ما اتخذوه سلاحا لمحاربة الدعوة الإسلامية . 2 - ومنها : أنه مناف لروح

الاسلام ، ومباين له فالإسلام يدعو إلى التواصل والتوادد والتعاطف والتآلف

والهجر يؤدي إلى التقاطع والتدابر والتباغض . 3 - ومنها : أن الاسلام يدعو

إلى ابداء النصيحة ، ويؤكد وجوبها ، حتى قال النبي (ص) : (الدين العنصيحة)

فأفاد بهذا الأسلوب البليغ : إن الدين ينحصر في النصيحة ، إيذانا بأنها أهم

مقاصد الإسلام ، ومن أحق تشريعاته بالاهتمام وهي لا تختص بالعلماء وأولي

الأمر بل تطلب من كل من يستطيع القيام بها ، كالرجل في بيته ، والتاجر في

متجره ، والصانع في مصنعه والأخ مع أخيه ، والصديق مع صديقه . . ولا شك أن

الهجر يعطل النصيحة ، إذ لا يمكن أن يتناصح متهاجران . 4 - ومنها : أن الهجر

يعطل طاقة الخير في المتهاجرين ، بالنسبة إلى بعضهما ، فلا يتعاونان على فعل

بر ، ولا يجتمعان على مصلحة . 5 - ومنها : أن الهجر يفضي بقبض يد المساعدة

عن المهجور وهو عقوق إن كان المهجور أحد الوالدين ، وقطيعة رحم إن كان أحد

الأقارب ، والعاق والقاطع لا يدخلان الجنة . 6 - ومنها : أن الهجر أمر سلبي

، لا يمنع عاصيا من معصية ولا يرد مبتدعا عن بدعة ، بل يبقى المهجور على ما

هو عليه ، وكانه يهزأ بالهاجر . ولهذا لم يوجب الله علينا هجر الكفار ، مع

أنه قال عنهم (ود كثير من أهل الكتاب =

===========================================================================

[ 92 ]

= لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم) وقال سبحانه : (ودوا

لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) . والإرساليات التبشيرية ، تسعى جهدها في

تكفير المسلمين ، بالمساعدات المالية والصحية وبالتعليم والمحاضرات ،

فالواجب مقاومتهم بالمثل عملا بقول النبي (ص) : (جاهدوا الكفار بأيديكم

وألسنتكم وأموالكم) ، ولم يقل : جاهدوهم بهجرهم ، لأن الهجر سلاح العجزة

والمستضعفين . وروى الترمذي عن ابن مسعود عن النبي (ص) قال : (لما وقعت بنو

إسرائيل في المعاصي نهاهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم وواكلوهم وشاربوهم

فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا

وكانوا يعتدون) . فجلس رسول الله (ص) وكان متكئا فقال : (لا والذي نفسي بيده

حتى تأطروهم على الحق أطرا) . تأمل هذا الحديث جيدا ، تجده ينفي الهجر نفيا

باتا ، فإنه (ص) لم يقل حتى : تهجروهم هجرا ، ولكن قال : (حتى تأطروهم على

الحق أطرا) أي تعطفوهم على الحق عطفا ، إما بسطوة الحكم وإما بمداومة النصح

وتكرار الارشاد مرة بعد مرة ، فأمر بعلاجهم ، علاجا إيجابيا مثمرا . وإنما

لعن الله بني اسرائيل لأنهم تركوا النهي عن المنكر كما جاء ذلك صريحا في

قوله تعالى : (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه) . ولم يقل : كانوا لا يهجرون

أهل المنكر ، لأن الهجر لا يرضاه الشارع ولا يقره كما مر بيانه . ولحديث ابن

مسعود روايات ، ففي رواية أبي داود : " (كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون

عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ، أو تقصرنه على

الحق قصرا) . وفي رواية ابن أبي حاتم : (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف

ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد المسئ ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليضربن

الله قلوب بعضكم على بعض ، أو ليلعنكم كما لعنهم) ، وهي رواية أبي داود أيضا

. =

===========================================================================

[ 93 ]

= والهاجر أول داخل في هذا الوعيد ، لأنه لم يأمر بمعروف ، ولا نهى عن منكر

، ولعنة الله لم تنزل على بني اسرائيل لمجرد مواكلتهم أهل المنكر ، بل

لتركهم النهي كما مر ولرضاهم بفعل العصاة . ومن المقرر المعلوم أن مواكلة

الكافر جائزة وهو أسوأ حالا من العاصي . وزوج اليهودية أو النصرانية يواكلها

ويشاربها : وكفرها قائم بها . 7 - ومنها : أن الهجر ، انعزال وانخذال ،

والإسلام ينهى عنهما ويحض على الجماعة بجعل المنعزل المنخذل سهل الانقياد

للشيطان لخروجه عن عامة المؤمنين ، وضرب له مثلا بالشاة المنفردة عن الغنم

يسهل للذئب اختطافها . روى الطبراني عن أسامة بن شريك قال : قال رسول الله

45 / 46
ع
En
A+
A-