بعض الناس أثنى عليهم ، ونطلب في هذا الباب أحاديث في أعلى مراتب الصحة مما
لم يمس متنه اضطراب أو شذوذ أو مخالفة للبراهين ، ولا لحق رجاله وصمة
التدليس وقلة الضبط ونحو ذلك فضلا عن الكذب ، فيجب التحري البالغ في أحاديث
الصفات عند جمهور أهل الحق ، ومن تهاون في ذلك فقد هان عليه اعتقاد اه .
(*) .
===========================================================================
[ 46 ]
وعلى تقدير أن يكون ذلك محفوظا فهو محمول على تأويل قوله تعالى : (والسموات
مطويات بيمينه) . أي قدرته على طيها ، وسهولة الأمر عليه في جمعها بمنزلة من
جمع شيئا في كفه واستقل بحمله من غير أن يجمع كفه عليه بل يقله ببعض أصابعه
اه . والخطابي لم ينكر ورود الأصابع في حديث وإنما أنكر أن الحديث مقطوع به
، وكلامه صحيح كما قال الحافظ ، والمقصود أن ذكر الأصابع صفة لله تعالى ،
ليس متفقا عليه مع احتماله للتأويل ، والهروي متساهل في إثبات الصفات بمجرد
ورودها في الحديث ، من غير أن ينظر هل هي من تصرف الراوي أو نحو ذلك من
الاحتمالات . نقد باب إثبات الضحك (58) لله عزوجل وروى عن أبي هريرة عن
النبي (ص) قال : (ضحك الله من رجلين قتل أحدهما صاحبه ثم دخلا الجنة) (59)
والحديث في الصحيحين ، ولفظه في * (هامش) (58) ذكر البيهقي في كتابه الأسماء
والصفات أن الإمام البخاري رحمه الله أول الضحك بالرحمة ص (298) فقال وأما
الضحك المذكور في الخبر فقد روى الفربري عن محمد بن اسماعيل البخاري رحمه
الله أنه قال : معنى الضحك فيه الرحمة اه وكذلك ذكر ذلك عن البخاري صحيفة
(470) ، فتأمل . ومنه يتبين أن الإمام البخاري أيضا إمام أهل الحديث السلفي
من المؤولة . فهل يرميه الحشوية بالتجهم أيضا ؟ ! (59) رواه ابن حبان في
صحيحه كما في الإحسان (7 / 86 بتحقيق الحوت) وقد أول الضحك هناك أيضا الحافظ
ابن حبان إذ قال : فقوله (ص) ضحك من رجلين يريد ضحك الله ملائكته وعجبهم من
الكافر القاتل للمسلم ثم تسديد الله للكافر وهدايته إياه إلى الإسلام وتفضله
عليه بالشهادة بعد ذلك حق يدخلان الجنة جميعا فيعجب الله ملائكته ويضحكهم من
موجود ما قضى وقدر ، فنسب الضحك الذي كان من الملائكة إلى الله جل وعلا على
سبيل الأمر والإرادة ولهذا نظائر كثيرة سنذكرها فيما بعد من هذا الكتاب . .
. اه فتأمل . والحافظ ابن حبان السلفي الجهبذ يقول عنه هذا الهروي سألت
شيخي يحيى بن عمار عنه أتعرفه فقال : نحن أخرجناه من سجستان لأنه أنكر الحد
لله . انظر لسان الميزان 5 / 113 و 114 . (*) .
===========================================================================
[ 47 ]
صحيح البخاري (ضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر ، يدخلان الجنة يقاتل
هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد (60) ورواه النسائي
بلفظ (إن الله يعجب من رجلين) (61) فالحديث مروى بالمعنى . قال الخطابي :
الضحك الذي يعتري البشر عندما يستخفهم الفرح أو الطرب غير جائز على الله
تعالى ، وإنما هذا مثل ضرب لهذا الصنيع الذي يحل محل الإعجاب عند البشر ،
فإذا رأوه أضحكهم ، ومعناه : الإخبار عن رضى الله بفعل أحدهما وقبوله للآخر
، ومجازاتهما على صنيعهما بالجنة ، مع اختلاف حالهما ، قال : وقد تأول
البخاري الضحك في موضوع آخر على معنى الرحمة ، وهو قريب ، وتأويله على معنى
الرضا أقرب ، فإن الضحك يدل على الرضا والقبول ، والكرام يوصفون عندما
يسألهم السائل بالبشر وحسن اللقاء ، فيكون المعنى في قوله : يضحك الله أي
يجزل العطاء وقد يكون معنى ذلك أن يعجب ملائكته ويضحكهم من صنيعهما وهذا
يتخرج على المجاز ، ومثله في الكلام يكثر اه . وقال ابن الجوزي : أكثر
السلف يمتنعون من تأويل مثل هذا ، ويمرونه كما جاء ، وينبغي أن يراعى في مثل
هذا الامرار ، اعتقاد أنه لا يشبه صفات الله صفات الخلق ، ومعنى الامرار عدم
العلم بالمراد منه ، مع اعتقاد التنزيه اه . قال الحافظ : ويدل على أن
المراد بالضحك الاقبال بالرضا ، تعديته بإلى ، تقول ضحك فلان إلى فلان إذا
توجه إليه طلق الوجه ، مظهرا الرضا عنه اه . وذكر البيهقي في الأسماء