على آدم ، وقيل معنى قوله على صورته أي لم يشاركه في خلقه أحد إبطالا لقول

أهل الطبائع ، وخص بالذكر تنبيها بالأعلى على الأدنى . اه‍ كلام الحافظ .

قلت : وعود الضمير في صورته على آدم يشير لابطال زعم دارون أن الإنسان أصله

قرد ، فأفاد الحديث أن آدم خلق من أول مرة إنسانا لا أصل له غير ذلك ، وهذه

معجزة عظيمة تؤخذ من الحديث . أما جعل الضمير في صورته يعود على الله فهوخطأ

من تصرف بعض الرواة ، وقد استنكره كثير من العلماء وأخذ بظاهره ابن قتيبة

فقال : لله صورة لا كسائر الصور ، وهذا خطأ أيضا ، لأن الصورة تتوقف على

مصور ، كما قال الله تعالى : (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء) وقال

سبحانه : (يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي

صورة ما شاء ركبك) . فوصف الله بالصورة لا يجوز لأنها محدثة والله تعالى لا

يوصف بالمحدث ، تعالى الله عن ذلك ، وتأويل الصورة بالصفة لا يجدي في هذا

المقام . قال البيهقي في الأسماء والصفات : وذهب بعض أهل النظر إلى أن الصور

كلها لله تعالى على معنى الملك والفعل ، ثم ورد التخصيص في بعضها بالاضافة

تشريفا وتكريما ، كما يقال ناقة الله ، وبيت الله ، ومسجد الله (40) اه‍ .

وهو كلام حسن . نقد باب إثبات العينين له تعالى وتقدس وروى فيه حديث أنس بن

مالك قال : قال رسول الله (ص) (ما من نبي

===========================================================================

(40) الأسماء والصفات ص (291) بتحقيق الإمام الكوثري . (*) .

===========================================================================

[ 37 ]

إلا وقد أنذر الأعور الكذاب إلا أنه أعور ، وأن ربكم عزوجل ليس بأعور ،

مكتوب بين عينيه ك ف ر) (41) والحديث ليس فيه إثبات العينين لله ، فمن أين

أتى بها الهروي ؟ ! إن كان فهم من قوله : إن ربكم ليس بأعور ، أنه يستلزم أن

يكون له عينان ، فهذا غلط واضح ، فان الصفات لله تعالى لا تثبت إلا بلفظ

صريح في حديث صحيح . وقد جاء في القرآن إثبات العين لله مفردة كقوله تعالى

(ولتصنع على عيني) . ومجموعة كقوله سبحانه : (فإنك (4 1) حديث صحيح رواه

البخاري في التوحيد (انظر الفتح 1 3 / 389) ومسلم في الفتن برقم (101) ومن

العجيب أن الهروي استنبط من الحديث بناء كل على أن الدجال أعور والأعور من

الخلق من كانت إحدى عينيه سليمة والأخرى غير سليمة - أن الله تعالى له عينان

أي جارحتان سليمتان ، مع أن المراد من الحديث تنزيه الله عن أن يكون جسما

كجسم الدجال تجوز عليه الآفات كالعور فتدبروا يا أولي الألباب في تجسيم

هؤلاء ، وتفكروا في موافقة الطابعين والمحققين الناصرين لتلك الكتب الناشرين

لها بين أيدي العامة الذين يتختلون أن الله بصورة الآدمي فيصفونه بما يوصف

الآدمي المعافى من الآفات وهم معرضون عن قوله تعالى (ليس كمثله شئ) ، وإن

مما يستغرب قول ابن القيم في الصواعق المرسلة أن الله تعالى وان لم يذكر إلا

ساقا واحدة له في كتابه فلا يعني ذلك أنه ليس له ساقا أخرى انظر مختصر

الصواعق (1 / 31 - 32) ثم يستنبط ابن القيم من قوله تعالى (يا حسرتا على ما

فرطت في جنب الله) على أن لله جنب ، فيقول : إن الله تعالى وان لم يذكر في

كتابه إلا صفة جنب واحد ، فمن قال لك إنه ليس له جنب آخر ؟ ! انظر مختصر

الصواعق (1 / 33) فمن تأمل ما يهذي به هؤلاء حمد الله تعالى على العافية من

هذه الوثنية العريقة ، وهل يعول على كلام من يقول مثل هذا ؟ ! بل هل يعتبر

من العلماء من يقول مثل هذا ؟ ! * قال الحافظ ابن حجر في الفتح 13 / 390 :

ولم أر في كلام أحد من الشراح في حمل هذا الحديث على معنى خطر لي فيه اثبات

التنزيه ، وحسم مادة التشبيه عنه وهو أن الإشارة إلى عينه (ص) إنما هي

بالنسبة إلى عين الدجال فإنها كانت صحيحة مثل هذه ثم طرأ عليها العور لزيادة

كذبه في دعوى الإلهية ، وهو أنه كان صحيح العين مثل هذه فطرأ عليها النقص

ولم يستطع دفع ذلك عن نفسه . اه‍ . (*) .

===========================================================================

[ 38 ]

بأعيننا . . .) (واصنع الفلك بأعيننا . . .) (تجري بأعيننا) . وهذا يدل على

18 / 46
ع
En
A+
A-