الكتاب : إرشاد ذوي الألباب إلى حقيقة أقوال ابن عبدالوهاب المؤلف : السيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني. المحقق : عبدالكريم جدبان . www.al-majalis.com ترقيم الصفحات موافقة للكتاب المطبوع . |
إرشاد ذوي الألباب
(إلى حقيقة أقوال ابن عبد الوهاب)
تأليف
الإمام محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني
[ 1099 ـ 1182هـ ]
...
تحقيق ودراسة
عبد الكريم أحمد جدبان
أعده إلكترونياً / فريق العمل بـ مجالس آل محمد (ع)
www.al-majalis.com
l
مقدمة التحقيق
إن البحث عن الإمام محمد بن إسماعيل الأمير وثروته العلمية التي خلفها لأمته الإسلامية ، وفي مؤلفاته القيمة العديدة ، ليعطي صورة واضحة المعالم لشخصيته الفذة ، وما خلفته من تراث علمي نافع ، أغنى المكتبة الإسلامية بأروع الكتب وأجلها في مختلف المجالات الشرعية والفكرية ، المتحررة من كل معاني التقليد والجمود ، والانقياد القسري للأفكار المتحجرة التي طبعت على التقليد الأعمى في كل أمورها الدينية والدنيوية ، وما ذاك إلا لأن الإمام الأمير متفرد في أسلوبه ، ونهجه العلمي ، وبحثه في كل مسألة تعرض لها في كل مؤلفاته ورسائله وفتاواه ، وفي نضاله المتواصل من أجل الحق ، والحقيقة العلمية الناصعة التي تمسك بها قولا وعملاً ، والجهر بها علانية وإن جرَّت عليه الكثير من المتاعب النفسية والفكرية في مجتمعه المنغلق الذي قاده التقليد إلى مهاوي الجهل ، ومزالق الجمود ، وأصبح كل خارج عن نطاق تقليده المألوف مارقا ، يرمي صاحبه بالنصب والخروج عن جادة الصواب ، وعن الحق والحقيقة العلمية.
ولكن الإمام الأمير كان بالرغم من ذلك المجتمع المنغلق ، المقلد في كل أموره الدينية والدنيوية ، متحرر الفكر والمعتقد ، قوي الشكيمة ، لا يمكن أن يلين لباطل ، أو يضعف أمام جبروت المتجبرين وطغيان جهلهم العارم ، ولا يرضخ لأي فعل مخالف لكتاب الله وسنة رسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم ، شأن العالم العامل بعلمه ، المطبق لأحكام التشريع ومراميه العظيمة. لذلك كان الأمير عرضة لتهجم
العوام المقلدين ، وتهديداتهم العنيفة التي كانت تنذره في كتب من الأحيان بالموت ، وذلك إما بدافع التقليد والجهل والجمود الفكري والنفسي معا ، وإما بدافع المصلحة والتقرب من أصحاب تلك العقليات المريضة ، والنفوس الضعيفة التي ترى في الحق والجهر به خطرا يهدد مصالحها ، ويزلزل قاعدتها في مركز السلطة والحكم والنفوذ.
ولقد كان للإمام الأمير مواقف عظيمة تكشف عن صدق إخلاصه وتفانيه في سبيل الحق والجهر به ، وإرشاد الناس إليه للأخذ به دون غيره. وعالم مناضل كالأمير جدير بالبحث المستفيض ، والتنقيب عن كل آثاره العلمية الجليلة تعد مفخرة اليمن.
ولذلك أطلق عليه رجال العلم وغيرهم من عامة الناس ، وبعد أن عرفوا من مؤلفاته وكتبه القيمة مكانته العلمية وصدق إخلاصه في كل أعماله وأقواله بالإمام البدر ، لإشراق نفسه ونفاذ فكره في سماء المعرفة ، وبُعدُه عن كل معاني التقليد الذي أنفه وأباه في كل مناهج حياته وسلوكه في البحث والتحقيق ، وفي مجال التدوين والتأليف.
وما العالم إن لم يكن متحرر الفكر في بحثه وتحقيقه ، مخلصا لوجه الحق ، صادقاً في القول بما علمه والجهر به علانية ، وإلا كان وسيلة للضلال والتضليل معاً.
والأمير الصنعاني من أجلّ العلماء المتحررين فكراً ومعتقداً ، المناضلين في سبيل تبليغ ما علموه. وعَلَمٌ من أعلام ذلك الفكر النافذ الذي أخذ بأيدي الكثير إلى الحق وقادهم في طريق الصواب ، فكان في كل ذلك مثالاً للفضيلة والتقوى ، وعَلَما للهداية والرشد ، وبكل ذلك استحق الخلود وأصبح مفخرة من مفاخر
الزمن لا في وطنه وبين أبناء أمته فحسب ، وإنما في كل مكان من ربوع الإسلام وشعوبه المتعددة.
المؤلف
هو الإمام العلامة الشهير محمد، بن إسماعيل ، بن صلاح ، بن محمد ، بن علي ، بن حفظ الدين ، بن الأمير الصنعاني ، ينتهي نسبه إلى الإمام يحيى بن حمزة الحسني ، الكُحُلاني المولد ، وذلك نسبة إلى كُحُلان عفار ، ويتصل نسبه بالإمام يحيى بن حمزة بن سليمان رضوان الله علهيم أجمعين ، ويتسلسل نسبه إلى الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
مولده
ولد بكحلان ولد في النصف الأول من شهر جمادى الآخرة سنة (1099هـ.
نشأته
نشأ في مدينة كُحلان تحت رعاية والده العالم الجليل الورع ، والأديب اللامع ، إسماعيل بن صلاح الأمير ، حيث درج في بيت علم ترفرف في سمائه معالم الفضيلة بكل معانيها ، وتجري في رياضه ينابيع المعرفة ، وتفتحت عيناه على ضياء المعرفة ، فكان لذلك أطيب الأثر في نفسه ، إلى المزيد من العرفان والتمسك بأهداب الفضيلة.
ولقد توسم أبوه فيه مخايل الذكاء النادر ، فأولاه جُلّ اهتمامه ، وعكف على تدريسه العلوم الأولية ، التي يجب أن تعطى لمثله في سِن الصبا المبكر ، فأخذ عنه القرءان الكريم وحفظه عن ظهر قلب وهو في السنة الثامنة من عمره. ولما عرف والده أن طاقته الذهنية وقدرتها على الهضم والاستيعاب أكبر من سنه ، فكر في الانتقال به من مدينة كُحلان إلى مدينة صنعاء العاصمة اليمنية ، لكونها محط العلم
والعلماء الأجلاء في كل فن حين ذاك ، وبعد تفكير طويل استمر به عامين اثنين ، رأى أن لا مناص من مغادرة مدينة كُحلان والانتقال بابنه وأسرته إلى مدينة صنعاء ، وذلك لإعطاء وحيده الصغير فرصة أوسع في تلقي العلم والمعرفة .
وانتقل به إلى العاصمة اليمنية في عام (1110هـ) ألف ومائة وعشرة ، إلى صنعاء حيث أكمل بها تلاوة القرءان الكريم تجويداً وحفظا ، كما أخذ بها عن والده ورغم سنه المبكر قسطاً كبيرا من الفقه والنحو والبيان ، كما أخذ أيضا عن أبيه في أصول الدين كتاب الأساس للإمام القاسم ، ومجموع الإمام زيد بن علي في الحديث ، وغيره من الكتب المدروسة في عصره الحي المليء بمختلف المعارف. وبتوجيه أبيه أكب على استيعاب المختصرات في النحو والصرف والمعاني والبيان بإقبال منقطع النظير ، وقدرة على الاستيعاب فائقة ، مما لفت إليه أنظار مشائخه الأجلاء ، وأساتذته الذين لازم حلقات دروسهم العامة.
وكان شيخه العنسي يرى فيه الطالب المبرز ، المدرك للحقائق العلمية الناصعة بفكر وقاد ، فأولاه كل عنايته وكل تقديره وتشجيعه ، وكان الأمير الصنعاني يقيم أيام الطلب وفي أوقات التحصيل بجامع داود المعروف بصنعاء ، وينفرد بنفسه في منزلة من منازله للاستعادة والمذاكرة ، ومر شيخه القاضي العنسي بجامع داود فذكر تلميذه الأمير الصنعاني وإقامته بمنازل الجامع ، فعرج فلم يجده فكتب إليه نظماً:
وإذا مررت بسوح داود وقد ... تليت عليك رسائل ومسائل
عرج على تلك المنازل منشدا ... (لك يا مُنازل في القلوب مَنازل)
قد حلك البدر الأمير فلم أقل ... (أقفرت أنت وهن منك أواهل)
رحلة الإمام البدر الأمير إلى الحجاز
وبعد أن أخذ الأمير الصنعاني أوفر قسط من العلوم والمعارف بمدينة صنعاء ، وحتى أصبح من رجال الاجتهاد ، أزمع المسير إلى أرض الحجاز وهو في الثانية والعشرين من العمر ، لأداء فريضة الحج وللإستزادة من علم الحديث ، فتوجه في عام (1122هـ) إلى مكة المكرمة حيث أدى فريضة الحج ، وبعد فراغه من كل المناسك انتقل إلى المدينة المنورة فأخذ عن عالمها الجليل الشيخ عبد الرحمن الخطيب بن أبي الغيث خطيب الحرم النبوي الشريف أوائل الصحيحين وغيرهما ، وقد أجازه إجازة عامة ، كما أخذ عن الشيخ طاهر بن إبراهيم حسن الكردي المدني في فنون عدة.
وبعد أن أخذ عن علماء مكة والمدينة ما كان يطمح لأخذه في علم السنة المطهرة وغيرها ، عاد إلى صنعاء وقلبه مليء بالغبطة والإصرار على العكوف على التدريس ونشر السنة النبوية في ربوع وطنه ، واستمرت إقامته بصنعاء عشر سنوات كاملة ، وكل همه نشر العلم والمعرفة ، وملازمة حلقات الدرس مع تلاميذه حتى عام (1132هـ) حيث أزمع المسير إلى مكة المكرمة مرة ثانية وذلك للحج.
وقصد للمرة الثالثة مكة المكرمة وذلك للحج في عام (1134هـ) حيث اجتمع بأكابر العلماء.
وبعد عودته تصدر بمدينة صنعاء لتدريس السنة المطهرة وغيرها من فنون العلم والمعرفة ، وللتأليف والفتوى ، فنال احترام علماء عصره الأجلاء.
ترجمه الحوثي في نفحات العنبر، فقال: (( الإمام الكبير المجتهد المطلق صاحب التصانيف )) ... (( برع في جميع العلوم وفاف الأقران، وتفرد برياسة العلم في صنعاء، وتظهَّر بالإجتهاد، وعمل بالأدلة، ونفر عن التقليد، وزيّف ما لا دليل عليه من الآراء الفقهية، وجرت له مع أهل عصره خطوب ومحن، وبالجلمة فهو من الأئمة المجددين لمعالم الدين )) (1).
وترجمه الحيمي في طيب السمر، والجرموزي في سلافة العصر، وأحمد قاطن في الدمية والتحفة، وعبدالله بن عيسى في الحدائق، وولده عبدالله بن محمد بن إسماعيل الأمير في سيرة جامعة.
وأورد السيد محمد بن محمد بن بارة الكثير من أخباره، والجيد من أشعاره، وأسماء المشهور من مؤلفاته في ترجمته له بنشر العرف (2).
ثم جاء أستاذ الفلسفة الأسلامية بجامعتي الأسكندرية وصنعاء الدكتور المصري الجنسية أحمد محمود صبحي، فترجم له في كتابه القيم (( الزيدية )) ترجمة مستفيضة (ص 626-676) ومما ورد فيها أن (( أبن الأمير )): تبحر في مختلف علوم الدين فكان في كل واحد منها كأنه متخصص فيه ، وأنه أخذ على علماء مختلف الفرق والمذاهب فأهّله هذا التكوين العلمي إلى أن يكون واسع الأفق، متسامح الرأي؛ غير متعصف لمذهبه الزيدي )).
(( وضل طوال حياته عاكفا على الوعظ والتدريس والتأليف، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، مصلحا ذات البين بين المتخاصمين، لا يخشى في الله لومة لائم )).
__________
(1) البدر الطالع 2/ 133.
(2) نشر العرف 2/ 505- 552.
وفد فند الدكتور صبحي مزاعم (( الأساتذة )) قاسم غالب وزملائه في كتابهم:(( ابن الأمير وعصره )) وأبدى ملاحظاته الصادقة على ذلك النوع من الكتب التي تؤلف في فترات يحسب جهلة أبنائها أنهم لا يستطيعون التخلص من موبقات حاضرهم إلا بهدم ماضيهم، حتى (( يصبح أشلاء وأكواما من الحطام )) بل ويدفعهم (( شنئان قوم )) إلى مجانفة العدل والإنصاف، بل وإلى (( التزيدة والإفتراء )) ،ولقنهم درسا بليغا في كتابة التاريخ قائلا: (( ينبغي أن يكتب التاريخ بموضوعية وأمانة وأن لا يكون معول هدم لكل الماضي )).. استعرض حياة (( ابن الأمير )) كداعية للإصلاح، وإمام مفكر، ثم سرد أسماء ستة وأربعين كتابا من مؤلفاته المطبوعة والمخطوطة.
وبعد أن ذكر آراءه الدينية مثل (( عدم جواز التقليد، ووجوب الإجتهاد، ومحاربة البدع، وموقفه من التصوف وكرامات الأولياء، وموقفه من الحركة الوهابية تعرض لذكر أرائه السياسية كالخروج على الظالم، ومخالطة الظلمة وقال معقبا:
(( هذا قدوة صالحة للعلماء في العلم والعمل، عمل بما علم، بلغ في العلم مبلغ الإجتهاد في زمن عقم فيه الفكر الاسلامي عن إنجاب المجتهدين، وفرض احترامه على الخصوم قبل الأتباع ، بعمله الصالح وإعراضه عن الدنيا ومطامع الملك، فكان مسموع الكلمة في الملمات والخصومات، وإبان فتن يضيع عادة فيها صوت الحق )).
(( وقد نهج ابن الأمير نهج ابن الوزير في الإهتمام بالفقه والحديث وترجيحهما على علم الكلام، فأثرى المذهب الزيدي بما كان يعوزه من حُفاظ على وجه الخصوص، وذلك بلا شك اتجاه محمود، وكان متفتح الفكر على السنة ومذهب أهل السلف فتصدى للبدع والخرافات )) ثم قال:(( ولكن الإعراض عن
المسائل الكلامية ليس محمود العاقبة في كل حال؛ إنه وإن لزم عنه آفات الجدل والمراء فهو حصانة للعقل، وحين أعرض فقهاء دولة المرابطين عن الكلام سقطوا في التشبيه والتجسيم؛ حقيقة إن المذهب الزيدي لا يسمح بمثل ذلك، ولكن لا غنى للفرع عن الأصل وعلوم الدين من فقه وحديث وغيرهما إنما هي فروع من أصل ثابت هي أصول الدين )) (1).
مجتمع الأمير الصنعاني وحياته
لمع نجم الأمير الصنعاني في سماء المعرفة ومجتمعه باهت الضِّلال ، تقوده سياسة معينة ، وتسيطر على أفكاره بنية المذهبية الضيقة ، فجمد فكره على مفاهيم مغلوطة ليست من الدين ولا من المذهب الزيدي في شيء. وكل ما يخالف تلك المفاهيم المغلوطة في مجتمع يعد في نظر العامة خروجاً على النهج الإسلامي ، كما يرمى كل خارج على ذلك النهج بالنصب والمروق ، ولقد جاء الأمير الصنعاني حرباً على تلك المفاهيم ، فهز أركان المتمصلحين من ذلك الجمود الفكري المشين
__________
(1) من العجب العاجب أن الدكتور شوقي ضيف -رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة حاليا - عد الإمام محمد بن إسماعيل الأمير شعراء الدعوة الوهابية في كتابه تاريخ الأدب العربي ( انظر الجزء الخامس عشر الدولة والإمارات ص 180- 184 ) وهو يعلم أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولد سنة 1115هـ وقد بلغ ابن الأمير السابعة عشر؛ ولم تنتشر دعوة ابن عبد الوهاب إلا حين وضع أمير الدرعية محمد بن سعود يده في يد محمد بن عبد الوهاب سنة 1158هـ وقد بلغ ابن الأمير الستين أو أشرف عليها واشتهر علمه وفضله وطار صيته في الآفاق، فلو استنتج الدكتور ضيف العكس لكان أقرب إلى الحق، ولو قرأ تراجم ابن الأمير بإمعان أو اطلع على ما كتبه عنه الدكتور صبحي في كتابه (( الزيدية )) لما وقع في مثل هذا الخطأ الجسيم الذي لا يقصده مؤرخ موفق.
، وتلك الخرافات السائدة ، فلم يدع بدعة إلا وسلط عليها الأضواء ، ولا مفهوماً مغلوطاً ليس من الدين في شيء إلا وركز هجومه النقدي عليه ، وإن كان قد شط في بعض الأمور!! ولقد كان ذلك باعثا على استعداء المتمصلحين ، فرموه بالنصب والخروج عن المذهب الزيدي ، كما أن تدريسه للحديث النبوي ، والتزامه في الصلاة بالرفع والضم والتأمين من أسباب وعوامل الإثارة أيضا ، فاتُخذ وسيلة لإثارة العامة على البدر الأمير ، ولكنه كان أقوى من عوامل الاستثارة والاستعداء ، وأصلب من أولئك المتمصلحين ، فلم تؤثر في الأمير الصنعاني تهديداتهم ولا تجمعاتهم ولا دسائهم للإيقاع به ، بل زادته إيمانا بنهجه ، وإصراراً على المضي في دربه ، ناشرا لسنن الرسول في وسط يجهل كثيرا منها ، ويعد أي مخالف للمألوف خروجه عن المذهب الزيدي وإن كان منه ، ولقد أشار إلى ذلك في قصيدته الدالية التي يقول فيها:
كان الحديث بأرضكم ... مستغرباً والله جدا
حتى نشرت فنونه ... وجلوت منه ما تصدى
ولدرسه ولأخذه ... من بعدنا كل تصدى
وتنافس العلماء في ... كتب الحديث هوى ووجدا
هذا بتنسيخ وذا ... بشرائها بالمال نقدا
ما قلت ذا فخراً ولا ... أرجو بنشر العلم جدا
بل قلته متحدثا ... بنعيم من أعطى وأجدى
بالله قل لي يا عذو ... ل علامَ تعذلني مجدا
تعرض البدر الأمير الصنعاني لمحن جمة ، منها: ثورة قبيلة برط واجتماع أعيانهم من ذي محمد ، وذي حسين ، وكانت قد سرت إليهم إشاعة المغرضين بأن محمد بن إسماعيل الأمير يهدم المذهب بتدريسه كتب الحديث للبخاري ومسلم.
وكانوا قد خرجوا على الإمام المهدي ، وفي مقدمتهم حسن بن محمد العنسي البرطي لنصرة المذهب والاقتصاص له من الأمير الصنعاني ، وكتبوا رسالة للإمام المهدي بجموعهم وخروجهم من برط إلى صنعاء للثورة على الأمير ، وعليه أيضا بحجة أنه يساعد الأمير الصنعاني على ما يقوم به من أعمال مخالفة للمذهب ، فوجه إليهم الإمام المهدي مجموعة من العلماء الأعلام وهم في طريقهم إلى صنعاء لصدهم عن ذلك فلم يرعووا ، ففاوضهم على زيادة عشرين ألف ريال على مخصصاتهم السنوية التي تدفعها الدولة لهم ، فاقتنعوا بذلك المغنم وعادوا إلى برط من حيث أتوا. ولما بلغ الأمير خبر أهل برط ومقدهم عليه لتدريسه صحيح البخاري ومسلم ، قال:
ليت شعري هل في الوجود إمام ... عالم مثل مسلم والبخاري
كنت أعملت في لقاه المطايا ... سائراً في مهامه وقفار
وبذلت النفيس في الأخذ عنه ... تاركاً للأوطان والأوطار
وقد أقام المقلدون المتعصبون الدنيا ولم يقعدوها على البدر الأمير لمخالفته لبعض مألوفاتهم التي درجوا عليها ، وظنوا أن ما خالفها يعد خروجا على المذهب الزيدي ، وافتئاتا عليه ، وبغضا لعلي عليه السلام ، وعداوة لأهل البيت عليهم السلام ، فاتهموه بكل عظيمة ، ورموه بكل زور ومَين ، إلى الحد الذي اتهموه فيه ببغض علي ومناصرة معاوية ، وهو الزيدي العقيدة ، والشيعي الهوى ، يدين بالعدل والتوحيد ، وولاء الإمام علي وأهل البيت .
فقال الأمير الصنعاني في ذلك:
يا أيها الإخوان إني ... لم أجئ إمراً وإدَّاً
لم أَنْهَ إلا عن مخا ... لفة النبي ممن تَعَدَّى
المصطفى خير الأنا ... م وآله العالين جدا
فهم النجوم لمهتدٍ ... وهم الرجوم لمن تعدَّى
في شهر صفر سنة (1182هـ) وصلت كتب من جبل برط من القضاة بني العنسي إلى أهل هجرة حوث وغيرهم يذكرون أن الإمام البدر المنير محمد بن إسماعيل الأمير ، خالف مذهب أهل البيت عليهم السلام ، فقال في ذلك:
رأيت كتابا فيه كل عجيبة ... ويأتيك بالاخبار من لم تزود
وسوَّدَ فيه كاتبوه مقالةً ... سيسوَدُّ منها وجه كل مسوِّد
جهول بأولاد البتول وحيدر ... يقول ومن ذا ابن الأمير محمد
أنا الشمس في جو السماء منيرة ... بها يهتدي من شاء ربي ويقتدي
أنا هاشمي فاطمي نسبتي ... على حَسَنٍ سبط الرسول محمد
ومذهبي التوحيد والعدل لا سوى ... وهذا لعمري دين كل موحد
فنحن بنو الزهرا وأبناء حيدر ... ورثنا العُلى عن كل عال ممجد
فجدي خير الرسل أحمد من به الـ ... ـبراق سرى ليلا إلى خير مقعد
ووالديَ المولى الأمير ابن حمزة ... عماد الهدى حتف على كل معتد
أمام جهاد دوَّخ الأرض كلها ... وأجرى دم الأعداء في كل فدفَد
وقد فتحت صنعاء بأسياف جِدِّنا ... وأهلك فيها كل باغ ومفسد
سل المهجم المعروف من ذا أباحه ... وأخرب فيها كل قصر مشيد
مع صنوه المنصور أفضل قائم ... من الآل واسأل كل هاد ومهتد
إمام الهدى عبد الإله ابن حمزة ... ومن بظفار فاز في خير مشهد
هو الجبل البحر الذي بعلومه ... جميع الورى ما بين مُفتٍ ومقتدي
وفي سفح كحلان غدا قبر جدنا ... وزُوَّارُه فيه تروح وتغتدي
أولئك آبائي إذا كنت جاهلا ... ونحن بنوهم سيداً بعد سيد
ورثناهمُ علما وزهدا وسؤددا ... وسل من تشا يا جاهلا أصل محتدي
ورثت علوم الآل طرا وبعدها ... حفظت بحمد الله سنة أحمد
ودرّست في العلمين أعلام عصرنا ... فكلٌّ تلاميذي فسل وتنشَّد
كذلك تفسير الكتاب حفظته ... ودرَّست في التفسير كل موحد
على كل كرسي وفي كل مسجد ... فكل بما قلناه يهدي ويهتدي
لي الخُطَب الغُرُّ التي كل خاطب ... بها خاطبٌ في كل أرض ومسجد
وألَّفتُ في كل العلوم مؤلفا ... بها يهتدي أهل العلوم ويقتدي
وسارت مسير الشمس في كل بلدة ... ويجهل هذا كل فَدم مُبلد
ولي في أمير المؤمنين قصائد ... بها تطرب الأسماعُ من كل منشد
وشرحي لها شرحٌ نفيس مهذبٌ ... نشرت بها كل الفضائل عن يد
وقال:
وقلتم بأن ابن الأمير محمداً ... يخالف أهل البيت من غير مسعد
وليس اختلاف الآل في العلم ضائرا ... ولا هو عيب عند كل موحد
فقد خالف الهادي بنوه محمد ... وأحمد وانظر كتبهم وتفقد
وخالفه المنصور والناصر الذي ... يأمل سقيا للإمام المجدد
وكم من خلاف بين صنوين قد جرى ... أبي طالب ثم الإمام المؤيد
وشاهديَ الأزهار والغيث فانظروا ... وفي البحر للمهدي ما يروي الصَّدِي
وقال لما لم يتركه الجهال من القيل والقال ، ونسبوا إليه أباطيل الأقوال:
لقد نسب الأنام إليَّ قولا ... عليهم ربنا فيه شهيد
وقالوا قد رضينا بابن هند ... وقلنا إنه رجل رشيد
كذبتم إنه والله عندي ... لِفِسِّيقٌ وشيطان مريد
وملعون بما كسبت يداه ... كذلك نجله الطاغي يزيد
وقال رحمه الله لما وقف جماعة على جواب سؤال في شأن معاوية بن أبي سفيان كنت كتبته بخطي لم يعرفوا معناه، ولا تحققوا ما حواه ، نسبوا إلى كاتبه أقاويل ، واجتروا عليه أباطيل ، فقلت نصحا لهم ومحبة ، لأنه لإزالة الإثم عنهم لما توهموه من قبيح الاعتقاد ، وذلك في سنة (1137هـ) سبعة وثلاثين ومائة وألف:
عجبت لقوم ينسبون مقالة ... إليَّ كأني لستُ من نسل حيدر
ينظنون أني أجحد الشمس ضوؤها ... وأزعم أن الصبح ليس بنيِّر
أأرضى الطليق ابن الطليق وقد بغى ... وقاد لحرب المرتضى كل مجتر
إمام الهدى من جاء في الذكر مدحه ... وسل عنه آيات الكتاب تُخَبِّر
أليس المزكي راكعا في صلاته ... مشيرا إلى من يجتديه بخنصر
أليس الذي أسقى الطغاة حسامه ... من الموت كأسا مهلكا غير مسكر
أليس الذي أردى ابن ود بسيفه ... غداة غد جهلاً على الله يجتري
أليس الذي في يوم بدر بسيفه ... على كل جبار وأحد وخيبر
أليس الذي قام الرسول معرفا ... ولايته للمؤمنين بمحضر
أليس الذي واخاه من دون غيره ... رسول الهدىالمبعوث من خير عنصر
وزوَّجه الزهراء سيدة النسا ... بوَحي وسائل كل راو ومخبر
وأدخله تحت الكساء وحسبه ... بذلك فخرا دونه كل مفخر
وكم ذا عسى أمليه من عَدِّ فضله ... ومن رام عدَّ الشهب لم يتيسر
وهل لابن هند غير كل قبيحة ... ومن ذا الذي فيه يشك ويمتري
أليس الذي أجرى الدماء مراقة ... بصِفِّين من أصحاب خير مطهر
وقاد طغام الشام من كل وجهة ... يقاتل بغيا كل بَرٍّ وخيِّر
وأورد عمَّارا حياضا من الردى ... سقى جدثاً قد ضمه كل ممطر
وسبَّ أمير المؤمنين مجاهرا ... وألزم أن يُملى على كل منبر
فقد عاد لعن اللاعنين جميعه ... عليه كذا مَن سنَّ سُنة منكر
وكم من جنايات جناها تجاريا ... وأبرزها جهرا ولم يتستر
وسائل بذا عبد الحميد وشرحه ... على النهج واسلك نهج كل مقرر
أمجتهداً يُدعا ابن هند محققا ... ومن قال هذا فهو لا شك مفتري
ومن قال هذا فهو فدمٌ مغفلُ ... جسور على قول الجهالة مجتري
وما هو إلا ماكرٌ متحيلٌ ... على المُلك حتى ناله بتجبر
ولولاه ما أضحى يزيد مؤمَّراً ... يدار عليه في الضحى كل مسكر
ينادم جهراً بالمدام ونظمه ... بذلك يروي لحنه كل مزهر
ولا عُفِّرت في الطَّف أبناء أحمد ... سقى دمعي الهتَّان كل معقر
ولا فتك الرجس الشقي ابن عقبة ... بطيبة فَتك المسلمين بخيبر
أباح حماها واستباح حريمها ... وأنهبها من جيشه كل قسور
ونَشرُ مخازيه يطول وقد درى ... بها كل واعٍ في الأنام ومبصر
أيجهل مثلي منصب الحق بعدما ... عرفت يقينا ما حوى كل دفتر
وحققت من علم الدراية كلما ... يحققه في العلم كل محرّر
وكم مبحث قد كان من قبل مضمرا ... فأظهرتُه حتى غدا غير مضمر
وكم خُضتُ من بحر الرواية أبحراً ... وسآلت عن تحقيقها كل مخبر
فيا أيها الإخوان في الدين ما لكم ... نسبتم إلينا جهرة كل منكر
ومزقتم الأعراض كل ممزق ... وملتم إلى ما قاله كل مفتري
وأطعمتم من لحمنا كل آكلٍ ... وأطعمتمُ الإخوان في كل محضر
وما هكذا أهل الديانة والهدى ... يجيبون من يفري اللحوم ويفتري
أَإِنْ كتب الإنسان قولاً بكفه ... نسبتم إليه كل قول مسطر
ومن كتب الكفر الصريح بكفه ... فذلك بالإجماع غير مكفَّر
أَقِلُّوا أَقِلُّوا واحذروا الموقف الذي ... سيبرز فيه كل عُرفٍ ومنكر
ويُسألُ كل عن جميع فعاله ... وأقواله من سابق ومؤخَّر
ودونكُمُ هذا النظام فإنه ... خطابٌ لمن وافاه من أي معشر
يخبركم أني بما قد ظننتم ... بريء ومما خالف الحق مبتري
وإني لا أرضى سوى الآل قدوة ... أولئك آبائي وذخري لمحشري
بهدي رسول الله والآل أهتدي ... فما أنا إلا أحمدي وحيدري
وصلوا على أهل الكساء محمد ... وفاطمة والسيدين وحيدر
كذا الآل أرباب الهدى سادة الورى ... ومن ضمَّخت أوصافهم كل منبر
وقد جرى مثل هذا للإمام محمد بن إبراهيم الوزير ، وهو القائل:
هذي الفروع وفي الأصول عقيدتي ... ما لا يخالف فيه كل موحد
ديني كأهل البيت دينا قيما ... منَزها عن كل معتقد ردي
وأحب آل محمد نفسي الفدا لهمُ ... فما أحد كآل محمد
هم باب حطة والسفينة والهدى ... فيهم وهم للظالمين بمرصد
وهمُ النجوم لخيِّر متعبد ... وهمُ الرجوم لكل من لم يعبد
والقوم والقرءان فاعرف قدرهم ... ثقلان للثقلين نص محمد
ولهم فضائل لست أحصي عدها ... من رام عد الشهب لم تتعدد
وكفى لهم شرفا ومجدا باذخا ... شرع الصلاة لهم بكل تشهد
ومثله جرى لعلم الزيدية الأكبر نشوان بن سعيد الحميري ، رغم سلامة عقيدته ، وإعربه عن شخصيته الزيدية، ومحبته ومودته لآل الرسول، وإن خالفهم
في المسائل الاجتهادية والسياسية ولم يقل بحصر الإمامة في أولاد البطنين، فذلك أمرٌ، و { المودة في القربى } أمرٌ آخر. قال رحمه الله:
أيها السائل عني إنني ... مظهرٌ من مذهبي ما أبطن
مذهب التوحيد والعدل الذي ... هو في الأرض الطريق البيّن
وقال:
وذكرت آل محمد وودادهم ... فرض علينا في الكتاب مؤكد
وذكرت زيداً والحسين ومولداً ... لهم زكي الأصل نعم المولد
بأبي وأمي من ذكرت ومن به ... يهدي الجهول ويرشد المترشد
وأنا المناضل ضدكم عن دينكم ... والله يعلم والبرية تشهد
لا أستعيض بدين زيد غيره ... ليس النحاس به يقاس العسجد
إني على العهد القديم بحبّكم ... كلف الفراد بكم وجسمي مبعد
وقال:
وأودّ سائر أهل بيت محمدٍ ... وودادهم فرضٌ علي ومغنم
قوم أدين بدينهم وبحكمهم ... ونصوصهم أفتى الخصوم وأحكم
وأنا المحب بن المحب وإن وشى ... واشٍ ورجّم بالظنون مرجّم
وكذلك الحسن الجلال، والمقبلي، واكثير الكثير قديما وحديثا ، وما (( أشبه الليلة بالبارحة)) !!!
انقطاع الأمير الصنعاني للتدريس ورفضه لكل المناصب
لقد كان الأمير الصنعاني قانعاً ، بعيداً عن كل الأطماغ والمغريات الشخصية ، فانقطع للتدريس في جامع صنعاء الكبير ، وجامع المدرسة وغيرهما من المساجد ، وذلك من الصباح حتى المساء ، ولم يقبل أي منصب حكومي مهما كان ، بالرغم من المغريات والعروض التي كانت تقدم له ، وكان قد عرض عليه المتوكل القاسم
بن حسين القضاء وتوليته في مدينة المخاء ، فرفض ذلك وامتنع عن قبوله ، كما عرض عليه الوزارة فلم يقبل ذلك ، ثم عرض عليه تولية القضاء العام فامتنع عن قبوله ورفض ذلك ، والتزم التدريس ونشر العلم والمعرفة ولم يقبل كل المناصب التي عرضت عليه ، غير القيام بخطبتي الجمعة في الجامع الكبير بصنعاء لكون ذلك من واجب العلماء ، ومرتبطاً مباشرة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولقد تصدى للنضال في جبهتين اثنتين نضال السلطة الحاكمة ، ونشر السنن النبوية ، ومحاربة الخرافة والجهل.
وألَّف رسالة بعنوان: إزالة التهمة ببيان ما يجوز ويحرم من مخالطة الظلمة ، وقد جمع فيها كل الأدلة المنافية لمخالطة الظلمة وأقوال علماء الإسلام نظما ونثرا ، ومن ذلك قصيدة العالم الجليل محمد بن إبراهيم الوزير ، وكان قد بعث بها إلى أخيه الهادي بن إبراهيم منتقداً له وناعيا عليه اتصاله بالإمام الناصر محمد بن المهدي علي ، المعروف بصلاح الدين وهو أكثر عدالة ممن تبعه وحل محله في قيادة الأمة حين ذاك ، ومنها قوله:
يا سبط إبراهيم لا تنس ما ... كان عليه في التحلي أبوك
فإن آباءك لو شاهدوا ... بعض الذي تفعله أنّبوك
إلى أن يقول وهو ما يقصده الأمير للاستدلال به:
واعلم بأن العز في الزهد والـ ... ـفضل وأهل الملك طرا هلوك
وابعد عن الملك وأربابه ... وإن هموا يوما لها أهَّلوك
لا تنظرن يوما إلى قائم ... وانظر إلى ما قاله ناصحوك
وقد ظل (( ابن الأمير )) وأضرابه ينصحون ويصرخون ولكن الشر تفاقم حتى تلاشت دولة آل القاسم وتمزقت اليمن بعودة الأتراك في أواخر القرن الثالث عشر الهجري واحتلال الأنكليز لعدن وكان ما كان.
وقد جرت بينه وبين علماء وشعراء عصره مراسلات تصور ما كان يعانونه من ضيق بشؤون وطنهم بل والعالم الإسلامي، ومن ذلك ما قاله العلامة إسماعيل بن محمد بن إسحاق من قصيدة مطلعها:
رام قلبي بأن يخفف همه ... برق نجد لما شكى ما أهمه؟
جاء فيها:
ويح قلبي من ذا يدواي له الـ
ـكْلمَ.. وكل يشكو من الدهر كلمه
كلما هم بالسلو أراه الدهـ
ـر في الدين ما يضاعف همه
عظم الشر في زمانك لما
أهمل الناس: (( كنتم خير أمة ))
فإذا ما أراد من ينكر المنـ
ـكر أمرا؛ قالوا:(( جنون ألمه ))
قد فشا الجهل فيه حتى غدا العـ
ـعلم على طالبيه عارا ووصمه
فإمام الزمان وهو أبو الخلف
تراه في الجهل شبه أمه؟
قد رضينا بجهله لو حمى الإسلام
عن ((حاشد)) و((يام ))و(( دهمه ))
هملا أصبح الرعايا بهذا الدهـ
ـر هل هكذا تكون الأئمة؟
أين من يحفظ الذمام ومن يرقب
في المؤمنين إلاً وذمة؟
وقد أجاب عليه البدر (( الأمير )) بقصيدة طويلة مطلعها:
ما على الصب في الصبابة وصمة ... يا عذولي فهل بعقلك لمة؟
ومنها:
ولشابهتَ فرقة في (( أزال )) ... تركوا منهج الصلاح ورسمه
شرتِ الفي بالهدى ثم باعت ... نور إيمانها بظلم وظلمه
واستباحت ما حرم الله حتى ... ما لشيء مما يريدون حرمه؟
ومطيل في عتبه لأناس ... هم على المسلمين عار ووصمة
هم ومن في اللحود سيان؛ لكن ... ما على ساكني اللحود مذمة
أي فضل لذي حياة إذا لم ... يسع في دفعه لك ملمة
فإذا لم يقم وينقم للدين.. ... فقم داعيا عليه بنقمة
ما خلا من يقول: عذري أني ... لم أجد سامعا لتنفيذ كلمة
كل من في الوجود لص وإن جا ... ء بسجادة إليك و (( ختمة ))
ويطيل السجود، وهو كمون ... لاصطياد يرجوه من أي ثلمة
اعتقال الأمير الصنعاني وسجنه في قصر غمدان
كان الإمام الأمير يقوم بخطبتي الجمعة في جامع صنعاء الكبير وبتكليف من الإمام ، وفي إحدى الجمع رأى الجامع مكتظاً بمن فيه من المصلين ، وأراد لذلك الإختصار في خطبة الجمعة الأخيرة ، فأهمل ذكر الأئمة تخفيفاً على المصلين من الإطالة ، فأخذ ذلك أصحاب المصالح وسيلة لإثارة الدهماء على الأمير ، ومنهم علي بن الحسين من آل القاسم ، وعلي بن عبد الله بن القاسم ، وهما من آل الإمام ولهما في دولته نفوذهما الواسع ، فحشدوا العامة وأثاروا مشاعرها وحاولوا قتل الأمير الصنعاني لكونه لم يذكر الإمام القاسم في الخطبة ولا بقية الأئمة ، فلما بلغ ذلك المهدي عباس ، سارع في استدعاء علي بن الحسين وعلي بن عبد الله بن القاسم والإمام البدر محمد بن إسماعيل الأمير إليه ، وبعد وصولهم إلى داره أمر الأميرَ الصنعاني بالبقاء في دار الأدب ، وعهد به إلى النقيب الماس سَجَّانه في ذلك الحين ، كما أمر أيضا بسجن علي بن الحسين ، وعلي بن عبد الله بن القاسم ، وذلك عقابا لهما على محاولتهما لإثارة الفتنة واستنفار العوام ، وذلك بإهماله في خطبة الجمعة الأخيرة للإمام القاسم وغيره من الأئمة عن الذكر ، كما وجد المهدي عباس في ذلك فرصة لاعتقال الأمير بحجة الحفاظ عليه من بني عمومته والعوام من الناس ، واعتقال أبناء عمومته في نفس الوقت للتخلص من الجميع ، وذلك لأن الأمير الصنعاني أصبح خطراً يهدد كيان سلطته ، كما أن أبناء عمومته أصبحوا قوة لا يستهان بها ، فأراد التخلص من الجميع.
قال البدر الأمير مبينا أسباب إيداعه السجن :
وما حبسوني أنني جئت منكرا *** ولا أنني نافست في الحكم والكرسي
ولكنني أحييت شرعة أحمد *** وأبرزتها شمسا على العرب والفرسِ
فقال ألو الجهل المركب إنني *** أردت خلاف الآل عمدا بلا لبسِ
فقلت جهلتم مذهب الآل أنتم *** وإن طال هذا الجهل آل إلى الطمسِ
فإن أصول الآل تأبى بأنني *** أقلد كالأعمى يقاد بلا حسي
ولكنكم لا تعرفون أصولهم *** ولا الطرد فيما قرروه من العكسِ
إذا لم يكن للاجتهاد مزية *** من الجهل يا ويح العلوم من البخسِ .
الإمام المؤلف
كان البدر الأمير بحرا زاخرا من العلم والمعرفة ، ترك آثارا جليلة أغنى بها المكتبة العربية والإسلامية، من مؤلفاته:
- إجابة السائل شرح بغية الآمل بنظم الكافل (طبع ) .
- إتحاف الاعلام لما تكرر في نسخه من الأحكام.
- إتحاف الآنس في الكلام عن العلمين واسم الجنس.
- إجازة الحديث.
- أجوبة خمس مسائل.
- الأجوبة المرضية على الأسئلة العصرية.
- أجوبة مسائل أحمد بن إسحاق.
- أجوبة مسائل قاطن.
- أجوبة مسائل المحبشي.
- اجابة في حكم بيع النسيئة (طبع ضمن ذخائر علماء اليمن ص33 ـ 40).
- جواب سؤال العماري في مواضع من علم الحديث (طبع ضمن ذخائر علماء اليمن ص61 ـ 74).
- جواب سؤال في صلاة الجماعة . (طبع ضمن ذخائر علماء اليمن 105 ـ 125).
- الأحراز لما في الأساس من كناية المجاز.
- الأحرف التي جعلها الناس لأعداد معينة . (بحث).::
- أخذ الأجرة على الصلاة والأذان.
- الادراك لضعف أدلة تحريم التنباك .
- الأدلة الجلية في تحريم نظر الأجنبية.
- أرجوزة في أصول الدين.
- إرسال المطر في شرح قصب السكر شرح منظومة نخبة الفكر
- إرشاد القاصد لأدلة قضاء صلاة العامد.
- إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد (بحث) طبع ضمن (الرسائل المنيرية)، ج4/1 ـ 47.
- إزالة التهمة ببيان ما يجوز ويحرم من مخالطة الظلمة .
- إسبال السرور من صفات الحور والغرف والقصور
- الاستظهار على البحر والمنار.
- استيفاء المقال في حقيقة الإسبال.
- الإشاعة في بيان من نهي فراقه عن الجماعة .
- الإصابة في الدعوات المجابة .
- إظهار المعنى لأحاديث ، (أن اللّه يقتص من القرناء للجماء).
- إعلام الأنباة بعدم شرطية عدالة الإمام في الصلاة .
- إفادة الأبرار في شرح حديث الأنوار.
- إقامة البرهان على جواز أخذ الأجرة على تلاوة القرآن.
- إقامة الدلائل في ايضاح الثلاث المسائل ، (طبع ضمن كتاب ذخائر علماء اليمن 75ـ 83).
- إقامة الدليل على ضعف أدلة تكفير التأويل .
- الأقتباس لمعرفة الحق من أنواع القياس .::
- إقناع الباحث بإقامة الأدلة بصحة الوصية .
- الإنصاف في حقيقة الأولياء ومالهم من الألطاف .
- الأنفاس الرحمانية على الإفاضة المدنية .
- الأنوار شرح الإيثار . (ذكره في كتابه شرح ديوان ابن الوزير).
- ايضاح الاستدلال على موجب القتال لأهل الضلال . (لعله المطبوع ضمن ذخائر علماء اليمن 155 ـ 163).
- الإيضاح والبيان في قصص القرآن .
- إيقاظ ذوي الألباب من سنة الغفلة عن أحكام الخضاب .
- إيقاظ الفكرة لمراجعة الفطرة .
- بحث حول كلمة الإستعاذة والبسملة .
- بحث في حقيقة الفقير الذي يستحق الزكاة .
- بحث في حكم من أدرك الركوع مع الإمام . (طبع ضمن ذخائر علماء اليمن 133 ـ 136).
- بحث موجز في قتال أبي بكر لمانعي الزكاة . (طبع ضمن ذخائر علماء اليمن 137 ـ 140).
- بحث فيما يتلى من كتاب اللّه على الأموات وما يصلهم من أجره بعد الموت . (طبع ضمن ذخائر علماء اليمن ص 349 ـ 354).
- بذل الموجود في حكم الإعسار وامرأة المفقود .
- بشرى الكئيب بلقاء الحبيب.
- بغية الآمل في نظم الكافل طبع في عدن سنة 1346هـ.
- تأنيس الغريب نظم بشرى الكئيب بلقاء الحبيب .::
- التحبير لايضاح معاني التيسير .
- تحقيق طلب موسى الرؤية ـ تحقيق حول الشفاعة ـ تحقيق في جواز الضرب على التهمه من عدمه .
- التحيل لإسقاط الشفعة . (طبع ضمن ذخائر علماء اليمن 141 ـ 142).
- تطهير الاعتقاد من درن الإلحاد . (طبع في القاهرة سنة 1373هـ).
- تفسير آيات { فمن زحزح عن النار }، { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون }، { لو شاء ما أشركنا }، { وإذ قال ربك للملائكة }، { وقيل يا أرض ابلعي ماءك } ذكرها أحمد الحسيني في (مؤلفات الزيدية).
- تفسير غريب القرآن .
- تنبيه ذوي الفطن على حسن السعي لإطفاء نار الفتن .
- التفكيك لعقود التشكيك .
- التنوير في شرح الجامع الصغير .
- توضيح الأفكار على تنقيح الأنظار.
- ثمرات النظر في علم الأثر.
- جمع الشتيت في شرح أبيات التثبيت . طبع في مكة سنة1381هـ.
- حاشية البحر الزخار. (نشر العرف 2/525).
- حاشية شرح الرضي على الكافية .
- الحراسة في مخالفة المشروع من السياسة .
- حسن النبا عن مسائل تعم الربا .::
- حكاية القول في القرآن الكريم.
- حلَّ العقال عما في رسالة الزكاة للجلال من الإشكال + ذيل حلّ العقال.
- محو الحوبة في شرح أبيات التوبة
- درُّ النظم المنير من خزانة البحر الأمير 18 (ديوان شعر) ، وديوان محمد بن إسماعيل الأمير طبع في القاهرة سنة 1964م في 468 صفحة.
- الدراية على شرح العناية نظم الهداية (هداية السؤل إلى علم الأصول)، طبع مع كتاب هداية السؤل بصنعاء.
- دلالة اللفظ على المفهوم .
- ذيل الأبحاث المسددة.
- الرسالة الصادقة في الجهلة الجبرية الكاذبة .
- رسالة في الرسالة.
- رسالة في تحريم قبض السياسات .
- رفع الأستار في أدلة القائلين بفناء النار .
- الروض النضير من خطب السيد الأمير .
- الروضة الندية في شرح التحفة العلوية . طبع في الهند سنة 1322هـ، وفي صنعاء سنة 1372هـ ، في 352 صفحة وطبع مراراً.
- سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام . طبع مراراً ، وأقدم طبعة له في الهند سنة 1302هـ .::
- سمط الفرائد في نظم القواعد .
- سمط اللالئ الدرية الحاوي للفوائد البدرية.
- سؤال وجوابه في حديث (الناس شركاء في ثلاث) . (طبع ضمن كتاب ذخاء علماء اليمن 145 ـ 154).
- السهم الصائب في نحر القول الكاذب.
- السيف الباتر في يمين الصابر والشاكر .
- شرح نظم ورقات الجويني.
- شرط الخبر الصحيح والعدالة في الرواية .
- شفاء الصدور بتقديم الغفور على الشكور .
- صحة صلاة المفترض خلف المتنفل .
- العدة على شرح العمدة ، نشره علي بن محمد الهندي ، القاهرة ، المطبعة السلفية سنة 1379هـ في أربعة مجلدات.
- العرف النديّ في تحقيق مذهب الإمام المهدي .
- العمارة في بيوت الأوقاف .
- غاية البيان لخصائص رمضان . (طبع ضمن ذخائر علماء اليمن ص125 ـ 131).
- غاية التنقيح في أبحاث تتعلَّق بالتحسين والتقبيح .
- فتح الخالق في شرح مجمع الحقائق.
- القول المتين في عطية السلاطين .
- القول المقبول في فيضان الغيول والسيول.
- كشف القناع في حل الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها من الرضاع.::
- اللمعة في تحقيق شرائط الجمعة . (طبع ضمن كتاب ذخائر علماء اليمن ص41 ـ 59) .
- المسائل المرضية في بيان اتفاق أهل السنة والزيدية . طبع في جدة في 19 صفحة .
- المسائل المهمة فيما تعم به البلوى من أحكام الأمة . (طبع ضمن كتاب ذخائر علماء اليمن 91 ـ 103) .
- المسألة الثاقبه للأنظار في تصحيح أدلة فسخ المرأة بالإعسار.
- مفاتيح الرضوان في تفسير الذكر بآيات القرآن.
- المفاضلة بين الصحاح والقاموس.
- المفاخرة بين العنب والنخيل . (نشر ضمن مقامات من الأدب اليمني للحبشي) ، كما نشر له مقامة (حرق الكتب الأدبية).
- منسك الحج . طبع بالقاهرة سنة 1348هـ .
- منحة الغفار على ضوء النهار . طبع ضمن كتاب ضوء النهار.
- نصرة المعبود في الردّ على أهل وحدة الوجود.
- نهاية التحرير في الرد على قولهم ليس في مختلف فيه نكير.
- نهاية التحرير في المحرم من لبس الحرير .
- النهر الغاسل للقول الباطل.
- نظم بلوغ المرام من أحاديث الأحكام (طبع في عدن سنة 1366هـ) .
- هدية ذوي الألباب إلى كيفية الحكم بين أهل الكتاب .
- هداية السبيل إلى التوقف عن التكفير والتضليل بالتأويل
- هداية المرتاب إلى صحة نية العبادات لنيل الثواب ودفع العقاب.::
- اليواقيت في المواقيت.
- بحث في بيع النسيئه .
- صحة الطلاق بلفظ التحريم.
- نظم عمدة الأحكام من كلام خير الأنام للمقدسي ، وصل فيه إلى كتاب الجنائز .::
الأمير الشاعر
إذا كان الأمير الصنعاني من أبرز علماء الاجتهاد في عصره ، وإذا كان الأمير قد أغنى المكتبة العربية والإسلامية بمؤلفاته القيمة التي انتفع بها المسلمون في أرجاء المعمورة ، فإنه كذلك في مقدمة شعراء عصره الذين اتخذوا الكلمة الحرة سلاحاً لنضالهم الديني والوطني ، ودافعوا عن الشعب وعقيدته بكل إيمان وإخلاص وتضحية ، ولم تكبح من جماح نضالهم الصادق السجون والمعتقلات ، أو تثنيهم عن ذلك النضال المجيد تهديدات الحكام ، ودسائس المنتمين إليهم بحكم مصالحهم الشخصية ، ولقد هُدد الأمير الصنعاني بالقتل غير مرة ومن غير جهة ، كما عاش مشردا عن صنعاء مهد طفولته لمواقفه النضالية المتحررة من قيود التعصب والتقليد ، ومن عوامل التبعية في أي مسلك من المسالك.
وللأمير الصنعاني ديوان شعر ، يضم ما ينوف على أربعمائة صفحة ، وهو في معظم قصائد ديوانه ملتزم نهجه المعروف بالنضال والثورة على الظلم والظالمين غير هياب لسطوتهم ، وأساليب مكرهم ، وكان سلاحه في كل ذلك إيمانه الراسخ الذي لا يتزعزع ، حتى أصبحت له مدرسة علمية تعرف بمدرسة البدر الأمير ، وإذا لمس شيئا من الانحراف في تلميذ من تلاميذ مدرسته ومشايعته للظلمة ، سارع إلى تصحيح ذلك الانحراف بقدرة فائقة.
وإلى جانب إيمانه الذي كان سلاحه وعمدته في محارية الظلم والظالمين ، كانت الكلمة الصادقة أيضا سلاحه الأمضى إما شعرا أو نثرا ، وهو في كلا الأسلوبين مبرز ومجيد ، ولم يكن شعره قاصرا على المسائل العلمية كغيره من علماء عصره ، فالأمير الصنعاني شاعر مبدع مترسل ، وذلك لأن بيئته التي عاش بها كونت مواهبه الأدبية وخلقت منه شاعرا فحلا ، فأبوه وأستاذه في علوم اللغة
والأدب وغيرهما من أبرز شعراء عصره ، وشعره الرقيق المعبر عن أصدق المشاعر الجياشة ، يحدد لدارسيه مكانته المرموقة حين ذاك.
فالأمير الأب أرق شعراً من الأمير الابن ، كما أن الأمير الابن أوسع معرفة من الأمير الأب ، وله مع أبيه رسائل شعرية بديعة ترينا معنى الأصالة والعراقة في مدرسته العلمية والأدبية ، كما شهد له بذلك علماء وأدباء عصره ، ومنهم أبوه إسماعيل بن صلاح الأمير ، وهو من الذين يتحرون الصدق في أقوالهم وأفعالهم.
وكان الأمير الأب لتواضعه وهو العالم الجليل والأديب المرموق ، يجلس في حلقات درس ابنه مجلس التلميذ من أستاذه ، ولا يجد في ذلك حرجا أو غضاضة ، فالفرع قد يزكو على الأصل ويفوق ، ومن ذلك ما قاله الأمير الأب إسماعيل بن صلاح لابنه محمد بن إسماعيل في قصيدته البائية مشيداً بمناقبه العلمية:
وإن ذكرت العلم ... فهو الفارس المجرب
جلا على أقرانه ... إذ سابقوه وكبوا
أعجبهم أن يلحقوا ... بمجده فأضربوا
ما زال في كسب العلوم ... من صباه يدأب
حتى ارتقى مرتبة ... تنحط عنها الرتب
بفطنة تبدو فما ... عنها الصواب يحجب
يمشي مع الحق ... فما يقتاده التعصب
ويقول معترفا في تواضع منقطع النظير ، وذلك بما لابنه من مناقب ، مشيراً إلى مكانته العلمية الرفيعة:
ما زال يهديني إلى ... نهج الهدى ويندب
حتى كأني ولد ... مؤدب وهو الأب
فاعجب لها قضية ... لمثلها يستغرب
وإن أرتنا عجبا ... فإنني لا أعجب
فالفرع قد يزكو ... على أصوله وينجب
هذي الضمار كلها ... أصولهن الخشب
ومن مدينة كحلان بعث البدر الأمير الصنعاني إلى أبيه قصيدة جوابية مماثلة ، ومن تلك القصيدة ما جاء مترجماً عن زهد أبيه:
والزهد في هذي الدنا ... لغيره لا ينسب
لقد تساوى عنده ... ترابها والذهب
آثر خدمة الذي ... إليه ينهى الطلب
على ملوك ما بهم ... في الدين إلا اللقب
فلا تراه شاكياً ... منهم إذا ما تحتجبوا
قطبٌ وليٌّ زاهدٌ ... إليه تسمو الرتب
ذو فطنة وقادة ... أخاف لا تلتهب
وشعره في رقة ... من الطروس يشرب
وقال مجيباً على السؤال المشهور الذي أورده بعض الذميين ذكره المقبلي في (( العلم الشامخ )) وقد أجاب عنه عدة من العلماء:
نعم قد قضى ربي بما هو كائن ... بهذا أقام الله جُلَّ الأدلةِ
وكفرك مما قد قضاه كما قضى ... بأفعاله في خلقه للبريةِ
وما سد عنك الباب كلا وإنما ... أتاك اختيارا وهو أعظم حجة
فأنت سددت الباب جهلاً وضلةً ... كما صنع الضُّلالُ في باب حِطَّة
كذبت بأن الله قال ارض بالقضا ... أيأمر أن ترضى بكفر وضلة
بلى قال لا تكفر بأمر بالذي ... نهى عنه هذا منك أعظم فرية
وصرح في الذكر المبين بنفيه ... رضاه به فانظره في خير سورة
وسبق القضا لا يقتضي الجبر هل ترى ...إلهك مجبورا لسبق القضية
فإن قضاه سابق كل كائن ... لأفعاله قطعاً وفعل البرية
وما أحد ينفي اختيار مكلف ... سوى جَهمٍِ الآتي بكل عجيبة
ومن قال فعل العبد كسب فقد نجا ... وإن كان هذا الكسب في بطن خفية
ولكنهم [قد] فارقوا جَهْمًا الذي ... يقول بأن العبد كالشجر التي
تُميِّلُها ريح تهب بدَوْحِها ... تميل بها الأغصان في كل هبة
فلا تدعهم جبرية بعد هذه ... وأنصف وجانب كل ذي عصبية
ولو كان هذا السبق عذرا لكافر ... إذاً عذَرَ الكفار باري البرية
وما شاء منك الكفر قط وإن به بقضى ... فالقضاء ليس اختيار المشيئة
فما هو إلا العلم أنك ترتضي الضلالة ... اختيارا منك أقبح فعلة
وما العلم إلا سابق غير سائق ... كذاك القضا فاعرف أصول الشريعة
قضى ثم آتاك اختيارا وقد هدى العباد ... إلى نَجدَى رشاد وشقوة
فأنت الذي اخترت الشقاء على الهدى ... فخذ شؤم ما قدمت من كل زلة
وعِلمُ وصي المصطفى في جوابه ... على سائل وافى بهذي البلية
بما هو كل الحق فانظر جوابه ... تجده شفاء الداء من كل علة
ومن لم يكن بالله والرسل مؤمنا ... فقد فاز بالخسران في كل ملة
وصل على المختار والآل إنها ... ختام بمسك في تمام القصيدةِ
التحفة العلوية
وقال رضي الله عنه مادحا أمير المؤمنين وسيد المتقين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وسماها (( التحفة العلوية )) ، وشرحها بشرح نفيس سماه (( الروضة الندية )) وهو مجلد طبع عدة طبعات، قال:
تحفة تهدى لمن يهوى عليا ... من رقى شأوا من المجد عليا
وتحيي كل حي صادق ... قلبه مغرى بمن حل الغريا
وتنادي كل ناد حافل ... بلسان تنشر المسك ذكيا
لم يكن من مسك دارين وقد ... ملأ الدارين عرفا معنويا
ضمخوا أسماعكم من نشره ... وارشفوا كأسا من النظم رويا
يا إماما سبق الخلق إلى ... طاعة المختار مذ كان صبيا
باذلاً للنفس فيما يرتضي ... سيدا لرسل صباحا وعشيا
فرقى في مكة أكتافه ... فغدت أصنامهم منه جثيا
كاد أن يلمس أفلاك السما ... ويلاقي كفه كف الثريا
وفداه ليلة همت به ... فتية تابعت الشيخ الغويا
بات في مضجعه حين سرى ... يا بروحي سارياً كان سريا
خاب ما راموا وهب المرتضى ... ونجى المختار يطوي البِيد طيا
والأمانات إلى أربابها ... عنه أداها ووافاه بريا
كان سهما نافذاً حين مضى ... وعلى الأعداء سيفا مشرفيا
من ببدر فلق الهام وقد ... هام في الشقوة من كان شقيا
وبأُحدٍ حين شبت نارها ... فتية كانت بها أولى صليا
وابن ودٍّ من ترى قطَّره ... وهو ليث كان في الحرب جريا
وانشر الأخبار عن خيبر يا ... حبذا فتح بها كان سنيا
وأبو السبطين يشكو جفنه ... وبِريق المصطفى عاد بريا
ثم أعطاه بها رايته ... بعد أن بشر بالفتح عشيا
ذاكراً أوصاف من يحملها ... فتمنى الكل لو كان عليا
فدحى الباب وأردى مرحِباً ... بعد أن صارع فيها قَسْوَريا
ثم كان الفتح والفيءُ بها ... واصطفى المختار من تلك صفيا
وحنيناً سل بها أبطالها ... كم بها أردى من الكفر كميا
وسل الناكث والقاسط والـ ... مارق الآخذ بالأيمان غيا
وقضايا فتكه لو رمتها ... رمت ما يعجزني لو دمت حيا
وهي في شهرتها شمس الضحى ... هل ترى يُجهل للشمس مُحيا
وكذا ما خصه الله به ... من خصالٍ حصرُها لا يتهيا
من سواه كان صنو المصطفى ... أو سواه بعده كان وصيا
وأخي قال له خير الورى ... وهو أمر ظاهر ليس خفيا
وكهارون غدا في شأنه ... منه إلا أنه ليس نبيا
وبعيسى صح فيه مَثَلٌ ... فسعيدا عد منهم وشقيا
وغداة الطير من شاركه ... فيه إذ جاء له الطير شويا
وعليه الشمس ردت فغدا ... أفقها من بعد إظلام مضيا
وبخم قام فيهم خاطبا ... تحت أشجار بها كان تقيا
قائلا من كنت مولاه فقد ... صار مولاه كما كنت عليا
والذي زكَّى بما في كفه ... راكعا أكرم به براً زكيا
ونفاقا بغضه صح كما ... حبه عنوان من كان تقيا
باب علم المصطفى إن تأته ... فهنيئاً لك بالعلم مريا
فهو بحر عنه فاضت أبحر ... فاغترف منه إذا كنت ذكيا
كم قضايا حار صحب المصطفى ... عندها أبدى لها حكماً جليا
ولَكَمْ ظمآن وافى بحره ... فغدا من بحره العذب رويا
كل علم فإليه مسند ... سنداً عند ذوي العلم عليا
من سواه وضع النحو وقد ... راعه لحن بمن قد حاز عيا
ولما اطلع على هذا المقدار والده العلامة الزاهد إسماعيل بن صلاح الأمير رضي الله عنه قال مذيلا لها:
ويدور الحق معه حيثما ... دار فافهمه حديثا نبويا
واختصاص الله بالزهرا له ... لسواه مثله لم يتهيَّا
فغدت عترته من أجلها ... عترة المختار نصاً أحمديا
وغدا السبطان والآل إذا ... نسبوهم نبوياً علويا
وبه بَاهَلَ طه إذ أتى ... وفد نجران إذا كنت غبيا
وإذن سماه طه نفسه ... يا له مجداً به خص سميا
إلى هنا من الذيل ، وقال الوالد البدر رضي الله عنه:
معرض عن هذه الدنيا يرى ... مقبلاً إن كان أمراً أخرويا
ما ارتضى الدنيا ولا زهرتها ... وأثاثا حسنا فيها وريا
قائلا أنت ثلاثا طالق ... قاليا وَشْيا عليها وحُليًّا
والبلاغات إليه تنتهي ... نهجه فيها يرى النهج السويا
إن رقى المنبر يوما خاطبًا ... عاد سحبان لديه باقِليَّا
حِِكَمُ اليونان والفرس معا ... ما تداني منه لفظا علويا
لازم المحراب والحرب إلى ... أن أتى أشقى الورى الأمر الفريا
ومضى نحو جوار المصطفى ... حبذا دار وجار قد تهيا
قائلات حورها حين أتى ... مرحبا أهلا بذا الروح وحيا
ومضى الأشقى إلى قعر لظى ... يتصلاها غدواً وعشيا
عاقر الناقة فيها جاره ... ليس جار الأشقياء إلا شقيا
ثم قال والده الضياء رحمه الله مذيلا:
ثم قل من يسقيَ الخلق إذا ... وردوا في الحشر ماء كوثريا
ولواء الحمد من يحمله ... غيره أكرم به فخراً عليا
قل من المدح بما شئت فلم ... تأت فيما قلته شيئا فريا
كل من رام يداني شأوه ... في العلى فاعدده رَوما أشعبيا
كتمت أعداؤه من فضله ... ما هو الشمس فما يغنون شيا
زعموا أن يطفئوا أنواره ... وهو نور الله ما انفك مضيا
كلما للصحب من مكرمة ... فله السبق تراه الأوليا
جمعت فيه وفيهم فرقت ... فلهذا فوقهم صار عليا
نال ما قد نال كل منهمُ ... والذي سابقه عاد بَطِيَّا
وكفاه كونه للمصطفى ... ثانيا في كل ذكر وصفيا
صلوات الله تترى لهما ... وعلى الآل صباحا وعشيا
القصيدة النجدية
سلام على نجد ومَن حلَّ في نجد
وإن كان تسليمي عن(1) البعد لا يُجدي
لقد صدرت من سفح صنعاء سقى الحيا
رباها وحيّاها بقهقهة الرعد
سرت من أسير يسأل الريح إن سرت
ألا يا صبا نجد متى هُجت من نجد
يذكرني مسراك نجدا وأهله
لقد زادني مسراك وجدا على وجد
قفي واسألي عن عالم حل سوحها
به يهتدي من ضل عن منهج الرشد
محمد الهادي لسنة أحمد
فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي
لقد أنكرت كل الطوائف قوله
بلا صدَرَ في الحق منهم ولا ورد
وما كل قول بالقبول مقابَل
ولا كل قول واجب الطرد والرد
سوى ما أتى عن ربنا ورسوله
فذلك قولٌ جل قدرا عن الرد
وأما أقاويل الرجال فإنها ...
__________
(1) في (ب): على.
تدور على قدر الأدلة في النقد
وقد جاءت الأخبار عنه بأنه
يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي
وينشر جهراً ما طوى كل جاهل
ومبتدع منه فوافق ما عندي
(فصل في بِدَع المشاهد)
ويعمر أركان الشريعة هادما
مشاهد ضل الناس فيها عن الرشد
أعادوا بها معنى سواع ومثله
يغوث وودٌ بئس ذلك من ودِّ
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها
كما يهتف المضطر بالصمد الفرد
وكم عقروا في سوحها من عقيرة
أُهلت لغير الله جهلا على عمد
وكم طائف حول القبور مقبِّل
وملتمس الأركان منهن بالأيدي
(فصل في كتاب دلائل الخيرات)
وحرَّق عمدا للدلائل دفترا
أصاب ففيها ما يجل عن العد
غلوٌّ نهى عنه الرسول وفرية
بلا مرية فاتركه إن كنت تستهدي
أحاديث لا تعزى إلى عالم فلا ...
تساويَ فلسا إن رجعت إلى النقد
وصيَّرها الجهال للدرس ضرة
ترى درسها أزكى لديها من الحمد
لقد سرني ما جاءني من طريقه
وكنت أرى هذي الطريقة لي وحدي
(فصل في ذكر بدعة المذاهب والتمذهب)
وأقبح من كل ابتداع سمعته
وأنكاه للقلب الموفق ذي الرشد
مذاهب من رام الخلاف لبعضها
يُعض بأنياب الأساود والأسد
يُصَبَّ عليه سَوطُ ذم وعيبة
ويجفوه من قد كان يهواه عن عمد
ويُعزى إليه كل مالا يقوله
لتبغيضه عند التهامي والنجدي
فيرميه أهل النّصْب بالرفض فرية
ويرميه أهل الرفض بالنصب والجحد
وليس له ذنب سوى أنه غَدا
يتابع قول الله في الحَّل والعقد
ويتبع أقوال الرسول محمدٍ
وهل غيره بالله في الناس من يهدي
لئن عده الجهالُ ذنبا فحَبَّذا ...
به حبذا يوم انفرادي في لحدي
(فصل في ذكرأئمة المذاهب الأربعة وبرآءتهم عن طلب تقليدهم)
عَلاَمَ جَعلتم أيها الناس ديننا
لأربعة لا شك في فضلهم عندي ؟
همُ علماء الدين شرقا ومغربا
ونور عيون الفضل والحق والزهد
ولكنَّهم كالناس ليس كلامهم
دليلا ولا تقليدهم في غد يجدي
ولا زعموا حاشاهم أن قولهم
دليل فيستهدي به كل مستهدي
بَلىَ صَرَّحُوا أنا نُقابِل قولهم
إذا خالف المنصوص بالقدح والرد
(فصل في الثناء على من تمسك بالأحاديث)
سَلامٌ على أهل الحديث فإنني
نشأت على حب الأحاديث من مهدي
همُ بذلوا في حفظ سنة أحمد
وتنقيحها من جهدهم غاية الجهد
وأعني بهم أسلاف أمة أحمد
أولئك في بيت القصيد هم قصدي
أولئك أمثال البخاري ومسلم ...
وأحمد أهل الجَد في العلم والجِد
بحور وحاشاهم عن الجزر إنما
لهم مددٌ يأتي من الله بالمد
رووا وارتووا من علم سنة أحمد
وليست لهم تلك المذاهب من ورد
كفاهم كتاب الله والسنة التي
كفت قبلهم صحب الرسول ذوي الرشد
أأنتمُ أهدى أم صحابة أحمد
وأهل الكساء هيهات ما الشوك كالورد
أولئك أهدى في الطريقة منكم
فهم قدوتي حتى أوسد في لحدي
وشتان ما بين المقلد في الهدى
ومن يقتدي والضد يعرف بالضد
فمن قلد النعمان أصبح شاربا
نبيذا وفيه القول للبعض بالحد
ومن يقتدي أضحى إمام معارف
وكان أويسا في العبادة والزهد
فمقتديا في الحق كن لا مقلدا
وخل أخا التقليد في الأسر في القد (1)
__________
(1) السير الذي يقد من الجلد.
(فصل في بدعة القائلين بوحدة الوجود المساوين بين الأنبياء وأهل الجحود)
وأكفر أهل الأرض من قال إنه
إله فإن الله جل عن الند
فسماه كل الكائنات جميعها
من الكلب والخنزير والقرد والفهد
وإن عذاب النار عذبٌ لأهله
سواء عذاب النار أو جنة الخلد
وعباد عجل السامري على هدى
ولائمهم في اللوم ليس على رشد
وتنشدنا عنه نصوص فصوصه
تنادي خذوا في النظم مضمون ما عندي
وكنت أُرى من جند إبليس فارتقى(1)
بي الدهر حتى صار إبليس من جندي
فلو مات قبلي كنت أدركت بعده
دقائقَ كفرٍ ليس يدركها بعدي
وكم من ضلال في الفتوحات صدقت
به فرقة أضحوا ألد من اللد
يلوذون عند العجز بالذوق ليتهم
يذوقون طعم الحق فالحق كالشهد
فنسألهم ما الذوق قالوا مثاله
عزيز فلا بالرسم يدرك والحد
تسترهم بالكشف والذوق أشعرا ...
__________
(1) في (ب)، (ج): فارتمى.
بأنهمُ عن مطلب الحق في بُعد
ومن يطلب الإنصاف يدلي بحجة
ويرجع أحيانا ويهدي ويستهدي
وهيهات كلٌ في الديانة تابع
أباه كأن الحق في الأب والجد
وقد قال هذا قبلهم كل مشرك
فهل قدحوا هذي العقيدة عن زند
كذلك أصحاب الكتاب تتابعوا
على مذهب الأسلاف فردا على فرد
(فصل في اغتراب الدين)
وهذا اغتراب الدين فاصبر فإنني
غريب وأصحابي كثير بلا عد
إذا ما رأوني عظَّموني وإن أغب
فكم أكلوا لحمي وكم مزقوا جلدي
هنيئا مريئا في اغتيابي فوائد
أفوز بها عند افتراديَ في لحدي
يصلي ولي أجر الصلاة وصومه
ولي كل شيء من محاسنه يبدي
وكم حاسد قد أنضج الغيظ قلبه
ولكنه غيظ الأسير على القد
ودونكها تحوي علوما جليلة ...
منزهة عن وصف قدٍّ وعن خد
ولا مدحت وصلاً لليلى وزينب
ولا هي ذمت هجر سعدى ولا هند
إليك طوت عرض الفيافي وطولها
فكم قطعت غورا ونجدا إلى نجد
أناخت بنجد واستراح ركابها
وراح خليا عن رحيل وعن شد
فأحسن قِراها (1) بالقراءة ناطما
جوابا فقد أضحت لديك من الوفد
وصل على المختار والآل إنها
لِحسن ختام النظم واسطة العقد
أحدثت قصيدة البدر الأمير هذه ضجة كبرى في الجزيرة العربية ، والوطن العربي عموما، وهذا يدل على مكانة البدر الأمير، واتساع نطاق شهرته التي طبقت الآفاق، وأثارت موجة من السخط والإستياء لدى رجال العلم والأدب خاصة، وهذا أيضا يدل على مقت شديد للشيخ محمد بن عبد الوهاب ،واستنكار صارخ لتوجهاته وممارساته ضد المسلمين .
فما كان من علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم وبلدانهم ، إلا أن تصدوا للرد على البدر الأمير، وكشف حقيقة ابن عبد الوهاب، وممن تصدى للرد على البدر الأمير الشيخ العلامة ناصر بن حسين المحبشي الزيدي اليمني ، فإنه رحمه الله
__________
(1) ضيافتها وحسن استقبالها.
راجع البدر رضي الله عنه نثرا ونظما سائلا عن وجه تصويب تحريق دلائل الخيرات ، قال :
أتاني در النظم من عالم مهدي
إلى عالم حبر تقي من نجد
يقرظه فيه لحسن طريقة
تحلى بها بين الأنام على قصد
لينصر شرع الله ممن أصابه
بجهل وتقليد الأوائل عن عمد
ولكنه قد حك في الصدر قولكم
أصاب ففيها ما يحل عن العد
أزل ما عساه أن يكون تخيلا
مفصله في النثر من واضح الرد
فلله ما أسديت يا عالم الورى
ولا زلت فينا دائما للهدى تهدي
لقد سرني ما جاءني منك مرشدا
وذكَّرني أيام شافهت بالرشد
لياليَ قضينا من العلم حقه
وأبدل فيه مسلك النحس بالسعد
فليت إلهي يجمع الشمل بيننا
نجدد للعلم الشبيبة بالعهد
أحنُّ لأيام الوصال وطيبها
ويوهنني أن التأسف لا يجدي
وإني على شرط المودة والإخا
وإن كانت الأجساد منا على بُعد
فدُمْ في رضا مولاك في كل لحظة
وذكِّر فإن الذكر ينفع في الخلد
فأجاب البدر الأمير رضوان الله عليه:
يسائلني من باهتدائي يستهدي
وذلك هدي المصطفى خير من يهدي
علام أصوب رأي من أحرق الدلا
ئل للخيرات من ساكني نجد
وأحسنت باستكشاف ما هو مشكل
لديك فخذ عني الجواب الذي أُبدي
وقد قلت في الأبيات ما أنت عارف
له من دليل في الذي قلته عندي
غُلُوٌّ نهى عنه الرسول وفِريَةٌ
بلا مرية فاتركه إن كنت تستهدي
أحاديث لا تعزى إلى عالم ولا
تساوي فلساً إن رجعت إلى النقد
فهذان من أقوى الأدلة عند من
يصوِّب تحريق البياض من الجلد
وأشرحها بالنثر فالنظم قاصر الـ
عبارة عن ذكر الأدلة والسرد
وخير الأمور السالفات على الهدى
وشر الأمور المحدثات على عمد
وذكرتني يا بن الحسين ليالياً ...
تقضَّت لنا بالوصل في طالع السعد
نخوض بها في كل فن بفطنة
وذهن يرى أمضى من الصارم الهندي
فنفتح منها كل ما كان مقفلا
ونفتضُّ أبكار المعاني بما نُبدي
كأنا إذا ما مجلس العلم ضمنا
نكون على التحقيق في جنة الخلد
فوالله ما في هذه الدار لذة
سوىالعلم إن وافقت في العلم من يهدي
ذكيا تقيا منصفا ليس همه
سوى الحق يهدي من يشاء ويستهدي
قنوعا من الدنيا كفاه كفافُها
تسربل فيها بالقناعة والزهد
يناصح سُكَّان البسيطة طاهر اللـ
ـسان سليم الصدر خلواً عن الحقد
فهذا الذي لو كنت يوما وجدته
ظفرت بما أهوى وجُدتُ بما عندي
عسى ولعل الله يجمع شملنا
فقد يجمع الله الشتيتين من بُعد
فتخضرُّ روضات العلوم ونجتني
ثمار الهدى والحق من روضها الوردي
وإلا فَصِلني بالدعا كل ساعة ...
إذا كنت حيا أو رحلت إلى لحدي
وقل لي جزاه الله خيرا فإنه
دعانا إلى نهج الهداية والرشد
إلى هديِ خير المرسلين محمد
عليه صلاة الله تَترَى بلا عد
وصل على الآل الكرام وصحبه الـ
ـفخام ذوي العز المشيد والمجد
ورد السَّهْرَوَرْدِي على قصيدة الأمير الصنعاني بقصيدة طنانة من بحرها ورويها ، سماها:
(الصوارم الهندية ، المسلولة على رؤوس النجدية)
قواضب أهل الحق مرهفة الحدِّ
لضرب رقاب الخارجين عن الحد
وأسهم فضل يصرع الجهل وقعها
ويقطع عرق النصب من كل مرتد
وأفراس عرفانٍ تكرُّ على الذي
تمادى على أهل المفاخر والرشد
كرام لهم في معرك البحث قوة
متى ما التقى الجمعان في موقف الرد
إذا برزوا يوم الجدال رأيتهم
أسود شرَى لا بل أجلّ من الأُسد
رويدك مهلاً إنما قلت آنفا ...
وما كان من علم لديك ومن زهد
وأين البحوث الرائقات؟ وأينما
تداركته فهما على زعمك المردي
فيكفيك فخراً لو فهمت مقالهم
وما حرروه من سؤال ومن رد
ولكنَّ أين الفهم منك؟ وأين هم
وأين الثريا والسهيل من الصلد
...
فوالله لو ذاكرت تلميذ بعضهم
لما بؤت إلا بالمذلة والطرد
وتلقم أحجار العنا لا تطيق أن
تفوه بحرف قط من كثرة الوجد
على أنهم في كل فن أئمة
جهابذة في الجزر منه وفي المد
مدارهُ أحكام الكتاب وسنة الـ
نبي وأقوال الأئمة من بعد
وآدابها كالصرف كالنحو كاللغاة
وكالوضع مَعْ ما في البيان من الشهد
وحازوا الرياضي والطبيعي جميعه
وأطرافه كالهندسيات والعد
ولم يَدَّعوا ما تَدَّعيه ولم يعوا
إلى ناعق يدعو من الجانب النجدي
وأينك واللطف الغياث ومن مضى ...
من السادة الأعلام كالحجة المهدي
عليهم سلام كم لهم من مآثر
من الفضل لا تحصى بحصر ولا عد
ولا شك تسليم الوعود مصيبة
لما فيه من وقع الزلازل والعمد
وكان صواب القول فيها سقا الحيا
رباها وحياها بمنسكب العهد
غدوتُ لهذا الشأن أُنشد مفردا
وأرثيهمُ واهجيه من شدة الحقد
لقد شرب الدهر الخؤون صفاءهم
فأبقى وُحولا كدرت موردة الحمد
أقول وخير القول ما كان صادقا
وشر كلام المرء ما كان ذا إدّ
وبعدُ فقد وافت قوافي معاند
روائح نَتْنِ الكفر من نظمها يُبدي
وحين تقوَّى العزم في رفع قوله
وريَّشتُ سهم الرمي بالمنطق الكندي
نظرت إلى ما يدّعيه فلم أجد
دليلا له يقوى على مقتضى رد
فأوردت إيرادا وسطَّرت عجزها
وعجزتها بالصدر فاقنع بما أسدي
فيا سائلي سمعا لضعف مقالة ...
(سلام على نجد ومن حل في نجد)
مكانٌ كثيف الطبع معظم أهله
زنادقة كيف السلام لهم تهدي
ولم يكفك التسليم في الكتب قائلا
(وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي)
فهذا تنادي لو تَأَتَّت زيارة
إليها لعفرتم بها صفحة الخد
لقد صدرت من صفح صنعا سقى الحيا
ولم تدر ما في ذا الخطاب من النقد
دعوت على صنعا بأفصح دعوة
بقولك: (حياها بقهقهة الرعد)
بلاد الكرام الصِّيد والعترة التي
سنا مجدهم قد لاح في طالع السعد
وفيها غدا نور الخلافة مشرقا
بأضوائه أهل الشريعة تستهدي
إمام الهدى لا زال قائم عزمه
يبيد العدا بالمشرفيات والملد
ولا برحت أنواءُ نورِ نواله
تسح على العافين بالوابل النقد
ولا زال في دست الخلافة قائما
بتأييد دين الله والصمد الفرد
سرت من أسير ينشد الريح مذ سرت
أسير قصور لا أسير هوى هند
وقلد في التضمين من قال منشدا
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد
يذكرني مسراك نجدا وأهله
لعلّية والجنس علّية الود
وأقسم أن الشوق زاد لقوله
لقد زادني مسراك وجدا على وجد
قفي وأسألي عن عالم حل سوحها
وأظهر فيها الكفر عمدا لكي يردي
وقدم معمول الهداية قاصرا
به يهتدي من ضل عن منهج الرشد
محمد الهادي لسنة أحمد
تعالى بإثبات الهداية للنجدي
وناظر ما بين الضلالة والهدى
فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي
لقد أنكرت كل الطوائف قوله
سواه وهذا عنده منتهى القصد
وما كل قول بالقبول مقابَلٌ
وإن كان حقا إن طما زاخر الجحد
فصُغراك مع كُبراك ممنوعتان إن
رجعت إلى الآداب أو كنت مستهدي
وقد جاءت الأخبار عنه بأنه
سخيف عريض الظهر أوقح من صلد
إذا بدأ الرحمن ينفيك مثله ...
يعود لنا الشرع الشريف بما يبدي
وسَفْسَطَ أقوالا وزَخرَفَ منكرا
بنى دينه المنهار بالجهل والجد
لتنزيله الأخبار في حتم من يرى
يغوث وود بئس ذلك من ود
وأما قبور الصالحين فلم نر
بها طائفا من أهل ود ولا زهد
وكم عقروا في سوحها من عقيرة
لإطعام ذي جوع وكلٌ على قصد
إذا كان هذا القصد في ذبحها فلا
أهلّت لغير الله جهرا على عمد
ومن ذا الذي يقرا الدلائل جاهلا
يرى درسها أزكى لديه من الحمد
فهذا اختلاق وافتراء تواترت
دعاويه مما في النفوس من الحقد
غلو نهى عنه الرسول وبدعة
أتت منك في حق الكرام أولي المجد
ودع ما ادّعته في مناقب أحمد
ونوِّه بما يختار في الجوهر الفرد
أحاديث لا تعزى إلى عالِمٍ ولا
صدوق من الأشياخ دعني من اللد
وأشنع من كل ابتداعٍ رأيتُه ...
طريقة هذا حيث ما طابقت قصدي
فما قلتَه في الدين أعظم فريةٍ
وأنكأ للقلب الموفق للرشد
مذاهب من رام الخلاف لبعضها
إلى غيرها قد بات بالذل والفقد
فمَن مَالَ عن طرْق الرشاد وأهلها
يُعض بأنياب الأساود والأسد
يُصب عليه سوط ذمٍ وغيبة
ويجفوه من يهواه جهرا على عمد
ويُعزى إليه كل ما لا يقوله
وكيف وذا قد قال قولا له مردي
فمجتهداً كن في الهدى لا مقلداً
نهى الله عن هذا التمدح للعبد
تناول بالأسر المفيد لقيده
وخلِّ أخا التقليد في الأسر والقيد
علامَ جعلتم أيها الناس ديننا
على المنهج المشروع بالرسم والحد
تَهكَّم في أهل المذاهب قائلا
لطائفة لا شك في فضلهم عندي
وهم علماء الدين شرقا ومغربا
على الرغم إن أبديت أو لم تكن مبدي
وهم بهجة الأسرار والفخر والعلا ...
ونور عيون الجد في الفضل والمجد
ولكنهم كالناس ليس كلامهم
يحاكي كلام الناقضين عن العهد
وأما تقاليد الأئمة فهي من
أجلُّ التقى والنور لا تك في بعدي
ومن قصد الرحمن من غير مذهب
أرى قصده فيما أتاه كلا قصد
ومن قلَّد الهاديَّ أصبح شاربا
من الكوثر الفيَّاض في جنة الخلد
ومن قلَّد النجدي ظلَّ مغاضبا
إلهي وفيه القول للبغض بالحد
ومثلك والنجدي لا في بقاكما
صلاح ولا إبقاكما في الدُّنا يجدي
ولا أنتما أرباب علم وحجة
ولا درية في نقل علم ولا وجد
فلا زلتما في ليل غيٍ وفي عمًى
تُحاربْكما الأيام بالعكس والطرد
وفي موقف الأشهاد تلقى كما لَقِيْ
مسيلمة الكذاب في النار من خُلد
وهاك على حسب الإرادة حصة
من الشعر تبدي ضعف من كان مستعدي
وترفع عنك النصب بالخفض جازما ...
على فعلك المذموم بالختم والسد
ومنا صلاة مَعْ سلام على النبي
محمدٌ الهادي إلى سُبُل الرشد
كذا الآل والأصحاب والتابعين ما
سرى الركب أو حادي السُّرى جدَّ في الوجد
وردَّ الشيخ ابن غلبون الليبي على قصيدة الأمير الصنعاني بقصيدة طنانة من بحرها ورويها ، مذكورة في (( سعادة الدارين )) عدة أبياتها أربعون بيتا ، مطلعها:
سلامي على أهل الإصابة والرشد ... وليس على نجد ومن حلَّ في نجد
وردَّ السيد مصطفى المصري البولاقي أيضا على قصيدة الأمير الصنعاني بقصيدة طنانة من بحرها ورويها ، مذكورة في (( سعادة الدارين )) ، عدة أبياتها مائة وستة وعشرون ، مطلعها:
بحمد ولىِّ الحمد لا الذم أستبدي ... وبالحق لا بالخلق للحق أستهدي
وردَّ السيد الطباطبائي البصري أيضا على قصيدة الأمير الصنعاني بقصيدة طنانة من بحرها ورويها ، ذكر صاحب (( سعادة الدارين )) أبياتا منها.
قال البدر الأمير: (( لما (1) بلغت الأبيات إلى نجد وصل إلينا بعد أعوام من بلوغها إلى أهل نجد رجل عالم يسمى الشيخ مربد بن أحمد التميمي، كان وصوله
__________
(1) في (ب): لما بلغت هذه الأبيات نجدا،َ وصل إلينا بعد أعوام من بلوغها من أهل نجد رجل يسمى الشيخ مربد بن أحمد التميمي، كان وصوله في شهر صفر سنة سبعين ومائة وألف، أقام لدينا ثمانية أشهر، وحصّل بعض كتب ابن تيمية وابن القيم بخطه، وقرأ علينا في الكشاف وغيره، وفارقنا في عشرين من شوال سنة (1170 هـ) راجعا إلى وطنه، وصل من طريق الحجاز مع الحجاج، وكان من تلاميذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الذي وجهنا إليه الأبيات فأخبرنا ببلوغها، ولم يأت بجواب عنها، وكان قد تقدّمه في الوصول إلينا بعد بلوغها الشيخ عبد الرحمن النجدي، ووصف لنا من حال ابن عبد الوهاب أشياء أنكرناها، من سفكه الدماء، ونهبه الأموال، وتجاريه على قتل النفوس ولو بالاغتيال، وتكفيره الأمة المحمدية في جميع الأقطار، فبقي معنا تَرَدُّدٌ فيما نقله الشيخ عبد الرحمن، وذلك لأنه قد كان وصل إلينا لعله سنة 1165 بعد بلوغ الأبيات، وذكر لنا حسن حال ابن عبد الوهاب، وتحريه واقتصاره على أدلة الكتاب والسنة، ثم فارقنا وبقي سنتين، ثم عاد إلينا مخبرا بتغير أحوال ابن عبد الوهاب إلى ما ذكرناه،وطلب مني أن أضع رسالة في بطلان ما ذهب إليه، من سفكه الدماء، ونهبه العباد، وغير ذلك من الإفساد، وكان هذا الشيخ عبد الرحمن تقيا صائما نهاره قائما ليله، كثير الذكر إلا أنه قليل الدراية بالعلم، فلذا ترددتُ فيما قاله، حتى وصل الشيخ العالم مربد بن أحمد وله نباهة، ووصل إلينا ببعض رسائل ابن عبد الوهاب التي جمعها في وجه تكفيره أهل الإيمان، وقتلهم ونهبهم، وحقق لنا أحواله وأفعاله وأقواله، فرأينا أحواله أحوال رجل عرف من الشريعة شطرا ،ولم يمعن النظر، ولا قرأ على من يهديه نهج الهداية، ويدله على العلوم النافعة ويفقهه فيها، بل طالع بعضا من مؤلفات الشيخ أبي العباس ابن تيمية، ومؤلفات تلميذه ابن قيم الجوزية, وقلدهما من غير إتقان، مع أنهما يحرمان التقليد.
ولما حقق لنا أحواله، ورأينا في الرسائل أقواله، وذكر لي أنه عَظُمَ شأنه بوصول الأبيات التي وجهنا إليه، وأنه يتعين علينا نقض ما قدمناه، وَحل ما أبرمناه، وكانت أبياتنا هذه قد طارت كل مطار، وبلغت غالب الأقطار، وأتتنا فيها جوابات من مكة المشرفة، ومن البصرة، ومن غيرهما، إلا أنها جوابات خالية عن الإنصاف، وبعضها كلام من غير معرفة لما أردناه، فجوابٌ وفد من بندر المخا، كله خصام، وذم لقائل النظام، وبيننا وبين الجميع يوم يقوم الناس لرب العالمين، وينتصف للمظلومين من الظالمين، فما ندم الناصح من يؤمن برب العالمين. ولما أخذ علنيا الشيخ مربد ذلك تعين علينا، لئلا نكون سببا في شيء من هذه الأمور، التي ارتكبها ابن عبد الوهاب المذكور، فقلت.
وفي (ج): ولماوصلت الأبيات إلى نجد من طريق مكة ولم يصل لها جواب، ووصل رجل من أصحاب ابن عبد الوهاب، يقال له الشيخ عبد الرحمن، وأخبر بوصول الأبيات، وأنها بعثته على الخروج إلى عند قائلها، وهو رجل عامي، إلا أنه كثير العبادة، والحث على الزهادة، ولم يزل يذهب أيام الحج للحج ثم يعود بعد ذهابه إلى أهله إلى صنعاء، ولم نستفد منه ـ لعاميته ـ حقيقةَ ابن عبد الوهاب.
ثم إنه وصل إلينا الشيخ العالم مربد بن حسن _ قد تقدم ذكره _ وكان وصوله من طريق الحجاز، سنة سبعين ومائة وألف،(1170هـ) وله معرفة ونباهة، وهو من تلاميذ ابن عبد الوهاب، وأخبر بوصول الأبيات، وكان عنده منها نسخة، وأقام عندنا ثمانية أشهر، وحصَّل بعض كتب ابن تيمية بخطه، وقرأ علينا في الكشاف، وذاكر في عدة مسائل.
ثم وصف لنا من حال ابن عبد الوهاب أمورا عجيبة، من سفكه الدماء، وتكفير كل أهل الدنيا، وأخرج صحبته من رسائله ما يحقق ما نقله عنه، من تكفيره للأنام، وسفكه للدم الحرام، ونهبه للأموال، وسبيه للحُرم المسلمة والأطفال.
وقد كان مستنكراَ لأفعاله، مترددا في حقيقة حاله، وما خرج إلا مسترشدا لما يرشده الله[إليه]، ويدله عليه. فأَبَنَّا له أن هذه أفعال لا تطابق شريعة الإسلام، ولا توافق ما جاء به سيد الأنام، عليه أفضل صلاة وسلام.
وذكر أنه زاد بوصول الأبيات عظمة عند أتباعه، ورفعة عند أشياعه، وأنه يتعين علينا إزالة ذلك، وبيان قبح ما سلكه من تلك المسالك. فرأيته يتعين ما قال، وتأكد عندي ذلك المقال، فبنيت أبياتا رددت فيها أدلة رسالته، وأبنت فيها قبيح مقالته، وشرحتها شرحا شافيا، وأرسلتها صحبة الشيخ مربد، وفارقنا في عشرين من شوال، سنة سبعين ومائة وألف، وأول الأبيات:
في شهر صفر سنة سبعين ومائة وألف، وأقام لدينا ثمانية أشهر، وحصَّل بعض كتب ابن تيمية وابن القيم بخطه، وفارقنا في عشرين من شوال سنة سبعين راجعا إلى وطنه، وصل من طريق الحجاز وكان من تلاميذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي وجهنا إليه الأبيات، فأخبرنا ببلوغها ولم يأت بجواب عنها.
وكان قد تقدمه في الوصول إلينا بعد بلوغها الشيخ الفاضل عبد الرحمن النجدي، ووصف لنا من حال ابن عبد الوهاب أشياء أنكرناها، من سفك الدماء، ونهبه الأموال، وتجاريه على قتل النفوس ولو بالاغتيال، وتكفير الأمة المحمدية في
جميع الأقطار، فبقي معنا تَرَدُّدٌ فيما نقله الشيخ الفاضل عبد الرحمن، حتى وصل الشيخ العالم مربد بن أحمد وله نباهة، ووصل ببعض رسائل ابن عبد الوهاب التي جمعها في وجه تكفيره أهل الإيمان، وقتلهم ونهبهم، وحقق لنا أقواله وأفعاله وأحواله، فرأينا أحواله أحوال رجل عرف من الشريعة شطرا، ولم يمعن النظر، ولا قرأ على من يهديه نهج الهداية، ويدله على العلوم النافعة ويفقهه فيها، بل طالع بعضا من مؤلفات الشيخ أبي العباس ابن تيمية، ومؤلفات تلميذه ابن قيم الجوزية، وقلدهما من غير إتقان، مع أنهما يحرمان التقليد.
ولما حقق لنا أحواله، ورأينا في الرسالة أقواله، وذكر لي أنه إنما عَظُمَ شأنه بوصول الأبيات التي وجهنا إليه، وأنه يتعين علنيا نقض ما قدمناه، وحَلُّ ما أبرمناه، وكانت أبياتنا هذه قد طارت كل مطار، وبلغت غالب الأقطار، وأتتنا فيها جوابات عن أهل مكة المشرفة، ومن البصرة، ومن غيرهما، إلا أنها جوابات خالية عن الإنصاف وبعضها كلام من غير معرفة لما أردناه، فجواب وصل من بندر المخا كله خصام، وذم لقائل النظام، وبيننا وبين الجميع يوم يقوم الناس لرب العالمين، وينتصف للمظلومين من الظالمين، ولما أخذ علينا الشيخ مربد ذلك، تعيَّن علينا، لئلا نكون سببا في شيء من هذه الأمور، التي ارتكبها ابن عبد الوهاب المذكور، كتبت أبياتا وشرحتها وأكثرت من النقل عن ابن القيم وشيخه ابن تيمية، لأنهما عمدة الحنابلة، فقلت )) :
رجعت عن النظم الذي قلت في النجدي
فقد صح لي عنه خلاف الذي عندي
ظننت به خيرا وقلت عسى عسى
نجد ناصحا يهدي العباد ويستهدي
فقد خاب فيه الظن لاخاب نصحنا
وما كل ظن للحقائق لي مُهدي
وقد جاءنا من أرضه الشيخ مِربد
فحقق من أحواله كل ما يبدي
وقد جاء من تأليفه برسائل
يكفر أهل الأرض فيها على عمد
ولفق في تكفيرهم كل حجة
تراها كبيت العنكبوت لدى النقد
تجارى على إجرا دما كل مسلم
ُمصلٍّ مُزكٍّ لا يحول عن العهد
تراها كبيت العنكبوت لدى النقد
وقد جاءنا عن ربنا في براءة
براءتهم عن كل كفر وعن جحد
وإخواننا سماهم الله فاستمع
لقول الإله الواحد الصمد الفرد
وقد قال خير المرسلين نهيت عن
فما باله لم ينته الرجلُ النجدي
وقال لهم لاما أقاموا الصلاة في
أناس أتوا كل القبائح عن قصد
أبِنْ لي أبِنْ لي لِمْ سفكت دماءهم
ولِمْ ذا نهبت المال قصدا على عمد
وقد عصموا هذا وهذا بقول لا
إله سوى الله المهيمن ذي المجد
وقال ثلاث لا يحل لغيرها
دم المسلم المعصوم في الحل والعقد
وقال علي في الخوارج إنهم
من الكفر فروا بعد فعلهم المردي
ولم يحفر الأخدود في باب كندة
ليحرقهم فافهمه إن كنت تستهدي
ولكن لقوم قد أتوا بعظيمة
فقالوا عليٌّ ربنا منتهى القصد
إني إذا رأيت أمرا منكرا
أوقدت نارا ودعوت قنبرا
وهذا هو الكفر الصريح وليس ذا
برفض ولا رأي الخوارج في المهدي
وقد قلتَ في المختار أَجمَعَ كل من
حوى عصره من تابعيٍّ وذي رشد
على كفره هذا يقين لأنه
تسمى نبيا لا كما قلت في الجعدي
فذلك(1) لم يُجمَع على قتله ولا
سوى خالد ضحى به وهو عن قصد
وقد أنكر الإجماع أحمد قائل
ا
لمن يدعيه قد كذبتَ بلا جحد
روى ذلك ابن القيم الأوحد الذي
__________
(1) في (أ): وذلك.
أتى بنفيس العلم في كل ما يبدي
كدعواك في أن الصحابة أجمعوا
على قتلهم والسبي والنهب والطرد
لمن لزكاة المال قد كان مانعا
وذلك مِن جهلٍ بصاحبه يردي
فقد كان أصناف العصاة ثلاثة
كما قد رواه المسندون ذوو النقد
وقد جاهد الصديق أصنافهم ولم
يكفر منهم غير من ضل عن رشد
وهذا لعمري غير ما أنت فيه من
تجاريك في قتلٍ لمن كان في نجد
فإنهم قد تابعوك على الهدى
ولم يجعلوا لله في الدين من ند
وقد هجروا ما كان من بدع ومن
عبادة مَن حل المقابر في اللحد
فمالك في سفك الدما قط حجة
خَفِ الله واحذر ما تسر وما تبدي
وعامل عباد الله باللطف وادعهم
إلى فعل ما يهدي إلى جنة الخلد
ورد عليهم ما سلبت فإنه
حرام ولا تغتر بالعز والجد
ولا بأناسٍ حسنوا لك ما ترى
فما همهم إلا الأثاث مع النقد
يريدون نهب المسلمين وأخذ ما
بأيديهمُ من غير خوف ولا حد
فراقب إله العرش من قبل أن تُرى
صريعا فلا شيء يفيد ولا يجدي
نعم فاعلموا أني أرى كل بدعة
ضلالا على ما قلت في ذلك العقد
ولا تحسبوا أني رجعت عن الذي
تضمنه نظمي القديم إلى نجد
بلى كلما فيه هو الحق إنما
تجاريك في سفك الدِّما ليس من قصدي
وتكفير أهل الأرض لست أقوله
كما قلته لا عن دليل به تهدي
وها أنا أبرى من فعالك في الورى
فما أنت في هذا مصيب ولا مهدي
ودونكها مني نصيحة مشفق
عليك عسى تهدي بهذا وتستهدي
وتغلق أبواب الغلو جميعه
وتأت الأمور الصالحات على قصد
وهذا نظام جاء والله حجة
عليك فقابل بالقبول الذي أُهدي
وصل على المختار والآل بعده
صلاة وتسليما تدوم بلا حد
ورض على أصحاب أحمد إنهم
أولي الجِد في نصح الخلائق والجَد
- - -
محمد بن عبد الوهاب والوهابية
ينسب مذهب الوهابية إلى محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن محمد بن بريد بن مشرف بن عمر بن بعضاد بن ريس بن زاخر بن محمد بن علي بن وهيب التميمي .
وفي خلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام للشيخ أحمد بن زيني دحلان الشافعي مفتي مكة: ولد محمد بن عبد الوهاب سنة (1111هـ) وتوفي سنة (1207هـ) فيكون عمره ستا وتسعين سنة، وأخذ في أول أمره عن كثير من علماء مكة والمدينة، وكانوا يتفرسون فيه الضلال والإضلال، وكان والده عبد الوهاب من العلماء الصالحين، وكان يتفرس فيه ذلك ويذمه كثيرا ويحذر الناس منه، وكذا أخوه سليمان بن عبد الوهاب أنكر عليه ما أحدث وألّف كتاباً في الرد عليه.
وكان في أول أمره مولعاً بمطالعة أخبار مدعي النبوة كمسيلمة وسجاح والأسود العنسي وطليحة الأسدي وأمثالهم.
وخلّف محمد بن عبد الوهاب بعده أربعة أولاد، وهم: عبد الله، وحسن ،وحسين ،وعلي، فقام بالدعوة عبد الله أكبرهم، ولما مات خلّف سليمان ، وعبد الرحمن، وكان سليمان متعصباً تعصباً شديداً في أمرهم، فقتله إبراهيم باشا سنة (1233هـ) وقبض على عبد الرحمن وأرسله إلى مصر فمات بها وخلف حسن عبد الرحمن وولي قضاء مكة أيام استيلاء الوهابيين عليها، وعُمِّر عبد الرحمن حتى قارب المائة وخلف عبد اللطيف، وخلف كل من حسين وعلي أولادًا كثيرة ولم يزل نسلهم باقياً بالدرعية إلى الآن يسمونهم أولاد الشيخ.
وكان القائم بنصرة محمد بن عبد الوهاب ونشر عقيدته محمد بن سعود ثم ولده عبد العزيز ثم ولد سعود. انتهى ملخصا.
وسعود بن عبد العزيز هو الذي غزا العراق والحجاز ومنع المسلمين من الحج فانقطع الحج في زمانه عدة سنين.
وقال ملطبرون في جغرافيته المترجمة من رفاعة بك ناظر مدرسة الألسن وقلم الترجمة بمصر المطبوعة بمصر: أصل المذهب الوهابي أن العرب سيما أهل اليمن تحدثوا بأن راعياً فقيراً اسمه: سليمان، رأى في منامه كأن شعلة نار خرجت منه وانتشرت في الأرض وصارت تحرق من قابلها، فقصها على مُعبِّر فعبَّرها بأن ولدا له يحدث دولة قوية، فتحققت الرؤيا في حفيده محمد بن عبد الوهاب، فلما كبر محمد صار محترما عند أهل بلده بسبب هذه الرؤيا التي لايعلم أنها كانت أم لا.
أول أمره بيّن مذهيه سراً فاتبعه جماعة، ثم سافر إلى الشام فلم يتبعه أحد، فرجع إلى بلاد العرب بعد أن غاب عنها ثلاث سنين، وجاء إلى بلاد نجد وأظهر هذا المذهب فتبعه عليه سعود وكان شهماً حازماً، وتقوّى كل منهما بالآخر فقوَّى سعود إمارته من طريق الدين باتباعه محمد بن عبد الوهاب على مذهبه، وقوى ابن عبد الوهاب دعوته من طريق السيف باتباع سعود له وانتصاره به، فكان سعود الأمير الحاكم ، وابن عبد الوهاب الرئيس الديني، وصارت ذرية كل منهما تتولى مرتبة سلفها.
وبعد أن صار سعود حاكما على قبيلته تغلب على قبيلتين من اليمن ، ودان بهذا المذهب قبائل كثيرة من العرب وجميع أعراب نجد، واختاروا مدينة الدرعية قاعدة بلادهم وهي في الجنوب الشرقي من البصرة، وبعد خمس عشرة سنة اتسعت ولاية سعود وهو يطمع في الزيادة، وكان يأخذ ممن يطيعه عشر المواشي والنقود
والعروض بل والأنفس، فيأخذ عشر الناس بالقرعة، فجمع أموالاً عظيمة وصار جيشه يربو على مائة وعشرين ألف مقاتل.
وفي خلاصة الكلام: كان ابتداء ظهور محمد بن عبد الوهاب سنة (1143هـ) واشتهر أمره بعد الخمسين، فأظهر العقيدة الزائفة بنجد وقرأها، فقام بنصره محمد بن سعود أمير الدرعية فحمل أهلها على متابعته فتابعوه، وما زال يطيعه كثير من أحياء العرب حتى قوي أمره فخافته البادية، وكان يقول لهم: إنما أدعوكم إلى التوحيد وترك الشرك بالله.
وعن كتاب تاريخ نجد لمحمود شكري الألوسي أن ابن عبد الوهاب نشأ في بلد العيينة من بلاد نجد، فقرأ على أبيه الفقه على مذهب أحمد بن حنبل، وكان من صغره يتكلم بكلمات لا يعرفها المسلمون، وينكر عليهم أكثر الذي اتفقوا على فعله، لكنه لم يساعده على ذلك أحد، فسافر من العيينة إلى مكة المشرفة ثم إلى المدينة، فأخذ عن الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف، وشدد النكير على الإستغاثة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم عند قبره.
ثم رحل إلى نجد ثم إلى البصرة يريد الشام، فلما ورد البصرة أقام فيها مدة وأخذ فيها عن الشيخ محمد المجموعي، وأنكر على أهلها أشياء كثيرة، فأخرجوه منها فخرج هاربا، ثم جاء بعد عدة تحولات إلى بلد حريملة من نجد وكان أبوه بها، فلازمه وقرأ عليه وأظره الإنكار على مسلمي نجد في عقائدهم، فنهاه أبوه فلم ينته حتى وقع بينهما نزاع ، ووقع بينه وبين المسلمين في حريملة جدال كثير، فأقام على ذلك سنتين حتى توفي أبوه سنة (1153هـ) فاجترأ على إظهار عقائده الإنكار على المسلمين فيما أطبقوا عليه، وتبعه حثالة من الناس إلى أن غص أهل البلد من مقالاته وهموا بقتله، فانتقل من حريملة إلى العيينة ورئيسها يومئذ عثمان بن أحمد بن معمر،
فأطمعه ابن عبد الوهاب في ملك نجد فساعده عثمان وأعلن النكير على المسلمين، فتبعه بعض أهل العيينة، وهدم قبة زيد بن الخطاب التي عند الجبيلة، فعظم أمره وبلغ خبره سليمان بن محمد بن عزيز الحميدي صاحب الأحساء والقطيف وتوابعها، فأرسل سليمان كتاباً إلى عثمان يأمره فيه بقتله ويهدده على المخالفة، فلم تسعه مخالفته فأرسل إليه وأمره بالخروج عن مملكته، فقال له: إن نصرتني ملكت نجداً فلم يسمع منه.
وخرج إلى الدرعية سنة (1160هـ) وهي بلاد مسليمة الكذاب، وصاحبها يومئذ محمد بن سعود من قبيلة عنيزة فتوسل بامرأة الحاكم إليه وأطمعه في ملك بلاد نجد فتبعه وبايعه على قتال المسلمين، فكتب إلى أهل نجد ورؤساءهم وقضاتهم يطلب الطاعة فأطاعه بعضهم وبعضهم لم يحفل به، فأمر أهل الدرعية بالقتال فأجابوه وقاتلوا معه أهل نجد والأحساء مراراً كثيرة، حتى دخل بعضهم في طاعته طوعاً أو كرها، وصارت إمارة نجد جميعها لآل سعود بالقهر والغلبة.
ومات ابن عبد الوهاب سنة (1206هـ) ، ثم مات محمد بن سعود فخلفه ولده عبد العزيز، وقام بنصرة هذا المذهب، وقاتل عليه وبلغت سراياه وعماله أقصى بلاد نجد، ثم مات عبد العزيز فخلفه ولده سعود وكان أشد من أبيه في التوهّب منع المسلمين عن الحج وخرج على السلطان، وغالى في تكفير من خالفهم، ثم مات سعود وخلفه ابنه عبد الله. انتهى.
وفي خلاصة الكلام: أن الوهابيين أرسلوا في دولة الشريف مسعود بن سعيد بن زيد المتوفي سنة (1165هـ) ثلاثين من علمائهم فأمرالشريف أن يناظرهم علماء الحرمين فناظروهم، فوجدوا عقائدهم فاسدة، وكتب قاضي الشرع حجة بكفرهم
وسجنهم فسجن بعضهم وفر الباقون. ثم في دولة الشريف أحمد المتوفي سنة (1195هـ) أرسل أمير الدرعية بعض علمائه فناظرهم علماء مكة وأثبتوا كفرهم، فلم يأذن لهم في الحج. انتهى ملخصا.
وهذ المذهب وإن كان ظهوره وانتشاره في زمن محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر إلا أن بذرة قد بذر قبل ذلك من زمن أحمد بن تيمية في القرن السابع وتلميذه ابن القيم الجوزية وابن عبد الهادي ومن نسج على منوالهم. وقد عثرنا فيه على رسالة لمحمد بن إسماعيل الأمير اليمني الصنعاني المولود سنة (1059هـ) والمتوفى سنة (1182هـ)، كما عن كتاب البدر الطالع للشوكاني سماها: تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد، وهذا الرجل كان معاصراً لابن عبد الوهاب. وعن كتاب أبجد العلوم للصديق حسن خان القنوجي كان المولى العلامة السيد محمد بن إسماعيل الأمير بلغه من أحوال النجدي ما سره فقال قصيدته المشهورة:
سلام على نجد ومن حل في نجد
وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي
ثم لما تحقق الأحوال من بعض من وصل إلى اليمن وجد الأمر غير خال من الأدغال وقال:
رجعت عن القول الذي قلت في نجد
فقد صح لي عنه خلاف الذي عندي
انتهى.
قال العلامة جميل صدقي الزهاوي: (( الوهابية فرقة منسوبة إلى محمد بن عبد الوهاب، وابتداء ظهور محمد هذا كان سنة (1143هـ)، وإنما اشتهر أمره بعد الخمسين فأظهر عقيدته الزائفة في نجد، وساعده على إظهارها محمد بن سعود أمير الدرعية بلاد مسيلمة الكذاب مجبراً أهلها على متابعة ابن عبد الوهاب هذا فتابعوه، وما زال ينخدع له في هذا الأمرحيٌّ بعد حيّ من أحياء العرب حتى عمَّت فتنته، وكبرت شهرته، واستفحل أمره فخافته البادية، وكان يقول للناس:
ما أدعوكم إلا إلى التوحيد، وترك الشرك بالله تعالى في عبادته، وكانوا يمشون خلفه حيثما مشى حتى اتسع له الملك )) (1).
وقال الشريف عبد الله بن الشريف حسين باشا: (( إن ابتداء ظهور ابن عبد الوهاب ببدعته في نجد كان سنة (1143 هجرية)، ثم كان استيلاء الوهابية على مكة سنة (1218هـ) فتسمية الوهابيين بخوارج القرن الثاني عشر هي مبنية على ابتداء ظهور بدعتهم، لا على ابتداء استيلائهم الأول على مكة (2).
وقال العلامة جميل صدقي الزهاوي: وكان في ابتداء أمره من طلبة العلم، يتردد على مكة والمدينة لأخذه من علمائها.
وممن أخذ عنه في المدينة: الشيخ محمد بن سليمان الكردي، والشيخ محمد حياة السندي، وكان الشيخان المذكوران وغيرهما من المشائخ الذين أخذ عنهم يتفرّسون فيه الغواية والإلحاد، ويقولون: (( سيضل الله تعالى هذا، ويُظل به من أشقاه من عباده )) فكان الأمر كذلك، وكان أبوه عبد الوهاب - وهو من العلماء
__________
(1) الفجر الصادق /16 طبعة مصر عام (1323هـ).
(2) صدق الخبر في خوارج القرن الثاني عشر / 1.
الصالحين - يتفرّس فيه الإلحاد، ويحذّر الناس منه، وكذلك أخوه الشيخ سليمان )) (1).
عقيدته
تنحصر عقيدته في أربعة أمور:
1- تشبيه الله سبحانه وتعالى بخلقه.
2- توحيد الألوهية والربوبية.
3- عدم توقيره النبي.
4- تكفير المسلمين.
قال أبو حامد بن مرزوق في مقدمة كتابه عن التوسل بالنبي وبالصالحين: (( فهذه خلاصة علمية في عقائد محمد بن عبد الوهاب ومقلّديه جمعت أكثر درِّهاً المنقول والمعقول من تحقيق علماء الإسلام الأعلام، وشيّدت صرحها بتاريخ الإسلام، ودعمتها بكثير من آيات الكتاب الحكيم، وسنَّته عليه الصلاة والسلام، فجاءت بحمد الله حصناً منيعاً لا يرام )).
وقد ردد بعض أتباع الأئمة الأربعة عليه وعلى مقلديه بتآليف كثيرة جيدة، وممن رد عليه من الحنابلة: أخوه سليمان بن عبد الوهاب.
ومن حنابلة الشام: آل الشطي، والشيخ عبد القدومي النابلسي في رحلته، وكلها مطبوعة في ناحيتين: زيارة النبي، والتوسل به وبالصالحين من أمته، وقالوا: إنه مع مقلِّديه من الخوارج.
__________
(1) الفجر الصادق /16 طبعة مصر عام (1323هـ).
وممن نص على هذا: العلامة المحقق السيد محمد أمين بن عابدين في حاشيته (( رج المحتار على الدُّرِّ المختار )) في باب البغاة، والشيخ الصاوي المصري في حاشيته على الجلالين، لتكفير أهل (لا إله إلا الله محمد رسول الله) برأيه.
ولا شك أن التكفير سمة الخوارج وكل المبتدعة الذين يكفِّرون مخالفي رأيهم من القبلة، ولا تفيد هذه الخلاصة من مرق إلى الجهة الأخرى، لأن العلماء قالوا: (( إن البدعة إذا رسخت في قلب لا يرجع صاحبها عنها، ولو رأى ألف دليل واضح وضوح الشمس يبطلها إلا إذا أدركته عناية الله، وإنما هي عاصمة إن شاء الله تعالى من لم يدخل في بدعهم )) (1).
فظائع من تاريخ الوهابية
الحديث طويل وذو شجون عن الفظائع التي ارتكبت باسم الإسلام والدفاع عنه ضد المشركين كما يزعم أعراب نجد التي قال فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( من هنالك يطلع قرن الشيطان )) !!
وسأكتفي بإيراد مقتطفات بأقلام أمينة نزيهة.
قال العلامة أحمد بن زيني دحلان مفتي الشافعية في كتابه (( خلاصة الكلام في أمراء البلاد الحرام )).
__________
(1) التوسل بالنبي وبالصالحين / 1 طبع استانبول عام (1984م).
غزوة الوهابية العراق سنة 1216 - 1225هـ وإعادتهم فاجعة كربلاء
وفي سنة (1216هـ) جهَّز سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود الوهابي جيشاً عظيماً من أعارب نجد وغزا به العراق وحاصر كربلاء، ثم دخلها عنوة وأعمل في أهلها السيف ولم ينج منهم إلا من فر هارباً أو اختفى في مخبأ أو تحت حطب ونحوه، ولم يعثروا عليه ، وهم جيران قبر ابن بنت رسول الله الله صلى الله عليه وآله وسلم السبط الشهيد، ونهبها وهدم قبر الحسين عليه السلام واقتلع الشباك الموضوع على القبر الشريف، ونهب جميع ما في المشهد من الذخائر ، ولم يرع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا لذريته حرمة، وأعاد بأعماله ذكرى فاجعة كربلاء ويوم الحرة وأعمال بني أمية والمتوكل العباسي، ويقول أهل العراق - وهم أعلم بما جرى في بلادهم -: إنه ربط خيله في الصحن الشريف، وطبخ القهوة ودقها في الحضرة الشريفة.
دخول الوهابيين الطائف عنوة سنة 1217هـ وفظائعهم فيها
... فدخلوا البلد عنوة (1) في ذي القعدة سنة (1217هـ) وقتلوا الناس قتلا عاماً حتى الأطفال، وكانوا يذبحون الطفل الرضيع على صدر أمه، وكان جماعة من
__________
(1) أما الجبرتي فإنه قال: في أواخر سنة 1217هـ أغار الوهابيون على الحجاز، فلما قاربوا الطائف خرج إليهم الشريف غالب فهزموه، فرجع إلى الطائف وأحرق داره وهرب إلى مكة، فحاربوا الطائف ثلاثة أيام حتى دخلوها عنوة وقتلوا الرجال وأسروا النساء والأطفال، وهذا دأبهم مع من يحاربهم، وهدم المضايفي قبة ابن عباس بالطائف الغريبة الشكل والوصف. تاريخ الجبرتي.
أهل الطائف خرجوا قبل ذلك هاربين فأدركتهم الخيل وقتلت أكثرهم وفتشوا على من توارى في البيوت وقتلوه، وقتلوا من في المساجد وهم في الصلاة، ودخل نيف وعشرون رجلا إلى بيت الفتنى ومائتا رجل إلى بيت الفعر وامتنعوا عن التسليم وقاتلوا ثلاثة أيام ، فراسلهم ابن شكبان بالأمان وقال: أنتم في وجه ابن شكبان وعثمان، وأعطوهم العهود فكفوا عن القتال، فأرسلوا جماعة أخذوا منهم السلاح وقالوا: لا يجوز للمشركين حمله، ثم أمروهم بالخروج لمقابلة الأمير، فأمر بقتلهم فقتلوا جميعاً بقوز يسمى: دقاق اللوز.
وكان في بيوت ذوي عيسى نحو الخمسين متترسين يرمون بالرصاص فأخرجوهم بالأمان على النفس دون المال ، فسلبوهم وأخرجوهم إلى وادي وج وتركوهم فيه مكشوفي السوأتين ومعهم النساء ، حتى رموا عليهم أطماراً بالية ثم عاهدوهم بعد ثلاثة عشر يوماً على التوهب، فصاروا يتكففون الناس فيعطى السائل الحفنة من الذرة يقضمها.
وصارت الأعراب تدخل كل يوم إلى الطائف وتنقل المنهوبات إلى الخارج حتى صارت كأمثال الجبال، فأعطوا خمسها للأمير واقتسموا الباقي، ونشروا المصاحف وكتب الحديث والفقه والنحو في الأزقة، وأُخبِروا أن الأموال مدفونة في المخابي، فحفروا في موضع فوجدوا فيه مالا، فعندها حفروا جميع بيوت البلد حتى بيوت الخلاء والبالوعات، ثم ارتحل ابن شكبان وبقي عثمان أميراً على الطائف، وكتبوا إلى سعود يخبرونه بذلك، فسر به سروراً عظيماً، وكان مبرزاً بالدهناء مسير سبعة أيام عن الدرعية يريد غزو العراق.
استيلاء الوهابية على مكة بدون حرب سنة 1218هـ
وفي ثامن المحرم وصل سعود (1) محرما فطاف وسعى ونحر من الإبل نحو المائة، ونزل في بستان الشريف الذي في المحصب، وفي اليوم الثاني لوصوله نادى مناديه باجتماع الناس غدا ضحوة النهار، فاجتمعوا وصعد على أعلى درج الصفا والمفتي عن يمينه والقاضي عن شماله، فحمد الله وأثنى عليه وقال: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأنجز وعده، وأعز جنده، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. الحمد الله الذي صدقنا وعده، وسكت .
ثم قال: يا أهل مكة أنتم جيران بيته، آمنون بأمنه، وسكنى حرمه، وأنتم في خير بقعة، اعلموا أن مكة حرام ما فيها لا يحتلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها، وإنما أحلت ساعة من نهار، وإنا كنا من أضعف العرب، ولما أراد الله ظهور هذا الدين دعونا إليه وكل يهزأ بنا ويقاتلنا عليه، وينهب مواشينا ونشتريها منهم، ولم نزل ندعو الناس للإسلام وجميع من تراه عيونكم ومن تسمعون به من القبائل إنما أسلموا بهذا السيف ورفع سيفه تجاه الكعبة.
__________
(1) الذي في تاريخ الجبرتي: أن الواصل مع عسكر الوهابيين إلى مكة هو عبد العزيز بن سعود، وأن دخولهم إليها كان يوم عاشوراء سنة 1218هـ بعد ارتحال الحاج والشريف غالب بيومين، قال: فولى الشريف عبد المعين أميراً على مكة، والشيخ عقيلا قاضيا. انتهى.
وفي رسالة عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: أن دخولهم كان يوم السبت نصف النهار ثامن المحرم سنة 1218هـ، وهو الصواب لأنه كان معهم.
وقد كنت في هذا العام غازياً نحو العراق، فلما سمعت ما وقع من المسلمين بغزوة الطائف وأقبلوا عليكم يغزونكم، خفت عليكم من العربان والبادية، فاحمدوا الله الذي هداكم للإسلام وأنقذكم من الشرك، وأنا أدعوكم أن تعبدوا الله وحده، وتقلعوا عن الشرك الذي كنتم عليه، وأطلب منكم أن تبايعوني على دين الله ورسوله، وتوالون من والاه، وتعادون من عاداه، في السراء والضراء، والسمع والطاعة.
ثم جلس فبايعه الشريف عبد المعين ثم المفتي ثم القاضي ثم بقية الناس على طبقاتهم. ثم قال: انتظروني بعد صلاة العصر بين الركن والمقام لأبين لكم الدين وشرائط الإسلام، ثم انصرف، فلما كان العصر اجتمعوا فصعد على ظهر زمزم ومعه المفتي، فجعل يعلمه وهو يعلم الناس ويقول: اعلموا أيها الناس أن الأمير سعوداً يقول لكم إن الخمر والزنا حرام ... إلى آخر ما قال، مما لا يجهله أحد، ثم قال لهم في غد: اهدموا القبب والأصنام حتى لا يكون لكم معبود غير الله.
هدم الوهابية القبور والقبب بمكة وحملهم الناس على معتقداتهم سنة (1218هـ)
وفي الصباح بادر الوهابيون ومعهم كثير من الناس بالمساحي، فهدموا أولا ما في المعلى من القبب وهي كثيرة، ثم هدموا قبة مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومولد أبي بكر، وعلي، وقبة السيدة خديجة.
وفي تاريخ الجبرتي: أنهم هدموا أيضا قبة زمزم والقباب التي حول الكعبة، والأبنية التي هي أعلى من الكعبة.
وتتبعوا جميع المواضع التي فيها آثار الصالحين فهدموها ، وهم عند الهدم يرتجزون ويضربون الطبل ويغنون ويبالغون في شتم القبور، ويقولون: إن هي إلا أسماء سميتموها، حتى قيل: إن بعضهم بال على قبر السيد المحجوب.
دخول الشريف غالب مكة وخروج الوهابيين منها سنة 1218هـ
... ثم أرسل الشريف جنداً إلى قرن فجاءهم جند كثير من قبل عثمان فعادوا إلى مكة ودخلت ثقيف في طاعة عثمان، فجهز الشريف عليهم عسكراً فقتل منهم وأخذ حلتهم ومواشيهم، ثم توجه المضايفي وابن شكبان لقتال هذيل الشام، فقتلوا من هذيل وسلبوا النساء، ثم أرسلوا إلى بني مسعود وهم في جبلهم ليتوهبوا فلم يقبلوا، ووقع القتال فقتل بنو مسعود من الوهابية نحو السبعمائة، ثم صعد الوهابية الجبل وقتلوا من أدركوه، ثم نزلوا ونادوا بالأمان فعاد إليهم من بقي من بني مسعود، فأخذ منهم ابن شكبان غرامة شيئا كثيرا.
ثم غزا المضايفي الأشراف بني عمرو أهل اللفاع، وقامت الحرب بينهم حتى قتل من الأشراف ستة وعشرون، ونهبوهم وسلبوا نساءهم حتى جردوها من الثياب، فطلبوا الأمان وتوهبوا، ثم أقبل المضايفي وابن شكبان لحصار مكة فلما وصلوا السيل نهبوا كل ما في طريقهم من المواشي واقتسموه، وكان أمير الحاج الشامي سليمان باشا مملوك أحمد باشا الجزار، فطلب منه الشريف غالب إبقاء طائفة من العسكر لحماية البلد الحرام، ويقوم الشريف بلوازمهم فأبى، ثم قَبِلَ بواسطة أمين الصرة أن يبقي مائة وخمسين مع مائة وخمسين جملا بما عليها من لوازم القتال.
تشديد الوهابية الحصار على مكة
وقال العلامة محسن الأمين: وفي المحرم سنة (1220هـ) ارتحل الوهابيون الذين بالوادي إلى أطراف مكة، فقاتلهم العبيد الذين في الأبراج حول مكة من الظهر إلى الغروب، وقتل من الوهابيين سبعة، فتوجه الوهابيون إلى الحسينية، وأخذوا مواشيها وقتلوا من أهلها أحد عشر رجلاً.
نهب الوهابية ذخائر الحجرة النبوية وهدم القباب بالمدينة المنورة سنة 1221هـ
وفيها أخذ الوهابي كل ما في الحجرة النبوية من الأموال والجواهر، وطرد قاضيي مكة والمدينة، وأقام لقضاء مكة الشيخ عبد الحفيظ، ولقضاء المدينة بعض علمائها، ومنعوا الناس من زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقال الجبرتي: لما استولى الوهابيون على المدينة المنورة هدموا القباب التي فيها وفي ينبع، ومنها قبة أئمة البقيع بالمدينة، لكنهم لم يهدموا قبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وحملوا الناس على ما حملوهم عليه بمكة، وأخذوا جميع ذخائر الحجرة النبوية وجواهرها حتى أنهم ملئوا أربع سحاحير من الجواهر المحلاة بالماس والياقوت العظيمة القَدْر، ومن ذلك أربع شمعدانات من الزمرد وبدل الشمعة قطعة ماس تضيء في الظلام، ونحو مائة سيف لا تقوم قراباتها، ملبسة بالذهب الخالص، ومنزل عليها ماس وياقوت، ونصابها من الزمرد واليشم ونحو ذلك، ونصلها من الحديد الموصوف، وعليها أسماء الملوك والخلفاء السالفين، وطرد الوهابية أغوات الحرم والقاضي الذي كان قد توجه لقضاء المدينة واسمه: سعد بك، وخدام الحرم المكي، وقاضي مكة، فتوجه مع الشاميين.
وقال الجبروتي في حوادث سنة 1222هـ: في هذه السنة أخبر الحجاج المصريون أنهم مُنعوا من زيارة المدينة المنورة.
هجوم الوهابيين على سورية سنة 1225هـ
عن تاريخ الأمير حيدر الشهابي أنه في هذه السنة هجم عبد الله بن سعود الوهابي على بلاد حوران فنهب الأموال، وأحرق الغلال، وقتل الأنفس البريئة، وسبى النساء، وقتل الأطفال، وهدم المنازل، وعاث في الأرض فسادا، حتى قيل: إنه أتلف في تلك البلاد ما قيمته ثلاثة آلاف ألف درهم.
قتل الوهابيين الحاج اليماني سنة 1341هـ
في هذه السنة التقى الوهابيون بالحاج اليماني وهو أعزل من السلاح وجميع آلات الدفاع، فسايروهم في الطريق وأعطوهم الأمان ثم غدروا بهم، فلما وصلوا إلى سفح جبل مشى الوهابيون في سفح الجبل واليمانيون تحتهم، فعطفوا على اليمانيين وأطلقوا عليهم الرصاص حتى قتلوهم عن بكرة أبيهم، وكانوا ألف إنسان، ولم يسلم منهم غير رجلين هربا وأخبرا بالحال (1).
وأراد السيد محمد رشيد رضا صاحب المنار على عادته في تلفيق الأعذار عن أفعال الوهابيين الاعتذار عن هذه الفعلة الشنعاء، فقال في مجموعة مقالاته (( الوهابيون والحجاز )) (2): (( إن الملك حسينا كان أرسل حملة على منطقة عسير بعد وفاة السيد محمد علي الإدريسي الذي كان قد تخلى عنها لسلطان نجد، وفي
__________
(1) هذه المجزرة وقعت في منطقة تنومة بالحجاز، وهي مشهورة عند أهل اليمن. بل إنني لا زلت أذكر رجلا ممن نجا من المجزرة كان شيخاً كبيراً وهو السيد العلامة العابد حسين بن عبد الله الحرجي.
(2) الوهابيون والحجاز/ 33.
أثر تنكيل الوهابية بحملته هنالك، وقعت حادثة حجاج اليمن الذين اعتقد الوهابيون أنهم نجدة منهم، فأطلقوا عليهم الرصاص، وبعد أن عرف الأمر اعتذر السلطان عبد العزيز للإمام يحيى عن هذا الخطأ، واتفقا على حفظ المودة بينهما بتعويض مقبول معقول.
هجوم الوهابيين على الحجاز وفظائعهم في الطائف سنة 1342هـ - 1924م
في أوائل هذه السنة هجم الوهابيون على الحجاز وحاصروا الطائف ومعهم الشريف خالد بن لؤي من أشراف مكة المعادين للملك حسين، وأحد عمال السلطان ابن سعود، ثم دخلوها عنوة وأعملوا في أهلها السيف، فقتلوا الرجال والنساء والأطفال، حتى قتلوا منها ما يقرب من ألفين بينهم العلماء والصلحاء، وأعملوا فيها النهب، وعملوا فيها من الفظائع ما تقشعر له الأبدان، وتتفطر القلوب، نظير ما عملوه في المرة الأولى كما سبق، وممن قتلوا من المعروفين الشيخ عبد الله الزواوي مفتي الشافعية بصورة فظيعة، وقتلوا جملة من بني شيبة سدنة الكعبة المكرمة كانوا مصطافين في الطائف، وجاءت الأخبار بارتكابهم فظائع لا يليق ذكرها، وأن السلطان ابن سعود لما سئل عنها لم ينكر وقوعها لكنه اعتذر بما وقع من خالد بن الوليد يوم فتح مكة، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ))، ثم أخذوا ما وراء الطائف من المعاقل الحصينة، وأهمها الهدى وكرى.
هدم الوهابيين القباب والمزارات بالحجاز عام 1342هـ
لما دخل الوهابيون إلى الطائف هدموا قبة ابن عباس، كما فعلوا في المرة الأولى، ولما دخلوا مكة المكرمة هدموا قباب عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأبي طالب عمه، وخديجة أم المؤمنين، وخربوا مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام، ولما دخلوا جدة هدموا قبة حواء، وخربوا قبرها، كما خربوا قبور من ذكر أيضا، وهدموا جميع ما بمكة ونواحيها، والطائف ونواحيها، وجدة ونواحيها، من القباب والمزارات والأمكنة التي يتبرك بها.
ولما حاصروا المدينة المنورة هدموا مسجد حمزة ومزاره، لأنهما خارج المدينة، وشاع أنهم ضربوا بالرصاص على قبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنهم أنكروا ذلك، ولما بلغ ذلك مسامع الدولة الإيرانية اهتمت له غاية الاهتمام، واجتمع العلماء وأكبروا ذلك، وجاءتنا إلى دمشق برقية من خراسان من أحد أعاظم علماء المشهد المقدس بالاستعلام عن حقيقة الحال، ثم قررت الدولة الإيرانية بموافقة العلماء إرسال وفد رسمي إلى الحجاز لاستطلاع حقيقة الحال، فرفع الوفد إلى دولته تقريراً بما شاهده في الحجاز من أعمال الوهابيين.
ولما استولوا على المدينة المنورة خرج قاضي قضاتهم الشيخ عبد الله بن بليهد من مكة إلى المدينة في شهر رمضان سنة (1344هـ)، ووجه إلى أهل المدينة سؤالا يسألهم فيه عن هدم القباب والمزارات، فسكت كثير منهم خوفا، وأجابه بعضهم بلزوم الهدم، وسيأتي ذكر السؤال والجواب إن شاء الله في فصل البناء على القبور.
وإنما أراد بها السؤال تسكين النفوس لا الاستفتاء الحقيقي، فإن الوهابيين لا يتوقفون في وجوب هدم جميع القباب والأضرحة حتى قبة النبي صلى الله عليه وآله
وسلم، بل هو قاعدة مذهبهم وأساسه، وبعد صدور هذا السؤال والجواب هدموا جميع ما بالمدينة ونواحيها من القباب والأضرحة والمزارات، فهدمة قبة أئمة أهل البيت بالبقيع، ومعهم العباس عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وجدرانها وأزالوا الصندوق والقفص الموضوعين على قبورهم، وصرفوا على ذلك ألف ريال مجيدي، ولم يتركوا غير أحجار موضوعة على تلك القبور كالعلامة، وهدموا قباب عبد الله وآمنة أبوي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأزواجه، وعثمان بن عفان، وإسماعيل بن جعفر الصادق، ومالك إمام دار الهجرة، وغير ذلك مما يطول باستيفائه الكلام (1).
- - -
__________
(1) كشف الإرتياب في أتباع محمد بن عبد الوهاب /28 - 60.
الكتاب
أصله قصيدة بعثها البدر الأمير إلى محمد بن عبد الوهاب، عندما بلغه عنه بعض الأخبار الطيبة عنه، فلما تحقق له فساد عقيدته وتكفيره وقتله للمسلمين، وغير ذلك من الجرائم، وكانت قصيدته قد طارت كل مطار، تراجع عنها، وأعلن فساد عقيدة ابن عبد الوهاب وأعلن إنكاره لأفعاله.
وشرحها بشرح لطيف سماه التوبة لمحو الحوبة، ويسمى أيضا: النشر النّدّي بتحقيق أقوال محمد بن عبد الوهاب النجدي، ويسمى أيضا: إرشاد ذوي الألباب إلى حقيقة أقوال محمد بن عبد الوهاب.
وقد حصلت على أربع نسخ من الكتاب:
الأولى: بخطه وهي المسوّدة.
الثانية: عنوانها بقلمه وعليها تصحيحاته وتوقيعه. من مكتبة حفيده الأستاذ الفاضل محمد عبد الخالق الأمير.
والقصيدتان المبتدأة: سلام على نجد ... والرجوع عنهما كلاهما في ديوانه.
فالكتاب من تألفيه لا شك في ذلك ولا ريب.
وما أكدتُّ نسبة الكتاب إليه إلا لأني سمعت بعض المهووسين يشككون في صحة نسبة الكتاب إليه. بحجة أن له كتبا يوافق فيها محمد بن عبد الوهاب، فكيف يرد عليهم وينقض قوله؟!
وهذا غاية الجهل فإنه يؤكد في القصيدة أنه لم يرجع عما نهى عنه مما اعتبره من البدع، وإنما رجع عن الإشادة بمحمد بن عبد الوهاب.
... ... صور للمخطوطات
الصفحة الأولى من الكتاب النسخة ( أ )
الصفحة الثانية من الكتاب النسخة ( أ )
الصفحة الأخيرة من الكتاب النسخة ( أ )
الصفحة الأولى من الكتاب النسخة ( ب )
الصفحة الثانية من الكتاب النسخة ( ب )
الصفحة الأخيرة من الكتاب النسخة ( ب )
الصفحة الأولى من الكتاب النسخة ( ج )
الصفحة الثانية من الكتاب النسخة ( ج )
الصفحة الأخيرة من الكتاب النسخة ( ج )
غلاف الكتاب من النسخة ( د ) بخط المؤلف
الصفحة الأولى من الكتاب النسخة ( د )
الصفحة الأخيرة من الكتاب النسخة ( د )
ويرى في نهايتها مراجعة المؤلف وتوقيعته بقلمه
سائلا الله أن يتقبل إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.
عبد الكريم أحمد جدبان
اليمن - صعدة 16 / ربيع الآخرة / 1423هـ
الموافق 27 / 6 / 2002م
بسم الله الرحمن الرحيم
ما زالت(1) تبلغنا الأخبار من سنة (1160هـ ). بأنه ظهر رجل في نجد يدعو إلى اتباع السنة النبوية، وينهى عن الإبتداع، والتزام المذاهب، والاعتقادات في الأولياء وفي العُبَّاد من الأحياء والأموات، وينهى عما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من العمارة على القبور والقباب، وبالجملة أنه ينهى عن كل بدعة، ويأمر باتباع السنة، وأنه هدم مشاهد وقباباً كانت على قبور من يعظمونهم، وصار يأمر بكل معروف وينهى عن كل منكر، فأحببت ما ذكر عنه، وتوسمت منه كل خير، فكتبت إليه هذه الأبيات، وأرسلتها إلى مكة، فبلغت إليه، ويأتيك تحقيق ما انتهى إليه الحال بعد تمام الأبيات، وهي هذه:
سلام على نجد ومَن حلَّ في نجدِ
وإن كان تسليمي عن(2) البعد لا يُجدي
لقد صدرت من سفح صنعاء سقى الحيا
رباها وحيّاها بقهقهة الرعدِ
سرت من أسير يسأل الريح إن سرت
ألا يا صبا نجد متى هُجت من نجدِ
يذكرني مسراك نجدا وأهله ...
__________
(1) في (ب): ما زال يبلغنا ممن يفد من الأعراب من أهل مكة أنه خرج بنجد رجل عالم، وأنه لا يقلد في دينه الرجال، ولا يعمل إلا بالكتاب العزيز والسنة النبوية، وأنه ينهى عن الابتداع، ويأمر بحسن الاتباع، لمن أمر الله بطاعته، وهو كتابه ورسوله صلى الله عليه وآله، فرأينا هذا موافقا لما نراه، وعجبنا من وجوده فاشتقنا إليه، وكتبنا إليه هذه الأبيات لعلها في سنة 1162هـ ننظر ما لديه، وهي هذه.
(2) في (ب): على.
لقد زادني مسراك وجدا على وجدِ
قفي واسألي عن عالم حل سوحها
به يهتدي من ضل عن منهج الرشدِ
محمد الهادي لسنة أحمدٍ
فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي
لقد أنكرت كل الطوائف قوله
بلا صدَرَ في الحق منهم ولا وردِ
وما كل قول بالقبول مقابَل
ولا كل قول واجب الطرد والردِ
سوى ما أتى عن ربنا ورسوله
فذلك قولٌ جل قدرا عن الردِ
وأما أقاويل الرجال فإنها
تدور على قدر الأدلة في النقدِ
وقد جاءت الأخبار عنه بأنه
يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي
وينشر جهراً ما طوى كل جاهل
ومبتدع منه فوافق ما عندي
(فصل في بِدَع المشاهد)
ويعمر أركان الشريعة هادما
مشاهد ضل الناس فيها عن الرشدِ
أعادوا بها معنى سواع ومثله
يغوث وودٌ بئس ذلك من ودِّ
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها ...
كما يهتف المضطر بالصمد الفردِ
وكم عقروا في سوحها من عقيرة
أُهلت لغير الله جهلا على عمدِ
وكم طائف حول القبور مقبِّل
وملتمس الأركان منهن بالأيدي
(فصل في كتاب دلائل الخيرات)
وحرَّق عمدا للدلائل دفترا
أصاب ففيها ما يجل عن العدِ
غلوٌّ نهى عنه الرسول وفرية
بلا مرية فاتركه إن كنت تستهدي
أحاديث لا تعزى إلى عالم فلا
تساويَ فلسا إن رجعت إلى النقدِ
وصيَّرها الجهال للدرس ضرة
ترى درسها أزكى لديها من الحمدِ
لقد سرني ما جاءني من طريقه
وكنت أرى هذي الطريقة لي وحدي
(فصل في ذكر بدعة المذاهب والتمذهب)
وأقبح من كل ابتداع سمعته
وأنكاه للقلب الموفق ذي الرشدِ
مذاهب من رام الخلاف لبعضها
يُعض بأنياب الأساود والأسدِ
يُصَبَّ عليه سَوطُ ذم وعيبة ...
ويجفوه من قد كان يهواه عن عمدِ
ويُعزى إليه كل مالا يقوله
لتبغيضه عند التهامي والنجدي
فيرميه أهل النّصْب بالرفض فرية
ويرميه أهل الرفض بالنصب والجحدِ
وليس له ذنب سوى أنه غَدا
يتابع قول الله في الحَّل والعقدِ
ويتبع أقوال الرسول محمدٍ
وهل غيره بالله في الناس من يهدي
لئن عده الجهالُ ذنبا فحَبَّذا
به حبذا يوم انفرادي في لحدي
(فصل في ذكرأئمة المذاهب الأربعة وبرآءتهم عن طلب تقليدهم)
عَلاَمَ جَعلتم أيها الناس ديننا
لأربعة لا شك في فضلهم عندي ؟
همُ علماء الدين شرقا ومغربا
ونور عيون الفضل والحق والزهدِ
ولكنَّهم كالناس ليس كلامهم
دليلا ولا تقليدهم في غد يجدي
ولا زعموا حاشاهم أن قولهم
دليل فيستهدي به كل مستهدي
بَلىَ صَرَّحُوا أنا نُقابِل قولهم
إذا خالف المنصوص بالقدح والردِ
(فصل في الثناء على من تمسك بالأحاديث)
سَلامٌ على أهل الحديث فإنني
نشأت على حب الأحاديث من مهدي
همُ بذلوا في حفظ سنة أحمد
وتنقيحها من جهدهم غاية الجهدِ
وأعني بهم أسلاف أمة أحمد
أولئك في بيت القصيد هم قصدي
أولئك أمثال البخاري ومسلم
وأحمد أهل الجَد في العلم والجِد
بحور وحاشاهم عن الجزر إنما
لهم مددٌ يأتي من الله بالمد
رووا وارتووا من علم سنة أحمد
وليست لهم تلك المذاهب من وردِ
كفاهم كتاب الله والسنة التي
كفت قبلهم صحب الرسول ذوي الرشدِ
أأنتمُ أهدى أم صحابة أحمد
وأهل الكساء هيهات ما الشوك كالوردِ
أولئك أهدى في الطريقة منكم
فهم قدوتي حتى أوسد في لحدي
وشتان ما بين المقلد في الهدى
ومن يقتدي والضد يعرف بالضدِّ
فمن قلد النعمان أصبح شاربا
نبيذا وفيه القول للبعض بالحدِ
ومن يقتدي أضحى إمام معارف
وكان أويسا في العبادة والزهدِ
فمقتديا في الحق كن لا مقلدا
وخل أخا التقليد في الأسر في القدِّ (1)
(فصل في بدعة القائلين بوحدة الوجود المساوين بين الأنبياء وأهل الجحود)
وأكفر أهل الأرض من قال إنه
إله فإن الله جل عن الندِّ
فسماه كل الكائنات جميعها
من الكلب والخنزير والقرد والفهدِ
وإن عذاب النار عذبٌ لأهله
سواء عذاب النار أو جنة الخلدِ
وعباد عجل السامري على هدى
ولائمهم في اللوم ليس على رشدِ
وتنشدنا عنه نصوص فصوصه
تنادي خذوا في النظم مضمون ما عندي
وكنت أُرى من جند إبليس فارتقى(2)
__________
(1) السير الذي يقد من الجلد.
(2) في (ب)، (ج): فارتمى.
بي الدهر حتى صار إبليس من جندي
فلو مات قبلي كنت أدركت بعده
دقائقَ كفرٍ ليس يدركها بعدي
وكم من ضلال في الفتوحات صدقت
به فرقة أضحوا ألد من اللدِّ
يلوذون عند العجز بالذوق ليتهم
يذوقون طعم الحق فالحق كالشهدِ
فنسألهم ما الذوق قالوا مثاله
عزيز فلا بالرسم يدرك والحدِّ
تسترهم بالكشف والذوق أشعرا
بأنهمُ عن مطلب الحق في بُعد
ومن يطلب الإنصاف يدلي بحجة
ويرجع أحيانا ويهدي ويستهدي
وهيهات كلٌ في الديانة تابع
أباه كأن الحق في الأب والجدِّ
وقد قال هذا قبلهم كل مشرك
فهل قدحوا هذي العقيدة عن زندِ
كذلك أصحاب الكتاب تتابعوا
على مذهب الأسلاف فردا على فردِ
( فصل في اغتراب الدين)
وهذا اغتراب الدين فاصبر فإنني
غريب وأصحابي كثير بلا عدِّ
إذا ما رأوني عظَّموني وإن أغب
فكم أكلوا لحمي وكم مزقوا جلدي
هنيئا مريئا في اغتيابي فوائد
أفوز بها عند افتراديَ في لحدي
يصلي ولي أجر الصلاة وصومه
ولي كل شيء من محاسنه يبدي
وكم حاسد قد أنضج الغيظ قلبه
ولكنه غيظ الأسير على القدِّ
ودونكها تحوي علوما جليلة
منزهة عن وصف قدٍّ وعن خدِّ
ولا مدحت وصلاً لليلى وزينب
ولا هي ذمت هجر سعدى ولا هندِّ
إليك طوت عرض الفيافي وطولها
فكم قطعت غورا ونجدا إلى نجدِ
أناخت بنجد واستراح ركابها
وراح خليا عن رحيل وعن شدِّ
فأحسن قِراها (1) بالقراءة ناطما ...
__________
(1) ضيافتها وحسن استقبالها.
جوابا فقد أضحت لديك من الوفدِ
وصل على المختار والآل إنها
لِحسن ختام النظم واسطة العقدِ
لما (1) بلغت الأبيات إلى نجد وصل إلينا بعد أعوام من بلوغها إلى أهل نجد رجل عالم يسمى الشيخ مربد بن أحمد التميمي، كان وصوله في شهر صفر سنة
__________
(1) في (ب): لما بلغت هذه الأبيات نجدا،َ وصل إلينا بعد أعوام من بلوغها من أهل نجد رجل يسمى: الشيخ مربد بن أحمد التميمي، كان وصوله في شهر صفر سنة سبعين ومائة وألف، أقام لدينا ثمانية أشهر، وحصّل بعض كتب ابن تيمية وابن القيم بخطه، وقرأ علينا في الكشاف وغيره، وفارقنا في عشرين من شوال سنة (1170 هـ) راجعا إلى وطنه، وصل من طريق الحجاز مع الحجاج، وكان من تلاميذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الذي وجهنا إليه الأبيات فأخبرنا ببلوغها، ولم يأت بجواب عنها، وكان قد تقدّمه في الوصول إلينا بعد بلوغها الشيخ عبد الرحمن النجدي، ووصف لنا من حال ابن عبد الوهاب أشياء أنكرناها، من سفكه الدماء، ونهبه الأموال، وتجاريه على قتل النفوس ولو بالاغتيال، وتكفيره الأمة المحمدية في جميع الأقطار، فبقي معنا تَرَدُّدٌ فيما نقله الشيخ عبد الرحمن، وذلك لأنه قد كان وصل إلينا لعله سنة 1165 بعد بلوغ الأبيات، وذكر لنا حسن حال ابن عبد الوهاب، وتحريه واقتصاره على أدلة الكتاب والسنة، ثم فارقنا وبقي سنتين، ثم عاد إلينا مخبرا بتغير أحوال ابن عبد الوهاب إلى ما ذكرناه،وطلب مني أن أضع رسالة في بطلان ما ذهب إليه، من سفكه الدماء، ونهبه العباد، وغير ذلك من الإفساد، وكان هذا الشيخ عبد الرحمن تقيا صائما نهاره قائما ليله، كثير الذكر إلا أنه قليل الدراية بالعلم، فلذا ترددتُ فيما قاله، حتى وصل الشيخ العالم مربد بن أحمد وله نباهة، ووصل إلينا ببعض رسائل ابن عبد الوهاب التي جمعها في وجه تكفيره أهل الإيمان، وقتلهم ونهبهم، وحقق لنا أحواله وأفعاله وأقواله، فرأينا أحواله أحوال رجل عرف من الشريعة شطرا ،ولم يمعن النظر، ولا قرأ على من يهديه نهج الهداية، ويدله على العلوم النافعة ويفقهه فيها، بل طالع بعضا من مؤلفات الشيخ أبي العباس ابن تيمية، ومؤلفات تلميذه ابن قيم الجوزية, وقلدهما من غير إتقان، مع أنهما يحرمان التقليد.
ولما حقق لنا أحواله، ورأينا في الرسائل أقواله، وذكر لي أنه عَظُمَ شأنه بوصول الأبيات التي وجهنا إليه، وأنه يتعين علينا نقض ما قدمناه، وَحل ما أبرمناه، وكانت أبياتنا هذه قد طارت كل مطار، وبلغت غالب الأقطار، وأتتنا فيها جوابات من مكة المشرفة، ومن البصرة، ومن غيرهما، إلا أنها جوابات خالية عن الإنصاف، وبعضها كلام من غير معرفة لما أردناه، فجوابٌ وفد من بندر المخا، كله خصام، وذم لقائل النظام، وبيننا وبين الجميع يوم يقوم الناس لرب العالمين، وينتصف للمظلومين من الظالمين، فما ندم الناصح من يؤمن برب العالمين. ولما أخذ عليا الشيخ مربد ذلك تعين علينا، لئلا نكون سببا في شيء من هذه الأمور، التي ارتكبها ابن عبد الوهاب المذكور، فقلت.
وفي (ج): ولماوصلت الأبيات إلى نجد من طريق مكة ولم يصل لها جواب، ووصل رجل من أصحاب ابن عبد الوهاب، يقال له الشيخ عبد الرحمن، وأخبر بوصول الأبيات، وأنها بعثته على الخروج إلى عند قائلها، وهو رجل عامي، إلا أنه كثير العبادة، والحث على الزهادة، ولم يزل يذهب أيام الحج للحج ثم يعود بعد ذهابه إلى أهله إلى صنعاء، ولم نستفد منه ـ لعاميته ـ حقيقةَ ابن عبد الوهاب.
ثم إنه وصل إلينا الشيخ العالم مربد بن حسن _ قد تقدم ذكره _ وكان وصوله من طريق الحجاز، سنة سبعين ومائة وألف،(1170هـ) وله معرفة ونباهة، وهو من تلاميذ ابن عبد الوهاب، وأخبر بوصول الأبيات، وكان عنده منها نسخة، وأقام عندنا ثمانية أشهر، وحصَّل بعض كتب ابن تيمية بخطه، وقرأ علينا في الكشاف، وذاكر في عدة مسائل.
ثم وصف لنا من حال ابن عبد الوهاب أمورا عجيبة، من سفكه الدماء، وتكفير كل أهل الدنيا، وأخرج صحبته من رسائله ما يحقق ما نقله عنه، من تكفيره للأنام، وسفكه للدم الحرام، ونهبه للأموال، وسبيه للحُرم المسلمة والأطفال.
وقد كان مستنكراَ لأفعاله، مترددا في حقيقة حاله، وما خرج إلا مسترشدا لما يرشده الله[إليه]، ويدله عليه. فأَبَنَّا له أن هذه أفعال لا تطابق شريعة الإسلام، ولا توافق ما جاء به سيد الأنام، عليه أفضل صلاة وسلام.
وذكر أنه زاد بوصول الأبيات عظمة عند أتباعه، ورفعة عند أشياعه، وأنه يتعين علينا إزالة ذلك، وبيان قبح ما سلكه من تلك المسالك. فرأيته يتعين ما قال، وتأكد عندي ذلك المقال، فبنيت أبياتا رددت فيها أدلة رسالته، وأبنت فيها قبيح مقالته، وشرحتها شرحا شافيا، وأرسلتها صحبة الشيخ مربد، وفارقنا في عشرين من شوال، سنة سبعين ومائة وألف، وأول الأبيات:
سبعين ومائة وألف، وأقام لدينا ثمانية أشهر، وحصَّل بعض كتب ابن تيمية وابن القيم بخطه، وفارقنا في عشرين من شوال سنة سبعين راجعا إلى وطنه، وصل من طريق الحجاز وكان من تلاميذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي وجهنا إليه الأبيات، فأخبرنا ببلوغها ولم يأت بجواب عنها.
وكان قد تقدمه في الوصول إلينا بعد بلوغها الشيخ الفاضل عبد الرحمن النجدي، ووصف لنا من حال ابن عبد الوهاب أشياء أنكرناها، من سفك الدماء، ونهبه الأموال، وتجاريه على قتل النفوس ولو بالاغتيال، وتكفير الأمة المحمدية في جميع الأقطار، فبقي معنا تَرَدُّدٌ فيما نقله الشيخ الفاضل عبد الرحمن، حتى وصل الشيخ العالم مربد بن أحمد وله نباهة، ووصل ببعض رسائل ابن عبد الوهاب التي جمعها في وجه تكفيره أهل الإيمان، وقتلهم ونهبهم، وحقق لنا أقواله وأفعاله وأحواله، فرأينا أحواله أحوال رجل عرف من الشريعة شطرا، ولم يمعن النظر، ولا قرأ على من يهديه نهج الهداية، ويدله على العلوم النافعة ويفقهه فيها، بل طالع بعضا من مؤلفات الشيخ أبي العباس ابن تيمية، ومؤلفات تلميذه ابن قيم الجوزية، وقلدهما من غير إتقان، مع أنهما يحرمان التقليد.
ولما حقق لنا أحواله، ورأينا في الرسالة أقواله، وذكر لي أنه إنما عَظُمَ شأنه بوصول الأبيات التي وجهنا إليه، وأنه يتعين علنيا نقض ما قدمناه، وحَلُّ ما أبرمناه، وكانت أبياتنا هذه قد طارت كل مطار، وبلغت غالب الأقطار، وأتتنا فيها
جوابات عن أهل مكة المشرفة، ومن البصرة، ومن غيرهما، إلا أنها جوابات خالية عن الإنصاف وبعضها كلام من غير معرفة لما أردناه، فجواب وصل من بندر المخا كله خصام، وذم لقائل النظام، وبيننا وبين الجميع يوم يقوم الناس لرب العالمين، وينتصف للمظلومين من الظالمين، ولما أخذ علينا الشيخ مربد ذلك، تعيَّن علينا، لئلا نكون سببا في شيء من هذه الأمور، التي ارتكبها ابن عبد الوهاب المذكور، كتبت أبياتا وشرحتها وأكثرت من النقل عن ابن القيم وشيخه ابن تيمية، لأنهما عمدة الحنابلة، فقلت:
رجعت عن النظم الذي قلت في النجدي
فقد صح لي عنه خلاف الذي عندي
ظننت به خيرا وقلت عسى عسى
نجد ناصحا يهدي العباد ويستهدي
فقد خاب فيه الظن لاخاب نصحنا
وما كل ظن للحقائق لي مُهدي
وقد جاءنا من أرضه الشيخ مِربد
فحقق من أحواله كل ما يبدي
وقد جاء من تأليفه برسائل
يكفر أهل الأرض فيها على عمدِ
ولفق في تكفيرهم كل حجة
تراها كبيت العنكبوت لدى النقدِ
تجارى على إجرا دما كل مسلم
ُمصلٍّ مُزكٍّ لا يحول عن العهدِ
وقد جاءنا عن ربنا في براءة ...
براءتهم عن كل كفر وعن جحدِ
وإخواننا سماهم الله فاستمع
لقول الإله الواحد الصمد الفردِ
قال الله تعالى في المشركين: { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ } [التوبة:11]
وقد قال خير المرسلين نهيت عن
فما باله لم ينته الرجلُ النجدي
أخرج الإمام أحمد، والشافعي، في مسنديهما (1)، من حديث عبد الله بن عدي بن الخيار، أن رجلا من الأنصار حدثه: (( أنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو في مجلسه، فسآره يستأذنه في قتل رجل من المنافقين، فجهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟ قال الأنصاري: بلى يا رسول الله، ولا شهادة له. قال: أليس يشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: بلى، ولا شهادة له. قال: أليس يصلي؟ قال: بلى، ولا صلاة له. قال: أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم )).
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 5/432(23720)، ومالك 1/171(413)، ولم أجده في مسند الشافعي.
وفي الصحيحين (1) من حديث أبي سعيد، في قصة الرجل الذي قال: (( يا رسول الله اتق الله. وفيه فقال خالد بن الوليد: ألا أضرب عنقه؟ فقال: لا. لعله أن يكون يصلي. فقال خالد: فكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إني لم أؤمر أن أفتش عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم ))(2).
__________
(1) أخرجه البخاري 4/1581(4094)، ومسلم 2/741(1064)، وأبو داود 4/243(4764)، وأبو يعلى 2/390(1163).
(2) أخرجه أبو داود 4/282(4928)، والبيهقي في الكبرى 8/224(16764)، وأبو يعلى 10/509(6126)، والدارقطني 2/54(9)، ولفظ الحديث: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: (( بعث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها، قال فقسمها بين أربعة نفر بين عيينة بن بدر، وأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرابع إما علقمة، وإما عامر بن الطفيل، فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء! قال: فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تأمنونني وأنا أمينُ مَن في السماء، يأتيني خبر السماء صباحا ومساء، قال: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال: يا رسول الله اتق الله! قال: ويلك أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟! قال: ثم ولى الرجل. قال خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟! قال: لا، لعله أن يكون يصلي. فقال خالد: وكم من مصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس، ولا أشق بطونهم. قال: ثم نظر إليه وهو مقف، فقال: إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، - وأظنه قال: لئن - أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود .
وفي حديث:(( نهيت عن قتل المصلين )) (1)، فجعل صلى الله عليه وآله وسلم إقامة الصلاة مانعة مِن قتله.
وقال لهم لاما أقاموا الصلاة في
أناس أتوا كل القبائح عن قصدِ
في البيت إشارة إلى ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: (( يُستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن أنكر فقد بريء، ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع. فقالوا يا رسو الله: ألا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلوا )) (2). انتهى. وفي رواية: (( ما أقاموا الصلاة ... )).
فقولنا: وقال، ضمير قال له صلى الله عليه وآله وسلم، الحديث أشرنا بما ترى، كما في قولنا في البيت: نهيت عن. ففي البيتين من علم البديع الاكتفاء.
أبِنْ لي أبِنْ لي لِمْ سفكت دماءهم
ولِمْ ذا نهبت المال قصدا على عمدِ
وقد عصموا هذا وهذا بقول لا
إله سوى الله المهيمن ذي المجدِ
__________
(1) عن أبي هريرة (( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بال هذا؟! فقيل: يا رسول الله يتشبه بالنساء، فأمر فنفي إلى النقيع، فقالوا: يا رسول الله ألا نقتله؟! فقال إني نهيت عن قتل المصلين. قال أبو أسامة: والنقيع ناحية عن المدينة وليس بالبقيع.
(2) أخرجه مسلم 3/1480(1854)، 3/1481(1854)، وأبو داود 4/242(4760)، والترمذي 4/529(2265)، وأحمد 6/302 (26619)، والبيهقي في الكبرى 3/367(6295)، والطيالسي /223(1595).
إشارة إلى ما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم، وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله )) (1).
وأخرج الإمام [أحمد] في مسنده، وابن خزيمة في صحيحه، من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ثم قد حرمت علي دماءهم، وأموالهم، وحسابهم على الله )) (2). فأخبر صلى الله عليه وآله وسلم أن الناس إذا آمنوا، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، حرمت دماءهم وأموالهم.
وأما قوله إلا بحق الإسلام، فالمراد به ما أباحه الإسلام في الدماء مَن قتل النفس المؤمنة بغير حق، ومن زنى وهو محصن، ومن ارتد عن الإسلام، أو قطع يد السارق، ومن الساعي في الأرض فسادا، ونحوها، وما أباحه من الأموال كأخذ الزكاة من الغال، وتغريم من اغتصب الأموال.
وقال ثلاث لا يحل لغيرها
دم المسلم المعصوم في الحل والعقدِ
__________
(1) أخرجه البخاري 1/17(25)، ومسلم 1/52(21)، وأبو داود 3/44(2640)، وأحمد 2/345(8525)، وابن حبان 1/401 (175)، وابن خزيمة 4/8(2248)، والحاكم 1/544(1428)، وغيرهم.
(2) أخرجه أحمد 2/345(8525) بلفظ: (( قد حرم ... ))، وابن خزيمة في الصحيح 4/8(2248).
إشارة إلى حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق )) (1).
أخرجه الشيخان بألفاظ.
وهذا هو الذي أشار إليه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إلا بحق الإسلام )) (2).
وقال علي في الخوارج إنهم
من الكفر فروا بعد فعلهم المردي
إشارة إلى ما روي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام (( أنه سئل عن الخوارج: أكفار هم؟ فقال: من الكفر فروا. قيل: فما هم؟ قال: إخواننا بالأمس بغوا علينا )) (3) .
__________
(1) أخرجه أبو داود 4/170(4502)، والنسائي في المجتبى 7/91(4019)، وابن ماجة 2/847(2533)، وأحمد 1/65(468)، والنسائي في الكبرى 2/292(3482)، والبيهقي 8/18(15621)، والطيالسي /13(72)، وابن الجارود في المنتقى /213(836)، وابن أبي عاصم في الآحاد المثاني 1/132(149)، وأحمد في فضائل الصحابة 1/495(806)، والطحاوي في شرح معاني الآثار 3/159، والحارث في المسند (بغية الباحث) 2/899(977). بلفظ: (( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إسلام، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس ... )).
(2) أي: في الحديث الآنف الذكر.
(3) عن أبي البختري قال سئل علي رضي الله عنه عن أهل الجمل أمشركون هم ؟قال من الشرك فروا . قيل : أمنافقون هم ؟قال : إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا .قيل: فما هم ؟! قال: إخواننا بغوا علينا.
أخرجه البيهقي في سننه الكبرى ج 8/ص 173/ح 16490
وعبد الرزاق في مصنفه ج7/ص535/ح37763.
في فتح الباري (( أن عليا عليه السلام لم يكفر الخوارج مع تكفيرهم له، وقتلهم لعباد الله، وتكفيرهم لمن ليس على بدعتهم من عباد الله )) (1)، وللعلماء فيهم أقوال واسعة.
ولم يحفر الأخدود في باب كندة
ليحرقهم فافهمه إن كنت تستهدي
ولكن لقوم قد أتوا بعظيمة
فقالوا عليٌّ ربنا منتهى القصدِ
إشارة إلى ما أخرجه أبو المظفر الإسفرائيني في الملل والنحل: أن الذين أحرقهم علي عليه السلام طائفة من الذين غلوا فيه وادعو فيه الإلهية، وكان كبيرهم عبد الله بن سبأ، كان يهوديا ثم أظهر الإسلام وابتدع هذه المقالة (2).
وأخرج أبو الطاهر المخلص، من طريق عبد الله بن شريك العامري، عن أبيه قال: قيل لعلي عليه السلام: إن هاهنا قوماً خارج المسجد يزعمون أنك ربهم !! فدعاهم وقال: ويلكم ما تقولون؟! قالوا: أنت ربنا وخالقنا ورازقنا. فقال: إنما أنا عبد آكل الطعام كما تأكلون، وأشرب كما تشربون، إن أطعت الله أثابني، وإن عصيته خشيته أن يعذبني، فارجعوا. فأبوا فلما كان الغد غدوا عليه، فجاء قنبر فقال: والله رجعوا يقولون ذلك الكلام. قال: أدخلهم. فقالوا: كذلك. فلما كان اليوم الثالث قال: لئن قلتم لأقتلنكم شر قتلة! فأبوا إلا ذلك. فقال: يا قنبر ائتني
__________
(1) انظر فتح الباري 12/302.
(2) المقصود به عبد القاهر البغدادي صاحب كتاب (الفَرق بين الفِرق). والقصة موجود فيه /225، 233. وليس كتاب حديث حتى يقول المصنف: أخرجه أبو المظفر. والقصة مذكورة أيضا في طبقات المحدثين لابن حبان 2/341(207).
بِفَعَلَة،(1) فخد لهم خدودا بين باب المسجد والقصر، قال: احفروا وأبعِدوا في الأرض، وجاء بالحطب وطرحه في النار في الأخدود، وقال: إني طارحكم فيها أو ترجعون. فأبوا أن يرجعوا، فقذفهم فيها وقال:
إني إذا رأيت أمرا منكرا
أوقدت نارا ودعوت قنبرا
قال الحافظ ابن حجر إسناده صحيح.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب منهاج السنة: إن عليا عليه السلام أمر بإحراق الذين ادعوا فيه الإلهية، فإنه خرج ذات يوم فسجدوا له. فقال لهم: ما هذا؟ قالوا: أنت هو. قال: من أنا؟ قالوا: أنت الله الذي لا إله إلا هو. فقال: ويلكم هذا كفر، فارجعوا عنه وإلا ضربت أعناقكم. فصنعوا في اليوم الثاني والثالث كذلك، وأخرهم ثلاثة أيام، لأن المرتد يستتاب ثلاثة أيام، فلما لم يرجعوا أمر بأخاديد من نار ....إلى آخر ما ذكرناه. وقال: وهذا واجب باتفاق المسلمين. انتهى كلامه.
وأنشد لبعض النصيرية:
أشهد أن لا إله إلا ... علي الأنزع البطين
ولا حجاب عليه إلا ... محمد الصادق الأمين
ولا طريق إليه إلا ... سليمان ذو القوة المتين
إذا عرفت هذا، فلذا قلنا:
وهذا هو الكفر الصريح وليس ذا
برفض ولا رأي الخوارج في المهدي
__________
(1) الفعلة: العمال.
أردنا بالمهدي: عليا عليه السلام، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( اللهم اجعله هاديا مهديا في بعثه إلى اليمن )) (1)، وبه يُعلم أن عليا عليه السلام حرَّق من كفر بالله، وسجد له، وزعم أنه رب العالمين، وقتلُه واجب بإجماع المسلمين، كما قال ابن تيمية، وكما هو معروف من ضرورة دين سيد المرسلين.
فاعجب لجعل ابن عبد الوهاب فِعلَ (2) علي عليه السلام دليلا على قتل المسلمين المصلين المزكين الموحدين !!! ذكره في رسالته دليلا على قتله عباد الله ونهبهم.
وقولنا ولا رأي الخوارج في المهدي، أي: أنهم لا يقولون: علي رضي الله عنه إله، بل يقولون: إنه كافر، وحاشاه عما يقول الظالمون.
ثم استدل الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأنه: أجمع التابعون وبقية الصحابة على قتل المختار بن أبي عبيد فأشرنا إلى ذلك بقولنا:
وقد قلتَ في المختار أَجمَعَ كل من
حوى عصره من تابعيٍّ وذي رشدِ
على كفره هذا يقين لأنه
تسمى نبيا لا كما قلت في الجعدي
__________
(2) في (أ): قتل.
فمن العجب استدلاله بقتل المختار بن أبي عبيد الثقفي (1)، وأنه أجمع التابعون
__________
(1) المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي، أبو إسحاق، من زعماء الثائرين على بني أمية، وأحد الشجعان الأفذاذ من أهل الطائف، انتقل منها إلى المدينة مع أبيه في زمن عمر، وتوجه أبوه إلى العراق فاستشهد يوم الجسر، وبقي المختار في المدينة منقطعاً إلى بني هاشم، وتزوج عبد الله بن عمر بن الخطاب أخته صفية بنت أبي عبيد، ثم كان مع علي بالعراق، وسكن البصرة بعد علي، ولما قتل الحسين سنة (61هـ) انحرف المختار عن عبيد الله بن زياد (أمير البصرة) فقبض عليه ابن زياد وجلده وحبسه، ونفاه بشفاعة ابن عمر إلى الطائف. ولما مات يزيد بن معاوية سنة (64هـ) وقام عبد الله بن الزبير في المدينة بطلب الخلافة، ذهب إليه المختار وعاهده، وشهد معه بداية حرب الحصين بن نمير، ثم استأذنه في التوجه إلى الكوفة ليدعو الناس إلى طاعته، فوثق به وأرسله ووصى عليه، غير أنه كان أكبر همه منذ دخل الكوفة أن يقتل من قاتلوا الحسين وقتلوه، فدعا إلى إمامة (محمد ابن الحنفية) وقال: إنه استخلفه، فبايعه زهاء سبعة عشر ألف رجل سراً، فخرج بهم على والي الكوفة عبد الله بن مطيع، فغلب عليها واستولى على الموصل وعظم شأنه. وتتبع قتلة الحسين، فقتل منهم شمر بن ذي الجوشن الذي باشر قتل الحسين، وخولي بن يزيد الذي سار برأسه إلى الكوفة، وعمر بن سعد بن أبي وقاص أمير الجيش الذي حاربه.
وأرسل إبراهيم بن الأشتر في عسكر كثيف إلى عبيد الله بن زياد، الذي جهز الجيش لحرب الحسين، فقتل ابن زياد وقتل كثيرين ممن كان لهم ضلع في تلك الجريمة.
وكان يرسل بعض المال إلى صهره ابن عمر وإلى ابن عباس وإلى ابن الحنفية فيقبلونه. وشاعت في الناس أخبار عنه بأنه ادعا النبوة ونزول الوحي عليه، وأنه كان لا يوقف له على مذهب، ونقلوا عنه أسجاعاً، قيل: كان يزعم أنها من الإلهام، منها: (( أما والذي شرع الأديان، وحبب الإيمان، وكره العصيان، لأقتلن أزد عمان، وجل قيس عيلان، وتميماً أولياء الشيطان، حاشا النجيب بن ظبيان ))، وقد يكون هذا من اختراع أصحاب القصص، وقد نقله الثعالبي. وعلم المختار بأن عبد الله بن الزبير اشتد علي ابن الحنفية وابن عباس لامتناعهما عن بيعته في المدينة، وأنه حصرهما ومن كان معهما في الشعب بمكة، فأرسل المختار عسكراً حاصر مكة وأخرجهما من الشعب، فانصرفا إلى الطائف وحمد الناس له عمله. ورُويت عنه أبيات قالها في ذلك، أولها:
تسربلت من همدان درعاً حصينة ... ترد العوالي بالأنوف الرواغم
وعمل مصعب بن الزبير، وهو أمير البصرة بالنيابة عن أخيه عبد الله، على خضد شوكة المختار فقاتله، ونشبت وقائع انتهت بحصر المختار في قصر الكوفة، وقتله ومن كان معه. ومدة إمارته ستة عشر شهراً. وفي (الإصابة) وهو من غريب المصادفات: أن عبد الملك بن عمر ذكر أنه رأى عبيد الله بن زياد وقد جيء إليه برأس الحسين، ثم أتي برأس المختار، ثم رأى عبد الملك بن مروان وقد حمل إليه رأس مصعب. ومما كتب في سيرته (أخبار المختار ـ ط) ويسمى: (آخذ الثار) لبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي. وسَمى صاحب كتاب (الغدير) واحدا وعشرين مصنفا في أخباره. الإصابة (8547)، والفرق بين الفرق /31 - 37، وابن الأثير 4/82-108، والشعور بالعور، والطبري 7/146، والحور العين /182، وثمار القلوب /70، وفرق الشيعة /23، والمرزباني /408، والأخبار الطوال /282-300، والذريعة 1/348 و 349، وانظر منتخبات في أخبار اليمن /32، والفاطميون في مصر /34 - 38، وفيه بحث عن علاقة المختار بالكيسانية، وفي التاج 4/238، والغدير 2/344 - 345. الأعلام 7/192.
مع بقية الصحابة على قتله، ووجه العجب منا: أن المختار طالب مُلك، تغلب على الكوفة ونواحيها، وكان عبد الله بن الزبير (1) قد ادعا الخلافة لنفسه بمكة، وغلب
__________
(1) عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي، أبو بكر، فارس قريش في زمنه، وأول مولود في المدينة بعد الهجرة، شهد فتح إفريقية زمن عثمان، وبويع له بالخلافة سنة (64هـ)، عقيب موت يزيد بن معاوية، فحكم مصر والحجاز واليمن وخراسان والعراق وأكثر الشام، وجعل قاعدة ملكه المدينة. وكانت له مع الأمويين وقائع هائلة، حتى سيروا إليه الحجاج الثقفي في أيام عبد الملك بن مروان، فانتقل إلى مكة، وعسكر الحجاج في الطائف. ونشبت بينهما حروب أتى المؤؤخون على تفصيلها، انتهت بمقتل ابن الزبير في مكة، بعد أن خذله عامة أصحابه وقاتل قتال الأبطال، وهو في عشر الثمانين. وكان من خطباء قريش المعدودين، يشبَّه في ذلك بأبي بكر.
مدة خلافته تسع سنين، وكان نقش الدراهم في أيامه بأحد الوجهين: محمد رسول الله، وبالآخر: أمر الله بالوفاء والعدل، وهو أول من ضرب الدراهم المستديرة، له في كتب الحديث 33 حديثا، وكانت في الأعمال البهنساوية (بمصر) طائفة من بنيه، هم: بنو بدر، وبنو مصلح، وبنو نصارة. ابن الأثير 4/135 وما قبلها، وفوات الوفيات 1/210، وتاريخ الخميس 2/301، وحلية 1/329، واليعقوبي 3/2، وصفة الصفوة 1/322، والطبري 7/202، وتهذيب ابن عساكر 7/396، وشذور العقود للمقريزي /6، وجمهرة الأنساب /113 و 114. الأعلام 4/87.
على الحجاز واليمن، وبعث أخاه مصعبا (1) إلى العراق ليأخذها له، فقتل مصعبُ بن الزبير المختارَ ابن أبي عبيد، كما قتل بعد ذلك عبد الملك مصعبا، وقتل الحجاجُ
__________
(1) مصعب بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي القرشي، أبو عبد الله، أحد الولاة الأبطال في صدر الإسلام، نشأ بين يدي أخيه عبد الله بن الزبير، فكان عضده الأقوى في تثبيت ملكه بالحجاز والعراق، وولاه عبد الله البصرة سنة (67هـ) فقصدها، وضبط أمورها وقتل المختار الثقفي، ثم عزله عبد الله عنها مدة سنة، وأعاده في أواخر سنة (68هـ)، وأضاف إليه الكوفة فأحسن سياستهما. وتجرد عبد الملك بن مروان لقتاله، فسير إليه الجيوش، فكان مصعب يفلها، حتى خرج إليه عبد الملك بنفسه، فلما دخل العراق خذل مصعباً قواد جيشه وأصحابه، فثبت فيمن بقي معه، فأنفذ إليه عبد الملك أخاه محمد بن مروان، فعرض عليه الامان وولاية العراقين أبدا ما دام حيا ومليوني درهم صلة، على أن يرجع عن القتال فأبى مصعب، فشد عليه جيش عبد الملك في وقعة عند دير الجاثليق (على شاطئ دجيل من أرض مسكن) وطعنه زائدة بن قيس السعدي، أو (عبيد الله بن زياد بن ظبيان) فقتله، وحمل رأسه إلى عبد الملك.
وبمقتله نقلت بيعة أهل العراق إلى ملوك الشام، وكانت في البهنساوية بمصر قبيلة تنتسب إليه تعرف ببني مصعب. قال أبو عبيدة معمرة بن المثنى: كان مصعب أحب أمراء العراق إلى أهل العراق، يعطيهم عطاءين، عطاء للشتاء وعطاء للصيف، وكان يشتد في موضع الشدة ويلين في موضع اللين. الطبري /حوادث سنة 71 وما قبلها، ومثله الكامل لابن الأثير، والبداية والنهاية، وهو في تاريخ الإسلام للذهبي 3/108 في حوادث سنة 72، وأرخه ابن سعد في الطبقات 5/135 سنة 72، ومثله في تاريخ بغداد 13/105، قلت: والمؤرخون مع اختلافهم في مقتله سنة 71 أو 72هـ، يذكرون في عمره يوم قتل ثلاث روايات: 35سنة، و40 و45، واقتصر ابن الجوزي في (أعمار الأعيان ـ خ) على الرواية الأخيرة. ونسب قريش 249 - 250، وانظر فهرسته. ورغبة الآمل 1/85، و3/124، 170، و5/235، و6/38، و7/185، والنقائض طبعة لندن 1090. الأعلام 7/247 - 248.
(1) عبدَ الله بن الزبير، فهؤلاء أقوامٌ طلاب ملك ودنيا، ولا يسَتدل بأفعالهم عاقل، ولا يقال في أفعالهم: أجمع الناس على قتل فلان منهم، وإلا لزمه أنه أجمع الناس
__________
(1) الحجاج بن يوسف بن الحكم الثقفي، أبو محمد، قائد، داهية، سفاك، خطيب. ولد ونشأ في الطائف بالحجاز، وانتقل إلى الشام فلحق بروح بن زنباع نائب عبد الملك بن مروان، فكان في عديد شرطته، ثم ما زال يظهر حتى قلده عبد الملك أمر عسكره، وأمره بقتال عبد الله بن الزبير، فزحف إلى الحجاز بجيش كبير وقتل عبد الله وفرق جموعه، فولاه عبد الملك مكة والمدينة والطائف، ثم أضاف إليها العراق والثورة قائمة فيه، فانصرف إلى بغداد في ثمانية أو تسعة رجال على النجائب، فقمع الثورة وثبتت له الإمارة عشرين سنة، وبنى مدينة واسط - بين الكوفة والبصرة - وكان سفاكا سفاحا باتفاق معظم المؤرخين. قال عبد بن شوذب: ما رؤي مثل الحجاج لمن أطاعه ولا مثله لمن عصاه. وقال أبو عمرو بن العلاء: ما رأيت أحداً أفصح من الحسن البصري والحجاج. وقال ياقوت (في معجم البلدان): ذكر الحجاج عند عبد الوهاب الثقفي بسوء، فغضب وقال: إنما تذكرون المساوئ! أو ما تعلمون أنه أول من ضرب درهما عليه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأول من بنى مدينة بعد الصحابة في الإسلام، وأول من اتخذ المحامل، وأن امرأة من المسلمين سبيت في الهند فنادت يا حجّاجاه، فاتصل به ذلك فجعل يقول: لبيك لبيك! وأنفق سبعة آلاف ألف درهم حتى أنقذ المرأة.
واتخذ (المناظر) بينه وبني قزوين، فكان إذا دخن أهل قزوين دخنت المناظر إن كان نهاراً، وإن كان ليلا أشعلوا نيرانا، فتجرد الخيل إليهم، فكانت المناظر متصلة بين قزوين وواسط، وأصحبت قزوين ثغراً حينئذ. وأخبار الحجاج كثيرة، مات بواسط، وأجري على قبره الماء، فاندرس. معجم البلدان 8/382، ووفيات الأعيان 1/123، والمسعودي 2/103 - 119، وتهذيب التهذيب 2/210، وتهذيب ابن عساكر 4/48، وابن الأثير 4/222، وسير النبلاء - خ - وفيه: له حسنات مغمورة في بحر ذنوبه، وأمره إلى الله. والبدء والتاريخ 6/28، وفيه صفته: كان رجلاً أخفش، حمش الساقين، منقوص الجاعرتين، صغير الجثة، دقيق الصوت، أكتم الحلق. الأعلام 2/168.
على قتل عبد الله بن الزبير، بل هؤلاء أقوام يسفكون الدماء لطلب الملك، فأفعالهم دولية لا دليلية، فليس لعاقل ولا عالم أن يجعل أفعالهم قدوة.
نعم وقوله: لأنه تَسَمَّى نبيا. يعني: أن المختار بن أبي عبيد كان يدعي النبوة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه منهاج السنة: إن المختار بن أبي عبيد كان كذابا، يدعي النبوة وإتيان جبريل إليه.
قال: وهذا كفر إن لم يتب منه كان مرتدا. انتهى.
وقولنا: لا كما قلت في الجعدي. إشارة إلى قوله في رسالته: أنه أجمع التابعون ومن بعدهم على قتل الجعد بن درهم (1). هذا كلامه في الرسالة، فادعا الإجماع على قتل الجعد.
قال شيخ الإسلام في كتابه منهاج السنة: إن الجعد بن درهم يقال: إنه أول من ابتدع القول بنفي الصفات، وكان يُعلِّم مروان بن محمد (2) آخر خلفاء بني
__________
(1) الجعد بن درهم من الموالي، مبتدع، له أخبار في الزندقة، سكن الجزيرة الفراتية، وأخذ عنه مروان بن محمد لما ولي الجزيرة في أيام هشام بن عبد الملك فنسب إليه، أو كان الجعد مؤدبه في صغره، ومن أراد ذم مروان لقبه بالجعدي، نسبة إليه. قال الذهبي: عداده في التابعين، مبتدع ضال، زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى، فقتل على ذلك بالعراق يوم النحر. وقال ابن الأثير: كان مروان يلقب بالجعدي، لأنه تعلم من الجعد بن درهم مذهبه في القول بخلق القرآن والقدر. وقيل: كان الجعد زنديقا، شهد عليه ميمون بن مهران، فطلبه هشام فظفر به وسيره إلى خالد القسري - في العراق - فقتله. وقال الزبيدي: الجعد بن درهم مولى سويد بن غفلة، صاحب رأي أخذ به جماعة بالجزيرة، وإليه نسب مروان، فيقال له: الجعدي، وكان إذ ذاك والياً بالجزيرة. وقال ابن تغري بردي في كلامه على مروان: كان يعرف بالجعدي، نسبة إلى مؤدبه جعد بن درهم. وقال الدياربكري: مؤدبه وأستاذه. ميزان الاتدال 1/185، والكامل لابن الأثير 5/160، والتاج 2/321، ولسان الميزان 2/105، واللباب 1/230، والنجوم الزاهرة 1/322، وتاريخ الخميس 2/322. الأعلام 2/120.
(2) مروان بن محمد بن مروان بن الحكم الأموي، يعرف بالجعدي، وبالحمار ولد بالجزيرة سنة/ 72هـ. ولاه هشام أرمينية وأذربيجان، ولما قتل الوليد بن يزيد، وضعفت الدولة الأموية دعا إلى نفسه بأرمينية فبايعوه فيها. وقصد الشام وتولى عرش بني مروان، وقويت الدعوة العباسية في أيامه، وقتل في معركة بينه وبين بني العباس سنة/ 132هـ ولقب بالحمار لجرأته في الحروب. تولى خمس سنوات وعشرة أشهر - الأعلام 7/ 208_ 209.
أمية، وكان الجعد من خراسان، ثم ذكر أن خالد القسري (1) ضحى بالجعد بن درهم وقتله يوم النحر. وقال في خطبة عيد(2) النحر: أيها الناس ضحوا تقبل الله منكم، وإني مُضحٍّ بالجعد بن درهم، فإنه يقول إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولا كلم الله موسى تكليما، فذبحه (3). انتهى.
__________
(1) خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد القسري، من بجيلة، أبو الهيثم، أمير العراقيين وأحد خطباء العرب وأجوادهم، يماني الأصل من أهل دمشق. ولي مكة سنة (89هـ) للوليد بن عبد الملك، ثم ولاه هشام العراقيين (الكوفة والبصرة) سنة (105هـ) فأقام بالكوفة، وطالت مدته إلى أن عزله هشام سنة (120هـ)، وولى مكانه يوسف بن عمر الثقفي وأمره أن يحاسبه، فسجنه يوسف وعذبه بالحيرة ثم قتله في أيام الوليد بن يزيد، وكان خالد يرمى بالزندقة، وللفرزدق هجاء فيه. الأغاني 19/53 0 64، وتهذيب ابن عساكر 5/67 - 80، والوفيات 1/169، وتهذيب التهذيب، والبداية والنهاية، وابن خلدون 3/105 وما قبلها، وابن الأثير 4/205، و 5/101. الأعلام 2/297.
(2) في(أ): يوم.
(3) أخرج القصة البيهقي في السنن 10/205(20676)، والبخاري في خلق أفعال العباد /29، والمزي في تهذيب الكمال 8/107 (1627)، و 23/437(4821)، والخطيب في تاريخه 12/425(6872)، والبخاري في التاريخ الكبير 1/64(143)، و 3/158 (542)، وابن حجر في الفتح 13/347، 449.
فهذا الذي قتل الجعد عاملٌ من عمال بني أمية، قتله بغير مشاورةِ عالم من علماء الدين، فكيف يقول ابن عبد الوهاب: إنه قتله بإجماع التابعين ؟! فأين الحياء من رب العالمين في نسبة الإجماع لهذا الفعل إلى التابعين ؟!! وهو فعل عامل من عمال الجائزين !!! ولذا قلنا:
فذلك(1) لم يُجمَع على قتله ولا
سوى خالد ضحى به وهو عن قصدِ
وقد عرفت معنى البيت مما سبق، على أن ابن عبد الوهاب خالف إمامه الإمام أحمد بن حنبل في دعوى الإجماع، فإن أحمد يقول:( من ادعى الإجماع فهو كاذب) ولذا قلنا:
وقد أنكر الإجماع أحمد قائلا
لمن يدعيه قد كذبتَ بلا جحدِ
روى ذلك ابن القيم الأوحد الذي
أتى بنفيس العلم في كل ما يبدي
قال أبو بكر بن قيم الجوزية في كتابه أعلام الموقعين في الجزء الأول منه في أثناء كلامه: وصار من لا يعرف الخلاف من المقلدين إذا احتُجَّ عليه بالقرآن (2) والسنة قال: هذا خلاف الإجماع. وهذا هو الذي أنكره أئمة الإسلام، وعابوا من كل ناحية على من ارتكبه، وكذبوا من ادعاه. فقال الإمام أحمد في رواية عبد الله:
__________
(1) في (أ): وذلك.
(2) في (أ)، (ج): احتج عليه القرآن. وفي (ب): احتج بالقرآن. ولفقت النص من الجميع.
من ادعا الإجماع فهو كاذب. انتهى بألفاظه. وهذا ينقله عن أحمد الأئمة أهل أصول الفقه (1)، فنقله(2) ابن الحاجب في مختصر المنتهى. وغيره.
وقال ابن حزم في شرح (3) المحلى: إن من ادعا الإحاطة بالإجماع كاذب. وإذا عرفت هذا عرفت أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب كاذب بنص إمامه.
كدعواك في أن الصحابة أجمعوا
على قتلهم والسبي والنهب والطردِ
لمن لزكاة المال قد كان مانعا
وذلك مِن جهلٍ بصاحبه يردي
نقل الشيخ محمد [ بن عبد الوهاب ] في رسالته عن الشيخ ابن تيمية أنه قال في الكلام على كفر مانعي الزكاة: والصحابة لم يقولوا هل أنت مقر بوجوبها أو جاحدها ؟ هذا لم يعهد من الخلفاء والصحابة، بل قال الصديق: والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم على منعها. فجعل المبيح(4) للقتال مجرد(5) المنع لاجحد الوجوب، وقد روي أن طوائف منهم كانوا يقرون بالوجوب(6) لكن بخلوا بها، ومع هذا فسيرة الخلفاء فيهم جميعا سيرة واحدة، وهي قتل مقاتليهم، وسبي ذراريهم، وغنيمة أموالهم، والشهادة على قتلاهم بالنار، وسموهم جميعا أهل الردة. وكان من أعظم فضائل الصديق عندهم
__________
(1) في (أ): الأئمة أهل السنة فنقل.
(2) في(أ): فنقل.
(3) في (أ): في شرحه ...
(4) في (أ): الشبح. مصحفة.
(5) في (أ): القتال لمجرد...
(6) سقط من (أ): بالوجوب.
أن ثبته الله عند قتالهم، ولم يتوقف كما توقف غيره، فناظرهم حتى رجعوا... إلى قوله:
وأما قتال المقرين بنبوة مسيلمة الكذاب فهؤلاءلم يقع بينهم نزاع في قتالهم. انتهى ما نقله ابن عبد الوهاب عن ابن تيمية. فتأمل كلامه في تكفير المانع،(1) والشهادة عليه إذ(2) قتل بالنار، وسبي حريمه وأولاده، عند منع الزكاة. انتهى.
ثم قال: ومن أعظم ما يجلو الاشكال في مسألة التكفير، والقتال لمن قَصدُه اتباع الحق، إجماع الصحابة على قتال مانعي الزكاة، وإدخالهم في أهل الردة، وسبي ذراريهم، وجعلهم معهم كما(3) صح عنهم، وهو أول قتال وقع في الإسلام على من ادعا أنه من المسلمين. انتهى.
قلت: لا(4) أدري كيف هذا النقل ! فالذي قاله القاضي عياض اليحصبي (5) العلامة المالكي، في شرحه لمسلم المسمى بالاكمال، وقال غيره من علماء السنة وفحول الرجال: إن الذين خالفوا الصديق بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا ثلاثة أصناف:
__________
(1) في (أ): الغير. وفي (ب): المعين. كلاهما مصحقة. وظنن في (ب): بالمانع، وهو الصواب.
(2) في جميع المخطوطات: إذا. ولعل الصواب ما أثبت.
(3) في المخطوطات: ما. ولعل الصواب ما أثبت.
(4) في (أ): ولا.
(5) عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي، أبو الفضل، عالم المغرب وإمام أهل الحديث في وقته، كان من أعلم الناس بكلام العرب وأنسابهم وأيامهم، ولي قضاء سبتة، ومولده فيها، ثم قضاء غرناطة، وتوفي بمراكش مسموما، قيل: سمه يهودي. من تصانيفه (الشفا بتعريف حقوق المصطفى ـ ط)، و (شرح صحيح مسلم ـ خ)، و (مشارق الأنوار ـ ط) مجلدان في الحديث، /31. الأعلام 5/99.
صنف عادوا إلى عبادة الأصنام.
وصنف تبعوا مسيلمة (1)، والأسود العنسي (2)، وكان كل واحد منهما ادعا النبوة قبل موت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فصدق مسيلمةَ أهلُ اليمامة
__________
(1) مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفي الوائلي، أبو ثمامة، متنبئ من المعمرين، وفي الأمثال: أكذب من مسيلمة. ولد ونشأ باليمامة في القرية المسماة اليوم بالجبيلة بقرب العيينة بوادي حنيفة في نجد، وتلقب في الجاهلية بالرحمن، وعُرف برحمان اليمامة، ولما ظهر الإسلام في غربي الجزيرة، وافتتح النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكة ودانت له العرب، جاءه وفد من بني حنيفة، قيل: كان مسيلمة معهم إلا أنه تخلف مع الرحال خارج مكة، وهو شيخ هرم، فأسلم الوفد وذكروا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مكان مسيلمة، فأمر له بمثل ما أمر به لهم، وقال: ليس بشرّكم مكانا، ولما رجعوا إلى ديارهم كتب مسيلمة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، سلام عليك، أما بعد فإني قد أشركت في الأمر معك، وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض، ولكن قريشاً قوم يعتدون. فأجابه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى مسليمة الكذاب، السلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. وذلك في أواخر سنة (10هـ) كما في سيرة ابن هشام (3/74)، وأكثر مسيلمة من وضع أسجاع يضاهي بها القرآن، وتوفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل القضاء على فتنته، فلما انتظم الأمر لأبي بكر، انتدب له أعظم قواده خالد بن الوليد على رأس جيش قوي، هاجم ديار بني حنيفة، وصمد هؤلاء، فكانت عدة من استشهد من المسلمين على قلتهم في ذلك الحين ألفا ومائتي رجل، منهم أربعمائة وخمسون صحابيا( كما في الشذرات)، وانتهت المعركة بظفر خالد ومقتل مسيلمة سنة (12هـ)، ولا يزال في نجد وغيرها من ينتسب إلى بني حنيفة الذين تفرقوا في أنحاء الجزيرة، وكان مسيلمة ضئيل الجسم، قالوا في وصفه: كان رُوَيجلا، أصَيْغر، أخيَنس. كما في كتاب البدء والتاريخ. وقيل: اسمه هارون، ومسيلمة لقبه (كما في تاريخ الخميس)، ويقال: كان اسمه: مسلمة، وصغَّره المسلمون تحقيراً له. قال عمارة بن عقيل:
أكان مَسلمة الكذاب قال لكم ... لن تدركوا المجد حتى تغضبوا مضراً
ولهشام الكلبي النسابة (كتاب مسيلمة). سيرة ابن هشام 3/74، والروض الأنف 2،340، والكامل لابن الأثير 2/137 - 140، وفتوح البلدان للبلاذري /94 - 100، وشذرات الذهب 1/23، وتاريخ الخميس 2/157، الأعلام 7/226.
(2) عيهلة بن كعب بن عوف العنسي، ويقال عبهلة، متنبئ مشعوذ، من أهل اليمن، كان بطاشا جبارا، أسلم حين أسلم أهل اليمن، وارتد في أيام النبي صلى الله عليه وآله، فكان أول مرتد عن الإسلام، وادعا النبوة، وأرى قومه أعاجيب إستهواهم بها، فأتبعته مذ حج، وتغَّلب على نجران وصنعاء، واتسع سلطانه حتى غلب على ما بين حضرموت إلى الطائف إلى البحرين والاحساء إلى عدن.
حرض النبي صلى الله عليه وآله على قتله، فأغتاله أحدهم، قبل موت النبي صلى الله عليه وآله بشهر واحد سنة/11هـ. وتسَمَّى: رحمان اليمامة. الكامل لأبن الأثير حوادث/ 11هـ. الأعلام 5/ 111.
وجماعة من غيرهم، وصدق الأسودَ أهلُ صنعاء وجماعة من غيرهم، فقُتل الأسود قبل وفاته صلى الله عليه وآله وسلم، فبقي بعض من آمن به (1)، فقاتلهم عمال أبي بكر رضي الله عنه، وأما مسيلمة فجهز إليه أبو بكر رضي الله عنه الجيوش، وكان أميرهم خالد بن الوليد، فقتلوا مسيلمة بعد حرب شديد.
وصنف ثالث استمروا على الإسلام، ولكنهم جحدوا الزكاةَ وتأولوا(2) بأنها خاصة لزمنه صلى الله عليه وآله وسلم، وهم الذين ناظر عمر أبا بكر في قتالهم، وهذا معروف في البخاري وغيره. وفيه أن أبا بكر رضي الله عنه لم يقل بكفر من منعه الزكاة وإنه بمنعه إياها ارتد عن الإسلام، إذ لو كان هذا رأيه وأنهم كفار، لم يطالبهم بالزكاة، بل يطالبهم بالإيمان والرجوع، ولقال لعمر رضي الله عنه لما
__________
(1) سقط من (أ): به.
(2) في (أ): وقالوا. مصحفة.
ناظره: إنهم كفار، بل قال: (( والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة )) (1). وهو صريح أن قتالهم لمنعهم(2) الزكاة، ولذا قال: (( والله لو منعوني عناقا... )) الحديث، وهذا في صحيح البخاري وغيره. وإنما قاتلهم الصديق رضي الله عنه لما أصروا على منعها، ولم يعذرهم بالجهل لأنهم نصبوا القتال، فبعث إليهم من دعاهم إلى الرجوع، فلما أصروا قاتلهم ولم يكفرهم، ثم اختلف الصحابة فيهم بعد الغلبة عليهم: هل تُغنم أموالهم، وتسبى ذراريهم كالكفار، أو لا تغنم الأموال ولا تسبى الذراري كالبغاة، فذهب أبو بكر رضي الله عنه إلى الأول.
وذهب عمر إلى الثاني، ووافقه غيره بعد خلافته، وأرجع من كان سباهم أبو بكر، وأرجع إليهم أموالهم، كما ذكره بسنده العلامة أبو عمرو بن عبد البر في كتابه التمهيد.
قال الحافظ ابن حجر: واستمر الإجماع على رأي عمر. وقال: إن تسمية هؤلاء أهل الردة تغليبا مع الصنفين الأولين، وإلا فليسوا بكفار (3). انتهى.
وقد(4) عرفت ما في نقل الشيخ محمد [ بن عبد الوهاب ] عن ابن تيمية، وأنه مخالف لما في الصحيحين، ولما قاله العلماء، وأنه لا إجماع على تكفير مانعي
__________
(1) أخرجه البخاري 2/507(1335)، و 6/2538(6526)، , 6/2657(6855)، ومسلم 1/51(20)، وأبو داود 2/93(1556)، والترمذي 5/3(2607)، والنسائي في المجتبى 5/14(2443)، وأحمد 1/19(117)، وابن حبان 1/449(216)، والنسائي في الكبرى 2/8(2223)، والبيهقي 4/104(7116)، والطبراني في الأوسط 1/512(945)، وغيرهم.
(2) في (أ): بمنعهم.
(3) انظر القصة في فتح الباري 12/280.
(4) في (ب): وبه.
الزكاة، ولذا قلنا: إن دعواه في الإجماع على قتل الجعد بن درهم، كدعواه في إجماع الصحابة على ما ذكر، وزدناه(1) إيضاحا بقولنا:
فقد كان أصناف العصاة ثلاثة
كما قد رواه المسندون ذوو النقدِ
وقد جاهد الصديق أصنافهم ولم
يكفر منهم غير من ضل عن رشدِ
قد عرفت بما حققناه معنى البيتين، وتيقنت أن لا إجماع من الصحابة إلا على كفر أصحاب مسيلمة والعنسي، وعلى قتالهم.
وأما مانعوا(2) الزكاة فلم يكفرهم أحد من الصحابة، ولا أجمعوا على سبي ولا نهب، بل رد عمر رضي الله عنه ذلك، والشيخ محمد [ بن عبد الوهاب ] ينقل هذه الأقوال مستدلا بها على كفر من لديه من المسلمين، وغير من لديه، وإباحة الدماء والأموال، وهذه جهل لا يخفى على الجهال، فضلا عن العلماء والعقال ولذا قلنا:
وهذا لعمري غير ما أنت فيه من
تجاريك في قتلٍ لمن كان في نجدِ
فإنهم قد تابعوك على الهدى
ولم يجعلوا لله في الدين من ندِّ
وقد هجروا ما كان من بدع ومن
__________
(1) في (أ): وزدنا.
(2) في المخطوطات: مانعي.
عبادة مَن حل المقابر في اللحدِ
فمالك في سفك الدما قط حجة
خَفِ الله واحذر ما تسر وما تبدي
وعامل عباد الله باللطف وادعهم
إلى فعل ما يهدي إلى جنة الخلدِ
ورد عليهم ما سلبت فإنه
حرام ولا تغتر بالعز والجدِّ
ولا بأناسٍ حسنوا لك ما ترى
فما همهم إلا الأثاث مع النقدِ
يريدون نهب المسلمين وأخذ ما
بأيديهمُ من غير خوف ولا حدِّ
فراقب إله العرش من قبل أن تُرى
صريعا فلا شيء يفيد ولا يجدي
نعم فاعلموا أني أرى كل بدعة
ضلالا على ما قلت في ذلك العقدِ
ولا تحسبوا أني رجعت عن الذي
تضمنه نظمي القديم إلى نجدِ
بلى كلما فيه هو الحق إنما
تجاريك في سفك الدِّما ليس من قصدي
وتكفير أهل الأرض لست أقوله
كما قلته لا عن دليل به تهدي
وها أنا أبرى من فعالك في الورى
فما أنت في هذا مصيب ولا مهدي
ودونكها مني نصيحة مشفق
عليك عسى تهدي بهذا وتستهدي
وتغلق أبواب الغلو جميعه
وتأت الأمور الصالحات على قصدِ
وهذا نظام جاء والله حجة
عليك فقابل بالقبول الذي أُهدي
وصل على المختار والآل بعده
صلاة وتسليما تدوم بلا حدِّ
ورض على أصحاب أحمد إنهم
أولي الجِد في نصح الخلائق والجَدِّ
تمت الأبيات في الرجوع عما قيل في رسالة النجدي، والحمد لله رب العالمين، حمدا طيبا مباركا فيه، وسبحان الله وبحمده.
- - -
ثم رأيت من كمال نصح العباد، وما أدخر أجره ليوم المعاد، ذكر أمور وفوائد(1) تتعلق بالتكفير، وذلك أنه ورد في الشرع على قسمين، وكل قسم له حكم، وسأوضحه نظما وأشرحه،(2) فقلت:
نعم ثم إن الكفر قسمان فاعلموا ...
__________
(1) سقط من (أ): وفوائد.
(2) في (أ): نظما وشرحا.
وكلٌ من القسمين أحكامه(1) أبدي
فكفرُ اعتقاد حكمه السفك للدِّما
وسبي الذراري وانتهاب ذوي الجحدِ
في النهاية للعلامة ابن الأثير الجزري ما لفظه الكفر على أربعة أنحاء:
كفر إنكار، بأن لا يعرف الله تعالى أصلا ولا يعترف به.
وكفر جحود ككفر إبليس، يعرف الله بقلبه ولا يقر بلسانه.
وكفر عناد، وهو أن(2) يعرف الله بقلبه ويعترف بلسانه ولا يدين به،-حسدا وبغيا- (3) ككفر أبي جهل وأضرابه.
وكفر نفاق، وهو أن يعترف بلسانه ولا يعتقد بقلبه (4). انتهى.
ويأتي تحقيقه أنه يرجع إلى شيئين: كفر اعتقاد، وكفر عمل.
فكفر الاعتقاد قد أشرنا إلى حكمه، وهو سفك دم أصحابه، وسبي ذراريهم، ونهب أموالهم، وهؤلاء الذين بُعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعوهم إلى التوحيد، ولا يكف عنهم هذه الأحكام ويعصمها إلا ما أشار إليه قولنا:
إلى أن يقروا بالشهادة للذي
له الخلق والأمر الإله الذي يهدي
وأن يشهدوا أن الرسول محمدا
__________
(1) في (أ): أقسامه. مصحفة.
(2) سقط من (ب): أن.
(3) في (أ): ولا يدين به جده ككفر ... مصحفة.
(4) النهاية 4/186.
نبي أتى بالحق والنور والرشدِ
قد عُلم من ضرورة دين الإسلام، أنها لا تقبل شهادة أن لا إله إلا الله، إلا بشهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هذا معلوم من ضرورة الدين، فلا نحتاج(1) إلى الدليل، وقال تعالى { قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ ... } [النساء:170] الآية (2).
وأما أنه صلى الله عليه وآله وسلم جاء بالنور، فقال تعالى: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ } [المائدة:15]. والنور: القرآن، وهو من أسمائه.
وقولنا: الرشد. قال تعالى حكاية عن الجن: إنهم قالوا: { يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ } [الجن:2].
وأن يشهدوا أن المعاد حقيقة
يعيد بهم رب العباد الذي يبدي
قال الإمام الرازي في أسرار التنزيل: على أن أصول الإسلام هذه الثلاثة:
الأول: إثبات توحيد الله الدالة(3) عليه كلمة لا إله إلا الله.
والثانية النبوة.
__________
(1) في (أ): يحتاج.
(2) كمال الآية: { ... وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا }.
(3) في (أ): الدال.
والثالثة المعاد.
وأطال ذكر الأدلة على ذلك من القرآن الكريم، مما لا يحتمله هذا غير الإشارة إليه، والإيمان بالمعاد داخل في الإيمان بأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأنه جاء بإثبات المعاد والأدلة عليه. والإيمان(1) به صلى الله عليه وآله وسلم هو تصديقه في كل ما جاء به، ومنه الإيمان بالمعاد، فلذلك كانت كلمة الشهادتين متكفلة بجميع حقائق الإيمان، واكتفى صلى الله عليه وآله وسلم من الكفار بقولهما، فمن لم يقلهما حل دمه وماله وأهله، إلا من استثنيناه بقولنا:
خلا من له منهم كتاب فإنه
المعاهد والإيفاء حتم لذي العهدِ
قال الله تعالى: { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }[التوبة:29]. فأمر تعالى بقتالهم إلى أن يعطوا الجزية، فخصوا من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ))، أي: وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن أهل الكتاب جعل الله غاية قتالهم بإعطاء الجزية، كما جعل غاية قتال المشركين التكلم بالشهادتين، وهذا النوع الأول من الكفر وأحكامه.
وأما النوع الثاني فأشرنا إليه بقولنا:
وكفرٌ كمن(2) يأتي الكبائر لا سوى
وليس ككفر بالمعيد وبالمبدي
كتارك فرضٍ للصلاة تعمدا ...
__________
(1) في (أ): والإيمان إيمان به. زيادة سهو من النسخ.
(2) في (أ): لمن. مصحفة.
وتارك حكم الله في الحل والعقدِ
ورد في تارك الصلاة أحاديث أنه كَفَرَ بتركه إياها، أخرج مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة )). ورواه أهل السنن الأربع، وصححه الترمذي (1).
وأخرج أحمد، وأهل السنن، وصححه الترمذي من حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر )) (2).
وأخرج هبة الله الطبري - وقال إسناده صحيح على شرط مسلم - من حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( بين العبد وبين الكفر الصلاة، فإذا تركها فقد
__________
(1) أخرجه مسلم 1/88(82)، وأبو داود 4/219(4678)، والترمذي 5/13(2618)، (2620)، والنسائي في المجتبي 1/232(464)، وابن ماجة 1/342(1078)، والدارمي 1/307(1233)، وأحمد 3/370(15021)، وابن حبان 4/304(1453)، والنسائي في الكبرى 1/145(330)، والبيهقي 3/365 (6287)، وأبو يعلى 3/318(1783)، والطبراني في الصغير 1/231(374)، والكبير 9/191(8939)، والدارقطني 2/53(4)، والقضاعي في مسند الشهاب 1/181(266)، وعبد بن حميد في منتخب المسند /314(1022)، وابن الجعد في مسنده /385(2634).
(2) أخرجه الترمذي 5/13(2621)، والحاكم في المستدرك 1/48(11)، والدارقطني 2/52(2)، والنسائي في المجتبى 1/231(463)، وابن حبان في الصحيح 4/305(1454)، وأحمد 5/346(22987)، وابن ماجة 1/342(1079)، والدارمي 1/307(1233)، والبيهقي في الكبرى 3/366(6291)، وعبد بن حميد في المنتخب /314(1022).
أشرك )) (1)، وفي الباب أحاديث كثيرة سمى فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تارك الصلاة عمدا كافرا.
وأما قولنا: وتارك حكم الله في الحل والعقد، فهو: إشارة إلى قوله تعالى: { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } [المائدة:44]، و { هُمُ الظَّالِمُونَ } [المائدة:45]، و{ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [المائدة:47].
كذا سارق أو شارب الخمر أو زنى
فعنهم نفى الإيمان أحمد ذو المجدِ
أخرج الطبراني، والبزار عن أبي أوفى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يزني حين يزني وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف، أو يسرق وهو مؤمن ))(2).
قال الحافظ الهيثمي: فيه مدرك بن عمارة ذكره البيهقي في الثقات. وبقية بن خالد، وبقية رجاله رجال الصحيح. وفي الصحيح عن أبي هريرة، يرفعه: (( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق وهو مؤمن )) (3)، وفي الباب عن
__________
(1) أخرجه ابن ماجة 1/342(1080)، وهناك أحاديث كثيرة بألفاظ متقابة مثل: (( إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة )). أخرجه مسلم 1/88(82)، والدارمي 1/307(1233)، وأحمد 3/370(15021)، وغيرهم.
(2) أخرجه عن أبي أوفى الطيالسي عن طريق مدرك بن عمارة /110(823).
(3) أخرجه البخاري 2/875(2343)، ومسلم 1/76(57)، وأبو داود 4/221(4689)، والترمذي 5/15(2625)، والنسائي في المجتبى 8/63(4869)، وابن ماجة 2/1298(3936)، والدارمي 2/156(2106)، وأحمد 2/243(7316)، وابن حبان 1/414(186)، والحاكم في المستدرك 1/72(56)، والنسائي في الكبرى 3/227(5169)، والبيهقي 10/186(20542)، وأبو يعلى 11/188(6299)، والطبراني في الصغير 2/130(906)، والأوسط 1/324(538)، والكبير 11/244(11623)، والطيالسي /110 (823)، والحميدي في المسند 2/478(1128)، وإسحاق بن راهويه في المسند 1/386(416)، وعبد بن حميد /186(252)، وابن الجعد في المسند /57(265)، وهمام بن منبه الصنعاني في الصحيفة /52(89)، والحارث في زوائد المسند (بغية الباحث) 1/179(32)، والطبراني في مسند الشاميين 2/259(1300).
جماعة من الصحابة: ابن عمر، وعائشة، وعبد الله بن معقل، وأبي سعيد، وجماعة آخرين، فنفى صلى الله عليه وآله وسلم عن هؤلاء الإيمان، ومن لازمه إثبات الكفر لهم.
وقولنا:
ومن صدَّق الكهان أو كان آتيا
لامرأة في حشها غير مستهدي
إشارة إلى ما(1) أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، والبيهقي من حديث أبي هريرة مرفوعا: (( من أتى كاهنا فصدقه بما يقول، أو أتى امرأة حائضا أو امرأة في دبرها، فقد برئ مما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم )) (2).
__________
(1) في (أ): إشارة إلى ما روى أبو هريرة رضي الله عنه أخرجه....
(2) أخرجه أبو داود 4/15(3904)، وأحمد 2/408(9279)، والبيهقي 7/198(13902)، وإسحاق بن راهويه في المسند 1/423(482)، وابن الجارود في المنتقى /37(107)، وابن الجعد في المسند /289(1951). ولم أقف عليه عند النسائي، والترمذي، وابن ماجة، بهذا اللفظ.
وأخرج أحمد، والحاكم من حديثه أيضا مرفوعا: (( من أتى عرافا، أو كاهنا، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد )) (1).
وقولنا:
ومن لأخيه قال يا كافرٌ فقد
بها باء هذا أو بها باء من يُبدي
أي من يبدي هذا القول، وهو قوله لأخيه: يا كافر. وحاصله أن اللفظ لا يضيع، بل لا بد أن يكون لمن قيل فيه إن كان له أهلا، وإلا عاد على قائله، وهذا إشارة إلى ما أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا (2)، وأحمد، والبخاري من حديث ابن عمر، عنه صلى الله عليه وآله وسلم: (( إذ قال الرجل لأخيه: يا كافر باء بها أحدهما ))(3).
وقولنا:
وليس بهذا الكفر يصبح خارجا
__________
(1) أخرجه أحمد 2/429(9532)، و 2/476(10170)، والترمذي 1/242(135)، وابن ماجة 1/209(639)، والدارمي 1/275 (1136)، والبيهقي 8/135(16273)، والطيالسي /500382)، وإسحاق بن راهويه في المسند 1/434(503)، وابن الجعد في المسند /77(425)، ولم أقف عليه عند الحاكم.
(2) أخرجه البخاري 5/223(5752).
(3) أخرجه البخاري 5/2264(5753)، وأحمد 2/18(4687)، وله طرق عدة عند أحمد. وأخرجه مسلم 1/79(60)، وأبو داود 4/221(4687)، والترمذي 5/22(2637)، ومالك 2/984(1777)، وابن حبان 1/483(248)، والبيهقي 10/208(20691)، والطيالسي /252(1842)، والحميدي في المسند 2/306(698)، والبخاري في الأدب المفرد /157(439)، (440)، وابن الجعد في المسند /242(1594).
من الدين فافهم ما أقرره عندي
هذا هو(1) بيان أن هذا الكفر وإن أطلقه الشارع على فاعل هذه الكبائر، فإنه لا يخرج به العبد عن الإيمان، ويفارق به الملة، ويباح دمه وماله وأهله، كما ظنه من العلماء من لم ُيفرِّق بين الكُفرين، ولم يميز بين الأمرين، وقد عقد البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان بابا لكفر دون كفر، وذكر أحاديث دالة على ذلك فراجعه.
قال العلامة أبو بكر المعروف بابن القيم في كتابه في الصلاة: إن الحكم بغير ما أنزل الله، وترك الصلاة، من الكفر العملي، وتحقيقه أن الكفر كفرُ عمل، وكفر جحود.
أما كفر الجحود فهو: أن يكفر بما عُلم أن الرسول جاء به من عند الله، جحودا وعنادا، فهذا الكفر يضآد الايمان من كل وجه.
وأما كفر العمل فهو نوعان:
نوع يضآد الايمان، ويأتي بيانه.
ونوع لا يضآده كالحكم بغير ما أنزل الله، فإن الله سمى فاعله: كافرا، ومثله تارك الصلاة سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كافرا، كما سمعته قريبا، ولكن هذا كفرُ عمل لا كفر اعتقاد.
قلت: أخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم، وصححه البيهقي في سننه، عن ابن عباس، في قوله تعالى: { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } [المائدة:44].قال: (( إنه ليس
__________
(1) سقط من (أ): هو.
بالكفر الذي تذهبون إليه، إنه ليس كفرا ينقل من الملة، كفرٌ دون كفر )) (1)، وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن ابن عباس، أيضا في الآية قال: (( هي به كفرٌ، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر )) (2).
ثم قال ابن القيم: وقد (( نفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإيمان عن الزاني، والسارق، وشارب الخمر، وعمن لم يأمن جاره بوائقه )) (3)، وإذا نفى عنه اسم الإيمان فهو كافر من جهة العلم، وإن انتفى عنه كفر الجحود والاعتقاد.
وكذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض )) (4)، فهذا كفر عمل، وكذا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من أتى كاهنا فصدقه )).
__________
(1) أخرجه البيهقي في الكبرى 8/20(15632)، والحاكم 2/342(3219)، السيوطي في والدر المنثور 3/87.
(2) لم أقف عليه في الدر المنثور.
(3) أخرجه البخاري 5/2240(5670)، ومسلم 1/68(46)، وأحمد 2/288(7865)، والحاكم 1/53(21)، وأبو يعلى 7/245 (4252)، والطبراني في الكبير 8/334(8250)، والطيالسي /190(1340)، وابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق /106(342)، والقضاعي في مسند الشهاب 1/139(182)، والبخاري في الأدب المفرد /55(121).
(4) أخرجه البخاري 1/56(121)، ومسلم 1/81(65)، وأبو داود 4/221(4686)، والترمذي 4/486(2193)، والنسائي في المجتبى 7/126(4125)، وابن ماجة 2/1300(3942)، والدارمي 2/95(1921)، وأحمد 1/402(3815)، وابن حبان 1/416(187)، والنسائي في الكبرى 2/316(3590)، والبيهقي 5/140(9397)، وأبو يعلى 3/39(1452)، والطبراني في الصغير 1/261(427)، والكبير 2/307(2277)، والطيالسي /92(664)، والطبراني في مسند الشهاميين 1/311(546).
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من أتى امرأة في دبرها، فقد كفر بما أنزل على محمد )).
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما )).
قال: وهذا الكفر لا يخرجه عن الدائرة الإسلامية، والملة بالكلية، كما لم يخرج الزاني والسارق والشارب من الملة، وإن زال عنه اسم الايمان )) (1) ، وهذا التفصيل هو الذي أشرنا إليه بقولنا:
وهذا به جمع الأحاديث والذي
أتى في كتاب الله ذي العز والمجدِ
فإنه إشارة إلى أنها تعارضت الأحاديث، فحديث: (( حتى يقولوا لا إله إلا الله )) ، وحديث: (( من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، وإن زنى وإن سرق ))(2)، مع أن الجنة محرمة على الكافرين، وغيرها(3) مما في معناها، وعارضتها هذه الأحاديث التي سمعت من وصف من أتى هذه المعاصي، فإنه كافر مع أنه مقر بالشهادتين معتقد لها، وكذلك آيات القرآن الثلاث، عارضت تلك الأحاديث، فجمع العلماء المحققون بما تراه من تقسيم الكفر.
قال ابن القيم:(( وهذا الجمع بهذا التفصيل هو قول الصحابة، الذين هم أعلم بكتاب الله، وبالإيمان والكفر ولوازمهما، فلا تتلقى هذه المسائل إلا عنهم، فإن
__________
(1) الصلاة حكم تاركها 1/72.
(2) أخرجه البخاري 5/2193(5489)، ومسلم 1/95(94)، وأحمد 5/166(21504).
(3) يعني: غير الأحاديث السالفة الذكر.
المتأخرين لم يفهموا مرادهم، فانقسموا فريقين، فريقا أخرجوا(1) من الملة بالكبائر، وقضوا على أصحابها بالخلود في النار. وفريقا جعلوهم مؤمنين كاملي الإيمان، فهؤلاء غلوا وهؤلاء جفوا، وهدى الله أهل السنة للطريقة المثلى، والقول الوسط.
ثم أخرج عن(2) ابن عباس بسنده ما قدمنا، وأخرج عن طاوس قال: (( سئل ابن عباس عن قوله تعالى: : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } [المائدة:44].قال: هو لهم كفر، وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله )).
وقال عنه في رواية أخرى: (( كفر لا ينقل عن الملة )).
وقال عطاء: (( كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق ))(3).
قلت: ومن هذا كفر من يدعو الأولياء، ويهتف بهم عند الشدائد، ويطوف بقبورهم ويقبل جدارتها،(4) وينذر لها بشيء من ماله، فإنه كفر عملي لا اعتقادي، فإنه مؤمن بالله وبرسوله وباليوم الآخر، ولكن زين له الشيطان أن هؤلاء عباد الله الصالحين (5)، ينفعون ويشفعون ويضرون، فاعتقدوا ذلك جهلا، كما اعتقده أهل الجاهلية في الأصنام، لكن هؤلاء مثبتون التوحيد لله، لا يجعلون الأولياء آلهة كما قاله الكفار، إنكارا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما دعاهم إلى كلمة
__________
(1) في (ب): خرجوا. مصحفة.
(2) سقط من (أ): عن.
(3) حكم تارك الصلاة 1/ 74- 75.
(4) في (أ): جدرانها.
(5) كذا في المخطوطات: والأولى: الصالحون، إلا أن لها وجها في العربية وهو النصب على القطع، بتقدير أعني أو أخص.
التوحيد:?: { أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا } [ص:5]، فهؤلاء جعلوا شركاء لله حقيقة، وقالوا في التلبية: (( لبيك لا شريك لك،(1) إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك )) (2)، فأثبتوا للأصنام شركة مع رب الأنام، وإن كانت عبادتهم الضالة قد أفادت أنه لا شريك له، لأنه إذا كان يملكه وما ملك، فليس بشريك(3) له بل هو مملوك، فعباد الأصنام جعلوا لله أندادا، واتخذوا من دونه شركاء وتارة يقولون: شفعاء يقربونهم إلى الله زلفى، بخلاف جهلة المسلمين الذين اعتقدوا في أوليائهم النفع والضر، فإنهم مقرون لله بالوحدانية، وإفراده بالإلهية، وصدقوا رسله، فالذي(4) أتوه من تعظيم الأولياء كفر عملي لا اعتقادي.
فالواجب هو وعظهم، وتعريفهم جهلهم، وزجرهم ولو بالتعزير، كما أُمرنا بحد الزاني والشارب والسارق من أهل الكفر العملي، كما صرحنا به في الأبيات الأصلية حيث قلنا:
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها ... .............................
وكما قلنا:
وكم عقروا في سوحها من عقيرة ... .............................
وكما قلنا:
وكم طائف حول القبور ... ...........................
... إلخ.
__________
(1) سقط من (أ): لك.
(2) أخرجه مسلم 2/843(1185).
(3) في (ب): شريكا.
(4) في المخطوطات: فالذين. وما أثبت اجتهاد.
فهذه كلها قبائح محرمة من أعمال الجاهلية، فهي من الكفر العملي، وقد ثبت أن هذه الأمة تفعل أمورا من أمور الجاهلية، الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم والنياحة، أخرجه مسلم في صحيحه من حديث ابن مالك الأشعري،(1) فهذه من الكفر العملي لا تخرج بها الأمة عن الملة، بل هم مع إتيانهم(2) لهذه(3) الخصلة الجاهلية أضافهم صلى الله عليه وآله وسلم إلى نفسه، فقال: (( من أمتي )).
فإن قلت: الجاهلية يقولون(4) في أصنامهم إنهم(5) يقربونهم إلى الله زلفى، كما يقوله القبوريون، ويقولون { هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس:18]. كما يقوله القبوريون أيضا؟
قلت: لا سواء، إن القبوريين مثبتون لتوحيد الله بالإلهية، قائلون: إنه لا إله إلا الله، ولو ضربت عنقه على أنه يقول: الولي إله مع الله لما قالها، بل عنده اعتقاد جهل أن الولي لما أطاع الله حق طاعته كان له عنده تعالى(6) جاه، به تُقبل شفاعته
__________
(1) أخرجه مسلم 2/644(934)، بلفظ: (( أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والإستسقاء بالنجوم، والنياحة ... ))، وأحمد 5/344(22963)، وابن حبان 7/412(3143)، والبيهقي 4/63(6902)، وأبو يعلى 3/148(1577)، والطبراني في الكبير 3/285(3425)، وابن ماجة 1/503(1581).
(2) في (أ): إثباتهم. مصحفة.
(3) في (ب): بهذه.
(4) في (ب): تقربهم.
(5) سقط من (أ): إنهم.
(6) في(أ): عند الله جاه.
فيُرجا(1) نفعه، لا أنه إله مع الله، بخلاف الوثني، فإنه امتنع من قول لا إله إلا الله حتى ضربت عنقه، زاعما أن وثنه إله مع الله، ويسميه ربا وإلها.
قال يوسف عليه السلام:{ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }[يوسف:39 ، سماهم:ا أربابا لأنهم كانوا يسمونهم بذلك، كما قال الخليل { هَذَا رَبِّي} [الأنعام:76، 77، 78]، في الثلاث الآيات، مستفهما لهم مبكتا(2) متكلما على خطأهم،(3) حيث يسمون الكواكب: أربابا !! فقالوا(4): { أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا } [ص:5].وقال قوم إبراهيم عليه السلام(5): { مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا} [الأنبياء:59]، { أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ }[الأنبياء:62].
وقال إبراهيم مستفهما : { أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ } [الصافات:86]. ومن هنا تعلم أن الكفار غير مقرين بتوحيد الإلهية، ولا الربوبية، كما توهمه من توهم من قوله:{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ } [الزخرف:9]، قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ...} إلى قوله: {فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} [يونس:31] (6). فهذا إقرار بتوحيد الخالقية والرازقية
__________
(1) في (ب): ويرجى.
(2) في (أ): منكرا.
(3) في (أ): خطابهم. مصحفة.
(4) الضمير في قالوا ليس عائداً على قوم إبراهيم كما يفهم من كلام المؤلف، بل هو عائد على قريش قوم محمد، صلى الله عليه وعلى إبراهيم وعلى آلهما كلٍ.
(5) سقط من (ب): عليه السلام.
(6) في (أ): { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن، خلقهن العزيز العليم قل من يرزقكم من السماوات والأرض ...إلى قوله: ليقولن الله }.
وفي (ب): { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله من خلق السماوات والأرض ليقولن... }. والآيتان المذكورتان لا توجدان في القرآن بالشكل الوارد، وإنما الصحيح ما أثبت. ولعله سهو من البدر الأمير، ومن النساخ. والآية { قل من يرزقكم من السماء والأرض السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر؟ فسيقولون الله، فقل أفلا تتقون }.
ونحوهما لله، لا أنه إقرار بتوحيد الإلهية، لأنهم يجعلون أوثانهم آلهة أربابا، كما عرفت، فهذا الكفر الجاهلي كفر اعتقاد، ومن لازمه كفر العمل، بخلاف من اعتقد في الأولياء النفع والضر، مع توحيد الله، والايمان به، وبرسله، وباليوم الآخر، فإنه كفر عمل، فهذا تحقيق بالغ، وإيضاح لما هو الحق، من غير إفراط ولا تفريط.
نعم قد أشرنا لك إلى أن بعض الكفر العملي [ الذي ] يضآد الايمان، ويُصيِّر فاعله في حكم الكفر الإعتقادي، قد أشرنا إليه بقولنا:
بلى بعض هذا الكفر يخرج فاعلا
له أن يكن (1) للشرع والدين كالضدِّ
كمن هو للأصنام يصبح ساجدا
وسابٌ رسول الله فهو أخو الجحدِ
فالسجود للصنم، وسب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقتله، والاستهانة بالمصحف من الكفر العملي في صورته (2)، لكنه يضآد الإيمان فله حكم الكفر الاعتقادي، فالكفر العملي قسمان: قسم لا يضاد الإيمان كما ذكرنا سابقا، وكفر يضاده كما ذكرناه الآن.
__________
(1) حذف الواو من: يكون، للضرورة.
(2) سقط من (أ): في صورته.
والذي يقوى عندي أن السجود للصنم، وإهانة المصحف، وقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسبه، من الكفر الاعتقادي العملي، فإنه لا يسجد للصنم وهو يؤمن بالله، ولا يقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو مصدق أنه نبي.
ألا ترى أن قريشا في صلح الحديبية لم يرضوا أن يكتب صلى الله عليه وآله وسلم(1) هذا ما صالح عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقالوا: (( قل محمد، فلو نعلم أنك رسول الله لما صددناك عن البيت ... )) (2) الحديث.
وهذا الذي فصلته الحق فاتبع
طريق الهدى إن كنت للحق تسجدي(3)
قد(4) تبين لك وجه أنه الحق وأنه رأي سلف الأمة.
واعلم أن هذا التفصيل ليس خاصا بالكفر بل ثبت انقسام النفاق إلى قسمين، وكذلك الفسق والظلم والشرك، وقد أشرنا إليه بقولنا:
وجا مثل هذا في النفاق وغيره ... من الفسق والشرك الذي كله مُردِي
قال وكيع: عن سفيان عن ابن جريح، عن عطاء: (( كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق ))، وهذا الذي قاله عطاء بيِّنٌ في القرآن لمن فهمه، فإن الله سما مَن حكم بغير ما أنزل الله كافرا، وسما جاحد ما أنزل على رسوله كافرا، وليس الكفران على حد سواء، وسما الكافر ظالما في قوله { وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ
__________
(1) سقط من (أ): صلى الله عليه وآله وسلم.
(2) أخرجه البخاري 2/974(2581)، وأحمد 4/328(18948)، وابن حبان 11/216(4872)، والبيهقي 9/218(18587)، والطبراني في الكبير 20/9 (13).
(3) في (أ): تهتدي.
(4) في (أ): وقد.
} [البقرة:254]، وسما متعدي حدوده في النكاح والطلاق والرجعة والخلع ظالما، فقال: { وَمَنْ يَتَعَدَّ (1) حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } [الطلاق:1].
وقال يونس رسوله ونبيه: { لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } [الأنبياء:87].
وقال صفيه آدم (2): { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا } [الأعراف:23].
وقال كليمه موسى: { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي } [القصص:16]. ومعلوم يقينا أن هذا الظلم ليس كمثل ذلك الظلم.
وسما الله الكافر فاسقا في قوله: { وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ، الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ ... } [البقرة:26 - 27] الآية (3)، وفي قوله: { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ } [البقرة:99].
وسما العاصي المؤمن فاسقا في قوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ... } [الحجرات:6] الآية (4). وهي نزلت في الوليد(5) بن عقبة على
__________
(1) سقط من (أ): ومن يتعد.
(2) القائل آدم وحواء، لأن الآية هكذا: { قالا ربنا...}.
(3) كمال الآية: { وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }.
(4) كمال الآية: { أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }.
(5) في (أ)، و(ج): مسلم بن عقبة. وهو سهو.
الوليد بن عقبة بن أبي معيط، أخرج الطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الوليد بن عقبة إلى بني وكيعة، وكانت بينهم شحناء في الجاهلية، فلما بلغ بني وكيعة استقبلوه لينظروا ما في نفسه، فخشي القوم، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن بني وكيعة أرادوا قتلي ومنعوني الصدقة، فلما بلغ بني وكيعة الذي قال الوليد أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: يا رسول الله لقد كذب الوليد. قال: وأنزل الله في الوليد: { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ ... } الآية.
وأخرج نحوه أحمد، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مندة، وابن مردويه، وابن جرير، وإسحاق بن راهويه، والبيهقي في السنن، وابن عساكر، وعبد بن حميد. ذكر ذلك السيوطي في الدر المنثور 7/555 - 557، عند تفسير الآية.
الأكثر. وفي قوله فيمن رمى المحصنات: { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [النور:4]. والآيات كثيرة في الأمرين.
والشرك أيضا شركان، شرك: ينقل عن الملة وهو الشرك الأكبر، وشرك: لا ينقل عنها وهو الأصغر، وهو(1) شرك العمل كالرياء، قال تعالى في الشرك الأكبر: { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } [الحج:31].
وفي الأصغر: { فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } [الكهف:110].
ومن الأصغر حديث: (( من حلف بغير الله فقد أشرك ))، رواه أبو داود وغيره (2).
__________
(1) سقط من (أ): الأصغر وهو.
(2) أخرجه أبو داود 3/223(3251)، والترمذي 4/110(1535، وأحمد 1/47(329)، وابن حبان 10/199(4358)، والحاكم في المستدرك 1/117(167).
ومنه في آدم عليه السلام وحواء، الآية: { فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا } [الأعراف:190].. فإنهما سميا ولدهما عبد الحارث،(1) وهو اسم الشيطان فكانت التسمية بعبد الحارث(2) شركا عمليا، والقصة مبسوطة في كتب التفسير ومعلوم أن حلفه بغير الله لا يخرجه عن الملة، ولا يوجب له حكم الكفار.
ومنه: حديث: (( الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل )) (3).
وكذلك النفاق نفاقان: نفاق اعتقاد، ونفاق عمل.
فنفاق الاعتقاد: هو (4) الذي ذكر أن أهله في الدرك الأسفل من النار، وهو كثير في القرآن.
ونفاق العمل بالحديث الصحيح: (( آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا أوعد أخلف، وإذا أؤتمن خان )) (5). وفي معناه أحاديث في بعضها: (( أربع - زاد - وإذا خاصم فجر )) (6)، فهذا نفاق عمل، قد يجتمع مع أصل الإيمان.
__________
(1) أخرجه أبو داود في السنن3/233(3251).
(2) سقط من (أ): بعبد الحارث.
(3) أخرجه أحمد 4/403(19622)، والحاكم في المستدرك 2/319(3148)، وأبو يعلى 1/60(58)، والبخاري في الأدب /250(716).
(4) في (ب): وهو.
(5) أخرجه البخاري 1/21(33)، ومسلم 1/78(59)، والنسائي في المجتبى 8/116(5021)، وأحمد 2/357(8670)، وابن حبان 1/490(257)، والنسائي في الكبرى 6/535(11752)، والبيهقي 10/196(20608)، وأبو يعلى 7/136(4098)، والطبراني في الكبير 6/270(6186)، وإسحاق بن راهويه في المسند 1/371(383)، وابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق /46(118).
(6) أخرجه البخاري 1/21(34)، ومسلم 1/78(58)، وأبو داود 4/221(4688)، والترمذي 5/19(2632)، والنسائي في المجتبى 8/116(5020)، وأحمد 2/189(6768)، وابن حبان 1/488(254)، والنسائي في الكبرى 5/224(8734)، والبيهقي 9/230(18625)، وعبد بن حميد في المنتخب من المسند /132(322).
ومنه: أحاديث (1): (( أن بغض علي عليه السلام نفاق )) (2)، فإنه نفاق عمل. فعرفت من هذا كله أن الكفر كفران: كفر اعتقاد، وكفر عمل، ومثله النفاق. والشرك شركان: أصغر، وأكبر. والظلم ظلمان، والفسق فسقان، ومن له فهم وتوفيق لا يخفاه(3) محل الإطلاق.
__________
(1) سقط من (أ): أحاديث.
(2) عن عدي عن زر قال قال علي إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلي أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق
أخرجه مسلم في صحيحه ج 1/ص86/ح78)
والنسائي في سننه ج 8/ص116/ح5018) ، 6/ص 534/ح 11749)
وابن حبان في صحيحه ج 15/ص368/ح6924)،
وابن ماجه في سننه ج 1/ص42/ح114)
وابن حنبل في مسنده ج 1/ص95/ح731)،
والنسائي في سننه الكبرى ج 5/ص47/ح8153)،
وابن حنبل في فضائل الصحابة 2/ص564/ح948)
وأبو يعلى في مسنده ج 1/ص251/ح291)
وعبد الرزاق في مصنفه ج 6/ص365/ح32064).
(3) في (أ): لا يخفاه في محل...
فإن قلت: قد ذكرت في الأبيات الأصلية أن القائلين بوحدة الوجود والوجود المطلق، هم أكفر أهل الأرض، مع أنهم يصلون، ويتشهدون،(1) ويأتون بأركان الإسلام؟
__________
(1) في (أ): ويشهدون.
قلت: قد أشرنا إلى هذا وجوابه، بقولنا:
فإن قلت قد كفَّرت من قال إنه
إله وإن الله جل عن الندِّ
مسماه(1) كل الكائنات جميعها
من الكلب والخنزير والفهد والقردِ
مع أنه صلى وصام وجانب التو
سع(2) في الدنيا ومال إلى الزهدِ
فقلت استمع مني الجواب ولاتكن
غبيا جهولا للحقائق كاللدِّ
فإن الذي عنه سألت مجاهر
بنفي الإله الواحد الصمد الفردِ
ونفي نبوات النبيين كلهم
فما أحمد الهادي لدى ذاك بالمهدي
وتصويب أهل الشرك في شركهم فما
أبو لهب إلا كحمزة في الجدِّ(3)
وهارون أخطا حين لام جماعة
عكوفا على عجل يخور ولا يهدي
فإن لم يكن هذا هو الكفر كله ...
__________
(1) في (أ): فسماه.
(2) في (ب): الترفع.
(3) أي: في الحظ والدين. وفيه تورية، لأن الجد بذلك لامعنى، وبمعنى أب الأب وأبوهما وجدهما واحد.
فعقلك عقل الطفل زُمِّل في المهدِ
فقد كفَّرَ الشيخُ ابنُ تيميةٍ ومَن
سواه من الأعلام في السهل والنجدِ
أولئك إذ قالوا الوجود بأسره
هو الله لا رب تميز من(1) عبدِ
واعلم ( أنا قد حققنا أحوال مَن ذكر مِن ابن عربي وغيره، في رسالتنا التي سميناها: نصرة المعبود، ونقلنا ألفاظهم الكفرية من كتبهم، ونصوص كلماتهم في شعرهم ونثرهم، وإنما نشير هنا إلى بعض ما ذكرناه فيها ) (2).
إنه قد وقع السؤال من(3) القائلين بوحدة الوجود، في رأس المائة الثامنة، ونقلت(4) في السؤال بعض ألفاظهم، وانتدب علماء الإسلام للجواب عنه، من أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم.
ولفظ السؤال: ما يقول العلماء في كتاب بين أظهر الناس، أكثره ضد لما أنزله الله في كتبه المنزلة، وعكس لما قاله(5) أنبياؤه عليهم السلام، فيه: أن آدم عليه السلام إنما سمي إنسانا، لأنه من الحق بمنزلة إنسان العين، الذي يكون به(6) النظر.
وقال في محل آخر: إن الحق المنزه، هو الخلق المشبه.
__________
(1) في (ب): عن.
(2) سقط من (أ): ما بين القوسين.
(3) في (ب): عن.
(4) في (أ): ونقل.
(5) في (أ): وعكس ما قالوا أنبياؤه.
(6) سقط من (ب): به.
وقال في قوم نوح عليه السلام: إنهم لو تركوا عبادتهم(1) لود، وسواع، ويغوث، ويعوق،(2) لجهلوا من(3) الحق أكثر مما تركوا.
وقال: إن قوم هود كانوا على صراط مستقيم.
ثم أنكر حكم الوعيد، في حق من حقت(4) عليه كلمة العذاب من سائر العبيد. فهل يكفر بذلك ويكفر مَن يصدقه أم لا؟ وهل يأثم سامعه إذا كان بالغا عاقلا، ولم ينكره بلسانه أو بقلبه؟
فأجاب عنه علماء الأمة:
قال الشيخ شيخ الإسلام ابن تيمية، المتفق على إمامته في علوم العقل والنقل، رحمه الله تعالى ما لفظه:( هذه الكلمات المذكورة(5) المنقولة، كل كلمة منها من الكفر، الذي لا نزاع فيه بين أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى، فضلا عن كونها كفرا في شريعة الإسلام.
فإن قول القائل: إن آدم للحق تقدس وتنزه وتعالى، بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر، يقتضي أن آدم عليه السلام(6) جزء من الحق تقدس
__________
(1) في (ب): عباداتهم.
(2) سقط من (أ): ويعوق.
(3) في (أ): عن.
(4) في (ب): الوعيد فيمن حقت عليه.
(5) سقط من (أ): المذكورة.
(6) سقط من (أ): عليه السلام.
وتعالى وبعض منه، بل أفضل أبعاضه وأجزائه، وهذا هو حقيقة مذهب هؤلاء القوم، وهم مقرِّون به من أقوالهم )(1).
ثم(2) قال:( ولما قرأوا(3) هذا الكتاب - أعني - الفصوص على أفضل(4) متأخريهم، قال قائل: إن هذا الكتاب مخالف للقرآن،(5) قال القرآن كله شرك، وإنما التوحيد في كلامنا هذا(6) - يعني - أن القرآن يفرق(7) بين العبد والرب. وحقيقة التوحيد عندهم أن العبد هو الرب.
فقال له قائل: فأي فرق بين أختي وزوجتي، وبنتي؟!
قال: لا فرق، لكن هؤلاء المحجوبون قالوا حرام!
قلنا: حرام عليكم )(8)!
وأجاب سعد الدين قاضي الحنابلة بالقاهرة: ما ذكر من الكلام، قد تضمن تصديقه بما هو كفر، فيجب الرجوع عنه، والتلفظ بالشهادتين عنده، وحق على
__________
(1) في (ب): وهو معروف من أقوالهم. من تعليقة للشيخ ابن تيمية على فصوص الحكم. الفتاوى 2/122.
(2) سقط من (أ): ثم.
(3) في (أ): قدروا. مصحفة.
(4) في (ب): أهل. مصحفة.
(5) في (ب): يخالف القرآن.
(6) سقط من (أ): هذا.
(7) في (أ): يقرن. مصحفة.
(8) سقط من (أ): عليكم.
من سمع ذلك إنكاره، ويجب محو ذلك وما كان قريبا منه، ولا يترك بحيث يُطَّلَعُ عليه، فإن في ذلك ضررا عظيما، على من لم يستحكم الإيمان من(1) قلبه.
وأجاب جماعة من الأئمة، منهم بدر الدين بن جماعة، والخطيب شمس الدين محمد بن يوسف الجزري الشافعي،(2) والقاضي بدر الدين الكتاني الشافعي، وشرف الدين الداودي(3) المالكي، وأئمة الشام، ومصر، والحرمين، بجوابات مصرحة بكفر قائل ذلك وناقله، [و] هي عندنا، إلا أنه لا يحتمل شرح الأبيات الزيادة على هذا في بيان ما أشرنا إليه:
وهذا مقالٌ للفلاسفة الأولى
إلى النار مسراهم يقينا بلا ردِّ
أي أن قول أهل هذه المقالة، قول قاله قبلهم أهل التعطيل والإلحاد من الفلاسفة، وهم القائلون بالوجود المطلق، وأقوالهم مبسوطة في كتب المقالات، فجاء هؤلاء الطوائف تَظَهَّروا بالاسلام، وأدخلوا فيه(4) هذه الدواهي العظام، وأَلَّفُوا في هذه الكفريات مؤلفات أشرنا إليها بقولنا:
وأَلَّفَ في هذا ابن سبعين كُتْبَه
وتابعه الجيلى ويا بئس ما يبدي
__________
(1) في (ب): في.
(2) محمد بن يوسف الجزري الشافعي، خطيب من فقهاء الشافعية، ولد بالجزيرة سنة (637هـ) ونسب إليها، ونشأ بها، وسافر إلى مصر، فأقام بقوص ثم بالقاهرة، وتوفي فيها سنة (711هـ)، له ديوان شعر وخطب وشرح، منها: الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي، وشرح ألفية ابن مالك.
(3) في (أ): الراوي.
(4) سقط من (أ): فيه.
قال ابن خلدون قاضي الديار المصرية: إنه ألف ابن عربي، وابن سبعين، وابن برجان، وأتباعهم ممن سلك سبيلهم، ودان بنحلتهم، ولهم تآليف كثيرة يتداولونها(1) مشحونة بصريح الكفر، ومستهجن البدع.
وأما الجيلي ـ بالجيم ـ (2) فهو مصنف كتاب الانسان الكامل، كتاب ملأه بالكفر والضلالة،(3) مع ركة ألفاظ، وشعر في غاية الضعف. ولذا قلنا:
ولكن أرى الطائي أطولهم يدا
أتى بفصوص لا تزان بها الأيدي
المراد: ابن عربي الطائي، فإنه فتح لهم باب جهنم، بالتأليفات المشتملة على تخريب الأحاديث والآيات، ككتاب الفتوحات المكية، والفصوص، وغير ذلك.
وجا منهمُ ابن الفارض الشاعر الذي
أتى بعظيم الكفر في روضة الوردِ
أجاد نظاما مثل ما جاد كفره
فسبحان ذي العرش الصبور على العبدِ
ثبت إطلاق الصبور عليه تعالى في أسمائه الحسنى، والمراد بابن الفارض هو عمر بن الفارض، شاعر رقيق(4) الألفاظ، بديع المعاني، سلك طريقة إخوانه، وأتى في تائيته(5) بالكفر الصريح، الذي قصر عنه عباد المسيح، وجعل نفسه إلها كما يفعله غيره. وقال:
وما عقدَ الزنار حكما سوى يدي ...
__________
(1) سقط من (أ): يتداولونها.
(2) سقط من (أ): بالجيم.
(3) في (أ): والإضلال.
(4) في (أ): دقيق.
(5) في (ب): بائيته. مصحفة.
وإن حل بالإقرار لي فهي حلتِ
وقال:
لها صلواتي في المقام أقيمها
وأشهد فيها أنها لي صلتِ
إلي رسولا(1) كنت مني مرسلا
ونفسي بآياتي علي استدلتِ
وقال في تصويب الأوثان:
وإن خر للأحجار في البدو(2) عاكف
فلا تغد بالإنكار للعصبيةِ (3)
وله فيها كلها عجيب (4)، قصر عنه إبليس وفرعون في كفرهما، وقد صوب ابن عربي قول فرعون:{ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } [النازعات:24] ، بما هو معروف، وقد بسطنا أقاويلهم في الرد عليهم، في رسالة سميتها: نصرة المعبود، في الرد على أهل وحدة الوجود.
أنزهه عن كل قول يقوله
ذوو الكفر والتعطيل من كل ذي جحدِ
وأثني عليه وهو ـ والله ـ بالثنا
__________
(1) في المخطوطات: رسول. وما أثبت من ديوان ابن الفارض /50.
(2) في الديوان: في البدّ. /66.
(3) الأبيات من قصيدة لابن الفارض بعنوان: نظم السلوك. وهي طويلة جداً،والأبيات من مواضع مختلفة من القصيدة.انظر ديوانه/67.
(4) في (أ): أعاجيب.
حقيق فقل ما شئت في الواحد الفردِ
بديع السماوات العُلا خالق الملا
ورازقهم من غير كد ولا جهدِ
بدا(1) خلقنا من أرضه ويردنا
إليها ويخرجنا [ منها ] معيدا كما يبدي
أي: حال كونه معيدا كما بدأنا، قال تعالى: { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } [الأعراف:29]. وقال تعالى: { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى } [طه:55].
فريقين هذا في جهنم نازل
وذلك مزفوف إلى جنة الخلدِ
ألا ليت شعري أيّ دار أزورها
فقد طال فكري في الوعيد وفي الوعدِ
إذا ما ذكرت الذنب خفت جهنما
فقال الرجا بل غير هذا ترى عندي
أليس رحيما بالعباد وغافرا
لما ليس شركا قاله الرب ذو المجدِ
فقلت نعم لكن أتانا مقيدا
بمن شأه فافهم وعض هنا(2) الأيدي
__________
(1) في (أ): برى.
(2) في (أ): وعض علي الأيدي.
قال الله تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } [النساء : 148] . مقيد(1) إطلاق غفران الله ما دون الشرك بالمشيئة، فأين يقوى(2) الرجاء والقيد مبهم؟! ولذا قلنا:
فهل أنا ممن شاء غفران ذنبه
فيا حبذا أم لست من ذلك الوردِ ؟!
هنا قطع الخوفُ القلوبَ وأسبل الد
موعَ من الأبرار في ساحة الخدِّ
فأَسألُه حسن الختام فإنما
إليه انقلابي في الرحيل(3) إلى اللحدِ
ومغفرة منه ولطفا ورحمة
إذا ما نزلت القبر منفردا وحدي
فأرجوه(4) يعفو(5) كل ذنب أتيته
ويغفر لي ما كان في الهزل والجدِّ
ويُلحقنا بالمصطفى وبآله الكـ
ـرام كراما والصحاب أولي الرشدِ
قصدت بهذا النظم نصح أحبتي
وأختمه بالشكر لله والحمدِ
وصل على خير الورى وآله ...
__________
(1) في (أ): فعند. مصحفة.
(2) سقط من (أ): يقوى.
(3) في (أ): الدخيل. مصحفة.
(4) في (ب): وأرجوه.
(5) في (أ): يغفر. لعلها مصفحة.
صلاة وتسليما يدوم (1) بلا حدِّ
وَرضِّ عن الأصحاب أصحاب أحمد
أولي الجد في نصر الشريعة والجدِّ
- - -
__________
(1) في (أ): يدوما.
فهرس المحتويات
مقدمة التحقيق ... 3
المؤلف ... 5
مولده ... 5
نشأته ... 5
رحلة الإمام البدر الأمير إلى الحجاز ... 7
مجتمع الأمير الصنعاني وحياته ... 10
انقطاع الأمير الصنعاني للتدريس ورفضه لكل المناصب ... 18
اعتقال الأمير الصنعاني وسجنه في قصر غمدان ... 22
الإمام المؤلف ... 24
الأمير الشاعر ... 32
التحفة العلوية ... 35
القصيدة النجدية ... 40
(فصل في بِدَع المشاهد) ... 41
(فصل في كتاب دلائل الخيرات) ... 41
(فصل في ذكر بدعة المذاهب والتمذهب) ... 42
(فصل في ذكرأئمة المذاهب الأربعة وبرآءتهم عن طلب تقليدهم) ... 43
(فصل في الثناء على من تمسك بالأحاديث) ... 43
(فصل في بدعة القائلين بوحدة الوجود المساوين بين الأنبياء وأهل الجحود) ... 45
( فصل في اغتراب الدين) ... 46
(الصوارم الهندية ، المسلولة على رؤوس النجدية) ... 51
محمد بن عبد الوهاب والوهابية ... 68
عقيدته ... 74
فظائع من تاريخ الوهابية ... 75
غزوة الوهابية العراق سنة 1216 - 1225هـ وإعادتهم فاجعة كربلاء ... 76
دخول الوهابيين الطائف عنوة سنة 1217هـ وفظائعهم فيها ... 76
استيلاء الوهابية على مكة بدون حرب سنة 1218هـ ... 78
هدم الوهابية القبور والقبب بمكة وحملهم الناس على معتقداتهم سنة (1218هـ) ... 79
دخول الشريف غالب مكة وخروج الوهابيين منها سنة 1218هـ ... 80
تشديد الوهابية الحصار على مكة ... 81
نهب الوهابية ذخائر الحجرة النبوية وهدم القباب بالمدينة المنورة سنة 1221هـ ... 81
هجوم الوهابيين على سورية سنة 1225هـ ... 82
قتل الوهابيين الحاج اليماني سنة 1341هـ ... 82
هجوم الوهابيين على الحجاز وفظائعهم في الطائف سنة 1342هـ - 1924م ... 83
هدم الوهابيين القباب والمزارات بالحجاز عام 1342هـ ... 84
صور للمخطوطات ... 87
(فصل في كتاب دلائل الخيرات) ... 102
(فصل في ذكر بدعة المذاهب والتمذهب) ... 102
(فصل في ذكرأئمة المذاهب الأربعة وبرآءتهم عن طلب تقليدهم) ... 103
(فصل في الثناء على من تمسك بالأحاديث) ... 104
(فصل في بدعة القائلين بوحدة الوجود المساوين بين الأنبياء وأهل الجحود) ... 105
( فصل في اغتراب الدين) ... 107
فهرس المحتويات ... 166