يد وأصابع وجوارح كان كواحد منا ، فكان يجب له من الافتقار والحدوث والنقص

والعجز ما يجب لنا ، ولو كان كذلك لاستحال أن يكون إلها إذ لو جازت الإلهية

لمن هذه صفته لصحت للدجال وهو محال ، فالمفضي إليه كذب فقول اليهودي كذب

ومحال ، ولذلك أنزل الله في الرد عليه (وما قدروا الله حق قدره) وانما تعجب

النبي (ص) من جهله فظن الراوي أن ذلك التعجب =

===========================================================================

[ 17 ]

قلت : استدل على أن الأصبع صفة الله تعالى (11) ، بأن النبي (ص) أقر اليهودي

على ما قال ، وبأن في بعض طرق الحديث زيادة : تعجبا وتصديقا له . وهذا لا

يكفي أبدا في إثبات صفة الله تعالى ، واعتقادها كما يعتقد غيرها الثابت

بطريق اليمين . تصديق وليس كذلك ، فان قيل قد صح حديث : (إن قلوب بني آدم

بين إصبعين من أصابع الرحمن) فالجواب : أنه إذا جاءنا مثل هذا في كلام

الصادق تأولناه أو توقفنا فيه إلى أن يتبين وجهه مع القطع باستحالة ظاهره .

. . اه‍ كلام القرطبي وترجيح الحافظ بعد ذلك التأويل على رد ما فهمه الراوي

غير متجه فليتأمل . وهذه الأبواب التي يعقدها أمثال الهروي في تصوير أن الله

شخص له أصابع وأيدي ورجل وقدم وعين واعين وعينان وصورة وحد هو العودة إلى

الوثنية الأولى بلا شك ولا ريب وما كتبه الإمام الكوثري في مقالاته وغيرها

عن أهل هذه النحلة فلا شك في صحته وادعاؤه عليهم بأنهم وثنيون كعباد الأصنام

لا ريب فيه ، لأنهم متغافلون عن التنزيه الذي هو الأصل الثابت في كتاب الله

وفي كلام رسوله التالي لقوله تعالى : (وما قدروا الله حق قدره) ولقوله تعالى

(ولم يكن له كفوا أحد) ولقوله تعالى : (ليس كمثله شئ) وقوله (ص) في دعائه :

(اللهم أنت الأول فليس قبلك شئ وأنت الآخر فليس بعدك شئ وأنت الظاهر فليس

فوقك شئ وانت الباطن فليس دونك شئ . . .) الحديث رواه مسلم وإقراره (ص) لمن

أثنى على الله تعالى فقال : (يامن لا تراه العيون ولا تخالطه الظنون ولا

يصفه الواصفون ولا تغيره الحوادث . . .) الحديث رواه الطبراني بسند صحيح

انظر مجمع الزوائد (10 / 158) . (11) لا أعتقد أن عاقلا يستدل بهذا الحديث

على إثبات الأصبع صفة لله تعالى وخصوصا على ظاهره وحقيقته ، والعجيب الغريب

وإن كان لا عجب من حشوية الحنابلة أن الحافظ أبو بكر بن العربي قال في

العواصم (2 / 2 83) : أخبرني من أثق به من مشيختي أن القاضى أبا يعلى

الحنبلي كان إذا ذكر الله سبحانه يقول فيما ورد من هذه الظواهر في صفاته

تعالى : (ألزموني ما شئتم فاني التزمه إلا اللحية والعورة) قال بعض أئمة أهل

الحق وهذا كفر قبيح واستهزاء بالله تعالى شنيع وقائله جاهل به تعالى لا

يقتدى به ولا يلتفت إليه ولا متبع لإمامه الذي ينتسب إليه ويتستربه بل هو

شريك للمشركين في عبادة الأصنام فإنه ما عبد الله ولا عرفه ، وإنما صور صنما

في نفسه فتعالى الله عما يقول الملحدون والجاحدون علوا كبيرا اه‍ .

===========================================================================

[ 18 ]

وإليك البيان : (أولا) : تقرير النبي (ص) حجة ، إذا كان تقريرا لمسلم ، أما

غير المسلم فلا . هذا هو المقرر في علم الأصول . قال الشوكاني في إرشاد

الفحول (12) في مبحث التقرير : ولا بد أن يكون المقرر منقادا للشرع ، فلا

يكون تقرير الكافر على قول أو فعل ، دالا على الجواز ، قال الجويني : ويلحق

بالكافر المنافق ، وخالفه المازري ، فقال : إنا نجري على المنافق أحكام

الإسلام في الظاهر ، وأجيب عنه بأن النبي (ص) كان كثيرا ما يسكت عن

المنافقين ، لعلمه أن الموعظة لا تنفعهم اه‍ . فسقط كلام ابن خزيمة ، لأنه

مخالف لما تقرر في الأصول (13) .

===========================================================================

. (12) انظر إرشاد الفحول ص (41) وهذا هو الصحيح الراجح المؤيد بالأدلة وما

وقع في العدة (1 / 127 - 128) خطأ محض فتنبه . ومن عجيب ما قرأته أن

الألباني يقر الذي قررناه وهو لا يدري في (تحذير الساجد) ص 57 الطبعة

الرابعة فيقول : لا يصح أن يعتبر عدم الرد عليهم - أي الكفار - إقرارا لهم

8 / 46
ع
En
A+
A-