بد من ضرب الأمثلة على ذلك : فمثلا النسيان والضحك والمكر والهرولة والمشي
والمرض والجوع ألفاظ أو معاني وردت في الكتاب والسنة الصحيحة مضافة إلى الله
سبحانه مع إننا نقطع انها ليست صفات له فلا نقول : يا ناسي ولا يا مهرول ولا
يا
===========================================================================
[ 5 ]
ماكرولا يا ضاحك ولا يا ماشي ولا يا مريض ولا يا جائع ، بل لا يشك عاقل أن
من أطلق هذه الألفاظ على الله تعالى أو بعضها فهو في خطر عظيم لأنه وصف الله
تعالى بمالا يليق به من النقص أو ما يدل عليه أو ما فيه نسبة الشين إليه .
فمثلا النسيان : ورد في القرآن الكريم إضافته إلى الله تعالى ، قال تعالى :
(نسوا الله فنسيهم) (توبة : 67) وقال تعالى : (فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء
يومهم هذا) (الأعراف : 51) والنسيان قطعا ليس من صفاته سبحانه ، وان ورد في
القرآن ، لأنه يدل على النقص ، والنقص مستحيل على الله تعالى كما هو مقرر في
قواعد الدين وعلم التوحيد ، ولأن الله تعالى يقول : في كتابه العزيز : (وما
كان ربك نسيا) ، (مريم : 64) ولأن الله تعالى يقول : (لا تأخذه سنة ولا نوم)
(البقرة : 254) فتعين بذلك أن النسيان ليس من صفات الباري سبحانه وإن أضيف
إليه في مواضع من كتابه ، ولذلك أول السلف الصالح هذه اللفظة لأنها توهم
النقص في حق الله سبحانه ، ولأن السلف رضوان الله عليهم كانوا قد أوتوا
النصيب الأكبر والأعظم من العلم ولم يكونوا يصفونه تعالى ويطلقون عليه
الأسماء والصفات إلا بعد النظر العميق الثاقب في القواعد الشرعية الثابتة في
الكتاب والسنة مع النظر في معاني تلك الألفاظ في اللغه العربية التي نزل
القرآن الكريم بها (إنا أنزلناه قرآنا عربيا) وإن وردت تلك الألفاظ في
القرآن والسنة كما أسلفنا ، وبعد ذلك يطلقون أو يؤولون ، قائلين المراد من
هذه اللفظة هنا كذا ، أو معنى هذه اللفظة كذا فالنسيان مثلا الذي نحن بصدده
مؤول بالترك ، فيكون معنى : (نسوا الله فنسيهم) أي تركوا طاعة الله تعالى
وذكره وتوحيده وعبادته في الدنيا فيتركهم الله يوم القيامة خمسين ألف سنة
مهملين في ضنك شديد ، وهذا مثل تأويل اليد بالقدرة أو بالقوة أو بالعناية أو
بغير ذلك كما سيأتي ، وإليك نقل تأويل السلف للنسيان بالترك ، قال الإمام
الحافظ بن جرير الطبري السلفي في
===========================================================================
[ 6 ]
تفسيره (مجلد 5 / جزء 8 / صحيفة 202) : يقول الله جل ثناؤه : (فاليوم ننساهم
كما نسوا لقاء يومهم هذا) أي ففي هذا اليوم وذلك يوم القيامة ننساهم ، يقول
: نتركهم في العذاب المبين جياعا عطاشا بغير طعام ولا شراب ، كما تركوا
العمل للقاء يومهم هذا ، ورفضوا الاستعداد له بإتعاب أبدانهم في طاعة الله .
وقد بينا معنى قوله : (ننساهم) ، بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل (1) . ذكر من قال ذلك : . . . . حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن
مجاهد في قول الله (ننساهم) ، قال : نتركهم في النار . . . . . وحدثني
المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قا ل : ثني معاوية عن علي ، عن ابن
عباس (فاليوم ننساهم (2) كما نسوا لقاء يومهم هذا) قال : نتركهم من الرحمة
كما تركوا أن يعملو اللقاء يومهم هذا . اه باختصار كلام الحافظ الطبري .
فإذا تأملت هذا التقرير ، وتأملت في منهج الحشوية المجسمة والمشبهة الذين
يصرون على التمسك بظواهر الألفاظ ، والذين ينكرون التأويل والمجاز ، ويدعون
أن التأويل لم يكن في السلف أوفي أهل الحديث الراسخين في العلم ، كالإمام
أحمد والبخاري رحمهما الله تعالى ، والذين يضللون من أول بعض الألفاظ التي
يتوهم العامة والبسطاء أنها صفات لله تعالى ، ويصفونهم بالجهمية والمعطلة ،
علمت وتحققت أنهم بعيدون عن التحقيق ناؤون عن الصواب ، وخصوصا إن علمت أن
أمثال الإمام أحمد والإمام البخاري يؤولون
===========================================================================