إلى ثلاثة وستين مؤلفاً.

مؤلفات عميد الشيعة حميد بن أحمد الشهيد رحمه الله في أصول الدين العمدة والعقد الفريد والحسام والوسيط وكتاب عقيدة الآل، وكتاب الرد على المجبرة، وكتاب الحدائق الوردية، وكتاب محاسن الأزهار وغير ذلك من المؤلفات الحسان.

مؤلفات العلامة محيي الدين محمد بن أحمد بن الوليد العبشمي (نسبة إلى عبد شمس) قيل: مؤلفاته سبعة وعشرون مؤلفاً، وهو تلميذ الإمام أحمد بن سليمان وشيخ الإمام المنصور بالله مؤلفات الأمير الحسين بن محمد (عليه السلام) منها شفاء الآوام في السنة تقدم ذكره، كتاب التقرير شرح التحرير فقه، كتاب المدخل، كتاب البديعة، الإرشاد إلى سوي الإعتقاد، ينابيع النصيحة في العقائد الصحيحة، العقد الثمين في معرفة الله رب العالمين، ثمرات الأفكار وغير ذلك من مؤلفاته ورسائله.

مؤلفات أخيه الإمام المنصور بالله الحسن بن محمد (عليه السلام) : أنوار اليقين أرجوزة جميلة وشرحها بشرح نفيس وله غير ذلك.

مؤلفات الأمير الكبير والعالم الخطير الأمير علي بن الحسين بن يحيى بن يحيى (عليه السلام) : اللمع في الفقه وهو معتمد الزيدية والقمر المنير في حل عقود التحرير هداية البرايا في الوصايا وغير ذلك.

مؤلفات الإمام الداعي إلى الله يحيى بن المحسن (عليه السلام) : له كتاب المقنع الشافي في أصول الفقه، وله رسائل وأشعار.

مؤلفات العلامة الأصولي الحسن بن محمد الرصاص شيخ الإمام المنصور بالله كتاب الكيفية، كتاب التحصيل والتعديل في التوحيد، كتاب مناقضات أهل المنطق، كتاب الهاوي للأصل المهين الملقب بالأصل المبين، التبيان لياقوتة الإيمان، كتاب واسطة البرهان، كتاب الكاشف لذوي البصائر في إثبات الأعراض والجواهر، كتاب القاطع للونين من لجاج المتعنتين، كتاب الفائق في أصول الفقه وله غير ذلك.

مؤلفات القاضي العلامة فخر الإسلام عبدالله بن زيد العنسي رحمه الله: الرسالة المنقذة من العطب، السالكة بالنصيحة لأهل شظب في الرد على المطرفية، الرسالة الناعية على مصارمة الكفار من المطرفية الكفرة الأشرار، الرسالة البديعة المعلنة بفضائل الشيعة، الرسالة الحاكمة بتحريم مناكحة الفرقة المطرفية الظالمة، كتاب المحجة البيضاء كتاب عظيم النفع في أصول الدين، الرسالة الناطقة بضلال المطرفية الضلال، كتاب السراج، الفتاوى النبوية المفصحة عن أحكام المطرفية، الإرشاد في الزهد وله مؤلفات ورسائل غير ما ذكرنا.

مؤلفات السيد العالم يحيى بن الحسين بن علي بن الحسين اليحيوي رحمه الله: منها الياقوتة والجوهرة واللباب وغير ذلك.

مؤلفات الفقيه يحيى بن حسن البحيبح رحمه الله: تعليق على اللمع أربعة مجلدات، تعليق على الزيادات.

مؤلفات الإمام المهدي محمد بن المطهر (عليه السلام) : منها المنهاج الجلي شرح مجموع الإمام زيد بن علي (عليه السلام) ، كتاب عقود العقيان في الناسخ والمنسوخ من القرآن، السراج الوهاج في حصر مسائل المنهاج وله غير ذلك.

مؤلفات الفقيه العارف محمد بن معرف رحمه الله: له المذاكره وكتاب المنهاج وغير ذلك.

مؤلفات الشيخ أبي الفضل العصيفري رحمه الله: منها الفايض في الفرائض قيل عشرة أجزاء، والعقد أربعة أجزاء، وشرح المفتاح ويسمى اللامع، والمفتاح وهو المختصر الذي عم نفعه وكثرت شروحه، وللشيخ معرفة بفنون كثيرة الجبر والمقابلة والهيئة والهندسة، وله في العربية شرح على مفصل الزمخشري، وشرح على الحاجبية.

مؤلفات الفقيه الشيخ محمد بن يحيى حنش رحمه الله: له شرح على الخلاصة اسمه ياقوتة الغياصة، وله التمهيد وله القاطعة في الرد على الباطنية.

السيد العالم صلاح بن إبراهيم بن تاج الدين: له كتاب الكواكب الدرية في النصوص على إمامة خير البرية وذكر نجاة أتباع الذرية وله غير ذلك.

مؤلفات الفقيه العارف محمد بن الحسن الديلمي رحمه الله المتوفى سنة سبعمائة وأحد عشر: كتاب قواعد عقائد آل محمد كتاب جميل في أصول الدين، وله كتاب التصفية زهد، وله الصراط المستقيم وغير ذلك.

مؤلفات العلامة يحيى بن حسن القرشي رحمه الله: كتاب منهاج التحقيق ومحاسن التلفيق في أصول الدين، وله الرسالة الدامغة والحجة البالغة رد بها على الفقيه محمد الرادعي الأشعري.

مؤلفات السيد نور الدين حميدان بن يحيى القاسمي رحمه الله وقد أخرناه وحقه التقديم قيل الأمير الحسين: له المجموع العظيم المشتمل على عدة مؤلفات أبان فيه مذاهب قدماء الآل عليهم السلام في أصول الدين ورد على مخالفيهم ولا سيما المعتزلة.

السيد العلامة محمد بن يحيى القاسمي رحمه الله: له اللآلي الدرية شرح الأبيات الفخرية للإمام المطهر بن محمد (عليه السلام) ، وهذا الشرح حري بأن لا تخلو منه مكتبة أي عالم زيدي لنفاسته.

مؤلفات الهادي ابن إبراهيم الوزير رحمه الله: كاشفة الغمة في الذب عن سيرة إمام الأمة، نهاية التنويه في إزهاق التمويه، والتفصيل في التفضيل، والسيوف المرهفات لمن ألحد في الصفات، درة الغواص نظم خلاصة الرصاص يسمى لباب المصاصة نظم الخلاصة، رياضة الأبصار في ذكر الأئمة الأقمار والعلماء الأبرار، وله رسائل غير ذلك.

مؤلفات الإمام الأعظم عماد الإسلام يحيى بن حمزة (عليه السلام) قيل: إن كراريس تواليفه زادت على عدد أيام حياته كما قيل:

لـو عـمره عـد والتأليف منه أتى          لـكل يوم كـما قالوا بكراس

له الإختيارات المؤيدية، الأنهار الصافية، شرح الكافية، أطواق الحمامة في حمل الصحابة على السلامة، الإفحام لأفئدة الباطنية الطغام، الإنتصار لمذاهب علماء الأمصار فقه جمع أقاويل فقهاء الأمة في كل مسئلة وأورد إحتجاج كل قائل وانتصر للراجح عنده بقوله: الإنتصار لكذا، الأنوار المضيئة شرح الأربعين الحديث السيلقية، الإيضاح لمعاني المفتاح في الفرائض، كتاب التحقيق في الإكفار والتفسيق، كتاب التصفية في علم الباطن، الديباج الوضي إلى شرح كلام الوصي، الرسالة الوازعة، العمدة في أصول الدين، الشامل، كذلك المعالم الدينية الحاصر شرح مقدمة طاهر الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز المحصل شرح المفصل إلى غير ذلك من المؤلفات، والرسائل المجبرات.

مؤلفات العلامة علي بن محمد بن أبي القاسم رحمه الله: له شرح على المقدمة الحاجبية اختصره ولده الإمام المهدي (عليه السلام) ، وله ثلاثة تفاسير مبسوط ومتوسط ومختصران، اطلعت على إجازة منه بقلمه لأحد طلبته في تفاسيره الثلاثة.

مؤلفات الفقيه الحبر المسمى بسلطان العلماء عبدالله الدواري رحمه الله: الديباج النضير شرح لمع الأمير، كشف المرادات على الزيادات، وله في أصول الدين مؤلفات كثيرة غاب عني ذكرها وقت الكتابة.

مؤلفات الفقيه العارف محمد بن حمزة بن مظفر: منها البرهان قيل إنه حوى عشرين علماً 1ـ أصول الدين 2ـ أصول الفقه 3ـ الفقه 4ـ الفرائض 5ـ التفسير 6ـ الحديث 7ـ اللغة 8ـ التصريف 9ـ النحو 10ـ المعاني 11ـ البيان 12ـ البديع 13ـ سيرة النبي 14ـ ابتداء الخلق 15ـ الطب 16ـ النجوم 17ـ المنطق 18ـ العروض 19ـ الرمل 20ـ السحر، وله تفسير للقرآن عظيم وهو شيخ جدنا الإمام علي بن المؤيد، وممن تابعه وشايعه.

مؤلفات الفقيه حسن بن محمد النحوي رحمه الله: له التذكرة الفاخرة في فقه العترة الطاهرة، وله التبيان في تفسير القرآن، وله مؤلفات غير ذلك.

مؤلفات الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى المرتضى (عليه السلام) وما أحسن قول بعضهم في الإشارة والتلميح إلى مؤلفاته: مهما باشرت علم الفقه وجدت الجم الغفير يغترفون من بحره وينتجعون من غيثه وزنينه، فالدفاتر من بعده وإن تعددت فشيخها أحمد أو عدت العلماء من بعده فهو واسطة عقدها المنضد، أو خضت علم الكلام إلى الغايات وجدت مَنْ بعده يتداولون العبارات فكم من غائص في بحره قد التقط الدرر والفرائد وعاطل نحوه قد حلاه بالجواهر واليواقيت والقلائد أهـ.

قال المقبلي: الإمام المهدي هو الذي أخرج علم الزيدية إلى حيز الوجود ونسرد بعض مؤلفاته منها الأزهار وشرحه بالغيث المدرار، الأنوار في أدلة الأزهار، حديث، البحر وهو كاسمه بحر يفيض بالعلوم وقد حوى الملل والنحل وشرحها المنية والأمل والقلائد وشرحها رياضة الأفهام في لطيف الكلام وشرحها دامغ الأوهام، وفي أصول الفقه معيار العقول وشرحه منهاج الوصول، والجواهر والدر في سيرة سيد البشر وشرحه يواقيت السير في شرح الجواهر والدرر، الإنتقاد في الآيات المعتبرة في الإجتهاد وشرحها المستجاد، وكتاب البحر في الفقه خمسة مجلده، وله مؤلفات غير هذه كثيرة.

مؤلفات الفقيه يوسف بن أحمد بن عثمان رحمه الله: منها الثمرات المقتطفة من الآيات تفسير لآيات الأحكام، وله الزهور فقه، وله الكواكب شرح على التذكرة وله غير ذلك، وقد أطلنا الكلام فلنقتصر على ما ذكرنا وإن كان للمتأخرين بعد هؤلاء مؤلفات حسان وأنظار وتخريجات والغرض الإفادة لا الإحاطة، وما ذكرت إلا قطرة من مطرة ومجة من لجة فإن مصنفات أئمتنا الكرام وشيعتهم في كل فن من الفنون مما يفوته الحصر ويخرج عن حد الضبط وصناعة التأليف لم تزل في كل عصر حفظاً لهذا الدين ورداً لانتحال المبطلين وصوناً للدين عن تخليط الضالين المضلين، وقد أدركنا من أهل بلدنا صعدة وبلادها في عصرنا من أساطين العلم والعمل من العلماء المحققين كشيخ الشيوخ ومرجع أهل الرسوخ وإمام النقاد وذي الصبر العظيم والزهد والزهادة والإخلاص والعبادة مرجع الإسناد وملحق الأحفاد بالأجداد محمد بن إبراهيم المؤيدي بن حورية رحمه الله، وله مؤلفات وفتاوى ومسلسلات إسناده موجودة ومجازاته لطلبته مقصودة.

وممن أدركنا مولانا فخر الإسلام وواسطة عقد النظام ابن أدهم زمانه وأويس أوانه المتقدم في جميع العلوم والمحيط بمنطوقها والمفهوم عبدالله بن الإمام الحسن بن يحيى القاسمي رحمه الله له مؤلفات في فنون متعددة، وله تَفَوُّق في علم الحديث ورجاله وعلله، من مؤلفاته: الجداول وكرامة الأولياء، وله فتح الغفار وكثير غير ذلك.

وممّن أدركناه العالم الكبير والبحر النمير المصقع النقاد والمتحلي بالإجتهاد صفي الدين أحمد بن الإمام الحسن بن يحيى القاسمي رحمه الله كان لا يجارى في جميع الفنون، وله مؤلفات كثيرة منها العلم الواصم في الرد على كتاب الروض الباسم لمحمد بن إبراهيم الوزير، والمعراج في رد هفوات منهاج ابن تيمية، وتحفة الأعلام شرح تذكرة الأفهام، وله في الفروع مؤلف على البحر الزخار وغير ذلك.

وممن أدركنا العالم الرباني المتبتل المنقطع إلى الله العابد الزاهد الورع الكامل محيي مآثر الآل وماحي رسوم الضلال شرف الإسلام الحسن بن الحسين الحوثي رحمه الله عكف على التدريس ونشر العلم طول حياته، وله مؤلفات منها تخريج الشافي وغير ذلك، ومنهم العالم الأفضل العامل الأعمل شرف الملة من أحيا الله به علوم الأئمة: الحسن بن محمد سهيل رحمه الله، ومنهم الإمام الحجة مفتي اليمن من نعش الله به علوم الآل وقمع به يوافيخ أهل الضلال المجدد للدين أبو الحسين مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله وأسعده آمين.

مؤلفاته: منها التحف الفاطمية على الزلف الإمامية، ومنها المؤلف العظيم لوامع الأنوار في جوامع العلوم والآثار، وله مؤلفات كثيرة طبع أكثرها، وقد سمعت عليه بعض مؤلفاته وإجازني إجازة عامة ومنهم شيخنا العامل العالم الولي الفقيه محمد بن هادي الفضلي المقلب بالدرابة رحمه الله فإنه من أساطين العلم وله مؤلفات منها: كتاب الفايق والحقايق جمع حقايق علوم كثيرة رحمه الله وله غير ذلك، ومنهم شيخي العالم الحافظ العابد الزاهد يحيى بن الحسين سهيل رحمه الله، وقد أخذت عليه الثمرات وفي البحر والشفاء وغير ذلك وأجازني رحمه الله إجازة عامة في 1397هـ.

وممن أدركنا من العلماء الكبار الذين أحيى الله بهم شريعة سيد المرسلين صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم العالم الأوّاه المتبتل إلى الله الزاهد الورع مفتي الديار اليمنية حافظ علوم أهل البيت المطهرين وسيد بني الأنزع البطين المرجع عند المشكلات والمفزع عند المعضلات جمال الدين علي بن محمد بن يحيى العجري رحمه الله من فتية:

مَنْ تلق منهم تقل لاقيت سيدهم      مثل النجوم التي يسري بها الساري

إذا قطعت بأنه حافظ المذهب وعلله وأدلته فلست ببعيد، وما أظن ينازعني أحد عرفه، وله من المؤلفات الحسان: كتاب مفتاح السعادة تفسير مطبوع في ستة مجلده، جمع فيه علوماً جمّة ولم يفسر إلا قدر نصف جزء اعتنى بأصول الدين وفنّد اعتراضات الرازي وتشكيكاته، وجمع فيه من المسائل ما تقر بها عين الودود ويكمد لها قلب الحسود أصولاً وفقهاً وحديثاً وغير ذلك، وله الفتاوى المسماة بالمقاصد الصالحة اعتمدها أهل العصر، وله موضوعات كثيرة فهؤلاء الذين ذكرتهم ممن أدركناهم من صعدة ونواحيها ولم أذكرهم إلا للتبرك بذكرههم ولم نرد الحصر إذ في اليمن السعيد علماء أفذاذ من الزيدية الأخيار تتعطر بذكرهم المجالس ولكن الميل إلى الإختصار، وقد أطلنا الكلام فلنعد إلى بقية السؤال والله الموفق والهادي وصلى الله على سيدنا محمد وآله آمين.

لِمَ خالفت الزيدية مذهب زيد في الفروع

أمّا الفقرة الأخيرة من السؤال وهي: لِمَ خالفت الزيدية مذهب زيد في الفروع؟

 فالجواب عن ذلك: أنا قد قدمنا أن نسبة الزيدية إلى زيد بن علي (عليه السلام) لموافقتها له في المسائل الأصولية الإعتقادية، وأن هذه النسبة ليست من باب التقليد كما هو في حق أتباع الفقهاء، بل نسبة الزيدية إلى الإمام نسبة اعتزا وانتما، والإعتزاء مشروع وقد سبق الكلام في ذلك، ثم إنا سنتكلم هنا على مبحث نبين فيه تفصيلاً حسناً فائدته عظيمة فنقول: اعلم أن ما نسميه المذهب وهو ما اشتملت عليه كتب المذهب كالأزهار وشروحه والبيان والأثمار وشروحه وتذكرة الفقيه حسن وشروحها وأصول هذه المؤلفات كالتحرير وشروحه، والتجريد وغير ذلك، فنقول: إن ذلك أصول وقواعد أصَّلها وقعَّدها المحصلون للمذهب مما تقرر عندهم من أقوال القاسم ابن إبراهيم وابنه محمد وأقوال الهادي وابنيه محمد وأحمد في فتاويهم وموضوعاتهم في جميع أبواب الفقه بعد أن فسَّر المحصلون تلك الأقوال وقيّدوا مطلقاتها وخصصوا عموماتها، وتأولوا مشكلاتها، وبينوا عللها يوضح ذلك كلام أبي طالب (عليه السلام) في خطبة التحرير التي رواها عنه الأمير الحسين في التقرير، قال أبو طالب: سألت وفقك الله وإيانا لطاعته تلخيص مذهب القاسم بن إبراهيم نجم آل الرسول ويحيى بن الحسين وأولادهما في أبواب الفقه ومسائل الشرع مضافة إلى الفروع التي تقتضيها نصوصهم ويجليها تعليلهم، ثم قال الأمير الحسين في تفسير كلام أبي طالب: وأما أولادهم فهم معروفون والذي ذكره أبو طالب منهم في التحرير محمد بن القاسم وأبو القاسم محمد بن الهادي، والإمام الناصر أحمد بن الهادي.

قال الأمير الحسين: عنى أن السائل طلب منه مسائل الفقه التي عن القاسم وحفيده الهادي إما بنص أو عرف أنه مذهبهما بما دل عليه تعليلهما أو قياساتهما المعللة بالعلل ويظهر من هذه العبارة أنه جعل أقوال أولادهما من أقوالهما، ألا تراه خصص النسبة بعد تعميمها فلما ثبتت عندهم تلك الأصول والقواعد من مسائل الفروع في كل باب سواء نص على تلك المسئلة كل واحد من الأئمة المذكورين أم لم ينص عليه إلا بعضهم وسكت الباقون لأنهم لما انطبقت عليها تلك الأصول صار كل واحد منهم كالناص عليها، وأيضاً فإنهم نظروا في كلام الهادي (عليه السلام) فرأوه يحكي كلام جده القاسم (عليه السلام) كالمحتج به لمذهبه مظهراً لاتباعه له فيه فعلموا أنه قد ارتضا جميع مسائل القاسم فنسبوا إليه مذهبه وفهموا من ذلك أن أصول القاسم والهادي عليهم السلام واحدة لاتفاقهما غالباً، فنسبوا إلى مذهب القاسم ما نص عليه الهادي وكذلك القول في مذهب محمد ابن القاسم بالنظر إلى مذهب أبيه ومذهب يحيى، وفي مذهب محمد وأحمد بالنظر إلى مذهب أبيهما وجدهما وعم أبيهما وذلك لأنهم قد علموا من ملاحظة المتأخر من هؤلاء الأئمة لأقوال الأول وطريقته أنه مقتدٍ به ومتبع لأثره، فكانّ كل واحد صرَّح بما صرّح به المؤيد بالله (عليه السلام) حيث قال: إن كل مسئلة لم ينص فيها على خلاف مذهب الهادي فمذهبه مذهبه، ثم إذا لم يوجد لواحد من هؤلاء الأئمة نص في المسئلة نظر المحصلون في مذاهب غيرهم من الأئمة فما كان من نصوص الأئمة المتقدمين كزيد بن علي ومحمد بن علي وجعفر الصادق وعبد الله بن الحسن وبنيه ملائماً لتلك الأصول وهي منطبقة عليه جعلوه مذهباً لتلك الأئمة، وقولاً من جملة أقوالهم، ذلك لأنهم رأوا القاسم ومن بعده يلاحظون أقوال من قبلهم من أسلافهم ويوردونها مورد الحجج المثبتات والشواهد البينات، فعلموا أنهم مرتضون لأقوالهم جملة، متخذون لها قدوة وكيف لا وقد قال القاسم بن إبراهيم (عليه السلام) : أدركت مشيخة آل محمد من ولد الحسن والحسين وليس بينهم اختلاف، هذا ما لخصته من كتاب شذور الذهب ومن جواب السيد يحيى ابن إبراهيم جحاف على السؤال الوارد إلى الإمام إسماعيل بن القاسم بن محمد (عليه السلام) وجوابه عن أمر الإمام (عليه السلام) .

واعلم: أن أئمة المذهب طبقات:ـ

الطبقة الأولى: أهل النصوص وهم من سمينا من الأئمة عليهم السلام كالقاسم بن أبراهيم (عليه السلام) والهادي ومحمد بن القاسم ومحمد وأحمد ابني الهادي والأئمة المتقدمين عليهم السلام.

والطبقة الثانية المحصلون: وهم السيد أبو العباس الحسني والمؤيد بالله وأبو طالب يحيى بن الحسين وعلى بلال ومن في طبقتهم إلى زمن المنصور بالله (عليه السلام) وربما نصوا، فهؤلاء هم المخرجون والمحصلون، ومن بعد المنصور بالله (عليه السلام) الناظرون في المذهب هم المذاكرون والمهذبون لأقوال المخرجين فرضي الله عن الجميع فقد بذلوا جهدهم وقطعوا أعمارهم في توضيح المسائل الفقهية، وبينوا عللها وأدلتها وردوا فروعها إلى أصولها، فمن اطلع على موضوعاتهم وجدهم آخذين بالأحوط وبالأرجح من الأدلة نصحاً منهم لله ورسوله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم وللأمة، وهذا المذهب هو الذي يجري عليه سير المقلدين، أما مَنْ عض على الأدلة بالنواجذ واستطاع تمييز الصحيح من الفاسد وكان من السابقين النقاد، وممن تحلى بحلية الإجتهاد فقد وجب عليه العمل بما أداه إليه نظره بعد تثبته وسبره للأدلة، وأهل المذهب يوجبون عليه العمل باجتهاده لا كرأي بعض الفقهاء القائلين بأن طريق الإجتهاد قد انسدت وإن أركانه قد انهدت فهذا منهم خطأ، لأن فتوحات الله سبحانه ومواهبه عظيمة )وما كان عطاء ربك محظوراً(، فهذا ما تيسر في هذا المقام وسنتبع ذلك ببحث نبين فيه أن الأئمة الأربعة الذين هم: الإمام مالك، إمام دار الهجرة، ومحمد بن إدريس الشافعي، وأبو حنيفة النعمان، وأحمد بن حنبل الذين لهم علو الكعب لخدمتهم للدين ومحبتهم لأبناء خاتم المرسلين ونفع عامة المسلمين، هم من أتباع أئمة أهل البيت عليهم السلام، وهم إليهم منتمون وبهم مقتدون.

قال الفقيه العلامة يحيى بن محمد بن حميد المقرائي رحمه الله في شرحه لمقدمة الأثمار شرح قول الإمام (عليه السلام) : والأئمة المشهورون من غيرهم (أي من غير أئمة أهل البيت) هم إليهم ينتمون وبهم مقتدون، ولأقوالهم موافقون، فقال الفقيه في شرح هذا الكلام: ألا ترى أن الصحابة كانوا يفزعون في مهماتهم وما نزل بهم وألَمّ من مشاكلهم إلى باب مدينة العلم وسفينة الحلم حتى أنه رجع عمر بن الخطاب إلى علي في ثلاث وعشرين مسئلة، وقال في مسئلة حد الحامل: لولا علي لهلك عمر، ولم يكن منهم مخالفة إلا في التقدم، إلى أن قال: وكان العلماء في كل وقت يشايعون أهل البيت ويناصرونهم جهاراً وخفية ممّن خشي، وقد يتقي منْ يتقي لأمرٍ مّا، فإنَّ تمسك الأئمة الأربعة وعيون أتباعهم بحبل أهل البيت معلوم، وقولهم في ذلك منثور ومنظوم، وكان يقوم القائم منهم فيجيبه أولئك ويعينونه بالقول والفعل والمال حتى قتل من قتل وأسر منْ أسر بسببهم كما في قصة الحسين وزيد والنفس الزكية وأخيه إبراهيم وغيرهم، كما هو مذكور مبسوط في مواضعه متواتر عند أهله كما قد حققته في التوضيح، فإن سعيد بن جبير قتله الحجاج بسبب خروجه مع ابن الأشعث، إذ كان على رأي الحسن بن الحسن، وعبدالله بن عمر قتله الحجاج أيضاً غدراً بأن أمر من جرح قدمه بسيف مسموم في صلاة عيد لما أظهر التوبة من القعود عن الخروج مع علي (عليه السلام) ، وعبدالرحمن بن أبي ليلى ضربه الحجاج ليسب علياً فلم يفعل، وولده القاضي محمد رأيه رأي أبيه في التشيع، ومالك بن أنس صحّ أنه حبس وضرب على الفتيا بعدم لزوم بيعة الظلمة حتى لزم بيته قدر عشرين سنة بل وضرب حتى غشي عليه وانخلعت كتفه، أخذ عن جعفر الصادق وغيره، وأبو حنيفة صح وتواتر أنه كان يفتي بوجوب الخروج مع الأخوين محمد وإبراهيم ابني عبدالله، وروي أنه مات مسموماً بسبب ذلك، وهو ممّن روى عن كثير من أهل البيت ومن مشائخه: زيد بن علي وجعفر الصادق والحسن بن الحسن وولده عبدالله الكامل والباقر وغيرهم كما ذكره الحنفي في كتابه عقود العقيان في مناقب الإمام أبي حنيفة النعمان، وكالشافعي فإنه بايع يحيى بن عبدالله وهو أحد دعاته وروى الذهبي أنه كتب والي اليمن إلى العراق ما معناه: أنكم إن كنتم مستبقين لطاعة اليمن أرسلتم للشافعي فإنه قد صار يجمع مع الطالبيين في الخروج فأرسلوا له وحملوه مقيداً على حمار بغير أكف، وروى له الذهبي في النبلاء عن الربيع بن سليمان قال: حججنا مع الشافعي  فما ارتقا نشزاً ولا هبط وادياً إلا وهو يبكي وينشد:

 يا راكباً قف بالمحصب من منى الأبيات...... وغيرها.

 ولما شقَّ على الذهبي ذلك لأن فيه دليلاً على تشيعه قال: لو كان شيعياً وحاشاه لما قال الخلفاء الراشدون خمسة بدأ بالصديق وختم بعمر بن عبدالعزيز، لكن يقال له فما تصنع بما رواه الحموي الشافعي في تاريخه أنّ الشافعي أسرّ إلى الربيع أنه لا يقبل شهادة أربعة من الصحابة وهم: معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة وزياد، فإنه لما هدم نصبهم شق على المتأخرين، قال في طبقات السبكي: عن يحيى بن معين أنّ الشافعي ليس بثقة، وهذا ابن معين من أعيان علماء الحديث وقد ترجم له الذهبي وغيره بالتراجم الكبار وكأحمد بن حنبل روى الذهبي أنه هجم بيته مرتين لطلب بعض الطالبين وغير ذلك عنهم وعن غيرهم، قال الإمام شرف الدين (عليه السلام) في مقدمة الأثمار: فقاتل الله المتسبب في إشاعة إنفصالهم عنهم حيث شب نار العداوة بين جهال المذاهب حتى ضل كثير منهم عن أوضح المذاهب انتهى ما أردت نقله عن شرح الفتح وشرح مقدمة الأثمار لمؤلفهما الفقيه يحيى بن حميد.

وبهذا يظهر أن محبة أهل البيت والتشبث بأهدابهم كان دأب أساطين الأمة المحمدية وإنما سبب إيقاد نار العداوة بين أئمة أهل البيت عليهم السلام وبين غيرهم من أتباع الأئمة الأربعة هي السياسات الملوكية، وأحسب أن قد أوضحت هذا للسائل في الندوة العلمية التي أقمناها بمدينة صعدة بإشراف السائل وبحضور الإخوة العلماء، وإلى هنا ينتهي ما قصدناه وإن كان المقام يقتضي أكثر مما حررناه، ومَنْ لم ينفعه القليل لم يؤثر فيه الكثير وقد طمح الخاطر إلى نظم كلمة وجيزة نختم بها الكلام حامدين الله تعالى ومصلين على سيدنا محمد وعلى آله آمين فإليكها:

إليك يا حافظ العصر الأخير غدا
دليله سنة المختار مقتفياً
لأنّ أبنا خير الرسل مذهبهم
تقمصوا العلم بل شالوه أردية
ودعوة المصطفى جاءت وقد رويت
المصطفى قال إن العلم في عقبي
قد اصطفاهم لنصر الدين خالقهم
فلم تجد مثل زيد في الورى أبداً
فاعرف مقالتهم في كل مسئلة
ساروا على نهج مولاهم وسيدهم
لم يثبتوا صفة للذات زائدة
ونزهوا الله تنزيهاً وما جنحوا
فتلك أسفارهم بالحق ناطقة
كالبحر فامش على يم سفينته
قد كنت تقرأه عندي فعض على
يا حافظ العصر خذ قولي وما سمحت
لأن جفونا وحالوا عن مودتنا
والحق أبلج لا يخفى على أحد
خذ ما رقمت واغض العين إن وُجِدت
فجل رب عظيم لا يليق به
وكل حي فإن النقص يصحبه
واعمل لنفسك أعمالاً تخلصها
والزم هديت من التقوى مراتبها
حياك ربك يا عملاق بلدته
وخذ لاليَه وانظر محاسنه
وغيره من علوم الآل فاعن بها
خذ الجواب وسامح إن بدا خلل
ثم الصلاة على من طاب عنصره

جوابنا سالكاً في منهج الرسل
آي الكتاب سعى في أوضح السبل
خالٍ عن الغش والأوباش والدخل
على عواتقهم فاسأل بهم وسل
فيهم وحققها الرحمن في عجل
وزرع زرعي رويناه فلا تمل
فهم أئمة رأس العلم والعمل
أو مثل أتباعه في سائر النحل
تجد أدلتها كالشمس لم تحل
صنو الرسول أمير المؤمنين علي
ولا قضوا بثبوت الذات في أزل
إلى أقاويل ضلال من السفل
تهدي إلى الحق بل تشفي من العلل
هدي الرسول بلا حبل ولا دقل
تلك الفوائد بالأضراس واحتفل
به القريحة ليس الجد كالهزل
فالحق كالشمس يجلو ظلمة الطفل
إلا على أبلهٍ يرعى مع الهمل
لي هفوة واصلحن ما كان من خلل
نقص تنزه عن شبه وعن مثل
سوى الإله فخذ بالحق واعتدل
في موقف الحشر كي تنجو من الزلل
من يتق الله يأمن زلة الخطل
فاكرع من البحر وارشفه على مهل
ولا تملَّ فإن الشوم في الملل
فيها نفائس علم نظم كل ولي
حوادث الدهر والحاجات تعرض لي
والآل والصحب في الآصال والطفل

خاتمة

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات حمداً كثيراً طبياً مباركاً، وقد تم ما أردت، والمطلوب من السائل هو التأمل وحسن الإحتمال وليس الغرض إلا رضا الله وموافقة مراد الله ونحن في زمان نحتاج فيه إلى الألفة والإتفاق ونبذ الفرقة ودواعي الشقاق فأمامنا عدو يريد التهامنا، والشر محدق بنا من جميع جوانبنا، اللهم اجمع كلمة الأمة المحمدية، وشتت شمل أعدائها برحمتك يا أرحم الراحمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وقد وافق الفراغ من تحرير هذا بعد صلاة العشاء من الليلة المباركة، ليلة الأحد الموافق 14/رجب/1399هجرية بهجرة فلله المحروسة، وأسأل ممن اطلع عليه من الإخوان الدعاء لكاتبه، ومن وجد خللاً فأصلحه فالله يكافئه، وكتبه/ عبد الرحمن حسين شايم وفقه الله.

نعم قد كنت سلمت الأصل للسائل وصورت لي عليه صورة، ثم إني في التاريخ رجحت نقله إلى هنا وتهذيبه وحذفت بعض الزيادات التي قد يستغنى عنها، وجعلت هذه النسخة هي المعتمدة وأسأل الله أن يغفر لي ذنوبي وأن يوفقني لصالح الأعمال، وحر بتاريخه 26/رجب الفرد سنة(1428هـ) عبد الرحمن شايم وفقه الله.

القسم الثاني

سؤال عن ألفاظ في كلام أمير المؤمنين  (عليه السلام) لكميل بن زياد

فسّرها السارح ابن أبي الحديد بتفسير أشكل على السائل

 

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين

وبعد:فإنَّه استشكل بعض من الإخوان العلماء كلام العلامة المحقق عبدالحميد بن أبي الحديد في شرحه لكلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في النهج :

( يا كميل بن زياد هلك خزان المال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة ..........إلى آخر الفصل ) .

قال الشارح المحقق : قوله (عليه السلام) : ( والعلماء باقون ما بقي الدهر) هذا الكلام له ظاهر وباطن :

 فظاهره قوله (عليه السلام) : ( أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة ) أي آثارهم وما دونوه من العلوم فكأنهم موجودون .

 وباطنه: أنَّهُم موجودون حقيقة لا مجازاً على قول من يقول ببقاء الأنفس .

( وأمثالهم في القلوب ) كناية ولغز ومعناه ذواتهم في حظيرة القدس والمشاركة بينها وبين القلوب ظاهرة , لأن الأمر العام الذي شملها هو الشرف , فكما أن تلك أشرف عالمها كذلك القلب أشرف عالمه فاستعير لفظ أحدهما وعبر به عن الآخر .

قوله (عليه السلام) : ( هآ إن هاهنا علماً جمّاً ) وأشار بيده إلى صدره .

هذا عندي أشارة إلى العرفان والوصول إلى المقام الأشرف الذي لا يصل إليه إلا الواحد الفذّ من العالم , ممن لله تعالى فيه سرّ وله به اتصال .

ثم قال : (لو أصبت له حملة) , ومن الذي يطيق حمله , بل من الذي يطيق فهمه فضلاً عن حمله، ثم قال : ( بلى أصيب ) , ثم قسم الذين يصيبهم خمسة أقسام:

أحدها: أهل الرياء والسمعة .....إلخ .

 وثانيها: قوم من أهل الخير والصلاح ليسوا بذوي بصيرة في الأمور الإلهية الغامضة, فيخاف من إفشاء السر إليهم أن تنقدح في قلوبهم شبهة بأدنى خاطر , فإن مقام المعرفة مقام خطر صعب , لا يثبت تحته إلا الإفراد من الرجال الذين أيدوا بالتوفيق والعصمة.

وثالثها: رجل صاحب لذات وطرب .........الخ.

ورابعها: رجل عُرِف بجمع المال وإدخاره ..........الخ .

ثم قال (عليه السلام) : ( وكذلك يموت العلم بموت حامليه ) ، أي إذا مت مات العلم الذي في صدري , لأني لم أجد أحداً أرفعه إليه وأورثه .

ثم استدرك فقال : ( اللهم بلى , لا تخلو الأرض من قائم بحجة لله تعالى ، كيلا يخلو الزمان ممن هو مهيمن لله تعالى على عباده ومسيطر عليهم ) , وهذا يكاد يكون تصريحاً بمذهب الإمامية إلا أن أصحابنا يحملونه على أن المراد به الأبدال الذين وردت الأخبار النبوية عنهم أنهم في الأرض سايحون , فمنهم من يعرف ومنهم من لا يعرف , وأنهم لا يموتون حتى يودعوا السر وهو العرفان عند قوم آخرين يقومون مقامهم.

ثم استكثر عددهم فقال : ( وكم ذا ) , أي كم ذا القبيل وكم ذا الفريق.

 ثم قال : (وأين أولئك) استبهم مكانهم ومحلهم، وقال: (هُمُ الأقلون عددا ، الأعظمون قدرا) ، ثم ذكر أن العلم هجم بهم على حقيقة الأمر وانكشف لهم المستور المغطى وباشروا راحة اليقين وبرد القلب وثلج العلم ، واستلانوا ما شق على المترفين ووعر عليهم نحو التوحيد ورفض الشهوات وخشونة المعيشة.

قال: ( وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ) , يعني العزلة ومجانبة الناس وطول الصمت وملازمة الخلوة ونحو ذلك مما هو شعار القوم. 

   قال: (وصحبوا الدنيا بأرواح أبدانها معلقة بالمحل الأعلى )، هذا مما يقوله أصحابنا الحكماء من تعلق النفوس المجردة بمادتها من العقول المفارقة , فمن كان أزكى كان تعلقه بها أتم.

 ثم قال: (أولئك خلفاء الله في أرضه , والدعاة إلى دينه) , لا شبهة أنّ بالوصول يستحق  الإنسان أن يسمى خليفة الله في أرضه , وهو المعنيُّ بقوله سبحانه للملائكة : )إني جاعلٌ في الأرض خليفة( [ البقرة – 30 ] , وبقوله: )هو الذي جعلكم خلا ئف في الأرض( [ فاطر – 39 ] .

 ثم قال : ( آه آه شوقاً إلى رؤيتهم ) ، هو (عليه السلام) أحق الناس بأن يشتاق إلى ما هو من سنخه وسوسنه وطبيعته , ولما كان   (عليه السلام) هو شيخ العارفين وسيدهم , لا جرم إشتاقت نفسه الشريفة إلى مشاهدة أبناء جنسه , وإن كان كل واحد من الناس دون طبقته .....إلخ .ولما استشكل أحد الإخوان العلماء كلام الشارح المحقق أرسل إلي بذلك الكلام السابق وطلب مني إجالة النظر فيه وإبداء ما عندي , فأسعدته إلى ذلك وطالعته , وعلقت عليه بما يلي :

( قال الشارح المحقق : قوله (عليه السلام) : العلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة .... إلخ)، هذا الكلام له ظاهر وباطن فتفسير الشارح للظاهر صحيح ولا كلام لنا عليه ، وأما تفسيره للباطن بأنهم موجودون حقيقة لا مجازاً على قول من يقول ببقاء النفس.

 فأقول: إعلم أن القائلين ببقاء النفس هم الفلاسفة وسنورد طرفاً من أقوالهم:

 فعند أرطاطاليس وأتباعه أن النفوس البشرية محدثه ، وعند أفلاطون وأتباعه أنها قديمة، وقال أرطاطاليس وأتباعه: أن النفوس البشرية متحدة بالنوع .

 ومن الفلاسفة من قال: أنها مختلفة بالهيئة والفلاسفة يفرقون بين النفوس والأرواح ويزعمون أن النفوس جواهر بسيطة متعلقة بالأبدان ويقولون أن الأرواح أجسام مركبة، وتقول الفلاسفة أن العدم ممتنع على النفوس وأنه يجوز العدم على الأرواح.

هذا كله منقول من تلخيص نصير الدين الطوسي على محصل الرازي.

إذا عرفت مذاهب القوم في النفس امتنع أن يريد أمير المؤمنين (عليه السلام) المعنى الأخير الذي سماه الشارح المحقق بالمعنى الباطن لأن أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يريد المعنى الفاسد لعصمته ولمعرفته الكاملة بربه لان هذا المعنى تَرُدُّه الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة على نفي القدماء مع الله تعالى والدالة على فناء كل ما سوى الله تعالى فقد أعرضنا عن نقل مذاهب الفلاسفة من أن النفس مصدر الإدراك إلا أنها تدرك الكليات بغير آلة وتدرك الجزئيات بآلة ، وأعرضنا عن ذكر النفوس المجردة وتعلقها كما أشار إليه الشارح المحقق لأن كل ذلك هراء لا طائل تحته إذا عرفت هذا علمت أنه لا يصح إلا المعنى الأول الذي ذكره الشارح المحقق وعرفت أن الشارح لا يعتقد صحة المعنى الثاني لما فيه من الفساد ولم يورده إلا لأن الكلام يحتمله على مذاهب القوم ولم يصرح بأنه رأيه ويؤيد هذا أنه قال على قول من يقول ببقاء النفس وقول الشارح المحقق أن قول الإمام (عليه السلام) وأمثالهم في القلوب موجودة كناية ولغز ومعناه ذواتهم في حظيرة القدس، كلام لا طائل تحته وصرف للكلام عن حقيقته ورَدَّه إلى ألغاز ومعميات بغير برهان يصرفه عن الحقيقة وتفسير لكلامه (عليه السلام) بتخيلات الفلاسفة والصوفية القائلين بالوصول وهي المرتبة التي لا شيء عندهم بعدها.

أمَّا قول أمير المؤمنين  (عليه السلام) : (إن هاهنا لعلماً جماً .... الخ) ، وقول الشارح المحقق: هذا عندي إشارة إلى العرفان والوصول إلى المقام الأشرف إلى آخر كلامه .

أقول: حصر معناه على العرفان محل نظر ويحسن حَمْل الكلام على العلوم المحتاج إليها ، هذا إن أراد الشارح المحقق بالعرفان والوصول ما يقصده الصوفية ، وأظنه لم يرد إلا ذلك بدلالة قوله : ( لم يصل إليه إلا الواحد الفذ ممن لله فيه سر ) وهذا صرف للكلام عن ظاهره ولا يقال أن آخر كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) يدل على ما استوحاه الشارح من قوله: (هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة وباشروا روح اليقين ، واستلانوا ما استوعره المترفون , وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ...... الخ ) .

لأنَّا نقول: أن هذه الصفات هي صفات العالم الرباني الذي تسهلت له المقاصد وعذبت له الموارد وراض نفسه على العلوم الإلهية وخشى ربه في السر والعلانية )إنما يخشى اللهَ من عبادهِ العلماءُ( [ فاطر – 38 ] .

أما قول أمير المؤمنين (عليه السلام) : (بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجه إما ظاهرا مشهوراً أو خائفا مغموراً ) ... إلى آخره ,  وقول الشارح المحقق أن هذا الكلام يكاد أن يكون تصريحا بمذهب الإمامية .

فكلام بعيد جداً يجانب الصواب لان إمامهم الثاني عشر لا وجود له فكيف يكون حجة أو قائما بحجج الله هذا ما لا يقبله عقل عاقل ولا يهضمه فهم فاهم هب أن الصادق والباقر وزين العابدين عليهم السلام من القائمين بحجج الله فأما الثاني عشر من أئمتهم فعده من الحجج مع عدم وجوده بعيد .

 أمَّا الأبدال الذين أشار إليهم فهو إعتماد منه على الأحاديث المصرحة إنّ لله أربعين بدلاً في الأرض إذا مات أحدهم أبدله الله بغيره مع ضعف تلك الأحاديث كما صرح به بعض المحدثين لا يصح أن يكونوا حججاً لله تعالى على خلقه لان الحجة الذي تؤخذ معالم الدين عنه لا بد أن يكون معروفاً والشارح قد قال أن بعضهم معروف وبعضهم غير معروف وما هو الذي حجب على ناظره أن يصرح أن حجج الله هم آل محمد صَلّى الله عَليهِ وَآلَهُ وَسَلّم الذين لا يفارقهم الكتاب ولا يفارقونه كما دلت على ذلك الأدلة القطعية فهم حجج الله فمنهم الظاهر الشاهر لسيفه المعلن لدعوته ومنهم الخائف المغمور الذي أخافه أعداء الدين وهذا واضح.

أمَّا إشارة الشارح المحقق إلى العقل المفارق فهي إشارة فلسفية يزعمون أن هنالك عقلاً يسمى العقل المفارق وللخواجة نصير الدين رسالة في العقل المفارق طَوَّل فيها الاستدلال بما لا محصول له وتارة يسميه بالعقل الكامل فلا نطيل البحث بنقل كلامه فهذا ما تيسر لي من البحث في الموضوع مع شغل شاغل واعتوار عدة عوامل وقلة في المتاع وعدم إلمام واطلاع

بحث من الإفادة للإمام المؤيد بالله

بحث نقلته من الإفادة للإمام المؤيد بالله (عليه السلام) له تعلق بما حررناه

قال: وسئل([1]) عن معنى قول أمير المؤمنين صلوات الله عليه في حديث كميل بن زياد  (اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهراً مكشوفاً أو خافياً مغموراً)؟

 فقال قدس الله روحه: إنه ليس المراد الأئمة وإنما المراد به العلماء المستقلون بعلم الشرع وذلك صحيح لأن الله تعالى ما أبقى التكليف الشرعي فلا تخلو الأرض ممن يستقل بعلوم الشرع .

وقوله: ( إما ظاهراً وإما مغموراً ) فالمراد به إما أن يكون ظاهرا لا يخفى حاله على جل الناس يشار إليه بحيث لا يلتبس على الناس أمره وإما أن يكون في عرض الناس ومغمورا بينهم ولا يظهر حاله كل الظهور وان كان يمكن لطالب النجاة ومرتاد الحق أن يجد السبيل إليه وهذا وجه الحديث ويجوز أن يتأول الحديث على وجه وهو أن يكون المراد به من يصلح للإمامة لان مذهبنا أن الأرض لا تخل من حجة ممن يصلح لها من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

ومعنى قوله: ( إما ظاهراً وإما مغموراً ) على هذا هو أن يكون إمام قد أظهر نفسه بالدعوة والخروج ومباينة الظالمين ويكون قد وجبت له الإمامة ، أو يكون مغمورا في الناس لم يظهر نفسه ولم يبرز الدعوة ولم يباين الظالمين لعذر بينه وبين الله تعالى فهو ممن يصلح للإمامة وإن لم تك وجبت له بعد.

فالحالة الأولى: مثل حالة زيد بن علي (عليه السلام) بعد خروجه بالسيف على الظالمين والحالة الثانية مثل حاله قبل الخروج إذ هو موقوف على العلم والعبادة فأما ما تذهب إليه الإمامية من غيبة إمامها على الوجه الذي تدعيه فذلك باطل لا معنى له لأنه لا فرق بين وجوده لو صح وجوده ووجود جبرائيل وميكائيل عليهما السلام ألا ترى أنه بمثابتهما في انه لا يمكن الرجوع إليه في حلال ولا حرام أو ناسخ أو منسوخ أو ندب أو واجب أو حل أو عقد وما كان كذلك فلا يجوز أن يتعلق الشرع وحكمه به إذ وجوده في هذا الباب كعدمه وهذا كلام استقصيناه في كتابنا المسمى كتاب الوقف الذي نقضنا به كتاب أبي جعفر بن قُبَّه.

إنتهى " وإنما ألحقناه هنا للمناسبة " .



([1]) يعني الإمام المؤيد بالله عليه السلام، تمت.

المجموعة الثانية

تحتوي على  المسائل التالية

الأولى: النظر إلى عورة المرأة الكافرة هل هو جائز؟

الثانية: في تكليف العوام بمسائل أصول الدين المشكلات؟

الثالثة: في ما روي عن نجم آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم القاسم بن إبراهيم (عليه السلام) من جواز التقليد في أصول الدين؟

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

اللَّهُم إني أحمدك بجميع محامدك وأشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمداً عبدك ورسولك صلواتك عليه وعلى آله الطاهرين , وبعد:

فإنَّها وقعت مذاكرة في ثلاث مسائل عمت بها البلوى , فطلب مني بعض الإخوان العلماء أبقاهم الله تعالى تحرير مسائلها , وتفصيل دلائلها , فامتثلت الطلب راجياً المثوبة من الله تعالى مع قصر باع , وتغير طباع ، سائلاً من الله تعالى التوفيق لسلوك طريق الإصابة والتحقيق ، والمسائل المبحوث عنها هي ثلاث :

الأولى: النظر إلى عورة المرأة الكافرة هل هو جائز ؟

الثانية: في تكليف العوام بمسائل أصول الدين المشكلات ؟

والثالثة: في ما رُوِيَ عن نجم آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم القاسم بن إبراهيم (عليه السلام) من جواز التقليد في أصول الدين .

فأقول مستعيناً بالله

النظر إلى عورة المرأة الكافرة هل هو جائز؟

أمَّا المسالة الأولى وهي: هل يجوز النظر إلى عورة المرأة الكافرة لأنه لا حرمة لها كما ذكر ذلك في حواشي شرح الأزهار؟ أم يحرم النظر إلى عورتها ومحاسنها كما دل على ذلك قوله تعالى )قُلْ للمُؤْمِنِين يَغُضُّوا مِنْ أبصارهم ( [ النور – 30 ] وكما دلت على ذلك الأحاديث المتكاثرة الدالة على تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية ولم تفصل بين مسلمة وكافرة ولا نحتاج إلى سرد تلك الأحاديث لأنها معلومة والذي نقول به إن الآية صريحة في وجوب غض النظر والأحاديث كذلك ولم تفصل الأدلة بين كافرة ومسلمة ؟

وقد حكا الفقيه العلامة سليمان بن يحيى الصعيتري في البراهين شرح التذكرة بأن قال فائدة قال في شرح الإبانة يجب الاستئذان إذا أراد دخول بيوت أهل الذمة لأنه مروي عن علي (عليه السلام) وما روي عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لا حرمة لنساء أهل الذمة فهو محمول على أنهن لا يؤخذن بالتستر والاحتجاب بخلاف المسلمات ولكن على الرجل أن يغض بصره عنهن لقوله تعالى: )قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ( [النور – 30 ] ، انتهى([1]).

فرأيُ الإمام علي (عليه السلام) بوجوب الاستئذان لدخول بيوت أهل الذمة يدل على عدم جواز رؤية محاسن نسائهم، فقد تعارض الحديث المرفوع والحديث الموقوف على علي (عليه السلام) وعلي (عليه السلام) أعرف بآخر الأمرين من النبي صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم، ولأن ما روي عن علي (عليه السلام) تعضده الآية والأحاديث الدالة على تحريم النظر مطلقاً، ويرجحه أنه حاظر ولأن قوله حجة.

ونقول: إنَّ تأويل الحديث بما تأوّله الصعيتري من عدم وجوب التستر والاحتجاب عليهن لاينافي وجوب غض النظر على الرجال المصرح به في الآية فلم تتعارض الأدلة وهذا جمع بين الأدلة  والجمع هو الواجب مهما أمكن ودلالة الآية صريحة وعضدها تلك الأحاديث فلم يبق إلا الجزم بحرمة النظر إلى محاسن المرأة الكافرة فضلاً عن عورتها وإذا كانت النظرة لمحاسن المرأة سهم من سهام إبليس فما بالك بالنظر إلى عورتها.

هذا ما أدى إليه النظر وفوق كل ذي علم عليم ونسأل الله تعالى التوفيق والتسديد وصلى الله على محمد وآله آمين .

 

***


 ([1]) قلت: والحديث الذي ذكره صاحب شرح الإبانة هو مروي في أمالي أحمد بن عيسى في (ط/ الأولى/ج/2/ص/86) بلفظ: ((لا حرمة لنساء أهل الذمة أن ينظر إلى شعورهن وأبدانهن)).

تكليف العوام بمسائل أصول الدين المشكلات؟

وأما المسألة الثانية وهي: هل العوَّامُّ مكلفون بمعرفة أصول الدين المشكلات ؟

فاعلم: أن هذه المسألة من أعظم واكبر المسائل وعموم البلوى بها شامل وأنظار الأصوليين وكلامهم فيها متفاضل ونقل خلافهم وكلامهم ليس تحته طائل بل المطلوب معرفة الحق المؤيد بالدلائل وأقول أن معرفة الله جل جلاله واجبة على جميع المكلفين وهذا أصل لا يختلف فيه العلماء وأدلته قطعية عقلية وسمعية والمختار أن العوام تكفيهم المعرفة الجملية إذا حصلت لا عن تقليد بل بالأدلة القريبة إذ لا هداية لهم  إلى تركيب وصناعة أدلة المتكلمين بل إذا عرفوا أن الله تعالى خلق العالم وأوجده من العدم وخلق الثمار والسحاب وأوجد الأمطار من العدم ونحوها من الأدلة القريبة الدالة على وجود الله تعالى وقدمه وقادريته وعالميته وأنه لا يشبه المخلوقين وعرفوا صدق الرسل وصدق ما جاؤا به من الشرائع وما في ذلك من الوعد والوعيد ونحو ذلك كفاهم ذلك ولا يلزمهم الخوض في دقائق الأصول ولا معرفة الغوامض ولا معرفة المشكلات لأنه قد حصل اليقين بالدليل القريب مع أن تكليف العوام بمعرفة دقائق علم الكلام قريب من تكليف ما لا يطاق وأنت تعرف أن الخلق في اختلاف أفهامهم مراتب فمنهم الذكي البالغ ذكاه إلى إدراك الرمزة واللحظة ومنهم المتوسط في الذكاء والفطنة ومنهم البليد بعيد الفهم الذي لايكاد يفهم الظواهر فكيف نكلف البليد بادراك مالا يفهمه ولا يتصوره ومن مارس التدريس حصل له معرفة ما ذكرنا فان بعض من لا يفهم الدقائق من الطلبة يزيده الدرس والممارسة بُعْداً عنها ويتخيلها غير ممكنة ويتخيل من بحث فيها قد أتى شيئا غير ممكن ولا معقول ومع تدبر كلام الأئمة الهادين عليهم السلام والعلماء المحققين من تصريحهم بإيجاب معرفة الله تعالى يعلم أن مقصدهم من معرفة الله تعالى هو معرفة توحيد الله تعالى بصفاته الإثباتية ونفي ما يجب أن ينـزه عنه من صفات النقص لا عن تقليد وبها يحصل برد اليقين ولهذا وضعوا المختصرات الصغيرة في الأصول وصرح بعضهم أنها كافية في معرفة الله تعالى مثل بعض موضوعات الإمامين القاسم والهادي عليهما السلام المختصرة ومثل موضوع الإمام المنصور بالله (عليه السلام) الذي وضعه للمبتدئين ومثل العقد الثمين للأمير الحسين (عليه السلام) وليس في هذه المختصرات شيءٌ من تراكيب الأدلة المطولة ولا من تعليلات المتكلمين ولا من الإشكالات الغامضات بل هي مبنية على تفهم الحق بالأدلة القريبة ثم أن الأمير الحسين وصنوه الإمام الحسن عليهما السلام وغيرهما من الأئمة الهادين والشيعة الأكرمين قد صرحوا بأنه لا يلزم المكلف معرفة تفاصيل الإرادة بل يكفي الإيمان الجملي بان الله مريد وكاره وأنت تعرف أن مسـألة الإرادة من أشد المسائل وأعظمها ولهذا تخبط فيها المدققون من المعتزلة وكثر زللهم وزلل غيرهم فيها فقل لي كيف نكلف العامي بتحقيق مسألة الإرادة ؟ وهل إرادة الله مراده على قول أئمتنا عليهم السلام ؟ أم هي علمه باشتمال الفعل على مصلحة ونهيه علمه باشتمال الفعل على مفسدة ؟ وهل هي الداعي أو الصارف ؟ وهل الإرادة أمر زائد على الداعي ؟ أم إرادة الله عرض لا في محل على حد وجود الله لا في محل ؟ فإذا كانت هذه أقوال أهل العدل فما بالك بتكليفه بإشكالات غيرهم وتمييز الصحيح من السقيم والدليل الشائل من السليم القويم.

 ثم أنَّا نظرنا في أحوال الصحابة في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ثم من بعده ثم في أحوال التابعين ثم من بعدهم إلى أن ظهرت علوم المعتزلة والأشاعرة وغيرهم لم نجد للصحابة ولا للتابعين ولا لمن بعدهم ولا لآل محمد صلوات الله عليهم شيئاً من هذه الدقائق المشكلات ولا خاضوا في تلك الغمرات بل قد حكا كثير من العلماء انه لم يكن للصحابة ولا لمن بعدهم خوض ولا بحث في دقائق صفات العلي الأعلى حتى خاض فيها بعض المعتزلة.

فقل لي هل يعقل العامي تفاصيل مقالاتهم في الصفات ؟ هل هي أمر زائد على الذات ؟ أم هي أحوال ؟ أم مزايا ؟ أم معاني كما تقول الأشاعرة ؟ أم هي ذاته كما تقوله الأئمة عليهم السلام؟

وهل يعقل هذه الدقائق ويعقل دلالة كل قول ؟ وإبطال الباطل وإقرار الحق بدليلة ؟

وهل الأولى أن نقول أنه يكفي العامي ما كفى القرون الأولى من إثبات صفات الله تعالى له ونفي ما يجب نفيه وتنـزيه الله تعالى عنه ؟

وأنت خبيرٌ أن الصحابة ما عرفوا فلسفة المتفلسفين ولا الجدال العقيم بل معتمدهم العقل والقرآن وكان فيهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعده أمير المؤمنين (عليه السلام) وما عرف أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووصيه شرعا لهم تراكيب الأدلة الفلسفية ولا المقدمات والقياسات المنطقية وإنما كانت الدلائل عقليه أو نقليه.

فإن قلت: ما كان في زمانه صلى الله عليه وآله وسلم أحد ممن يتفلسف ولم تدخل الفلسفة إلا من بعد.

قلت: الشارع حكيم وعالم بما سيكون فلو كانت الفلسفة والإقناعات المنطقية طريقاً إلى تصحيح العقائد ولا تصح إلا بها لما سكت عنها ولا أغفلها لعلمه بحاجة الموحدين إليها ولكنه سبحانه عالم أن العقل والكتاب كافيان في الحجة وموضحان للمحجة وأيضا فان آل محمد صلوات الله عليهم منذ عهد الوصي الأعظم إلى بعد عصر الهادي عليهم السلام علومهم نقية وصافية بعيدة عن الفلسفات معتمدهم أدلة العقول وآيات الكتاب.

 فإن قلت: أن نجم آل الرسول (عليه السلام) جارى الملاحدة بما قطعهم وهل ذلك إلا لمعرفته بعلومهم.

قلت: هو (عليه السلام) استعمل العقل الكافي ودلائل السمع فحصل له ما قطع به شغب المشاغب فتأمل لمحاورته في الرد على الملحد فإنما أورد دلائل العقل والسمع وان فرضنا انه عرف شيئاً من اصطلاحهم ليمكنه نقضه فهو جائز فهل يحكم ذو عقل سليم ودين قويم بهلاك من عرف الله سبحانه بمبادئ الأدلة القريبة بغير تقليد كأكثر الصحابة وأكثر التابعين الذين لم يعرفوا دقائق الأصول ولا مشكلاتها ولا تركيبات المتكلمين بل عرفوا الله سبحانه بالأدلة القريبة وحصل لهم من الخوف منه تعالى والخشية له ما لم يحصل للمتبحرين في الدقائق بل قد عرفنا من العوام الذين لم يعرفوا شيئا من دقائق الأصول لهم من الخوف من الله تعالى والخشية له ما ليس لبعض المتفقهين.

فإن قلت: إن أمير المؤمنين وسيد الوصيين هو أول المتكلمين ومنه أخذ علم الكلام ومن مقاماته انتظم سلك ذلك النظام .

قلت: نعم هو الفاتح للباب والناهج نهج الصواب ولكنه بعلم إلهي نقي عن الشوائب سهل المأخذ فمنه اخذ وعليه اعتمد فكلامه بعيد عن تمحلات المتكلمين وقريب من الأفهام رشيق العبارة قوي الدلالة فهو لم يفتح باب معرفة الله تعالى بالجدال العقيم ولا الخروج عن العقل القويم وأنت إذا تأملت كلامه في النهج وكلام أولاده العلماء الحكماء المقتفين لنهجه كزيد والقاسم والهادي وسائر الأئمة عليهم السلام , وجدت ذلك النهر من ذلك اليعبوب, فهم من بحره يغترفون , ولنهجه مقتفون , موضوعاتهم سليمة من التمحلات, ذرية بعضها من بعض , يسروا ولم يعسروا , وبيّنوا ولم يهملوا , وأوضحوا ولم يغفلوا , لم يرفعوا إلى الفلسفة رأسا , ولم يجعلوا الجدال العقيم لهم أساسا  , دينهم دين أبيهم المصطفى وعلي المرتضى صلوات الله عليهما وعلى آلهما.

 

لم يـثبتوا صفـةً للذات زائـدة         ولا قـضوا باقـتـضاء حال لأحوال

ولا قضوا بثبوت الـذات في أزل        وليـس لله إلا صـنـعـة الـحـال                

 

فان قلت: قد أكثرت التثريب على المتعمقين.

قلت: نعم أنت تعرف أن مقام التكفير والتفسيق شديد فلا بد فيه من الدليل القاطع وقد عرفت أن معرفة الله بالدلائل القريبة كافية وان تهليك العوام الذين عرفوا الله بما ذكرنا أمر شديد وما سببه إلا التعمق في الدقائق التي أكثرها من الفضول وبعضها تجاوز حد العقل وَلَسْتُ ممن ينهى عن قرآءة علم الأصول وتحقيقه , بل أنا ممن يدعو إليه ويدرّسه, وإنما أقول أن تكليف العوام بمعرفة المشكلات وان لم يعرفوها هلكوا قول مردود بل الذي أختاره أنهم يكفيهم ما قلناه ((معرفة عن غير تقليد )) فأما المتأهلون لخوض غماره وركوب لجج بحاره مع طلب الحق وإخلاص النية ليتمكن من دفع الخصوم ورد الشبه وإقامة الحجة فقد يكون فرضاً على الكفاية وقد يكون فرض عين إذا لم يقم به غيره وللمهدي (عليه السلام) في أول شرح القلائد كلام مفاده (أن ليس كل ما يسمى أصول الدين من فروض الأعيان بل فيه ما هو فرض عين وما هو فرض كفاية ومنه ما ليس بفرض) هذا معنى كلامه (عليه السلام) .

وقال المؤيد بالله (عليه السلام) في الإفادة: فصل آخر/ أقل ما يلزم المكلف معرفته من التوحيد انه يلزمه أن يعرف أن لهذا العالم صانعاً قادراً عالماً حياً سميعاً بصيراً وانه لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء وانه واحد لا ثاني له ولا يجوز أن يعتقد في أصول الدين إلا عن دليل, فلاضير أن تعذر علية العبارة عما اعتقده وليس في مقدار ما يجب على المكلف من العلم ما يقطع عليه ولكن يجب معرفة ما ذكرنا من أصول الدين إلى آخر كلامه (عليه السلام) .

قال في منهاج القرشي : قالوا لو كلف العوام والنساء بهذه الأصول والإستدلال عليها بالأدلة الغامضة ودفع الشبه مع علمنا أنهم لم يفعلوا , لوجب أن يقضى بكونهم كفاراً , ويجري عليهم أحكام الكفرة , ومعلوم خلافه.

قلنا: لم ندّع أنهم كلفوا ما كلفه المبرزون , وإنما كلفوا جملة يسيرة وأدلتها مقررة في عقولهم وعجزهم عن التعبير عنها لا يدل على أنهم غير عالمين بها , فإن كثيراً من العقلاء يعلم مالا يحسن العبارة عنه , إلى آخر كلامه في المنهاج .

وحكى الإمام عزالدين (عليه السلام) عن الحاكم أنه قال في شرح العيون أصحاب الجُمل من يعرف الله تعالى بصفاته وعدله والنبوات والشرائع جملة لا على سبيل التفصيل , ويعلم ذلك بالأدلة نحو أن يعلم أن العالم محدث لأنه لا يخلو من الحوادث , وله محدِث لأن المحدَث يحتاج إلى محدِث لأجل حدوثه , كما أن أفعالنا تحتاج الينا لأجل حدوثها , وهو تعالى قادر لصحة الفعل منه , إلى آخره .

وقال الإمام عزالدين (عليه السلام) في شرح قول صاحب المنهاج: فكل عاقل قد أُخِذ بتحصيله , وكلف العلم بجملته وتفصيله , أي بجملة هذا الفن وتفصيله , أما الجملة: فلا كلام في ذلك لأن العلم بالله وصفاته جملة واجب معين على كل مكلف.

وأمَّا التفصيلي: فهو إما واجب أو مندوب , والمندوب مما كلفنا به ويعد تكليفاً على خلاف فيه , والأصح عدم وجوب التفصيلي وأن أصحاب الجُمل الذين يعتقدون الحق بطريق صحيح على وجه الجملة ناجون إن شاء الله تعالى .

وقال الإمام يحيى بن حمزة (عليه السلام) فإن صاحب الشريعة كان يقبله – يعني معرفة الله الجملية – من الأعراب ولو كلفهم العلم اليقين لعجزوا عن إدراكه لقصور أفهامهم.

قال الإمام عزالدين بعد نقله لهذا الكلام : وهو القريب من أحوال من ذكره من الأعراب والعبيد والنساء أو أكثرهم.

قلت: وهذا تساهُلٌ من الإمامين عليهما السلام لأن ظاهر كلام الإمام يحيى (عليه السلام) أنه يكفي المعرفة الجملية ولو تقليداً , ويقابل هذا التساهل تشديد الحاكم الذي نقله الإمام عزالدين في المعراج بقوله : كان الحاكم قد ذكر في شرح العيون أنه ما من عاميّ إلا ويمكنه ان ينظر في الدقائق ويعلمها , قال : وذلك يظهر في معاملاته وأفعاله فإن عاميّاً لو اشترى كوزاً واشترى غيره كوزاً مثله فقال البائع للعامي كوزه بدرهمين وقال للآخر بدرهم , لم يقبله العامي بل يقول هما من جنس واحد , والقدر واحد والوقت واحد والصفة واحدة , فالفضل لا بد أن يكون لأمر.

وقال أبو رشيد: إن جميع ما يتعلق بالحِجَاج يعرفه العامة , ثم علل بقريب مما علل به الحاكم , ثم قال : وليس الحجاج إلا هذا وإنما أشبه الأمر لأن العوام اشتغلوا بأمور أخر فحققوا في ذلك , ألا ترى أنهم يعرفون من الدقائق ما لا ينقص عن المسائل الدقائق.

ولا شك أن هذا تعسير وقريب من تكليف مالا يطاق , والحق ما قدمناه.

وبهذا انتهى شوط القلم والله يمدنا بمواد التسديد وصلى الله على سيدنا محمد وآله آمين

ما روي عن القاسم بن إبراهيم من جواز التقليد في أصول الدين؟

وأمَّا المسألة الثالثة وهي: فيما نقل عن نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم (عليه السلام) من جواز التقليد في أصول الدين.

فأقول: قد حكاها جمع من المؤلفين أكثرهم بصيغة التمريض فحكاها صاحب المنهاج وفي شرحه ( المعراج ) وحكي في الأساس وشرحه عنه (عليه السلام) جواز تقليد المحق وحكاها ابن حابس في شرح المصباح وبعضهم يقول حكاية مغمورة وحكاها بلفظ التمريض صاحب الخلاصة وشرحها قال : (وذكر عن القاسم جواز تقليد المحق) وبعضهم أطلق والمعتمد صحة الرواية ولم ينسبها احد إلى كتاب من مؤلفاته ولا عزاها أحد إلى راوٍ من تلامذته فيما اطلعنا عليه من الكتب الكلامية التي بين أيدينا فالرجوع إلى مؤلفاته التي اشتهرت عنه وتناقلها العلماء خلفهم عن سلفهم وصحت بالأسانيد إليه أولى من الرجوع إلى رواية مغمورة كما قيل وسنذكر لمعاً من كلامه (عليه السلام) نبين به مذهبه ، قال (عليه السلام) في الدليل الكبير (ولا بد من النظر لمن أراد يقين المعرفة بالله في تصحيح كل ما وصفناه صفة بعد صفة في معرفة الله لتأتي المعرفة بالله من بابها) صـ181ـ .

وقال (عليه السلام) : (فمعرفة الله لمن أبصر سبيلها واستدل دليلها فاقرب قريب يرى علانية جهارا أو استدل عليه بدليل من دلائله اعتبارا فالحمد لله الذي قرب إلى معرفته واليقين به السبيل وأقام فيها وعليها برحمته الآيات والدليل فسبيلها من الله سهل يسير ودليلهما والحمد لله فظاهر منير ينطق بهما البكم الخرس في كل ما يدركه فكره) وهذا في الدليل الكبير صـ274ـ وفيه تسهيل وتقريب يشهد بما قلنا انه يكفي المعرفة بأقرب الأدلة .

وله (عليه السلام) كتاب الأصول الخمسة قال فيه : (فهذه الأصول الخمسة لا يسع أحدا من المكلفين جَهْلُها بل يجب عليهم معرفتها) انتهى .

ألاَّ تراه أوجب معرفتها والمقلد لا يسمى عارفا , وكلامه (عليه السلام) كثير في هذا المعنى والغرض الإشارة.

وهذا آخر الكلام في المسائل الثلاث , ختم الله لنا بالحسنى , ونسأله أن يجعل أعمالنا وأقوالنا خالصة لوجهه الكريم , وصلى الله على سيدنا محمد وآله.

المجموعة الثالثة

تحتوي على أربع مسائل أرسلها بعض الإخوان العلماء أبقاهم الله

وهي

المسألة الأولى: صدقة النفل لبني هاشم هل تحل لهم أم لا؟

المسألة الثانية: هل تحل زكاة هاشمي لهاشمي أم لا؟

المسألة الثالثة: ما يقع من صدام السيارات الذي يقع به اتلاف النفوس هل هو خطأ فيجري فيه أحكام الخطأ من لزوم الدية على عاقلة القاتل ومن لزوم الكفارة؟

المسألة الرابعة: أحكام المعاني تتبع الألفاظ

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

نستعين بالله العظيم ونصلي ونسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وبعـد:

فإنَّه خطر ببال بعض الإخوان العلماء([1]), الذين بهم يقتدى , وبأنوار أنظارهم يهتدى , البحث في مسائل طلبا منه للحق الأبلج , وللسير في سوي المنهج , فعرضها علي لإبداء ما عندي , وإن لم يكن عندي عند فلرجاء الثواب , ولنفع نفسي والأصحاب , أجريت شوط القلم فإن أصبت فبفضل الله تعالى وتوفيقه , وإن أخطأت فلأني من البشر أخطئ وأصيب , والله المستعان وعليه التكلان.


 ([1]) ـ هو السيد العلامة/ محمد بن عبدالله بن سليمان العزي رحمه

المسألة الأولى: صدقة النفل لبني هاشم هل تحل لهم أم لا ؟

أقول والله الهادي إلى الصواب:  أنها تحل لهم وهو قول الأخوين والأمير الحسين وجماهير من الآل عليهم السلام وأبي حنيفة ومحمد وغيرهم من الفقهاء ودليل ذلك الإجماع حكاه علي بن العباس نقله عنه القاضي زيد في الشرح والقاضي عبد الله الدواري في الديباج والأمير الحسين في التقرير ونقل إجماع المتأخرين على ذلك .

ولأنه لا خلاف في جواز الوقف عليهم وشربهم من الأمواءِ المسبلة بل هم بكل خير أولى من غيرهم ما لم يمنع مانع ولا مانع هنا إلا دلالة العموم في أحاديث تحريم الصدقة على بني هاشم ومواليهم وقد أخذ أبو العباس الحسني رحمه الله بهذا العموم وقال : (لم تفصل الأدلة بين فرض ونفل).

قلنا: العموم مخصص بالإجماع وبالقياس على الهدية والوقف مع أن الأدلة العامة بتحريم الصدقة عليهم لم ترد إلا في تحريم الصدقات الواجبة التي هي الزكاة غسالة أوساخ الناس كما أشار إليه جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام  بقوله : ( إنما حرم علينا الصدقات المفروضة).

قال في مُهَذَّب الشافعية: وتحلُّ صدقة التطوع للأغنياء ولبني هاشم ولبني المطلب لما روي عن جعفر بن محمد عن أبيه رضي الله عنهما أنه كان يشرب من متعابات بين مكة والمدينة فقيل له : أتشرب من الصدقة ؟ فقال : إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة , إنتهى.

قال النووي في شرحه المسمى بالمجموع: هذا هو الطريق الأصح في صدقة التطوع لبني هاشم , إلى آخره .

هذا ما تحصل في هذه المسألة , وفوق كل ذي علم عليم , وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .

هل تحل زكاة هاشمي لهاشمي أم لا؟

المسألة الثانية: هل تحل زكاة هاشمي لهاشمي أم لا ؟

أقـول والله المـوفق: إن الأحاديث المتواترة المتظافرة قد دلت دلالة قاطعة على تحريم الزكاة على بني هاشم ومواليهم وهي عامة لم تخص شيئاً من شيء فإذا وجدنا مخصصاً يصح لنا وجب التخصيص وقد روى الحاكم في علوم الحديث حديث العباس وصححه وقال انه رواه أكثر من مأتي رجل وامرأة من الصحابة والتابعين وتابعيهم منهم ثلاثة وعشرون من أهل البيت عليهم السلام منهم الأربعة المعصومون.

قال العلامة الحسن بن أحمد الجلال في ضوء النهار: قال والدي صلاح الجلال في اللمعة رواه عدة من الصحابة والتابعين وكذا عن علي وفاطمة والحسن والحسين وكثير من أولادهم الأئمة عليهم السلام وقال محمد بن إبراهيم الوزير بعد أن ذكره : واحسب له متابعات لشهرة القول به .

 قال: والقول به لجماعة وافرة من أئمة العترة وأولادهم وأتباعهم وادعى بعضهم الإجماع , إنتهى .

 وقال السيد محمد بن إسماعيل الأمير في منحة الغفَّار: أنها سكنت نفسه إلى هذا الحديث بعد وجدان سنده وما عضده من دعوى الإجماع , أهـ .

وقد روي عن الناصر احمد بن يحيى الهادي أنه قال: ((الذي سمعنا من آبائنا صلوات الله عليهم أن صدقات آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تجوز لهم ولضعفائهم وفقرائهم ومساكينهم دون كل أحد , قال: وهو عندي كذلك)) وذكر في بعض نسخ الوافي عن أبي العباس (عليه السلام) أنه يجوز صدقات آل محمد صلوات الله عليه وعليهم بعضهم لبعض .

وذكر مثله عن زيد بن علي ومحمد بن يحيى الهادي عليهم السلام وحمله القاضي زيد على صدقات النفل وكلامهم يدل بحقيقته على خلاف حمله وهو جواز صرف زكاة بعضهم لبعض ومثله نص القاسم بن علي في كتاب التفريع , هذا مضمون كلام الأمير الحسين .

 وقال الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم بن محمد عليهم السلام: نعم وأما الذي نختاره فالجواز للأدلة المتقدمة ولإجماع العترة عليهم السلام وهم سفينة النجاة وأمان أهل الأرض وقرناء الكتاب روى إجماعهم على ذلك الناصر بن الهادي عليهم السلام رواه عنه الأمير الحسين (عليه السلام) في كتابيه الشفاء والتقرير وقال (عليه السلام) : أنه ذكر ذلك في جوابه للقاسم بن محمد القاضي الطبري.

 فقال ما لفظه: ((الذي سمعنا من آبائنا صلوات الله عليهم أن صدقات آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تجوز لهم ولضعفائهم وفقرائهم ومساكينهم دون كل أحد قال: وهو عندي كذلك فذكر لفظ آبائه عليهم السلام وهم الهادي والقاسم وقد أشار إليه الهادي (عليه السلام) في المجموع حيث قال : نبرأُ إلى الله ممن استحل العُشُر من آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , وقال : أنه حلال له من غير آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمفهوم هذا انه يحل من بعضهم لبعض , وقد رواه ابن أصفهان ونسبه إلى هذا الموضع ورواه أيضا صاحب حواشي الإفادة ونسبه إلى هذا الموضع وهو الظاهر من مذهب زيد بن علي والمرتضى بن الهادي وأبي العباس الحسني وهو مذهب الأمير الحسين ومذهب القاسم بن علي العياني وولده الحسين والإمام المطهر بن يحيى وولده محمد بن المطهر على جميعهم السلام.

 وقد روى الإمام المطهر إجماع العترة كما سبق وهو مذهب الإمامية قاطبة  انتهى كلام المؤيد بالله (عليه السلام) .

 وقال (عليه السلام) حاكياً لمذهب والده الإمام المنصور بالله  القاسم بن محمد (عليه السلام) وحاكياً للأدلة المخصصة : ((وأما مذهبه (عليه السلام) في جواز صرف زكاة بعض بني هاشم لبعض فكنا لا نزال نسأله ونراجعه (عليه السلام) في ذلك نحن وغيرنا وكان يقول ما معناه أمَّا الحجة على جواز صرف زكاة بني هاشم بعضهم في بعض فقد ذكر الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى (عليه السلام) في كتاب درة الغواص في أحكام الخلاص ما يكفي ويشفي قال فيها (عليه السلام) : انه إجماع العترة عليهم السلام وروى هو قدس الله روحه في كتابه الاعتصام بعض أدلة ذلك فمنها ما رواه من طريق الجامع الكافي بإسناده عن علي (عليه السلام) انه قال : نحن أهل البيت لا تحل لنا الصدقة إلا صدقة بعضنا على بعض, وروى من هذه الطريق أيضاً عن حجر الدري انه قال في صدقته صلى الله عليه أن يأكل أهله منها بالمعروف غير المنكر ثم قال محمد هذا الأثر مروي لرواية أبي جعفر (عليه السلام) عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تحل الصدقة لأهل محمد إلا صدقة الماء أو صدقة بعضهم على بعض وروى قدس الله روحه من طريق الأمير صلاح الدين متمم كتاب الشفاء روى سادات آل أبي طالب عن زين العابدين (عليه السلام) عن العباس بن عبدالمطلب أنه قال يارسول الله انك حرمت علينا صدقات الناس فهل يحل لنا صدقات بعضنا لبعض ؟ فقال : نعم .

وروى (عليه السلام) من طريق الحاكم في كتابه معرفة أصول الحديث , قال الحاكم حدثنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبدالله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أخي طاهر العقيقي حدثنا أبو محمد إسماعيل بن محمد بن اسحق بن جعفر بن محمد قال حدثني علي بن جعفر بن محمد عن الحسين بن زيد عن عمه عمر بن علي بن الحسين عن أبيه أن العباس بن عبدالمطلب قال يارسول الله انك حرمت علينا صدقات الناس فهل يحل لنا صدقة بعضنا لبعض ؟ فقال : نعم , إلى أن قال وروى (عليه السلام) من طريق المؤيد بالله (عليه السلام) بإسناده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه تصدق على أرامل بني عبدالمطلب , إنتهى .

وأقول: أن ما نقلناه عن الإمام القاسم (عليه السلام) من الروايات الصحيحة الصريحة مخصصة للعموم , والمختار جواز صرف الهاشمي زكاته لفقير هاشمي بل هي كما صرح به بعض أكابر أهل البيت عليهم السلام من أفضل القرب إلى الله تعالى نسأل الله تعالى أن يوفقنا ويشرح قلوبنا بأنوار الهداية وصلى الله على محمد وآله .

المسألة الثالثة: ما يقع من صدام السيارات الذي يقع به إتلاف نفوس هل هو خطأ فيجري فيه أحكام الخطأ من لزوم الدية على عاقلة القاتل ومن لزوم الكفارة ؟

إعلم أنه لا يتحقق البحث إلا بعد بيان جناية الخطأ ما هي : 

فنقول : هي ما وقع على أحد وجوه أربعة :

الأول: أن يقع بسبب من مكلف .

الثاني: أن تقع من غير مكلف كالصبي والمجنون وسواء وقعت منهما عمداً أم غير عمد مباشرا أم مسبباً فعمدهما خطأ في سقوط القود ولزوم الدية على العاقلة.

الثالث: أن تقع الجناية على المجني عليه من الجاني وهو غير قاصد لنحو المقتول بل قصد غيره فأصابه وسواء وقعت في هذا الوجه من مكلف أو غيره مباشرةً أو تسبيباً.

الرابع: أن يقتله بما مثله لا يقتل في العادة إلا أن يكون الجاني قاصدا للقتل ولو كان بما مثله لا يقتل في العادة فإنه عمد.

إذا عرفت ما ذكرنا فأقول: لا بُدَّ من ذكر مقدمة قبل إيضاح صور من الحوادث تنطبق على ما قدمناه من الوجوه الأربعة وبيان ذلك أن نقول أن السيارة لا تمشي ولا تتحرك إلا بفعل السائق من تشغيلها بالمفتاح ووضع نحو رجله على الآلة التي تمدُّ المحرك بالوقود , ليجري في الآلات لتحريك المحرك , وعمل يديه في مِقْوَدها ,لتعديل مسار سيرها نحو الجهة التي يريدها , فهو يحرك السيارة ويحولها يمنة ويسرة , وقدّاماً ووراءً , يقدم ويقهقر , ويسرع ويتريث , ويوقفها فهي طوعه كيفما أراد , وإن خرجت عن طوعه فخروجها بسببه وبفعله , فلا شك أنه إن اصطدم بشيء  فالفعل فعله سوا قلنا هو فعل مباشر أو متعدي , فإذا ثبتت هذه المقدمة , فإن قصد السائق قتل المقتول وتعمده فهو عمد يجرى عليه أحكام العمد , وإن لم يقصد المقتول ولا تعمده بل قصد صوب السكة فعرض له المصدوم فقتل بغير قصد فهو خطأ يجري عليه أحكام الخطأ ويدخل تحت الآية الكريمة : )وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمناً إلاّ خطأ ( [النساء – 92] ولست بصدد الاستدلال من السنة لإثبات الخطأ وأحكامه ولكنا نورد ما ورد في مثل صدام السيارتين من ذلك ما رواه في الجامع الكافي قال: وروى محمد بإسناده عن عمر بن على عن علي (عليه السلام) في سفينة صدمت سفينةً فيها طعام فأفسدته فضَمَّن علي (عليه السلام) أصحاب السفينة الصادمة , قال محمد حدثنا علي عن حميد عن حسن في سفينة غلبت أصحابها قال: من فيها ضامن لما أصابته بمنزلة الراكب على الدابة , وفي المجموع عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام أن فارسين اصطدما فمات أحدهما فقضى علي (عليه السلام) على الحي بدية الميت , وقول علي (عليه السلام) عند الهدوية حجة وأيضا فإنه لا مخالف له من الصحابة وإلا لنقل فإذا ثبت تضمين الفارس الحي للميت وضمان أهل السفينة الصادمة لما تلف في المصدومة فبالأولى أن يضمن سائق السيارة ما صدمته لأن الفرق بين سائق السيارة وراكب الدابة واضح جلي لأن راكب الدابة لا عمل له في سيرها لأنها هي التي تحدث سيرها بنفسها وبفعلها وليس للراكب فعل إلا حثها وتوجيهها إلى جهة مراده وكذلك السفينة سيرها وحركتها بالريح وليس لأهلها عمل في سيرها إلا توجيهها بالآلة وما يحصل بها من التعديل والتهيئة وأما سائق السيارة فلو لم يفتح السيارة بمفتاحها ويضع رجله أو نحوها على آلة التزويد بالوقود لَمَا تحركت ولا سارت , ولا شك أن انطلاق السيارة إذا فعل ما ذكرناه كانطلاق الرصاصة من البندق حين يضع واضع ما يحرك آلة البندق وهذا أمر مشاهد محسوس والمشاهدة من أقوى الدلالات ومن هاهنا قلنا انه إذا تعمد ذلك فله أحكام العمد وإن قصد الطريق وعرض له المصدوم ولم يقصده فهو من الخطأ من القسم الثالث المحكي سابقاً ويثبت فيه ما يثبت في قتل الخطأ من التفاصيل في الدية والكفارة .

ومن صور الخطأ أن يسوق سائق السيارة فينفك منها إطارٌ أو شيء من الآلات فتنقلب السيارة فيموت أحد ركابها وقد يموت السائق مع من هلك فهذه الصورة من قتل الخطأ لأن حركة السيارة بفعل السائق كما قررنا إذ لو لم يفعل ما ذكرناه لما تحركت السيارة وانفكاك إطارها أو شيء من آلاتها هي بحركة السيارة التي حركها السائق فهو فعل السائق إلا أنه فعل غير مباشر بل هو فعل متعد من فعل السائق فالسائق مسبب لا مباشر وفاعل السبب فاعل المسبب .

نزيده وضوحاً أن رجلاً لو رمى بحجر من شاهق فانقلب لسبب تلك الرمية أحجارٌ فأصابت إنساناً فهلك لضمنه رامي الحجر بلا إشكال .

مع أن السائق لو لم يفتح السيارة ويحركها لم ينفك منها إطار ولا غيره .

 وليست هذه الصورة كمن تردّى من أعلى دار رجل في أنه لا يلزم صاحب الدار شيء لان صاحب الدار ليس له فعل في تردي الرجل من داره أما السائق فهو المسبب لما حدث فافترقت الحال .

ومن الصور أن سائق السيارة لو مشى في طريقه وسواء كان سيره حثيثاً أو سار سيراً متوسطاً فأوقف السيارة فجأةً فتقلبت السيارة فهلك فيها هالك فهذه الصورة من قتل الخطأ لأن تقلب السيارة لسبب فعل السائق إذ لولا فعله لما انقلبت السيارة والحجة الحجة المتقدمة والتعليل التعليل ويظهر من كلام أئمة المذهب الهدوي ـ زاده الله علواً ـ أنهم لا يوجبون الكفارة إلا على المباشر فأما ما قتل لتسبيب فلا يوجبون الكفارة على المسبب ولم يظهر دليلهم على الفرق المذكور والذي يترجح لي أن الكفارة تجب في قتل الخطأ على المباشر والمسبب بدليل الآية ولم تفصل، فالسبب قد أوجب الدية فيوجب الكفارة، ولأنهما عن علة واحدة فيكون من قياس الدلالة استدلالاً بأحد موجبي العلم على الآخر.

هذا ما ظهر لي وفوق كل ذي علم عليم وقد كان يحسن البسط في تعاليل المسألة وتوضيح وتكثير الأمثلة والأقيسة إذ هي حرية بذلك لعموم البلوى بها ولكن حررنا ما تحصل بحسب الإمكان والله المستعان

أحكام المعاني تتبع الألفاظ

المسألة الرابعة: أحكام المعاني تتبع الألفاظ.

أقول: إن من القواعد والأصول التي أصلها أهل المذهب وحكاها الفقيه عبدالله دلامه في شذور الذهب بلفظ الإنشاءات تصح ولو جهل المنشئ حكمها وما يترتب عليها من الأحكام الشرعية لا موضوع الألفاظ فلا بد أن يعلمها .

وأصرح من هذا ما هو ملخص من حواشي شرح الأزهار ومن مجموع أهل ذمار وهو [قاعدة] لا يعتبر العلم بأحكام الألفاظ ويعتبر العلم بمعانيها لا إن جهل معانيها بالكلية كالساهي فيما نطق به أو سبقه لسانه والحاكي لكلام غيره فلا يقع شيء من ذلك كالأعجمي لو نطق بالطلاق أو بلفظ الإجازة وهو لا يعلم مدلولها فلا يقع ذلك , إنتهى , وهذا التقرير على كلام صاحب الأزهار أو إجازتها بلفظ أو فعل يفيد التقرير وان جهل حكمه .

وهذا القول هو مضمون كلامهم وقد قالوا الألفاظ قوالب المعاني ولانّ الفائدة من وضع الواضع للألفاظ هو الدلالة على المعنى فحينئذٍ تعين أن أحكام المعاني تابعة للألفاظ وفوق كل ذي علم عليم .

المجموعة الرابعة

تحتوي على مسائل متفرقة تتعلق بالإمامة

ومسائل حول النظريات والأفكار

هل الإمامة منصب إلهي

قال السائل:

بسم الله الرحمن الرحيم

(بعد أن حذفنا غرَّة كتابه وأتينا بالسؤال إذ هو المقصود )

هل الإمامة منصب إلهي أراده الله كما أراد النبوة ؟ وإذا كانت كذلك فلماذا لم تكن دلالة الإمامة كما كانت دلالة النبوة ؟ وإن لم تكن كالنبوة فلما جعلت من أصول الدين ؟

الجواب والله الهادي إلى الصواب:

أن أصول أصحابنا الزيدية تقضي بأن الإمامة منصب الهي إذ هي في منصب مخصوص جعلها الشارع فيه وحصرها وقصرها فيه وهو معنى الإرادة إذ الإرادة هي الخلق والأمر ...الخ .

أمَّا قول السائل: وإذا كانت كذلك فلماذا لم تكن دلالة الإمامة كما كانت دلالة النبوة ..الخ .

فنقول: أن كلام أئمتنا عليهم السلام قاض بأنها قطعية لا ظنية اجتهادية , وأدلتهم على ذلك معروفة ظاهرة غير خفية , منها إجماع الصحابة وذلك أنهم فزعوا إلى نصب من يقوم مقام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبادروا إلى ذلك وقدموه قبل مواراة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولو لم تكن واجبة لما قدموا ذلك الأمر ولا فزعوا إليه, فثبت إجماعهم والإجماع حجة قاطعة , ومنها أن إقامة الحدود إلى الإمام والتكليف بها مستمر إلى انقطاع التكليف , والتكليف بها ورد غير مشروط وقد قامت الأدلة على أن الإمام شرط في ذلك وتحصيل مالا يتم الواجب إلا به يجب كوجوبه , ومنها فريضة الجهاد ومعلوم ضرورة من دينه صلى الله عليه وآله وسلم أن الجهاد فرض واجب على الأمة وأن وجوبه لم يسقط بموته صلى الله عليه وآله وسلم وأن الإمام شرط في أدائه والقيام به وإقامة الإمام أمر ممكن للأمة فوجب إقامة الإمام لتأدية الواجب , إذا عرفت ذلك فقد قام الدليل واتضح السبيل ولا يلزم أن تكون دلائل الإمامة كدلائل النبوة من كل وجه لان أدلة الإمامة إذا كانت مفيدة للقطع فقد حصلت المماثلة في وجه وهو إفادة القطع وكذلك كل واجب .  

أما قول السائل: وإن لم تكن كالنبوة فلماذا جعلت الإمامة من أصول الدين .... الخ.

أقول: أن هناك مسائل كثيرة قطعية ولم يعدوها من أصول الدين فليست العلة في وضعها في أصول الدين كونها قطعية فقط إذ لو كانت هي العلة وحدها لعدوا كل مسألة دليلها قطعي منه وأدخلوها فيه ولكن العلة الواضحة هي أن الإمامة لما كانت خالفة النبوة أراد الأصوليون من أصحابنا رفع شأنها وإعلاء منارها وإنزالها من القلوب منزلة رفيعة وكما أن النبوة من فن الكلام  لأنها فعل من أفعال الله تعالى ذكرت في باب العدل, والإمامة لما كانت خالفة النبوة كما قلنا سابقا ذكرت في فن الأصول وذكرت في آخر الفن ويمكن أن يقال أن أصحابنا الزيدية لما جعلوا معرفة الإمام من الفروض اللازمة للأعيان وأنه لا يعذر عن معرفتها إنسان وضعوها في ذلك الفن تعظيماً لشأنها وتنويهاً لأمرها ولها نظير وهي مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المخوف فقد جعلوها من مسائل الفن وما سبب ذلك إلا التنويه بأمرها والتعظيم لقدرها ومسألة الإمامة لها خصوصية زائدة على مسائل الأمر بالمعروف لأنها خالفة النبوة ولعل عذر من قال أن الأولى بها فن الفقه هو أنها تدور بين علمي وعملي وليس ينبغي أن يعد من علم الكلام إلا ما كان علماً بالله تعالى وبصفاته وأفعاله وأحكام أفعاله ويمكن أن يعتذر لمن عدها من فن الفقه أن أحكام قتال البغاة مبحوث لها في فن الفقه ويحتاج إليها الفقيه ولما كانت كذلك لحقت به .

فهذا يمكن أن يكون هو العذر لمن قال أن الأولى بها فن الفروع مع أنه يعدها قطعية لا ظنية.

قال السائل: هل أجمع أهل البيت عليهم السلام على أن الإمامة قطعية ؟

أقول: أن من تأمل موضوعاتهم ونظر في سبب قيام كل إمام من أئمتهم عليهم السلام السابقين والمتأخرين واطلع على سيرهم وأخبارهم ومنشورات دعواتهم علم علماً قطعياً أن سبب قيام القائم تحتم الواجب عليه بل وصرح أكثرهم أنه إن أخل بالقيام أخل بفرض واجب وبعضهم يمتنع عن القيام حتى يلزمه العلماء بأن الفرض قد تحتم عليه بل وصرح أكثر مؤلفيهم بأنها قطعية وقد نقلنا إجماع الصحابة على وجوب نصب الإمام وذلك يفيد أنها قطعية والظاهر أنه إجماع أهل البيت .

أمَّا قول السائل: وإذا وجد أن جماعة من أهل البيت عليهم السلام قالوا بعدم قطعية الإمامة فكيف تفسرون ذلك؟

أقول: أن الظاهر من أقوال أهل البيت إطباقهم على أنها قطعية كما قدمنا فليتفضل السائل بتعريفنا بمن قال أنها ظنية.

 وأمَّا قول السائل: فكيف تفسرون ذلك ؟

فنقول: أنهم إن صح إجماعهم فقول من قال ذلك بعد إجماعهم لا يعتد بقوله وإن لم يصح الإجماع فلا مانع وليس ببعيد أن يختلف أحوال الناظرين في الأدلة فيرى بعضهم مثلاً أن الدلالة قطعية ويوصله نظره إلى برد اليقين , ومنهم من لم يوصله ذلك إلا إلى الظن والتخمين فمن قال إن مسائل الإمامة وشروطها ولواحقها قطعية فهذا أوصله نظره إلى العلم وطمأنينة النفس فيصدق فيما حكاه عن نفسه إذ ما يجده المرء من نفسه أقوى الأدلة ولا سبيل لنا إلى ذلك إلا إخباره عن نفسه وإذا فرض على كلام السائل أن هنالك منهم من يعتقد أنها ظنية حملناه على صدق ما أخبر عن نفسه لأنه أعرف بذلك ولأن الفهم منح آلهية , وقسم ربانية , والممقوت إنكار الحق عناداً ورده علواً واستكباراً .

والله الهادي إلى الصواب وإليه المرجع والمآب .

قال السائل: وإذا سلمنا بوجود الدليل على صحتها وإقامتها ففي من تكون؟

الجواب: أنها تكون في المنصب وهو علي والحسنان وأبنائهما عليهم السلام .

قال السائل: وما هو الدليل الصريح على صحتها فيمن هي فيهم ؟

الجواب: أمَّا أمير المؤمنين (عليه السلام) فأدلة كثيرة كآية الولاية وحديث الغدير وحديث المنزلة وغيرها وهي قطعيات كما ذلك محرر في مواضعه وأما الحسنان عليهما السلام فحديث (( الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا وأبوهما خير منهما )) وهذا الحديث مجمع على صحته ومتلقى بالقبول وأما أبناءهما فإجماع المسلمين على صحتها فيهم مع ما ورد من الآيات الكثيرة الدالة على فضلهم وعصمة جماعتهم والأحاديث الدالة على وجوب التمسك بهم وسرد ذلك مما يؤدي إلى التطويل .

وأمَّا الدليل على حصرها فيهم دون غيرهم , فإجماعهم على حصرها فيهم قبل حدوث مذهب الإمامية وكفى بذلك دليلاً.

وأمَّا الجواب على الفقرة الرابعة من السؤال: فقد كفانا نقل إجماعهم وفيه دليل على عدم جوازها في غيرهم .

أمَّا قول السائل: هل يعتبر إختلاف الأمة الإسلامية في مسألة معينة مثلاً الإمامة في قضية الحصر هل يعتبر إختلافهم في ذلك وعدم إتفاقهم على قول واحد دليل على بطلان أقوالهم ؟ وهل بطلان أقوالهم دليل على حصر الإمامة في أهل البيت عليهم السلام  من البطنين ؟

أقول: لعل السائل لحظ في سؤاله إلى ما قاله بعضهم أن العترة أو الأمة إذا افترقت في المسألة على قولين ثم ثبت بطلان قول أحدهما تعين الحق في القول الآخر وهذا القول على ما رتبناه قد احتج به بعضهم لأن العلة فيما رتبناه هو بطلان أحد القولين وليس بأخذٍ بأقل ما قيل فهو غير معتمد ودليل جوازها فيهم الإجماع من الأمة لأن من قال أنها جائزة في جميع الناس فهم خيار الناس ولبّهم ومن قال أنها في قريش فهم خيار قريش ومن قال بأنها في بني هاشم فهم خيار بني هاشم فثبت بهذا إجماع الأمة على جوازها فيهم وأما دليل الحصر فيهم فهو إجماعهم قبل حدوث مذهب الإمامية وإجماعهم حجة كما هو مقرر في مواضعه.

أمَّا قول السائل: كيف تفسرون ولاية عمر بن عبد العزيز في زمن الإمام زيد بن على (عليه السلام) ؟ ولماذا لم يقم الإمام زيد (عليه السلام) بمطالبة حقه في الإمامة من الخليفة عمر بن عبد العزيز مع كونه أعلم أهل زمانه فهو يعلم وجوب إقامة الإمامة ؟

نقول في الجواب: أن تلك الأحداث في ذلك الوقت الذي لم نشاهده حتى نعرف العذر عن كثب ولكن يقال أن للإمام زيد بن علي (عليه السلام) أسوة بمن تقدمه من أهل البيت عليهم السلام كأبيه زين العابدين والحسنين السبطين والوصي صلوات الله عليهم وهم الأحق بالإمامة والزعامة قطعاً ممن تولاها في عصورهم وأيضاً لعدم الناصر كما صرح به أمير المؤمنين (عليه السلام) وأيضاً فهم الأئمة الهداة وهم أعرف بما يجب عليهم وهذا عمر بن عبدالعزيز قد أثنى على سيرته غير واحد وقد قيل أنه أخذ حلاًّ من بعض كبراء أهل البيت يبرئه عند الله إن شاء الله لعلمه وعلم معاصريه من أهل البيت أنه لو سلم الأمر للإمام زيد أو لمن يصلح لها من أهل البيت لسارع الطغام إلى إفساد ذلك ولم يحصل ما حصل بولاية عمر بن عبدالعزيز من إظهار العدل ورد المظالم وإظهار رونق الإسلام , ولَمَّا وجد الإمام (عليه السلام) بعض الأعوان وبايعه كثير من أهل البلدان وظهر كفر الأحول الشيطان نصب الإمام نفسه وشراها من ربه وهو العالم الكبير والإمام الخطير فتوقفه في زمن هذا وقيامه في زمن هذا هو إتباع للدليل واقتفاء لنهج السبيل والله الهادي للصواب وإليه المرجع والمآب .

قال السائل: مِنَ المعلوم أن وظائف الإمام أربعة هي إقامة الحدود وجمع الأموال المستحقة طوعاً وكرهاً وحفظ بيضة المسلمين وهذا لا يفتقر في إقامته إلى نسب مخصوص من أهل البيت أو غيرهم وقد تم الغرض المقصود من ذلك.

أقول: أن هذا السؤال قد أورده بمعنى ما هنا الإمام المهدي (عليه السلام) في الغايات ونقله الإمام عز الدين (عليه السلام) في المعراج وذكر معناه بعض المتأخرين من أئمتنا عليهم السلام ونحن نجيب عن هذه الشبهة بأن نقول :

أن المنصب أمر اعتبره الشارع وبين موضعه فلا مجال ولا مساغ  للتساؤلات )لا يُسْأل عما يفعل وهم يسألون( [ الأنبياء – 23] , )وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ( [الأحزاب– 36] .

قال السائل: هل يصح قيام إمامين في زمن واحد أم لا ؟ فإن قلتم أنه يصح فلماذا قال المرتضى في مقدمة البحر صـ93ـ : أكثر الزيدية لا يصح إمامان في زمان ؟ وإن قلتم أنه لا يصح فهو يقول أيضاً : ويجوز في وقت واحد أن يوجد جماعة يصلحون للإمامة.

الجواب والله الموفق: أنَّ مذهب جمهور الزيدية والمعتزلة أنه لا يجوز قيام إمامين في وقت واحد وأجاز ذلك عباد بن سليمان ومحمد بن سليمان الكوفي وحكى ذلك صاحب الإبانة عن بعض السادة والعلماء وذهب الناصر وهو أحد قولي المؤيد بالله (عليه السلام) والجاحظ إلى جواز ذلك مع تباعد الديار وقطع سلاطين الجور بينهما حجة الأولين إجماع الصحابة فإن عمر لما قال سيفان في غمد لا يجتمعان أو لا يصلحان أجمع الصحابة على ذلك ولان جواز ذلك يؤدي إلى الاختلاف والفتن والحروب وهذا يعود على الغرض من الإمامة بالإبطال  واحتج الآخرون بالقياس على النبوة وأجاب الأولون بوجود الفارق بين النبوة والإمامة لان الأنبياء يتبعون الوحي وفي حق الأئمة قد انقطع فافترقت الحال ولا قياس مع وجود الفارق وهذا على سبيل الإشارة إلى الأدلة .

أما كلام المهدي (عليه السلام) فلا تدافع فيه لأنَّ الكلام الذي حكاه السائل أولاً هو في عدم جواز قيام إمامين وهو صحيح على قول جمهور الزيدية والكلام المحكي ثانياً هو في جواز وجود أكثر من صالح للقيام ولا شك أنه كلام صحيح فقد وجد والوجود فرع الصحه فقد تعاصر القاسم بن إبراهيم وأحمد بن عيسى بن زيد وعبدالله بن موسى عليهم السلام وغيرهم من فضلاء أهل البيت وكل واحد صالح للإمامة لإجتماع الشروط فيه وقد اجتمع الثلاثة في بيت وليهم محمد منصور فبايع الأخيران القاسم عليهم السلام والقصة مشهورة فلم يتدافع كلام الإمام المهدي (عليه السلام) فعلى السائل أن يتأمل .

هذا ونسأل الله اللطف والهداية والتوفيق , وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

: ((الأئمة من قريش ))

قال السائل: ما رأيكم في حديث: ((الأئمة من قريش )) هل هو غير صحيح ؟ فإن كان كذلك فلما احتج به الإمام المرتضى (عليه السلام) في مقدمة البحر صـ93ـ واحتجَّ به الإمام زيد    (عليه السلام) في كتاب تثبيت الإمامة صـ230ـ .

وإن قلتم صحيح فلماذا ضعفه جماعة من أهل البيت عليهم السلام منهم العلامة محمد المطهر قال : انه مختلق لا أصل له والإمام عزالدين بن الحسن (عليه السلام) والإمام القاسم بن محمد (عليه السلام) قال: هذا حديث غير صحيح والعلامة أحمد بن لقمان قال هذا الخبر غير صحيح بل هو كذب وافتراء على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والعلامة القاسمي قال هذا مختلق ولا أصل له ومنهم العلامة الحوثي محمد بن القاسم وآخرهم العلامة المجتهد بدر الدين الحوثي في كتابه كشف التغرير قال إنه وجد لتثبيت ملك بني أمية وعلل ذلك بقول عمر وعدم إنكار الصحابة عليه صـ35 , 36ـ ؟

الجواب والله الموفق: إنا نقول إن صح الخبر المذكور فهو آحادي لا تقوم به حجة في مسألة الإمامة لأنها قطعية لا يؤخذ فيها إلا بما هو معلوم مقطوع به على أنه مجمل يبينه قول الوصي (عليه السلام) : (( في هذا البطن من هاشم )) كما ذكره شيخنا الإمام الحجة مجدالدين بن محمد المؤيدي أسعده الله في الدارين وبه يرتفع الإشكال , وإن كان غير صحيح كما قاله من ذكره السائل كفينا المؤنة أما فنقلة السائل فليس تحتها طائل لان التصحيح ممن صححه يرجع إلى ما حصل لهم من الظن بصحة سنده وعدم الطعن في رجال إسناده وسلامة متنه من الشذوذ والعلة وهم مكلفون باجتهادهم ولا يلزمهم اجتهاد غيرهم وتصحيحهم له لا يعني أنهم لا يرون الحصر والقصر في البطنين لعدم نصهم على ذلك ولكونه مجمل بينه ما ذكره شيخنا أسعده الله كما تقدم وأما من ضعفه فقد بينوا وجه ذلك كما ذكره الإمام القاسم بن محمد (عليه السلام) في الأساس من قول عمر بمحضر الصحابة (( لو كان سالم ..... الخ )) ولم ينكره عليه أحد ويقوي ذلك ويعضده ما حكاه العلامة علي بن الحسين الزيدي صاحب المحيط بالإمامة بعد ذكره لهذا الحديث بقوله : إن هذا خبر واحد لا يصح التعلق به في الاعتقادات , مع ما بلغنا عن جماعة من أئمة الحديث أن هذا الخير موضوع على أن السائل رعاه الله وأرشده قد أكثر في سؤالاته هذه من القعقعة وهي منافية لطريقة الأدب , والله المستعان , فطرق الحق لائحة وأعلامه واضحة .

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم .

وما هو الإجماع عند أهل البيت وهل تحقق ؟

قال السائل: وما هو الإجماع عند أهل البيت عليهم السلام وهل تحقق ؟

الجواب والله الموفق: يُقال أن الإجماع في اللغة هو العزم والاتفاق وأما في الاصطلاح فحد إجماع الأمة هو إتفاق المجتهدين المؤمنين من الأمة في زمنٍ مَّا على أمرٍ مَّا , وأصحابنا لا يرون أن من شرطه إنقراض العصر ولا يشترطون أن لا يسبقه خلاف مستقر .

أما إجماع أهل البيت فهو إتفاق المجتهدين المؤمنين من العترة في زمنٍ مَّا على أمرٍ مَّا , وهذا واضح ولعل السائل إنما جعله رفواً لقوله : (( وهل تحقق )) فنقول أن المشهور عن أكثر الزيدية والجمهور أنه ممكن في كل وقت من دون تقييد بزمن وقد حكي عن المنصور بالله (عليه السلام) أنه وقع من الصحابة فقط , وحكي عن المؤيد بالله والإمام المنصور بالله والإمام يحيى بن حمزة  والأمير الحسين عليهم السلام (( أنه وقع من الأربعة الذين هم علي وفاطمة والحسنان )) هذا هو مرادهم كما حكاه شارح الفصول العلامة صلاح بن أحمد رحمه الله واحتج القائلون بوقوعه وإمكانه انه ممكن عقلاً وقد وقع واحتج المانعون بأن انتشار المجتهدين في البلدان والأقطار النائية يتعسر أو يتعذر معه معرفة أقوالهم ويتعذر نقلها وأجاب الأولون أن المنع في مقابلة الضرورة لانا نعلم من الصحابة والتابعين إجماعهم بتقديم المعلوم على المظنون والمقام لا يتسع بنقل دليل كل منهم , وجواب الآخر عن ذلك الدليل فليطلبها من أرادها

إذا خرج أحد أئمة أهل البيت عن الإجماع ؟

قال السائل: إذا خرج أحد أئمة أهل البيت عليهم السلام عن الإجماع هل ذلك خرق له أم لا ؟

الجواب والله الموفق: لا يخلو هذا الذي لم يقل بما أجمعوا عليه أن يكون من أهل عصرهم الذي أجمعوا فيه على ذلك الحكم أم لا إن كان من أهل عصرهم الذي إنعقد إجماعهم فيه وكان من المجتهدين لم ينعقد إجماعهم لخلافه لان المجمعين ليسوا كل الأمة إن كان في إجماع الأمة أو أهل البيت إن كان في إجماع أهل البيت وان كان متقدماً أو متأخراً عن عصر الإجماع أو ليس بمجتهد لم يعتبر بل قد انعقد الإجماع وصار حجة ولا عبرة بخلافه والله

المعتبر في إجماع مجتهدي الأمة أوالعترة

قال السائل: قال السيد صارم الدين الوزير في الفصول أئمتنا والجمهور المعتبر إجماع كل أهل العصر فإن خالف واحد أو اثنان فليس بإجماع صـ250ـ , ما رأيكم في ذلك ؟

الجواب والله الهادي: أنَّا قد قدَّمْنا في جواب السؤال السابق ما يمكن أن يعتمد هنا ولكن نزيده إيضاحاً وبياناً لكلام صاحب الفصول وهو أن الإجماع لا بد فيه من إجماع كل مجتهدي الأمة أو العترة فإن خالف واحد أو اثنان لم ينعقد إجماع المجمعين مع خلاف الواحد أو الاثنين لان المجمعين ليسوا كل الأمة والحجة على حجية الإجماع لم تقم إلا على إجماع كل الأمة أو كل العترة وهذا الكلام من السيد رحمه الله أشارة إلى خلاف ابن جرير الطبري وبعض البغدادية القائلين أن خلاف الواحد والاثنين لا يخرم الإجماع محتجين بحديث (( عليكم بالسواد الأعظم )) قالوا فدل على أن الصواب مع الأكثر قلنا في الرد عليهم إن الخبر آحادي إن صح والخبر الآحادي لا يجدي نفعاً في مسائل الأصول وقد مدح الله القلة وذم الكثرة في كتابه العزيز فلا حجة لهم والله الهادي .

 

قال السائل: ويقول أيضاً في الفصول وعند الأكثر ورواية عن القاسم ليس بحجة , أي إجماع العترة فما رأيكم؟

أقول في الجواب: أنَّ المصنفين من أئمتنا عليهم السلام وشيعتهم رضي الله عنهم ينقلون ويحكون عن الزيدية أن إجماع العترة حجه والرواية عن القاسم (عليه السلام) حكاها صاحب الفصول وحكى أنها مغمورة وقال السيد في شرحه أنها رواية مغمورة وحكى السيد في شرحه الحاكين لتلك المقالة وتأول كلام القاسم (عليه السلام) إن صح.

وأقول: الأصح والأظهر أنها غير صحيحة إذ لم يجزم ناقلوها بصحتها بل قالوا أنها مغمورة والله

ما حكم اجتهاد أبي بكر في فدك ؟

قال السائل: ما حكم اجتهاد أبي بكر في فدك ؟ ولماذا قال المرتضى إنه صحيح ولو كان باطلاً لنقضه علي (عليه السلام) ولو كان ظلماً لأنكره بنو هاشم والمسلمون ؟

أقول في الجواب: أنه قد كفانا في الجواب أئمة العترة وشيعتهم وأوضحوا هذه المسألة في مؤلفاتهم كالمنصور بالله والقاسم بن محمد والإمام الحسن بن بدر الدين والهادي بن إبراهيم وغيرهم من الأئمة والشيعة رضوان الله عليهم أما كلام الإمام يحيى بن حمزة والإمام المهدي عليهما السلام فقد أوضحا دليل قولهما واختيارهما لذلك وقد علق بعض السادة على كلام الإمام يحيى (عليه السلام) بقوله : (( إذا كان هذا كلام الأبناء فكيف بكلام الأعداء )) على أن المسألة لا يصح التقليد فيها ولكني أقول على الجملة أن فاطمة معصومة فهي لا تطلب ما ليس لها بحق لمكان العصمة فمن الأحق بالتخطئة ومع قول أبيها صلى الله عليه وآله وسلم : ((فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها)) ثم يقال أغَضِبَتْ فاطمة من الحق ! حاشاها فهي معصومة أم من الباطل , وتلك أمة قد خلت .

أما عدم إنكار الوصي (عليه السلام) فأما قبل الخلافة فقد حضر وشهد واستنكر كما في النهج وأما بعدها فحق له ولبنيه له أن يأخذه وأن يتركه والله الموفق .

هل إتباع الإمام واجب وفرض وما هو الدليل ؟

قال السائل: هل إتباع الإمام من أهل البيت عليهم السلام واجب وفرض وما هو الدليل ؟ إن قلتم نعم فلماذا الإمام القاسم يقول في الإرشاد (ولم يرد دليل على جواز إتباع فرد من العترة في غير طاعة الإمام فيما يترتب على صحة إمامته كالحدود والجمعة عند الاختلاف غير علي (عليه السلام) وذلك معلوم باستقراء الكتاب والسنة , إذا قلتم بأن قصد الإمام القاسم (عليه السلام) هو المسائل التي اختلف فيها , فهل يعني هذا أنه لا يجب إتباع أهل البيت عليهم السلام فيما اختلفوا فيه ومن الممكن إتباع غيرهم ؟

الجواب والله الموفق للصواب: أن طاعة الإمام الجامع للشروط واجبة لقوله تعالى:)أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم( [ النساء – 59] وغيرها من الآيات ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامه)) وحديث (( مَنْ سمع واعيتنا أهل البيت فلم يجبها أكبه الله على منخريه في نار جهنم)) وطاعته فيما يرفع إمامته ويقوي أمره كالبيعة إن طلبها وجمعة الإمام وجماعته والجهاد بين يديه وإعانته على أعماله إن طلب ذلك وموازرته ونصيحته والذب عنه وعلى الجملة كل ما يرجع إلى تشييد الامامه وأما إجتهادات الإمام فيما لم يكن راجعاً إلى الإمامة وتشييدها فليست بملزمة للرعية ولا نعلم قائلاً يقول بذلك إلا ما يحكى عن الإمام يحيى بن حمزة (عليه السلام) في بعض جواباته وتعليل كلام الجمهور واضح وهو أن قول المجتهد ليس بحجة على مجتهد مثله وأما العوام فإنما سبيلهم التقليد.

وإذا قلنا أن الأولى للعوام تقليد الحي فذلك واضح لأنه يمكن مراجعة الحي ومعرفة قوله وإذا رجع عن المسألة عرف المقلد رجوعه ولم نجعل ذلك واجباً .

فأمَّا ما لحظ إليه السائل من كلام الإمام القاسم (عليه السلام) فهو رحمه الله أورد كلاماً كثيراً في الإرشاد تحذيراً من الاختلاف وحثاً على الوفاق وعند تأمل كلامه (عليه السلام) فقد صرح بما قلنا من وجوب طاعة الإمام فيما يترتب على صحة إمامته وصرح بحجية كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) وهذا كلام في غاية القوه.

وأمَّا قول السائل: إذا قلتم ...... الخ , وقوله : فهل يعني ...... الخ .

 قلنا: قد أوضحنا أن كلام الإمام هو في سياق التحذير عن الاختلاف ولا يدل كلام الإمام على فنقلة السائل لا بتصريح ولا بإشارة ولا بمفهوم ومن أين يؤخذ من كلام الإمام ما لمّح إليه السائل والتحذير عن الاختلاف والحث على الاجتماع هو الذي صرحت به الآيات القرآنية وجاءت به السنة النبوية كما صرحت الأدلة بوجوب إتباع أهل البيت عليهم السلام الذين هم باب حِطّه والسفينة المنجية والأمان لأهل الأرض والثقل الأصغر قرناء الكتاب والله الهادي لكل صواب .

أمَّا ما أفرده السائل في أخريات المسائل وعنونه بالأسئلة الفكرية فقد رأيت الجواب عن بعض وأغضيت عن بعض لاعتبارات راجحة وأدمجت السؤال في الجواب وسيعرف ذلك أولوا الألباب فأقول:ـ

أن السياسة مهما كانت تحت نظام الأدلة تحريماً وتحليلاً فهي جائزة وشرعية وإن خالفت الأدلة وجب اجتنابها .

هل الزيدية تأثرت بالمعتزلة أو العكس ؟

وأمَّا هل الزيدية تأثرت بالمعتزلة أو العكس ؟

فاعلم: أن أهل البيت هم أهل السبق في المضمار وعلومهم شامخة المنار متلألئة الأنوار فمؤلفات قدمائهم معروفة مشهورة نقية واضحة سليمة ونقطع أنهم لم يتأثروا بشيء من أقوال الاعتزال وان اتفقوا في العدل والتوحيد والوعد والوعيد فذلك أن المعتزلة يدعون أن مذهبهم مسند إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) .

وأما من زمن القاضي جعفر رحمه الله فقد دخل اليمن كثير من كتب المعتزلة وتأثر بشيئ من تعليلاتهم من تأثر مع سلامة الجوهر غير أن الفريق الآخر مثل السيد نور الدين حميدان بن يحيى ومن

مسائل السائل حول النظريات والأفكار

أمَّا مسائل السائل حول النظريات والأفكار

فنقول: أن فكر آل محمد عليهم السلام في الأصول والفروع مهيع قويم ومنهج مستقيم قد خلصوه من الشوائب وخدموه بإيضاح الدلائل فتحصيل الحاصل محال فلم يبق إلا خدمته بالطبع والنشر والتدريس وإخلاص النيات والعمل الصالح وأن يكون الطالب قدوة في الصلاح والإصلاح ولين الجانب ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك , والدعاء إلى الله تعالى على بصيرة )اُدْعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة( [النحل – 125 ] وحسن المعاملة وحسن الاحتمال وتبصير الجاهل وتقويم المائل والصبر والأنآة وحسن الخلق والاقتداء بالصالحين والتمسك بهدي خاتم المرسلين والاهتداء بهدي الأئمة الهادين وترك المراء وقول الهراء وتطهير السرائر وإصلاح الضمائر بترك الحسد وترك ظن السوء وتجنب ما لا يعنيه وإصلاح نفسه والنظر في عيوبها والعمل بالعلم فالعلم الذي لا يعمل به كالكنـز الذي لا ينفق منه وتعلم السكينة والوقار فقد وردت في ذلك الآثار وترك الأغلوطات في المسائل فهو منهي عنها وعلى الجملة فطالب العلم طالب لميراث الأنبياء فيكون قدوة كما أنهم القدوة وهذا مني حرص على النصح فالدين النصيحة والعمل بالنيات والله عند لسان كل قائل وهذه الدنيا زائلة والعمر قصير ولقاء الله قريب فنسأل الله تعالى خاتمة مرضية.

ختم الله لنا بالحسنى فهو الجواد الكريم البر الرحيم , وصلى الله على محمد

المجموعة الخامسة

تحتوي على خمس مسائل تتعلق بأصول الدين

وهي:ـ

الأولى: ما هي مسائل أصول الدين؟

الثانية: هل الحق في مسائل أصول الدين واحد أم هو متعدد؟

الثالثة:هل يجوز الأخذ بالدليل الظني في مسائل أصول الدين أم لا؟

الرابعة: بِمَ تنعقد إمامة الإمام؟

الخامسة: ما الدليل القطعي على ما تنعقد به الإمامة؟

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

أستلهم من الله تعالى الصواب وأستعينه وهو المستعان في كل الأسباب , وأصلي وأسلم على من ختمت به الرسالات, وعلى آله الفاتحين لأبواب الهدايات, القامعين لأرباب الجهالات .

وبـعـد :

فإنَّها وردت إلينا الأسئلة الصنعانية , أوردها السائل طالباً للكشف والبيان وملتمساً لأدلة المختار بقواطع البرهان فامتثلت أمر الرحيم الرحمن , وأجبت بحصيلة ما عندي وبذلت في أجوبتها مبلغ جهدي على أنها مكشوفة الدلائل واضحة للمسئول والسائل , إن حصل من متأملها الإنصاف , وتجنب طريق الاعتساف , وكان القصد رضاء الرحمن , ودحر الشيطان , فأما من تعجرف وتنكب الطريق وتعسف واتبع هواه وجانب هداه فلو أتيته بكل آية ما استجاب )إنَّكَ لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ( [القصص– 56] , أمدَّ الله الجميع بمواد التوفيق لإصابة الحق , وصلى الله على سيدنا

ما هي مسائل أصول الدين؟

قال السائل أرشده الله: ما هي مسائل أصول الدين؟

أقول: إن أصول الدين هو العلم الذي يبحث فيه عن معرفة الله تعالى وعما يجب له من صفات الكمال وما يجب أن ينفى عنه من صفات النقص وما يتبع ذلك , وما يبحث فيه عن معرفة عدل الله سبحانه في أقواله وأفعاله وما يتبع ذلك , وما يبحث فيه عن وعد الله تعالى ووعيده وما يتبع ذلك

هل الحق في مسائل أصول الدين واحد أم هو متعدد؟

قال السائل أرشده الله: السؤال الثاني هل الحق في مسائل أصول الدين واحد أم هو متعدد ؟ وإذا كان واحداً فما حكم المخالف في الدنيا والآخرة؟

الجواب والله الموفق والهادي: الذي نختاره ما عليه جمهور الأئمة والأمة أن الحق واحد في المسائل القطعية ما كان منها عقلياًَ ضرورياًَ وما كان منها دليله نصاً قاطعاً وهذا قول أكثر الأمة من أهل العدل وغيرهم إذ لو لم نقل بوحدة الحق فيها لأدى إلى تصويب القولين المتناقضين كقول المشبه ونافي التشبيه والجبري والعدلي ولاشك أن أحد القولين مناف للحقيقة وللصواب فإن اعتقاد التشبيه واعتقاد نفيه لا بد أن يطابق أحدهما ما في نفس الأمر والآخر يخالفه ضرورة استحالة اجتماع النقيضين في حالة واحدة لمثل هذا وجب القول بوحدة الحق فمن عاند بعد وضوح الدلالة فهو آثم فإن خالف ما علم من الدين ضرورة فكافر أو أدى عناده وخلافه إلى تكذيب الله تعالى وتكذيب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فكذلك , لأن تكذيب الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم كفر بالإجماع , ولأن المعاند رَادٌ لما جاءت به الرسل فيكفر برده لذلك ومن تأول الشرائع بالسقوط فهو كذلك كافر وإن لم يعاند أو كان خطأهُ مما يؤدي إلى الجهل بالله تعالى  أو إلى إنكار رسله فيما بلغوه عن الله تعالى أو يؤدي إلى إنكار ما علم من الدين ضرورة فكافر أيضاً ومن تعمد وعاند وخالف في غير ما علم من الدين ضرورة ففاسق لتعمده مخالفة الحق بعد وضوحه ويستدل للجميع بقوله تعالى :)ومَنْ يشاققِ الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً( [النساء – 115] وغيرها من الآيات .

هل يجوز الأخذ بالدليل الظني في مسائل أصول الدين؟

قال السائل أرشده الله: السؤال الثالث هل يجوز الأخذ بالدليل الظني في مسائل أصول الدين أم لا ؟

الجواب والله الهادي للصواب: أن الدليل الظني لا يوصل إلا إلى الظن والمسائل الأصولية المطلوب فيها العلم ولأنّ الظانّ لا يأمن فيما يعتَقده أن يكون جهلاً والإقدام على مالا يأمن كونه جهلاً قبيح كالإقدام على الجهل ولان العمل بالظن مع إمكان العلم قبيح وللآيات الكريمة نحو قوله تعالى : )إنَّ الظن لا يغني من الحق شيئاً( [يونس – 36] وعاب وذم سبحانه وتعالى متبعي الظن فقال سبحانه : )إن يتبعون إلا الظن( [ الأنعام– 116] , وقال تعالى : )إنْ أنتم إلاَّ تخرصون( [ يونس – 66 , الأنعام - 116 ] , وأوجب اتباع العلم ونهى عن إتباع الظن فقال سبحانه: )ولا تَقْفُ ما ليس لك به علم إنَّ السمعَ والبصرَ والفؤادَ كل أولئك كان عنه مسؤلاً ( [ الإسراء – 36 ]  وذمَّ المقلدين في قوله تعالى: )إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب( [ البقرة – 166] وفي قوله تعالى: )إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم ...الآية( [الزخرف – 23], فبهذه الأدلة قطعنا على أن المسائل العلمية الأصولية لا يجوز الأخذ فيها إلا بالدليل القاطع وخصصنا مسائل الفروع بأدلة مخصصة للأدلة المذكورة , والله الموفق وصلى الله على محمد وآله .

بِمَ تنعقد إمامة الإمام؟

قال السائل أرشده الله: السؤال الرابع  بِمَ تنعقد إمامة الإمام ؟

والسؤال الخامس : إذا كانت الإمامة تنعقد بالقيام والدعوة فما هو الدليل على ذلك ؟ وهل هذا الدليل قطعي أم ظني ؟ ثم قال السائل :ولْيكنِ السؤال

هكذا : ما الدليل القطعي على ما تنعقد به الإمامة ؟

الجواب والله الموفق: أقول جمعت جواب هذين السؤالين لأنهما عبارة عن سؤال واحد فأقول: اعلم أن الطريق إلى انعقاد إمامة الإمام هي واحدة من أربع طرق لا غير :

الأولى للزيدية: أنَّ الطريق إلى انعقاد إمامة الإمام الأعظم هي الدعوة والخروج لمباينة الظلمة .

الثانية للإمامية : أنها هي النص على الإمام.

الثالثة للمعتزلة: أنها هي العقد والاختيار.

الرابعة للحشوية: أنها هي القهر والغلبة.

فهذه أقوال الأمة قد انحصرت في هذه الأربعة الأقوال وسبيلنا إلى تصحيح قولنا إبطال أقوال المخالفين ومتى بطلت أقوالهم تعين الحق فيما قلناه فنقول :

أما بطلان قول الإمامية فمن وجوه :

الأول: أن الإمامة مما تعم به البلوى علما فأما علي والحسنان عليهم السلام فقد ظهر النص عليهم وأما التسعة عند الإمامية فلو كان هنالك نص لظهر كظهور النص على علي أمير المؤمنين (عليه السلام) فلما لم يظهر للأمة نص عليهم بل انفردت الإمامية بدعوى النص علمنا بطلانه , وبهذه الطريقة علمنا بطلان قول البكريه.

 الثاني: أن المدعين للنص من الإمامية عند موت أحد أئمتهم يختلفون في الإمام بعده إختلافاً شديداً ويفترقون فرقاً فلو كان لهم نص صريح لما اختلفوا ولكان النص قاهراً للمخالف وخلافهم شهير في كتبهم لا يمكن دفعه ولا إنكاره.

الثالث: أن أئمتهم كالصادق وغيره مجمعون على القائم من الزيدية ومبايعون له ومتابعون ومقاتلون معه ولم يظهر خلاف إلا عند ظهور مذهبهم وهذا معلوم فقد استقر إجماع أهل البيت عليهم السلام على ذلك قبل ظهور مذهب الإمامية وظهوره في أوائل الدولة العباسية كما حققناه في القسم الأول من الفتاوى , وهذه الأوجه كافية في إبطال ما قالوه من النص.

أمَّا قول المعتزلة بالعقد والاختيار فهو باطل إذ لم يدل دليل على ذلك ومن فعل النصب أو العقد في بيعة أبي بكر ليس بمعصوم ولا قوله حجة وقد قال قائلهم : (كانت بيعة أبي بكر فلته ) فلا حجة في ذلك .

وأمَّا إبطال قول الحشوية: فهو واضح البطلان منهدم البنيان إذ الغلبة والقهر ليسا بطريق حق بل هو الظلم بعينه وفائدة قيام الإمام نفي الظلم فكيف يثبت نصب الإمام بما هو ظلم فهذا بيِّن واضح لمن أبصر واهتدى.

ونسأل الله الهداية والتوفيق إلى أقوم طريق وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله .

المجموعة السادسة

تحتوي  على

المسألة الأولى: الفرق بين الغفران والرحمة؟

المسألة الثانية: في الروح؟

المسألة الثالثة: ما هو اللطف؟

وتحتوي على مسائل أخرى متفرقة

الفرق بين الغفران والرحمة؟

بسم الله الرحمن الرحيم

سأل سائلٌ: عن الفَرْق بين الغفران والرحمة ؟

فاستلزم ذكر معنى كل واحد لغةً قال الجوهري  في الصحاح : الغفر التغطية والغفر الغفران , وقال : ويقال: استغفر الله لذنبه ومن ذنبه بمعنى فغفر له ذنبه مغفرةً وغفراناً واغتفر ذنبه مثله فهو غفور .

وفي لسان العرب المحيط: الغفور الغفار جل ثناؤه وهما من أبنية المبالغة ومعناهما الساتر لذنوب عباده المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم .

وأما الرحمة فقال الجوهري: الرحمة الرقة والتعطف والمرحمة مثله , وقد رحمته وترحمت عليه وتراحم القوم ورحم بعضهم بعضاً , والرحموت من الرحمة.

وقال ابن منظور في لسان العرب المحيط مادة رحم: الرحمة الرقة والتعطف والمرحمة مثله , وقد رحمته وترحمت عليه وتراحم القوم رحم بعضهم بعضاً والرحمة المغفرة وقوله تعالى في وصف القرآن الكريم: )هُدَىً ورحمةً لقومٍ يؤمنون ( [يوسف – 111 , النحل - 64] أي فصلناه هادياً وذا رحمة , وقوله تعالى: )ورحمةً للذين آمنوا منكم( [التوبة – 61] أي هو رحمة لأنه كان سبب إيمانهم , وقال أيضاً: )والله الرحمن الرحيم ( بنيت الصفة الأولى على فعلان لأن معناه الكثرة وذلك لأن رحمته وسعت كل شيء وهو أرحم الراحمين.

وأمَّا الرحيم: فإنما ذكر بعد الرحمن لأن الرحمن مقصور على الله عز وجل والرحيم قد يكون لغيره , وقال أيضاً : والرحمة في بني آدم عند العرب رقة القلب ورحمة الله عطفه وإحسانه ورزقه.

قال أبو حيان في البحر المحيط: الرحمن فعلان من الرحمة , وأصل بنائه من اللازم من المبالغة , وشَذَّ من المتعدي , و " أَلْ " فيه للغلبة كهي في الصعق , فهو وصف لم يستعمل في غير الله .... إلخ .

وقال: الرحيم فعيل مُحَوَّلٌ من فاعل للمبالغة وهو أحد الأمثلة.

وحيث قد تعرضنا لمعنى الرحمة في اللغة وأنها الرقة والتعطف في حق المخلوق فلنذكر معناها في حق الخالق جل وعلا فنقول : ذهب الجمهور إلى أنها في حق الله تعالى مجاز لأن الرحمة رقة في القلب كما قدمنا وذلك مستحيل عليه تبارك وتعالى فيراد لازمها وهو الإحسان والتفضل لأن الملك إذا تفضل على رعيته أصابهم بمعروفه وإحسانه فهو مجاز مرسل تبعي لأن التجوز فيهما تابع لأصلهما الذي هو الرحمة وقيل أن الرحمة إرادت الخير لمن أراد الله به الخير .

قال أبو السعود: الرحمة في اللغة رقة القلب ومنه الرحم لانعطافها على ما فيها والمراد هاهنا التفضل والإحسان أو إرادتهما بطريق إطلاق اسم المسبب بالنسبة إلينا على مسببه البعيد أو القريب .

وقال الإمام القاسم بن محمد (عليه السلام) : بل هما حقيقتان دينيتان وضعهما الشارع اسمين له تعالى كما في مؤمن وكافر إذ لو كانا مجازين لافتقرا إلى القرينة عند إطلاقهما عليه تعالى والمعلوم أنهما لا يفتقران فلما لم يفتقرا ثبت كونهما حقيقة فيه تعالى إما لغوية أو دينيه واللغوية ممنوعة لاستلزامها التشبيه فتعين كونهما حقيقة دينية وأجيب بأن القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي حاصلة وهي العقل والنقل.

أمَّا العقل: فلِقِيام الدليل أنه تعالى لا تحله الأعراض والرِّقَّة عرض.

وأما السمع: فقوله تعالى: )ليس كمثله شيء( [الشورى – 11] .

أمَّا الرحمن: فيختص الله تعالى به لقوله تعالى: )قُلِ ادْعُوا الله أو ادعوا الرحمن( [الإسراء– 110] فعادل الاسم الذي لا يشاركه فيه غيره وكونه مختصاً به تعالى هو المحكي عن أكثر العلماء كما قال القرطبي وأبو حيان : ولا أعلم خلافاً في ذلك وهو من الصفات الغالبة كالنجم وليس بعلم .

وأمَّا رحيم: فعند أئمتنا أنه تعالى مختص به مع الإطلاق وأما مع الإضافة فيجوز نحو زيد رحيم بأهله والذي عليه بعضهم أنهما ليسا بمترادفين فالرحمن أعم ولذا قالوا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا واختاره الزمخشري إذ زيادة البناء تدل على زيادة المعنى وروي عن ابن عباس أنه قال : هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر , وروي مرفوعاً : وأما الرحمن فالعاطف على البَرِّ والفاجر من خلقه وأما الرحيم فالرقيق بالمؤمنين خاصة.

 قال الخازن في تفسيره : ( وقيل هما بمعنى , مثل ندمان ونديم معناهما ذو الرحمة وإنما جمع بينهما للتأكيد) , وقال أيضاً : (وقيل الرحمن قيد معنى العموم , والرحيم قيد معنى الخصوص , فالرحمن بمعنى الرازق في الدنيا وهو على العموم لكافة الخلق المؤمن والكافر , والرحيم بمعنى الغفور الكافي للمؤمنين في الآخرة فهو على الخصوص , ولذا قيل رحمن الدنيا ورحيم الآخرة) وقال أيضاً : (وقيل الرحمن بكشف الكروب , والرحيم بغَفْر الذنوب) .

وقال أبو حيان في البحر: (الذي يظهر لي أن جهة المبالغة مختلفة فلذلك جمع بينهما فلا يكون من باب التوكيد فمبالغة فعلان مثل غضبان وسكران من باب الامتلاء والغلبة ومبالغة فعيل من حيث التكرار ومحال الرحمة ولذلك لا يتعدى فعلان ويتعدى فعيل).

قال بعض النُّقَّاد: أن حديث عائشة وابن صابط يدلان على أن معناهما واحد وهو الدلالة على شمول رحمته في الدنيا والآخرة , قال : والعموم على هذا باعتبار الأزمان لا الأشخاص.

 إذا عرفت ما تقدم ظهر الفرق بين المغفرة والرحمة لغة إذ الرحمة رقة القلب والمغفرة هي الستر , أما في المعنى فالرحمة تستلزم الستر والتغطية ألا ترى أن من رحمه الله وحكم له بالجنة فقد ستر ذنوبه التي تاب منها وغطاها وغفرها.

هذا ما ظهر لي و فوق كل ذي علم عليم , وصلى الله على سيدنا محمد وآله .

في الروح؟

مسألة في الروح

وسُئِلتَ عن الروح وعن الفرق بينه وبين النفس .

والجواب عن ذلك: بأن نقدم بحثاً في الروح ننقل ما وجدته من أقوال الأئمة الهداة من أهل البيت عليهم السلام وننقل ما وجدته من الكلام في الروح لغيرهم فأقول :

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : (الروح شيء أوجده الله  من ملكه وأودعه في ملكه وجعل له أجلاً معلوماً ورزقاً مقسوماً فإذا فرغ مالك عنده أخذ ماله عندك).

وقال القاسم بن إبراهيم (عليه السلام) في جواب مَنْ سأله عن الأرواح بعد مفارقتها الأبدان أحية أم ميتة : (أرواح المؤمنين إذا فارقت أبدانها في نعيم وكرامة وأرواح الظالمين إذا فارقت أبدانها في خزي وندامة حتى ترد الأرواح إلى أبدانها يوم البعث والقيامة فإذا جاء ذلك فهو التخليد والدوام الذي ليس له فناء ولا زوال) .

وقال الهادي (عليه السلام) في جواب مسائل الرازي: (وقلت كيف يميت البدن ولا يميت الروح وكلٌ سيموت فأما معنى خبر الله تعالى من إحياء الروح فإن ذلك بحكمة الله وفضله وما أراد من الزيادة في كرامة المؤمنين وأراد من بيان الزيادة في  عذاب الفاسقين فجعل الأرواح حية باقية إلى يوم الدين ليكون روح المؤمن بعد فناء بدنه بالبشارات والسرور والنعيم والحبور بما يسمعون من تبشير الملآئكة بالرضاء والرضوان من الواحد ذي الجلال والسلطان وما أعد من الخير العظيم والثواب الجسيم كل ذلك يتناهى إليه عمله ويصل إليه من ربه فهمه فيكون ذلك زيادة في ثوابه , ومبدأ ما يريد الله تعالى  من إكرامه حتى يكون يوم القيامة المذكور ثم ينفخ في الصور النفخة الأولى فيقع بهذه الروح من الموت ما يقع بغيره في ذلك اليوم فيموت ويفنى كما فني البدن أولاً وكذلك تدبير الله تعالى في إبقاء روح الكافر بعد هلاك بدنه لما في بقاء روحه عليه من الحسرة والبلاء مما يعاين ويوقن ويبلغه من أخبار الملائكة وذكرها بما أعد الله له من الجحيم والأغلال والسعير وشرب الحميم وما يصير إليه من العذاب الأليم فروحه في خزي وبلاء , وحسرات تدوم ولا تفنى , وحلول العويل به والشقاء , فيكون ذلك زيادة في عذابه وبلائه , ومقدمة لما أراد الله من إخزائه , حتى ينفخ في الصور فيحق بهذا الروح ما يحق بغيره من الفوت , ويواقعه ما وقع بجسمه من الموت , ثم ينفخ النفخة الثانية من بعد موت كل شيء وهلاك كل حي ما خلا الواحد الفرد الصمد المميت الذي لا يموت المحيي الذي لا يخشى من شيء فوتاً ولو كانت الأرواح تموت مع موت الأبدان لكان في ذلك فرج وراحة للكفار وغفلة وفرحة للأشرار و لكان ذلك غم وكآبة على المؤمنين ونقصاناً وتضعيفاً لسرور الصالحين) إنتهى كلامه (عليه السلام) .

وقال الناصر للحق الحسن بن علي  الأطروش (عليه السلام) في جواب سائل سأله : (ولا يُمتنع أن تكون الروح حيّّة درَّاكة) .

وحكى الإمام أحمد بن سليمان (عليه السلام) عن المؤيد بالله (عليه السلام) ما لفظه : (وقال المؤيد بالله (عليه السلام) في تعليق شرح الإفادة : والروح والهوى جسمان لطيفان والعقل عرض واختلف الناس في الروح فقيل يبقى بعد مفارقة الجسد حتى يفنى عند أزف القيامة كما قال الله تعالى : )كُلُّ مَنْ عليها فان( [الرحمن – 26] وقيل لا يكون حياً بعد مفارقة الجسد).

وقال الإمام الحسين بن القاسم بن علي العياني (عليه السلام) في جواب من سأله: (وسئلت عن العقل ما هو في ذاته ؟ وهو عرض ركبه الله تعالى  في قلوب المتعبدين وجعله حجة على المكلفين , والعقل والنفس ضدان وهما في القلوب متعلقان والجسم والروح لهما موضعان وأحقهما بحمل النفس والعقل والروح لأن العقل والنفس روحيان وهما في ذاتهما عرضان)) إلى قوله (عليه السلام) : (( ثم نقول من بعد أن الروح محل لهذه الأقسام لأنه جسم لا ندري ما هو من الأجسام لأن الروح ينتقل من الموضع إلى غيره وذلك بلطف الله وتدبيره ولا يجوز الانتقال إلا على الأجسام وما ركب الله من الأجرام) .

وقال الإمام المتــوكل على الرحمن أحمد بن سليمان (عليه السلام) في حقائق المعرفة: (اعلم أن الروح جسم لطيف يُجانس الهوى والدليل على أنه جسم أنه قائم بنفسه بل لا يعلم الحيوان ولا يقدر إلاّ به , ألا ترى أن الدواب تحمل الأثقال فإذا زايلها الروح لم تحمل أنفسها فضلاً عن حمل غيرها فصح انه جسم ولو كان عرضاً لضعف عن القيام بنفسه وعن الحمل لغيره) .

وقد قال الإمام القاسم (عليه السلام) في جواب مسائل سُئِلَ عنها: (وسألته عن الروح الذي يكون في الحيوان فقال : هو المتحرك الذي به يَحيى الحيوان ويذهب ويقبل ويدبر ويعرف وينكر وهو شيء لا يعرف بالعين وإنما يعرف بالدليل واليقين) انتهى كلامه (عليه السلام) .

وقال الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة (عليه السلام) في شرح الرسالة الناصحة للإخوان : (والروح هو النَّفَس المتردد في مخارق الحي عند أهل العلم واللغة ومنبعه من القلب وليس للإتساع في ذكره هاهنا وجه , وقد قال الإمام الهـادي إلى الحق يحيى بن الحسين صلوات الله عليه : (( وعلق في صدره قلباً وركب فيه لباً وجعله وعاءً للعقل الكامل وحصناً للروح الجايل )) انتهى كلام الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة (عليه السلام) .

وقال الإمام المهـدي أحمد بن يحيى المرتضى (عليه السلام) في دامغ الأوهام :(مسألة , واختلف الناس في الروح هل هو حي أم لا ؟

فقالت البصرية من المعتزلة أن الإنسان هو الحي والروح النَّفَس وليس بحي وإنما هو أجزاء مبثوثة يجذبها الحي ويدفعها في كل حين قيل والحكمة في ذلك أن الكبد فيها حرارة كليه فخلق الله الريه خفيفة لا تزال تضطرب على جهة المروحة على الكبد وهي إنما تضطرب وتتحرك بما يصل إليها من أجزاء الهوى التي ينجذب والنفس فيملأ مخاريقها .... الخ .

هذا ما ظفرت به من أقوال الأئمة الهداة وملخص مقالهم أنه جسم وصريح قول الهادي والقاسم والحسين بن القاسم والمؤيد بالله والإمام أحمد بن سليمان عليهم السلام أنه يبقى بعد موت الجسم أما ما ظفرت به من أقوال العامة والفلاسفة فسأحكيه وفي الحكاية عنهم ما يعرفه المطلع عليه من التباين والاختلاف فمنهم من قال هو جسم , ومنهم من يقول هو عرض , ومنهم من يقول ليس بجسم ولا عرض , ومنهم من يقول الروح هو الحياة وهي المعنى الذي يوجب صحة الإدراك وهذا قول بعض المعتزلة وغيرهم , ومنهم من قال غير ذلك .

والقائلون بأنَّه جسم اختلفوا على أقوال:

 أحدها: أنه الأجزاء اللطيفة المكنونة في البطن الأيسر من القلب النافذة في الشرايين المنبثة في أجزاء البدن.

 وثانيها: قال قوم الروح عبارة عن الأجزاء اللطيفة المكنونة في الدماغ الصالحة لقبول قوى الحس والحركة والحفظ والفكر والذكر النافذة من الدماغ في شظايا الأعصاب المنبثة في أقاصي البدن.

وثالثها: قال قوم الروح هو الدم فإنه إذا نزف الدم مات الحيوان ويريدون الدم أو ما يقوم مقامه من المائية التي تكون في بعض الحيوانات كالذباب وغيره.

ورابعها: أنَّ الروح التنفس في الهواء الذي يكون في مخارق الحيوان ووجهه أن الروح أصله ريح وهذا يناسب المراد ولأنه إذا انقطع النسم الذي يدخل أجواف الحيوانات هلكت , وقد أجيب على أهل هذا القول بأنه لا يسلم أن كل حيوان يحتاج إلى التنفس ولا يلزم من إحتياجه إليه أن يكون هو الروح فانه يحتاج إلى البنية والرطوبة ولم يقولوا هي الروح.

وخامسها: أنَّ الروح أجسام لطيفة حية لذاتها متشابكة في البدن سارية فيه سريان ماء الورد في الورد والنار في الفحم والدهن في السمسم فبسبب مشابكتها وسريانها يصير هذا الهيكل حياً والذوبان والإنحلال يتطرق إلى الهيكل دونها والموت إستخراج هذه الأجزاء اللطيفة من الهيكل وهذا القول لبعض الفلاسفة ولقوم من المسلمين منهم النظام وقال الواحدي عن ابن عباس : الروح إذا خرج من الإنسان مات الجسد وصار الروح صورة أخرى ينظر إلى الناس يبكونه ويغسلونه ولا يستطيع أن يتكلم لأن الجسد خرج والروح كان يصوت من جوفه كما أن الريح إذا دخلت في مكان ضيق سُمِعَ لها دوِيٌّ فإذا خرجت لم يسمع لها وكذلك أصوات المزامير وأرواح المؤمنين يجدون ريح الجنة وينظرون إليها وأرواح الكفار ينظرون إلى النار ويدركون عذابها حتى إذا نفخ في الصور ماتت الأرواح كلها ورفع العذاب عن الكفار فيما بين النفختين وذلك قوله تعالى: )كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إلاَّ وَجْهه( [القصص – 88] ثم تعاد.

ومَنْ قال بأنَّه جسم يحتج بنحو قوله تعالى: )الله يتوفى الأنفس حين موتها( [الزمر – 42] وبنحو )ونفخنا فيه من روحنا( [التحريم – 12] وبقولهم : قبض روح فلان , وهذا يدل على أنه جسم يقبض لا أنه عرض وبما جاء في بعض الأخبار من أنه : (( إذا قبض روح الميت وحمل على نَعْشه رفرف روحه فوق النعش)) , وبنحو ما جاء في الشهداء أن أرواحهم تأوي إلى قناديل خضر في الجنة , وكل هذا لا يصح في العرض لأن العرض لا يقوم بنفسه وهذا يدل على أن الأرواح باقية فهي قائمة بنفسها وقد رد بعضهم هذا القول بأنه يستلزم أن يكون الحي حياً لذاته ويؤدي إلى أن تكون الأجسام كلها حية وأكثر أهل هذه الأقوال يقولون النَفْسُ والروح معناهما واحد.

 وقال قوم من المعتزلة: النفس والروح والحياة أشياء متباينات مختلفة , فالنفس عبارة عن أجزاء الحي الأصلية التي توجه إليها الأمر والنهي والمدح والذم ويشار إليها بنحو ( أنت فعلت ) , والحياة عبارة عن المعنى الذي يصير به الحي حياً , والروح عبارة عن الريح والنَفَس الذي يتردد في مخارق الحي وهو جسم رقيق كذلك صح أن يقال: ( قبض روحه نفخ فيه الروح ) وهذا القول لابن متويه والحاكم.

وأمَّا القول بأنه ليس بجسم ولا عرض فهو لقوم من الفلاسفة والغزالي ومعمر من المعتزلة.

ويُروى عن أبي القاسم الكعبي قالوا : (الروح جوهر بسيط غير قابل للإنقسام وغير عرض وهو النَفْس أيضاً ) , وقد أجيب عليهم بأن كل جوهر أو جسم موجود فهو متحيز ويبطل بما بطل به قول النظام .

وأمَّا الواقفون فقالوا هذه الأقوال وغيرها باطلة لقول الله تعالى : )ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أُوْتيتم من العلم إلا قليلاً( [الإسراء – 85] وقد عُرِفَ من أقوال العامة التخبط والتقحم لما لم يدل عليه سمع ولا عقل وأن الوقف عند الآية هو اللآئق وإذا أبهم الله جل جلاله الروح على نبيه وصفيه صلى الله عليه وآله وسلم فما يحق لنا أن نقطع القول في ذلك لعدم الدلالة السمعية والعقلية.

وإذا قلنا أنه جسم وأنه باقٍ بعد موت الإنسان فهو لقيام الدلالة إلا أنها ليست قطعية لأن الآيات ليست صريحة في ذلك والأحاديث آحادية ولسنا مكلفين بمعرفة ذلك .

والقول بأن النَّفْسَ غير الروح هو الراجح .

هذا والله المسئول أن يوفقنا ويسددنا في الأفعال والأقوال , وأن يجعل أقوالنا وأعمالنا خالصةً لوجهه , وصلى الله على محمد وعلى آله .

ما هو اللطف؟

سؤال: ما هو اللطف ؟

الجواب وفقني الله وإياك لمعرفة الحق: أنَّ مسألة الألطاف من المسائل التي طول علماء الكلام مباحثها , وكثر فيها الأخذ والرد والجدال وفيها تقاسيم ومباحث سنشير إلى بعضها بعون الله تعالى , واعتمادي فيما حررته على الغايات للإمام المهدي (عليه السلام) وعلى المعراج للإمام عزالدين بن الحسن (عليه السلام) والمنهاج للقرشي وشرح البكري على المنهاج وعلى شرح مداعس على العقد الثمين وعلى مفتاح السعادة لخاتمة المحققين مولانا علي بن محمد العجري , وعلى الغياصة شرح الخلاصة وشرح الأصول الخمسة.

ثم إنَّا نقول: العلم بمسألة وجوب الألطاف أو عدم وجوبها فرض كفاية لأنه يخشى من الجهل بها أن يأتي الخصم بشبهة تؤدي إلى عقيدة فاسدة هكذا ذكره في مفتاح السعادة.

واللطف في اللغة: مشتق من اللطافة , وهي عبارة عن هيئة للمتحيز مخصوصة نقيضها الكثافة , ولما كان اللطيف من الأجسام يمكن دخوله المداخل الضيقة الصغيرة , ولا يمكن في الكثيف ذلك , شبهوا ما يقرِّب الإنسان من إدراك غرضه ونيل مقصوده باللطيف الذي يدخل حيث لا يدخل غيره من الأجسام الكثيفة , ومن ثم ورد في اللغة العربية : ألطف بالصبي وتلطف به , ومعنى التشبيه أن الإنسان يكون في إحتياله في تحصيل مقصوده كالجسم اللطيف الذي يداخل الجسم بسهولة من دون إخلال بالمدخول فيه وعليه قول الشاعر:

لو سـار ألف مدجج في حـاجة             ما نـالـها إلاَّ الـذي يتلطف

أي الذي يحتال في تحصيلها بسهولة كالجسم اللطيف الذي دخل في قلب مَنِ الحاجة إليه بلا مشقة , ولما كثر استعماله في هذا المجاز أعني ما قرب من نيل الغرض, وكان بعض الحوادث مما يقرب من فعل  ما كلف أو تركه بسهولة عليه سمى المتكلمون ذلك الحادث لطفاً مطابقةً للإستعمال اللغوي , وكما يسمى لطفاً فقد يسميه المتكلمون صلاحاً لأنه يحصل به صلاح الدين , وقد يسمى أصلح أي أصلح من مصالح الدنيا لتأديته إلى النعيم الابدي , فإذا عرفت أن ذلك معنى الألطاف فسنتكلم في مطالب:

الأول : في حد اللطف في الإصطلاح .

الثاني : في قسمته .

الثالث : في ذكر شروطه .

الرابع: في ذكر أدلة القائلين باللطف ونقض خصومهم لتلك الأدلة وأدلة القائلين أنّ معرفة الله شكر والطاعات شكر وبيان أنه يجوز الجمع بين القولين .

وقبل أن نتكلم على المطالب نقول: إن القول بـأنها داعية إلى الفعل أو الترك هو فرع على القول بالعدل فلا يناظر المجبرة فيها أي في إثباتها إذ هي ما يختار المكلف عنده الفعل أو الترك ,وهم لا يجعلون للعبد فعلا ولا تركا , لأن الأفعال عندهم من الله تعالى , وإذا بطل على زعمهم أن يكون العبد فاعلاً فلا معنى للطف في حقه , وإنما الكلام فيها بين العدلية فقط هل تجب أم لا ؟ هكذا في مفتاح السعادة والغايات وشرح البكري على

المطلب الأول

المطلب الأول

 في حقيقة اللطف إصطلاحاً

قال السيد مانكديم (عليه السلام) : (هو ما يختار المرء عنده الواجب، ويتجَّنب عنده القبيح، أو ما يكون عنده أقرب إلى اختيار الواجب أو ترك القبيح ) ، وليس بجامع لخروج اللطف في فعل المندوب وترك المكروه.

وقال القرشي: (هو ما يختار المكلف عنده الطاعة لأجله بعد التمكين أو يُقِّرب من اختيارها كذلك، والمفسدة ما يقابله، قلنا: ما يختار عنده الطاعة ليدخل لطف التوفيق، وهو الذي يختار عنده الفعل، ولطف العصمة، وهو الذي يختار المكلف عنده الترك، وكلاهما طاعة أعني الفعل والترك، وقلنا: لأجله احترازاً من أن يختار للإلجاء أو لمنفعة دنيوية، وقلنا: بعد التمكين احترازاً من أن يختار الطاعة عند مجرد التكليف، والآلة لا تكون لطفاً ولا مفسدة بل هما تمكين، وقلنا: أو يُقرِّب من اختيارهما ليدخل اللطف المطلق، وقلنا: كذلك لأجله بعد التمكين).

وحدَّه المهدي (عليه السلام) بقوله: (هو ما يدعو المكلف إلى فعل ما كُلف فعله أو ترك ما كلف تركه، أو إلى مجموعهما لأجل أنه كلف بذلك ما لم يبلغ حد الإلجاء، فدخل في القيد الأول اللطف الواجب والمندوب، وبالقيد الثاني اللطف في ترك القبيح والمكروه، وبالقيد الثالث ما كان لُطفاً في الفعل والترك معاً، وبالقيد الرابع خرج ما يدعو إلى ذلك وليس بلطف اصطلاحي وهو محبة الشرف والسمعة، فإنَّها وإن دعت إلى ما كُلِّف به، وهذا الداعي وإن كان لطفاً لغوياً فليس باصطلاحي، وإنما هو يدعو إلى فعل ما كلف به لأجل التكليف لا لغيره، وبالقيد الخامس خرج ما يدعو على جهة الإلجاء، ، وقال: إنَّه أحسن ما قيل فيه).

قال مولانا خاتمة المحققين في مفتاح السعادة: وقد اعترضه أي اعترض هذا الحد بعض المحققين بأنهم قد جعلوا اللطف من قبيل الدواعي وليس كذلك، لأن الدواعي هي الإعتقاد أو الظن بأن في الفعل جلب نفع ودفع ضرر، وهذه الدواعي تثبت مع الألفاظ أو عدمها، ألا ترى أنَّا نعلم أن لنا في الطاعة جَلْب نفع ودَفْع ضرر وإن لم تقع الألطاف التي هي الأمراض وسماع المواعظ وفعل الشرعيات، وكذلك معرفة الله تعالى فإنها لطف وليس هي الداعي، وإنما الداعي هو العلم بأن هذا الفعل مما يستحق عليه الثواب والعقاب، وأيضاً فإن الداعي لا بُدّ منه في كل ما كلفناه، ولهذا قالوا: لا بد أن يكون المكلف متردد الدواعي بخلاف اللطف فإنه يختص ببعض الأفعال، فثبت أن اللطف هو ما يُختار عنده سواء كان داعياً أم ألماً أم كلاماً أم صلاة أم غير ذلك مما لا يدعو.

وأُجيب بأنَّ هذا مؤاخذة بظاهر العبارة، لأنَّ المعلوم قطعاً أنهم لا يقولون بأنَّ الألطاف لا تكون إلاَّ من قبيل الدواعي التي هي الإعتقادات والظنون فقط، فإنهم لا يزالون ينصون على أن وجه حسن الآلام وغيرها كونها لطفاً، وإنما أرادوا بقولهم أن الألطاف تدعو أن الدواعي تنبعث معها وتحصل لأجلها ويقع الملطوف فيه عندها.

قلت: فعلى هذا معنى الحدين واحد . أهـ .

والحد شامل للطف التوفيق ، وهو الذي يُختار عنده الفعل، ولطف العصمة، وهو الذي يُختار عنده الترك، إذ الفعل والترك طاعة.

أمَّا شارح الخلاصة فقال: (وأمَّا اللطف فله حقيقتان لغوية واصطلاحية ، فحكى اللغوية: أنَّها ما قَرَّب من نيل المراد وإدراك المقصود ) , إلى أن قال : ( وأمَّا الإصطلاحية : فهي تنقسم إلى مطلق وتوفيق وعصمة، ولكل واحد حد على انفراده ، فحقيقة المطلق: هو ما يدعو المكلف إلى فعل ما كلف فعله أو ترك ما كلف تركه أو إلى مجموعهما أو إلى شيء من ذلك ما لم يبلغ به الحال حد الإلجاء، هذا ما ذكره أصحابنا في الإحتراز عن الملجأ ولا حاجة إلى الإحتراز عنه، لأن قولنا ملجأ يغني عن ذلك ، إذ التكليف لا يجامع الإلجاء ، وقولنا ما لم يبلغ الحال حد الإلجاء إحترازاً من مشاهدة المحتضر للملائكة، فإن ذلك وإن دعاه إلى فعل الطاعة لا يكون لطفاً لأنه ملجأ ) أهـ .

وقال شارح الخلاصة: ( اعلم أنَّ اللطف في التحقيق على ما ذكره المتكلمون هو العلم بالثواب والعقاب ، لأن ذلك الذي يدعو الخوف منه والرجاء به إلى فعل الطاعة واجتناب المعصية، وأمَّا مجرد المعرفة بالله وبصفاته وعدله من غير معرفة الثواب والعقاب فلا يثبت لشيء من ذلك حظ في اللطف ، إلى أن قال : فإذا ثبت ذلك فقد اختلف كلام قاضي القضاة فمرة ذكر ما ذكرناه، ومرة قال: العلم بالثواب والعقاب ، وإن كان لطفاً فما من شيء من العلوم الإلهية إلا وله حظ في الدعاء والصرف مع العلم بالثواب والعقاب )  أهـ.

وقد رأينا عدم التعرض لذكر بعض الإعتراضات والجوابات عنها.

المطلب الثاني

المطلب الثاني

في قسمة اللطف

فنقول: أنَّه ينقسم أولاً إلى لطف مطلق، وإلى لطف توفيق، وإلى لطف عصمة، أما اللطف المطلق: فقد ذكرناه فيما تقدم.

 وأما لطف التوفيق فحده شارح الخلاصة بقوله: (هو ما يفعل المكلف ما كلف فعله عنده لأجله ) وهو مأخوذ من الموافقة .

 وأما الإمام المهدي (عليه السلام) فقال في الغايات: (قالت العدلية جميعاً والتوفيق هو اللطف في الفعل ، وهو الذي تفعل عنده الطاعة لا محالة من دون إلجاء هذا معناه الإصطلاحي، وهو الوارد في عرف الشرع .

 وأما في أصل اللغة فالتوفيق: هو الموافقة بين الشيئين وهو اجتماع أجسامهما أو تماثلهما في الصورة ، واستعير للموافقة في المذاهب والأقوال تشبيهاً بموافقة الأبدان ، وهي اجتماعها أو تماثلها في الصورة ، وسمي اللطف في الفعل توفيقاً ، لأنه لما كان داعياً إليه صار كأنه جامع بين الفاعل والفعل فسمي توفيقاً ) ، وكان بعض الصالحين يقول التوفيق ما ذُكر في القرآن إلاَّ مرة.

قال المهدي (عليه السلام) : ولعله يعني قوله تعالى : )وما توفيقي إلاَّ بالله  [هود – 88]     (والْخِذلان مَنْعُ اللطف ممن لا يلتطف ) أهـ .

وحقيقة الخِذلان: ترك النُّصْرة مع القدرة عليها .

وأمَّا لطف العصمة فحده شارح الخلاصة بقوله: (والعصمة هو ما يترك المكلف ما كلف تركه عنده لأجله ، وهو في اللغة مأخوذ من عصام القربة ، لأنه يمنع الماء من الخروج ، ولطف العصمة كالمنع للمكلف من فعل المعصية ) أهـ.

وقال الإمام المهدي عليه السلام في الغايات: (قال أبو هاشم وأبو علي والقاضي عبد الجبار بن أحمد والعصمة هي اللطف الذي يترك لأجله المعصية لا محالة هذا في إصطلاح المتكلمين وفيه تشبيهٌ قوي بالوضع اللغوي ، لأن العصم في اللغة هو المنع من المحذور، فيقال عصمه من القتل ، ولا يقال عصمه من العطاء ولا من الخير، ومنه سمي عصام القربة عصاماً، لأنَّهُ يمنع محذوراً وهو ذهاب الماء منها ، ومن ثم سمي اللطف الذي لا تقع المعصية معه لا محالة عصمة لأنه في حكم المانع).

 وفي الأساس وشرحه: (وحقيقة العصمة في اللغة : المنع عن الوقوع في الأمر المخوف ، وفي الإصطلاح: ردُّ النفس عن تعمد المعصية أو تعمد ترك الطاعة مستمراً، أي يدوم ذلك حياته كلها ، وذلك لحصول اللطف والتنوير عند عروضهما أي عروض الطاعة والمعصية).

قالت المجبرة والرافضة: بل العصمة هي المنع من المعصية بخلق القدرة الموجبة للطاعة.

قال الإمام المهدي (عليه السلام) : (وهذا القول مبني على قاعدة فاسدة ، وهي أنَّ القدرة موجبة لمقدورها ولا تصلح للضدين وقد أفسدنا ذلك فيما مضى فلزم فساد ما بني عليه ) , قال (عليه السلام) : وتفسيرهم للعصمة هنا بالمنع أقرب إلى الوضع اللغوي ولكن البرهان العقلي يقتضي أنها ليست هنا منعاً حقيقياً، إذ لو كان المعصوم ممنوعاً من المعاصي منعاً حقيقياً لم يحسن مدحه على امتناعه منها، والمعلوم ضرورة حسن مدحه.

قلتُ: وإذا لم يحسن مدحه لم يكن مثاباً على فعل الطاعة ولا على ترك المعصية، ولهذا زاد بعضهم في الحد بعد قوله: لا محالة من دون إلجاء، وظهر بما بيناه من مذهب المجبرة أن العصمة هي المنع من المعصية بخلق القدرة ... إلخ, فبان فساد ما بناه بعض المجبرة من الفرق بين التوفيق واللطف.

وإذ قد ذكرنا العصمة فنذكر الخذلان :

قال في الأساس وشرحه: (حقيقته في اللغة: تَرْكُ العون والنصرة، وفي الإصطلاح: عَدْمُ تنوير القلب بزيادة في العقل الكافي في حسن التكليف تنويراً مثل تنوير قلوب المؤمنين ) أهـ .

وقال الإمام المهدي (عليه السلام) : (هو مَنْع اللطف ممن لا يلتطف، قال: وتسميته حينئذ لطفاً مجازاً إذ لا يلتطف به المخذول) .

قال شارح الأساس: (ومآل القولين واحد، ولا مانع من تسميته حينئذ لطفاً حقيقة وإن لم يفعل الملطوف فيه لأنه قد حصل معناه الحقيقي وهو التقريب، ولهذا قالوا: ومن كان له لطف وفعل له فإنه لا يجب أن يؤمن لأن اللطف ليس بموجب للملطوف فيه وإلا وجب أن يزيل الإختيار ويرفع التكليف ) أهـ .

واعلم: أن ما قرّب إلى القبيح لا يسمى في الإصطلاح لطفاً بل يسمى مفسدة.

القسمة الثانية: ينقسم إلى ما هو من فعل الله تعالى كالآلام، وإلى ما هو من فعل العبد كالصلاة، وإلى ما هو من فعل غيره وغير الله تعالى.

القسمة الثالثة: ينقسم إلى واجب وهو الذي من فعل الله سواء كان لطفاً في واجب أو مندوب، أو من فعلنا في واجب، وإلى مندوب وهو ما كان من فعلنا لطفاً في مندوب أو ترك مكروه

المطلب الثالث

المطلب الثالث

في شروطه

واللطف له شروطٌ عند القائلين به، قال في المنهاج للقرشي :

 منها: أنْ يكون ثابتاً، لأن الزائل لا يثبت عنده حظ التقريب، ولا يقع عنده اختيار.

 ومنها: أن يكون بينه وبين الملطوف فيه مناسبة وإلا لم يكن لطفاً فيه أولى من غيره، أو من أن لا يكون ولا كان أحدهما من أن يكون لطفاً والآخر أولى من العكس، ثم المناسبة تختلف فقد نعلمها جملة بأن نعلم بأن الله لا يفعل إلا ما هو صلاح، وقد نعلمها تفصيلاً كما نقوله في أن وجه كون المرض لطفاً هو أن يتذكر به آلام الآخرة، ومعرفة قدر نعم الله بالعافية والثواب وقلة الصبر على الآلام اليسيرة فيختار عند ذلك الطاعة، ومثله الغموم والخوف ونحو ذلك وكذلك الصلاة فإن الله عرفنا أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر وغير ذلك مما يمكن الإشارة إلى كونه لطفاً.

 ومنها: أن يكون المكلف متردد الدواعي فلا يخرجه عن كونه مختاراً ويُصيِّره في حكم الملجأ فيصير كمن يُخَوِّف غيره بالقتل إن لم يحضر طعامه فإن ذلك لا يكون لطفاً له في حضور طعامه، لأنه حينئذ يحضر للإلجاء لا لحسن الفعل ولا لوجوبه.

ومنها: أن يكون المكلف عالماً أو ظاناً باللطف وبالملطوف فيه وبالنسبة بينهما إما على جهة الجملة أو التفصيل، أو متمكِّناً من العلم أو الظن، وإنما اشترطنا ذلك ليثبت له حظ الدعاء أو التقريب.

 ومنها: أن يتقدَّم اللطف على الملطوف فيه بوقت واحد ليتأتى له حظ الدعاء ويمكن عنده الإختيار، وأمَّا تقديمه بأكثر من وقت إذا كان من فعل الله تعالى فقال أبو علي لا يجوز لأنه في حكم المنسي حال الحاجة، ويلزم مثله في فعل العبد، وقال أبو هاشم: يجوز بشرط أن لا يكون في حكم المنسي، وأن يكون في تقديمه فائدة زائدة كما قال مثله في تقديم الأمر بأزيد من وقت واحد، وهذا الخلاف إنما هو في ما يثبت وينتفي، وأما ما يستمر فالكلام في جواز تقديمه أظهر ولا فرق على الصحيح بين أن يتقدم على التكليف أو يتأخر إذا بقي إلى حال كونه لطفاً.

المطلب الرابع

المطلب الرابع

في ذكر أدلة القائلين باللطف , ونقض خصومهم لتلك الأدلة , وأدلة القائلين أن معرفة الله شكر , وأنّ الطاعات شكر، وبيان أنه يجوز الجمع بين القولين

اعلم: أنَّ بعض المعتزلة وهم جمهور البصرية قالوا يجب على الله ستة أشياء وهي: اللطف للملتطفين، والعوض للمؤلمين، والإنتصاف للمظلومين من الظالمين، وقبول توبة التائبين، والإثابة للمطيعين، والتمكين للمكلفين، فالثلاثة الأُوَل ليس الموجب لها إبتداء التكليف، والثلاثة الأخر يوجبها ابتداء التكليف، وبعضهم قال بل الواجب ثمانية الستة المذكورة، ونصرة المظلومين، وبعثة المستحقين.

وقال بشر بن المعتمر ومتابعوه: لا يجب على الله تعالى بعد التكليف إلا التمكين، وأما اللطف فهو تفضل منه تعالى إذا فعله وليس بواجب.

 قال أبو الحسين الخياط: وقد رجع بشر عن ذلك إلى مقالة الجمهور.

 وقيل: يفعله الله لا محالة وإن لم يجب لأن التكليف يقتضيه .

وقال بشر: أنه يجب على الله الأصلح.

وقال جعفر بن حرب وإحدى الروايتين عن أبي هاشم : إن استحق من الثواب مع

عدم اللطف أكثر مما يستحقه إذا كان معه لم يجب.

 وعن قاضي القضاة: أنه لا يجب إلا ما كان توفيقاً أو عصمة.

واعلم أنَّ البصرية قد فصّلوا القول فقالوا : ما كان من فعل الله تعالى فهو على ضربين:

 أحدهما: أن يتقدّم على التكليف أو يقارنه فهذا لا يجب لأن التكليف تفضل، فكذلك ما تقدمه أو قارنه.

قال الإمام عزالدين (عليه السلام) : أمَّا ما تقدمه فظاهر، وأما ما قارنه فلأنه إذا كان التكليف هو المقتضي لوجوب اللطف لم يقتض وجوبه إلا في الحالة الثانية من حصوله.

الضرب الثاني: أن يتأخّر عنه فهذا موضع الخلاف فقال الجمهور: إن اللطف واجب على الله في كلما كلفنا فعله أو تركه، سواء كان الملطوف فيه حتماً كالواجب والمحرم، أم لا كالمندوب والمكروه، وقد احتجّ مَنْ أوجب اللطف بحجج عقليه وهي:

الأولى: أن الغرض بالتكليف تعريض المكلف لمنافع الثواب، فإذا كان في مقدوره تعالى ما لو فعله بالمكلف لاختار الواجب واجتنب القبيح، فإذا كان كذلك فلا بُدّ أن يفعل به ذلك وإلا عاد على غرضه بالنقض وصار الحال فيه كالحال في أحدنا إذا أراد من بعض أصدقائه أن يجيب إلى طعام قد اتخذه له فإنه يجب عليه أن يدعوه إذا علم من حاله أنه لا يجيب إلا بدعائه وإلا عاد على غرضه الذي هو الإجابة بالنقض، ويصير اصطناعه للطعام عبثاً فكذلك هاهنا، وقد أورد على هذه الحجة اعتراضات وأسئلة فادحة أجاب عنها المحتجون بجوابات مطولة.

الحجة الثانية: قالوا اللطف جارٍ مجرى التمكين في إزاحة علة المكلف لاستوائهما في أن المكلف لا يختار الفعل إلا عندهما، فكما أن التمكين واجب لأجل التكليف فكذلك

اللطف، وقد أورد على هذه الحجة اعتراضات وسؤالات وضعفها بعض الأئمة عليهم السلام.

الحجة الثالثة: ذكرها أبو علي بأنه لو لم يجب اللطف لدل على أنه لم يُرد الطاعة من المكلف أو أراد منه المعصية، واعترضه أبو هاشم بأن الإرادة متقدمة على وقت اللطف أو مقارنة للتكليف فلا يدل عدم اللطف على زوال شيء قد ثبت وهو الإرادة ولا يقدح أيضاً في حسنها ولا يقتضي حصول ضدها بدلاً منها وصار كما يقول لو لم يثب الله المطيع لما توجه إلى الله تعالى الذم لأجل أن التكليف حسن لتكامل شرائط حسنه، فما تأخر عنه لا يؤثر في حسنه ولا قبحه.

قال الإمام عزالدين (عليه السلام) : واعلم أنَّ الذي أُورد على دليل أبي علي يرد مثله على دليل الجمهور في قولهم لو لم يلطف لكان ناقضاً للغرض بالتكليف، لأن معنى نقض الغرض إنكشاف عدم الإرادة للفعل المكلف به لتعريض المكلف إلى درجات لا تنال إلا به، وإن كان يظهر أن الجمهور جعلوا وَجْهَ وجوبه ألا ينتقض الغرض، وأبو علي جعل وجهه ألا ينكشف عدم الإرادة.

قال مولانا خاتمة المحققين علي بن محمد العجري رحمه الله قلت: وفي قوله (عليه السلام) : أن معنى نقض الغرض عدم الإرادة نظرٌ لما مرّ أنَّهم أرادوا بالغرض تعريض المكلف لمنافع، وأن الكلام مفروض مع استمرار الحال في الإرادة وبقاء الغرض بالتكليف، أي أنهم إنما أوجبوا اللطف لئلا ينتقض الغرض مع بقائه وبقاء الإرادة فلا يرد عليهم ما ورد على أبي علي , أهـ.

قال الْمُوجبون للطف: إنَّ السمع قد دلنا على أنَّ في الحوادث ما هو لطف وما هو مفسدة، وأن اللطفية والمفسدية لا اختيار للباري فيهما، أما الذي دل على ثبوت اللطف فمنه ما دل على أنه من فعل الله تعالى، ومنه ما دل على ما هو من فعلنا، فالأول قوله تعالى: )أوَلا يَرونَ أنَّهُمْ يُفْتَّنُوْنَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أو مَرَّتَيْنِ.. الآية ( [التوبة – 126] فأخبر تعالى أن غرضه بما يفتن به عباده الإمتحان بالخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس هو دعائهم إلى التوبة، والثاني الذي هو من فعلنا قوله تعالى: )أقِمِ الصلاةَ إنَّ الصلاةَ تنهى عَنِ الفَحْشاءِ والْمُنْكَرِ( [العنكبوت – 45] فأخبر أنَّ سببَ وجوب الصلاة ما فيها من اللطف، وهو الصرف عن الفحشاء والمنكر.

وأمَّا الذي يدل على أن في المحدثات ما هو مفسدة للعباد فآيات منها قوله تعالى: )ولو بسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوا فِي الأرْضِ ([الشورى – 27] ، فأخبر أن في بسط الرزق لعباده مفسدة.

قال الإمام المهدي عليه السلام: فهذه أدلة واضحة على ثبوت الألطاف والمفاسد، وعلى أن اللطفية والمفسدية كالحسن والقبح غير واقعين على اختيار مختار، وكل ذلك يبطل ما زعم الخصم من أن في مقدور الله من الألطاف ما يصير به كل كافر مؤمناً وهو واضح , أهـ .

وظاهر نقل كثير من متأخري أصحابنا أنَّ العدلية يقولون بوجوب اللطف وليس كذلك، فإنَّ كلام الإمام القاسم بن محمد (عليه السلام) في الأساس وكلام شارحه ينبي بخلاف ذلك، ونقل الشارح عن الفقيه عبد الله العنسي أنه لا يجب على الله شيء.

 قال في الأساس وشرحه: ولنا حجّة ما مرّ أن الطاعات شكر، وأن الآلام تفضل لأنها عرض على الخير كأصل التكليف.

ثم نقول: قد بيَّنا أنَّ الله سبحانه متفضِّل بإيجاد الخلق وبتكليفهم، وبزيادة التكليف

 كالإمتحان بخلق إبليس وإمهاله، والتخلية بينه وبين مَن يضله، وزيادة الشهوة وتكليف الأمور الشاقة وكالقتال ونحوه كقتل النفس في زمان موسى صلوات الله عليه، وامتحان أهل القرية بخروج الصيد يوم السبت وغير ذلك من زيادة التكليف، وكل ذلك تفضُّل من الله سبحانه، لأنه عَرْضٌ على استكثار الخير وهو عدل حكيم، لأن فيه تمييز راسخ الإيمان من الملتبس به على جرف، وإذا كان كذلك فلا معنى لإيجاب الألطاف ولا غيرها على الله سبحانه، وأما التمكين فهو من تمام التكليف فلا يصح التكليف إلا مع التمكين، فلا يصح أن يقال يجب التكليف ولا يجب التمكين، فهو لما كان التكليف تفضلاً محضاً بالإتفاق فالتمكين تابع له، إلى قـوله: وأمَّا الثواب فهو مع كون الطاعات شكر لله تعالى كما مر، ومع كونه في مقابلة عمل يسير منقطع في الدنيا تفضل محض، إلى قـوله : وأما العقاب فهو حق له جل وعلا لا عليه، والمعنى أنه مصلحة راجعة إلى العباد وزجر لهم عن ارتكاب القبيح وكفران النعم , انتهى.

واعلم: أنَّ وجه قبح القبيح الشرعي عند أئمتنا عليهم السلام هو كونه كُفْراً لنعمة المنعم، وكُفْرُ النِّعمة قبيح عقلاً، بيانه أنَّ امتثال أمْر المنعم واجبٌ عقلاً لمكان نعمته، فامتثال أمره شكرٌ لنعمته، إذِ الشكر يكون باللسان والجنان والأركان، وإذا ثبت ذلك ثبت أنَّ تَرْكَ امتثال أمره كُفْرٌ، ومثل هذا وجه حسن الحسن الشرعي كالصلاة والصيام ونحوها هو كونه شكراً للمالك المنعم بامتثال أمره.

قال شارح الأساس: وإلى مثل هذا الذي ذكرناه في القبيح الشرعي والحسن الشرعي ذهب أبو القاسم البلخي وطائفة البغداديين حكاه عنهم القاضي عبد الله بن زيد العنسي في المحجة البيضاء.

قال: ويظهر كثيراً في كلام أصحابنا البصريين أن العبادات شكر لنعم الله، قال : وهو

 قول الطائفة الكثيرة من أهل البيت عليهم السلام , إلخ كلامه.

قلتُ: عَنى بكثير من البصريين أبا علي الجبائي وكثير من أتباعه.

ومعرفة الله جل جلاله وجبت عند الأئمة، لأن توجيه شكره على نعمه مترتب على معرفته فوجبت لوجوبه.

وقال الموجبون للطف: بل وجهُ وجوبها كونها لطفاً للمكلفين في القيام بما كلفوه أو جارية مجراه، قالوا : لأنَّ مَنْ عرف أنَّ له صانعاً يثيب مَنْ أطاعه، ويعاقب من عصاه كان أقرب إلى طاعته، وقالوا : إن الشكر إنما هو الإعتراف بنعمة المنعم على ضرب من الإجلال والتعظيم فقط من غير عمل، وإذا فعل ذلك فقد شكر، وليست الصلاة ونحوها من هذا الإعتراف في شيء فلا يبقى لها وجه وجوب سوى أنها لطف في واجبات عقلية، لأنه قد بانَ بالعقل أن ما دعى إلى واجب وحث عليه من فعل المكلف وجب عليه، لأنه يجري مجرى الوصلة إليه.

قال أئمتنا عليهم السلام: القائلون بأن الطاعات شكر قال تعالى: )اعْمَلُوا آلَ دَاودَ شُكْراً( [سبأ – 13] ، فنصَّ سبحانه على أنَّ الطاعة شكرٌ له جل وعلا على نعمه، وقال: )فاذْكُرُونِي أذْكُرْكُمْ واشْكُرُوا لِي ولا تَكْفُرُون( [البقرة – 152] ، واحتجوا بإجماع أهل اللغة أن الشكر هو قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان، أي بالجوارح في مقابلة النعمة، فأنت خبيرٌ بأنَّ كل فريق قد احتج بحجج عقلية وحجج نقلية، ونحن إذ حررنا ما حررناه لنا تفصيل وجمع وتلفيق.

والذي تحصَّل لي بعد طول النظر وإعمال الأدلة: أنَّ القول بأن الطاعات لطف ، وأن معرفة الله لطف لا ينافي قول أئمتنا والبغدادية بأنها شكر، بل الجمع ممكن بأن نقول الطاعات لطف تذود الفاعل لها عن فعل المعاصي كما قال الله تعالى: )ومَنْ يَتَّق اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * ويَرْزَقْهُ مَنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ([الطلاق – 2 , 3] ، )ومَنْ يَتقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أمْرِهِ يُسْرَاً(  [الطلاق – 4] ، )إنْ تتقوا اللهَ يَجْعَلْ لَكم فُرْقَانَاً ( [الأنفال – 29] ، وما ذلك المخرج ولا ذلك اليسر ولا ذلك الفرقان إلا ما تسميه البصرية لطفاً، ونسميه نحن توفيقاً وتنويراً وزيادة في البصيرة، ولا يمتنع مع هذا أن تكون تلك الطاعة شكراً لله تعالى على نعمه التي هي أصول وفروع، وأيُّ منافاة أو مضادة في الجمع بين اللطفية والشكر، مع أن أئمتنا عليهم السلام والبغدادية وكل من قال بأنها شكر لم ينفوا كونها لطفاً، وكذلك مَن صرَّح من البصرية ومتابعيهم بأنها لطف لم ينفوا كونها شكراً، ومع عدم التضاد والمانع جاز القول بالجمع وهو أولى، وتعليل الحكم بعلتين  أقوى من تعليله بعلة واحدة، مع أني حضرت درس مولانا وشيخنا الإمام الحجة مجدالدين بن محمد المؤيدي أسعده الله في الينابيع في وجوب معرفة إرسال الرسل لكونها لطفاً، فراجعت مولانا بأنه ممكن أن تكون لطفاً في حال كونها لبيان تأدية شكر الله تعالى فاستحسن هذا وقرَّره ولم ينكره، ولم يبق إلا أنَّ إطلاق الوجوب على الله تعالى لا يحسن لإيهامه، أن يكون مكلفاً كلفه ذلك، وإن كنا نقول أن ما يفعله جل وعلا من المصالح الدينية والدنيوية يفعله قطعاً لاقتضاء الحكمة لذلك وهو معنى الوجوب، وقد جرى ذكر الوجوب في كلام أكثر الأئمة عليهم السلام وهو متأول على هذا الذي ذكرناه لاقتضاء الحكمة له كقول الهادي عليهم السلام في البالغ المدرك وجب على قود الحكمة ..إلخ .

أمَّا قول البصرية: أنَّ الشكر إنما هو الإعتراف فيمكن تمشيته بأن نقول الواجبات تنقسم

القسم الأول

القسم الأول

 ما يحكم العقل بوجوبه وتحتُّمه على المكلف الْمُنْعم عليه، ولا يبيح العقل إسقاطه في حال من الأحوال، وذلك ما يتعلق بفعل القلب فقط، وهو معرفة المنعم والإعتراف له بأنه منعم فيحكم العقل بلزوم اعتقاد حصول

القسم الثاني

القسم الثاني

 يحكم العقل بوجوبه ولزوم فعله أو تركه، واعتقاد ثبوته في نفسه وعدم جواز جحده بالقلب، وذلك ما يتعلّق بفعل الجارحة كردِّ الوديعة وقضاء الدين والشكر باللسان، ويبيح العقل بعض ما ينكره القلب مع إكراه ظالم أو معارضة مفسدة كما إذا كانت الوديعة لعاقل ثم جن، فإنه لا يحسن ردُّها إليه بل إلى وليه، فهذا يجوز عند الإكراه أو الضرورة الملجئة أو معارضة المفسدة بالفعل أو الترك فهذا القسم والقسم الأول هما اللذان نعبر عنهما بالواجبات

القسم الثالث

القسم الثالث

 مالا يحكم العقل فيه بلزوم فعل ولا ترك، وإنما يحكم فيه حكماً عاماً، وهو لزوم امتثال ما أمر به أو نهى عنه المالك المنعم، وإباحة ما سكت عنه، وهو جميع الأفعال الخارجة عن القسمين الأولين وعما لا يتمان إلا به، وهذا هو الذي ينقسم إلى الأحكام الخمسة الشرعية ويطرأ عليه النسخ بحسب المصلحة، ولا يهتدي العقل فيه إلى حكم معين أو مصلحة في فعله أو مفسدة في تركه إلا بواسطة الرسل صلوات الله عليهم، فما أمروا به وجب وعلمنا أن المصلحة في فعله والمفسدة في تركه، وما أرشدوا إلى فعله من دون وعيد على تركه علمنا ندبيته، وأن المصلحة في ندبيته، والمفسدة في خلافها، وما نهوا عنه علم تحريمه، وأن المصلحة في تركه، والمفسدة في فعله، وما أرشدوا إلى تركه من دون وعيد على فعله علمنا كراهته وأن المصلحة في كراهيته، والمفسدة في خلافها، وما سكتوا عنه علمنا أن المصلحة في إباحته، والمفسدة في خلافها، إذا عرفت ذلك فجميع ما ذكرناه في الأقسام الثلاثة والإنقسامات في القسم الثاني يكون معرفة الجميع، وفعل ما وجب أو ندب لأجل أمر الشارع به، وترك ما نهى عنه أو أرشد إلى تركه لأجل نهي الشارع عنه شكر لله، والمخالفة له تعالى بتغيير أي حكم منها أو ترك ما وجب من الشرعيات قطعاً، أو فعل ما حرم منها قطعاً يكون كفراً لكنه يُقَيد في ترك الواجب وفعل المحرم بكفر النعمة، وكذلك الواجب والمحرم في القسم الثاني ما لم يكن عن استحلال فيكون كفراً بلا قيد ، أو عن إكراه ونحوه فلا أيهما ولا إثم، ومن هنا يظهر مرادنا بحمل قول البصرية أن الشكر هو الإعتراف على السلامة وعدم الخطأ بأن مرادهم أن الشكر العقلي ليس إلا الإعتراف بالمنعم والنعمة، فمرادهم قبل ورود الشرائع لأن العقل لا يهتدي إلى شيء منها، فلو قالوا: أنَّها شكر واجبٌ أعني الإعتقاد بالجنان والقول باللسان والعمل بالجوارح للزم التكليف بما لا يُعلم، فاقتصروا على قولهم الشكر هو الإعتراف يعنون الذي وجب بالعقل هو الإعتراف، ويظهر أنَّ مراد مَنْ قال أن الطاعات شكر أن فعلها بعد الأمر بها شكر، وقبل الأمر بها يحكم العقل أن يوطن نفسه على تأدية الشكر حين تبلغه الرسل كيف يشكر، ولأنَّ من المعلوم أن من اقتصر على الإعتراف بعد ورود الشرع بالأوامر والنواهي أنه غير شاكر بل كافر، ويدل على ذلك قوله: )أفبِالباطِلِ يُؤمِنُوْنَ وبِنِعْمةِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُوْنَ ([العنكبوت– 67] ، فلو كان الإعتراف كافٍ لَما وصفهم بالكفر مع قوله تعالى: )ولأنْ سَألْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ( [الزخرف – 87] ، وإلا لقال: أفبالله أو الأنبياء أو الشرائع هم يكفرون .

وبهذا الكلام ينتهي خوضنا في هذه المسألة ونسأل الله التوفيق والتسديد والعصمة

وصلى الله على محمد وآله.

سؤال : حديث : (( من قال قبل موته لا إله إلا الله دخل الجنة)) ([1]) رواه الهادي عليه السلام, هل هو مطلق غير مقيد بالتوبة ؟ فإن كان مقيداً بالتائب فلو لم يقل لا إله إلا الله ؟ وإن كان بغير توبة فهذا مشكل؟

الجواب والله الهادي: إن هذا الحديث وأمثاله مقيد بالتائب للأدلة الكثيرة كتاباً وسنةً أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولو لم تكن مقيدة بتلك الأدلة لأدى إلى محالات منها أنه يستلزم كذب الصادق لأن إخلاف الوعيد توأم الكذب بل هو الكذب بعينه والجمع بين الأدلة واجب وحجج الله لا تتناقض وأدلة الوعيد قطعية وهذه الأحاديث آحادية ولأن الإطلاق والتقييد هنا في حكم واحد فوجب حمل المطلق على المقيد.

 وما أفاده السائل حفظه الله بقوله: فإن كان مقيداً بالتائب فلو لم يقل لا إله إلا الله ؟

أقول نحن نلتزم هذا ونقول: أن التائب إذا مات مغافصة ولم يكن آخر كلامه لا إله إلا الله أنه إلى الجنة , وأي محذور في ذلك مع أن الخبر المحكي هو على جهة الإخبار وليس هو على طريقة الحصر والقصر مع أنا نقول أن خبر الصادق المصدق صلوات الله عليه وآله قد يحمل على أن المؤمن التائب يحصل له من الألطاف والتوفيق مع الموت ما يجعله يكرر لا إله إلا الله وعكسه في الشقي بأن يسلب التوفيق وتحيط به سيئاته فيحصل له من الخذلان ما ينسى به كلمة التوحيد وليس ذلك ببعيد.

نسأل الله الهداية والتوفيق لما فيه نجاتنا من النار , بحقه لا حق عليه .

***



([1]

سؤال: ورد في حديث سبب تسمية فاطمة عليها السلام أن الله فطمها وذريتها ومن أحبها من النار , وهذا قد روي من طرقٍ كثيرة تزيد على عشر طرق ؟

الجواب والله الموفق: أمَّا فاطمة الزهراء عليها السلام ومن ولدته بنفسها فلا شك ولا شبهة أنهم من أهل الجنة لكثرة الأدلة ولا نحتاج إلى إيرادها لكونها معلومة وليس الشأن إلا فيمن ينتسب إليها من ذريتها وفيهم المحسن والمسيء فلا بد من التقييد بالتائب المؤمن من ذريتها إذ لو أبقينا الحديث وما شابهه على إطلاقه للزم كذب الصادق كما قلنا في جواب السؤال السابق فيجب حمل المطلق على المقيد , وقد يمكن أن يقال أن لذريتها ومحبيها من الألطاف ما يفعلون لأجلها من التوبة الماحية لذنوبهم ويختم لهم بالتوبة ويحمل على نحو هذا ما ورد في الحديث : (( ما أحبنا أهل البيت رجل فزلت به قدم إلا ثبتته أخرى)) , وهذا لا ينافي قواعد العدل بل هو جارٍ عليها لان الغفران هو لأجل التوبة وهذا أسلم من الوجه الأول لأنه لا يرجع إلى ذلك إلا أذا لم يمكن فيه إلا ذلك وهنا قد أمكن بغير تعسف وإذا نظرنا إلى ما ورد في أهل البيت من التفضيل قرآناً وسنةً ونظرنا إلى ما ورد في الشيعة كان ذلك مقرباً إلى ما قلنا به من كثرة الألطاف والتنويرات القائدة لهم إلى الخاتمة المرضية , نسال الله تعالى خاتمة مرضية بتوبة تمحو درن الأوزار لنكون غداً في زمرة النبي المختار والآل الأطهار صلوات الله عليهم آمين آمين .

ما معنى قول الله تعالى (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه ...)

سؤال : ما معنى قول الله تعالى : )وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمتَ عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحقُّ أنْ تخشاه( [الأحزاب – 37] ؟

الجواب والله الموفق: أن هذه الآية سبب نزولها في قصة زينب بنت جحش أم المؤمنين وسأذكر الآية التي قبلها لترابط ذلك ولإيضاح ما هنالك قول الله تعالى : )وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى اللهُ ورسولُهُ أمْراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً( [الأحزاب – 36] , روي عن بن عباس ومجاهد وقتادة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطب زينب بنت جحش بن رباب وهي بنت عمته صلى الله عليه وآله وسلم لأن أمها أميمة بنت عبدالمطلب , لزيد بن حارثة وكان زيد مملوكاً لخديجة رحمها الله شراه لها حكيم بن حزام فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم اعتقه وتبناه فلما خطب زينب لزيد أبت وأبى أخوها عبدالله فنـزلت الآية فأنكحها صلى الله عليه وآله وسلم زيد بن حارثة , قوله تعالى : )وإذ تقول ( الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )للذي أنعم الله عليه( هو زيد بن حارثة أنعم الله عليه بالإسلام )وأنعمتَ عليه ( بالعتق , فجاء زيد فقال : يا رسول الله إني أريد أن أفارق صاحبتي , فقال : (( أرابك منها شيء ؟ )) قال : لا والله ولكنها تتكبر عليّ وتؤذيني بلسانها , فقال صلى الله عليه وآله وسلم : (( أمسك عليك زوجك )) , قيل هذا أمر إباحة وإرشاد لا أمر إيجاب وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما رءآها وقع في نفسه موقعاً فقال : (( سبحان مقلب القلوب )) , ففطن زيد لذلك فطلقها , فلما طلقها زوجها الله من رسوله صلى الله عليه وآله وسلم , وقوله تعالى: )واتق الله( قيل في معاشرتها , وقوله تعالى: )وتخفي في نفسك ما الله مبديه( [الأحزاب – 37] قيل أخفى صلى الله عليه وآله وسلم رغبته فيها لئلا يطلقها زيد لأجله , وقيل أخفى محبتها وقال له أمسكها , وقيل الخطاب لزيد أي تخفي طلاقها والله مبديه , وقوله تعالى :)وتخشى الناس( خاف قالة المنافقين بأنه تزوج زينب بعد زيد وهو مولاه , قال علي بن الحسين (عليه السلام) : قد كان أوحى الله تعالى إليه أن زيداً سيطلقها وانه يتزوجها بتزويج الله فلما شكى زيد خُلقها وأنها تؤذيه وأعلمه أنه يريد طلاقها , قال له أمسك عليك زوجك واتق الله على طريق الأدب والوصية وهو يعلم أنه سيطلقها فهذا الذي أخفى في نفسه وخشي رسول الله أن يلحقه قول من الناس والله أحق بالخشية في كل حال وإذ قد حررت هذا المقال واعتمدت فيه على كثير من التفاسير فتفسير أهل البيت أحق بالإيثار والركون إليه.

وإليك نص السيد العلامة عبدالله الشرفي رحمه الله في المصابيح:

قوله تعالى: )وما كان لمؤمن و لا مؤمنة( [الأحزاب – 36] ما صح لهم إذا قضى الله ورسوله أمراًً أي أراده واختاره وقضاء الرسول قضاء الله تعالى , والمعنى ما كان لهم إذا حكم الله حكماً ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون لهم الخيرة من أمرهم وإنما الواجب أن يجعلوا اختيارهم تبعاً لإختياره . قال في البرهان : وهذه الآية نزلت في شأن زينب بنت جحش حين خطبها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لزيد بن حارثة فامتنعت وامتنع أخوها عبدالله بن جحش لنسبها من قريش وأنهما ولدا عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمهما أميمة بنت عبدالمطلب , وقال إن زيداً بالأمس كان عبداً إلى أن نزل فيه قوله تعالى )اُدْعُوهم لآبائهم( [الأحزاب – 5] فقالت زينب أمري بيدك يا رسول الله فزوجها إياه ثم قال سبحانه : )ومَن يعص الله ورسوله( بخروجه عن الطاعة باختياره خلاف ما يختار )فقد ضلَّ( أي ذهب عن طريق الحق )ضلالاً مبيناً( أي ظاهراً , ثم قال الله تعالى: )وإذ تقول( أي وقد عفا عنك حين تقول )للذي( وهو زيد بن حارثة  )أنعم الله عليه( بالإسلام )وأنعمت عليه( بالعتق )أمسك عليك زوجك( يعني زينب بنت جحش , أي إلزم زوجتك يا زيد ولا تفارقها صبراً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنها مع ما دخل في قلبه من حبها وكان فيما روي قد دخل على زيد بن حارثة فواجهها ونظر عند ذلك منها منظراً بهجاً حتى شغل في ذلك الحين قلبه لأنه صلى الله عليه وآله وسلم بشر مركب على طباع البلوى ليظهر الله فضله عند صبره عن الهوى ثم رجع ولم يقف وخرج مسرعاً مجداً فقال زيد ما لرسول الله رجع منا ولم يدخل كما أراد إلينا ؟ فقالت : إني عجلت فقلت تقدم يا رسول الله قبل إنحرافي عن طريقه فلما رآني سبح الله ورد وجهه مسرعاً ففطن زيد رحمة الله عليه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد أعجب بها لعلمه بحسنها "يعني من قبل الحجاب " فطلقها فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بطلاقها وعرض له في أخذها , فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (( أمسك عليك زوجك واتق الله فيها ولا تطلقها )) وهو نهي لزيد وقال ابن زيد جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى باب زيد وعلى الباب ستر من شعر فرفعت الريح الستر فرأى زينب فوقعت في قلبه فقال سبحان الله مقلب القلوب وذلك أن نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت تجفو عنها قبل ذلك ولا تريدها وسمعت زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد ففطن وألقى الله في نفسه كراهة صحبتها والرغبة عنها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إني  أفارق صاحبتي , فقال : (( مالك ؟ أرابك منها شيء ؟ )) فقال : لا ولكنها تتعاظم عليّ لشرفها وتؤذيني , فقال : (( أمسك عليك زوجك واتق الله)) لا تطلقها , وقيل اتق الله ولا تذمها بالنسبة إلى الكبر وأذى الزوج , ثم قال تعالى: )وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس( من أن يقولوا اخذ زوجة الغير أو الإبن , وقال في البرهان : والذي أخفى في نفسه هو ما أعلمه الله من أنها تكون من أزواجه قبل أن يتزوجها وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خشي قالة الناس فكتم من أمرها ما اعلمه الله من أنه سيتزوج بها بعد طلاق زيد , انتهى.

 وقيل: لأنه خشي اليهود  أن يقولوا تزوج امرأة ابنه عن ابن عباس .

 وقيل: أنه خشي الناس أن يقولوا أمر رجلاً بطلاق امرأته ثم نكحها .

ثم قال تعالى: )والله أحق أن تخشاه( وتراقبه فيما أمرك به من زواجها وأطلعك عليه من حكمة ما غيبه عن غيرك ولما طلقها زيد وبانت عنه نزل قوله تعالى:) فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها( [الأحزاب – 37] قال الزجاج : الوطر كل حاجة لك فيها همة فإذا بلغها قيل قد قضى وطره , قال غيره : الوطر منتهى ما في النفس من الشيء , وقيل لم يبق له بها حاجة , والمعنى لما قضى منها حاجته وشهوته ونال منها محبته وإرادته زوجها الله نبيه وملكها بعد فراق زيد وليه .

قال في البرهان: وكان تزويجها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأمر الله

 تعالى للحكمة التي نذكرها ونشرحها لكيلا يتوهم الجاهل ويحسب الغر الغافل أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعته شهوة نفسه إلى نكاحها أو نظر إليها متعمداً لتحرم على زيد بعد نظره إليها حاشا لله ولرسوله مما يقول الجاهلون الضالون والله سبحانه أنزه وأعلى من أن يأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا بفعل يكون فيه حكمه باهرة ومصلحة في دينه وافرة والحكمة في ذلك أن الله تعالى أراد أن يُبطل بتزويج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زينب بنت جحش ما كان عليه أهل الجاهلية أن ابن التبني وابن الصلب حكمهما واحد وان حليلة الابن المناسب محرمة على أبيه وان حليلة ابن التبني محرمة ولذلك أنكر المشركون الجاحدون أن حليلة الابن لا تحل للأب وقد تزوجت بحليلة ابنك زيد فبين الله تعالى بقوله : )لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً ( [الأحزاب – 37] أي حليلة ابن التبني غير محرمة بخلاف ابن النسب ونفى الحرج عن أبا التبني إذا تزوجوا بحلائل أدعيائهم ولولا  فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من هذا التزويج بأمر من الله تعالى لما عرف هذا الحكم العظيم الخطير فسبحان الله الذي نزه رسله عن مقال الكاذبين وافتراء المبطلين , )وكان أمر الله مفعولاً ( يعني أمره عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مطاع بتزويج زينب بنت جحش بعد ما طلقها زيد للغرض الذي أوضحناه .

ولتمام الفائدة سنذكر في هذا الموضع تفسير الآيات الكريمة التي نزلت بهذا الصدد قول الله تعالى )ما كان على النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ( [الأحزاب – 38] أي من ضيق ولا مأثم فيما فرض الله له أي فيما احل الله له من تزويج زينب بنت جحش وأباح له من الوطء والنكاح لزوجة دعيه فبيّن الله عز وجل أن دعيه لا يكون ابنه ولكن وليه وغَذِيِّه )سُنة الله( في الأنبياء )في الذين خلوا من قبل( [الأحزاب – 38] أي بين الله ذلك سنة فيهم وهو أن لا يضيق عليهم في الإقدام على ما أباح لهم ووسع في باب النكاح وغيره , وقد كان لداود صلى الله عليه مائة زوجه وثلاثمائة سريه ولولده سليمان مائة مهيره وسبعمائة سريه قال في البرهان : والسنة الطريقة المعتادة أي ليس على الأنبياء حرج فيما أحله الله لهم كما احلّ لداوود المرأة التي سبق منه النظر إليها فتزوجها وزينب بنت جحش هي أول من مات من نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعده وأمرت أسماء بنت عميس لها بنعش فحملت فيه , أهـ .

ولما كان أمر الله وجميع أفعاله لا تكون إلا على مقتضى الحكمة والمصلحة , قال الله تعالى: )وكان أمر الله قدراً مقدوراً( [الأحزاب – 38] أي يقدر المصلحة على ما يرى في كل ما خلق أو حكم أو برأ لا يجاوز شيء من ذلك مقدار حده فيخرج من حد الصلاح إلى ضده ثم ذكر الأنبياء الماضين والثناء عليهم بقوله تعالى :)  الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله( [الأحزاب – 29] ولا يخشون قالة الناس فيما أحل الله لهم وفيه تعريض به صلى الله عليه وآله وسلم بعد التصريح بقوله :)وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ( , )وكفى بالله حسيباً(  [الأحزاب – 39] أي كافياً للمخاوف أو حافظاً لأعمال خلقه محاسباً على الصغيرة والكبيرة فيجب أن يكون حق الخشية من مثله ولما بين الله تعالى ما في تزويج النبي صلى الله عليه وآله وسلم لزينب بنت جحش من الحكمة والفوائد الجمة بَيَّن الله تعالى أنه كان خالياً من وجوه المفاسد فقال تعالى : )ما كان محمدٌ أبا أحد من رجالكم ( [الأحزاب – 40] .

 قال الهادي (عليه السلام) : كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد ربّى زيد بن حارثة وغذاه وتبناه كما كانوا يفعلون أولا وكانوا يسمونه قبل الإسلام زيد بن محمد وفي طرف من الإسلام حتى كان من أمر زينب بنت جحش امرأة زيد ما كان من تزويج الله لنبيه إياها فقالت قريش تزوج محمد امرأة ابنه فانزل الله تعالى في ذلك ما سمع بنفي أن يكون من رَبَّى إبناً ممن لم يلد ولم يولد ولم يرضع يثبت نسبه أو تحرم على المربي له زوجته وأمرهم بما أمرهم في الآية الأولى من أن يدعوهم لآبائهم فحرم الله عليهم أن يدعوهم إلى من يربيهم أو يتبناهم , أهـ.

قال في البرهان : وأكذبهم الله تعالى ونفى البنوة بينه وبين زيد بن حارثة وهذا خطاب خاص في زيد وليس بعام لأن الحسن والحسين عليهما السلام ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقوله تعالى :) فقُل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم( [آل عمران – 61] وكتاب الله سبحانه يعضد بعضه بعضاً , أهـ .

قلت "والقائل مصنف المصابيح" : وهذا يبطل شبهة قول من قال من أين يجوز إثبات بنوتهما من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والله عز وجل بقوله : ) ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ( [الأحزاب – 40] ويبطل قول هذا القائل أيضا لوجوه أخر ذكرها الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (عليه السلام) أحدها تظاهر النصوص من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  بدعائهما بالبنوّة وثانيهما إجماع الصحابة على نسبتهما بالبنوّة وثالثها إجماع العترة عليهم السلام على ذلك وقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  : (( كل بني أنثى ينتسبون إلى أبيهم إلا الحسن والحسين فهما ابناي وأنا أبوهما)) , وعادة أئمة الهدى من عندالله أمير المؤمنين فلان بن فلان بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغير مناكرة من الأمه ولا إنكار من بعضهم على بعض فأما قول الله تعالى : ) ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله ( [الأحزاب – 40] فذلك من قصة زيد بن حارثة كما قدمنا والخطاب لعامة المسلمين دون أهل البيت عليهم السلام وهما طفلان يوم نزول هذه الآية والطفل لا يطلق عليه اسم الرجل فظاهر الآية مستقيم فاعلم ذلك موفقاً , ثم قال : )ولكن رسول الله وخاتم النبيين ( [الأحزاب – 40] أي ولكن كان رسول الله وكل رسول أبو أمته فيما يرجع إلى حق التوقير والتعظيم وعيسى (عليه السلام) وإن نزل آخر الزمان فهو نبي قبله صلى الله عليه وآله وسلم ويعمل بشرع محمد صلى الله عليه وآله وسلم , أهـ .

قال أبو حيان في البحر المحيط في تفسير قوله تعالى: )ما كان محمد أبا أحد من رجالكم( [الأحزاب – 40] : ثم نفى تعالى كون رسوله أبا أحد من رجالكم بينه وبين من تبناه من حرمة الصهارة والنكاح ما يثبت بين الأب وولده هذا مقصود هذه الجملة وليس المقصود أنه لم يكن له ولد فيحتاج إلى الاحتجاج في أمر بنيه بأنهم كانوا ماتوا ولا في أمر الحسن والحسين بأنهما كانا طفلين وإضافته إلى ضمير المخاطبين تخرج من كان من بنيه لأنهم رجاله لا رجال المخاطبين , أهـ .

وقال الفقيه حميد الشهيد رحمه الله في كتاب محاسن الأزهار في بيان دلالة آية المباهلة:

وتدل الآية بصريحها من دون استنباط أن الحسن والحسين عليهما السلام ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهذا يقضي بفضوح النواصب الفجرة الذين يمنعون من نسبتهما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهل بعد بيان الله تعالى بيان أو أنور من برهانه برهان ؟ ولم تختلف الصحابة في زمنهما في وصفهما بأنهما ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد وردت في ذلك آثار كثيرة قد قدمنا طرفاً منها وقد روينا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (( كل بني أنثى ينتسبون إلى أبيهم إلا ابني فاطمة فأنا أبوهما وعصبتهما )) , وعن ابن بريدة عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب فرأى الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنـزل صلى الله عليه وآله وسلم من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال : (( صدق الله : ) إنما أموالكم و أولادكم فتنة( [التغابن – 15] نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت خطبتي ورفعتهما )) .

ورُوِيَ أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم رأى الحسن والحسين يمشيان فتهلل لهما ثم التفت إلى أصحابه فقال : أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض )) .

وهذه آثار شريفة تنطق بمثل ما نطق به القرآن , وأما ما تعلق به النواصب من قوله :   )ما كان محمد أبا أحَدٍ مِنْ رِجَالكم ( [الأحزاب – 40] فإنه لا دلالة فيه على ما راموه وذلك لأنَّ سبب نزول الآية ظاهر عند المفسرين ونقلة الآثار وهو أن مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيد بن حارثة كان ينتسب إليه على ما جرت به عادة أهل الجاهلية فيقال زيد بن محمد ولم يكن أباً شرعياً فوردت الآية الشريفة بالمنع من نسبته إليه , قال علماؤنا : وأيضاً فإنه تعالى قال: )ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ( [الأحزاب – 40] ولم يكن الحسن والحسين من الرجال حالة نزول الآية بل هما صبيان صغيران في ذلك الوقت فلم تكن الآية متناوله لما يرومه المخالف وبعد فإن الإجماع منعقد من الأمة على أن عيسى (عليه السلام) من ولد آدم ولا شبهة أنه إنما نسب إليه من قبل أمه وهي مريم عليها السلام فيجوز نسبة الحسنين إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لولادة ابنته فاطمة عليها السلام وقد ورد الكتاب الكريم بنظير ذلك قال الله تعالى: )تلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم * ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلاً هدينا ونوحاً هدينا من قبل ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهرون وكذلك نجزي المحسنين * وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين * وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً وكلا فضلنا على العالمين ( [الأنعام – 83"84"85"86] فانظر كيف نسب تعالى عيسى صلى الله عليه وسلم إلى نوح صلى الله عليه وسلم جعله من ذريته لأنه قال تعالى: )ونوحاً هدينا من قبل ومن ذريته داود ( فذكر من ذكر من الأنبياء عليهم السلام وذكر عيسى عليهم السلام عطفاً على ذرية نوح فهكذا يجب مثله في الحسن والحسين عليهما السلام أن تكون نسبتهما صحيحة إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقد احتج يحيى بن يعمر الفقيه حين طلب منه الحجاج أن يأتي بدليل من القرآن على أن الحسن والحسين ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم   فتلا عليه الآية الكريمة كما رواه جمع من المؤرخين .

وقد أجاب الإمام يحيى بن عبدالله بن الحسن عليهم السلام على الرشيد حين قال الرشيد : ( أأنا أقرب إلى رسول الله أم أنت ؟ فقال : لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حياً فخطب إليك ابنتك أكانت تحل له ؟ فقال : نعم , فقال (عليه السلام) : ولو خطب ابنتي أكانت تحل له ؟ فقال : لا ) , هذا معنى الرواية إذ لم يحظرني لفظها وقت التحرير .

ومن الحجة القاطعة على أن الحسن والحسين وأبنائهما أبناء رسول الله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم قوله تعالى: )قُلْ تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ( [آل عمران – 61] وأجمعت الأمة أنه لم يدع من الأنفس إلا علياً , ولا من النساء إلا فاطمة , ولا من الأبناء إلا الحسنين صلوات الله عليهم وسلامه , وما تواتر نقله , وعلم بالضرورة من دعائه للحسنين ابنيه , ودعائهما له صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم أباهما , ونحو قوله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم : (( كل ولد آدم فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فأنا أبوهم وعصبتهم )) , رواه إمام الأئمة الهادي إلى الحق (عليه السلام) , وأخرجه أحمد بن حنبل , والدارقطني , والطبراني , وعبدالعزيز الأخضر , وابن السمان عن عمر بن الخطاب عنه صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم , وأخرجه الطبراني والخطيب , وأبو يعلى عن فاطمة الزهراء عليها السلام , وما رواه الإمام علي بن الحسين الشامي في نهج الرشاد بسنده إلى الإمام المؤيد بالله وأبي طالب , وأبي العباس الحسني بسندهم إلى الإمام يحيى بن المرتضى عن عمه الناصر أحمد بن يحيى بن الحسين عن أبيه الهادي إلى الحق عن أبيه الحسين عن أبيه القاسم عن ابيه إبراهيم عن أبيه إسماعيل عن أبيه إبراهيم عن أبيه الحسن عن أبيه الحسن عن أبيه علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم أنه قال : (( كل بني أنثى ينتمون إلى أبيهم إلا إبني فاطمة فأنا أبوهما وعصبتهما )) .

وما رواه الإمام الأعظم في المجموع بسند آبائه عليهم السلام : (( لا تجوز شهادة ولد لوالده , ولا والد لولده , إلا الحسن والحسين فإن رسول الله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم شهد لهما بالجنة )) .

وأخرج نحوه ابن عساكر , والحاكم عن جابر , وعثمان ابن أبي شيبة عن فاطمة الزهراء عليها السلام وعن جابر .

وأخرج ابن المغازلي عن أبي أيوب عنه صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم : (( إن الله جعل نسل كل نبي من صلبه , وجعل نسلي من صلبك يا علي )) .

وروى الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة في الشافي : (( إن الله جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب )) , وأخرجه الطبراني وابن عدي والكنجي وابن المغازلي عن جابر والخطيب وأبو الخير القزويني , والكنجي عن ابن عباس , وصاحب كنوز المطالب عن العباس , وروى صاحب كنوز الأخبار علي بن محمد النوفلي عن صالح بن علي بن عطية الأصم بسنده إلى العباس قال : كنت عند رسول الله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم فدخل علي بن أبي طالب , وساق إلى أن قال النبي صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم : (( وإن ذريتي من بعدي من صلب هذا – يعني علياً - )) ذكره المسعودي في مروج الذهب عن جابر من حديث طويل بعد فتح خيبر قد تقدم .

وقوله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم في خبر فتح خيبر الطويل المتقدم : (( وإن ولدك ولدي)).

وأخرج ابن عساكر عن جابر عن النبي صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم : (( كل بني أنثى ينتمون إلى أبيهم إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وعصبتهم وهم عترتي )) ذكره الإمام عبد الله بن الحسن في الأنموذج .

وقوله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم : (( إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه وجعل ذريتي في صلب علي )) أخرجه المرشد بالله (عليه السلام) عن جابر .

وفي البخاري ومسلم خبر : (( إن جبريل (عليه السلام) قال : كل نسب وسبب ينقطع إلا نسبك وسببك )) قاله لرسول الله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم .

وفي البخاري عن أبي بكرة قال : سمعت رسول الله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم والحسن إلى جنبه وهو ينظر إليه يقول : (( إن ابني هذا سيد ... الخبر )) .

وأخرج أبو يعلى عن علي (عليه السلام) عنه صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم : (( لأرضينك , أنت أبو ولدي , تقاتل على سنتي ... الخبر )) .

وفي الأنموذج قوله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم : (( أنت أخي وأبو ولدي تقاتل على سنتي )) أخرجه أحمد وأبو يعلى من حديث علي (عليه السلام) , وأخرج أحمد من حديث زيد بن حارثة , وأخرج الدارقطني بمعناه من حديث عامر بن واثلة وعاصم بن ضمرة , وأخرج الترمذي من حديث أسامة إلى قوله : فإذا حسن وحسين على وركيه , فقال : (( هذان ابناي )) .

وأخرج أيضاً من حديث أنس بن مالك قال : سئل رسول الله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم أي أهلك أحب إليك ؟ قال : (( الحسن والحسين )) , وكان يقول لفاطمة : (( ادعي لي ابني)).

وأخرج أحمد والدولابي عن يعلى بن مرة قال : جاء الحسن والحسين إلى رسول الله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم , وساق إلى قوله : (( اللهم إني أحبهما فأحبهما , أيها الناس الولد مجبنة ... الخبر )) .

وأخرج ابن السري وصاحب الصفوة عن عبدالله قال : قال رسول الله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم : (( هذان ابناي )) يعني الحسن والحسين .

إلى غير ذلك مما لا يسعه المقام , وقد جمع ذلك المولى العلامة الحسن أيده الله تعالى في تخريج الشافي , وفيما تقدم كفاية , وقد أحاطت به مؤلفات العترة عليهم السلام وسائر الأمة , إنتهى ملخصاً من لوامع الأنوار (ج2) .

وقال مولانا الحجة الإمام مجد الدين بن محمد بن منصور أسعده الله في الجزء الثالث من اللوامع وفي الروض بعد أن ساق الأخبار الدالة على أبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لولد فاطمة عليهم السلام: قال بعض المحققين من العلماء ظاهر كلام أئمتنا أنه حقيقة وان حكمه في ذلك يخالف حكم غيره إلى قوله لان هذه خصوصية وتكرمة ثابتة بوحي خاص ويدل على كونها حقيقة قوله : (( وأنا عصبتهما )) قلت وفي ألفاظ الخبر الشريف (( إلا ابني فاطمة فأنا وليهم وعصبتهم )) أخرجه الطبراني في الكبير , و(( إلا ولد فاطمة فاني أنا أبوهم وعصبتهم )) أخرجه الخطيب في تاريخه , و (( ما خلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم )) أخرجه أبو نعيم في معرفة ألصحابه قال فلولا أنه أبٌ شرعاً لم يكن عصبة ولا لهما بذلك على سائر الناس مزية ولا تنافيه أبوة علي (عليه السلام) لهما وكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم جداً لهما فلكل مقام اعتبار يناسبه وقد كانا عليهما السلام في زمانه يدعوانه صلى الله عليه وآله وسلم ( يا أبه ) ويقول الحسن لعلي ( يا أبا الحسين ) والحسين يقول له ( يا أبا الحسن ) ولم يدعوانه ( يا أبه ) حتى توفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم هكذا نقل عمّن يوثق به .

قال النووي في كتاب تهذيب الأسماء واللغات وذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كناها أم أبيها وقال فيه ما ينوه بمقامها غاية التنويه إلى قوله : (( فحيث نزلها أكرم الخلائق من نفسه الكريمة منـزلة أكرم الخلق عليه فبخ بخ ثم بخ بخ )) .

وقد قال بعض الطلبة في هذه لطيفة حسنة وهي أن أولاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فاطمة باتفاق ويشهد له حديث (( كل بني أنثى .... الخ )) وإذا كانت فاطمة بمنـزلة الأم كان المختار صلى الله عليه وآله وسلم بمنـزلة الولد فيكون عقبها كما لو كانت أماً له صلى الله عليه وآله وسلم واعقبت منه فان أولاده حينئذٍ أولادها لا محالة , وهذه دقيقة جليلة يحظى بها الثقات ويقبلها من لم يرفع النصب أنوار قلبه والله أعلم .

***

قال بعض العلماء: إن قلت قد جمع الله تعالى لعلي (عليه السلام) الكرم بمشاركته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كل ظهر وبطن حتى افترقا في عبدالله وأبي طالب هلاّ كمل الله الفضيلة بجمعهما من ظهر عبدالله و بطن آمنة ليكون أشرف وأتم لما يريده الله من جعلهما كموسى وهرون ؟

ثم أجاب بأن الأمر كذلك لكن الحكيم سبحانه لما قضى بأن عقب المختار من ظهر علي وبطن فاطمة فرقهما ليتم التزويج ولله در هذا العالم .

وأما عدول يحيى بن يعمر في جوابه على الحجاج في كونهما من ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى دخولهما تحت عموم الآية في قوله تعالى : ) ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهرون وكذلك نجزي المحسنين * وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين ( [الأنعام –84"85] فللإقناع وقطع الحجة بما لا يقدر على دفعه , ولإقتراح الحجاج عليه جواباً من القرآن الكريم لأن أحاديث فضائل أهل البيت عليهم السلام في ذلك العصر لا يلتفت إليها ولا يطاق التظاهر بروايتها , إنتهى المراد بتصرف يسير , انتهى ما نقله مولانا وهذا الكلام في مقدمة الروض النضير بتمامه إلا أن مولانا أسعده الله أحسن اختصاره وترتيبه وفي الروض قبل هذا الكلام أدلة من السنة كثيرة تفيد أن الحسنين عليهما السلام ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمن أحب الإستكثار من الأدلة فعليه بذلك وبغيره من مؤلفات العترة الأطهار وشيعتهم الأخيار رضي الله عن الجميع ، وقد جعلت هذا الكلام النفيس ختاماً لجواب هذه المسألة , والله الهادي إلى كل صواب , وصلى الله على محمد وعلى آله آمـين .

المجموعة السابعة

تحتوي على قسمين

القسم الأول يحتوي على خمس مسائل

القسم الثاني

بيع السهام والإكتتاب فيها

القسم الأول

بسم الله الرحمن الرحيم

القسم الأول

وردت هذه السؤالات وطلب موردها الجواب عنها

 

المسألة الأولى: أفتى بعض علمائنا بجواز النمص إن كان تزيناً للزوج وحسن تبعل فرأيت فتيات ومتزوجات وأرامل ومطلقات ينمصن حواجبهن حتى لا تدع إلا خطاً لا يكاد يرى ثم ترسم عليه بالقلم الشكل الذي تريد , أهـ .

السؤال الثاني: أفتوا بالوصل والله أعلم , فوصلت النساء بشعور تبدو طبيعيه لا فرق بينها وبين شعر الواصلة في بعض الحالات تكشف شعرها أو يزيد في طوله.

 

السؤال الثالث: النساء اللواتي يعلقن تميمة من الحبة السوداء أو يعلقنها على مرضاهم وأطفالهم بحجة أنها تحمي من العين ومن الجان , ولا تكاد امرأة أن يخلو خمارها عن ذلك ثم أني سمعت ممَّن لا علم لهن أن طوق الحديد جائز فانه يحمي المواليد و النفساء وأني لأخشى أن يكون ذريعة لإعادة الشركيات فان صويحبات التمائم عجائز على قيد الحياة .

 

السؤال الرابع: يستشفي الناس عندنا بتراب قبر الهادي (عليه السلام) ويجلبون كميات كثيرة .

السؤال الخامس: يسافر بعض الرجال والنساء من نجران إلى اليمن لقصد زيارة قبور العلماء والدعاء عندها والأخذ من ترابها لقصد البركة والشفاء .

مسألة في جواز النمص

المسألة الأولى

 أفتى بعض علمائنا بجواز النمص إن كان تزيناً للزوج وحسن تبعل فرأيت فتيات ومتزوجات وأرامل ومطلقات ينمصن حواجبهن حتى لا تدع إلا خطاً لا يكاد يرى ثم ترسم عليه بالقلم الشكل الذي تريد , أهـ .

الجواب

اللهم إنا نستعينك فأعنا , ونستهديك فاهدنا , ونسألك أن تصلي وتسلم على محمد وآله.

أن النمص لغة هو إزالة شعر الوجه بالمنماص , ويقال أن النمص يختص بإزالة شعر الحاجبين لترقيقهما أو لتسويتهما , والنامصة هي التي تنقش الحاجب حتى ترقّه , وورد فيه حديث عبدالله بن مسعود عند الجماعة وحديث ابن عباس عند أبي داود وحديث عائشة عند النسائي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن الواصلة والمستوصلة والنامصة والمنتمصة والواشمة والمستوشمة والمتغلجات للحسن المغيرات خلق الله , أهـ .

ولعن الواشمة والواصلة فقط , متفق عليه من حديث أبي هريرة وهو عند الجماعة إلا الموطأ من حديث ابن عمر قال الترمذي قال نافع : الوشم في اللثة , وقال حسن صحيح.

قال المهدي (عليه السلام) في البحر : ويكره التفحل لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( لا  تدخل الجنة فحلة من النساء )) , ورفع الصوت ووصل شعرها بشعر ادمي لما فيه من التغرير والنمص لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : لعن الله النامصة ..... الخبر, وفي تخريج البحر لابن بهران عن ابن عباس : لعنت الواصلة والمتوصلة والنامصة والمستنمصة والواشمة والمستوشمة من غير داء , أخرجه أبو داوود هكذا موقوفاً.

وقال: الواصلة التي تصل الشعر بشعر النساء , والمستوصلة المعمول بها , والنامصة التي تنتف الحاجب حتى ترقه , والمتنمصة المعمول بها , والواشمة التي تجعل الخيلان في الوجه بكحل أو مداد , والمستوشمة المعمول بها , أهـ .

قال في البحر: والنامصة مزيلة الشعر من الوجه بالمنماص وهو الملقاط .

وقال في الأزهار وشرحه لابن مفتاح: (ويُحرم) على المرأة (النمص) , قال ص بالله (وهو نتف شعر العانة لأن المشروع حلقه إلا أن يحلق بالنوره ).

قلت: وكلام المنصور بالله (عليه السلام) في تفسير النمص ضعيف والقوي ما قدمنا في تفسيره نتف شعر الحاجب بالمنماص حتى يرق .

وقد تعقَّب كلام (ص بالله) صاحب الشرح فقال وفي غريب الحديث : النامصة التي تنتف الشعر من الوجه .

 قلت: وقد سئل الإمام عزالدين (عليه السلام) عن نمص الرجل شاربه ؟

فأجاب: فيه احتمالان أحدهما يحرم ذلك لخبر النامصة وتقرر هذا الاحتمال للمذهب , والاحتمال الثاني الإباحة للأمر بإحفاء الشارب .

وقال الهادي (عليه السلام) في الأحكام : وفي الواصلة شعرها بشعر الناس ما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه لعن الواصلة والموتصلة .

وروى الأمير الحسين (عليه السلام) في الشفاء خبر عن علي (عليه السلام) : ولعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الواصلة والموتصلة والواشمة والموتشمة من غير داء والنامصة والمنتمصة , وفيه خبر , وعن عبدالله قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الواشمات والموتشمات والمنتمصات والمتفلجات المغيرات خلق الله , فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب فقالت : بلغني انك لعنت كيت وكيت , فقال : وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في كتاب الله , فقالت : لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول , فقال : لو كنت قرأتيه لوجدتيه أما قرأت )وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا( [الحشر – 7] ؟ قالت : بلى , قال : فإنه نهى عنه , وأخرجه البخاري , وفي تتمة الاعتصام وأخرج الستة إلا الموطأ عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن الواصلة والموتصلة والواشمة والموتشمة , وأخرج أبو داوود عن ابن عباس قال : لعنت الواصلة والمستوصلة والنامصة والمنتمصة والواشمة والموتشمة من غير داء , والأحاديث في هذا كثيرة جمّة .

مسألة في جولز الوصل

السؤال الثاني

أفتوا بالوصل والله أعلم , فوصلت النساء بشعور تبدو طبيعيه لا فرق بينها وبين شعر الواصلة في بعض الحالات تكشف شعرها أو يزيد في طوله.

الجواب: قد قدمنا الأدلة من السنة بما فيه الكفاية ونبين حقيقة الوصل التي حرمها الشارع ودلت على تحريمه الأدلة السابقة فهو وصل المرأة شعرها بشعر ادمي غير محرم لها فلا يجوز لها أن توصل شعرها إلا بما يجوز النظر إليه ولا يجوز للزوج أن ينظر إليه لشهوة إلا إذا كان من أمته أو زوجته هذا المقرر للمذهب .

واعلم: أن هذا القول مبني على القول بأن التحريم يتعلق بشعر المرأة الاجنبيه بعد  انفصاله, قال الفقيه محمد بن يحيى وهكذا في البسيط للغزالي وكتب الحنفية وهو المختار في الكتاب.

 قيل الفقيه محمد بن سليمان : ولا يجوز للزوج أن ينظر إليه لشهوة .

 ولما ذكرنا النمص والوصل حَسُنَ أن نذكر الوشم ما هو ؟

حكى شارح الأزهار ابن مفتاح عن الكافي ( الوشم على العضد والذراع والساق والفخذ، قال الفقيه يحيى: ونقش اللثة والذقن منهي عنه لأنه مغير.

قال في مجموع أهل ذمار ( اللثة بكسر اللام والثاء ).

وقال بعض العلماء: الوشم هو غرز الجسد بالإبرة حتى يسيل الدم ثم يحشى كحلاً أو نحوه.

وقال ابن بهران: معنى الواشمة أنها التي تجعل الخيلان في الوجه بكحل أو مداد .

وفسر الجلال في ضوء النهار الوشم بقوله : هو أن تجعل في سطح الوجه واليدين مثل الخيلان.

قال ابن الأمير في منحة الغفار : قال أهل اللغة : هو أن تغرز في العضو إبرة أو نحوها حتى يسيل الدم ثم يحشى بنورة أو غيرها فَتَخْضَرَّ .

قال أبو داوود: الواشمة أن تجعل الخيلان في وجهها بكحل أو مداد .

وحيث أن الأدلة قد أنتظمت التفليج بين هذه الأشياء حسن أن نبين ما هو التفليج ؟

فنقول: هو من الفَلَج بفتح الفاء واللام وهو انفراج ما بين الأسنان , والتفليج هو أن يفرج بين المتلاصقين بالمبرد ونحوه وهو مختص بالثنايا والرباعيات يستحسن من المرأة وربما صنعته المرأة التي أسنانها متلاصقة لتصير مفلَّجة وقد تصنعه الكبيرة توهم أنها صغيرة لأن الصغيرة غالباً تكون مفلّجة حديدة السن ويذهب ذلك في الكبر , أفاد هذا في منحة الغفار للأمير .

وكما أنَّ الأدلة قد انتظمت النمص والوصل والوشم والتفليج وقد لعن رسول الله

صلى الله عليه وآله وسلم فاعل هذه الأشياء وهو صلى الله عليه وآله وسلم لا يلعن إلا على فعل معصية محرمة فتكون هذه المعاصي محرمة وقد اختار أهل المذهب تحريمها لما ذكرنا من لعنه صلى الله عليه وآله وسلم ولنهيه والنهي يقتضي التحريم , وإذ لا يكون اللعن على مكروه.

واعلم: أن التحريم مطلقاَ للمزوجة وغيرها هو رأي أهل المذهب .

وقال الإمام يحيى بن حمزة (عليه السلام) : يجوز للمزوجات والإماء الموطوءآت لندب التزين للزوج ويحرم عنده على غير المزوجات والإماء الموطوءآت .

ولعل المفتي الذي حكاه السائل اعتمد كلام الإمام يحيى (عليه السلام) وقد مر بك من الأدلة ما يكفي من الدلالة على التحريم وإذا ورد نهر الله بطل نهر معقل وإذا قام الدليل ونهضت الحجة بطل ما خالفها , وكل كلام يؤخذ منه ويترك إلا كلام المعصوم .

وبقي أن نتكلم على بقية حكم الوصل فقد قال بعض العلماء : المحرم وصل شعر آدمي بشعر آدمي فأما وصله بغير شعر آدمي من خرقة أو غيرها فيجوز .

وقال بعض الفقهاء: بل يحرم الوصل مطلقاً لحديث جابر عند مسلم زجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المرأة أن تصل شعرها بشيئ ويعضد هذا ما في الأحاديث السابقة من لعن الواصلة والمستوصلة وأطلق  ولم يقيد بشعر آدمي ولعل هذا أرجح , والله الموفق للصواب .

وبهذا انتهى الجواب , والحمد لله رب الأرباب ومسبب الأسباب , وصلوات الله على محمد وعلى آله آمـين.

مسألة في التمائم

السؤال الثالث

النساء اللواتي يعلقن تميمة من الحبة السوداء أو يعلقنها على مرضاهم وأطفالهم بحجة أنها تحمي من العين ومن الجان , ولا تكاد امرأة أن يخلو خمارها عن ذلك ثم أني سمعت ممَّن لا علم لهن أن طوق الحديد جائز فانه يحمي المواليد والنفساء وأني لأخشى أن يكون ذريعة لإعادة الشركيات فان صويحبات التمائم عجائز على قيد الحياة .

والجواب والله الهادي

أن نقول مسألة التمائم تحتاج إلى تفصيل:

أمَّا ما كان مما يعمله الفضلاء من كتاب الله تعالى فلا شك في جوازها ويدل على ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود واللفظ للبخاري عن أبي سعيد الخدري قال انطلق نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد الحي فسعوا بكل شيء لا ينفعه شيء فقال بعضهم : لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا بكم لعله أن يكون عند بعضهم شيء , فأتوهم فقالوا ياأيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء فهل عند أحد منكم من شيء؟

قال بعضهم: والله أني لأرقي ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق حتى تجعلوا لنا جعلاً فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ الحمد لله رب العالمين فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي ما به قلبه , قال فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه , وقال بعضهم اقتسموا , فقال الذي رقى لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكروا فقال : وما يدريك أنها رقية ثم قال : قد أصبتم  واضربوا لي معكم سهْماً .

واعلم: أن الرُقية بضم الراء العوذة وجمعها رُقى وهي أن يقرأ الإنسان على نفسه أو على غيره آيات من القرآن أو بعض الأدعية المروية عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم , وروى البخاري ومسلم والحاكم عن جابر قال : ((نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الرقى فجاء آل عمرو بن حزم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا يا رسول الله إنه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب وإنك نهيت عن الرقى , قال فعرضوها عليه فقال ما أرى بأساً مَنِ استطاع منكم ينفع أخاه فلينفعه )) رواه مسلم 4/1727.

((وعن عوف بن مالك الاشجعي قال كنا نرقي في الجاهلية فقلنا يا رسول الله كيف ترى ؟ قال : اعرضوا علي رقاكم لا بأس ما لم يكن فيه شرك )) رواه مسلم 4/1727.  

وعن ابن عباس رضي الله عنهما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعوذ الحسن والحسين عليهما السلام ويقول : إن أباكما " يعني إبراهيم (عليه السلام) " كان يعوذ إسماعيل وإسحاق أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامه ومن كل عين لامه ) رواه البخاري 6/408.

 والهامة واحدة الهوام من ذوات السموم , واللامة قال الخطابي المراد به كل داء وآفة تلم بالإنسان , والرقى المذمومة هي كما قال النووي في شرح مسلم 14/169 هي التي من كلام الكفار.

 والرقى المجهولة والتي بغير العربية وما لا يعرف معناه فهذه مذمومة لإحتمال أن معناها كفر أو قريب منه أو مكروه .

وأمَّا الرقى بآيات القرآن وبالأذكار المعروفة فلا نهي فيه بل هو سنة.

ويدخل في كلامنا في الرقى المحرمة ما تحققنا أنها تحوي كلمات كفرية شركية من باب أولى وإذا رقى الإنسان نفسه أو رقى غيره بالقرآن أو بالأذكار فيسن أن ينفث على كفيه فيمسح بهما وجهه وما أقبل من بدنه وعلى موضع الألم والداء , وقد وردت بذلك أحاديث صحيحة ويجوز الرقى بكل كلام حسن لا يقتضي الكفر للحديث المتقدم ((اعرضوا عليّ رقاكم ....الخ )) ويجب على الراقي والمرتقي أن يعتقدا أن النفع من الله تعالى لا من الكلام المقروء أو المكتوب .

وكذا ما سأل عنه السائل من حمل الحبة السوداء والطوق الحديد , إن كان الحامل يعتقد أن النفع من ذينك من دون الله كفر لاعتقاده ذلك , وإن اعتقد أنه لا نفع ولا ضر منهما وأن الله هو النافع أحتمل كراهة حملهما إلا إذا كان هنالك نهي صريح عن حملها فالدليل المتبع أما لو حمل الطوق للزينة فلا مانع للنساء من ذلك ويحرم على الرجال للتشبه بالنساء .

ولنعد إلى ذكر بعض الأحاديث عن ابن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (( إنَّ الرقى والتمائم والتولة شرك )) رواه أحمد وأبو داوود وابن ماجه , والتولة ضرب من السحر , قال الأصمعي تحبيب المرأة إلى زوجها , قال بعض شراح الحديث: الرقية بضم الراء وتخفيف القاف مع القصر جمع رقيه كدميه , قوله التمائم جمع تميمه وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يمنعون بها العين في زعمهم .

قلت: فالنهي عما تناوله اسم التميمه في عصره صلى الله عليه وآله وسلم لا غير ذلك وقد خرج بحديث (( اعرضوا عليّ رقاكم .... الخ )) وقوله : (( ما أرى بأساً)) من الرقى ما لم يكن كفراً .

وعن عقبة بن عامر قال: (( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : من تعلق تميمة فلا أتم الله له ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له )) رواه أحمد .

وعن عبدالله بن عمر قال : ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ما أبالي ما ركبت أو ما أتيت إذا أنا شربت ترياقاً أو تعلقت تميمة أو قلت الشعر من قبل نفسي )) رواه أحمد وأبو داوود وقال هذا كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة وقد رخص فيه قوم يعني الترياق قال في النيل قوله أو ما أتيت بفتح الهمزة والتاء الأولى أي لا أكترث بشيئ من أمر ديني ولا أهتم بما فعلته إن أنا فعلت هذه الثلاثة أو شيئاً منها وهذه مبالغة عظيمه وتهديد شديد إلى أن قال وهذا وان اضافه إلى نفسه فالمراد به إعلام غيره بالحكم وقال بعد ذكر الترياق من لحوم الأفاعي وأنه محرم وأما إذا كان الترياق نباتاً أو حجراً فلا مانع منه.

 وقال في النيل حاكياً عن القرطبي: الرقى ثلاثة أقسام:

 أحدها: ما كان يرقى به في الجاهلية ما لا يعقل معناه فيجب اجتنابه لئلا يكون فيه شرك أو يؤدي إلى الشرك .

الثاني: ما كان بكلام الله تعالى أو بأسمائه فيجوز فإن كان مأثوراً فيستحب.

الثالث: ما كان بأسماء غير الله من ملك أو صالح أو معظم من المخلوقات كالعرش قال فهذا ليس من الواجب اجتنابه ولا من المشروع الذي يتضمن الالتجاء إلى الله والتبرك بأسمائه فيكون تركه أولى , إلا أن يتضمن تعظيم المرقي به فينبغي أن يجتنب كالحلف بغير الله .

قال الربيع: سألت الشافعي عن الرقية فقال لا بأس بأن ترقي بكتاب الله وبما يعرف من ذكر الله , قلت أيرقي أهل الكتاب المسلمين ؟ قال نعم إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله وبذكر الله.

ومما يحسن أن نتكلم عليه حَلَّ السحر ويسمى النشرة , قال في أساس البلاغة نشرت عن العليل نشراً وبشرت عنه تبشيراً إذا رقيته بالبشرة كأنك تفرق عنه العلة .

قال ابن الجوزي: النشرة حلَّ السحر عن المسحور فقال لا بأس به , حكاه ابن حجر في فتح الباري 10/233 .

وما ورد من الحديث أو الأثر النشرة من عمل الشيطان المراد بذلك أصلها بالقصد فمن قصد خيراًَ كان خيراً وإلا فهو شر .

وقال البخاري في صحيحة باب هل يستخرج السم قال قتادة قلت لسعيد بن المسيَّب: رجل به طب أي سحر أو يؤخذ عن امرأته أيُحَلُّ أو ينشر قال لا بأس إنما يريدون الإصلاح فأما ما ينفع فلم ينه عنه وصله أبو بكر الاثرم في كتاب السنن عن قتادة أي سأل سعيداً بلفظ هل يلتمس من يداويه فقال إنما نهى الله عما يضر ولم ينه عما ينفع, وأخرجه الطبري من طريق يزيد زريع عن قتادة عن سعيد ابن المسيب أنه كان لا يرى بأساً إذا كان بالرجل سحر أن يمشي إلى من يطلقه عنه , فقال هو صلاح قال قتادة وكان الحسن يكره ذلك يقول لا يعلم ذلك إلا ساحر قال سعيد بن المسيب : إنما نهى الله عما يضر ولم ينه عما ينفع .

نعم: ولا بد من القيد الذي ذكرناه في الرقى وهي أن لا يكون بالكلمات الكفرية وما يقتضي الشرك .

وبهذا انتهى الجواب عن هذه المسألة وصلى الله على سيدنا محمد وآله آمــين.

حكم زيارة قبور المسلمين والتبرك بتراب

السؤال الرابع

يستشفي الناس عندنا بتراب قبر الهادي (عليه السلام) ويجلبون كميات كثيرة .

السؤال الخامس

يسافر بعض الرجال والنساء من نجران إلى اليمن لقصد زيارة قبور العلماء والدعاء عندها والأخذ من ترابها لقصد البركة والشفاء .

الجواب والله الموفق

أن هذين السؤالين هما صنف واحد والجواب عنهما يدخل في طرفين :

الطرف الأول: في الاستشفاء والتبرك بتراب قبور الأنبياء والأولياء والعلماء والصالحين .

والطرف الثاني : في حكم زيارة قبور المسلمين والدعاء عندها .

الطرف الأول

أما الطرف الأول:

فاعلم: أنه قد ورد التبرك بفضل وضوء رسول الله كما حكاه السيد السمهودي في وفا الوفاء وغيره من العلماء بلفظ (( وكان الصحابة يتبركون بالماء الذي يغسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يديه وبصاقه وما سقط من شعره ولم ينههم عن ذلك ولم يعده عبادة ولا شركاً ولا يزيد عن ذلك التبرك بقبره الشريف ففي السيرة الحلبية أن عروه بن مسعود الثقفي قام من عند رسول الله عام الحديبية وقد رأى ما يصنع به أصحابه لا يتوضأ أو يغسل يديه إلا ابتدروا وضوءه وكادوا يقتتلون عليه ولا يبصق بصاقاً إلا ابتدروه يدلك من وقع في يده يَدَهُ وجلده ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه .... الحديث .

روى البخاري في باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وآله وسلم  بسنده عن أبي جحيفة خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالهاجرة إلى البطحاء فتوضأ ثم صلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين إلى أن قال : وقام الناس فجعلوا يأخذون يديه فيمسحون بها وجوههم فأخذت بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب من ريح المسك.

وروى في أواخر هذا الباب بسنده عنه " أي عن أبي جحيفه " إلى أن قال فأخرج بلال فضل وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوقع عليه الناس يأخذون منه .

وروى في باب استعمال فضل وضوء الناس بسنده عن أبي جحيفة : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالهاجرة فأتي بوضوء فتوضأ فجعل الناس يأخذون من فضل وضوءه فيتمحسون بوضوئه قال القسطلاني واستنبط منه التبرك بما يلامس أجساد الصالحين.

وروى مسلم في الصلاة نحوه بسنده عن أبي جحيفة أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكة وهو بالابطح فخرج بلال بوضوئه فمن نائل وناضح ... الحديث , قال النووي معناه فمنهم من ينال منه شيئاً ومنهم من ينضح عليه غيره شيئاً مما ناله ويرش عليه بللاً مما حصل له .

وبسنده عنه في حديث قال : ورأيت بلالاً اخرج وضوءاً فرأيت الناس يبتدرون ذلك الوضوء فمن أصاب منه شيئاً تمسح به ومن لم يصب منه أخذ من بلل يد صاحبه , قال النووي ففيه التبرك بآثار الصالحين واستعمال فضل طهورهم وطعامهم وشرابهم ولباسهم , انتهى .

وإذا جاز التبرك والتمسح بيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبصاقه وشعره وبالماء  الذي لامس جسده ولم يكن ذلك شركاً ولا عبادة له جاز التبرك بالقبر الذي حوى جميع جسده الشريف على سبيل الدوام وإذا جاز ذلك في حق قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاز في قبور الصالحين والأئمة الهادين وأخذ تراب قبورهم للتبرك والاستشفاء ولا يقول قائل بأن الصحابة الذين فعلوا بفضلات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما ذكرنا قد أشركوا , حاشا لله , ولا يقال أنه صلى الله عليه وآله وسلم أقرهم على منكر لأنه معصوم صلى الله عليه وآله وسلم، و يستدل على هذه المسألة بما أخرجه السمهودي في وفا الوفاء في حديث أنها لما توفيت فاطمة بنت أسد نزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاضطجع في اللحد وقرأ فيه القرآن ثم نزع قميصه فأمر أن تكفن فيه وقال : (( ما أُغْفِي أحد من ضغطة القبر إلا فاطمة بنت أسد قيل يا رسول الله ولا القاسم ؟ قال ولا إبراهيم وكان إبراهيم أصغرهما )) .

وفيه عن جابر بن عبد الله أنه لما أخبر صلى الله عليه وآله وسلم بوفاتها نزع قميصه فقال إذا غسلتموها فأشعروها إياه تحت أكفانها وأنه تمعك في اللحد فقيل يا رسول الله رأيناك صنعت شيئين ما رأيناك صنعت مثلهما نزعك قميصك وتمعكك في اللحد , فقال أما قميصي فأريد أن لا تمسها النار أبداً إن شاء الله تعالى , وأما تمعكي في اللحد فأردت أن يوسع الله عليها في قبرها .

قال: وروى ابن عبدالبر عن ابن عباس أنها لما ماتت ألبسها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قميصه واضطجع معها في قبرها فقالوا ما رأيناك صنعت ما صنعت بهذه , فقال : ((إنه لم يكن بعد أبي طالب أبر لي منها إنما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة , واضطجعت معها ليهون عليها )) انتهى.

فهذا صريح في حصول البركة لقبرها باضطجاعه صلوات الله عليه وعلى آله وتمعكه

فيه بحيث صار ذلك موجباً لرفع ضغطة القبر وفي حصول البركة لقميصه بمماسته جسد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحيث يفيد مماسته لبدنها نجاتها من النار واللبس من حلل الجنة فكيف ينكر بعد هذا أن لمس قبره الذي تبرك وتشرف بملامسة جسده المبارك الشريف ومجاورته موجب للبركة فكيف وقد شرفت البقاع التي مشى فيها ببركته صلى الله عليه وآله وسلم وقد ذكر السمهودي فصلاً في الاستشفاء بتراب المدينة وبتمرها كحديث (( غبار المدينة شفاء  من الجذام )), وقوله صلى الله عليه وآله وسلم ((والذي نفسي بيده إن في غبارها شفاء من كل داء )) , وفي رواية(( ومن الجذام والبرص )) وفي رواية (( عجوة المدينة شفاء من السقم وغبارها شفاء من الجذام )) , وفي رواية (( والذي نفسي بيده إن تربتها لمؤمنه وإنها شفاء من الجذام )) , وفي رواية (( غبار المدينة يطفئ الجذام )) , إلى غير ذلك مثل ما رواه في الاستشفاء من الحمى بتراب صعيب وهو وادي بطحان , وحديث (( من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح لم يضره شيء حتى يمسي )) رواه مسلم .

وحديث (( من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر )) .

وروى في الصحيحين ورواه أحمد برجال الصحيح بلفظ (( من أكل سبع تمرات عجوة مما بين لابتي المدنيه على الريق لم يضره في يومه ذلك شيء حتى يمسي )) قال الراوي : وأظنه قال : (( وإن أكلها حين يمسي لم يضره شيء حتى يصبح )).

وفي رواية (( من تصبح بسبع تمرات من العجوة – لا أعلمه إلا قال من العالية – لم يضره يومئذٍ سم ولا سحر )) .

وفي رواية (( إنَّ في عجوة العالية شفاءً وإنها ترياق أول البكرة )) رواه مسلم .

إلى غير ذلك مما أورده السمهودي , و يقال أن العجوة مما غرسه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيده بالمدينة حكى ذلك السمهودي عن ابن الأثير والبزار قال فلعل الأوداء التي كاتب سلمان الفارسي أهله عليها وغرسها صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم بيده الشريفة بالفقير أو غيره من العالية عجوة .

فإذا علمت هذا علمت أن تراب المدينة وعجوتها إنما نالا البركة بوجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة حياً وميتاً وبغرسه نخل العجوة أفلا يكون قبره أولى بالبركة ؟ ويكون من يتبرك أو يستشفي به كافراً ؟

قال السمهودي في وفاء الوفاء : انعقد الإجماع على تفضيل ما ضم الأعضاء الشريفة حتى على الكعبة وأجمعوا على تفضيل مكة والمدينة على سائر البلاد .

وأخرج الإمام المرشد بالله (عليه السلام) في أماليه الخميسية بسنده إلى علي (عليه السلام) أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي (عليه السلام) : (( والذي نفسي بيده لولا أن يقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى ابن مريم لقلت فيك اليوم مقالاً لا تمر بأحد من المسلمين إلا أخذوا التراب من أثر قدميك يطلبون به البركة )) , وقد كثرت مخارج هذا الحديث كما حكاه المولى العلامة الحسن بن الحسين الحوثي في تخريج الشافي والمراد منه الحجة على جواز التبرك بآثار الصالحين .

فمجموع ما قدمناه يدل على جواز التبرك والاستشفاء بتراب قبور الصالحين , وإذا جاز الاستشفاء بغبار المدينة المنورة وترابها وعجوتها ببركة النبي صلى الله عليه وآله وسلم , فكيف لا يجوز الاستشفاء بتراب قبور الصالحين والأئمة من عترته وعلومهم من علمه وهم مستقون من رحيقه ومتبعون لأثره ؟

ولو تتَّبعنا بعض الوقائع التي وقعت في عصرنا أو العصور المتقدمة لطال الكلام ويكفينا ما سمعناه من شيخنا المجتهد المطلق أبي الحسين أسعده الله إذ فعله بنفسه وحصلت الكرامة العظمى والآية المنيرة لأهل الإقتداء و الإهتداء , وحسبك به راوياً وإماماً هادياً , وبهذا

الطرف الثاني

أمَّا الطرف الثاني:

فقد رأيت أني قد أسهبت في الجوابات السابقة ومسألة زيارة القبور فيها مؤلفات كثيرة جامعة للأدلة مقنعة للخصوم وقد ذكرت طرفاً يسيراً من الأدلة في الفتاوى المطبوعة وحسبك وكفاك ما في الرسالة الصادعة لمولانا وشيخنا أبي الحسين مجدالدين أسعده الله تعالى ولو لم يكن من الأدلة المقنعة إلا الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم : (( إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها )) لكفى .

وبهذا انتهى كلامنا على هذه الأسئلة , ونسأل الله تعالى أن يكفينا ما أهمنا وأن يصلح ديننا ودنيانا , ونستغفر الله ونتوب إليه , والحمد لله رب العالمين , وسلام على المرسلين ولا حول ولا قوة إلا بالله , وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم آمين آمين .

عصر20 جماد الثانيه 1427هـ .

القسم الثاني

القسم الثاني

بيع السهام و الاكتتاب فيها

بيع السهام و الاكتتاب فيها

ولمَّا كثر تردد السائلين عن بيع السهام وعن الاكتتاب فيها , وقد كنت أجبت في الفتاوى المطبوعة :

إذا لم يكن المبيع مجهولاً فيصح لعدم الجهالة فلم يقتنع السائلون بذلك لأنه لم يشف عليلهم ولم يرو غليلهم فطارحوني بعد ذلك بأرائهم وراسلوني بمكاتباتهم ثم اجتمعت بعدة كثيرة من السائلين فرجحت التوقف وعدم الجزم بتحليل ولا بتحريم وربما صرحت بالتحريم نظراً مني لسد ذرائع الفساد لما يغلب في الظن من الوقوع في الربا من بعض الشركات أو التوصل إلى الربا بحيلة دقيقة أو الحوم حول مرتعه ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه أو أن تكون موجودات الشركة التي المساهمة فيها من المحرمات بيعاً وإستيراداً أو أن تكون السهوم خيالية فالمبيع معدوم أو أن يكون بعض موجودات الشركة نقوداً ولم تتوفر شروط الصرف فلأمثال ما ذكرنا قلت للسائلين شفاهاً:

النفس تميل إلى تحريمه وكنت أردد في نفسي حديث (( الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه )) أخرجه البخاري ومسلم وأحمد .

وحديث (( البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك المفتون )) أخرجه أحمد والدارمي .

ونحو حديث الحسن السبط (عليه السلام) (( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك )) .

وحديث ((المؤمنون وقافون عند الشبهات )) .

والزواجر الواردة في الربا ((فأذنوا بحرب من الله ورسوله )) , وحديث (( لدرهم من ربا أشد على الله من أربع وثلاثين زنية ... الخ )) أخرجه الهادي في الأحكام وغيره .

فلمثل هذه الأدلة وجب النظر والاحتياط والبعد عن الشبهات , ولكثرة التردد وعدم اقتناع السائلين إلا بجواب حاسم , وقد ورد النهي عن كتم العلم كما في حديث الامالي (( من كتم علماً مما يحتاجه الناس ألجمه الله بلجام من نار )) , ولما أخذه الله على العلماء من البيان , حررت ما يلي فإن أصبت فبتوفيق الله وإن أخطأت فمن نفسي.

  فأقول: إنَّ مسألة السهام البحث فيها من جهتين :

 الجهة الأولى: مسألة الاكتتاب والمساهمة في أي شركة والشركات كثيرة ولكل شركة وجوه واعتبارات وشروط وبيانات لم تأتِ عفواً بل هي موصوفة معلومة موثقة بالكتابات والبيانات يعرفها المساهم قبل الدخول فيها فما كان من تلك الشركات خالياً من الربا وعن التوصل إلى الربا مضمراً أو مظهراً أو بحيلة توصل إلى الربا أو كانت الشركة تتعامل ببيع المحرمات بجميع أنواعها استيراداً أو تصنيعاً أو كانت تلك الشركة تشكل ضرراً عاماً فإذا كان في الشركة أي هذه الأشياء حرم الدخول فيها والاكتتاب ومعاملتها بأي صفة وإذا خلت عما ذكرنا فلا مانع للمسلم عن التكسب من الوجه المشروع .

أما الوجه الثاني: وهو بيع الأسهم , فنقول:

إذا توفرت فيه شروط البيع المعتبرة عند الفقهاء التي منها أن يكون المبيع معلوماً غير مجهول وكذلك الثمن وأن يكونا مما يصح تملكهما فلو كان المبيع من المحرمات كالميتة والخمر وغيرهما لم يصح البيع وكذلك الثمن ومنها أن يكون المبيع موجوداً في ملك البائع فلو لم يكن موجوداً لم يصح البيع إلا في السلم بشرط قبض الثمن في المجلس وإلا في بيع ما في الذمة بشرط قبض الثمن قبل افتراقهما , ومنها أن لا يكون البيع و الشراء فيما يظن تحريمه فلو علم أو ظن ذلك لم يجز , وبشرط أن لا يقتضي الربا فإذا اقتضاه صار البيع باطلاً , وبشرط أن لا تكون الموجودات المباعة أو بعضها نقداً لأنه يصير من باب الصرف فإذا لم تتوفر شروط الصرف في ذلك لم يصح , وبشرط أن لا يكون من بيع الكالي بالكالي , وأن لا تتضمن  غرراً فهذه معظم الشروط , فإذا توفرت شروط البيع في ذلك جاز وصح البيع وعلى من دخل في ذلك النظر والتحري لئلا يدخل في محظور فالحيل كثيرة وتلبيس الباطل بصورة الحق موجودة.

)ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب(

وحسبنا الله ونعم الوكيل

المجموعة الثامنة

تحتوي على قسمين

القسم الأول

مباحث في صفات الباري جل وعلا

القسم الثاني

مبحث في البداء

المسمى

منار الإهتداء

في بيان شروط التناقض والبداء

القسم الأول

تحتوي على قسمين

القسم الأول

مباحث في صفات الباري جل وعلا

بسم الله الرحمن الرحيم

القسم الأول

سأل سائل: عن معنى قوله تعالى: )إنَّه كان حليماً غفوراً ( [الإسراء – 44] وقوله تعالى: )إنَّه كان عليماً قديراً( [فاطر – 44] وقوله تعالى: )والله عليم بذات الصدور( [التغابن – 4] ؟ وطلب منا البحث في صفات الله العلي الأعلى , وتبيين مواضع الخلاف ؟

 الجواب والله الموفق:

بأنَّ نبين معاني هذه الألفاظ المسئول عنها لغة ثم نبين مباحث الصفات عند أهل الكلام.

فأما الحليم : فقال في لسان العرب مادة حلم والحليم في صفة الله عز وجل معناه الصبور , وقال معناه أنه الذي لا يستخفه عصيان العصاه ولا يستفزه الغضب عليهم ولكنه جعل لكل شيء مقداراً فهو منتهٍ إليه .

وأمَّا الغفور: فقال الراغب في مفرداته والغفران والمغفرة من الله تعالى هو أن يصون العبد من أن يمسه العذاب , قال غفرانك ربنا ومغفرةً من ربكم ومن يغفر الذنوب إلا  الله.

وقال في لسان العرب: (مادة غفر) الغفور الغفَّار جل ثناؤه وهما من أبنية المبالغة ومعناهما الساتر لذنوب عباده المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم , يقال اللهم اغفر لنا مغفرةً وغفراً وغفراناً , وإنك أنت الغفور الغفار يا أهل المغفرة .

وأصل المغفرة التغطية والستر , غفر الله ذنوبه أي سترها , والغفر الغفران وفي الحديث ((كان إذا خرج من الخلا قال غفرانك)) الغفران مصدر وهو منصوب بإضمار اطلب.

أما العِلْمُ: فقال الراغب في مفرداته هو إدراك الشيء بحقيقته وذلك ضربان أحدهما إدراك ذات الشيء والثاني الحكم على الشيء بوجود شيء هو موجود أو نفي شيء هو منفي عنه.

فالأول: هو المتعدي إلى واحد نحو: )لا تعلمونَهُمُ اللهُ يعلمهم( [الأنفال – 60] .

والثاني: المتعدي إلى مفعولين نحو:) فإنْ علمتموهن مؤمنات(  [الممتحنة – 10] .

وقال في لسان العرب: العلم نقيض الجهل – علم علماً ...الخ , وقال في مادة علم من صفات الله عزَّ وجلَّ العليم والعالم والعلام , قال الله عزَّ و جلَّ:) وهو الخلاَّق العليم(  [يس – 81] وقال:) عالِمُ الغيب والشهادة ( [التوبة– 105]  وقال: )علاَّم الغيوب( [المائدة – 109]  فهو الله العالم بما كان وبما يكون قبل كونه وبما يكون وإنما يكن بعد قبل أن يكون لم يزل عالماً ولا يزال عالماً بما كان وما يكون ولا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء سبحانه وتعالى أحاط علمه بجميع الأشياء باطنها وظاهرها دقيقها وجليلها على أتم الإمكان .

وعليم: فعيل من أبنيَّة المبالغة .

أمَّا لفظة قدير: فقال الراغب القدرة إذا وصف بها الإنسان فإسمٌ لهيئة له بها يتمكن من فعل شيء مَّا , وإذا وصف بها الله تعالى فهي نفي العجز عنه ومحال أن يوصف غير الله بالقدرة المطلقة معنى وان اطلق عليه لفظاً بل حقه أن يقال قادر على كذا و متى قيل قادر فعلى سبيل معنى التقييد ولهذا لا أحد غير الله يوصف بالقدرة من وجه إلا ويصح أن يوصف بالعجز من وجه والله تعالى هو الذي ينتفي العجز عنه من كل وجه .

والقدير: هو الفاعل لما يشاء على قدر ما تقتضي الحكمة لا زائداً عليه ولا ناقصاً عنه ولذلك لا يوصف به إلا الله تعالى قال: )إنَّه على ما يشاء قدير ( [البقرة – 20] .

وقال في لسان العرب: مادة قدر القدير والقادر من صفات الله عزَّ و جلَّ يكونان من القدرة ويكونان من التقدير وقوله تعالى : )واللهُ على كُلِّ شيءٍ قَدير ( [المائدة– 19] إلى قوله : قال ابن الأثير في النهاية في أسماء الله القادر والمقتدر والقدير , فالقادر اسم فاعل من قدر يقدر والقدير فعيل منه وهو للمبالغة , والمقتدر مفتعل من اقتدر وهو أبلغ.

إذا عرفت هذا فاعلم أن صفات العلي الأعلى جلَّ جلاله وتقدست أسمائه فيها مباحث يحسن الكلام على كل مبحث

المبحث الأول

المبحث الأول

هو أنَّه قد ورد النهي عن التفكر في الذات المقدسة لحديث (( تفكروا في المخلوق ولا تفكروا في الخالق فإنكم لن تقدروا قدره )) و (( مَنْ تفكَّر في المخلوق وحد ومن تفكر الخالق الحد)) و(( التوحيد أن لا تتوهمه )) وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) : (( العقل آلة أعطيناها لاستعمال العبودية لا لإدراك الربوبية )) .

وقد علمنا أن العجز عن تصور ذات الله وتصور صفاته ضروري وما استحال تصوره أي العلم به تصورا استحال أن يعرف إلا على جهة الإجمال فالتفكر في ذات الله وفي صفاته تعالى منهي عنه كما قدمنا لان صفاته تعالى هي ذاته كما سيأتي فلم يبق إلا النظر في المصنوعات الدالة على

المبحث الثاني

المبحث الثاني

أنَّ صفات الله العلي الأعلى تنقسم:

إلى صفات إثبات: كنحو عالم وقادر .

وإلى صفات نفي: كمسألة نفي الثاني ونفي رؤيته تعالى وغيرهما .

وتنقسم أيضاً إلى :

صفات ذات: كقادر وعالم وموجود ونحوها.

وصفات فعل: كخالق ورازق .

فكلما صح إثباته من الصفات كعالم ولا يجوز نفيه فهو صفة ذات وما صح إثباته وجاز نفيه فهو صفة فعل لأنه يصح أن تقول أن الله تعالى خالق لفعله غير خالق لأفعال العباد ورازق للحلال غير رازق للحرام فعلى هذا صفات الذات ما لا يصح فيه التضاد ويوصف تعالى بها في الأزل , وصفات الفعل ما دخله التضاد ولا يوصف بها إلا بعد وجود المخلوق كخالق ورازق ومحيي ومميت أما حليم وغفور المسئول عنهما فهما صفتا فعل وقد اتفق الشيخان أبو علي وأبو هاشم أنه تعالى لا يوصف بهما إلا بعد خلق العالم بل بعد خلق العصيان ولكن اختلفا هل هي راجعة إلى الإثبات أو إلى النفي ؟ فقال أبو علي ومتابعوه : وهما من صفات الفعل أي يرجعان إلى الإثبات أي هو تعالى فاعل للعصاةة ضد الانتقام أي ضد المعاقبة من إسبال النعم عليهم والتمهيل لهم وقبول توبة التائب منهم ونحو ذلك من التفضلات.

وقال أبو هاشم: بل هما صفتا نفي أي راجعة إلى النفي أي تارك الانتقام من العاصين عقيب عصيانهم أي لا يعجل بالإنتقام منهم .

قال الإمام القاسم بن محمد (عليه السلام) : قلت وهو الحق لأنه معناه لغة – أي في لغة العرب – لأنهم يقولون حلم فلان عن فلان أي لم يعاقبه أو لم يعجل بعقوبته , وكذلك غفر له أي لم يعاقبه . انتهى نقلاً من

المبحث الثالث

المبحث الثالث

في بيان معرفة مذهب الآل عليهم السلام في صفات الله تعالى من نحو قادر وعالم وموجود وقديم وحي

فاعلم: أنَّ عامة الآل يقولون أن صفات الله ذاته كما قال الهادي (عليه السلام) في كتاب الديانة لم يزل عالماً قادراً ليس لقدرته غاية ولا لعلمه نهاية وليس علمه وقدرته سواه ومن قال علم الله وقدرة الله هي الله وسمع الله هو الله وبصر الله هو الله فقد قال في ذلك بالصواب.

وعبارة كثير من الأئمة السابقين واللاحقين نحو هذا كما حققه المحققون وأثبتها عنهم المتقنون كما في اللآلي الدرية شرح الأبيات الفخرية للسيد العلامة محمد بن يحيى بن الحسن القاسمي , قال شارح الأساس والمعنى في ذلك عندهم ذات لها مقدور ومعلوم وفي حي ذات لا يستحيل أن تقدر وتعلم ومذهب كثير من الأئمة بل عامتهم أن هذه الصفات إنما هي تعبير لا غير وإلَّا لزم التكثر في الذوات والتعدد في القدماء والواجبات أو التلاشي أن قالوا لا شيئ.

 وهذه عبارة زين العابدين (عليه السلام) في توحيده لرب العالمين حيث قال : فأسماؤه تعبير وأفعاله تفهيم - أي دالة عليه - وذاته حقيقية وكنهه تفريق بينه وبين خلقه.

فكلما أبر الله تعالى عن ذاته وما لها من الأسماء والصفات هو حقيقة ذات المقدس وليس شيء منها مثل المسميات في الدنيا لكن الأخبار عن الغايب لا يتم إن لم يعبر عنه بالأسماء المعلوم معانيها في الشاهد ليعلم بها ما في الغايب بواسطة العلم بما في الشاهد مع القطع بالفارق المميز وفي الغائب مالا عين رأت ولا أذن سمعت .

ووراء ذاك ولا أشـير لأنـه                  معنى لسان النطق عنه أخرس

هذا معنى ما لخصه السيد العلامة المفتي في البدر الساري ونعم ما قال .

وقال بعض العارفين وإطلاق هذه الأسماء على ذاته وإطلاق لفظ صفة على هذه الأسماء المضافة إلى اسمه من باب المجاز لضرب من التأويل لقصد الإفهام لخلاصة المراد كإطلاق لفظ وجه ونفس ويد على ذاته لقصد تحصيل فهم السامع لخلاصة المراد وتقريره له به وتأكيده .

إذا عرفت هذا فاعلم أن لفظ صفة وجمعها صفات تطلق في الشاهد ويراد بها أحد ثلاثة معاني:

الأول: العرض الحال في الجسم وتدخل على اسمه الباء للاستعانة والسببية لجريه مجرى الآلة والسبب لما يصدر عن الجسم من التصرفات نحو فعلته بقدرتي وأدركته بعلمي أو ببصري أو بسمعي أو بشمي أو بذوقي أو بلمسي , ومثله حيي الجسم بحياته وأسود بسواده وأبيض ببياضه ونحو ذلك .

والمعنى الثاني للصفة: أنها اللفظ المادح أو الذام أو الشارح نحو قادر عالم عاجز جاهل أبيض أسود.

والمعنى الثالث: أن تكون الصفة الحالة والهيئة والكيفية الحاصلة للجسم عند حلول بعض تلك الأعراض فيه وهذه الحالة هي المسماه بالقادرية والعالمية والحبية والسوادية والبياضية ونحو ذلك في الاصطلاح والظاهر أن إطلاق لفظ صفة على الثلاثة المعاني في حق الشاهد حقيقة , وأما المعنى الأول فقد اتفق الزيدية والمعتزلة على منع إرادته في حق الله تعالى وخالفتهم الأشاعرة .

وأما المعنى الثاني فلا خلاف في صحة إضافته إلى الله تعالى وإطلاق لفظ صفة بهذا المعنى في حقه حقيقة ويأتي هنا خلاف المهدي (عليه السلام) أنها ليست إلا بمعنى الوصف فقط ولعله أراد أنها في حق الله حقيقة , ويجري هذا على ألفاظ النفي نحو لا مثل له ولا ولد لا كفؤ له ليس كمثله شيء وهذا المعنى هو المعبر عنه بالإضافة والسلب كما قال :

عـرفـوا إضافـات وسلباً              والحـقيقة ليـس تـوجد

وأما المعنى الثالث: فهو موضع الخلاف بين الزيدية والبصرية من المعتزلة الذين أثبتوا أموراً ومزايا وأحوالاً على اختلاف عباراتهم لا معاني , وقالوا هي زوائد على الذات لا أغيار لها تعلم الذات عليها ولا تعلم هي ولا هي شيء ولا لا شيء وهي أزليه لا قديمه ونحو ذلك من عباراتهم وسنعود إلى كلام المعتزلة والأشاعرة بعد إتمام الكلام في مذهب الأئمه , واعلم أن أئمتُنا عليهمُ السلامُ  يقولون لا يصح نسبة المعنى الثالث في حق الله تعالى لأن الحالة والكيفية والهيئة عوارض مغايرات لما تضاف إليه ألا ترى أنها تعرض للذات في الشاهد بعد أن لم تكن وتسلب عن الذات بعد كونها فدل على أنها أخبار حلية للمتحلي بها فإن أخذت في حقه تعالى بهذا المعنى المعقول من شأنها لزم التشبيه وحدوث صفة الذات أو قدم غير الذات وإن أخذت في حقه لا بهذا المعنى المعقول منها فهو إثبات لما لا يعقل وما لا مثبت له إلا مجرد الدعوى ومثله يفتح باب الجهالات فثبت أنه لا مفهوم للفظ صفة حقيقياً إذا أضيف إلى الله إلا القول المادح والإضافة والسلب , ونحن قد نقلنا فيما سبق أن مذهب عامة الآل أن صفاته سبحانه ذاته وأن عامة الآل يقولون أنها اعتباريه ليس إلاّ وإلا لزم التعدد ومعنى قولنا اعتباريه أن الصفة أمرٌ يعتبره العقل لأمر آخر ولا يمكن أن يعقل إلا باعتباره معه وله ولا يلزم من تصوَّر العقل شيئاً لشيءٍ أن يكون ذلك المتصور موجوداً لذلك الشيء في نفس الأمر بيان ذلك ما قيل في رسم المضاف أنه الأمر الذي يعقل ماهيته بالقياس إلى غيره ونعني بالمضاف نحو الابوة والبنوة والخوولة والعمومة فإنما هي نسب تعقل ولا وجود لها كذا قال الحكماء.

والصفة تنقسم باعتبار العقل إلى:

 حقيقية وإضافية وسلبيه , وذلك لأنها إما أن  يعقل معها نسبه من المنسوب إليه أو لا يعقل, فإن كان الأول فهو المضاف الحقيقي وحقيقته أنه المعقول بالقياس إلى غيرٍ يكون بإزائه تعقل له إليه نسبه وهذا هو قولنا صفة إضافية كخالق ورازق ورب فإن حقيقة هذه الصفات هي كونها معقولة بالقياس إلى مخلوقية ومرزوقية ومربوبية .

وإن كان الثاني: فالمنسوب إليه إما أن يكون موجوداً للمضاف إليه أو ليس بموجود والأول هو الصفات ككونه حياً فإنه أمر يعقل بالقياس إلى صحة العلم والقدرة وليس بإزاء أمر يعقل منه نسبة الله.

والثاني هو الصفات السلبية: ككونه تعالى ليس بجسم ولا بعرض ولا يرى وليس كمثله شيء وغيرها فإنها أمور تعقل له بالقياس إلى أمور غير موجودة له تعالى ولا يلزم من اتصافه تعالى بهذه الأمور تركيب ولا كثره في ذاته لأنها اعتبارات عقليه تحدثها عقولنا عند المقايسة إلى الغير ولم يلزم من ذلك أن تكون موجودة في نفس الأمر , هكذا حققه بعض العارفين ونقلته لنفاسته .

قال السيد حميدان بن يحيى رحمه الله تعالى : وأما الصفة المعقولة فهي تنقسم إلى أربعة أضرب:

ضرب منها يجب نفيه عن الباري سبحانه لفظاً ومعنى .

وثلاثة أمور يجب إضافتها إليه سبحانه في اللفظ مجازاً لا بمعنى الإضافة الموهمة .

أمَّا الضرب الأول الذي يجب نفيه عن الباري سبحانه لفظاً ومعنى :

فهو كل صفة معلومة مقارنة لذات الموصوف بها نحو قدرة المخلوق وعلمه وحياته التي لأجلها وصف بأنه قادر وعالم وحي وصح الوصف والصفة بخلاف الباري سبحانه لأنه موصوف لا بصفة ولذلك وجب وصفه سبحانه بأنه قادر لا بقدرة وعالم لا بعلم وحي لا بحياة , فصح الوصف وبطلت الصفة ولذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ((فمن وصفه فقد شبهه ومن لم يصفه فقد نفاه )) , وصفته أنه سميع ولا صفة لسمعه.

 

وأمَّا الثلاثة الأضرب التي يجوز إضافتها إلى الباري سبحانه لا بمعنى الاضافه الموهمة للصفة:

فالأول: كل صفة أريد بها الوصف وسميت صفة مجازاً , مثال ذلك تسمية الموحدين بكون الباري سبحانه قادراً وعالماً وحياً وموجوداً وواحداً وقديماً صفات ذاتية ولذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : (( باينهم بصفته ربا كما باينوه بحدوثهم خلقاً )) .

والضرب الثاني: هو كل صفة أريد بها النفي , مثاله قول أمير المؤمنين (عليه السلام) : (( صفته أنه لا مثل له من خلقه)).

والضرب الثالث: هو كل صفة تذكر والمراد بها الذات لا الصفة , مثاله قَسَم من يقسم بقدرة الله سبحانه أو بعلمه وغرضه القسم بالقادر سبحانه لا بقدرة له غير ذاته , وذلك لأن من المعلوم أن القسم الذي يتعلق به البر والحنث لا يصح إلا بشيئ معلوم وأنه لا يصح القسم بغير الله سبحانه وقد ثبت بالأدلة العقلية انه لا يجوز إثبات قدرة وعلم لله سبحانه يصح القسم بها دونه ولذلك قال بعض الأئمة عليهم السلام : ((صفات الله الذاتية هي هو لا بمعنى أنه له سبحانه صفات زائدة هي هو )) , قال أمير المؤمنين (عليه السلام) ((باينهم بصفته رباً كما باينوه بحدوثهم خلقاً فمن وصفه فقد شبهه ومن لم يصفه فقد نفاه , وصفته أنه سميع ولا صفة لسمعه )) , وقوله (عليه السلام) : (( وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه بشهادة كل صفة أنها غير الموصوف , وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة فمن وصف الله فقد قرنه , ومن قرنه فقد ثناه , ومن ثناه فقد جزأه ومن جزأه فقد جهله )).

 وقوله (عليه السلام) : ((ومن وصفه فقد حدّه , ومن حدّه فقد عدّه , ومن عدّه فقد أبطل أزله))، وقال ابنه الحسن بن علي عليهما السلام في جوابه لإبن الأزرق الذي حكاه عنه الحاكم في السفينة : ((أصف إلهي بما وصف به نفسه وأعرفه بما عرَّف به نفسه لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس )).

 وقال القاسم ابن إبراهيم (عليه السلام) في جواب مسائل الطبريين : ((فهذه صفته تبارك وتعالى في الآنية والذات ليست فيه جل جلاله بمختلفة ولا ذات أشتات ولو كانت فيه مختلفة لكان اثنين أو أكثر في الكثرة والعدة وإنما صفته سبحانه هو )) .

 وقال ابنه محمد ابن القاسم (عليه السلام) في كتاب الأصول : (( وصفته لذاته هي قولنا لنفسه نريد بذلك حقيقة وجوده )) .

وقال الهادي (عليه السلام) في كتاب المسترشد: (( وليس قولنا صفتان قديمتان أن مع الله سبحانه صفة يوصف بها ولا نقول أن ثم صفة وموصوفاً ولا أن ثم شيئاً سوى الله عند ذي العقول مجهولاً ولا معروفاً )) , وقوله (عليه السلام) في كتاب الديانة : (( من زعم أن علمه وقدرته وسمعه وبصره صفات له لم يزل موصوفاً بها , قبل أن يخلق , وقبل أن يكون أحد يصفه بها , وقبل أن يوصف هو بها نفسه وتلك الصفات زعم لا يقال هي الله ولا هي غيره فقد قال منكراً من القول وزوراً )) .

 وقال القاسم بن علي (عليه السلام) في كتاب التوحيد: ((وان زعم زاعم أنه عالم بعلم ليس هو هو ولا هو غيره , لم يكن بينه وبين من زعم أنه عالم بعلم هو هو وهو غيره فرق )).

 وقال ابنه الحسين بن القاسم (عليه السلام) في جوابه ليحيى بن مالك الصعدي: (( ما تفسير علم الله وقدرته إلا كتفسير وجهه ونفسه , فهل يقول أحد يعقل بأن له  وجهاً كوجه  الإنسان أو نفساً كأنفس ذوي الأبدان هذا ما لا يقول به أحد من ذوي الألباب ولا يعتقده في الله رب الأرباب , وإنما وجهه هو ذاته وكذلك علمه وقدرته )) .

ولمولانا الإمام الحجة مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أسعده الله مبحث نفيس حقق المقال وأتى فيه بدرر الأقوال ولنفاسته وعظم فائدته نقلناه بكامله من المجلد الثاني من اللوامع الطبعة الأولى صـ158ـ قال أسعده الله :

نعم:  واعلم أن من أعظم ما دار فيه الخلاف وتباينت فيه الأقوال بين أهل التوحيد وبين غيرهم من فرق الضلال مسائل صفات رب العالمين , ذي العظمة والجلال , وقد اتفق أهل التوحيد والعدل قاطبة من العترة عليهم السلام والمعتزلة على الشهادة له بما شهد به لنفسه , وشهد به ملائكة قدسه , وأولوا العلم من جنِّه وإنسه )شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم( [ ق:18] وعلى وصفه جل وعلا بما وصف به نفسه تعالى : من أنه القدير العليم الحي )وهو اللطيف الخبير( [الأنعام:103] )الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير( [الشورى:11] وأنه المختص بصفات الكمال المضافة إلى الذات المقدس والأفعال، العدل الحكيم , وعلى تنـزيه الله سبحانه وتعالى عن المعاني الحقيقية المقتضية للتعدد والمشاركة للقديم جل وعلا في الأزلية، التي هي في الشاهد الممكن القدرة والعلم والحياة والوجود وغيرها من المعاني الزايدات على الذات , وليست هذه المذكورة بالصفات ولا الأحوال ولا المزايا ولا التعلقات , على إختلاف المصطلحات التي يقول بها المعتزلة كما يتوهمه من لا إطلاع له , وإنما هي عندهم مثلاً القادرية والعالمية أي كونه قادراً عالماً ونحوهما , وجمهور أئمة العترة لا يقولون بشيء من ذلك كما هو معلوم , ومن صرائح نصوصهم مرسوم .

قال إمام المحققين الأعلام الحسين بن القاسم بن محمد عليهم السلام في بحث النسخ من شرح الغاية: قلنا لا نسلم ثبوت العالمية فإن ثبوتها فرع ثبوت الأحوال , والحال هو الواسطة بين الموجود والمعدوم , وهو عند الجماهير من أئمة أهل البيت عليهم السلام وغيرهم باطل لما علم بالضرورة من أن الموجود ماله تحقق والمعدوم ما ليس كذلك , ولا واسطة بين النفي والإثبات , ولذا قال بعض أئمة أهل البيت عليهم السلام في وصف اعتقادات آبائه الصحيحة من قصيدة طويلة:

لم يثبتوا صفةً للذات زائدة         ولا قضوا باقتضاء حال لأحوال

انتهى المراد , وهذا البيت من الأبيات الفخرية.

هذا ولهم في تقسيمها وكيفية استحقاقها كلام طويل مبسوط في محله من الأصول , والخطب عند التحقيق على خلافهم يسير , فإن الصفات الزائدات التي يثبتونها ليست عندهم بأشياء ولا ذوات ولا معلومات على الإنفراد , وإنما الخلاف الخطير الكبير بين أهل العدل وغيرهم كالأشعرية المثبتين للمعاني القديمة الحقيقية , والحق الذي عليه قدماء آل الرسول صلوات الله عليهم ومن وافقهم من علماء الأصول , وقضت به حجج المعقول والمنقول , أن صفات الله جل جلاله ذاته , والمعنى أنه ليس لله سبحانه وتعالى باعتبار هذه الصفات سواه لا معنى ولا أمر ولا حال ولا شيء غير ذي الجلال , بل الذات المقدس يوصف عز وجل من حيث انكشاف جميع المعلومات له وتعلق علمه بها عالماً , ومن حيث اقتداره على جميع المقدورات , وعدم امتناع شيء منها عليه قادراً , إلى آخرها .

فلما ترتب على الذات الواجب الوجود جل وعلا ما يترتب على الذوات والصفات في الشاهد لكون ذوات غيره سبحانه وتعالى غير كافية في ثبوت الصفات بل تحتاج إلى معنى يقوم بها .

قالوا : صفاته ذاته عز وجل , وليس المراد أن هناك ذاتاً وصفةً كما يتوهمه من لم يرسخ علمه في هذه الطريقة بل الذات المقدس وصفاته عز وجل عبارة عن شيء واحد بالحقيقة , والتغاير إنما هو باعتبار المفهوم , فعالم باعتبار تعلق الذات بالمعلومات من حيث كونها معلومات , وقادر كذلك من حيث كونها مقدورات , وهكذا سائرها .

فالتعدد حقيقة في متعلق الصفات لا في الصفات فليست إلا عبارة عن الذات , ومرجع الكلام عند التحقيق إلى إثبات مدلولات الصفات وثمراتها وآثارها بالذات المقدس العلي عز وجل لا بمعنى ولا أمر ولا مزية , وليس هذا القول كقول أبي الحسين فإنه يقول : الصفات أمور اعتبارية وهي التعلق , وقدماء الآل عليهم السلام يقولون : هي الذات من حيث التعلق لا التعلق نفسه , وبينهما فرق واضح , وعلى هذا فالمضاف هو المضاف إليه في قدرة الله وعلمه وجميع صفاته , كما في وجهه ونفسه وذاته ونحو ذلك , فلا معنى لاعتراض بعض الأئمة المتأخرين على إمام الأئمة الهادي إلى الحق المبين (عليه السلام) وقد رد عليه السيد الإمام المحقق المفتي صاحب البدر الساري رضي الله عنهم وغيره, ولو حقق النظر , لما سطر ما سطر , ولكن لكل جواد كبوة , ولكل صارم نبوة.

هذا وإنَّما وقع فضل العناية بتحقيق الكلام في هذا المقام , لاشتباهه على كثير من الأفهام , ولعظم محل هذا الأصل في معرفة الملك العلام , وكثرة النزاع في شأنه بين فرق الأنام , وقد تحصلت المذاهب في صفات ذي الجلال إلى عشرة أقوال كما لخصها علماء الكلام:

القول الأول

القول الأول: إن صفاته جل جلاله ذاته, على ما حققناه وهو الواجب بجلال التوحيد , وجناب التمجيد للرب المجيد , والذي قامت عليه البراهين , وقد أبان ذلك إمام الموحدين , وسيد المتكلمين , وباب مدينة علم الرسول الأمين , صلوات الله عليهما وعلى آلهما الأكرمين , قال صلوات الله عليه : ( أول الدين معرفته , وكمال معرفته التصديق به , وكمال التصديق به توحيده , وكمال توحيده الإخلاص له , وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف , وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة , فمن وصف الله فقد قرنه , ومن قرنه فقد ثنّاه , ومن ثنّاه فقد جزأه , ومن جزأه فقد جهله) إلى قوله (عليه السلام) : ( ومن قال : فيم ؟ فقد ضمنه , ومن قال : علام ؟ فقد أخلى عنه , كائن لا عن حدث , موجود لا عن عدم ) إلى آخر الخطبة الشريفة .

وقال كرَّم الله وجهه : ( مباينٌ لجميع ما جرى من الصفات , وممتنع عن الإدراك بما ابتدع من تصريف الأدوات , وخارج بالكبرياء والعظمة من جميع تصرم الحالات).

وقال سلام الله عليه : ( فليست له صفة تنال , ولا حد يضرب له فيه الأمثال).

وقال رضوان الله عليه : ( كان إلاهاً حياً بلا حياة , وملكاً قبل أن ينشىء شيئاً , ومالكاً بعد إنشائه , وليس يكون له كيف ولا أين , ولا له حد يعرف , ولا شيء يشبهه , ولكن سميع بلا سمع , وبصير بلا بصر ) .

وقال صلوات الله عليه : ( ما وحده من كيفه , ولا حقيقته أصاب من مثّله , ولا إياه عني من شبهه , ولا صمده من أشار إليه وتوهمه , كل معروف بنفسه مصنوع , وكل قائم في سواه معلول ) , إلى قوله : ( وخرج بسلطان الإمتناع من أن يؤثر فيه ما يؤثر في غيره , الذي لا يحول ولا يزول , ولا يجوز عليه الافول ) ، إلى قوله رضوان الله عليه : ( ولا يوصف بشيء من الأجزاء , يقول ولا يلفظ , ويحفظ ولا يتحفظ , ويريد ولا يضمر , يحب ويرضى من غير رقة , يبغض ويغضب من غير مشقة , يقول لما أراد كونه كن فيكون, لا بصوت يقرع , ولا بنداء يسمع , وإنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه ومثله , ولم يكن من قبل ذلك كائناً , ولو كان قديماً لكان إلاهاً ثانياً ) .

وقال رضوان الله عليه : ( الذي ابتدع الخلق من غير مثال امتثله , ولا مقدار احتذى عليه من خالق كان قبله , بل أرانا من ملكوت قدرته وعجائب ما نطقت به آثار حكمته , واعتراف الحاجة من الخلق إلى أن يقيمهم بمساك قوته ما دلنا باضطرار قيام الحجة له علينا على معرفته ) , ومن خطبة له أخرى : ( ولم تحط به الصفات فيكون بادراكها إياه متناهياً, هو الله الذي ليس كمثله شيء عن صفة المخلوقين متعالياً , وجل عن أن تناله الأبصار فيكون بالعيان موصوفاً , وارتفع عن أن يحوي كنه عظمته فهاهات رويَّات المفكرين , وليس له مثل فيكون بالخلق مشبهاً , وما زال عند أهل المعرفة عن الأشباه والأنداد منـزهاً ) , إلى قوله (عليه السلام) : (وكيف لما لا يقدر قدره مقدار في رويَّات الأوهام, لأنه أجل من أن تحده ألباب البشر بالتفكير , وهو أعلى من أن يكون له كفؤ فيشبه بنظير, فسبحانه وتعالى عن جهل المخلوقين , فسبحانه وتعالى عن إفك الجاهلين , فأين يتاه بأحدكم ؟ وأين يدرِك ما لا يدرَك ؟ والله المستعان ) .

وقال رضوان الله عليه : ( من وصفه فقد شبهه , ومن لم يصفه فقد نفاه , وصفته أنه سميع ولا صفة لسمعه ) .

وقال رضوان الله عليه: ( باينهم بصفته ربا , كما باينوه بحدوثهم خلقا ) , إلى غير ذلك من كلام سيد الوصيين , فهو مفجر علوم الدين , والمبين للأمة ما اختلفوا فيه بعد أخيه سيد النبيين , وفي كلامه هذا أعظم بيان وأقوم برهان .

ولنورد هذا الفصل الأعظم الذي هو شرح لمعنى قوله عز وجل: )وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلاَّ هو( [الأنعام– 59] .

من خطبته الكبرى التي أقام فيها دلائل توحيد الله تعالى وآيات جلاله , وبينات برهانه النيرات العظمى , قال صلوات الله عليه : ( عالم السر من ضمائر المضمرين , ونجوى المتخافتين , وخواطر رجم الظنون وعقد عزيمات اليقين , ومسارق ايماض الجفون , وما ضمته أكنان القلوب , وغيابات الغيوب , وما أصغت لاستراقه مصايخ الأسماع , ومصايف الذر , ومشاتي الهوام , ورجع الحنين من المولهات , وهمس الأقدام , ومنفتح الثمرة من ولائج غلف الأكمام , ومنقمع الوحوش من غِيْران الجبال وأوديتها , ومختبأ البعوض بين سوق الأشجار وألحيتها ,ومغرز الأوراق من الأفنان , ومحط الأمشاج من مسارب الأصلاب , وناشئة الغيوم ومتلاحمها , وذرور قطر السحاب في متراكمها , وما تسفي الأعاصير بذيولها , وتعفو الأمطار بسيولها , وعرم نبات الأرض في كثبان الرمال , ومستقر ذوات الأجنحة في شناخيب الجبال , وتغريد ذوات المنطق في دياجير الأوكار , وما أوعبته الأصداف وحضنت عليه أمواج البحار , وما غشيته سدفة ليل أو ذر عليه شارق نهار , وما اعتقبت عليه أطباق الدياجير وسبحات النور , وأثر كل خطوة , وحس كل حركة, ورجع كل كلمة , وتحريك كل شفة , ومستقر كل نسمة , ومثقال كل ذرة, وهماهم كل نفس هامة , وما عليها من ثمر شجرةٍ , أو ساقط ورقة , أو قرار نطفة , أو نقاعة دم ومضغة , أو ناشئة خلق وسلالة لم يلحقه في ذلك كلفة , ولا اعترضته في حفظ ما ابتدعه من خلقه عارضة , ولا اعتورته في تنفيذ الأمور وتدابير المخلوقين ملالة ولا فترة, بل نفذ فيهم علمه , وأحصاهم عده , ووسعهم عدله , وغمرهم فضله , مع تقصيرهم عن كنه ما هو أهله ) الخ .

وقبل هذا الكلام , في وصف ملكوت ذي الجلال والإكرام , الذي يجب أن يكون إليه قصد الناظرين , وتوجيه فكر المفكرين , ومنتهى اعتبار المعتبرين , وقد سقنا الفصلين لما فيهما من الموافقة للمقام , عند أولي الأفهام من الأنام .

وقال رضوان الله عليه في وصف ملائكة الله المقربين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين : ( ثم خلق سبحانه لاسكان سماواته , وعمارة الصفيح الأعلى من ملكوته خلقاً بديعاً من ملائكته , ملأ بهم فروج فجاجها , وحشى بهم فتوق أجوائها , وبين فجوات تلك الفروج زَجَل المسبحين منهم في حضائر القدس , وسترات الحُجُب , وسرادقات المجد , ووراء ذلك الرجيج الذي تستك منه الأسماع سبحات نورٍ تردعُ الأبصارَ عن بلوغها , فتقف خاسئة على حدودها , أنشأهم على صور مختلفات , وأقدار متفاوتات , أولى أجنحة تسبح جلال عزته , لا ينتحلون ما ظهر في الخلق من صنعته , ولا يدّعون أنهم يخلقون شيئاً مما انفرد به , )بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون( [الأنبياء– 26"27] , جعلهم الله فيما هنالك أهل الأمانة على وحيه , وحملهم إلى المرسلين ودائع أمره ونهيه , وعصمهم من ريب الشبهات , فما منهم زائغ عن سبيل مرضاته , وأمدهم بفوائد المعونة , وأشعر قلوبهم تواضع أخْبات السكينة , وفتح لهم أبواباً ذللاً إلى تماجيده , ونصب لهم مناراً واضحةً على أعلام توحيده , لم تنقلهم موصرات الآثام , ولم ترتحلهم عُقَبُ الليالي والأيام , ولم ترم الشكوك بنوازعها عزيمة إيمانهم , ولم تعترك الظنون على معاقد يقينهم ) , إلى قوله (عليه السلام) في وصفهم صلوات الله عليهم : ( ومنهم من هو في خلق الغمام الدُّلح , وفي عظم الجبال الشمَّخ , وفي قترة الظلام الأبهم , ومنهم من قد خرقت أقدامهم تخوم الأرض السفلى فهي كرايات بيض قد نفذت في مخارق الهواء , وتحتها ريح هفَّافةٌ تحبسها حيث انتهت من الحدود المتناهية ) , إلى قوله رضوان الله عليه : ( فهم اسراء ايمان , لم يفكهم من ربقته زيغ ولا عدول , ولا ونىً ولا فتور , وليس في أطباق السماء موضع اهاب إلا وعليه ملك ساجد , أو ساع حافد , يزدادون على طول الطاعة بربهم علماً , وتزداد عزة ربهم في قلوبهم عظماً ) , إلى آخر ذلك الكلام الفائق الذي لا يحسن في وصفه إلا ما قاله الأعلام : ( هو فوق كلام المخلوق , ودون كلام الخالق ) , وقد سقت هذا القدر منه لمحله في هذا الباب , ولا يخفى مواضع الحجة فيه على الناظر من أولي الألباب.

هذا وقد سلك منهاجه المبين نجوم الأئمة الهادين من عترته الطاهرين عليهم السلام , قال سبطه سيد العابدين علي بن الحسين بن علي أمير المؤمنين عليهم السلام في توحيده : ( فأسماؤه تعبير وأفعاله تفهيم , وذاته حقيقة , وكنهه تفريق بينه وبين غيره).

وقال (عليه السلام) : ( أول عبادة الله معرفته , وأصل معرفته توحيده , ونظام توحيده نفي جميع صفات التشبيه عنه , بشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق , وشهادة كل مخلوق أن له خالقاً ) , إلى قوله (عليه السلام) : ( وشهادة كل صفة وموصوف بالإقتران , وشهادة الإقتران بالحدث , وشهادة الحدث بالإمتناع من الأزل الممتنع من الحدث ) الخ كلامه .

وقال نجم آل الرسول , وصفوة أسباط الوصي والبتول , القاسم بن إبراهيم , عليهم الصلاة والتسليم في كتاب التوحيد : ( وهو الواحد لا من عدد , ولا فيه عدد , وليس شيء يقال إنه واحد في الحقيقة غير الله تعالى ) , وقال في مجموعه : ( فأوليته سبحانه آخريته , وباطنيته ظاهريته , لا يختلف في ذلك ما وصف به , كما لا يختلف سبحانه في نفسه , وكذلك أسماؤه كلها الحسنى , وأمثاله كلها العلى , كما قال سبحانه : )فاعْبُدْهُ واصطبر لعبادته هل تعلم له سميّا ( [مريم :66] , ولن يوجد له سمي إذ لا تجد له كفيا).

وقال (عليه السلام) في جواب الطبريين: ( فهذه صفته تبارك وتعالى ليست فيه جل ثناؤه بمختلفة ولا ذات أشتات , ولو كانت فيه مختلفة لكان اثنين أو أكثر في العدد , وإنما صفته سبحانه هو ) , فهذا صريح كلامه يرد على من ادعى عليه أنه يقول بمذهب البهاشمة في الصفة الأخص , وقد فسر القول الذي أخذوا له منه ذلك تفسيراً صريحاً لا يحمل خلافه فقال في كتاب الدليل الكبير : ( وهذا الباب من خلافه سبحانه لأجزاء الأشياء كلها ) , إلى قوله : ( وهي الصفة التي لا يشاركه فيها مشارك , ولا يملكها عليه سبحانه مالك ) , إلى قوله : ( وهذه الصفة هي قوله سبحانه: )ليس كمثله شيء ( ) [الشورى : 11] وليس شيء سوى الله يوصف بأنه شيء لا كالأشياء ) , وله صرايح غير هذا يطلع عليها من حقق النظر في كتبه عليه السلام.

وقال صفوته الإمام العالم محمد بن القاسم عليهما السلام في كتاب الوصية: ( الحمد لله الحي القيوم ذي العظمة والجلال الذي لم يزل ولا شيء غيره ) , وقال في حقيقة الإيمان به أنه الذي هو خلاف الأشياء كلها , وقال حقيقة اليقين به والمعرفة له : ( أنه لا يدرك بحلية ولا تحديد ولا تمثيل , ولا صفة , وكيف يوصف ما لا تدركه العقول ولا الفكر ولا الحواس ؟ ) , إلى قوله : ( وقد روي عن النبي صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم أنه قال : تفكروا في المخلوق ولا تفكروا في الخالق , فاجعل فكرك في صنعته , تستدل به على عجيب فعله , وعظيم قدرته في كل محدث , ولا تفكر فيه فإنك تتيه , وتهلك نفسك , فاستعمل العقل وتابع السمع , واستدل باليسير على الكثير تسلم ) .

وقال سبطه إمام الأئمة , وهادي الأمة , يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم عليهم الرضوان والتسليم في كتابه الديانه: ( ليس قدرته وعلمه سواه لم يزل عالماً قادراً , ليس لقدرته غاية , ولا لعلمه نهاية , وليس علمه وقدرته سواه ومن قال : علم الله فهو الله , وقدرة الله هي الله , وسمع الله هو الله , وبصر الله هو الله , فقد قال في ذلك بالصواب), قال الإمام المهدي : هذا قول أبي الهذيل .

وقال الإمام الهادي إلى الحق (عليه السلام) : ( ومن زعم أن قدرته وسمعه وبصره صفات له), إلى قوله (عليه السلام) : (وتلك الصفات زعم لا يقال هي الله ولا هي غيره , فقد قال منكراً من القول وزوراً).

قلت: وهذا عين مذهبهم .

وقال في كتاب الرد على أهل الزيغ: ( فلما صح عند ذوي العقول والبيان أن الحواس المخلوقة والألباب المجعولة لا تقع إلا على مثلها , ولا تلحق إلا شكلها , ولا تحد إلا نظيرها , صحت له لما عجزت عن درك تحقيقه الواحدانية , وتثبت للممتنع عليهم من ذلك الربوبية , لأنه سبحانه مخالف لها في كل معانيها بائن عنها في كل أسبابها , ولو شاركها في سبب من الأسباب , لوقع عليه ما وقع عليها من درك الألباب , فلما تباينت ذاته سبحانه وذاتها , وكانت هي فعله وكان هو فاعلها , بانت بأحق الحقائق صفاته سبحانه وصفاتها , فكان درك الأوهام والعقول لها بالتبعيض والتحديد , وكان درك معرفته سبحانه بأفعاله وبما ظهر من آياته , ودل به على نفسه من دلالته ) , إلى آخر كلامه (عليه السلام) .

وقال إمام الجيل والديلم , الناصر للحق الأقوم في كتاب البساط : ( وتمام توحيده نفي الصفات عنه والتشبيه لخلقه , لشهادة كل عقل سليم , من الرين بما كسب , والإفك بما يقول ويرتكب , واتباع الأهواء والرؤساء أن كل صفة وموصوف مصنوع وشهادة كل مصنوع أن له صانعاً مؤلفاً , وشهادة كل مؤلف أن مؤلفه لا يشبهه , وشهادة كل صفة وموصوف مؤلف بالإقتران والحدث , وشهادة الحدث بالإمتناع من الأزل , فلم يعرف الله سبحانه من وصف ذاته بغير ما وصف به نفسه , ولا إياه عبد من شبهه بأفعاله , ولا حقيقته أصاب من مثله بأجعاله , ولا صَمَدَه من أشار إليه , إذ كل معروف بنفسه مصنوع, وكل قائم في غيره معلول , فبصنع الله وآياته يستدل له عليه , فيقال إنه هو الأحد , لا أن له ثانياً في الحساب والعدد, وبالعقول السليمة يعرف ويعتقد , أنه بارئ الأشياء وإليه تأله العقول وتصمد , قال الله جل ذكره : )يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً( [طه – 110]).

إنتقاد الإمام الناصر الأطروش (عليه السلام) على المعتزلة

وقال (عليه السلام) منكراً على المعتزلة: ثم انصدعت من هذه الملة طائفة باسم الإعتزال , إلى قوله: حتى خاضوا في صفات ذاته سبحانه وضربوا له الأمثال , وقد نهى الله عن ذلك بقوله تعالى: )فلا تضربوا لله الأمثال( [النحل – 74]  وقال: )ولا تقولوا على الله ما لا تعلمون( , وبالغوا في خلاف ذلك ولم يرضوا حتى تعدوا إلى الكلام في كل ما لا يعلمون ولا يدركون خلافاً لله تعالى ورسوله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم وابتداعاً وتخرصاً وميناً ورمياً بعقولهم وحواسهم من وراء غاياتها , وتكلموا في دقيق الكلام بما لم يكلفوا , وبما لعل حواسهم خلقت مقصورة عن إدراك حقيقتها , وعاجزة عن قصد السبيل فيها , وقال في ذلك :

قد غيَّر الناس حتى أحدثوا بِدَعاً         في الدين بالرأي لم تبعث به الرسل

وكلام أئمة الهدى السابقين على هذا المنهج من غير اختلاف ولا عوج .

ومن العجب نسبة القول بالصفة الأخص إلى نجم آل الرسول عليهم السلام كما عزاه بعضهم إليه وإلى حفيده الهادي إلى الحق كما زعم البعض الآخر مع صرائح أقوالهم هذه وغيرها الدالة على خلافه , ومع نصوصهم على عدم الإشتراك في الذوات , والقول بزيادة الصفات مبني على ذلك كما هو معلوم , وأعجب من ذلك قول الجنداري المحكي عنه في حاشية شرح الغاية حيث قال : إن أريد قدماء أهل البيت فلم يسمع عنهم في ذلك نفي ولا إثبات إلى آخر كلامه على قول صاحب الغاية , ولذا قال بعض أئمة أهل البيت عليهم السلام الكلام المتقدم فهذا كلام القدماء النجوم العظماء الذين مقدمهم إمام الموحدين , وسيد علماء الدين أمير المؤمنين , وصنو سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

 

 

قال الإمام الواثق بالله في حكايته لأقوال الأئمة الهداة من آل محمد صلوات الله عليهم:

لم يثبـتوا صـفة للـذات زائـدة

ولا قـضوا بثـبات الذات في أزل

دانـوا بأن الاه  الـعرش  ذَوَّتـها

لو كانت الذات ذاناً قبل يـوجدها

ما كـان يـخطر هذا من ركاكته

ولا علـي ولا ابـنـيه  وزوجـته

 

ولا  قضوا  باقتضا حـال لأحـوال

ولـيس لله إلا صـنعـة الـحـال

بلا احـتذاء علـى  حـذو  وتمثال

لـكـان كـل مـحل  سابق  تالي

للـمصطفى صفوة الباري على  بال

فـقولهم من أبـاطيل الـهوى خال

انظر بإنسان عين الفكر في خطـب

قد لـحبوا طـرقاً للـسالكين بها

ثـم اقتـفى إثـرهم  زيد  ووالده

كذلك القاسم الـرسي قـال كما

فـناظـر الفـلسفـي حتى أقر له

وصفوة القاسم الرسي محمد الــ

والهادي الهادي الخلق الذي خضعت

كذلك الناصر الأطروش  من  الفت

والناصر الناصر الأديان مذ  خلقت

والقاسـم بن علـي والحسين ومن

وأحمد بن سليـمان  الذي  قصمت

ثـم الـخليفة عـبدالله فهو  على

وأحـمد بن الـحسين المَلْك إن له

ثـم الإمـام الأغـر المنتقى حسن

 

لـهم ومـنثور لفـظ سلسل حال

وبيـنوها بتـفـصـيل وإجـمال

وصـنوه وابنـه والـحال كالحال

قـالوا وفـجر ينبوع  الهدى  الحال

وتـاب مـن دس تعـليل وإيـغال

ـجـدير منـا بإعـظام وإجـلال

لـه الملـوك بـتصـغـير  وإذلال

يـمناه طـعن العدى والبذل للمال

وصـنوه الـمرتضى والأيمن  الفال

يـحكيه في حـسن أقوال  وأعمال

سـيوفه كـل ذي كـفر وإضلال

مـنـوال آل عـلـي خير  منوال

عقـيدة عـزلت في عكسها  الوالي

فـقـد قـفاهـم بأقـوال وأفعال

 

 

 

يعني الإمام الحسن بن بدر الدين عليهم السلام صاحب أنوار اليقين.

كـذا المطهر شيخ الآل قال كـما

كـذاك قول ابنه المهدي  خير  فتى

فـافهم مـسائلهم  واتبع  مقالتهم

أمـا حـميدان من شاد المنار  فقد

 

قـالوا فـقدس روحـاً خـير قوال

قـوام لـيـل وصـوام و صـوال

ولا تبـع متـقن  التـحقيق  بالكالي

أحـيا بـهـمـته قـولاً لـهم بال

وأن يـحيى بـن منصور  جلا  لهم

والـمرتضى قال  والمهدي  كقولهم

تبـدي مـقالتهم فحوى  عقائدهم

 

أقـوالـهم حـبذا الـمجلو والجالي

صـلى الإلـه عـليهم كـل آصال

فـدن بـها تـنج مـن غي وإخلال

وقد اخترت إيرادها بتمامها لما فيها من الإفادة والإجادة , وقد سبق صدرها سلام الله على ناظم عقودها , وناسج برودها ورحمته ورضوانه .

نعم فهذا القول الأول وهو قول أهل البيت عليهم السلام السابقين , وأبي الهذيل والملاحميه , وأما القول بأنها عبارة عما لا يعلم كنهه , وقد نسب إلى زين العابدين (عليه السلام) واختاره الحسن الجلال , فلا منافاة بينه وبين الأول فالذات المقدس لا يعلم كنهه ,

القول الثاني

الثاني: أنها لعدم صفة النقص , فعالم لعدم كونه غير جاهل , وقادر لكونه غير عاجز ... الخ, قالوا ربما أوهمه كلام نجم آل الرسول صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم ورواه الهادي بن إبراهيم عن جماعة أهل البيت عليهم السلام

القول الثالث

الثالث: أنها مزايا اعتباريه فقط في غير صفة الوجود , وهو قول أبي الحسين البصري

القول الرابع

الرابع: أنها أمور زائدة على الذات , لا هي الموصوف ولا هي غيره , ولا شيء ولا لا شيء , وقد استشكل عليهم قولهم فيها الصفات لا توصف مع وصفهم لها بأنها ثابتة في الأزل , وذاتية وواجبة ومقتضاة , وأجيب بأنهم يريدون أنها لا توصف بصفات وجودية زائدة عليها للزوم التسلسل , وأما هذه الصفات التي وصفوها بها فهي اعتبارية لا وجود لها في الخارج , هذا وهي مقتضاة عن الذات عند أبي علي وأتباعه ، وعن الصفة الأخص عند أبي هاشم وأتباعه.

القول الخامس

الخامس: أنه تعالى يستحقها لمعان زائدة أزلية , وهو قول الكلابية , قال الإمام عزالدين (عليه السلام) : (( الأزلي هو القديم )) , إلا أن ابن كلاب لم يتجاسر على إطلاق القول بقدمها للإجماع على أنه لا قديم مع الله تعالى , وتجاسر الأشعري على ذلك

القول السادس

السادس: أنه تعالى يستحقها لمعان قديمة قائمة بذات الباري سبحانه وتعالى , وهو قول الأشعرية , وقد اتفق أهل النقل عنهم على إثباتهم للمعاني القديمة , ثم اختلف بعد ذلك أنها نفس الصفات , وأن الصفات مستحقة للمعاني القديمة عندهم , والتحقيق ما أفاده الإمام عزالدين (عليه السلام) في المعراج قال فيه : (( قال الإمام يحيى (عليه السلام) : وأما الأشعرية فاتفقوا على إثبات المعاني القديمة ثم اختلفوا فنفاةُ الأحوال منهم يقولون العلم هو نفس العالمية , والقدرة هي نفس القادرية , ثم هذه الصفة عندهم معلومة بنفسها موجودة في ذاتها , وهو مذهب الأشعري وابن كلاب , وقول المتأخرين من محققيهم , وأما مثبتوا الأحوال منهم فعندهم أن القادرية والعالمية والحيية صفات مضافة إلى المعاني , والله تعالى كما هو موصوف بهذه الصفات هو موصوف بالمعاني ... الخ , وقالوا لا هي الله ولا هي غيره ولا بعضها البعض الآخر ولا

القول السابع

السابع: أنه تعالى يستحقها لمعاني قديمة أغيار لله تعالى أعراض حالَّة في ذاته سبحانه وتعالى, وهو قول

القول الثامن

الثامن: أنه يستحقها لمعان لا توصف بقدم ولا غيره , وهو قول الصفاتية , وأفاد الإمام عزالدين (عليه السلام) أنهم سليمان بن جرير الإمامي وبعض أصحابه , وليس هذا القول قول الكرّامية كما نسبه إليهم بعضهم.

القول التاسع

التاسع: أنها غير الله تعالى وأنها محدثة بعلم محدث , وهو قول

القول العاشر

العاشر: قول الباطنية أقماهم الله , وهو في التحقيق خارج عن أقوال المنتمين إلى الإسلام, وهو أنَّهم لا يصفونه جلَّ وعلا بنفي ولا إثبات فلا يوصف عندهم بوجود ولا عدم.

إنتهى ملخصاً , وقد

قول الأشعرية والمعتزلة في صفات الله تعالى

ثم أنا رجحنا أن نخص بالبحث قول الفرقتين العظيمتين الأشعرية والمعتزلة في صفات الله تعالى, ونبين بعض الردود عليهم والمؤاخذات فنقول:ـ

أمَّا الأشعرية فقد ذهبوا إلى أنه تعالى حي بحياة , وقادر بقدرة , وعالم بعلم , وسميع بسمع وبصير ببصر , ومريد بإرادة , ومتكلم بكلام , وكل ذلك معان قديمة عندهم , وقالوا لا هي الله و لا هي غيره ولا هي بعضه ولا هي كله , وقالوا لولا هذه المعاني لما كان على هذه الصفات.

قال في مختصر النسفي وشرحه لسعد الدين: وله صفات لما ثبت من أنه عالم قادر حي إلى غير ذلك ومعلوم أن كل ذلك يدل على معنى زائد على مفهوم الواجب فيثبت لله صفة العلم والقدرة والحياة لا كما يزعم المعتزلة أنه عالم لا علم له وقادر لا قدرة له إلى غير ذلك فإنه محآل , قال وليس النـزاع في العلم والقدرة التي هي من جملة الكيفيات والملكات لما يصرح به مشائخنا من أن الله حي وله حياة أزلية ليست بعرض ولا مستحيل البقاء , والله عالم بعلم أزلي شامل ليس بعرض ولا مستحيل البقاء ولا ضروري ولا مكتسب, وكذا في سائر الصفات , بل النـزاع في أنه كما للعالم منا علماً هو عرض قائم به زائد عليه حادث فلصانع العالم علم هو صفة أزلية قائمة بذاته زائدة عليه , وكذا جميع الصفات , أهـ .

ونحن نتعرض لإبطال مقالتهم فنقول إن هذه المعاني التي زعموها موجبة لهذه الصفات لا دليل عليها لا من العقل ولا من السمع ولا من استقراء كلام العرب وكلما لا دليل عليه  وجب نفيه , وأيضاً فإنهم قالوا هي موجبة لهذه الصفات وهي قديمة , فإذا كانت قديمة وقد أثرت في وجود هذه الصفات في القدم لأنها بمثابة العلة والصفات بمثابة المعلول فإذا كانت ثابتة في الأزل فالصفات مستغنية عن تلك المعاني القديمة , وهذا هو معنى قول أصحابنا رحمهم الله أن في تصحيحها إبطالها لأنها إذا كانت قديمة ومعلولها مقارن لها فقد استغنى معلولها عنها لقدمه وأيضاً فإن تأثيرها في معلولها أي في الصفات ليس بِأوْلَى من تأثير معلولها فيها لعدم الدليل إذ ما تأثير أحدهما في الآخر بأولى من العكس , وأيضاً فإن تلك المعاني لا تخلوا إما أن تحل في الله أو لا تحل , باطل أن تحل فيه تعالى لأن ذلك يقتضي الجسمية والله تعالى ليس بجسم , وباطل أن لا تحل فيه تعالى وتوجب له لعدم الإختصاص , ثم أنا لو سلمنا أنها توجب مع فقد الإختصاص فلم تكن بأن توجب له أولى من أن لا توجب له وأولى من أن توجب هذه الصفات لغيره لعدم الإختصاص , والله جلَّ جلاله قديم فلا يجوز أن تحل فيه ولو حلت فيه لكان لا بد من أمرين:

إما أن يكون محدثاً , وإما أن تكون قديمة , وكلا الأمرين محال .

وأيضاً فإنهم قالوا هي قديمة والباري سبحانه قديم , فلم تكن هذه المعاني بأن توجب له هذه الصفات بأولى من أن يوجب لها ذلك لإشتراكهما في القدم وعدم المخصص للبعض بالإيجاب دون بعض وأيضاً فقولهم بقدمها يلزمهم ثبوت قدماء مع الله ولا إله إلا هو وهذا تنبيه على تهافت هذا المذهب والردود الحاسمة الوافية في المطولات إذ الغرض الإشارة ومن لم يكفه القليل لم ينتفع بالكثير , وبهذا يبطل قول الكرّاميه , والكلاّبية

قول المعتزلة

وأمَّا المعتزلة فهم رجال العدل والتوحيد , وقد حلّقوا في التحقيق والتدقيق , لولا ما شاب كلامهم من الغلو ومجاوزة الحد وتقصيرهم في حق أمير المؤمنين (عليه السلام) تقصيراً فتَّ في عضد تحقيقهم , وقد نقم عليهم بعض أئمتنا بعض الأقوال التي أطلقوها على الله تعالى ,وللإمام (عليه السلام) في شرح الأصول الخمسة كلامٌ ألزمت المعتزلة الأشعرية به فألزمنا المعتزلة بمثل ما ألزمت الأشعرية مثبتي المعاني , قال رحمه الله :

فان قيل ما أنكرتم أن هذه المعاني صفات والصفات لا توصف بالوجود ولا بالعدم ولا بالحدوث ولا بالقدم قلنا هذه مناقضة ظاهرة من وجوه:

 أحدها: أنه قد ثبت وصفها بأنها معاني بل سَمَّيَتها علماً وقدرةً وحياةً .

والثاني: أنك وصفتها بأنها صفات .

والثالث: أنك وصفتها بأنها لا توصف فقد نقضت كلامك من هذه الوجوه .

ولقائل أن يقول كلام المعتزلة  يعود عليها لأنهم قالوا في الأمور هي صفات ويصفونها بأنها زوائد على الذات , وبأن بعضها مقتض وبعضها مقتضى , وبأنها أزلية ويسمونها علما وقدرة وحياة ويقولون أنها لا توصف فقد نقضوا كلامهم فما ألزموا به الأشعرية لزمهم .

قال الإمام  (عليه السلام) : فإن قيل هذه المعاني عندنا كالأحوال عندكم وكما أن القسمة لا تدخل في الأحوال عندكم فكذلك لا تدخل عندنا في هذه المعاني.

قلنا: أنَّ هذه المعاني معلومة عندكم فيدخلها قسمة المعلومات وليس كذلك الأحوال فإنها عندنا غير معلومة بإنفرادها وإنما الذات عليها تعلم ففارق أحدهما الآخر , والذي يدل على أن الأحوال لا تعلم أنها لو علمت لتميزت عن غيرها بأحوال أخر والكلام في تلك الأحوال كالكلام فيها فيتسلسل إلى ما لا نهاية له من الأحوال وذلك محال , أهـ.

ويعني بالقسمة التي أشار إليها ما قاله قبل ذلك ((لو كان تعالى عالماً بعلم لكان لا يخلو إما أن يكون معلوماً أو لا يكون معلوماً , فإن لم يكن معلوماً لم يجز إثباته لأن إثبات ما لا يعلم يفتح باب الجهالات , وان كان معلوماً فلا يخلو إمّا أن يكون معدوماً أو موجوداً , لا يجوز أن يكون معدوماً , وإن كان موجوداً فلا يخلو أن يكون قديماً  أو محدثاً والأقسام كلها باطلة )).

ولقائل أن يقول أن المعتزلة لم يتخلصوا بهذا التقسيم من لزوم اللوازم , أما قوله أن الأحوال غير معلومة بانفرادها وإنما الذات عليها تعلم فأول ما فيه أنها إذا لم تعلم فقد أثبتوا ما لم يعلم , وذلك بفتح باب الجهالات ولا ينفعهم قولهم أن الذات عليها تعلم فإن ما لا يعلم في نفسه كيف يعلم به غيره.

ثم أنَّهم سموا هذه الأحوال صفاتاً وأموراً ووصفوها بالزيادة على الذات وبأنها أزلية وبأن بعضها مقتضٍ وبعضها مُقْتضى وكل هذا يقضي بأنها معلومة عندهم إذ ثبوت هذه الأشياء لغير معلوم محال .

وأيضاً فإنهم مايزوا بينها في التسمية فيلزم تمايز معانيها فقد لزمهم تميزها عن غيرها وتميز بعضها عن بعض , وهذا هو الذي فروا منه .

ثم أنه يقال لهم ما الذي تعنونه بقولكم أن الأحوال لا تعلم بإنفرادها وإنما الذات عليها تعلم ؟

أتعنون لا تتصور إلا مضافة إلى الذات ومنسوبة إليها , كذلك المعاني فان علم زيد لا يتصور إلا مضافاً إليه , لأن العلم من حيث هو لا يعقل إلا منتسباً إلى من يعلم فأي فرق بين المعاني والأحوال بهذا الاعتبار وإن أردتم معنى غير هذا فبينوه لنا فإنا لم نفهم ما هو الذي تعنونه غير ما حررناه .

وفي كلام لبعض العارفين قال ما لفظه:

فإن قيل: قد ثبت بالأدلة القاطعة بطلان أقوال المعتزلة وفساد عقائدهم في معرفة الله وصفاته , وصحة أقوال أئمة أهل البيت عليهم السلام في ذلك بالأدلة القاطعة والبراهين الواضحة وقد علم أن الحق في ذلك مع واحد , وسمع قول الله تعالى: )فماذا بعد الحق إلاّ الضلال( [يونس – 32] , والمخطئ في معرفة الله غير معذور , وإلا لعذر المجبرة والمشبهة وسائر فرق الكفر من الدهرية والمنجمة وغيرهم.

وأمَّا أنَّهُم لم يثبتوا شيئاً محققاً لتلاشيه , فإنما هو متلاش عند أئمة أهل البيت عليهم السلام ومن تبعهم من أهل الحق .

فأما عند المعتزلة وفي عقيدتهم فقد قطعوا وجزموا بأن ذات الباري سبحانه مشاركة لسائر الذوات في الذاتية وفي العلم بها على انفرادها , وأن صفاته مشاركة لسائر الصفات في كونها أموراً زائدة على الذات , وأنه تعالى لم يخالف مخالفه إلا بصفته الأخص على قول أبي هاشم ومن تابعه , أو بوجوب صفاته الأربع في حقه تعالى دون غيره فإنها جائزة في حقه على قول أبي علي ومن تابعه , مع تصريح البهشمية بالإقتضاء والإيجاب , وأن الباري لا يستحق صفة لذاته غير الصفة الأخص , وأن من لم يعلمها فهو جاهل بالله تعالى وكافر به.

وقولهم في الصفة الأخص أنها لا شيء ولا لا شيء ...إلى آخر ما ذكروه فيها لا ينقض ما جزموا به من أن صفاته تعالى مقتضاة عنها , ومع قطعهم وجزمهم أن ذوات العالم وأصوله ثابتة في الأزل على حد ثبوت الله تعالى وأنها مشاركة له سبحانه في ذلك.

وقولهم بأنها ثابتة هي وصفاتها الذاتية من صفات الأجناس لا بتأثير الله سبحانه ولا غيره من فاعل أو علة وإنما هو لذاتها وأنها متميزة في حال عدمها بالمماثلة لما ماثلها والمخالفة لما خالفها , وأنه ليس لله تأثير إلا في صفة إيجاده لها فقط مع كون الوجود الذي هو صفة لها غير معلوم لله سبحانه وتعالى عندهم كما سبق ذكره في غير موضع .

وقد حكى الإمام المهدي (عليه السلام) في شرحه دامغ الأوهام عن السمرقندي وقد ذكر عنه مسائل من أول كتابه المسمى الصحائف الإلهية حيث قال : إعلم أن السمرقندي أورد في كتابه الصحائف الإلهية مسائل في الوجود والعدم وما يتعلق بهما ربما توهم المطالع فيه أنها أو أكثرها غريب لم يتكلم عنها أصحابنا ولا نحن في شرحنا هذا فرجحنا ذكرها وبيان كون شرحنا قد انتظمها إنتظاماً شافياً .

 ثم ذكر المسائل إلى أن قال:

المسألة السادسة: قال (أي السمرقندي) : واتفق أهل الحق على أن المعدوم حالة العدم نفي محض , وإنما تعرض له الشيئية مع أحد الوجودين , يعني الخارجي والذهني .

قال: وذهبت المعتزلة إلى أن المعدوم الممكن ثابت حالة العدم وزعموا أن الثبوت أعم من الوجود , وفسروه بكون الماهية متقررة في كونها تلك الماهية مثلاً قالوا : والمعنى بكون السواد المعدوم ثابتاً كونه في حالة العدم متميزاً عن البياض .

قال: وسلموا أن المعدوم الممتنع نفي محض وسموه منتفياً , وقسموا الثابت إلى موجود ومعدوم, والمعدوم إلى ثابت ومنفي , وجعلوا المعدوم في مقابلة الموجود , والثابت في مقابلة المنفي .

ثم قالوا: لا تأثير للفاعل في ثبوت الماهية بل في إعطاء الوجود , قال : وهذا بعينه هو قول الفلاسفة.

قال الإمام المهدي (عليه السلام) : وقوله أن المعتزلة قسمت المعدوم إلى ثابت ومنفي غير سديد , فإنهم لا يسمون المنفي معدوماً . إنتهى ما ذكره الإمام المهدي (عليه السلام) .

وإذا كان هذا معتقد المعتزلة , فأي مقالة أقبح وأشنع من أنه لا تأثير لله سبحانه في إثبات ذوات أصول العالم ولا في صفاته الذاتية , وأنه غير عالم بصفتها الوجودية مع كونه هو الفاعل والموجد لها , ومع كون مقالتهم هذه تشبه قول الفلاسفة بأن أعيان العالم موجودة في القدم , وقياسهم للباري تعالى على المخلوقين في كثير من مسائل الصفات .

وقولهم: أن مقدوراته تعالى لانهاية لها لأجل كونه قادراً لذاته أو لما هو عليه في ذاته , ويجب أن يثبت مقدوره في الأزل لأجل تعلق القدرة به .

وقولهم: أنه يستحيل فناء بعض الجواهر دون بعض ولا يمكن ولا يقدر الله عليه , بل إذا  أراد الله إفنائها أوجد عرضاً لا في محل مضاداً لها فيفنيها دفعة واحدة ثم يفنى بعدها , وان فناءها هو سلب وجودها حتى تكون على ما كانت عليه قبل وجودها , للعلة التي اعتلوا بها في ثبوتها في الأزل .

وقولهم: في إدراك الباري سبحانه بأنه أمر زائد على علمه متجدد , مثل إدراك المخلوقين إدراكاً حقيقياً قياساً على إدراكنا , لأن أحدنا قد يدرك ما لا يعلم ويعلم ما لا يدرك , كَلَوْ غمض عينيه ثم إذا فتح حتى أنه (أي الباري جلَّ وعلا) يدرك الألم واللذة إلا أن إدراكه لها جميعاً بغير حاسّة .

وقولهم: في الإرادة أنه تعالى مريد بإرادة وكاره بكراهة , وأن تلك الإرادة والكراهة محدثة لا في محل .

 وغير ذلك من المسائل المخالفة للحق القاضية بجهلهم بالله تعالى , ونسبة صفات النقص والجور إليه .إنتهى .

وخلاصة مقال هذا المحقق أن المعتزلة قد أخطأت في هذه المقالات , وأنهم لاحقون بالفرق الضالة من المجبرة والمشبهة.

هذا وقد بالغ هذا القائل عفا الله عنه في التجني على المعتزلة , وقد حمل أكثر أئمتنا عليهم السلام المعتزلة على السلامة.

 قال الإمام القاسم بن محمد (عليه السلام) في الأساس: ( فإن قيل فهل يكفرون بهذه المقالات الباطلة كالمجبرة ؟ قلت : لا لأنهم لم يثبتوا شيئاً محققاً يكون الله مضطراً بسببه أو محتاجاً إليه تحقيقاً لتلاشي ذلك كما مر , ولأنهم لم يجهلوا بالله تعالى , ولم يتعمدوا سب الله , وإنما أخطأوا حيث لم ينتبهوا لذلك اللازم الذي لزمهم , ومن لم يتعمد سب الله فلا إثم عليه لقوله تعالى: )وليس عليكم جناح ٌفيما أخطأتم به ( [الأحزاب – 5] ولم يفصل , أهـ.

ولأن الإكفار والتفسيق لا يجوزان إلا بقاطع , ولا قاطع في حق المعتزلة لحمل أقوالهم على محامل صحيحة.

وقد أجاب الإمام المتوكل على الله المحسن بن أحمد رحمه الله عن هذا الكلام الذي أسلفناه بما لفظه أو معناه : وأقول لا قاطع هنا مع الإحتمال بصحة المقال , وكيف يثبت القاطع مع التصريح من المعتزلة بأن المراد بالمزايا والأحوال التفرقة اللغوية كما ذكره القاضي جعفر صريحاً, ألا تراهم يقولون: (( أن لله مزايا وأحوالاً لا يصح أن يقال أنها شيء ولا لا شيئ)) , فصرحوا ولمحوا بأن المراد بالمزايا والأحوال التفرقة , وهي أن حالة الموجود تخالف حالة المعدوم, والأول الذي لا أول لوجوده مفارق لمن سبقه العدم أو تقدمه غيره , والقادر الذي وجد منه الفعل مفارق لمن لم يوجد منه , والحي مفارق للميت , والعالم الذي صح منه الفعل المحكم مفارق لمن لم يصح منه ذلك , وكذلك السميع والبصير وسامع ومبصر على اختلاف في المرجع من دون إثبات شيء زائد على الذات حقيقة من الصفات القديمة التي أثبتتها الأشعرية , والقوى التي أثبتتها الفلاسفة والمجوس لعالم العقول والطبيعة , ولعالم الظلمة والنور قوى آثار العلة عندهم , فالمزايا والأحوال عند المعتزلة هي التفرقة اللغوية , إذ لو لم يكن بين الموجود والمعدوم والقديم والمحدث , والقادر وغير القادر والعالم وغير العالم , وكذلك سائر الصفات فرق لاستوت , وإذا استوت اشتركت , وكان حال من قدر كحال من لم يقدر ونحوه.

وقد سلك هذه الطريقة من آل محمد عليهم السلام الإمام المؤيد بالله وأخوه الإمام أبو طالب عليهما السلام في كتاب الزيادات والمبادئ والتبصرة , فأي إشكال وطعن يتجه ممن عرف مقصدهم , وإنما يقع ذلك ممن لم يعرف عرفهم ومقصدهم , وهم الذين يطلقون الحال والمزية والصفة على الوصف الذي يوصف به الجسم ويحله , فرتبوا الايرادات على ما هو عندهم لا على عرف ذي الحال والمزيه .

وعذر المعتزلة ظهور الفلاسفة وتظاهرهم بأقوالهم في عصرهم بخلاف العصر الأول فلم يظهر على قواعد التوحيد تشكيكات الملحدة , ومنشأ التشكيك في هذه على أصول المعتزلة .

قالوا أن الدليل على إثبات الصانع إنما يدل عليه جملة ثم يحتاجون إلى إثبات الصفات لا مؤكدة ومؤيدة .

 فقالت الفلاسفة: علمكم بأنه قادر عالم بذاته , وكان يجب أن تعلموا صفاته , وإن كان قادراً عالماً لغيره لزمكم أن تكون صفات أغيار له .

فقالوا الصفات أحوال ومزايا , فَعِلْمُنا بأنه قادر عِلْمٌ بأنه ذات يصح منها الفعل وكذلك سائر الصفات .

والصحيح أن الدليل الدال على إثبات الصانع دال على صفاته , فمن لم يعرف الصانع بصفاته لم يعرفه , كما حكاه العنسي عن الأئمة عليهم السلام .

والمعتزلة لا يقولون بذلك بل عندهم أنه يصح أن يعلم أن الله أوجد العالم وصنعه قبل أن يعلم أن الله موجود قادر عالم كما تقدم في كلام العنسي .

قال الإمام (عليه السلام) : قلت ويلزم الفلاسفة أتباع الحكماء ما ألزموا به الموحدين أتباع المنطق وهي أن العلة أثرت في العقل الأول المؤثر في إمكان وجوده من باريه ومؤثره , وصحة وجود إمكان وجود المؤثر لزوماً طبيعياً للمؤثر وعقله لمؤثره , فقد وصفوا علتهم وباريهم بالفرد لفظاً وظمناً , لا محالة بأن جعلوا العلَّة مؤثرة وملزومة ومعقولة وتأثيراً للأشرف في أشرف , فإن قالوا أن الصفة غير الموصوف , لزم تكثير الآلهة والعلل وفات ما راموه من الوحدة وعدم وصفها بشيئ من صفات الإثبات على أصلهم .

وإن قالوا صفاتها ذاتها وافقوا الموحدين .

وإن قالوا لا توصف ناقضوا وخرجوا عن حكم العقل , إذ يحكم العقل حكماً ضرورياً أولياً أن الجماد الموجود لا يؤثر في إحداث حي ولا ميت فضلاً عن المعتبر المعدوم والقول بذلك سفسطة والسفسطي خارج من ديوان الحكماء .

وأمَّا الطرف الثاني وما يتصل به: فالثبوت الممكن عند المعتزلة أعم من الوجود فالثابت هو الحاصل على الفرق المعلوم , والموجود الثابت الكائن والمعدوم ما ليس بثابت ولا كائن, والحاصل أنهم قسموا الثابت إلى حاصل وموجود , الأول المعدوم المتميز , والثاني الكائن, وقسموا المعدوم إلى متميز وغير متميز , فالأول العدم الممكن , والثاني النفي المحض الممتنع لا كما ذكره السمرقندي انه كقول الفلاسفة لحصول مقطعة الاتصال في الثابت دون الموجود القديم , فالمعتزلة لا تقول أن النفي المحض الممتنع ثابت , وليس الثبوت حقيقة إلا علم وتمييز فلا يثبت به جميع أحكام الوجود , انظر إلى جعلهم الممكن من قسمي العدم ويكشف عن الثبوت الوجود وخبر الصادق وإعدام الموجود فالأول كالعالم والثاني كالبعث والحشر والعقاب والثواب والجنة والنار , والثالث إعدام الفعل الماضي فهو معلوم ثابت معدوم , والمعلوم المتميز كقيام زيد أمس يكون مماثلاً لقيامه اليوم ومخالفاً لقعوده , أفليس الممكن على حد ثبوت الواجب الوجود.

والعلم بذات الباري على انفرادها المراد به علم بوجودها للعلم بوجود صفاته الذاتية والفعلية على قدر القدرة البشرية لا الإنفراد المحسوس فلا يحاط بذاته علماً , ومما يتصل بذلك قول أبي هاشم (( أن الله لا يعلم من ذاته إلا ما يعلم أبو هاشم )) فإنه يعلم من ذاته أنه ليس كمثله شيء , والموحد يعلم ذلك , وإن اختلف العِلْمان فالله عالم لذاته وأبو هاشم مُعْلَم لا عالم على الحقيقة , وتكون فائدة هذه العبارة التي تنبوا عنها الأسماع وينفر عنها الفطرة والطباع , القول بأن الله تعالى مفارق لمخلوقاته بذاته إذ الحال والمزية تفرقة لغويه كما تقدم ورد على من يقول أن لله تعالى ماهية يختص بعلمها .

وأمَّا الطرف الثالث وما يتصل به: فقياس الباري عزَّ و جلَّ على الجوهر الثابت الذي لا يحل عندهم فليس مرادهم إلا مثال غير الملتزم بالملتزم ذاتاً وصفة عند الفلاسفة لا في نفس الواقع فهو كالإيصال بالتمثيل والاستدلال للتفهيم لا للإدراك والتوهم فلا جامع عند أهل الحق بين الله تعالى والجواهر والأعراض في شيء فلا يدرك الله تعالى بالوجدان ولا بالحواس ولا يقاس بالناس , ولا تنتظمه الأنواع والأجناس بل طريق معرفته وإثبات صفاته آثار صنعته لا القياس على الجوهر كما تحكيه كتبهم , قال الله تعالى : )ولا يحيطون به علماً( [طه – 110] , وقال الوصي (عليه السلام) : ما تصوره الوهم فالله بخلافه , وعذر المعتزلة في هذا ونحوه ما ذكرنا من ظهور الفلاسفة في عصرهم وتظاهرهم بأقوالهم.

وأما الطرف الرابع وما يتصل به وما يترتب عليه: هو قولهم أن قدرة القادر بذاته غير منحصرة بخلاف قدرة القادر بقدرة فمنحصرة فمرادهم أن الباري تعالى لا ينحصر ما يقدر عليه في الوقت الواحد من متعلقات القدرة التي لا تنافي الحكمة على معنى لا تنتهي إلى حال إلا وتقدر على أزيد منه فلذلك استحال المنع عليه تعالى , وقالوا إنتفاء الثاني واستحال انتهى الثواب والعقاب وأما مقدور القادر بقدرة فمتناه من جهة أنه لا يقدر في الوقت الواحد إلا على جزء ومن حيث أن قدرته قد تقدمها القدم والممكن منه كذلك لأنه جواهر وأعراض لا العلم به , والله تعالى عالم بما كان وبما سيكون كيف يكون , وعلمه لا يوجب وجود المعلوم , والفعل يتزايد والترك لا يتزايد عندهم , إذا عرفت هذا فكيف يكون الممكن قديماً ؟ وكيف يكون المنتهى غير متناه ؟ وكيف يكون النفي الممتنع ثابتاً ؟ وكيف يكون الترك متزايداً ؟ وكيف يكون العلم للمعلوم موجباً ؟ وكيف يكون قادراً من لا يقدر إلا على إيجاد الصفة الوجودية ؟ لا يقال إيجاد الموجود محال وهل هذا إلا قول الفلاسفة القائلين بوحدة الوجود ؟ وأن العالم لا يختلف إلا بإختلاف الصور وحاشاهم ليس قصدهم إلا أن قدرة الباري لا تتعلق إلا بالمتميز المعلوم ولا يكون تعلقها تبخيتاً وخبطا كما تقوله الفلاسفة في مؤثر العلة والعقول وتكون فائدة القول بالثبوت والإيجاد في وقت دون وقت نفى الايجاب والمقارنة والعلم منا بثبوت الاختيار الدالة عليه الآثار والحاصل أن كل واحد من الفلاسفة والمعتزلة قانص للآخر ولو بشبكة في حله أو حرمه أما الملحد فإباحي وأما الموحد فقيل ناف للاختيار تقرباً لحتفه ولو بسيفه ودستور الباب أن كل شبهة باطلة أو مرجوحة مخالفة للمعلوم مخرجة لقائلها عن الحق بخلاف المحمل القوي فلا يخرج قائله عن حكم الحق , ولهذا كفرت العدلية الفلاسفة والباطنية والمطرفية والمجبرة والمشبهة دون المعتزلة , ومن لم يصرح بالحق ولا لوَّح بما يلاشي قوله ولا قبل قوله التأويل الصحيح بل صمم وتمَنَعَّ لَحِقَ بذويه وحاشا المعتزلة عن هذا .

وأما الطرف الخامس وما يتصل به: من قول المعتزلة بإثبات المعاني الموجبة في الشاهد صفة للمحل والجملة مما يوجب عبارات راجعة إلى الموصوف أو إلى الخلاف بين النحاة في فنهم واصطلاحهم وبين المناطقة في فنهم واصطلاحهم , هل أجزاء الكلام عند الأول أو أجزاء القضية عند الثاني ثلاثة أو أربعة ؟ الرابع الضمير عند النحاه والرابطة عند المناطقة فلا محل ولا جملة للباري , وفي الغايب الذات والسبب والصفة الأخص كالمقتضى تعبيراً لفظياً ومواضعه كما عرفت من تلون الفلاسفة والتمثيل بالملتزم لإيضاح غير الملتزم.

وأما الطرف السادس وما يتصل به: وهو القول بحدوث إرادة الباري لا في محل , وتجدد الإدراك , وإدراك اللذة والألم بغير حاسة فنقول اتفق أهل القبلة أن الله تعالى مريد لجميع أفعاله الضارة والنافعة لضرب من الصلاح بعد بطلان قول المطرفية بنفي إضافة الضرر إلى الله جهلاًُ منهم بالحكمة , واتفق المسلمون أنه تعالى مريد للطاعة من عبادة والبر عليهم وكاره لمعاصيهم وما لا يدخل تحت مقدورهم , قال تعالى بعد ذكر المعاصي: )كُلُّ ذلك كان سَيِّئُهُ عندَ ربِّك مكروهاً( [الإسراء – 38] , وقال الله تعالى :)  يُرِيد اللهُ بِكُمُ اليُسرَ ولا يُريد بِكُمُ العُسرَ( [البقرة – 185] , وبعد بطلان قول من يقول بجواز التكليف بما لا يطاق والعقل والنقل دالان على جميع ما ذكرنا , ثم اختلفوا فقيل إرادة الله إيجاده لأفعاله وهو غير ساهٍ عنها ولا مغلوب بلا ضمائر ونيات نظراً منهم إلى ثبوت اللغة لأنه يقال في المراد هذا إرادتي أي مرادي , قال الله تعالى: )هذا خَلْقُ الله( [لقمان – 11] أي مخلوقه ويقال في المكروه هذه كراهتي أي مكروهي , ويستحيل الضمير في حقه إذ لا يكون إلا حالّ تعالى الله عن ذلك , ومثل هذا القول قول من يقول أن مراد الله تعالى علمه بما يشتمل عليه الفعل من مصلحه أو مفسدة من دون أمر زائدٍ على الوجه المرضي يوجد الفعل لأجله أو يعدمه فهو تعالى مريد لا بإرادة زائدة على علمه بذلك فإطلاق العلم على الإرادة مجاز.

 والأول هو قول الإمام القاسم بن إبراهيم (عليه السلام) والبغدادية من المعتزلة وربما دل عليه قول الإمام الهادي يحيى بن الحسين (عليه السلام) .

قلت: بل هو صريح قوله ذلك معلوم .

وقالت الكلابية: مريد بإرادة أزليه .

 وقالت النجارية: أنه مريد لذاته .

 وقالت الاشعريه: أنه مريد بإرادة قديمة .

 وقالت المطرفية : أن لله تعالى إراده ضرورية لا تحصى موجودة لا في محل وينكرون أن لله إرادة محدثة .

 وقال السيدان الهارونيان وأبو عبد الله الداعي وجماعة من أهل البيت عليهم السلام: أن إرادة الله حادثة لا في محل , فلما بطل أن يكون مريداً لذاته وبإرادة أزلية أو قديمة لما يؤدي إليه من أن يكون مريداً لجميع المرادات والجمع بين أضدادها من القبائح وغيرها وأن يوجد أفعاله دفعة واحدة لأنه قد أرادها جميعاً وبطلان أن تكون الإرادة المحدثة في محل إذ يكون المريد غيره تعالى وبطل قول المطرفية إذ مقصودهم بالإرادات الضرورية التي لا تحصى هي القوى الثابتة بعالم العقول والطبيعة عند الفلاسفة والكائنة لعالم النور والظلمة عند المجوس وعبروا بالعلة عن الله تعالى الله عما يقولون علوّاً كبيراً لَمْ يبق إلا أنه مريد بإرادة محدثة لا في محل , وبقي القول في كيفية حدوثها لا في محل حقيقة أو مجازاً تستحيل الحقيقة إذ الإرادة الضمير ولا يوجد إلا في شبح فلم يبق إلا أن يكون ذلك مجاز تعبيراً وتشبيهاً عندهم لإرادة الباري بإرادة الشاهد فإنه ليس بين إرادته ومراده واسطة كما أنه ليس بين المخلوق وإرادته واسطة بل إرادة الباري تعالى أسرع وأقرب )إنما أمْرُهُ إذا أرادَ شيئاً أن يقولَ له كُنْ فيكون( [يس – 82] , فمراد من يقول أن إرادة الله محدثة لا في محل تجوزاً هو كقول من يقول إرادته مراده تجوزاً  انتهى كلام الإمام (عليه السلام) .

والى هنا انتهى المراد , وإن كان الكلام قد طال فالمقام يقتضيه , وهذه المسألة مما يجب فيها التثبت وإمعان النظر , نسأل الله الإستقامة والسداد , والكون في زمرة سفن النجاة , وصلى الله على محمد وآله آمين.

القسم الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم

القسم الثاني

مبحث في البداء

مبحث في البداء

اعلم وفقك الله: أن الجهل بشروط التناقض والتعارض في الخطاب هو السبب في خطا كثير من الفرق الإسلامية وهو السبب لكثير من الضلالات التي اعتقدها أهل الجهالات من أهل الملل الكفرية أداهم ذلك إلى القول بأن القرآن الكريم والسنة النبوية متناقضات متعارضات ينافي بعضها بعضاً، ويدفع بعضها في وجه البعض، ولسبب ذلك قال فريق من منتحلي الإسلام: أنه لا يمكن الإستدلال بالقرآن الكريم على حكم من الأحكام، وأنه يجب التصديق به فقط دون فهم معانيه، وأنه لا يعلم تأويله إلا الله، ولسبب ذلك جنح فريق إلى حمل آيات القرآن وأخبار السنة على ظواهرها من غير حمل بعضها على بعض.

 وقالوا: لا تجمع الأدلة على طريقة التأويل وإن كانت متناقضة متدافعة متى أجريت على ظاهرها، وإنما يقولون يجب التصديق بجميعها ولا نتأولها ولا نرد بعضها إلى بعض، فمتى كان الجهل بشروط التعارض والتناقض في الخطاب مؤدياً إلى أمثال هذه الجهالات وسبباً لهذه الضلالات وجب معرفة تلك الشروط، ليعرف حينئذ أنه لا تناقض ولا تدافع فيهما، لأن الكتاب العزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وأن السنة كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو رسول صادق لا ينطق عن الهوى، ولا يقول إلا حقاً، ونحن مبينون في هذا المبحث الغرض المقصود بعون الملك المعبود.

 فأول ما نقول به: أن التناقض قد يدخل في الأوامر والنواهي، وقد يدخل في الأخبار، فأما التناقض في الأوامر والنواهي فشروطه هي شروط البدا وهي معرفة اتحاد الآمر والناهي واتحاد المأمور المنهي، والفعل الذي تعلق به الأمر والنهي، والوجه الذي يقع عليه وزمانه إن كان، ومكانه والقوة، فالآمر الناهي نحو السيد، والمأمور المنهي نحو العبد، والفعل المأمور به نحو الأمر بصلاة ركعتين، والزمان نحو أول وقت الظهر، والمكان نحو المسجد، والقوة قيل قدرة العبد وقيل القوة، نحو قولك الماء في البئر مروٍ ومطهر، الماء في البئر غير مروٍ ولا مطهر، فإن أردت بالأول أنه مروٍ ومطهر بالقوة أي به صلاحية الروى والتطهير، وبالثاني أنه ليس بمروٍ ولا بمطهر بالفعل لكونه في البئر فلا يكون تناقضاً، وليس ببدا، فإذا اختل شرطٌ من الشروط فليس ببدا.

 وأما التناقض في الأخبار فشروطه سبعة:

 أحدها: أن يكون أحد الخبرين موجباً والثاني سالباً، أو يكونا موجبين لأمرين ضدين.

 والثاني: أن يكون الموضوع في أحدهما هو الموضوع في الآخر من جهة المعنى.

 والثالث: أن يكون المحمول في أحدهما هو المحمول في الآخر من جهة المعنى والمحمول هو الخبر، لأنه حكم به على الموضوع المخبر عنه بسلب أو إيجاب فالموضوع المبتدى عند النحويين، والمحمول هو الخبر.

 والرابع: أن يكون الوقت واحداً.

 والخامس: أن يكون المكان واحداً.

 والسادس: أن يكون الوجه واحداً.

والسابع: أن يكون الجزء واحداً، فمتى تكاملت هذه الشروط في الخبرين كانا متناقضين متدافعين، ومتى اختل واحد منهما لم يكن بينهما تناقض ولا تدافع، وإنما اشترطنا الشرط الأول وهو أن يكون أحد الخبرين موجباً والآخر سالباً أو يكونا موجبين لأمرين ضدين، لأنهما متى لم يكونا كذلك لم يكونا متناقضين، فإن قولنا زيدٌ أبيض زيدٌ أبيض لا يكون متناقضاً، وكذلك قولنا زيدٌ ليس بأبيض زيدٌ ليس بأبيض لا يكون متناقضاً، وإنما يكون متناقضاً متى قلنا: زيد ليس بأبيض زيد أبيض، أو قلنا: زيد أبيض زيد أسود، واشترطنا الشرط الثاني، وهو أن يكون الموضوع واحداً فيهما من جهة المعنى، لأنه متى لم يكن كذلك لم يكونا متناقضين، فإن الموضوع متى كان متغايراً في اللفظ والمعنى لم يكن بينهما تناقض كقولنا زيد أبيض عمرو ليس بأبيض، أو كان متغايراً في المعنى وكان اللفظ واحداً لم يكونا متناقضين، كقولنا: الحَمَل يُذْبح ويُشْوى، الحَمَل لا يُذْبح ولا يُشْوى، فإنَّا متى قصدنا بالأول الحيوان المخصوص وهو الكبش، وقصدنا بالثاني النجم الذي في السماء لم يكن بينهما تناقض، ومثال ذلك في الشريعة: قولنا الأقراء عدة المُطَلَقَة من ذوات الحيض، فإنا متى قصدنا بالأول الحيض وبالثاني الطهر لم يكن بينهما تناقض، ولا عبرة باتحاد اللفظ، فإن المعنى متى كان واحداً وتقابلا بالسلب والإيجاب تناقضا، وإن كان اللفظ مختلفاً فإنا متى قلنا: الحَمَل يُذْبح ويُشْوَى، الكبش لا يُذْبَحُ ولا يُشْوى، وقصدنا بذلك معنى واحداً كان ذلك متناقضاً، وإن كان لفظ الموضوع مختلفاً واشترطنا أن يكون المحمول فيهما واحداً من جهة المعنى، لأنه متى لم يكن كذلك لم يكونا متناقضين، فإن المحمول متى كان متغايراً في اللفظ من جهة المعنى، لم يكن بينهما تناقض كقولنا زيد ليس بأبيض زيد كاتب، أو كان متغايراً في المعنى وكان اللفظ واحداً لم يكونا متناقضين، كقولنا العلم مختار العلم ليس بمختار، فإنا متى قصدنا بالأول أنه مفعول على وجه الإختيار، وقصدنا بالثاني أنه ليس بفاعل على الإختيار كان الكلام صحيحاً غير متناقض، ومثال ذلك من القرآن قول الله تعالى: )ومَنْ يُضْلل الله فما له من ولي من بعده(، وقوله في الشيطان: )فهو وَلِيُّهُمُ اليوم(، وكذلك قوله: )وكذلك نُوَلِّي بعضَ الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون(، فإنَّ الجاهل بالخطاب يظن هذه الآيات متناقضة، وليس كذلك، فإن لفظ المحمول وإن كان واحداً فإن المعنى مختلف فإنه تعالى إنما أراد بقوله: )فما له من ولي من بعده(، أي فما له من ناصر من بعده، وأراد بقوله في الشيطان: )فَهُوَ وَلِيُّهُمُ اليوم( أي والي أمرهم اليوم، أو الذي أمرهم إليهم، وكذلك قوله: )وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً(.

ثم لا عبرة بأن يكون اللفظ واحداً، فإن المعنى متى كان واحداً تناقضا، وإن كان اللفظ متغايراً فإنا متى قلنا زيد جالس، زيد ليس بقاعد، كان ذلك متناقضاً، وإن كان لفظ المحمول مختلفاً لما كان المعنى واحداً، واشترطنا أن يكون الوقت واحداً، لأنه متى لم يكن كذلك لم يكونا متناقضين كقولك زيد كان عليلاً أمس زيد ليس بعليل اليوم، ومثال ذلك من القرآن قوله تعالى: )فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون(، وقوله تعالى: )فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون(، فإن من لا خبرة له بشروط التناقض في الخطاب ولا معرفة له بمقاصد الحكيم بخطابه يظن هاتين الآيتين متناقضتين وليس الأمر كذلك، فإنهما وإن تقابلتا بالسلب والإيجاب وكان الموضوع فيهما واحداً والمحمول واحداً فليس الوقت واحداً، لأنه تعالى إنما أراد بقوله: )فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون(، أن عند النفخة الآخرة يخرج الخلق من قبورهم عراة حفاة جياعاً عطاشاً يتبعون الداعي، فكم من والدة تتعلق بولدها ليحمل عنها من ذنوبها فلا يلتفت إليها لشغله بنفسه، وبما هو فيه من الفزع الأكبر، وهذا هو الذي عناه الله تعالى بقوله: )يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرء منهم يومئذ شأن يغنيه( فإذا قضى الجبار بين الخلائق وصاروا فريقين فريق في الجنة وفريق في السعير أقبل بعضهم حينئذ على بعض يتساءلون في الجنة والنار فلم يكن بين الآيتين تناقض لاختلاف الوقتين.

وكذلك قوله تعالى: )ثم إنَّكُم يوم القيامة عند ربِّكُم تَخْتصمون(، وقوله تعالى: )هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون( فإن الجاهل بمقاصد الخطاب في كلام الله تعالى يظنهما متناقضين، وليس الأمر كذلك، فإن الوقت متغاير، فإنهم أولاً يختصمون في الموضع الذي لا حكم فيه إلا لله سبحانه، فإذا ظهرت الحجة على المبطلين ختم الله على أفواههم فلا ينطقون حينئذ ولا يؤذن لهم فيعتذرون، بل تشهد عليهم جوارحهم فتنطق بما كانوا يكسبون، وأشباه ذلك كثير، واشترطنا أن يكون المكان واحداً لأنه متى لم يكن كذلك لم يكن بينهما تناقض كقولنا: زيد كريم في بيته، زيد ليس بكريم في السوق، ومثاله: الصلاة واجبة الصلاة في الدار المغصوبة ليست بواجبة ولا جائزة، واشترطنا أن يكون الوجه واحداً لأنه متى لم يكن كذلك لم يكونا متناقضين كقولنا: السجود لله واجب، السجود للصنم ليس بواجب ولا جائز، ومثال ذلك من الكتاب قوله تعالى: )وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم(، وقوله تعالى بعد ذلك: )وليستعففِ الذين لا يجدون نِكَاحاً حتى يغنيهم الله من فضله(، فإن هاتين الآيتين غير متناقضتين لاختلاف الوجه فيهما، لأنه أراد بالأولى أن النكاح أولى لمن وجد إليه سبيلا وإن كان فقيراً، وأراد بالثانية أن من لم يجد إلى النكاح سبيلاً بأن لم يجد ما يتزوج به أو من يتزوجها فإن الواجب عليه أن يستعفف حتى يغنيه الله من فضله.

واشترطنا أن يكون الجزء واحداً لأن الجزء متى كان متغايراً لم يكونا متناقضين كقولنا: الزنجي أسود الزنجي ليس بأسود، فإنا متى قصدنا بالأول أنه أسود البشرة، وقصدنا بالثاني أنه أسود العين كان كلاماً صحيحاً غير متناقض، ومثاله من السنة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((من نام عن صلاته أو نسيها فوقتها حين يذكرها))، وما روي من نهيه عن الصلاة في بعض الأوقات، فإن الخبرين غير متناقضين لتغاير الجزء فيهما، فإنه إنما قصد في الأول بعض الصلوات وهي الفوائت من الفرائض، وقصد بالثاني بعضها وهي النوافل، فإذا عرفت هذه عرفت أنما تكاملت فيه الشروط المذكورة في الكلام كان متناقضاً، وما لم تتكامل فيه لم يكن متناقضاً، وتدبرت كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وتدبرت شروط البدا وشروط التناقض، علمت علماً قاطعاً أن الكتاب العزيز والسنة النبوية محروسان عن التناقض منزهان عن التنافي والتعارض، لأنه كلام الحكيم سبحانه تعالى عما يقول المبطلون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

وقد لخصت هذا المبحث القويم وهذبته طلباً للفائدة، وأصله للشيخ الحسن بن محمد الرصاص رحمه الله، فقمت بتهذيب عبارته وتنقيح بعض أمثلته، والله الهادي والموفق، وحرر ليلة الخميس/2/ربيع الآخر/1420هـ.

عبد الرحمن حسين شايـم غفر الله له ولوالديه.

المجموعة التاسعة

تحتوي على قسمين

القسم الأول

بحث في القسامة

المسمى

أطواق الحمامة بتحقيق مسألة القسامة

القسم الثاني

سؤال إلى العلماء أبقاهم الله في هذه الأمول التي بأيدينا؟

سؤال عن صلاة  الجمعة

القسم الأول

القسم الأول

بحث في القسامة

المسمى

أطواق الحمامة بتحقيق

بحث في القسامة

بسم الله الرحمن الرحيم

القسم الأول بحث في

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله الطاهرين:ـ

قد تقرر في العقول بالضرورة أنَّ اللَّهَ عَدلٌ حكيمٌ، وأن الشرائع مصالح. وعلى هذا فالأحكام المشروعة في القتل بأنواعه جزئيات من تلك الكلية، فالمصلحة في القصاص جلية وواضحة أدركها أرباب العقول، ولذا قيل في المثل:(القتل أنفى للقتل)، ونبهنا الله تعالى عليها إذ يقول:

)ولكم في القصاص حياة(  [البقرة/179] كما أن تلك المصلحة لطف للقاتل إن تاب، وسلم نفسه للقصاص فهي توبة ماحية للإثم.

والدية في قَتْلِ الخطأ مع الكفارة مصلحة ظاهرة وهي صيانة الدماء عن إهدارها وجبر لورثة القتيل بما يصير إليهم من المال.

والكفارة أَما العتق فلتحرير الرقاب من الرِّقِ، وهي مقصد من مقاصد الشارع، وأَما الصيام فلما فيه من كسر النفس عن هواها، ومع ذلك فهي لطف للقاتل أو مسهلة للتوبة لتطهير درن الإثم.

ومن أنواع القتل القسامة، والحكمة في شرعها حفظ الدماء بالتشديد في الأيمان مع رعاية الحقوق الإنسانية.

البحث في القَسَّامة

البحث في القَسَّامة

هي بفتح القاف وتخفيف المهملة مصدر: أقسم قسماً وقسامة، وفي القاموس: الجماعة يقسمون على الشيء، وفي الضّياء القسامة الأيمان تقسم على خمسين رجلاً.

وقد حكى الجُوَيني أنَّ القسامةَ عند الفقهاء: إسم للأيمان، وعند اللغويين: إسم

إقرار الشارع للقسامة

إقرار الشارع للقسامة

أقرَّ الشارع القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية’ أخرج البخاري والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أنَّ أوّل قسامة كانت في الجاهلية لفينا بني هاشم)) وفي الحديث فقال أبوطالب للقاتل: إنْ شئتَ أنْ تؤدي مائة من الإبل فإنَّك قتلتَ صاحبنا، وإنْ شئتَ حلفَ خمسون من قومك أنَّكَ لمْ تقتلْهُ، فإنْ أبيتَ قَتَلْنَاك([2]).



([2]) - نيل الأوطار (الجزء /7، صفح/38) ط/ مصطفى البالي

حكم القَسامة

حكم القَسامة

القَسامة ثابتةٌ عند الأكثر من العلماء، وقد أخرج البيهقي حديث سليمان بن يسار عن أُنَاسٍ من أصحاب رسول اللَّه صلَّى اللّهُ عليه وآله وسلم أنّ القَسَّامة كانت في الجاهلية قسامة الدم، فَأَقرَّها رسولُ اللّهِ صلى اللّه عليه وآله وسلم على ما كانت عليه في الجاهلية وقضى بها، الحديث فيه مع ما نسرده فيما بعد دلالة على شرعيتها.

وحكى القاضي عياض عن جماعة من السلف منهم أبو قلابة وسالم بن عبدالله والحكم بن عتيبة وقتادة وسليمان بن يسار وإبراهيم بن علية ومسلم بن خالد وعمر ابن عبدالعزيز في رواية عنه أنَّها غير ثابتة، واحتجوا بأنَّها مخالفةٌ لأُصُول الشريعة من وجوه هي:ـ

1ـ أنَّ البَيِنة على المُدَّعي وعلى المُنْكِر اليمين في أصل الشرع.

2ـ أنَّ اليمين لا تجوز إلاَّ على ما علمه الإنسان قطعاً بالمشاهدة الحِسِية أو ما يقوم مقامها.

3ـ أنَّ حديث سهل بن حثمة الآتي لم يثبتْ به حكمُ القسامة، وغاية ذلك أنَّها من أحكام الجاهلية، فتلطف لهم النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم ليريهم كيف بطلانها.

وأجاب مُثْبِتُوْهَا: أنَّها أصلٌ مستقلة بالتشريع لورود الأدلة بها فيخصص بها ما كان عاماً، ولا يحل طرح سنة خاصة لأجل سنة عامة، وعدم الحكم في الحديث المذكور لا يلزم منه عدم الحكم مطلقاً، فقد وُجِدَ الحكمُ في غيره من الأحاديث، وهو صلّى اللّه عليه وآله وسلم لا يعرض إلاَّ ما كان شرعاً، ودعوى أنَّ ذلك للتلطُفِ بهم وإنزالهم من حكم الجاهلية باطلة، كيف وفي حديث أبي سلمة أنَّ النبيَّ صلى اللّه عليه وآله وسلم أقرَّ القَسامة على ما كانت عليه في الجاهلية، وقولهم: أنَّ الحكم على المُدَّعِي بالبينة وعلى المنكر باليمين، هو الوارد ولكن ذلك عام وهذا

أدلَّة ثبوتها

أدلَّة ثبوتها

1ـ عن سلمة بن عبدالرحمن وسليمان بن يسار عن رجل من أصحاب النبيِّ صلّى اللّه عليه وآله وسلم من الأنصار أَنَّ النبيَّ صلّى اللّه عليه وآله وسلم: ((أقرَّ القَسامة على ما كانت عليه في الجاهلية)). رواه أحمد ومسلم والنسائي.

2ـ عن سهل بن أبي حثمة قال: أنطلق عبدالله بن سهل ومحيصة بن مسعود إلى خيبر وهو يومئذٍ صلح فتفرقا فأتى محيصة إلى عبدالله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلاً فدفنه، ثم قَدِمَ إلى المدينة فانطلق عبدالرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فذهب عبدالرحمن يتكلم فقال: كَبرّ،كبِرّ،  وهو أحدث القوم فسكت فتكلما، قال: ((أتحلِفون وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم)) فقالوا: كيف نحلف ولم نشهدْ ولم نرَ! قال: فتبرئكم يهود بخمسين يميناً، فقالوا: كيف نأخذ أيمان قوم كفار، فعقله النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من عنده. (رواه الجماعة).

3ـ وفي روايةٍ متفق عليها فقال رسول الله صلى اللّه عليه وآله وسلم: ((يُقْسِمُ خمسون منكم على رجل فيدفع برمته)) فقالوا: أمرٌ لم نشهده كيف نحلف؟ قال:((فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم)) قالوا: يارسول الله: قومٌ كفَّار.

4ـ وفي لفظ لأحمد فقال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: ((تسمُّون قاتلكم ثم تحلفون عليه خمسين يميناً ثم نسلمه)).

وفي روايةٍ مُتَفق عليها فقال لهم: ((تأتون بالبينة على مَنْ قَتَلَهُ. قالوا: ما لنا مِنْ بينةٍ. قال: فيحلفون، قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود)) فَكَرِهَ رسولُ اللَّهِ صلّى اللّه عليه وآله وسلم أنْ يظلَّ دمه، فوداه من عنده بمائة من إِبل الصدقة.

هذه الأحاديث نقلتها بلفظها من منتقى الأخبار’ وهي نبذة من أدلة من أثبت القسامة’ وربما نسوق زيادة فيما بعد إن احتجنا إليها في معرض إحتجاج لبعض

إختلاف العلماء في كيفية الحكم بها

إختلاف العلماء في كيفية الحكم بها

إختلف مثبتوها في كيفية الحكم بها على أقوال.

الطائفة الأولى

الطائفة الأولى

عمر والشعبي والنخعي والثوري، روى القرطبي عنهم في جامع أحكام القرآن أنَّ المُدَّعَى عليهم يُطلَبُون فيحلفون خمسين يميناً، فإذا حلفوا بَرِءُوا . أهــ

وقريبٌ من هذا ما اختاره الشوكاني لنفسه في الدَررالبهية. قال: إذا كان القاتل من جماعةٍ محصورين ثبتتْ وهي خمسون يميناً يختارهم ولي القتيل والدية إنْ نَكَلُوا، وإنْ حلفوا سقطتْ، وإنِ التبس الأمرُ كانت من بيت المال أهــ.

وحجتهم حديث ابن عباس المتقدم وحديث سهل بن حثمة في الديّة لما التبس الأمر دفعها صلّى اللّه عليه وآله

الطائفة الثانية

الطائفة الثانية

القائلون باللوث وهم الشافعية و المالكية والحنابلة، واللوث عندهم: هو ما يثمر الظن بصدق الدعوى، وله صُوَرٌ منها:ـ

ـ وجود القتيل في بلدٍ يختص سكناه بمحصورين، فإن كان يدخلها غيرهم فاشترطوا عداوة المستوطنين للقتيل، ومثلوه بقتيل الأنصار في خيبر.

ـ وجود القتيل في صحراء وقربه رجل في يده سلاح مخضوب بالدم ولا غيره، أو وجود القتيل بين صفي القتال فيكون على الأقرب إليه من أهل سلاحه من رماة أو غيرهم.

ومنها شهادة النسوان والصبيان بحيث لا يمكن تواطؤهم على ذلك، أو شهادة رجل عدل’ أو تقوم الشهادة كاملة ولكن الشهود غير عدول، أو يقول القتيل: قتلني فلان.

إختلاف القائلين باللوث

ثم اختلف القائلون باللوث فيه، فمالك والحنابلة قالوا: العداوة بمنزلة اللوث، وحجتهم حديث قتل الأنصاري بخيبر لإعتبار العداوة، ومالك جعل قول القتيل قتلني فلان لوثاً’ وحجته آية قتيل بني إسرائيل: )فَقُلنا أضربوه ببعضها( [البقرة/ 73]، وفي التفسير أنَّه قال: قتلني فلان. وقال الشافعي اللوث الشاهد العدل أو البينة الكاملة إنْ لمْ يكونوا عُدُولاً، وأثبت العداوة لوثاً. وروى أشهب عن مالك يحلف الولي مع شهادة غير العدول ومع المرأة. وروى إبن وهب أنَّ شهادة النساء لوث، وصرَّح في الروض المريع لمذهب الحنابلة أنَّ اللوث هي العداوة وُجِدَ معها أثر القتل أم لا.

هذا تحقيق اللوث عند مثبتيه، قالوا: إذا وُجِدَ اللوث الذي يغلب على الظن صدق الدعوى سواءً على إنسان أو على جماعة كلو وُجِدَ القتيل في محلةٍ أو قريةٍ وكلهم أعداء فيغلب على الظن أنَّهم قتلوه، فإنِ ادَّعى الولي على واحدٍ أو على الجميع حلف الوارث خمسين يميناً أنَّهم قتلوا القتيل، ثم تجب الدية على عاقلة المُدَّعَى عليهم، فإنْ كان الوارث جماعة وُزِعَتِ الأيمانُ عليهم فإذا حلفوا أخذوا الدية من عاقلة المُدَّعَى عليهم إنِ ادَّعوا القتل خطأً، وإنِ ادَّعوه عمداً على واحد أو على جماعة وحلفوا كما تقدم، فاختلف أهل هذه المقالة في الحكم، فقال بعضهم: تجب الدية من مال المُدَّعَى عليه لا منَ العاقلة ولا قود. وقال آخرون: يجب القود، وهو مذهب مالك وأحمد.

قال مثبتو اللوث: فإنْ لم يجد اللوث ولم يحصل فالقول قول المدعى عليه لأن الأصل براءة ذمته، ثم اختلفوا هلْ يحلف يميناً كسائر الدعاوي أمْ يحلف خمسين يميناً على قولين يميناً واحدة والآخر خمسون يميناً تغليظاً للقتل.

القسم الثاني

القسم الثاني

سؤال إلى العلماء أبقاهم الله في هذه الأمول التي بأيدينا؟

سؤال عن صلاة سؤال في الأمول التي بأيدينا؟

سؤال إلى العلماء أبقاهم الله

في هذه الأموال التي بأيدينا من بعد آبائنا ميراثاً منهم وبعض المال مشترى وبعض وصايا وبعض وقف وتلك الأموال حرث وعنب ونحن نعلم علماً يقيناً بأن آباءنا وآباءهم ...وهلم جراً , لم يورثوا النساء سواء كانوا أخوات أو أمهات أو زوجات ومعلوم أن لهؤلاء النساء ورثة أولاد وغيرهم موجودين وإن لم نعرفهم , فهل يكفينا إخراج ميراث أول درجة مثلاً للعمات (أخوات الأب) ؟ لكن المعلوم أن الجد معه أخوات محرومين الميراث ! ولو قد ماتوا فمعهم ورثة ! وكذلك ما علا ؟ فهل نقتصر على أول درجة أم لا ؟ وكذلك في غلات المال هو شيء كثير يستغرق المال في درجة واحدة والناس يقولون أن التماليك من الإمام قد غلقت عليهم (أعني الماضين) وصار المال لآبائنا حلالاً ! لأنهم قالوا أن المال مظالم ملتبس أربابها فيصير لبيت المال بنظر الإمام وهو تصدق بذلك المال الكثير على القابضين له ليخرجهم من الورطة , ومعلوم أن الإمام لو طلب المال يصير إلى يده لَمَا أعطوه ولو طلب عُشُره , فهل يبرؤا فيما بينهم وبين الله بتلك الحيلة ؟ وهم مصرون على عدم إخراج أي شيء منه لا لإمام ولا لغيره , ونحن قد تحرجنا في هذه المسألة ونخاف أن الذي بأيدينا ليس لنا مع علمنا بإغتصاب أسلافنا , وقد شاهدنا عماتنا يطلبون من آبائنا ميراثهم فيغضبوا إلى حد أن يقاتلوا , ويقولوا ليس لهم إلا قدرٌ وعهدة على شرع الطاغوت فنريد ما يخارجنا , إما أن نترك المال الذي قد صار بأيدينا ولكن لو تركناه بقي علينا غلاته في السنين الماضية وهو يستغرق أكثر من قيمة المال , فوضحوا لنا أبقاكم الله .

,,, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الجواب الأول

الجواب الأول

الحمد لله رب العالمين , الجواب عما سأله السائل عن الحال عما بأيدي الناس من الأموال فلا شك أن الأغلب على أموال أهل الجهات أنها ملتبسة الأصول غير معلومة التمليك لذوي الأيدي الثابتة عليها لبقائها على التظالم وعدم التناصف فيها والتوارث من أول الزمان إلى هذه المدة الأخيرة , وقد رأينا ذلك وشاهدناه , وعرفنا تنقلها من ذوي الأيدي إلى غيرهم على غير ما يقتضيه الشرع مرة بعد أخرى , ومن وَرَّث في هذا الزمان فهو كبناء جدار على أساس ضعيف متلاشي فسقوطه متوقع , ومثال ذلك جماعة اغتصبوا مالاً ثم اقتسموه قسمة محققة ويتوارثونه على مقتضى التوارث , فإن ذلك لا يقتضي إلحاقه بالأملاك , وذكر بعض العلماء أنه إذا كان أهل جهة من الجهات يحرمون الإناث عادة مستمرة جاز لذي الولايات العامة أخذ أموالهم لمصيرها بيت مال , إذ تموت الأنثى ولها وارث ثم يموت وارثها وله ورثة ثم هلم جرا , وتطول المدة ويجهل الأمر في مستحق ذلك , وكل ما التبس مالكه صار بيت مال , وكل من وقفه أو تصرف فيه فوقفه و تصرفه غير صحيح , قال الإمام محمد بن المطهر حاكياً عن الإمام أحمد بن سليمان عليهما السلام : (هذه عادة جرى عليها أهل الزمن من مكة إلى عدن ).

وقال الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم عليهما السلام: قال الإمام الهادي عزالدين بن الحسن (عليه السلام) وجده علي بن المؤيد (عليه السلام) في كلام يطول : (في أن هذه الأموال ملتبس أربابها فهي لبيت المال قطعاً , وحكموا بذلك ونقضوا كل وقف ووصية ) وما ذلك إلا لأنهم أوقفوا وأوصوا بمال غيرهم .

وأمَّا اعتلالهم بالتمليك فمع صحة كون بيت المال قد صار للإمام وله أن يضعه حيث أراد, فالإبراء لا يصح لمن عرف من حاله أنه مصرٌّ على الإغتصاب أبرى الإمام أو لم يبر , مع أن لفظ التمليك من الإمام أن الأموال قد التبست ولم يُعرف أربابها , والمعلوم أن بعض الورثة في زمانه معروف وهنّ أخوات هذا الرجل الممَلّك , فهذه الحيلة غير مخلصة إلا لمن عرف منه أن الإمام إذا ما حصل منه البرآءة سيعطيه ما بيده ويقدر غِلات الأموال ويسلمها مع المال بطيبة من نفسه , وندم على ما قد استغل من أموال غيره.

 فمَنْ أراد التخلص من حقوق المخلوقين أخرج قيمة ما بيده من الأموال مع حساب غلاتها في السنين الماضية مدت استغلالها في عمره إلى موضع صرف المظالم في العلماء والمتعلمين وفي سبيل الله في المساجد والمناهل وكل طرق البر والخير , فهذا هو المخلص له عند الله تعالى , لأن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها , وإذا علم الله من نيته الامتثال لأوامره ونواهيه والخوف منه , فسيعوضه الله في الدنيا ويكفيه مؤنته ,) ومَن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب ( [الطلاق–  2 " 3] , وقد ضمن الله تعالى برزقه , وهو على كل شيء قدير .

الجواب الثاني

الجواب الثاني

الجواب أن الذي نختاره وعليه سلفنا الصالحون وغيرهم من أئمة الإسلام , أن الأصل أن ما في يد كل فرد من أفراد المسلمين وأهل الذمة فهو ملك له ويعامل فيه معاملة المالك , ولا يخرج ذلك إلا عن علم ويقين في بعض الأشخاص لتحقق ما يرفع هذا الأصل في حقه , والدليل على ذلك من وجوه:

أحدها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بُعِثَ والناس يتعاملون بالربا وبيع الخمر ونحوهما من وجوه المحرمات وظلم المستضعفين , وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يباشر ما يباشره أهل بلده من وجوه الإكتساب والمعاملات على الوجه المطابق للدين , ويتوقّى ما خالفه مما مَنَع منه الشرع , ولم يزل على ذلك حتى توفاه الله , وكان يحكم بمقتضى ظاهر الشرع في الملك والبيع والشراء وجميع التصرفات وذلك ظاهر , ومما نقل من معاملته صلى الله عليه وآله وسلم أنه رهن درعه من يهودي في شعير , وقد أخبر الله تعالى عن اليهود بأنهم يأكلون الربا والسحت وغير ذلك من سوء تصرفاتهم , وعدم توقيهم من الحرام , ومع ذلك كانت معاملته صلى الله عليه وآله وسلم معهم على ما يقتضيه ظاهر الشرع من أن كل واحد منهم مالك لما في يده من تجارة وإجارة وهبة وهدية ونحو ذلك مما أباحه الشرع الشريف , وكان صلى الله عليه وآله وسلم يعامل أهل مكة .

الوجه الثاني: أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يعامل اليهود وغيرهم ويقبل منهم العطية فيما وافق الشرع , ويتجنب الإكتساب من الوجوه التي نهى عنها الشارع كالربا , وروى في الجامع الكافي أنه (عليه السلام) كان يمدُّ ليهودي دلواً بتمرة , وأنه غرس واستخرج الارضين والغالب عليها الجور , واشترى أمهات الأولاد ونكح والدار فاسدة ولم يمنعه الفساد من الشراء , ولا قال أن له أن ينكح الإماء بدون نكاح ولا شراء لأن من هي في يده لا يملكها , وفي حديث أن علياً (عليه السلام) اشترى من يهودي دقيقاً بدينار وأنه رد عليه الدينار وقال لك الدقيق , وأنهم سألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحله , وليس لقائل أن يقول : إنما فعل أمير المؤمنين ذلك لكون المال مظالم والولاية إليه , لأنا نقول المعلوم من حاله (عليه السلام) في ذلك الزمان توقي المعاملة الباطلة وتحريمها وزجر الناس عن التعدي على بعضهم الآخر وأكل أموالهم بغير معاملة صحيحة وطيب نفس وكان يعظ الناس ويحذرهم من الحرام والشبه والتوصل إلى الحرام بصورة الحلال ولو كانت مظالم , لما كان لذلك الوعظ والتحذير كثير فائدة , وأيضاً هو المبين للأمة ما اختلفت فيه بعد نبيئها صلى الله عليه وآله وسلم وقد وقع التظالم في وقته وأخبر بما سيكون من بعده ولو كان ذلك يوجب منع الحكم بظاهر اليد لما جاز منه ترك البيان ولو لبعض أصحابه وخواصه منهم , ولو كان لنقل عنه بعض ما كان يكتمه من العامة , على أن مثل هذا لا يحسن منه كتمانه لعموم البلوى به , ولمَّا لم يكن منه شيء من ذلك علمنا أنه كان يعمل على  ما يقتضيه الظاهر من ملك كل أحد ما في يده , وعلى ذلك كان (عليه السلام) يفتي ويقضي ويحلل ويحرم ويصحح ويبطل في جزئيات المسائل على حسب ما تدل عليه تفاصيل الأدلة الشرعية , فيحل البيع ويصححه إن طابق الواقع وأمر الشارع , ويوجب على البائع تسليم المبيع وعلى المشتري دفع الثمن , وهكذا في الاجارات وسائر المعروضات والتبرعات ويحكم ببطلان ما خالف الشرع ويوجب رد الغصب والعارية والوديعة إلى من أخذت منه ويحبس في الدين والنفقة والحقوق فلو كانت الأموال لا مالك لها لما جاز منه شيء من ذلك لأن البائع ونحوه أعطى ما لا يملك والمشتري ومن في حكمه (كالمستأجر والمرهون) يأخذ ما لا يصح له تملكه بذلك العقد , لأن البائع باع ما لا يملك , ولكان الحبس في الحقوق ظلماً لعدم القدرة على الوفاء إذ الفرض أن لا ملك له , ولأن من له الحق لا يستحق الإيفاء , لأن المأخوذ منه ليس له , إلى غير ذلك من اللوازم المترتبة على كون التظالم يصير المال مظالم لا مالك لها, فلما وجدنا الأمر بخلاف ذلك , وهو أنه كان يجري في معاملة الناس بحسب ظاهر اليد إلا فيما علمه مظلمة بعينه كاللقطة علمنا أنه كان يجري الأحكام الشرعية على الظاهر وقد صرح عنه فيما رواه عنه في الجامع الكافي ولفظه أن رجلاً أتى علياً (عليه السلام) فقال : إن لي جار يعمل بالربا يدعوني أفأجيبه ؟ قال : نعم , قال : أستقرضه ؟ قال : نعم , قال: يجيزني بالشيئ أفأقبله ؟ قال : نعم إلا أن تكون تعرف أنه مال رجل أخذه بعينه.

وكل ما ذكرناه عن أمير المؤمــنين (عليه السلام) فهو ظاهر مشهور تضمنته كتب الفقه والسير والتاريخ وغيرها وكفى به دليلاً لمن أنصف .

الوجه الثالث: إجماع الصحابة فإنهم لم يزالوا في معاملة الناس من الكفار والفجار وغيرهم مع ظهور اختلاط الحلال بالحرام والإستئثار بالأموال , وكانوا يفتون بحسب ظاهر اليد على نحو ما مر عن أمير المؤمــنين (عليه السلام) , ووقع الغلول من الغنائم وغيرها , ونهبت المدينة ثلاثة أيام في أيام يزيد لعنه الله وفي الناس بقية من الصحابة ولم يتوقوا المعاملة إلا فيما علموه حراماً بعينه , ولا قال أحد منهم أن الأموال قد صارت لا مالك لها.

الوجه الرابع: إجماع أهل البيت عليهم السلام على العمل بظاهر اليد في وجوه الإكتساب في الأزمنة التي انتشر الجور فيها واختلط فيها الحلال بالحرام , وكان الجور فيها هو الغالب , رواه في الجامع الكافي ولفظه قال الحسن بن يحيى (عليه السلام)   : (أجمع آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في البيوع على أن البيع والشراء والملك جائز في كل عصر عدل أو جور , وأن التجارة والملك لا يفسده جور الجائرين , ولكن على التاجر والصانع والمالك أن يعملوا في ذلك بالحق وترك الظلم , وإتباع السنن في جميع البيع والشراء والاكتساب والملك ), وقال أيضاً ما معناه : (وأجمعوا على أن من له عقاراً أو أرضاً أو ضيعة أو غير ذلك واحتاج إلى أن يؤدي عشره أو غلته إلى من يستحقه أن ذلك لا يفسد الملك ) , ثم قال : (وأجمعوا أن البيع والشراء من أسواق المسلمين جائز ما لم يعلم غصباً بعينه , وأجمعوا على أن الدار دار هجرة , تحل مناكحة أهلها وذبائحهم وعمارة المساجد ومبايعتهم وقضاء حقوق بعضهم على بعض على ظاهر الدعوة ولا يبطل هذه الأحكام فيهم والحقوق التي لهم ولبعضهم على بعض غلبة أهل الباطل على الدار وأحكامهم فيها وتعطيل حكم الله فيها.

قال: (وعلى هذه الأمور مضى خيار آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلماءهم في وقت تعطيل الأحكام من الولاة وظهور أهل الباطل على أهل الحق ) .

الوجه الخامس: أن القول بذلك يؤدي إلى تعطيل الأحكام فلا يجب على الإنسان حج ولا زكاة ولا تجزئة الصلاة إن لم يكن من مصرف المظالم إلا عرياناً , وهو يلزم فوات مصلحة نصب الحكام وبطلان أحكامهم , لأن الأحكام في الأموال وما يتعلق بها من العقود مترتبة على صحة الملك , ويلزم أن لا يصح بيع ولا إجارة ولا هبة ولا نذر ولا وصية ولا قضاء دين ولما خرج أحد من يمينه إذا حنث إلا بالصوم , ولتغلقت أبواب المواريث إلى غير ذلك من اللوازم , وكل قول يؤدي إلى ذلك فهو باطل , لما فيه من هدم أركان الدين وإطفاء نور رب العالمين , وصلى الله على محمد وآله , والحمد لله رب العالمين .

الجواب الثالث

الجواب الثالث

أقول: أن هذا السؤال قد أجاب عنه العالمان الكبيران الجواب الأول أجاب به سيدي العلامة ذو الفضل والإستقامة محمد بن عبدالله بن سليمان العزي حفظه الله , والجواب الثاني من المولى العلامة جمال الإسلام علي بن محمد العجري رحمه الله ,ولما اطلعت على السؤال وعلى الجوابين رأيت زبرهما والتعليق عليهما بما ظهر لي وماذا يكون قولي عند قولهما وبعري عند درّهما :

وابن البون إذا ما لُزَّ في قرن            لم يستطع صولة البُزل القناعيس

فأقول: اعلم أنه لا شك أنّ الأموال في زماننا قد اختلط حلالها بحرامها , وطيبها بخبيثها , وإن كان كذلك في الاعصر الماضية , ولكن زماننا أكثر لكثرة المعاملات الفاسدة أو الباطلة , وكثرة موارد الأموال ومصادرها المشوبة بالربا, فنقول:

إن في جواب المولى علي بن محمد العجري رحمه الله من النقل عن آل محمد , ومن الأدلة ما هو كاف, ولكنا نزيد هنا فوائد عثرنا عليها و فنقول :

حكى ابن بطال في شرحه على البخاري عن ابن جرير الطبري وابن المنذر جواز الأخذ مما في أيدي الظلمة وغيرهم إلا ما تعين أنه مظلمة بعينه لرجل معروف .

قلت: وهذا مثل ما نص عليه أهل المذهب من قولهم : (ويجوز معاملة الظالم بيعاً وشراءاً ما لم يظن التحريم ) .

حكى ابن جرير كلامه السالف عن بعض الصحابة وبعض التابعين وعيّن أسماءهم , فمن الصحابة تسعة وهم : علي (عليه السلام) وابنه الحسن (عليه السلام) وابن مسعود وأبو الدرداء وأبو هريرة وعائشة وابن عباس وعبدالله بن عمر بن الخطاب وعثمان .

وأما التابعون: فأبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) وسعيد بن جبير وعلقمة والاسود والنخعي والشعبي والحسن البصري ومكحول وعكرمة والزهري وابن أبي ذُءيب .

ومن الحجة لهم استقراض النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طعام اليهودي ورهنه درعه وذلك في آخر أيامه , وقد وصف الله اليهود بأكلهم السحت .

ومن الحجة القاهرة القوية وجوب الحكم للفجار بما في أيديهم كوجوبه للأخيار سواء في حكم الشريعة , وكذلك يحتج بأخذ الجزية من أهل الكتاب وحلها للمسلمين مع علم الله تعالى بأن أكثر أموالهم أثمان الخمور والخنازير وأنهم يتعاملون بالربا وهذا أمر واضح , ويزيده وضوحاً أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يقض بأن ما في أيدي الناس قد صار لبيت مال المسلمين لإختلاط الحرام بالحلال , ولا قضى بذلك أميرالمؤمنين (عليه السلام) ولا غيره من الصحابة مع كثرة الفساد ووقوع الحروب كما وقع من الناكثين والقاسطين والمارقين في أيام أمير المؤمنين (عليه السلام) واستيلائهم وتغلبهم على كثير من البلدان ووقع بذلك من النهب والتظالم ما هو معروف , وقد نهبت المدينة يوم الحرة ثلاثة أيام نهبها عسكر يزيد اللعين ولم يمتنع أحد من الصحابة والتابعين من المبايعة والشراء والمعاملة بعد تلك الفتن العظيمة , بل جرى التعامل بالبيع والشراء في الأسواق بلا تناكر ولم يقض أحد من الصحابة وغيرهم بأن جميع ما في أيدي الناس قد صارت بيت مال لإختلاط الحلال بالحرام .

ثم جرى على ذلك أكابر الأئمة عليهم السلام فلم يؤثر عن أحد من قدمائهم أنه قضى بأن جميع ما في أيدي الناس بيت مال , ولا ظمنوا أحداً ولا عاقبوه بأخذ شيء مما في يده وإن كان مخالفاً عاصياً .

مع أن الهادي (عليه السلام) خرج إلى اليمن ولا مزيد على ما كان أهله فيه من التظالم ومنع الواجبات وفشو الربا وبُعد العهد من أئمة الهدى , فلم يضمن أحداً منهم بل تحرج من القرض بغير رضا أربابه مع تسويغ الشريعة له ذلك للإستعانة به على الجهاد مع الحاجة لذلك.

وما يُرْوى عن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن (عليه السلام) حين استولى على البصرة أنه أرسل إلى عامل أبي جعفر : (هل عندك شيء ؟ فقال : لا , فقال : الله فأل الله ) فتركه , وأرسل إلى آخر ... إلى آخر الحكاية .

ولم يُضَمِّن أحداً من أولئك , وهذا مستلزم حرمته وحرمة ماله.

فإن قلت: إقراره صلى الله عليه وآله وسلم لأهل المدينة قبل تحريم الربا وقبل تحريم الخمر.

قلنا: بل المعلوم أنه عاملهم بعد تحريم ذلك وصح أنه استقرض من اليهودي ورهن درعه ومات صلى الله عليه وآله وسلم ودرعه مرهون في شعير عند أبي الشحم اليهودي , ولا شك أن أموال اليهود لا تخلوا عن ما هو من تلك المحرمات .

وأيضاً فإن علماء الدين من آل محمد المتقين وغيرهم من علماء الدين في كل عصر من أعصار الظالمين وزمان قوة شوكتهم , اكتسبوا بالتجارة والحِرَف وغيرهما إذ الأصل ما ذكرنا من أن ما في أيدي الناس ملك لهم إلا ما علمنا انه عين مغصوبة للغير وقد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم أن الحلال بين والحرام بين وبينهما شبهات, وهذه الأنواع الثلاثة باقية ما بقي التكليف , فالعامل بهذا الحديث وأمثاله يتبع الحلال البين ويجتنب الحرام البين ويستبري لدينه بترك الشبهات .

وقد ورد في أخذ عطية السلطان حديث ( من أتاه شيء من السلطان فليقبضه فإنما هو رزق ساقه الله إليه ) هذا معنى الحديث فسماه رزقاً , والرزق عند العدلية هو الحلال ولا شك أن من قال بأن الأموال كلها قد صارت بيت مال , لا يقدر أن يتيقن أن كل مال من أموال المسلمين أنه قد وقع فيه ذلك الاختلاط , فإن عدم توريث النساء ليس إلا في محلات , ومن الناس من يموت وليس له ورثة من النساء , والتباس كثير من الأموال لا يوجب التباس الكل .

وأيضاً فإن أموال المسلمين محرمة بالدليل القطعي قرآناً وسنةً متواترة , كحديث : (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام ) فإنه متواتر , وكقوله تعالى : )يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ... الآية ( [النساء – 29] .

فهذا ما علقته مع أن الباع قصير وفي جواب سيدي العلامة علي بن محمد العجري رحمه الله الكفاية إذ هو الحزيت الماهر واليعبوب الزاخر , وأما جواب مولانا العلامة محمد بن عبدالله بن سليمان حفظه الله فهو مبني على الاحتياط , ومن علمائنا من سبقه إلى مثل قوله محتجاً بمثل حجته بأن في الأزمنة الأخيرة قد التبست الأموال واختلط الحرام بالحلال سيما بعد بغي أهل الإسلام بعضهم على بعض ونهبهم الأموال المحرمة المغصوبة , وفي جوابات الإمام الحسن بن عزالدين (عليه السلام) ما يشير إلى ذلك .

هذا والله المسئول أن يعيد حياة الدين , وان يؤيد وينصر الإسلام والمسلمين , وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .

سؤال عن صلاة الجمعة

بسم الله الرحمن الرحيم

سأل الولد عبدالحكيم بن علي بن عبدالله عامر عن صلاة الجمعة ونظم سؤاله في عدة أبيات تركنا زبرها تخفيفاً فأجبته عن سؤاله بما يلي :

أتاني نظـامٌ  بالفـوائد يمطــرُ

وألفاظه فيها الفصاحة تخـطر

أجـاد نظام الدر منه مـــفوَّهٌ

عليمٌ بما يأتي وينشي ويُصْـدِرُ

أتى سائلاً عن مشكلٍ قد تسابقت

إليه رجال العلم قالوا وحرروا

فمنهم إمام طيب الأرض  ذكـره

له في فنون العلم أقوال تذكر

أزاح لنا الإشكال في سؤلك الذي

حكيت  بأقوال تـروق  وتبهر

رسالته غرَّاء قامت و أشـرقت

معالمها كالشمس  بل هي أنور

وفي عصرنا المولى الذي علمه غدا

كبـحر عباب  بالفوائد يزخر

عبـاب ويـمٌ زاخـر أي زاخر

هو الحبر مجدالدين للحق ينصر

فمن  بحره يستخرج الدرُّ فاقتبس

فـوائده لازال للـدين يعمر

فكن يا حبيبي سالكاً في طريـقةٍ

لها علماء الآل ساروا وسيروا

هـم العروة الوثقى لملتزم لـها

أمان بني الدنيا وحصنٌ وعسكر

وإنـي أرى ما قاله الحبر شيخنا

وأُفـتي  بما أفـتى به وأُقـرر 

وصـدَّره في مـجـمع لفوائدٍ

فخذه فإن الحـق أبلج  مُنْوِرُ

وهذا جوابي فاعفني يا أخا النُهى

إذا كان تـقصيرٌ فإني مـقصر

وصلي على المختار والآل كلما

أُقيمت جماعات الصلاة فَكَبَروا

إنتهى.

واعلم أن الجمعة قد كثر فيها الخلاف وقد تكلم في ذلك علمائنا رحمهم الله وأفردها بعضهم بالبحث فممن بحث فيها وأجاد الإمام النقَّاد الهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن (عليه السلام) فإنه وضع فيها رسالة قيمة هي ضمن فتاواه التي هي مهيئة للطبع وقد أشرنا إلى رسالته (عليه السلام) بقولنا: فمنهم إمام طيب الأرض ذكره, إلى قولنا:

رسالته غرَّاء قامت و أشـرقت

معالمها كالشمس  بل هي أنور

, وفي رسالته من التفصيل و الإستدلال والتعليل ما يكفي طالب الحق .

وللمولى العلامة الحسين بن القاسم بن محمد عليهم السلام رسالة في ذلك قويمة , وللعلامة الحسن بن أحمد الجلال رسالة قد طبعت مع بعض مؤلفاته بإشراف العلامة محمد أحمد الجرافي وتحقيق العمري ,وقد سبق الأمير الناطق بالحق الحسين بن محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى  (عليه السلام) بمبحث قويم في كتابه شفاء الأوام , ولمولانا العلامة الحجة مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أسعده الله رسالة غراء ومقالة عذراء في بيان المعتمد عنده في شروط صلاة الجمعة أبان فيها الحق المعمَّد بالدليل واستطرد في ذكر الفوائد وأضاف إلى تلك المسألة ما استحقته من مهمات المقاصد وإن اتفق هو وجده الإمام الهادي عزالدين (عليه السلام) في أكثر الموارد فلا غرو هذا الولد وذاك الوالد , ولما كنت موافقاً لمولانا فيما أفتى به وحرره فأنا محبذ لذلك ومقرره ولهذا قلت :

وإنـي أرى ما قاله الحبر شيخنا

وأُفـتي  بما أفـتى به وأُقـرر

ولما كان المولى قد حرر بحثه وأنا موافق له رأيت أن أنقل كلامه برمته لإفادة السائل وغيره من الراغبين , وللتبرك بكلامه , قال أسعده الله :   

 ((لا شكّ أن صلاة الجمعة شأنها عظيم ، وخطرها في الإسلام جسيم , وأن الآية في وجوب السعي إلى ذكر الله تعالى , وكذا الأخبار النبوية نصوص معلومة ولكن حكمها حكم سائر ما افترضه الله تعالى في القرآن الحكيم من الصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها مما وردت مطلقات ومجملات وعامات وبين مجملها وقيد مطلقها وخصص عامها وأوضح شرائطها وكيفية أدائها على لسان رسوله الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كما قال جلَّ جلاله : )لِتُبَيِّنَ للناس ما نُزِّلَ إليهم ( , ومن المعلوم المجمع عليه المسلم به أنه يقبل البيان للمجملات والتقييد للمطلقات والشروط في المشروطات والتعيين للمحتملات ولو بأخبار الآحاد الصحيحات كما في أوقات الصلوات دخولاً وخروجاً وجهة القبلة والطهارة ولزوم النية والتسمية والمضمضة والاستنشاق وأنصباء الزكاة وسقوطها في المال الذي لم يكمل فيه النصاب كالذهب والفضة مثلاً مع وجوبها في الأموال بنص القرآن على العموم وغير ذلك مما لا يحصر فكيف إذا ورد البيان بنصوص الكتاب العزيز والسنة المطهرة الصحيحة الصريحة فما بال هذا النص في الجمعة لا يجوز تقييده ولا تبيينه ولا تخصيصه لاشك أن ثمة هوى من البعض وعدم إمعان النظر أو الإغترار من البعض الآخر إذا تقرر هذا القول , فأقول:

هذا النص الظاهر القرآني بوجوب السعي إلى ذكر الله تعالى وكذا غيره من الأخبار مقيد بالنصوص القرآنية الكثيرة كقوله عزَّ و جلَّ:) وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين( [الأنعام : 28] , فحرم سبحانه القعود مع الظالمين تحريماً عاماً مطلقاً فلا يخص إلا بدليل صحيح واضح فهنا عمومان يمكن تخصيص كل منهما بالآخر فيرجع إلى الترجيح فآية النهي وغيرها من الآيات الآتية تقتضي الحظر والتحريم والعمل بالحاظر أرجح بالإتفاق والآيات القاضية بالتحريم مع ذلك والأخبار أكثر وأقوى وأصرح فهي أرجح أما إذا خاض الخطيب أو الإمام أو غيرهما فيما لا يجوز كمدح الظلمة كما لا يخلو في الغالب والدعاء لهم وكالجبر والتشبيه أحياناً فالذنب أعظم وأطم, وقد قال الله تعالى: )وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم ( [النساء : 129] , ومفهوم قوله :) حتى يخوضوا في حديثٍ غَيْرِهِ( مقيد بالتوبة للآية الأولى وغيرها أو يكون القعود للتبليغ أو نحوه هذا والله تعالى يقول في الآية نفسها: )فاسْعَوا إلى ذِكْرِ الله ( ولم يقل إلى معصية الله تعالى وسبه بنسبة القبائح إليه والكذب عليه والمدح لأعدائه وقد ورد : ((إذا مدح الظالم اهتز عرش الله )) أو كما قال , وفي الخبر الصحيح : ((لا يحل لعين ترى الله يعصى فتطرف حتى تغير أو تنتقل )) وفي بعض ((أو تنصرف)).

وأيضاً في الحضور مع الظلمة إظهار المودة لهم والتولي والمعاونة لهم على طغيانهم والركون إليهم هذا معلوم لا ريب فيه ولذا تراهم يحرصون على حضور جمعهم ويعاقبون على التخلف عنها , والله عزَّ و جلَّ يقول: )لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ( [آخر آية المجادلة].

ويقول تعالى: )ومَن يتولهم منكم فإنه منهم( الآيات , ويقول تعالى: )وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ( [المائدة :2] , ويقول جلَّ وعلا: )ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون ( [هود :113] , والركون هو الميل اليسير وقد قال تعالى :)لا ينال عهدي الظالمين ( [البقرة :124] , ولو أوجب الحضور معهم مع ما فيه من الميل إليهم وتقوية سلطانهم لكان من العهد.

وأما السنة فكثير كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا يؤمنكم ذو خزبة في دينه)), أخرجه في أمالي أحمد بن عيسى عليهما السلام بسنده إلى أمير المؤمــنين (عليه السلام) والهادي إلى الحق والمؤيد بالله وأبو طالب وأحمد بن سليمان عليهم السلام وهو في الجامع الكافي , والخزبة شبه الخدش وهو النقص .

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( لا يؤمن مؤمناً فاجر ولا يصل مؤمن خلف فاجر )) , أخرجه في أمالي الإمام أحمد بن عيسى عليهما السلام وهو في الجامع الكافي وأصول  الأحكام.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( لايؤمن فاجر مؤمناً إلا أن يخاف سيفه أو سوطه )) , أخرجه المؤيد بالله وقال : في ذلك تصريح بالنهي عن الصلاة خلف الفاجر والنهي يقتضي فساد المنهي عنه على أنه إجماع أهل البيت عليهم السلام ولا أعلم فيه منهم خلافاً . انتهى كلامه (عليه السلام) .

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا يؤمن فاجر مؤمناً )) رواه ابن حجر في بلوغ المرام .

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إن سركم أن تقبل صلاتكم فقدموا خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم )) رواه الحاكم وهذا هو إجماع أهل البيت عليهم السلام رواه أئمتهم الثقات الأثبات فلا يضر خلاف بعض المتأخرين لسبق إجماع سلفهم وإن حملوا على السلامة لعدم تعمدهم لمخالفة الإجماع وللشبهة.

ومن نصوص أعلامهم قول إمام الأئمة زيد بن علي عليهما السلام: (( لا تصل خلف الحرورية (الخوارج) ولا خلف المرجئة ولا القدرية ولا من نصب لآل محمد حرباً )) , وقوله (عليه السلام) : ((ليس يجب عليك السعي إلى أئمة الفسقة إنما يجب عليك السعي إلى أئمة الهدى )).

وقال الإمام المؤيد بالله (عليه السلام) : فإن قيل من أين قلتم أن السلطان الظالم لا تصح معه الجمعة؟

قال: قيل له قوله تعالى : )ولا تَرْكَنُوا إلى الذين ظلموا فتمَسَّكُمُ النار( [هود – 113] ولاركون في باب الدين أوكد من أن تعلق بهم صلاة الجمعة , وروى محمد بن منصور بإسناده إلى إبراهيم بن عبدالله بن الحسن أنه سئل عن الجمعة هل تجوز مع الإمام الجائر ؟ فقال : إن علي بن الحسين وكان سيد أهل البيت كان لا يعتد بها معهم ,وهو مذهب جميع أهل البيت فيما عرفته , ومذهبنا أن إجماعهم حجة . انتهى كلامه (عليه السلام) .

وقال الإمام القاسم بن محمد (عليه السلام) في الجزء الثاني من الإعتصام:

ولا يقتدي بأئمة الجور أحد من المؤمنين ولا يكونون لهم أئمة لقوله تعالى: )ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار( [هود – 113] , وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((ولا يؤمن فاجر مؤمناً ...إلى آخره)) , ومن المعلوم أنه لا يجوز الإنكار على من تابع أحداً من أئمة الهدى فكيف من تابع إجماعهم , وللمخالفين شبه واهية وردودات غير واضحة منها التمسك بآية النداء وقد سبق القول بما فيه الكفاية لمن أنصف , ومنها حديث : ((وله إمام عادل أو جائر)) وقد ضعفت هذه الزيادة , وتأولها الأئمة بأن المعنى جائر في الباطن , وفائدته أن على المسلمين أن يعملوا بظاهر العدالة وليس عليهم أن يتكلفوا معرفة الباطن , وأنه إن كان الإمام غير عادل في الباطن فلا حرج عليهم مهما كان ظاهره العدالة وأن العصمة غير شرط في الأئمة , وفيه رد على من اشترطها كالإمامية , وهذه فوائد عظيمة , وتأوله الإمام القاسم (عليه السلام) في الاعتصام بتأويل حسن خلاصته (( أن اللام تفيد الإختصاص فالجائر ليس بإمام للمؤمن فليس له بإمام وإنما يعاقب من ائتم به , فلا يدخل المؤمن في الوعيد بتركها مع الجائر )) .

قلت: وأيضاً في الخبر (( من تركها استخفافاً وجحوداً )) , وفي بعض (( من غير عذر)) فتاركها مع الإمام الجائر ليس مستخفاً بها ولا جاحداً لحقها , مع أن هذا الخبر لا يقوى على معارضة الأدلة من الآيات والأخبار المفيدة للمنع وإجماع أهل البيت ومن شبههم حضور بعض السلف لجمع الظلمة ولا حجة في ذلك لأنه للتقية وخشية السيف والسوط , أو لخشية افتراق كلمة المسلمين وغلبة أهل الكفر .

وقد تخلف أمير المؤمـنين (عليه السلام) ستة أشهر كما رواه البخاري ومسلم وغيرهما ثم طلب مصالحة أبي بكر كما في روايتهما , وفي روايته أن ذلك لانصراف وجوه الناس بعد موت فاطمة عليها السلام , وعندنا أن ذلك لإشفاقه على الإسلام كما قال : (( فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الإسلام رجعت فخشيت أن أرى في الإسلام ثلماً هو أعظم عليّ من فوت ولايتكم هذه )) , أو كما قال (عليه السلام) .

وقد قال أكثر المخالفين في ذلك الإرهاب والتهويل , والمعتمد الدليل والله سبحانه الهادي إلى خير سبيل.

وهذا الشرط وهو أن لا يقيمها الظالم أو من ينتمي إليه , وأن لا يقترن بها معصية هو الذي وقع الكلام فيه , وبقية الشروط ما ثبت بدليل واضح فهو صحيح وما لا فلا , والتفصيل يوجب التطويل ولا يسع الحال.

ومما لم يتضح عليه دليل ـ اشتراط أن يدرك المصلي قدر آية من الخطبة لصَحة الجمعة لقيام الخطبتين مقام ركعتين ـ وهذا من كلام عمر ولا حجة فيه والمختار ما ذهب إليه بعض أئمة الهدى منهم إمام الأئمة زيد بن علي والإمام المؤيد بالله والإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة والإمام القاسم بن محمد وولده الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم عليهم السلام , وقد أجاب الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة على جعلهم الخطبتين بمثابة ركعتين لأنه لا يستقيم على أصولهم إذ قد أوجبوها على المسافر ( أي النازل وسامع النداء ) , ولأنها لو كانت بمثابة ركعتين لكان من لم يستمع الأولى يصلي ثلاثاً وإجماعهم على خلافه .

قال الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم عليهما السلام: ويلزمهم أيضاً ألا يتولاهما ـ أي الخطبتين ـ والصلاة إلا شخص واحد كالصلاة وهم لا يشترطونه .انتهى .

والأخبار واردة أن من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة وهذا عام في الجمعة وغيرها , مع أن في بعض الروايات : (( من أدرك من صلاة الجمعة ركعة فقد أدرك)).

وعلى الجملة فلا تسقط فريضة الجمعة المقطوع بها بلا دليل , والله ولي التوفيق.

قلت: وهذا هو المختار المعمول به عندي وكذا غيرها من الشروط التي لم يقم عليها دليل واضح فلا معنى لإسقاط هذه الفريضة المؤكدة المعلومة في القرآن بشروط لم ينزل الله بها من سلطان والله المستعان .

هذا وأما قولكم: (( وفي بلاد الكفر )) فقد أشرت إشارة عابرة إلى وجوب الهجرة بنحو قوله تعالى :) وإمَّا ينسينك الشيطان فلا تقعدْ بعد الذكرى مع القوم الظالمين( [الأنعام : 28] , وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( لا يحل لعين ترى الله يعصى فتطرف حتى تغير أو تنتقل )).

واعلم أن دار الكفر هي ما لا تظهر فيها الشهادتان إلا بجوار , أو بأن تظهر فيها خصلة كفرية من غير جوار وإن ظهرت فيها الشهادتان من غير جوار , هذا كلام أهل المذهب وعند الإمام المؤيد بالله وأبي حنيفة أن الحكم لظهور الشهادتين في البلد من غير جوار فتكون دار الإسلام وإن ظهرت فيها الخصلة الكفرية من غير جوار .

والمختار كلام الإمام المنصور بالله (عليه السلام) أن الإعتبار بالشوكة , والدليل على ذلك أن مكة المكرمة صارت دار إسلام بعد الفتح وكان فيها كثير ممن يظهر الكفر بغير جوار .

إذا عرفت هذا فقد نص أعلام أئمتنا كالقاسم والهادي والناصر عليهم السلام أنها تجب الهجرة عن دار الكفر وعن دار الفسق وهي ما ظهر فيها ما يوجب الفسق من دون  أن يتمكن المسلمون من إنكار المنكر بالفعل .

قال المنصور بالله (عليه السلام) : وهو الظاهر من مذهب أهل البيت عليهم السلام , قال في اللُمع : وإلا فسق بالإقامة لقوله تعالى: )فلا تقعدوا معهم إنَّكُم إذاً مثلهم ( , ولهذه العلة يكفر من ساكن الكفار عند القاسم والهادي عليهما السلام .

قال المنصور بالله (عليه السلام) : وإن لم يستحل الوقوف معهم لأنه أظهر على نفسه الكفر , قال في مهذبه : وكان وقوفه معهم أكثر من سنة وتجب الهجرة إلى خلي عما هاجر لأجله فإن لم يجد خالياً وجب عليه أن يهاجر إلى ما فيه دون ما هاجر لأجله , ويجب عليه أن يهاجر بنفسه وأهله إلا لمصلحة دينية كإرشاد بعض أهلها أو مرض أو حبس أو خوف سبيل.

والأدلة على وجوب الهجرة معلومة وهو قوله تعالى: )إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها أولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم ( , وقال تعالى: )والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا( , وعنه صلى الله عليه وآله وسلم : ((عليك بالهجرة فإنه لا مثل لها حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها )).

 وفي شرح الأساس المسمى بعدة الأكياس: وروى السيوطي في الجامع الكبير عنه صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار )) أخرجه أحمد والطبراني وابن منده والبيهقي عن عبدالله بن السعدي.

وروى أيضاً : ((لا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من المغرب , فإذا طلعت الشمس من المغرب خُتم على كل قلب وكفي الناس العمل )) قال أخرجه ابن عساكر عن عبدالرحمن بن عوف ومعاوية بن عمر .

وما روي عن عبدالله بن السعدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو )) قال الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد عليهما السلام : وهذا لا شك في صحته لموافقته للكتاب العزيز من نحو قوله تعالى: )ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ... الآية ( [ الأنفال – 72] , والعدو يعم الكفار وأهل الطغيان والبغاة والمنافقين . انتهى من أنوار التمام هذا الذي أمكن إيراده.

قال الإمام القاسم (عليه السلام) : فاعلم أنه إن حمل على فعل المعصية وجبت عليه الهجرة إجماعاً بين علماء الإسلام كافة وكذلك مع أمر الإمام بالهجرة فتجب إجماعاً .

ومن جملة المعاصي الموجبة للهجرة  إعانة الظالمين سلاطين الجور بالغارة معهم وتسليم المال إليهم بالقسر أو الرضى , فإذا حصل مع شخص أحدها أو خاف صدور ذلك منه وجب عليه الإنتقال لقوله تعالى: )فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً ( [النساء – 140] , قال في أنوار التمام : وقد تقدم ما يقتضي حظر المساكنة للظلمة بالآيات الصريحة والسنة الصحيحة.

قال: وقد روى الهادي (عليه السلام) في الأحكام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ((المعين للظالمين كالمعين لفرعون على موسى صلى الله عليه وسلم )) وأخرج الطبراني في الكبير عن معاذ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((ثلاث من فعلهن فقد أجرم , من عقد لواءً في غير حق , أو عق والديه , أو مشى مع ظالم لينصره )) , قال تعالى: )ياأيُّها الذين آمنوا لا تتخذوا بِطانةً مِنْ دونكم لا يألونكم خبالاً ( [آل عمران  – 118] انتهى.

هذا ما تيسر إيراده والله ولي التوفيق إلى أقوم طريق

المجموعة العاشرة

المجموعة العاشرة

تتضمن  مسائل في الشراكة والإتجار

وهي تحتوي على ست مسائل

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلتنا هذه المسائل الست من أحد الأخوة الأعزاء وهي:ـ

المسألة الأولى

هناك شخص صاحب مشروع , وقد بدأ به على نطاق صغير جداً , وهذا المشروع يقوم في الأساس على مجموعة من المعلومات يملكها هذا الشخص.

وقد ظهر له أن هذا المشروع يحتاج إلى أجهزة كبيرة وإلى عدد من الموظفين , وإلى دعاية كثيرة , لكي يستطيع أن يستفيد الفائدة المربحة من المعلومات التي لديه , فعرض المشروع على مجموعة من أصحاب الأموال فأبدوا استعدادهم للاستثمار معه في هذا المشروع .

الإشكال: لا يريد صاحب المشروع أن يفقد سيطرته وملكيته للمشروع , بمعنى أنه يريد أن تبقى ملكيته للمعلومات الحالية والتي سيحصل عليها بعد البدء بالعمل , كما يريد أن يكون هو المسيطر على المشروع والموجه له , كما يريد أن يحافظ على اسم الشركة التي ستتكون بحيث تكون له , أي أنه يريد من أصحاب الأموال أن يستفيدوا منه وأن يفيدوه فقط, بغير أي تبعات أخرى.

الحل الذي اقترحه صاحب المشروع:

اتفق مع أصحاب رؤوس الأموال على أن المركز والحقوق كافة ملكه , وليس لهم من الأمر إلا أن تدخل أموالهم وتستفيد ثم يحق له بعد مدة متفق عليها أن يخرج أموالهم من المشروع مع أرباحها .

أيضاً اتفق معهم على أن له (50%) خمسين في المائة من أرباح المشروع وللمشتركين الباقين مثلها .

كما اتفق معهم أنه لا يحق لصاحب رأس المال أن يسحب ماله إلا بعد فترة تسمح للمشروع بالنهوض والاعتماد على نفسه .

مثال ذلك:

أن يدخل عشرة أشخاص كل واحد بعشرة آلاف ريال فيشترط عليهم ألَّا يخرج ما لهم قبل سنتين .

ويشترط على صاحب المشروع أن لا يخرجهم من الاستثمار إلَّا بعد خمس سنوات .

ويشترط عليهم صاحب المشروع ألَّا يستلمون شيئاً من الأرباح إلّا بعد سنتين وبعد السنتين ينظر في الأرباح المتكونة بعد خصم المصاريف جميعها مهما بلغت فيأخذ نصف الأرباح أصحاب المال ونصفها صاحب المشروع .

أيضاً يشترط عليهم أن يأخذ من رأس المال ما يقوم به أمره من معاش ونحوه , ثم يخصم عليه من الأرباح التي ستقسم بعد السنتين .

جميع المستثمرين قبلوا هذه الشروط في هذا المشروع وفي غيره من المشاريع التي تحتاج إلى تمويل .

يرجى من فضيلتكم النظر في هذه المسألة وحل هذا الإشكال وتوضيحه لنا مع الدليل والله يرعاكم.

المسألة الثانية

مضارب شرط على نفسه أن لا يأخذ من الأرباح شيئاً إلَّا إذا زادت الأرباح عن عشرين في كل مائة مثلاً وبعد ذلك فله النصف مما فاض .

أرباح الوسطاء قد تكون كبيرة جداً ولكن الجميع يحتاجها ويرضى بها على مضض في بعض الحالات ولكن يرضى أنه غير مغصوب فهل يصح ذلك ؟

المسألة الثالثة

هل يصح تقدير المعلومات وبيعها بحسب ما يتوقع منها أن تدخل ؟ فعندي معلومات تحتاجها شركة حاجة ماسة للقيام ببعض أعمالها , فهل يحق لي أن أبيعهم إياها بسعر كبير؟

وهل يصح أن أكلفهم قدراً معلوماً في أي وقت يتم إستعمالهم للمعلومات ؟

المسألة الرابعة

هل يصح أخذ وكالة من شركة ما ؟ ثم يأخذ من شركة أخرى مقابل بيع الوكالة؟

وهل يصح أن يأخذ الإنسان من الناس أموالاً مقابل الأذن لهم ببيع بضاعة من الشركة التي هو وكيل لها ؟

المسألة الخامسة

هل يجوز الإقتراض من الأموال الزكوية في المصالح الدينية عند الإحتياط في جواز صرفها فيها ؟

المسألة السادسة

ثلاثة شركاء بدأوا العمل قبل مدة , ثم صار لإسم مكتبهم شهرة , وصار الناس يتوجهون له , وعند فسخ الشراكة اختلفوا على من يملك الإسم , فكيف يتم حل ذلك؟

المقترح منهم: أن يتم تقويم الإسم وجعله ضمن الأموال التي سيتم تقسيمها , وتراضوا بهذا الحل وإن الساخط منهم ساخط لفوات الفرصة مع قناعته بأن هذا هو الحل الأمثل .

نفس الشركاء اتفقوا على العمل المشترك أثناء العمل وبسببه عرضت على أحدهم فرصة في أن يستقل ويعمل لنفسه مع غير شركائه , علماً بأن ما حصله من معلومات والفكرة التي شجعت الناس على أن يتاجروا معه كانت بسبب وببركة الشراكة الأولى.

السؤال: هل في الترك شبهة خيانة وهل الأولى أن يبقى لهم نصيباً من أرباحه وفاءً لهم بما كانوا سببه .

والله يحفظكم ,,, إنتهت الأسئلة.

الجوابات

بسم الله الرحمن الرحيم

بحمد الله تعالى أفتتح المقال , وبالصلاة على نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ينحَلّ كل إشكال.

وبعد: فإنها وصلت إلينا أسئلة من طريق الولد العلامة النبيل فخر الملة عبدالله حمود العزي أعزه الله ورفع قدرة , يطلب حلها وبيان كشفها , ولقد استسمن ذا ورم , وأنَّى يُطلب النتاج من العقيم , وتستخرج الغامضات من الفهم السقيم , ولكن لحسن ظنه , فقد أجريت شوط القلم , بما سنح لفهمي القاصر وبما حضرني فليعذرني الناظر , فإن أصبت فبتوفيق الله تعالى وإن أخطأت فأستغفر الله , وسنقدم قبل الجواب مقدمة من الأدلة على جواز الشركة .

إعلم أيها المسترشد أن الشركة جائزة وأدلتها من الشرع معلومة على الجملة لأنها

 عقد والله تعالى يقول: )أوفوا بالعُقُود( [المائدة – 1] , وعلى جواز الشركة والإختلاط يقول الله تعالى: )فإنَّ لله خمسه( [الأنفال – 41] , )وإن كثيراً من الخلطاء ( [ص – 24] , ومن السنة المباركة عنه صلى الله عليه وآله وسلم : ((يدُ الله مع الشريكين ما لم يتخاونا )) , وصح أنه صلى الله عليه وآله وسلم شارك السائب قبل الإسلام وأنه قال : ((كنت خير شريك ... الخ )), وحديث: ((إنمّا رزقت بأخيك )) و ((المؤمنون عند شروطهم )), وهي من المعاونة على البر قال تعالى: )وتعاونوا على البر والتقوى( , وأي برٍ أعظم من كسب الحلال .

فهذه جملة من الأدلة

المسألة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلتنا هذه المسائل الست من أحد الأخوة الأعزاء وهي:ـ

المسألة الأولى

هناك شخص صاحب مشروع , وقد بدأ به على نطاق صغير جداً , وهذا المشروع يقوم في الأساس على مجموعة من المعلومات يملكها هذا الشخص.

وقد ظهر له أن هذا المشروع يحتاج إلى أجهزة كبيرة وإلى عدد من الموظفين , وإلى دعاية كثيرة , لكي يستطيع أن يستفيد الفائدة المربحة من المعلومات التي لديه , فعرض المشروع على مجموعة من أصحاب الأموال فأبدوا استعدادهم للاستثمار معه في هذا المشروع .

الإشكال: لا يريد صاحب المشروع أن يفقد سيطرته وملكيته للمشروع , بمعنى أنه يريد أن تبقى ملكيته للمعلومات الحالية والتي سيحصل عليها بعد البدء بالعمل , كما يريد أن يكون هو المسيطر على المشروع والموجه له , كما يريد أن يحافظ على اسم الشركة التي ستتكون بحيث تكون له , أي أنه يريد من أصحاب الأموال أن يستفيدوا منه وأن يفيدوه فقط, بغير أي تبعات أخرى.

الحل الذي اقترحه صاحب المشروع:

اتفق مع أصحاب رؤوس الأموال على أن المركز والحقوق كافة ملكه , وليس لهم من الأمر إلا أن تدخل أموالهم وتستفيد ثم يحق له بعد مدة متفق عليها أن يخرج أموالهم من المشروع مع أرباحها .

أيضاً اتفق معهم على أن له (50%) خمسين في المائة من أرباح المشروع وللمشتركين الباقين مثلها .

كما اتفق معهم أنه لا يحق لصاحب رأس المال أن يسحب ماله إلا بعد فترة تسمح للمشروع بالنهوض والاعتماد على نفسه .

مثال ذلك:

أن يدخل عشرة أشخاص كل واحد بعشرة آلاف ريال فيشترط عليهم ألَّا يخرج ما لهم قبل سنتين .

ويشترط على صاحب المشروع أن لا يخرجهم من الاستثمار إلَّا بعد خمس سنوات .

ويشترط عليهم صاحب المشروع ألَّا يستلمون شيئاً من الأرباح إلّا بعد سنتين وبعد السنتين ينظر في الأرباح المتكونة بعد خصم المصاريف جميعها مهما بلغت فيأخذ نصف الأرباح أصحاب المال ونصفها صاحب المشروع .

أيضاً يشترط عليهم أن يأخذ من رأس المال ما يقوم به أمره من معاش ونحوه , ثم يخصم عليه من الأرباح التي ستقسم بعد السنتين .

جميع المستثمرين قبلوا هذه الشروط في هذا المشروع وفي غيره من المشاريع التي تحتاج إلى تمويل .

يرجى من فضيلتكم النظر في هذه المسألة وحل هذا الإشكال وتوضيحه لنا مع الدليل والله يرعاكم.


 

أمَّا جواب السؤال الأول:

قوله : ( هناك شخص ) ... إلى قوله : ( على مجموعة من المعلومات ).

 يقال ماذا أردت بالمعلومات ؟ هل هي نفس العلم كما هو رأي بعض العلماء ؟ أم إدراكه ؟ أم أردت أن هنالك آلات لتحصيل المعلومات فهي محسوسة وذاتية ؟

فإن كان الأول والثاني فهي معانٍ غير محسوسة لأنها ملكة نفسية , وإن كان الثالث فهي ذوات محسوسة ويتفرع على هذا ما سيأتي .

قوله: (يريد تأسيس المشروع وأن يشارك غيره من أهل رؤوس الأموال وهو لا يريد أن يفقد سيطرته وملكيته للمشروع بمعنى أن يبقى ملكه للمعلومات وأن يكون المسيطر على المشروع والموجد ...الخ ) .

نقول: قد قدمنا الدلالة على جواز الإشتراك وكل ذلك فيما لم يقض الشرع بتحريمه ويجب الوفاء به وتمامه ما لم يكن عقداً فاسداً وهذه المشاركة منوطة بالتراضي والعقد لقوله تعالى: )تجارةً عن تراضٍ ( [النساء – 29] , )أوفوا بالعقود( فمهما رضوا وعقدوا وجب الوفاء به .

 أمّا قوله: (لا يريد أن يفقد سيطرته ... الخ ), فمهما رضوا له بذلك جاز لما قدَّمنا .

وأما قوله: ( ملكيته للمشروع ) فماذا عنا بالمشروع ؟

هل هو الآلات التي قامت برؤوس أموال المشتركين ؟ أم المشروع غير ذلك ؟

وقد فصَّل السائل فيما ذكره بَعْدُ بقوله: (الحل , في الفقرة الأولى منه , الإتفاق أن المركز والحقوق ملكه ...الخ ) وهذا مع الرضا جائز , فتلخص من هذا أن مجرد الإشتراك والمساهمة برؤوس الأموال هي لطلب الربح لا في المشروع والحقوق بل هي ملك المؤسس , وأي ضير في هذا ولا يمنع منه شرعٌ ولا عقلٌ وما أشار إليه في الحل من قسمة الربح على الكيفية المذكورة في السؤال وفي المثال , فأقول إن ذلك جائز إذ النصف لصاحب المشروع مقابل شيء وبالشرط والرضا يجوز التفضيل في الربح ولأنه إلى مقابل , وما أشار إليه السائل من الشرط أن لا يخرج مالهم قبل سنتين وأن لا يخرجهم من الإستثمار قبل خمس سنوات ...الخ , فهذا جائز وصحيح لأنه ربما حصل ضررٌ بـإخراج أحد الطرفين قبل مدة يتهيأ فيها ويُقَدِّر الربح أو يتضرر المشروع قبل حصول ما يقوم به ولا ضرر ولا ضرار في الإسلام , ولأنه عقد والعقد يجب الوفاء به وقياساً على منافع الأجير والمؤمنون عند شروطهم.

أما ما أشار إليه من أنه شرط عليهم أن يأخذ من رأس المال ما يقوم به ...الخ .

فأقول: إن هذا جارٍ مجرى الإستقراض وهو يجوز التوكيل بالإستقراض ولا مانع منه.

هذا ما ظهر في أطراف السؤال الأول , والله الهادي وصلى الله على محمد وآله وسلم.

***

المسألة الثانية

المسألة الثانية

مضارب شرط على نفسه أن لا يأخذ من الأرباح شيئاً إلَّا إذا زادت الأرباح عن عشرين في كل مائة مثلاً وبعد ذلك فله النصف مما فاض .

أرباح الوسطاء قد تكون كبيرة جداً ولكن الجميع يحتاجها ويرضى بها على مضض في بعض الحالات ولكن يرضى أنه غير مغصوب فهل يصح ذلك ؟


 

أما الجواب عن السؤال الثاني

وهو في المضارب الذي شرط على نفسه أن لا يأخذ من الأرباح شيئاً إلا إذا زادت ...الخ .

فأقول: إن المضاربة أدلتها معلومة وإن قال ابن حزم أن كل باب من أبواب الفقه عليه دليل إلا القراض فهو نفسه روى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة وهم يتعاملون به فأقرهم عليه, وروى بنفسه إجماع السلف على المضاربة.

إذا عرفت ذلك فأئمتنا عليهم السلام يشترطون فيها شروطاً هي مقررة وموضحة في موضوعاتهم والمسئول عنه يخالف شرط موجبها ومثلوا ذلك بنحو أن يُشرَط أن لأحدهما ديناراً من الربح لأنه يجوز أن لا يحصل إلا ذلك فينفرد به , وهذا الذي جنح إليه أئمتنا وهو مذهب زيد بن علي عليهما السلام وأبي حنيفة وأصحابه حكاه عنهم المؤيد بالله (عليه السلام) في شرح التجريد وقال : (ولا أحفظ فيه خلافاً عن غيرهم ) , قال (عليه السلام) : (ووجهه أنه إذا جعل لأحدهما ربحاً معلوماً خرج من باب الشركة هذا إذا كان المشروط له الزيادة هو المضارَب , فإن كان صاحب المال كان ذلك ربا ...الخ ).

ومهما كانت المضاربة غير صحيحة كان للعامل أجرة مثله عند أئمتنا عليهم السلام لا يختلفون في ذلك , والله الهادي .

***

المسألة الثالثة

المسألة الثالثة

هل يصح تقدير المعلومات وبيعها بحسب ما يتوقع منها أن تدخل ؟ فعندي معلومات تحتاجها شركة حاجة ماسة للقيام ببعض أعمالها , فهل يحق لي أن أبيعهم إياها بسعر كبير؟

وهل يصح أن أكلفهم قدراً معلوماً في أي وقت يتم إستعمالهم للمعلومات ؟


 

أمَّا الجواب عن السؤال الثالث:

وهو هل يجوز بيع المعلومات ؟

فأقول: قد قدمت كلاماً في المعلومات فإذا أراد السائل علم الشخص الذي هو عبارة عن عرض قائم بذات العالم فلا يصح بيعه ولكن إما أن يتفضل عليهم بإعلامه لهم بلا مقابل وهو إحسان يُثاب عليه إن لم يكن العمل محضوراً وإما أن يؤجر نفسه منهم وتحل له الأجرة إن لم يكن واجباً .

وأمَّا البيع فلا يصح لأن المبيع غير قائم بذاته ولا معلوم ولا مقبوض .

وإن أراد السائل بالمعلومات الألآت فيصح بيعها كالكتب التي يكتب فيها العلم وهذا واضح ولا شك في جوازه , والله الموفق .

***

المسألة الرابعة

المسألة الرابعة

هل يصح أخذ وكالة من شركة ما ؟ ثم يأخذ من شركة أخرى مقابل بيع الوكالة؟

وهل يصح أن يأخذ الإنسان من الناس أموالاً مقابل الأذن لهم ببيع بضاعة من الشركة التي هو وكيل لها ؟


 

أما الجواب عن السؤال الرابع:

فنقول: إن الوكالات التي حدثت في زماننا معارضة ومنافية لحديث : ((دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض )) , ولأنها تحَجُّرٌ ومنعٌ للإرفاق على المسلمين ولما يحصل فيها من التحكم وضبط الأسعار وقد ورد النهي عن التسعير مطلقاً على رأي أو مقيداً بالقوتين على آخر , فكيف يجوز ويحل له مال لا إلى مقابل ! وهل هو إلا من أكل أموال الناس بالباطل, فلا يحل له ذلك , قال تعالى: )ولا تأكُلُوا أموالكم بينكم بالباطل ...الآية (.

***

المسألة الخامسة

المسألة الخامسة

هل يجوز الإقتراض من الأموال الزكوية في المصالح الدينية عند الإحتياط في جواز صرفها فيها ؟


 

أمَّا الجواب عن السؤال الخامس:

فأقول: إن الزكاة مصرفها من تضمنته الآية والولاية لمن له الولاية الشرعية , والإستقراض منها لا يصح إلا من ذي ولاية شرعية مع مصلحة راجحة يراها , ولأئمة الهدى موضوعات مبنية على التحقيق والمراقبة لله في تصرفاتهم في تلك الأموال , فأما بغير أمر ذي الولاية الشرعية فلا يجوز لأنه تصرف فيما هو لغيره , ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك وما لم يكن عليه أمرنا فهو رد , والله الهادي.

***

المسألة السادسة

المسألة السادسة

ثلاثة شركاء بدأوا العمل قبل مدة , ثم صار لإسم مكتبهم شهرة , وصار الناس يتوجهون له , وعند فسخ الشراكة اختلفوا على من يملك الإسم , فكيف يتم حل ذلك؟

المقترح منهم: أن يتم تقويم الإسم وجعله ضمن الأموال التي سيتم تقسيمها , وتراضوا بهذا الحل وإن الساخط منهم ساخط لفوات الفرصة مع قناعته بأن هذا هو الحل الأمثل .

نفس الشركاء اتفقوا على العمل المشترك أثناء العمل وبسببه عرضت على أحدهم فرصة في أن يستقل ويعمل لنفسه مع غير شركائه , علماً بأن ما حصله من معلومات والفكرة التي شجعت الناس على أن يتاجروا معه كانت بسبب وببركة الشراكة الأولى.

السؤال: هل في الترك شبهة خيانة وهل الأولى أن يبقى لهم نصيباً من أرباحه وفاءً لهم بما كانوا سببه .

والله يحفظكم ,,, إنتهت الأسئلة.


 

أمَّا الجواب عن السؤال السادس:

فأقول: إن تقويم الإسم على الإنفراد بمعنى بيع الإسم بعيد عن الصحة لما قدمنا في بيع المعلومات لأنه ليس بذات قائمة وليس بمقبوض فلا يصح .

والجواب على الطرف الثاني من أطراف السؤال وهو الذي إنفرد وعمل في عمل آخر وحصّل أرباحاً , فأقول : ليس على حُرٍ ملكة كما في الحديث , وأرباحه كدُّ يده وعرق جبينه فكيف يشاركه غيره فيه وليس بينهم شركة ولا توكيل في ذلك العمل وشركتهم في عمل آخر لا توجب شركتهم في هذا, وكيف يشاركه في الربح من لم يعمل ولم يضمن ؟ وفي الحديث الخراج بالضمان .

 أمَّا قولكم حصل له الربح ببركة الشركة أو بسبب تحصيله للمعلومات ...الخ , فذلك غير موجب لمشاركتهم له في الربح , وليس لكم أن تحتجوا بحديث إنما رزقت بسبب أخيك ...الخ , لأن تشريكه صلى الله عليه وآله وسلم لصاحب المسجد لكونهما شركاء في الأصل , وإن كانت البركة حاصلة بسبب مكث أخيه في المسجد وهذا إنما يدل على أنه لا يُفضَّل بكثرة العمل.

 ويدل على قولنا أنه غير موجب لمشاركتهم من جهة النظر:

لو أنّ شخصاً إستأجره ميكانيكي فحصلت له الخبرة الكاملة ثم انفصل وعمل منفرداً لما لزمه لمن استأجره أولاً شيءٌ , وإن كانت خبرته حاصلة بسبب المؤجر .

وقولكم إنها خيانة , فإذا صحت الخيانة فغايتها الإثم .

 

المجموعة الحادية عشرة

المجموعة الحادية عشرة

تتضمن المسائل التالية:

الأولى: من أسماء الله سبحانه المنان فما معناه؟

الثانية: ما هو معنى الجد في قوله تعالى حكاية عن الجن: {وأنه تعالى جد ربنا} وفي الحديث: ((وتعالى جدك))؟

الثالثة: وما معنى سبحان الله تعالى؟

الرابعة: وما معنى قول القائل استغفر الله تعالى؟

الخامسة: حديث: ((إن صدقة السر تطفيء غضب الرب)) كيف صحة هذا الخبر وما هو معناه؟

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله على نِعَمِهِ التوام, وأشكره على إحسانه والإنعام , والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث إلى الخلق بشرائع الإسلام , وعلى آله المقتفين لنهجه حجج الله على الأنام, وبعد:

فإنهّا وردت إلينا سؤالات طلب موردها مني بيانها وكشفها , فرأيت من الصواب أن أسعفه بالجواب , وإن كانت الفتن قد أخرست الألباب , وأوهت القوى , وضعضعت بنيان العلم , ونسفت رسوم الحلم , فإنا لله وإنا إليه راجعون , نسأل الله السلامة في ديننا

من أسماء الله سبحانه المنان فما معناه؟

قال السائل سدَّده الله:

من أسماء الله سبحانه المنان , فما معناه ؟ لأنّ المنّ من المخلوق قبيح , ولا يصح أن يطلق على الله تعالى من الأسماء إلا ما تضمن مدحاً .

الجواب: أنَّ من أسماء الله تعالى المنان ومعناه المنعم المتفضل , فالله المنان على خلقه بالنعم قال الله تعالى: )لقد منَّ الله على المؤمنين ( [آل عمران  – 164] أي أنعم وتفضل , وقال الله تعالى: )كذلك كنتم من قبل فمنَّ الله عليكم ( [النساء – 94] , وقال تعالى: )ولقد مننا على موسى وهارون( [الصافات – 114] إلى غير ذلك من الآيات , وسنورد من كلام أئمة اللغة وأئمة التفسير ما يكون فيه إن شاء الله هذاية المستبصرين , قال في لسان العرب لابن منظور المجلد الثالث (ص36) : مادة منن ومنَّ عليه يمن معناه أحسن وأنعم , والإسم المنة , ونقل عن أبي بكر اللغوي في قوله تعالى: )منَّ الله علينا( [القصص – 82] يحتمل المنَّ تأويلين:

أحدهما: إحسان المحسن غير مُعْتَدٍّ بالإحسان يقال لحقت فلاناً من فلان منه إذا لحقته نعمة باستنقاذ من قتل أو ما أشبهه .

والثاني: منَّ فلان على فلان إذا عَظّم الاحسان وفخر به وأبدا فيه وأعاد حتى يفسده ويتغصه, فالأول حسن والثاني قبيح , قلت وهذا الثاني هو الذي استشكله السائل فالمعنى الثاني لا يجوز إطلاقه على الله تعالى لقبحه , ولقوله تعالى: )ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه ( [الأعراف – 180] , والمعنى الأول الذي هو بمعنى المنعم المتفضل هو اسم لله على الحقيقة وليس بمجاز كما أشار إليه السائل , رجعنا إلى الكلام السابق قال وفي أسماء الله تعالى الحنان المنان أي الذي ينعم غير فاخر بالإنعام وأنشد:

إن الذين يسوغ في أخلاقهم

زاد يُمَنُّ عليهم للئام

وقال في موضع آخر في شرح المنان ٍقال معناه المعطي إبتداءً ولله المنّة على عباده ولا منّة لأحد منهم عليه تعالى , وقال ابن الأثير في نهايته (ج 4 ص365) : مادة منن المنان هو المنعم المعطي من المن في كلامهم بمعنى الإحسان لمن لا يستثنيه ولا يطلب الحراء عليه والمنان من أبنية المبالغة والمنيني منه كالخِصِّيصي وأنشد للقطامي :

وما دهري بمنيني ولكن

جزتكم يابني جشم الجوازي

ومنَّ عليه مِنَّةً أي امتن عليه يقال المنة تهدم الصنيعة وفي الحديث : ( ما أحد أمنَّ علي من ابن أبي قحافة ) أي ما أحد أجود بماله وذات يده , وقوله تعالى: )ولا تُبْطِلُوا صدقاتكم بالمنِّ والأذى( [البقرة – 264] المنُّ هنا أن تمن بما أعطيت وتعتد به كأنك إنما نقصد به الإعتداد والأذى أن توبِّخ المُعْطَى فأعْلَمَ الله أن المن والأذى يبطلان الصدقة وقوله عز وجل: )ولا تمنن تستكثر( [المدثر – 6] أي لا تعط شيئاً مقدراً لتأخذ بدله ما هو أكثر منه , وفي الحديث ( ثلاثة يشنؤهم الله منهم , البخيل المنان ) وقد يقع المنان على الذي لا يعطي شيئاً إلا منَّه واعتد به على من أعطاه وهو مذموم لأن المنّة تفسد الصنيعة .

وقال الجوهري في الصحاح: ومنّ عليه مناً أنعم , والمنان من أسماء الله تعالى .

وقال الراغب في مفردات القرآن: والمنة النعمة الثقيلة ويقال ذلك على وجهين أحدهما أن يكون ذلك بالفعل فيقال منَّ فلان على فلان إذا أثقله بالنعمة وعلى ذلك قوله تعالى : )لقد منَّ الله على المؤمنين( , )كذلك كنتم من قبل فمنّ الله عليكم( [النساء – 94] , )ولقد مننا على موسى وهارون( [الصافات – 114] ,  )يمنُّ على من يشاء( [إبراهيم – 11] , )ونُرِيدُ أن نمن على الذين استضعفوا( , وذلك على الحقيقة لا يكون إلا لله , والثاني أن يكون ذلك بالقول وذلك مستقبح بين الناس إلا عند كفران النعمة , ولقبح ذلك قيل المنة تهدم الصنيعة , ويحسن ذكرها عند الكفران , قيل إذا كفرت النعمة حسنت المنة .

وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: )لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى( [البقرة – 264] المنّ أن يعتد بإحسانه على من أحسن إليه.

قال الشهاب في حاشيته: قوله والمن أن يعتد ...الخ , من عده فاعتد أي صار معدوداً وهو يتعدى بالباء , ويقال اعتد به أي جعله معدوداً معتبراً , والمن بمعنى العطية ويكون بمعنى تعداد النعم وهو قبيح.

وقال في الكشاف في تفسير الآية الكريمة: المنّ أن يعتد على من أحسن إليه بإحسانه ويريد أنه اصطنعه وأوجب عليه حقاً له وكانوا يقولون إذا صنعتم صنيعة فانسوها , ولبعضهم :

وإن امرءاً أسدى إلي صنيعة

وذكرنيها مرة للئيم

وفي بوالغ الكلم : صنوان , من منح سائله ومنّ , ومن منع نائله وضن

وفيها طعم ألآلاء أحلا من المنّ وهو أمر من ألآلاء عند المنّ .

وفي شرح بوالغ الكلم لسعد الدين: منحه مالاً أي وهبه ومنحه أي أقرضه , ومنحه أي أعاره كذا في الأساس ومنَّ بتشديد النون من المنه , يقال منَّ عليه إحسانه إذا اعتده عليه منة

وشرح قوله طعم الآلاء قال المنُّ الأول الطَّرنْجبين قال الله تعالى: )وأنزلنا عليكم المن والسلوى( [البقرة – 57] , والثاني مصدر قولك مننت عليه منّاً .

وقال الطوسي في تفسيره التبيان في تفسير قوله تعالى: )ولقد مننا على موسى وهارون( [الصافات – 114] أي أنعم عليهما نعمة قطعت عنهما كل أذية .

إذا عرفت ما نقلناه عن أئمة اللغة والتفسير زال الإشكال وتبين أن المن يطلق على معنيين , الأول منهما المنعم المعطي ابتداءً ولا يصدق هذا إلا على الله تعالى فهو المنعم المتفضل إبتداءً فهو المنان على عباده وله المنة عليهم فهو إسم لله تعالى متضمن للمدح حقيقة وليس بمجاز ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وهذا غاية المدح.

وقد نصّ المتكلمون من أئمتنا عليهم السلام أنه لا يفتقر شيء من أسمائه تعالى إلى أذن سمعي إلا ما كان مجازاً أما ما كان من أسمائه حقيقة فيجوز إطلاقها على الله تعالى مهما تضمنت مدحاً من غير أذن الشرع ما لم يوهم الخطأ , وقد عرفت أن إسم الله المنان أن معناه المعطي ابتداءً فهو متضمن للمدح حقيقة.

فأمَّا اسمه الحنان فهو مجاز لأن معناه ذو الرحمة والتعطف والحنو والشفقة والرقة ولا تجوز عليه تعالى حقيقة لأنها من صفات الأجسام والله تعالى ليس بجسم ولا يلزم من تشبيه فعله تعالى بفعل المخلوق , تشبيهه جل وعلا بشيء من خلقه لأن المشابهة في الفعل غير المشابهة في الذات , وهذا مثل ما قال أئمة الهدى عليهم السلام في رحمة الله تعالى التي وردت في القرآن ومن ذلك : )يخادعون الله وهو خادعهم( [النساء – 142] وغير ذلك من المجازات والله الموفق والهادي.

أما المعنى الثاني: وهو ما بينه أهل اللغة وأهل التفسير أن المنّ هو ان تمن بما أعطيت وتعتد به وهو المراد بقوله تعالى: )لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى( , قال الطوسي في التبيان في تفسير هذه الآية : المنّ ذكر ما ينغص المعروف كقول القائل أحسنت إلى فلان وأنعشته ونحو ذلك.

وهذا فعل مذموم لغةً وشرعاً وهو صفة نقص لا يجوز أن يطلق على الله تعالى وهذا الذي أشكل على السائل وبهذا يعرف الفرق بين المعنيين.

ولما نجز البحث في اسم الله المنان حسن أن نتكلم على معنى إسم الله تعالى الحنان لأنه لا يكاد ينطق بأحدهما إلا وينطق بالآخر فيقال الحنان المنان فنقول إن الحنان من أسماء الله تعالى ومعناه ذو الرحمة والتعطف.

قال في نهاية ابن الاثير: وفي أسماء الله تعالى الحنان هو – بتشديد النون – الرحيم بعباده , فعَّال من الرحمة للمبالغة , وقال في لسان العرب مادة حنن الحنان من أسماء الله تعالى.

قال ابن الإعرابي: الحنان – بتشديد النون – بمعنى الرحيم , قال ابن الأثير : الحنان الرحيم بعباده , فقال من الرحمة للمبالغة , الأزهري : هو – بتشديد النون – صحيح , قال : وكان بعض مشائخنا أنكر التشديد فيه لأنه ذهب به إلى الحنين فاستوحش أن يكون الحنين من صفات الله تعالى وإنما معنى الحنان الرحيم من الحنان وهو الرحمة ومنه قوله تعالى : )وحناناً من لدنا( [مريم – 13] أي رحمة من لدنا .

قال أبو إسحاق: الحنان في صفة الله هو – بالتشديد – ذو الرحمة والتعطف , وفي حديث بلال أنه مرَّ عليه ورقة بن نوفل وهو يعذب فقال : والله لئن قتلتموه لأتخذنه حناناً , الحنان الرحمة والعطف.

قال القرشي في المنهاج: ومنع شيوخنا من الحنان لأنه يفيد رقة القلب من حنين الناقة على ولدها، وأجازوا حنان بالتخفيف بمعنى الرحمة كما قال تعالى: )وحناناً من لدنا(.

قال الإمام عزالدين (عليه السلام) في شرح قوله: وأجازوا حنان بالتخفيف إلخ.. اعلم أن تقديره: ووهبنا له حناناً، أي رحمة لأبويه وغيرهما وتعطفاً وشفقة، أنشد سيبويه:

وقالت حنان ما أتى بك هاهنا       أذو نشبٍ أم أنت بالحي عارف

وقيل: حناناً من الله عليه.

وقال جار الله: وحنّ في معنى ارتاح واشتاق، ثم استعمل في العطف والرأفة، وقيل لله حنان كما قيل رحيم على سبيل الإستعارة، وقد بان لك بما ذكرناه ضعف إستشهاد المصنف بالآية، إذ لم ترد في وصف الله مخففة وإنما هي في الآية مصدر ومفعول مطلق أهـ.

ما هو معنى الجد

قال السائل أرشده الله:ـ

ما هو معنى الجد في قوله تعالى حكاية عن الجن : )وأنه تعالى جدُّ ربنا( [الجن – 3] , وفي الحديث (( وتعالى جدّك )) ؟

الجواب: أن الجد أبو الأب وأبو الأم , والجد الحظ وله معانٍ غير ذلك والمراد هنا – أي معنى تعالى جدُّك – أي عظمتك وقدرتك .

قال في لسان العرب (ج 1 ص413) في مادة جدد جدَّ حظَّ , وجدي حظي , عن ابن السكيت : وجددت بالأمر حظيت به خيراً كان أو شراً , والجد العظمة وفي التنـزيل العزيز: )وأنه تعالى جدُّ ربنا( [الجن – 3] قيل : جده عظمته , وقيل غناه , وقال مجاهد: جدُّ ربنا جلال ربنا , وقال بعضهم عظمة ربنا .

وقال في موضع آخر: والجد البخت والحظوة والجدة الحظوة والرزق يقال فلان ذو جد كذا أي ذو حظ وفي حديث القيامة قال صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم : (( قمت على باب الجنة فإذا عامة من يدخلها الفقراء وأن أصحاب الجد محبوسون )) أي ذوو الحظ والغنى في الدنيا .

 وفي الدعاء : (( لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت , ولا ينفع ذا الجدِّ منك الجدُّ )) , أي من كان ذا حظ في الدنيا لم ينفعه ذلك منه في الآخرة , وقال في الصحاح الجد أب الأب وأبو الأم , والجد الحظ والبخت والجمع الجدود تقول جددت يا فلان أي صرت ذا جد فأنت جديد حظيظ , ومجدود محظوظ , وجدٌ حظٌ , وجدي حظي.

عن ابن السكيت: وفي الدعاء لا ينفع ذا الجد منك الجد , أي لا ينفع ذا الغنا عندك غناه وإنما ينفعه العمل بطاعتك , ومنك معناه عندك , وقوله تعالى: )جد ربنا( [الجن – 3] أي عظمة ربنا ويقال غناه.

وفي نهاية ابن الأثير (ج 2 /ص244) : مادة جدد في حديث الدعاء: (( تبارك اسمك وتعالى جدك )) أي علا جلالك وعظمتك والجد الحظ والسعادة والغنى , ومنه الحديث ولا ينفع ذا الجد منك الجد أي لا ينفع ذا الغني غناه وإنما ينفعه الإيمان والطاعة ومنه حديث القيامة وأن أصحاب الجد محبوسون أي ذوو الحظ والغنى.

وقال الراغب في مفرداته: وسمي الفيض الإلهي جداً قال تعالى: )وأنَّه تعالى جد ربنا( [الجن – 3] أي فيضه , وقيل عظمته وهو يرجع إلى الأول.

وقال النووي في المجموع شرح المهذَّب: والجَدُّ بفتح الجيم وهو الحظ , والمعنى لا ينفع ذا المال والحظ والغني غناه ولا يمنعه من عقابه إلا العمل الصالح , وقيل الجدة بكسر الجيم ومعناه لا ينفع ذا الإسراع في الهرب إسراعه وهربه , أهـ , المجموع (3/387).

ما معنى سبحان الله تعالى؟

قال السائل أرشده الله تعالى : وما معنى سبحان الله تعالى ؟

أقول: أن التسبيح هو التنـزيه لله تعالى عن كل نقص أو سوء مما لا يليق بجلال الله تعالى.

قال في لسان العرب: سبحان الله معناه تنـزيه الله تعالى من الصاحبة والولد .

 وقيل: تنـزيه عن كل ما لا ينبغي له أن يوصف , قال ونصبه أنه في موضع فعل على معنى تسبيحاً له بقوله سبحت الله تسبيحاً , قال : وسبحان في اللغة تنـزيه الله عز وجل عن السوء.

قال ابن شميل: رأيت في المنام كأنّ إنساناً فسّر لي سبحان الله قال أما ترى الفرس تسبح في سرعته وقال سبحان الله السرعة إليه و الخفة في طاعته وجماع معناه بعده تبارك وتعالى عن أن يكون له مثل أو شريك أو ند أو ضد.

قال سيبويه: زعم أبو الخطاب أن سبحان الله برآءة الله أي نبرّأ الله من السوء برآءة , وقيل قوله سبحانك أي أنزهك يا رب وأبرئك وروى الأزهري بإسناده أنّ ابن الكوَّي سأل علياً (عليه السلام) عن سبحان الله فقال (عليه السلام) : كلمة رضيها الله لنفسه فأوصى بها , والعرب يقولون سبحان من كذا إذا تعجب منه وزعم أن بيت الأعشى في معنى البرآءة أيضاً:

أقول لما جاءني فخره

سبحان من علقمة الفاخر

أي براءة منه وكذلك تسبيحه أي تبعيده.

وقال ابن جني: سبحان إسم علم بمعنى البرآءة والتنـزيه بمنـزلة عثمان وعمران اجتمع في سبحان العلمية والألف والنون .

وفي نهاية ابن الأثير قد تكرر في الحديث التسبيح على اختلاف تصرف اللفظة وأصل التسبيح التنـزيه والتقديس والتبرءة من التناقص ثم استعمل في مواضع تقرب منه إتساعاً يقال سبحته أسبحه تسبيحاً وسبحاً فمعنى سبحان الله تنـزيه الله إلى أن قال وقد يطلق التسبيح على غيره من أنواع الذكر مجازاً كالتحميد والتمجيد وغيرهما وقد يطلق على صلاة التطوع والنافلة ويقال للذكر ولصلاة النافلة سبحه (ج 2/ص331).

وقال الراغب في مفردات القرآن: التسبيح تنزيه الله تعالى وأصله المرُّ السريع في عبادة الله وجعل ذلك في فعل الخير كما جعل الأبعاد في الشر فقيل أبعده الله وجعل التسبيح عاماً في العبادات قولاً كان أو فعلاً أو نية قال تعالى: )فلولا أنه كان من المسبحين( [الصافات – 143] قيل من المصلين والأولى أن يحمل على ثلاثتها.

ولنتبرك بذكر بعض ما ورد في فضل التسبيح أخرج إمام الشيعة محمد بن منصور المرادي t في كتاب الذكر بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم : (( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم )) , وفي كتاب الذكر عن أبي هريرة عن النبي صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم: (( من قال سبحان الله وبحمده حطت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر )) , وفيه عن أبي هريرة سمعت أذناي وإلا فصمتا النبي صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم يقول : (( من قال سبحان الله وبحمده من غير تعجب ولا فزع كتب الله له ألفي حسنة )) , وفيه عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه قال قال رسول الله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم : (( من قال سبحان الله العظيم غرس له نخلة أو شجرة في الجنة )) , ولنقتصر على هذا القدر فالغرض التنبيه لا الإستقصاء .

ما معنى قول القائل استغفر الله تعالى؟

قال السائل: وما معنى قول القائل أستغفر الله تعالى؟

الجواب: الغفر هو الستر يقال غفر الله ذنبه أي ستره أي غطاه , وأستغفر الله أي

طلب غفران ذنوبه أي سترها وتغطيتها .

قال في لسان العرب: الغفور والغفار من أسماء الله تعالى وهما من أبنية المبالغة ومعناهما الساتر لذنوب عباده المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم , يقال اللهم اغفر لنا مغفرةً وغفراً وغفراناً إنك أنت الغفور الغفار , وأصل الغفر التغطية والستر غفر الله ذنوبه أي سترها والغفر والغفران , وفي الحديث: كان إذا خرج من الخلا قال : غفرانك , الغفران مصدر وهو منصوب باحتمال أطلب وفي تخصيصه بذلك قولان : أحدهما التوبة من تقصيره في شكر النعم التي أنعم بها عليه بإطعامه وهضمه وتسهيل مخرجه فلجا إلى الإستغفار من التقصير وترك الإستغفار من ذكر الله مدة لبثه في الخلا فإنه كان لا يترك ذكر الله بلسانه وقلبه إلا عند قضاء الحاجة فكأنه رأى ذلك تقصيراً فتداركه بالإستغفار ...الخ .

وقال الراغب في مفردات القرآن: مادة غفر الغفر إلْباس ما يصونه من الدنس , ومنه قيل اغفر ثوبك في الوعاء واصبغ ثوبك فإنه أغفر للوسخ , والغفران والمغفرة من الله هو أن يصون العبد من أن يمسه العذاب , قال : )غفرانك ربنا([البقرة – 185] , )ومغفرة من ربهم( [محمد – 15] , )ومَن يغفر الذنوب إلا الله( [آل عمران  – 135] , وقد يقال غفر له إذا تجافى عنه في الظاهر وإن لم يتجافى عنه في الباطن نحو )قُلْ للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله( [الجاثية – 14] والإستغفار طلب ذلك بالمقال والفعال , وقوله: )استغفروا ربكم إنه كان غفَّاراً ( [نوح – 10] لم يؤمروا بأن يسألوه ذلك باللسان بل باللسان وبالفعال فقد قيل الإستغفار باللسان من دون ذلك بالفعال فعل الكذابين وهذا معنى: )ادعوني أستجب لكم( [غافر – 60] , وقال: )استغفر لهم أو لا تستغفر لهم( [التوبة – 80] , )ويستغفرون للذين آمنوا ( [غافر – 7] والغافر والغفور في وصف الله نحو )غافر الذنب( [غافر – 3] , )إنَّه غفور شكور( , )هو الغفور الرحيم( , والغفيرة الغفران ومنه قوله تعالى: )اغفر لي ولوالدي( [نوح– 28] , )أن يغفر لي خطيئتي( [الشعراء – 82] , )واغفر لنا( [البقرة – 286] , وقيل اغفروا هذا الأمر بغفرته أي استروه بما يجب أن يستر به , أهـ.

وقد وردت الأخبار عن نبيئنا صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم في الحث على الإستغفار فقد أخرج الديلمي في مسنده والمتقي الهندي في الكنـز , والبيهقي في شعب الإيمان عن النبي صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم : (( ما من عبد ولا أمة يستغفر الله كل يوم سبعين مرة إلا غفر له سبعمائة ذنب وقد خاب عبد أو أمة عمل في ليلته أو يومه سبعمائة ذنب )) , وفي مجموع الإمام زيد بن علي (عليه السلام) والترمذي وأبي داود عنه صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم أنه قال : (( من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفرت له ذنوبه وإن كان فرَّ من الزحف , وإن قالها خمس مرات غفر له وإن كان عليه مثل زبد البحر )) , وأخرج عبد بن حميد وسعيد بن منصور وابن أبي شبية وابن أبي الدنيا وابن المنذر والبيهقي كما في الدر المنثور أن في كتاب الله لآيتين ما من عبد يذنب ذنباً فيقرأهما ثم يستغفر الله إلا غفر له , قوله : )والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله( [آل عمران – 135] , والآية الأخرى : )ومَن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً( [النساء– 110] .

وروى الأمير الحسين بن محمد (عليه السلام) في الينابيع عن علي (عليه السلام) أنه سمع رجلاً بحضرته يقول أستغفر الله فقال له : ثكلتك أمك أتدري ما الإستغفار ؟ إن الإستغفار درجة العليين وهو إسم واقع على  ستة معان:

أولها: الندم على ما مضي .

الثاني: العزم على ترك العود إليه أبداً .

الثالث: أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله وليس عليك تبعة .

والرابع: أن تعمد إلى كل فريضة فتؤدي حقها .

والخامس: أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى تلحق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد .

والسادس: أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته ألم المعصية , فعند ذلك تقول أستغفر الله , وهذا في نهج البلاغة , وسقط بعض الأعداد , وهو في الكشاف في تفسير قوله تعالى : )توبوا إلى الله توبةً نصوحاً( [التحريم – 8] , والإستغفار هو التوبة ولذا فسره أمير المؤمنين (عليه السلام) بتفسيرها.

حديث: ((إن صدقة السر تطفيء غضب الرب))

قال السائل أرشده الله:

ورد في مجموع الإمام زيد بن علي (عليه السلام) ما لفظه : ( حدثني زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم : إن صدقة السر تطفئ غضب الرب وإن الصدقة لتطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار فإذا تصدق أحدكم بيمينه فليخفها من شماله فإنها تقع بيمين الرب تبارك وتعالى , وكلتا يدي ربي سبحانه يمين فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تصير اللقمة مثل أحد ) .

كيف صحة هذا الخبر ؟ وما هو معناه ؟

الجواب: أن هذا الخبر من أحاديث المجموع وهو صحيح عند أئمتنا عليهم السلام ولهذا قال قائلهم:

زيد يزيد على الورى

في أصله وفروعه

فالعلم مجموع به

والعلم في مجموعه

 

وقد تلقاه أئمتنا عليهم السلام بالقبول وأخرج الحديث بلفظه محمد بن منصور المرادي في أمالي أحمد بن عيسى المسمى بالعلوم إلا لفظة ( يمينه ) فليست في الأمالي ولفظها ( فإذا تصدق أحدكم فليخفها من شماله ) .

قال أبو جعفر: قلنا لأحمد بن عيسى ما معنى قوله : ( إن الصدقة تقع بيمين الله ) , قال بقبول الله , وقال في الروض : روى في مجمع الزوائد عن معاوية بن حيده عن النبي صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم : (( إن صدقة السر تطفئ غضب الرب تبارك وتعالى )) , رواه الطبراني في الكبير والاوسط , وعن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم: ((صنائع المعروف تقي مصارع السوء , وصدقة السر تطفئ غضب الرب , وصلة الرحم تزيد في العمر)) , رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن.

وأخرج الترمذي وحسنه وابن حبان عن أنس قال : قال رسول الله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم : ((إنَّ الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء)) , وأخرج البيهقي بإسناده إلى أبي هريرة عن النبي صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم قال : ((سبعة يظلهم الله في ظله – فذكرهم وفيهم – ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)) هكذا رواه البيهقي وعزاه إلى صحيح البخاري وأخرجه من طريق أخرى وفيها: ((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) وعزاه إلى صحيح البخاري أيضاً.

وأخرج البيهقي وعزاه إلى الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه قال : قال رسول الله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم : ((مَن تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إلى الله إلا طيب فإن الله عز وجل يقبلها بيمينه فيربيها لصاحبها كما يربي الرجل فلوه حتى تكون مثل أحد)).

وقد تركنا بعض شواهد الحديث إختصاراً , ولا يخفى ما في قوله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم: ((فليخفها عن شماله)) من المبالغة في الإسرار بالصدقة.

 ومعنى قوله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم: ((فإنها تقع بيمين الرب عز وجل)) ما فسره الإمام أحمد بن عيسى (عليه السلام) يعني بقبول الرب , وقال في الروض : قال القاضي عياض في شرح مسلم لما كان الشيء الذي يرتضى يتلقى باليمين ويؤخذ بها استعمل في مثل هذا واستعير للقبول والرضى كما قال:

إذا ما راية رفعت لمجد

تلقاها عرابة باليمين

 

وقيل المراد يمين الرب يمين الذي تدفع إليه الصدقة وإضافتها إلى الله إضافة ملك واختصاص لوضع هذه الصدقة فيها لله عز وجل .

قوله: ( كما يربي أحدكم فلوة ) الفلو بتشديد الواو الـمُهر لأنه يفتلى أي يعظم والرواية في الحديث بفتح الفاء وتشديد الواو , والفصيل ولد الناقة حين يفصل , واللقمة من الخبز بضم اللام إسم لما يلقم في مرة كالجرعة والجمع لقمات , أفاد هذا في الروض وفي رأب الصدع

المجموعة الثانية عشرة والأخيرة

المجموعة الثانية عشرة والأخيرة

تحتوي على مسائل متفرقة

 

من به سلس بول أو جرح مطري

بسم الله الرحمن الرحيم

قال السائل أرشده الله:

قول أهل المذهب أن من به سلس بول أو جرح مطري أنه ينتظر إلى آخر الوقت , ما رأيك في هذا لو قال قائل أن صلاة الجماعة واجبة ولا يتهيأ له حصول الجماعة إلا في أول الوقت , فكيف يعمل ؟

الجواب والله الموفق: لا يخلو إما أن يكون مقلداً لأهل المذهب فسبيله العمل بما نصوا عليه أو يكون مقلداً لغيرهم فسبيله العمل بقول من قلده أو أن يكون مرجحاً له قدرة على العمل بالأدلة من دون تقليد فسبيله العمل بما ترجح له أو أن يكون عامياً صرفاً فسبيله أن يفتى أن يعمل بما عليه أهل جهته .

وينبغي أن يتحقق السائل كلام أهل المذهب فظاهر سؤال السائل أن من به سلس بول ونحوه يجب عليه التأخير إلى آخر الوقت وليس كذلك.

قال في الأزهار: (فـصل) : ويجب على ناقص الصلاة أو الطهارة غير المستحاضة ونحوها التحري لآخر الإضطرار ولمن عداهم جمع التقديم , أهـ .

وقسم في بيان ابن المظفر أهل الإضطرار إلى ثلاثة أقسام  فذكر القسم الثالث وهم من صلاتهم أصلية وهم من لهم عذر كالمرض أو الخوف أو السفر أو الإشتغال بطاعة أو بمباح يحتاجه وهو يخشى فوتها أو نقصانها , وقيل ( ح ) : ولو لم يخش فوتها , وقال (ع) : لا يكون المباح عذراً وكذا المستحاضة ونحوها فهؤلاء يجوز لهم الجمع تقديماً وتأخيراً , أهـ .

ونحو المستحاضة من به سلس بول أو جراحة مطرية.

قال في حواشي البيان: قوله فهؤلاء يجوز لهم الجمع لأنه عذر يجوز به الجمع في وقت الأولى فجاز به الجمع في وقت الثانية دليله السفر ... الخ .

فبهذا الكلام تبين أن المستحاضة ومن به سلس بول والجرح المطري ممن لهم جمع المشاركة لا يجب عليهم التأخير .

وإنما بقي الكلام في أمرين: الأول جمع المشاركة فقد قرر كثير من العلماء عدم صحة القول بأنه جمع مشاركة وإنما هو توقيت إذا أخر الأولى في أخر وقتها وقدم الثانية في أول وقتها وهذا حق وأنا أقول بذلك .

والثاني: ما قاله السائل من وجوب الجماعة والتفريع الذي أشار إليه وأقول أن كلام المذهب من أن صلاة الجماعة سنة مؤكدة قوي عضدته الادلة , وقول السائل ( لا يتهيأ له حصول الجماعة إلا في أول الوقت ) , قول عليل فقد تتهيأ له الجماعة في أوسط الوقت وآخره وما بناه السائل مبني على أصل وهو وجوب تأخير الصلاة على من به سلس البول وقد بطل ذلك الأصل

الإستغفار للمغتاب و التسامح

قال السائل أرشده الله:ـ

وردت أحاديث تقضي بأن الإستغفار للمغتاب توبة , ووردت أحاديث تقضي بأنه لا بد من التسامح منه , فما هو الراجح لديكم ؟

الجواب: أن الغيبة شأنها شديد كبير مُفْزِع للقلوب من أشد الذنوب مع تساهل الخاصة والعامة في أمرها وعدم الإلتفات إلى خطرها ففي أمالي أبي طالب بسنده إلى المطلب بن حنطب أن رجلاً سأل النبي صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم ما الغيبة يا رسول الله ؟ فقال صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم : ((أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع , فقال يا رسول الله وإن كان حقاً ؟ فقال صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم : إذا قلت باطلاً فذلك البهتان )) , وفيها عن جابر بن عبدالله وابي سعيد الخدري عن النبي صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم : ((الغيبة أشد من الزنا , قيل وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم : إن الرجل ليزني ثم يتوب فيتوب الله عليه وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه)) .

قال السيد الإمام أبو طالب (عليه السلام) : معنى قوله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم : الغيبة أشد من الزنا هو ما فسره النبي صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم وذلك لأن الزنا يلزم المكلف عنده أمر واحد وهو التوبة والغيبة تلزم عندها أمران التوبة والإعتذار إذا بلغت صاحبها .

وفي الأمالي أيضاً بسنده عن أنس قال : قال رسول الله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم : ((كفارة الإغتياب ان تستغفر لمن اغتبته)).

وفي شمس الأخبار عن أبي أمامة عن رسول الله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم : ((إن الرجل ليؤتى كتاباً منشوراً يوم القيامة فيقول يارب أين حسنات كذا وكذا عملتها ليس في صحيفتي ؟ فيقول تلك محيت باغتيابك الناس)) , وفيها عن البراء بن عازب عن النبي صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم أنه خطب حتى أسمع العواتق في بيوتها أو خدورها فقال: ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه وهو في جوف بيته)) .

والأحاديث في هذا الباب كثيرة تركناها اختصاراً.

والذي يترجح أن الغيبة إن بلغت المغتاب وجبت التوبة إلى الله والإعتذار والتحلل من المغتاب وإن لم تبلغه وجبت التوبة إلى الله والإستغفار للمغتاب بظهر الغيب وهذا جمع بين الأدلة والله

إشراك الصبي في نية التسليم

قال السائل أرشده الله:ـ

لو كان في صف صلاة الجماعة صبي فهل يجب أن يشرك في نية التسليم ؟

الجواب: أن نية التسليم تجب على الملكين ومن في ناحيتهما من المسلمين بشرط أن يكونوا داخلين في صلاة الجماعة التي المصلي يصليها .

قال في بعض حواشي شرح الأزهار: ولو كان في الجماعة من هو فاسق لأن الدليل ورد بذلك مطلقاً.

قال محمد بن يحيى: والأحوط أن ينوى الملائكة ومن أمرنا بالتسليم عليه , وقد نظِّر كلام الفقيه محمد بن يحيى حنش إذ لا معنى للأحوطية .

أما الصبي فتفسد إذا قصده المصلي بالنية لأنه غير داخل في الصلاة وكذا فاسد الصلاة وتقرر هذا للمذهب والله أعلم .

نية السلام لمن لحق بصلاة الجماعة

قال السائل أرشده الله:ـ

لو لحق المؤتم من صلاة الجماعة ركعة أو أكثر فأتم الإمام صلاته وقام اللاحق لإتمام صلاته ثم تشهد وسلم , هل يجب أن ينوي السلام على الملكين ومن في ناحيتهما أم على الملكين فقط لأنه قد صار في حكم المنفرد ؟

الجواب: يظهر من كلام بعض علماء مذهبنا أنه لو نوى اللاحق من تقدمه في الصلاة بطلت, وذلك ظاهر لأن اللاحق قد صار في حكم المنفرد إذ قد عزل صلاته عن إمامه .

والله ولي الهداية والتوفيق , اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة ونسألك أن تصلي وتسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأن تفرج همنا وتكشف غمنا وأن تعيد حياة الدين وتهلك وتدمر أعداء الدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين , وصلى الله علي سيدنا محمد وآله .

g فـــــائدة s

يزيد الفرع على أصله في أربعة أمور:

منها أجرة المحرم للمرأة في سفر الحج فالأجرة شرط في الوجوب والمحرم شرط في الأداء ومنها دما الحج فهي من رأس المال وهو من الثلث ومنها أجرة الوصي فهي من رأس المال في الذي يخرج من الثلث ومنها سجود السهو لو ترك مسنوناً يكون السجود واجبا ً.

الفرق بين شرط الوجوب وشرط الأداء أن من لم يحصل في حقه شرط الوجوب كأمْنِ الطريق لا يلزمه الحج وإن وجد الزاد والراحلة ولا يصير الحج في ذمته وإذا حضره الموت لم يجب عليه الايصاء به بخلاف شرط الأداء .

صلاة المفترض خلف المتنفل في الجمعة

 (مسألة: قد يكون إمام الجمعة إذا لم تكمل شروطها لا يرى وجوبها فيؤم بالناس فماذا ترون في ذلك؟)

الجواب: إن صلاة المفترض خلف المتنفل لا تصح عند أهل المذهب وبعض أئمتنا عليهم السلام منهم الإمام عز الدين (عليه السلام) اختار الجواز لحديث معاذ والعبرة بمذهب المؤتم في

امرأة اتفقت مع رجل على أن يتزوجها

 (مسألة: حدثت وهي أن امرأة اتفقت مع رجل على أن يتزوجها ووقع الرضا بينهما ولكنهما في بلد بعيدة كبريطانيا وهما مسلمان فكلمت والدها بإيحاء وإشارة في شأن الزواج ولم تصرح فظهر لها غضبه وعدم موافقته وعلمت منه العضل وقد يحصل المحظور إن لم يقع تصحيح للعقد.)

أقول: إنه من الممكن أن هذه المرأة توكل شخصا مسلما ويعقد بها بحضرة شهود يشهدون على توكيلها ورضاها وعلى العقد وهذا صريح مذهب المؤيد بالله (عليه السلام) ويمكن تقريبه للمذهب, قال المؤيد بالله (عليه السلام) :((إذا عرفت انها تلحقها المضرة من وليها إذا طلبت تزويجها كان عاضلاً جاز لها أن توكل من يزوجها )) حكا هذا في البيان وهو في حواشي شرح الأزهار قال حيث لا إمام ولا حاكم عند المؤيد بالله وعندنا حيث لا قريب ولا إمام ولا حاكم.

قلت: انتقال الولاية إلى القريب مع بعد المسافة وعسر المعاملة يؤدي إلى تضرر المرأة ولها حق في رفع الضرر وتوكيلها لمن يعقد بها فيه ضرر على الولي لما يلحقه من النقص والعار فالذي نختاره وجوب الترجيح بين الضررين ولا شك أن ضرر المرأة الشابة المحدق بها خطر الوقوع في المحظور أقدم فيقدم حقها إذ للشارع مقصد في دفع المفاسد أعظم من جلب المصالح , ومع ذلك فان الواجب عليهما الهجرة وعدم جواز بقائهما في البلد الكفريه ولست أبيح البقاء في بلد الكفر لغير من استثناه الله في الآية , هذا ما ترجح لي في

قال الله تعالى: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم)

سؤال: ما يقول العلماء كثر الله فوائدهم في رجل تزوج بامرأة صغيرة والعاقد والدها وبشهادة رجل واحد على العقد ولم يسم لها مهراً وفي هذه المدة الزوج يريد أن يطلقها ويخطبها لولده فهل تحل لولده ؟ إلى آخر السؤال .

الجواب والله الموفق للصواب: قال الله تعالى: )ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم( [ النساء – 22 ] ولفظ النكاح حقيقة في العقد عندنا مجاز في الوطء وسواء دخل الأب أم لم يدخل إذ العقد مقتضٍ للتحريم وكون العقد بشهادة واحد فقط لا يبطل ما ذكرنا لان غاية ما فيه أن يكون العقد فاسداً مع الجهل , والأئمة قد نصوا أن فاسد النكاح كالصحيح في أحكامه إلا سبعة أحكام نصوا عليها وقد حكا الأمير الحسين (عليه السلام) الإجماع على عدم جواز نكاح امرأة الأب وان لم يدخل بها , وحكاه في مجموع أهل ذمار والجد أب الأب كذلك وكذلك الجد أَب الأم وقد أوسع الأمير الحسين (عليه السلام) في الرد على من جوز نكاح امرأة الجد من قبل الأم , فهذا ما تيسر من الجواب والله الهادي لكل صواب.

(مسألة: لو استأجر رجل رجلاً للحج والزيارة بعقد صحيح واشترط الأجير أن إذا بدا له أن يستنيب من يزور فله ذلك فاستناب بدون الأجرة التي عقد له عليها فهل تطيب له الزيادة ؟)

ظاهر كلام أهل المذهب أنها تطيب له الزيادة لأنها في مقابلة العقد إذ قالوا أنه يصير بالأجرة غنياً ويتبعه أحكام الملك , وظاهر مذهب الإمام عزالدين (عليه السلام) أن الزيادة لا تطيب له لأنها لا في مقابلة عمل ولأنه كالوكيل لمن عقد له , وكلام

من أخطأ الوقوف بعرفة

(مسألة: من أخطأ الوقوف بعرفة كمن وقف يوم التروية).

فلا يخلو أن يعلم بخطأه في يوم عرفة أم بعدها , فإن عرف ذلك والوقت باق لزمه الوقوف لأن وقوفه الأول غير صحيح وإن لم يعلم إلا بعد فوات يوم عرفة لم تلزمه الإعادة .

قال السيد أبو طالب وكذلك عندنا والمذكور في شرح الإبانة أنْ منْ وقف في غير يوم عرفة فالقياس أنه لا يجزيه , والإستحسان صحة الحج وإجزائه عند أصحابنا عليهم السلام, وسواء شهد الشهود بأنه وقف يوم التروية أو علم هو ذلك بنفسه أو بطريق مقطوع.

ذكر هذا المعنى في شرح الإبانة , وذكر المنصور بالله قدس الله روحه أن من وقف غير يوم عرفة فإنه لا يجزيه , وذكر مرة أخرى أنه إذا أخطأ يوم عرفة ثم علم بخطئه بعد عرفة أجزاه ذلك , ولا

مسألة: لا يجب الخمس في الحطب والحشيش

(مسألة: لا يجب الخمس في الحطب والحشيش عند الناصر والمؤيد بالله عليهما السلام , وعند الهادي (عليه السلام) ٍيجب فيه الخمس , قال الأمير الحسين (عليه السلام) : وإنما يجب فيه الخمس عنده إذا كان في موضع يعد فيه غنيمة , أهـ , والذي نختاره هو قول الناصر والمؤيد بالله عليهما السلام و الله الموفق).

مسألة :في الحديث (( إضحاكم يوم تضحون ... الخبر ))

 (مسألة : قال المؤيد بالله عليه السلام : ولا يعتمد أصحابنا القاسمية على ما روي من الحديث (( إضحاكم يوم تضحون ... الخبر )) لأن الخبر لا يصح ولو صح لكان محمولاً على أن ذلك كان في سنة بعينها , إتفق لرسول الله صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم ذلك من طريق الوحي , إنتهى).

قال في حواشي شرح الأزهار: ولا عبرة بالحساب وغيره من الأمور المستنده إلى التجربة , وذكر قول بعضهم أن الهلال متى طلع مع الفجر فاليوم الرابع من أول الشهر الثاني وقال أنه جربها أربعين سنة فلم تختلف , قلنا لم يعتبر ذلك الشارع بل صح عنه أنه قال : (( صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته )) , وروى النجري في شرح الخمسمائة الآية عن الحاكم أنه قال : قول الإمامية أن العمل بالحساب خلاف الإجماع وفي شرح الإبانة أن من روى عن الصادق ذلك فإنه فرية عليه , إنتهى.

مسألة: إذا رأى المسلمون الهلال قبل الزوال

(مسألة: إذا رأى المسلمون الهلال قبل الزوال ).

فقال القاسم (عليه السلام) الأولى تأخير الإفطار إلى الغد وإتمام الصيام أحب إليَّ ٍ, ذكره النيروسي .

وقال في مسائل ابن جهشيار لا نرى الإفطار والإتمام أحب إلينا , وذكر السيد أبو طالب أن إتمام الصيام فيه واجب .

وحكى المؤيد بالله عن أحمد بن يحيى الهادي عليهم السلام أنه اتفق لأبيه الهادي (عليه السلام) فلم يفطر هو وأفطر الناس فلم يمنعهم .

وروى الشيخ علي بن خليل أنه اتفق للمؤيد بالله (عليه السلام) فعيّد من الغد .

وعند زيد بن علي وأخيه الباقر والصادق والناصر للحق والسيد أبي عبدالله الداعي عليهم السلام أنه يجب إفطار ذلك اليوم , أهـ . 

 قال البوسي:

ورؤيته قبل الزوال وبعده

سواء لدينا فهو للحق أولى

ويعد زوال عند داع وزندب

يكون من الثاني صياماً ومأكلا

     يريد زيد والناصر والصادق والباقر.

هذا آخر ما تحصل من الجوابات على الأسئلة الواردة إلينا إلى تاريخ شهر محرم مفتاح سنة (1429) وإن مدّ الله في العمر وتحصل شيء مما فيه فائدة عائدة يرجا نفعها ألحقناه.

اللهم سددنا وثبتنا وفهمنا ونوَّر قلوبنا واغفر ذنوبنا وتب علينا، واختم بالصالحات أعمالنا، ولا تشمت بنا أعداءنا، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وقنا شر الشيطان، وشر الأشرار، وشر طوارق الليل والنهار.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله آمين

فهرس الآيات القرآنية

فهرس الآيات القرآنية

الآيــــــة :

رقم الآية

الصفحة

الآيات الواردة من سورة البقرة :

) إني جاعلٌ في الأرض خليفة (                       

30

58

)فاذْكُرُونِي أذْكُرْكُمْ واشْكُرُوا لِي ولا تَكْفُرُون(

152

144

) إنه على ما يشاء قدير (

20

190

) يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر (

185

232

)ولكم في القصاص حياة(

179

243

)فقلنا اضربوه ببعضها(

73

248

) لا ينال عهدي الظالمين (

124

273

) لا تبطلوا صدقاتكم بالمنِّ والأذى (

264

296، 298،

) وأنزلنا عليكم المن والسلوى (

75

197

) غفرانك ربنا (    

185

305

) واغفر لنا (

286

305

الآيات الواردة من سورة آل عمران

فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم (

61

155، 159

) ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً (       

118

280

) لقد منَّ الله على المؤمنين (

164

294

) ومن يغفر الذنوب إلا الله (

135

305

) والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله (

135

306

الآيات الواردة من سورة النساء :

) وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلاّ خطأ (

92

84

) أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم (          

59

103

) ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً (             

115

110

) يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أمواكم بينكم بالباطل ... الآية (

29

267

) وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم (

129

272

) فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً (

140

280

) تجارة عن تراضٍ (

29

288

) كذلك كنتم من قبل فمنّ الله عليكم (                     

94

294، 296

) يخادعون الله وهو خادعهم (

142

298

) ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً (

110

306

) ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم (

22

318

الآيات الواردة من سورة المائدة :

) علام الغيوب (

109

189

) واللهُ على كُلِّ شيءٍ قَدير (

19

190

) وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان (

2

272

) أوفوا بالعقود (

1

286

الآيات الواردة من سورة الأنعام :

) إن يتبعون إلا الظن ( 

116

110

) إن أنتم إلا تخرصون (        

116

110

) ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهرون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين (

83 , 84 , 85 , 86

158

) وهو اللطيف الخبير (

103

200

) وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو (     

59

205

) وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين (

28

271، 277

الآيات الواردة من سورة الأعراف :

) ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه (

180

295

الآيات الواردة من سورة الأنفال :

) إن تتقوا اللهَ يَجْعَلْ لَكم فُرْقَانَاً (

29

145

) لا تعلمونهم الله يعلمهم (

60

189

) ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ... الآية (

72

279

) فإن لله خمسه (

41

286

الآيات الواردة من سورة التوبة :

) ورحمة للذين آمنوا منكم (

61

115

أوَلا يَرونَ أنَّهُمْ يُفْتَّنُوْنَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أو مَرَّتَيْنِ.. الآية (

126

141

)  عالم الغيب والشهادة (

105

189

) استغفر لهم أو لا تستغفر لهم (

80

305

الآيات الواردة من سورة يونس :

) إن الظن لا يغني من الحق شيئاً (

36

110

,وقال تعالى : ) إن أنتم إلا تخرصون (    

66

110

) فماذا بعد الحق إلاّ الضلال (

32

222

الآيات الواردة من سورة هود :

)وما توفيقي إلاَّ بالله         (

88

134

) ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار (

113

273، 274

الآيات الواردة من سورة يوسف :

) هدى ورحمة لقومٍ يؤمنون (            

111

115

الآيات الواردة من سورة إبراهيم :

) يمنُّ على من يشاء (

11

296

الآيات الواردة من سورة النحل :

) ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة (

125

106

) هدى ورحمة لقومٍ يؤمنون (    

64

115

) فلا تضربوا لله الأمثال (

74

211

الآيات الواردة من سورة الإسراء :

) إنه كان حليماً غفوراً (       

44

188

)ولا تَقْفُ ما ليس لك به علم إنَّ السمعَ والبصرَ والفؤادَ كل أولئك كان عنه مسؤلاً          (

36

111

 ) قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن (           

110

117

) ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً (              

85

125

) كل ذلك كان سَيِّئُهُ عندَ ربِّك مكروها (

38

232

الآيات الواردة من سورة مريم :

) فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميّا (

66

209

) وحناناً من لدنا (      

13

299

الآيات الواردة من سورة طه :

) يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً (

110

211، 230

الآيات الواردة من سورة الأنبياء :

  ) )لا يسأل عما يفعل وهم يسألون (

23

96

) بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون (

26 , 27

207

الآيا الواردة من سورة النور :

) قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم (

30

65، 66

      الآيات الواردة من سورة الشعراء :

) أن يغفر لي خطيئتي (

82

305

الآيات الواردة من سورة القصص :

) إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء (

56

108

) كل شيء هالك إلا وجهه (             

88

124

) منَّ الله علينا ( 

82

295

الآيات الواردة من سورة العنكبوت :

قوله تعالى: )أقِمِ الصلاةَ إنَّ الصلاةَ تنهى عَنِ الفَحْشاءِ والْمُنْكَرِ       (

45

142

) أفبِالباطِلِ يُؤمِنُوْنَ وبِنِعْمةِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُوْنَ (

67

148

الآيات الواردة من سورة لقمان :

) هذا خلق الله (

11

232

الآيات الواردة من سورة الأحزاب :

) وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم (

36

 96

) وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه (

37

148

) ادعوهم لآبائهم (

5

150

) وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن تكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً (  

36

148

) وما كان لمؤمن و لا مؤمنة (           

36

150

قوله تعالى :) فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها (

37

152

تعالى بقوله : ) لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً             (

37

153

) وكان أمر الله مفعولاً (             

37

153

) ما كان على النبي من حرج (

38

153

) سنة الله في الذين خلوا من قبل (

38

153

)  الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله (

29

154

 ) وكفى بالله حسيباً(  

39

154

 ) ما كان محمد أبا أحد من رجالكم (

40

155

 ) ما كان محمد أبا أحد من رجالكم (

40

156

 ) وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به (

5

226

الآيات الواردة من سورة  سبأ :

) اعْمَلُوا آلَ دَاودَ شُكْراً(

13

144

الآيات الواردة من سورة فاطر :

) هو الذي جعلكم خلائف في الأرض(

39

58

) إنما يخشى اللهَ من عبادهِ العلماءُ (                  

38

60

) إنه كان عليماً قديراً (

44

188

الآيات الواردة من سورة يس :

) وهو الخلاق العليم(  

81

189

) إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون (

82

234

الآيات الواردة من سورة الصافات :

) ولقد مننا على موسى وهارون (

114

294، 296،

) فلولا أنه كان من المسبحين (

143

303

الآيات الواردة من سورة ص :

) وإن كثيراً من الخلطاء (

24

287

الآيات الواردة من سورة الزمر :

) الله يتوفى الأنفس حين موتها (                 

42

124

الآيات الواردة من سورة غافر :

) ادعوني أستجب لكم (

60

305

) ويستغفرون للذين آمنوا (

7

305

) غافر الذنب (

3

305

الآيات الواردة من سورة الشورى :

) ليس كمثله شيء (

11

177، 209

)ولو بسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوا فِي الأرْضِ                    (

27

142

) الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (

11

200

الآيات الواردة من سورة الزخرف :

) إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم (                         

23

111

)ولأنْ سَألْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ(        

87

148

الآيات الواردة من سورة الجاثية :

) قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله (

14

305

الآيات الواردة من سورة محمد :

) ومغفرة من ربهم (

15

305

الآيات الواردة من سورة ق:

{شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم}

18

200

الآيات الواردة من سورة الرحمن :

) كل من عليها فان (

26

121

الآيات الواردة من سورة الحشر :

) وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا (

7

168

الآيات الواردة من سورة الممتحنة :

) فإن علمتموهن مؤمنات(  

10

189

الآيات الواردة من سورة التغابن

) إنما أموالكم و أولادكم فتنة (

15

157

) والله عليم بذات الصدور (

4

188

الآيات الواردة من سورة الطلاق :

 )ومَنْ يَتَّق اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * ويَرْزَقْهُ مَنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ (

2 , 3

145، 259

) ومَنْ يَتقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أمْرِهِ يُسْرَاً(  

4

145

الآيات الواردة من سورة التحريم :

) ونفخنا فيه من روحنا(

12

124

) توبوا إلى الله توبةً نصوحاً (

8

307

      الآيات الواردة من سورة نوح :

) استغفروا ربكم إنه كان غفاراً (

10

305

) اغفر لي ولوالدي (

28

305

      الآيات الواردة من سورة الجن :

) وأنه تعالى جدُّ ربنا (

3

300

الآيات الواردة من سورة المدثر :

 ) ولا تمنن تستكثر (

6

198

تمت

فهرس الأحاديث النبوية

 

حرف الألف :

 

((أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت باب المدينة))

11

((الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا وأبوهما خير منهم))

93

((الأئمة من قريش))

97

((إذا قبض روح الميت وحمل على نعشه رفرف روحه فوق النعش))

124

((أرابك منها شيء))

149

((أمسك عليك زوجك))

149

((أمسك عليك زوجك واتق الله ولا تطلقها))

151

((أمسك عليك زوجك واتق الله))

151

((أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض))

157

((إن الله جعل نسل كل نبي من صلبه وجعل نسلي من صلبك يا علي))

160

((إن الله جعل ذريتي في صلب علي ابن أبي طالب))

160

((إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه وجعل ذريتي في صلب علي))

161

((إن جبريل عليه السلام قال: كل نسب وسبب ينقطع إلا نسبك وسببك))

161

((إن ابني هذا سيد ....الخبر))

161

((أنت أخي وأبو ولدي تقاتل على سنتي))

161

((ادعي لي ابناي))

161

((اللهم إني أحبهما فأحبهما أيها الناس الولد مجبنة))

161

((إن أباكما ـ يعني إبراهيم عليه السلام كان يعوذ إسماعيل وإسحاق أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن عين لامة))

173

((اعرضوا علي رقاكم لا بأس مالم يكن فيه شرك))

173

((إن الرقى والتمائم والتوله شرك))

174

((إنه لم يكن بعد أبي طالب أبر لي منها إنما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة..إلخ))

180

((إن في عجوة العالية شفاء وإنها ترياق أول البكرة))

181

((إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها))

183

((الحلال بين والحرم بيِّن وبينهما أمور مشتبهات...إلخ

184

((البر ما اطمأنت إليه النفس..إلخ

184

((المؤمنون وقافون عند الشبهات))

185

أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية

246

((أتحلفون وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم))

246

((اختر منهم خمسين رجلاً يحلفون فقال: ما لي من أخي غير هذا؟ قال: مائة من الإبل.. الحديث

250

((اختاروا منهم خمسين رجلاً فيحلفون جهد أيمانهم ثم خذوا الدية منهم))

252

((إذا مدح الظالم اهتز عرش الله))

272

((إن سركم أن تقبل صلاتكم فقدموا خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم))

273

((المعين للظالمين كالمعين لفرعون على موسى صلى الله عليه وسلم

280

((إنما رزقت بأخيك))

287

((المؤمنون عند شروطهم))

287

((إن صدقة السر تطفيء غضب الرب))

307

((إن صدقة السر تطفيء غضب الرب تبارك وتعالى))

308

((إن الصدقة لتطفيء غضب الرب وتدفع ميتة السوء))

308

أن رجلاً سأل النبي صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم ما الغيبة يا رسول الله ؟ فقال صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم : ( أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع , فقال يا رسول الله وإن كان حقاً ؟ فقال صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم : إذا قلت باطلاً فذلك البهتان )

313

( الغيبة أشد من الزنا , قيل وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال صلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وسَلَم : إن الرجل ليزني ثم يتوب فيتوب الله عليه وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه )

313

((إن الرجل ليؤتى كتاباً منشوراً يوم القيامة فيقول: يا رب أين حسنات كذا وكذا عملتها ليس في صحيفتي؟ فيقول: تلك محيت باغتيابك الناس))

313

(( إضحاكم يوم تضحون.. الخبر

320

حرف التاء :

 

تفكروا في المخلوق ولا تفكروا في الخالق

191

((تسمون قاتلكم ثم تحلفون عليه خمسين يميناً ثم نسلمه))

246

((تأتون بالبينة على من قتله قالوا: مالنا من بينة، قال: فيحلفون، قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود))

247

((تبارك اسمك وتعالى جدك))

301

حرف الثاء :

 

((ثلاث من فعلهن فقد أجرم , من عقد لواءً في غير حق , أو عق والديه , أو مشى مع ظالم لينصره ))

280

((ثلاثة يشنؤهم الله منهم البخيل المنان))

296

حرف الدال:

 

((دع ما يريبك إلى مالا يريبك))

185

((دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض))

291

حرف السين :

 

((سبحان الله مقلب القلوب))

149

( سبعة يظلهم الله في ظله – فذكرهم وفيهم – ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله )

208

حرف الصاد :

 

صدق الله : ) إنما أموالكم و أولادكم فتنة ( نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت خطبتي ورفعتهما ))

157

( صنائع المعروف تقي مصارع السوء , وصدقة السر تطفئ غضب الرب , وصلة الرحم تزيد في العمر )

308

(( صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته ))

320

حرف العين :

 

((عليكم بالسواد الأعظم))

101

(( عجوة المدينة شفاء من السقم وغبارها شفاء من الجذام ))

181

عليك بالهجرة فإنه لا مثل لها حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها ))

279

حرف الغين :

 

(( غبار المدينة شفاء  من الجذام ))

180

(( غبار المدينة يطفئ الجذام ))

181

حرف الفاء:

 

((فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها))

102

((فأذنوا بحرب من الله ورسوله))

185

حرف القاف:

 

((قمت على باب الجنة فإذا عامة من يدخلها الفقراء...إلخ))

301

حرف الكاف :

 

(( كل بني أنثى ينتسبون إلى أبيهم إلا ابني فاطمة فأنا أبوهما وعصبتهما))

157

(( كل ولد آدم فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فأنا أبوهم وعصبتهم ))

159

((كل بني أنثى ينتمون إلى أبيهم إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وعصبتهم وهم عترتي))

160

((كنت خير شريك))

287

((كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان...إلخ

303

( كفارة الإغتياب ان تستغفر لمن اغتبته )

313

حرف اللام :

 

((لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن عذابي))

7

((ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامه))

103

((لأرضينك أنت أبو ولدي تقاتل على سنتي...الخبر))

161

((لا تدخل الجنة فحلة من النساء))

167

لعن الله النامصة…الخبر

167

((لدرهم من ربا أشد على الله.. إلخ))

185

((لا يحل لعين ترى الله يعصى فتطرف حتى تغير أو تنتقل))

277،272

((لايؤمنكم ذو خزبة في دينه))

273

((لا يؤمن مؤمناً فاجر ولا يصل مؤمن خلف فاجر))

273

((لا يؤمن فاجر مؤمناً إلا ان يخاف سيفه أو سوطه))

273

((لا يؤمن فاجر مؤمنا))

273

لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار))

279

لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو))

279

لا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من المغرب , فإذا طلعت الشمس من المغرب خُتم على كل قلب وكفي الناس العمل

279

حرف الميم :

 

((من كتم علماً مما ينفع الله به في الدين ألجمه الله بلجام من نار))

2

((من سمع واعيتنا أهل البيت فلم يجبها…

103

((من قال قبل موته لا إله إلا الله دخل الجنة))

126

((ما أحبنا أهل البيت رجل فزلت به قدم إلا ثبتته أخرى))

127

((مالك أرابك منها شيء))

151

((من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له))

175

ما أبالي ما ركبت أو ما أتيت إذا أنا شربت ترياقاً أو تعلقت تميمة أو قلت الشعر من قبل نفسي ))

175

ما أرى بأسا من الرقى ما لم يكن كفراً )) .؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

175

(( ما أعفي أحد من ضغطة القبر إلا فاطمة بنت أسد قيل يا رسول الله ولا القاسم ؟ قال ولا إبراهيم وكان إبراهيم أصغرهما ))

180

(( من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح لم يضره شيء حتى يمسي ))

181

((من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر))

181

من أكل سبع تمرات عجوة مما بين لايتي المدنيه على الريق لم يضره في يومه ذلك شيء حتى يمسي ))

181

((من كتم علماً مما يحتاجه الناس ألجمه الله بلجان من نار يوم))

185

((من نام عن صلاته أو نسيها فوقتها حين يذكرها))

241

((من أتاه شيء من السلطان فليقبضه فإنم هو رزق ساقه الله إليه))

267

((من تركها استخفافاً وجحوداً))

275

((من أدرك من صلاة الجمعة ركعة فقد أدرك الجمعة))

277

((من قال سبحان الله وبحمده حطت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر))

304

((من قال سبحان الله وبحمده من غير تعجب ولا فزع كتب الله له ألفي حسنة))

304

((من قال سبحان الله العظيم غرس الله له نخلة أو شجرة في الجنة))

304

((ما من عبد ولا أمة يستغفر الله كل يوم سبعين مرة..إلخ

306

((من قال استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم..إلخ

306

((من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب...إلخ

309

حرف النون:

 

((نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الرقاء...إلخ

173

حرف الواو :

 

((وإن ذريتي من بعدي من صلب هذا يعني علياً))

160

((وإن ولدك ولدي))

160

((والذي نفسي بيده إن في غبارها شفاء من كل داء )) , وفي رواية(( ومن الجذام والبرص ))

181

((والذي نفسي بيده إن تربتها لمؤمنة وإنها شفاء من الجذام))

181

((والذي نفسي بيده لولا أن يقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى..إلخ

182

((وله إمام عادل أو جائر))

275

((وتعالى جدك))

300

حرف الهاء:

 

((هذان ابناي))

162

حرف الياء:

 

((يقسم خمسون منكم على رجل فيدفع برمته))

246

((يحلف منهم خمسمون))

250

((يد الله مع الشريكين ما لم يتخاونا))

287

((يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن قلبه لا تغتابوا المسلمين)) إلخ

314

 

تمت

فهرس الموضوعات

فهرس الموضوعات

الموضوع

رقم الصفحة

المقدمة

أ

المجموعة الأولى

1

القسم الأول

2

جواب الفقرة الأولى من السؤال: وهي السؤال عن الزيدية

2

تلامذة الإمام زيد عليه السلام

9

جواب عن السؤال عن الزيدية وعن أصولها وامتداد نفوذها

22

جواب عن السؤال عن رجال الزيدية

24

جواب عن السؤال عن بعض مؤلفات الزيدية

25

جواب الفقرة الأخيرة من السؤال: وهي لم خالفت الزيدية مذهب زيد في الفروع

45

بيان طبقات أئمة المذهب

48

خاتمة

51

القسم الثاني من المجموعة الأولى

55

شرح ابن أبي الحديد لخطبة أمير المؤمنين عليه السلام لكميل بن زياد

56

بحث من الإفادة للإمام المؤيد بالله عليه السلام له تعلق بما ذكر

62

المجموعة  الثانية: تحتوي على ثلاث مسائل :

64

الأولى : النظر إلى عورة المرأة الكافرة هل هو جائز

65

الثانية : في تكليف العوام بمسائل أصول الدين المشكلات ؟

67

الثالثة : في ما روي عن نجم آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم القاسم بن إبراهيم عليه السلام من جواز التقليد في أصول الدين .                                                                                                  

75

المجموعة الثالثة: تحتوي على أربع مسائل :

77

المسألة الأولى : صدقة النفل لبني هاشم هل تحل لهم أم لا ؟

78

المسألة الثانية : هل تحل زكاة هاشمي لهاشمي أم لا ؟

79

المسألة الثالثة : ما يقع من صدام السيارات الذي يقع به إتلاف نفوس

83

المسألة الرابعة : أحكام المعاني تتبع الألفاظ.

87

المجموعة الرابعة : مجموعة أسئلة وردت من صنعاء :                                                    

88

المسألة الأولى : هل الإمامة منصب إلهي أراده الله كما أراد النبوة ؟

89

المسألة الثانية : لماذا لم تكن دلالة الإمامة كما كانت دلالة النبوة ؟

89

المسألة الثالثة : لماذا جعلت الإمامة من أصول الدين ؟                                                           

90

المسألة الرابعة : هل أجمع أهل البيت عليهم السلام على أن الإمامة قطعية ؟

91

المسألة الخامسة : وإذا وجد أن جماعة من أهل البيت عليهم السلام قالوا بعدم قطعية الإمامة فكيف تفسرون ذلك ؟

92

وإذا سلمنا بوجود الدليل على صحتها وإقامتها ففي من تكون ؟

93

وما هو الدليل الصريح على صحتها فيمن هي فيهم ؟

93

هل يعتبر إختلاف الأمة الإسلامية في مسألة معينة دليل على بطلان أقوالهم ؟

94

كيف تفسرون ولاية عمر بن عبد العزيز في زمن الإمام زيد بن على عليه السلام؟

94

وظائف الإمام أربعة لا تفتقر في إقامته إلى نسب مخصوص من أهل البيت أو غيرهم ؟

95

هل يصح قيام إمامين في زمن واحد أم لا ؟

96

ما رأيكم في حديث: ((الأئمة من قريش )) ؟

97

وما هو الإجماع عند أهل البيت عليهم السلام وهل تحقق ؟

99

إذا خرج أحد أئمة أهل البيت عليهم السلام عن الإجماع هل ذلك خرق له أم لا ؟

100

قال السيد صارم الدين الوزير في الفصول المعتبر إجماع كل أهل العصر ما رأيكم في ذلك ؟

100

قال السيد صارم الدين الوزير في الفصول ليس بحجة , أي إجماع العترة فما رأيكم ؟

101

ما حكم اجتهاد أبي بكر في فدك ؟

102

هل إتباع الإمام من أهل البيت عليهم السلام واجب وفرض ؟

103

هل الزيدية تأثرت بالمعتزلة أو العكس ؟

105

مسائل حول النظريات والأفكار .

106

المجموعة الخامسة تحتوي على خمس مسائل :

107

ما هي مسائل أصول الدين ؟

108

هل الحق في مسائل أصول الدين واحد أم هو متعدد ؟

109

هل يجوز الأخذ بالدليل الظني في مسائل أصول الدين أم لا ؟

110

بِمَ تنعقد إمامة الإمام ؟

111

ما الدليل القطعي على ما تنعقد به الامامه ؟

111

المجموعة السادسة تحتوي على سبع مسائل :

114

الفرق بين الغفران والرحمة ؟

115

مسألة في الروح ؟

119

حديث : (( من قال قبل موته لا إله إلا الله دخل الجنة )) رواه الهادي عليه السلام, هل هو مطلق غير مقيد بالتوبة؟

126

ورد في حديث سبب تسمية فاطمة عليها السلام أن الله فطمها وذريتها ومن أحبها من النار .

127

ما هو اللطف ؟

128

المطلب الأول في حقيقة اللطف إصطلاحاً

131

المطلب الثاني في قسمة اللطف

134

المطلب الثالث في شروطه

137

المطلب الرابع في ذكر أدلة القائلين باللطف وأدلة القائلين أن معرفة الله شكر

138

ما معنى قول الله تعالى : ) وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك ... الآية (

148

قال بعض العلماء إن قلت قد جمع الله تعالى لعلي عليه السلام الكرم بمشاركته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كل ظهر وبطن حتى افترقا في عبدالله وأبي طالب

163

 المجموعة السابعة تنقسم قسمين القسم الأول يحتوي على خمس مسائل

165

المسألة الأولى : أفتى بعض علمائنا بجواز النمص إن كان تزيناً للزوج .

166

السؤال الثاني : أفتوا بالوصل والله أعلم .

169

السؤال الثالث : النساء اللواتي يعلقن تميمة من الحبة السوداء أو يعلقنها على مرضاهم وأطفالهم بحجة أنها تحمي من العين ومن الجان .

171

السؤال الرابع : يستشفي الناس عندنا بتراب قبر الهادي عليه السلام.

177

السؤال الخامس : يسافر بعض الرجال والنساء من نجران إلى اليمن لقصد زيارة قبور العلماء والدعاء عندها والأخذ من ترابها لقصد البركة والشفاء .

177

 القسم الثاني بيع السهام والإكتتاب فيها

184

المجموعة الثامنة تنقسم إلى قسمين القسم الأول مباحث في صفات الباري جلا وعلا

187

معنى قوله تعالى : ) إنه كان حليماً غفوراً ( .

188

المبحث الأول : هو أنه قد ورد النهي عن التفكر في الذات المقدسة .

191

المبحث الثاني : أن صفات الله العلي الأعلى تنقسم : إلى صفات إثبات وإلى صفات نفي.

191

المبحث الثالث : في بيان معرفة مذهب الآل عليهم السلام في صفات الله تعالى .

193

تحصلت المذاهب في صفات ذي الجلال إلى عشرة أقوال كما لخصها علماء الكلام .

203

إنتقاد الإمام الناصر الأطروش عليه السلام على المعتزلة .

211

القسم الثاني من المجموعة الثامنة مبحث في البداء

235

شروط التناقض في الأخبار

236

المجموعة التاسعة تنقسم إلى قسمين

242

القسم الأول بحث في القسامة

243

البحث في القسامة

244

إقرار الشارع القسامة

244

حكم القسامة

244

أدلة ثبوتها

246

اختلاف العلماء في كيفية الحكم بها

247

اختلاف القائلين باللوث

248

حجتهم في عدم اشتراط اللوث

250

حجتهم في تقديم المدعى عليهم بالأيمان

251

القسم الثاني من المجموعة التاسعة

256

سؤال إلى العلماء أبقاهم الله في هذه الأموال التي بأيدينا .

256

الجواب الأول

257

الجواب الثاني

259

الجواب الثالث

264

سؤال عن صلاة الجمعة

269

المجموعة العاشرة مسائل في الشراكة والإتجار تحتوي على ست مسائل :

281

المسألة الأولى : في ملكية المعلومات والسيطرة على المشروع

282

المسألة الثانية : مضارب شرط على نفسه أن لا يأخذ من الأرباح شيئاً إلَّا إذا زادت الأرباح عن عشرين في كل مائة مثلاً وبعد ذلك فله النصف مما فاض

284

المسألة الثالثة : هل يصح تقدير المعلومات وبيعها

284

المسألة الرابعة : هل يصح أخذ وكالة من شركة ما ؟ ثم يأخذ من شركة أخرى مقابل بيع الوكالة ؟ وهل يصح أن يأخذ الإنسان من الناس أموالاً مقابل الأذن لهم ببيع بضاعة من الشركة التي هو وكيل لها ؟

284

المسألة الخامسة : هل يجوز الإقتراض من الأموال الزكوية في المصالح الدينية عند الإحتياط في جواز صرفها فيها ؟

285

المسألة السادسة : إمتلاك إسم الشركة بعد فسخ عقد الشراكة .

285

مقدمة الجوابات .

286

الجواب عن السؤال الأول

287

الجواب عن السؤال الثاني

289

الجواب عن السؤال الثالث

290

الجواب عن السؤال الرابع

291

الجواب عن السؤال الخامس

291

الجواب عن السؤال السادس

292

المجموعة الحادية عشرة تحتوي على خمس مسائل :

293

من أسماء الله سبحانه المنان , فما معناه ؟

294

ما هو معنى الجد في قوله تعالى حكاية عن الجن : ) وأنه تعالى جدُّ ربنا ( , وفي الحديث (( وتعالى جدّك )) ؟

300

وما معنى سبحان الله تعالى ؟

302

وما معنى قول القائل أستغفر الله تعالى ؟

304

حديث : ((إن صدقة السر تطفئ غضب الرب )) كيف صحة هذا الخبر وما هو معناه؟

307

المجموعة الثانية عشرة مسائل متفرقة تحتوي على إثني عشر سؤالاً وفائدة واحدة .

310

من به سلس بول أو جرح مطري أنه ينتظر إلى آخر الوقت .

311

وردت أحاديث تقضي بأن الإستغفار للمغتاب توبة .

312

لو كان في صف صلاة الجماعة صبي فهل يجب أن يشرك في نية التسليم ؟

314

لو لحق المؤتم من صلاة الجماعة ركعة أو أكثر فأتم الإمام صلاته وقام اللاحق لإتمام صلاته ثم تشهد وسلم , هل يجب أن ينوي السلام على الملكين ومن في ناحيتهما أم على الملكين فقط لأنه قد صار في حكم المنفرد ؟

315

فـــــائدة .

316

مسألة : قد يكون إمام الجمعة إذا لم تكمل شروطها لا يرى وجوبها فيؤم بالناس فماذا ترون في ذلك ؟

316

مسألة حدثت وهي أن امرأة اتفقت مع رجل على أن يتزوجها ووقع الرضا بينهما ولكنهما في بلد بعيدة .

317

رجل تزوج بامرأة صغيرة والعاقد والدها وبشهادة رجل واحد على العقد ولم يسم لها مهراً .

318

مسألة : لو استأجر رجل رجلاً للحج والزيارة بعقد صحيح واشترط الأجير أن إذا بدا له أن يستنيب من يزور فله ذلك فاستناب بدون الأجرة التي عقد له عليها فهل تطيب له الزيادة ؟

318

مسألة : من أخطأ الوقوف بعرفة كمن وقف يوم التروية .

319

مسألة : لا يجب الخمس في الحطب والحشيش .

319

مسألة : قال المؤيد بالله عليه السلام: ولا يعتمد أصحابنا القاسمية على ما روي من الحديث (( إضحاكم يوم تضحون ... الخبر )) .

320

مسألة : إذا رأى المسلمون الهلال قبل الزوال .

320

الفهارس العامة        

322

فهرس الآيات القرآنية

323

فهرس الأحاديث النبوية

332

فهرس الموضوعات

340

 

تمت