ثم لما أثبتوا أنها صفات ، قالوا : لا نحملها على توجيه اللغة ، مثل يد ،
على نعمة وقدرة ، ولا مجئ وإتيان على معنى بر ولطف ، ولا ساق على شدة . بل
قالوا : نحملها على ظواهرها المتعارفة ، والظاهر هو المعهود من نعوت
الآدميين ، والشئ إنما يحمل على حقيقته إن أمكن ، فان صرف صارف ، حمل على
المجاز ، ثم يتحرجون من التشبيه ، ويأنفون من إضافته إليهم ، ويقولون : نحن
أهل السنة ، وكلامهم صريح في التشبيه ، وقد تبعهم خلق من العوام ، وقد نصحت
التابع والمتبوع ، وقلت لهم : يا أصحابنا أنتم أصحاب نقل وإتباع ، وإمامكم
الأكبر أحمد بن
===========================================================================
(87) بل قال قاضى الحنابلة أبو يعلى في الصفات : ألزموني ما شئتم فإني
التزمه إلا اللحية والعورة اه كما رواه عنه الحافظ أبو بكر ابن العربي في
العواصم . (2 / 283) والقاضى ابو يعلى هذا هو محمد بن الحسين بن محمد بن خلف
بن الفراء الحنبلي توفي سنة (458 ه) وفيه يقول أبو محمد التميمي ما معناه :
لقد شان أبو يعلى الحنابلة شينا لا يغسله ماء البحار . انظر الكامل لابن
الاثير (10 / 52) في حوادث سنة (458) وقال ابن الاثير في حوادث سنة (429 ه)
وفيها أنكر العلماء على ابي يعلى بن الفراء الحنبلي ما ضمنه كتابه من صفات
الله سبحانه وتعالى المشعرة بأنه يعتقد التجسيم . ثم قال ابن الاثير في
حوادث سنة (458) : وهو مصنف كتاب الصفات أتى فيه بكل عجيبة ، وترتيب أبوابه
يدل على التجسيم المحض تعالى الله عن ذلك . اه . قلت : وكتابه هذا سماه
(إبطال التأويل) مخطوط لدي نسخة منه .
===========================================================================
[ 62 ]
حنبل رحمه الله ، يقول وهو تحت السياط : كيف أقول ما لم يقل ؟ فإياكم أن
تبتدعوا في مذهبه ما ليس فيه ، ثم قلتم في الأحاديث : تحمل على ظاهرها ،
فظاهر القدم الجارحة ، ومن قال : استوى بذاته المقدسة ، فقد أجراه سبحانه
مجرى الحسيات . وينبغي أن لا يهمل ما يثبت به الأصل وهو العقل . فانا به
عرفنا الله تعالى ، وحكمنا له بالقدم بكسر القاف . فلو أنكم قلتم : نقرأ
الأحاديث ونسكت ، ما أنكر أحد عليكم وإنما حملكم إياه على الظاهر قبيح . فلا
تدخلوا في مذهب هذا الرجل السلفي ما ليس فيه اه . وأفاض ابن الجوزي في ذم
المجسمة من الحنابلة مثل القاضي أبي يعلى وابن الزاغوني ، واستنكر الحنابلة
التجسيم الذي ألصق بمذهبهم ، واعتبروه شينا له ، وقاوموا المشبهة والمجسمة
الذين انتسبوا لمذهبهم ، ولم يعتقدوا التنزيه كما اعتقده إمامهم رحمه الله .
(الثالثة) : مؤلف كتاب الأربعين ، مجسم ومشبه ، وصفه بذلك التاج السبكي في
طبقات الشافعية (88) ، قال في ترجمة أبي عثمان الصابوني : الملقب بشيخ
الإسلام ، لقبه أهل السنة في بلاد خراسان ، فلا يعنون عند إطلاقهم هذه
اللفظة غيره . وأما المجسمة بمدينة هراة ، فلما ثارت نفوسهم من هذا اللقب ،
عمدوا إلى أبي اسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري صاحب كتاب (ذم الكلام)
فلقبوه بشيخ الإسلام ، وكان الأنصاري المشار إليه ، رجلا كثير العبادة محدثا
إلا أنه يتظاهر بالتجسيم والتشبيه ، وينال من أهل السنة ، وقد بالغ في كتابه
(ذم الكلام) حتى ذكر أن ذبائح الأشعرية لا
===========================================================================
(88) طبقات الشافعية الكبرى (4 / 272 بتحقيق الحلو والطناحي) .
===========================================================================
[ 63 ]
تحل ، وللأنصاري أيضا كتاب (الأربعين) ، سمتها أهل البدعة (الأربعين في
السنة) يقول فيها : باب إثبات القدم لله ، باب إثبات كذا وكذا ، وبالجملة
كان لا يستحق هذا اللقب ، وإنما لقب به تعصبا وتشبيها له بأبي عثمان ، وليس
هو هناك . وكان أهل هراة في عصره فئتين : فئة تعتقده وتبالغ فيه ، لما عنده
من التقشف والتعبد ، وفئة تكفره لما يظهره من التشبيه . ومن مصنفاته التي
فوقت نحوه سهام أهل الاسلام كتاب (ذم الكلام) ، وكتاب (الفاروق في الصفات)