[ 57 ]
قال القرطبي : وبهذا يرتفع الإشكال ، ولا يعكر عليه ، قوله في رواية رفاعة
الجهني (ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول : لا يسأل عن عبادي غيري) لأنه
ليس في ذلك ما يدفع التأويل المذكور . قال البيضاوي : ولما ثبت بالقواطع أنه
سبحانه منزه عن الجسمية والتحيز ، امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من
موضع إلى موضع أخفض منه ، فالمراد نزول رحمته ، أي يتنقل من مقتضى صفة
الجلال التي تقتضي الغضب والانتقام ، إلى مقتضى صفة الاكرام التي تقتضي
الرأفة والرحمة اه ولي في الحديث رأي لم يتعرض له أحد ، وهو الصواب إن شاء
الله . وبيان ذلك : أن الله تعالى قال : (وإذا سألك عبادي عني فاني قريب
أجيب دعوة الداع إذا دعان) وقال سبحانه : (إن ربي قريب مجيب) فالله قريب من
خلقه ، ليس بينه وبينهم مسافة يقطعها نزول ، والمسافة التي بين السموات ،
وبينها وبين الأرض ، هي بالنسبة للخلق ، أما بالنسبة لله تعالى ، فالعالم
كله بين يديه ، لا يفصله عنهم مسافة لقربه منهم بغير حلول ولا اتحاد ، تعالى
الله أن يحل في شئ من خلقه ، أو يتحد به ، فنزوله كناية عن تنزله في تجليه
على عباده المؤمنين القائمين في ذلك الوقت من الليل ، وهو وقت التجلي ،
ويقال لله متجلي ، ولا يقال له نازل ، والتجلي صفة خاصة به سبحانه ، لا يوصف
بها ملك ولا نبي . . . ومعنى التنزل في التجلي أنه يتجلى على المؤمنين ،
بقدر ما تستطيعه روحانيتهم ، لطفا بهم ورحمة لهم والله تعالى أعلم . نقد باب
إثبات رؤيتهم إياه عزوجل قي الجنة وقع في سند المؤلف في هذا الباب : أنا أبو
يعلى ثنا حوثرة بن وبعده
===========================================================================
رجال الصحيح إلا شيخ الطبراني ابراهيم بن هاشم البغوي وهو ثقة كما قال
الدارقطني انظر تاريخ بغداد (6 / 203) وطبقات الحنابلة (1 / 98) .
===========================================================================
[ 58 ]
بياض ، فكتب عليه المعلق (81) : لعله حوثرة بن محمد بن قديد المنقري ، وهذا
خطأ ، والصواب : أنه حوثرة بن الأشرس بن عون بن المجشر العدوي أبو عامر ،
روى عنه أبو حاتم وأبو زرعة وأبو يعلى ، وهو يروي عن حماد بن سلمة وغيره ،
له ترجمة في كتاب الجرح والتعديل (82) ، وثقات ابن حبان . خاتمة فيها مسائل
(الأولى) : قال القاضي أبو بكر بن العربي (84) في القواصم والعواصم :
والأحاديث الصحيحة في هذا الباب - يعني في باب الصفات على ثلاث مراتب :
الأولى : ما ورد من الألفاظ وهو كمال محض ، ليس للنقائص والآفات فيه حظ ،
فهذا يجب اعتقاده . الثانية : ما ورد وهو نقص محض ، فهذا ليس لله فيه نصيب
فلا يضاف إليه إلا وهو محجوب عنه في المعنى ضرورة ، كقوله : (عبدي مرضت فلم
تعدني) وما أشبهه . الثالثة : ما يكون كمالا ولكنه يوهم تشبيها ، فأما الذي
ورد كمالا محضا ، كالوحدانية والعلم والقدرة والارادة والحياة والسمع والبصر
والإحاطة والتقدير والتدبير وعدم المثل والنظير ، فلا كلام فيه ولا توقف .
وأما الذي ورد بالآفات المحضة والنقائص ، كقوله : (من ذا الذي يقرض الله
قرضا حسنا) ، وقوله : (جعت فلم تطعمني
===========================================================================
(81) وهو الدكتور علي الفقيهي ضعيف جدا وبخاصة في علم التوحيد والحديث .
(82) انظر الجرح والتعديل (3 / 283) . (83) انظر ثقات ابن حبان (8 / 215) .
(84) وهو إمام حافظ كبير من أهل الحديث بلا شك .
===========================================================================
[ 59 ]
وعطشت) . فقد علم المحفوظون والملفوظون والعالم والجاهل ، أن ذلك كناية عمن
تتعلق به هذه النقائص ، ولكنه أضافها إلى نفسه الكريمة المقدسة تكرمة لوليه
، وتشريفا واستلطافا للقلوب وتليينا . وإذا جاءت الألفاظ المحتملة التي تكون
للكمال بوجه ، وللنقصان بوجه ، وجب على كل مؤمن حصيف (85) أن يجعلها كناية
عن المعاني التي تجوز عليه ، وينفي ما لا يجوز عليه . فقوله في اليد والساعد