وكتاب (الأربعين) ، وهذه الكتب الثلاثة أبان فيها عن اعتقاد التشبيه وأفصح ،

وله قصيدة في الاعتقاد ، تنبئ عن العظائم في هذا المعنى ، وله أيضا كتاب ("

منازل السائرين) في التصوف . كان الشيخ تقي الدين أبو العباس ابن تيمية مع

ميله إليه (89) ، يضع من هذا الكتاب ، أعني منازل السائرين ، قال شيخنا

الذهبي : وكان يرمي أبا اسماعيل بالعظائم ، بسبب هذا الكتاب ، ويقول : انه

مشتمل على الاتحاد . قال السبكي : والأشاعرة يرمونه بالتشبيه ، ويقولون :

إنه كان يلعن شيخ السنة أبا الحسن الأشعري . وأنا لا أعتقد فيه أنه يعتقد

الاتحاد (90) ، وإنما أعتقد أنه يعتقد التشبيه ، وأنه ينال من الأشاعرة ،

وأن ذلك لجهله بعلم الكلام ، وبعقيدة الأشعرية ، فقد رأيت أقواما أتوا من

ذلك . وكان شديد التعصب للفرق الحنبلية

===========================================================================

(89) في التجسيم . (90) بل كان يعتقد الاتحاد والحلول وشعره الذي نقله عنه

صاحب شرح الطحاوية واعتذر عنه وحاول أن يجد له وجها سليما يثبت ذلك . لكن

السبكي لم يتصور إنسانا يجمع بين التصوف - أعني الإنحراف في التصوف -

والتجسيم ، فلذلك قال : وأنا لا أعتقد فيه أنه يعتقد الاتحاد .

===========================================================================

[ 64 ]

بحيث كان ينشد على المنبر على ما حكى عنه تلميذه محمد بن طاهر : أنا حنبلي

ماحييت وإن أمت فوصيتي للناس أن يتحنبلوا وترك الرواية عن شيخه القاضي أبي

بكر الحيري ، لكونه أشعريا ، وكل هذا تعصب زائد ، برأنا الله من الأهواء اه‍

كلامه . انظر طبقات الشافعية للسبكي (4 / 272) . (الرابعة) : للكلام العربي

معاني أوائل ، ومعاني ثوان . فالأوائل هي : الحقائق المجردة بدون زيادة

عليها . والثواني هي : المعاني الزائدة على الحقائق مثل المجاز المرسل

والاستعارة بأنواعها والكناية والتشبيه والتعريض والتأكيد والفصل والوصل

وغير ذلك مما تكفل ببيانه علم البلاغة . واللغة العربية لها من هذه المعاني

الثواني الحظ الأوفر ، والنصيب الأكبر ، ولهذا كانت أفصح اللغات ، وأوسعها

دائرة ، وكان العرب أمراء الكلام ، وملوك البيان ، استعملوا هذه المعاني في

خطبهم وأشعارهم وتناقلتها عنهم الرواة جيلا بعد جيل . ثم جاء القرآن الكريم

، والحديث النبوي الشريف على أسلوب اللغة العربية في نواحيها المختلفة ،

ففيهما من لطائف المجازات (91) ، وبديع

===========================================================================

(91) وقد انكر ابن تيمية المجاز ليجري نصوص المتشابه على ظاهرها ويخلص له ما

أراد ، فحاول في كتابه الإيمان أن يدعي أن السلف والأئمة لم يذكروا أن اللغة

تنقسم إلى حقيقة ومجاز ولم يذكر من بين الائمة الامام أحمد لأن الإمام أحمد

مصرح بأن اللغة فيها الحقيقة والمجاز ، ومعمر ابن المثنى الذي صنف كتاب

المجاز كان في قرون السلف ، بل الشافعي الذي ادعى ابن تيمية أنه لم يقل

بوجود المجاز قائل في كتابه (الرسالة) باثبات المجاز لكن سماه باسم آخر ولا

مشاحة في الاصطلاح وإن ابن القيم (تلميذ ابن تيمية) يثبت المجاز في كتابه

الفوائد المشوقة . وقد بينت كل ما يتعلق بذلك في (الأدلة المقومة لاعوجاجات

المجسمة) . نسأل الله تعالى حسن الختام والحمد لله رب العالمين .

===========================================================================

[ 65 ]

التشبيهات ، ما يعجز عنه البشر . وهذه المعاني الثواني نوع من أنواع إعجاز

القرآن الكريم ، كما نص على ذلك علماء البلاغة والتفسير . فالذين يحاولون أن

يجردوا القرآن والسنة من هذه المعاني الزاخرة باللطائف والطرائف ، ليتوصلوا

إلى غرضهم من إثبات صفات لله تشبه صفات الخلق ، أو توهم التشبيه بها ، إنما

يحاولون عبثا محالا ، كمن يحاول إخفاء نور الشمس ساعة إشراقها وظهورها ، ومن

خذلان الله لهم أنهم وقعوا في التشبيه الصريح ، والتجسيم القبيح ، وهم لا

يشعرون بقبح ما صنعوا بل يقولون في وقاحة وجرأة : نحن أهل السنة ، ويرمون

مخالفيهم بأنهم جهميون . ومن نفذ قول الله تعالى (اليس كمثله شئ وهو السميع

32 / 46
ع
En
A+
A-