ثم قال سبحانه لرسوله أيضاً: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا * وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا *  وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا * وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا * وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا * وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا * وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا * وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى ءَامَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا * وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا * وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا}[الجن:1ـ16].

ففي الجن من الموحد والمشبه، والمعدل والمجبر، مثل ما في الإنس، لقولهم: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الجن: 5]، قوله: وأنا ظننا يقولون: أيقنا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذباً، لأن لن هاهنا صلة وقولهم: إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يدل على أنهم آمنوا بموسى كما آمنوا بمحمد؛ وإيمانهم بهما كأيمانهم بآدم وجميع الأنبياء عليهم السلام.

والدين الذي تعبد الله به خلقه هو الذي جاء به آدم عليه السلام؛ لأن الدين عند الله الإسلام ثم جاءت به الرسل؛ كما قال سبحانه: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ}[الشورى: 13].

 فمن آمن بمحمد من الجن والإنس فقد آمن بآدم وبجميع الأنبياء، ومن كفر بمحمد فقد كفر بآدم وجميع الأنبياء كما حكى الله سبحانه من تكبر إبليس وابن آدم الذي قتل أخاه ظلماً وعدواناً، وذلك قول الله سبحانه:{قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 34].

[نفي وجود الإناث في الجن]

ثم قال سبحانه: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50] يقول سبحانه: خرج عن طاعة ربه ليس يعني الفسق الذي هو عند الناس الزنا؛ لأن الزنا في ولد آدم، إذ ليس في الجن إناث([17]) على ما ذكرهم الله في كتابه حين يقول سبحانه:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن: 6] ثم قال سبحانه:{قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا ءَاتِيكَ بِهِ} [النمل: 39].

لم يذكر سبحانه من أعدائه الأولين أنهم نسبوا الجن إلى الأناث، كما نسبوا الملائكة حين يقول سبحانه:{وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًاً} [الزخرف: 19]، فأكذبهم الله بقوله:{أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزخرف: آية 19] وقال سبحانه:{يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء:172]، ولو كانوا إناثاً لقال: ولا الملائكة المقربات.

 وقد ذكر الله عز وجل ولد آدم أنهم ذكور وإناث وغيرهم ممن خلق من الحيوان، والجماد فقال، في النجوم:{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} [يس: 39] ذكره، ثم قال: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ}[الكهف: 17]، ثم قال: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ(1)} {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ(3)} [الإنشقاق: 1 ـ 3]، وقال: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} [الكهف: 109]، وقال: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّاً} [الأعراف: 143] وقال: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد: 25]، وقال: {الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ ءَايَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: 7]،  ([18])   فذكر عز وجل أنهم ذكور لا إناث فيهم؛ وقال: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} [يس: 36] فقال: مما تنبت الأرض؛ فالملائكة عليهم السلام سماويون، والجن هوائيون، والآدميون أرضيون، فليس خلقهم تشبيه([19]).

[تفسير السجود لآدم]

فلما أن خلق الله عز وجل آدم، وأبان فيه عجائب تدبيره، قال للملائكة والجن: اسجدوا لخالق هذا وأطيعوه واعبدوه حق عبادته، ولا تعصوه فيما يأمركم به من طاعته وطاعة رسله، فأطاعت الملائكة ربها فيما أمرهم به من السجود، وعصى إبليس ومن اتبعه من مردة الجن أمر خالقهم، وأطاع مؤمنوا الجن ربهم كما أطاعت الملائكة؛ فقال الجاهل: إن الله أمر إبليس بالسجود ولم يرد منه السجود، وقالوا: إن الله عز وجل عن قولهم يأمر بما لا يريد وينهى عمَّا يريد؛ وزعموا أن الله سبحانه أمر إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه ولم يرد ذبحه، ولم يميزوا في قول الله لإبراهيم عند ما وضع السكين على حلقه وعزم على ذبحه أنه قال: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: 105] أي: لم آمرك بأكثر من ذلك ولم أرد منك (إنفاذاً([20])؛ لأن قول إبراهيم لابنه: {يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102] فقوله: أرى فعل مستقبل لم يقل له إني ذبحتك.

ثم زعموا أن إبليس لما كره السجود، وأبى واستكبر وكفر ووافقت إرادته إرادة الله، لعنه([21])  وأخزاه، زعموا أنه لم يرد منه السجود كذباً على الله ورداً لكتاب الله عز وجل.

وحمد سبحانه ملائكته إذ وافقت إرادتهم إرادته، وائتمروا بأمره، ولُعن إبليس عند ما خالفت إرادته، إرادته ولم يأتمر بأمره فقال: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف:12]، فلو وافقت إرادته إرادة خالقه وائتمر بأمره، لحمده كما حمد الملائكة، وأثنى عليهم.

[إبليس لم يدّع أن الله أراد منه العصيان]

وإبليس أيضاً لم يقل لربه: إنك لم ترد مني السجود ولا أنك حلت بيني وبين السجود، بل قال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، ثم يقول يوم القيامة لأتباعه: إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم أنا بالباطل فقبلتم باطلي وكرهتم أمر خالقكم؛ كما كرهت أنا قبلكم أمره، فبكراهيتنا لأمره استوجبنا منه العذاب، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل؛ لم يقل إن الله أشركني في عبادتكم كما زعمت القدرية حين خلقه.

قالوا: إن الله خلق إبليس ليعبد من دونه، وأشركه في عبادة خلقه([22])؛ لأنهم زعموا أن عبادة من عبد إبليس بإرادته ومشيئته وقضائه وتقديره، خلافاً لقول الله([23]) سبحانه:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] ويقول:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: 21] ويقول سبحانه لهم يوم القيامة:{وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ * أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي ءَادَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس:59ـ60] فذكر سبحانه معصية إبليس، ولم يذكر معصية من عصاه من الجن، كما ذكر عز وجل معصية آدم ولم يذكر معصية حوَّى، وكانت معصيتهما واحدة في أكل الشجرة؛ لقوله سبحانه:{فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا}[الأعراف: 22] يعني سبحانه سوء فعلهما، ثم تابا فتاب الله عليهما، فذكر الله سبحانه توبة آدم ولم يذكر توبة حوَّى وكانت توبتهما واحدة، وذلك قول الله عز وجل:{فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 37].

فإن قلنا: إن أمنَّا حوَّى لم تتب كنا من الآثمين، وخالفنا كتاب ربنا إذ يقول سبحانه: الطيبات للطيبين وأمَّا قول الجهال إن الله فرق بين آدم وحوَّى، عليهم الصلاة والسلام فهذا قول فاسد؛ لقول الله سبحانه:{وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ * قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:22ـ23] كانا في الجنة مجتمعين، وكان خروجهما منها مجتمعين، وكذلك كانت معصيتهما واحدة، وتوبتهما واحدة، لأن الله عز وجل لم يذكر افتراقهما في شيء من([24])  ذلك وقوله:{وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ}[الأعراف:22] فإنما كان من جهة ما أصابهما من حر الشمس بعد أن خرجا من الظل البارد، وليس كما قال الجاهل: إنه أعراهما عن لباسهما.

وكذلك عصى ابن آدم ربه، وخالف أمر الله؛ إذ قتل أخاه كما قال سبحانه: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: 30] فهذان أول من عصيا([25]) خالقهما، إبليس من الجن وابن آدم من الإنس، فكل من عصى الله من الجن والإنس فهو تابع لهذين إلى آخر الدنيا وفيهما وفي من تبعهما يقول الله عز وجل:{يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ ءَايَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} [الأنعام: 130] ثم ذكرهما سبحانه لرسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيما أنزل عليه من كتابه في سورة الرحمن، حين يقول سبحانه:{خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ * فَبِأَيِّ ءَالَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:14 ـ 16]، فذكرهما عز وجل بآلائه ونعمائه إلى آخرها.

[الرسل إلى الثقلين من الإنس]

وبين سبحانه أن رسله من الإنس إلى الإنس والجن؛ إلاّ أن الجن لا يراهم رسل الله ولا يسمعون كلامهم، والجن تسمع كلام رسل الله وأمرهم ونهيهم، فيأمر مؤمنوا الجن مردتهم بأمر الله وأمر رسله لإثبات الحجة عليهم كما قالوا: يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به؛ كما أمر معاذ بن جبل رسول رسول الله أهل اليمن بما كان يسمع من رسول الله من طاعة الله وطاعة رسله([26]) من الإنس؛ فمنهم من قبل قول معاذ، ومنهم من صدَّ عنه، وكذلك أرسل رسول الله رسله من الإنس إلى أهل اليمن وغيرهم من الناس كما أرسل رسله إلى الجن؛ فأرسل جعفر بن أبي طالب إلى بلد الحبش بمن كان معه من قبائل الناس كلهم من العرب والعجم مثل سلمان الفارسي، وبلال الحبشي، وصهيب الرومي وغيرهم من المسلمين عليه وعليهم السلام.

ثم أعطى كل واحد من رسل الله هذا الوحي الذي جاء به جبريل عليه السلام إلى جميع خلقه، وعلمهم وعرفهم فمنهم من أخذ منه هذا الوحي كله ووعاه وفهمه، مثل علي بن أبي طالب صلوات الله عليه.

[الحجج على الخلق]

أقام جبريل ومحمد وعلي ثلاثاً وعشرين سنة حتى أبلغوا رسالة ربهم إلى المشرق والمغرب، من الجن والإنس؛ ومحمد ينظر جبريل ويسمع كلامه، وعلي ينظر شخص محمد، ويسمع كلامه، فكلما لقن جبريل محمداً من كتاب الله وسنته شيئاً، أملى محمدٌ علياً كل ذلك فكتبه علي بخطه، ثم علمهما الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك قال النبي: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها))([27])،  فهؤلاء الثلاثة حجج الله على خلقه في تبليغ رسالاته إلى خلقه فافهمه.

 فألَّف الله عز وجل بين هؤلاء الثلاثة، إذ إرادتهم في إنفاذ أمر الله واحدة ولذلك استوجبوا من الله التوفيق والتسديد، كما قال سبحانه: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [النمل: 16]، وكذلك ورث علي محمداً عندما أقامه الله في أمة محمد بعده مقامه كما أقام سليمان مقام أبيه في أمته بعده، إذ حكمهما واحدٌ في أحكام خالقهما، ليس كما قالت الحشوية: إنهما اختلفا في حكم الحرث، فالله عز وجل لم يذكر اختلافهما، بل قال إنهما حكما بحكمه حين يقول سبحانه في كتابه:{وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا ءَاتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}[الأنبياء: 78 ـ 79].

ولم يذكر من هؤلاء الحشوية أحد هذا الإختلاف من الرسول أيضاً إلاّ من تلقاء أنفسهم بغير حجة من كتاب الله، ولا أثر من رسول الله؛ بل كتاب الله ينطق بخلاف قولهم، حين يقول عز وجل: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105].

وزعموا أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: اختلاف أمتي رحمة، فإذا كان الاختلاف رحمة، فينبغي أن يكون الائتلاف نقمة، والله عز وجل يقول:{وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ(118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود: 118 ـ 119] يقول: لا يزال أهل الباطل يخالفون([28])  أهل الحق إلاّ من رحم ربك إلاّ المؤمنين مؤتلفون غير مختلفين.

ثم زعمت الحشوية في ألواح موسى عليه السلام أنه ذهب جزء منها ممَّا كان كتب له ربه عند ما ألقى الألواح؛ فكتاب الله يكذبهم حين يقول عز وجل:{وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154] فكذبهم فيما جاء به موسى وداوود وسليمان، ككذبهم فيما جاء به محمدٌ إذ زعموا أنه ذهب جزء من القرآن.

فالقوم قد زعموا ([29])  على إطفاء نور الله إلاّ أن الوصي لم يوسعهم([30]) إلى ذلك، ولا السبطين ولا الأئمة الهادين من ولد خاتم النبيين؛ إذ هم أمناء الله على خلقه، وخلفاؤه في الأرض، ولولاهم لمحى الظالمون دين الله إلاّ أنهم يحيون دين الله ويحيون به؛ فبهم ثبت الله دينه في خلقه، ولذلك([31]) قتلهم ظالموا أمة جدهم، كما قتل الفراعنة رسل الله عند ما أمروهم بطاعة الله، ونهوهم عن معصية الله، وذلك قول الله عز وجل: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة: 87].

وأما الحشوية والإمامية، فليس معهم من توفيق الله وتسديده شيء؛ إذ هم مدبرون عن الله وعن  رسله وأوليائه.

ثم الحشوية بينهم اختلاف عظيم؛ أصحاب الحديث يكفرون أصحاب الرأي، وأصحاب الرأي يكفرون أصحاب الحديث، وكذلك الإمامية بين الموساي([32]) والإسماعيلي بلاء عظيم، فالقوم كما ذكر الله عن اليهود والنصارى حين يقول الله سبحانه: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [البقرة:113].

فأمَّا الزيدية فلا اختلاف بينهم، وذلك أنهم اعتصموا بحبل الله جميعاً كما أمرهم الله ربهم، إذ يقول  الله عز وجل:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًاً} [آل عمران: 103] وقال:{وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[الأنفال: 63].

[أحوال الرواة]

فعلي بن أبي طالب وعى كلام رسول الله، وحفظه وعمل بما أمره([33])، وعرفه به من حلال الله وحرامه.

وسائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذين كانوا في عهد رسول الله، فقد اجتهدوا في طاعة الله، وطاعة رسوله، وفي علم ما جاء به رسول الله، فمنهم من وعى جميع ما سمع من رسول الله، ومنهم من حرص ولم يدرك كما أدرك غيره، ومنهم من توانى عن ذلك، وغفل عنه، فذلك مأثوم عند الله عز وجل؛ لأن الله عز وجل قد ذكر ذلك في كتابه، حين يقول:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السجدة: 22]، فأما من حرص على التعلم وطلب الإحاطة بجميع ما أنزل الله على رسوله، ولم يدرك كما أدرك من هو أفضل منه، فذلك غير معاقب ولا مأثوم؛ لأنه قد حرص فلم يدرك، وذلك أنه لم يعط من الفهم كما أعطي هذا الفاضل الذي وعى جميع ما سمع عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

[بحث في أن التفضيل من الله عز وجل]

والتفضيل هو من الله عز وجل وقد ذكر ذلك في كتابه حين يقول:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [البقرة: 253] ثم قال عز وجل:{وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَءَاتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا}[الإسراء: 55] ثم قال سبحانه لرسوله:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] ثم قال سبحانه في سورة جبريل عليه السلام:{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ(19)ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ(20)مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ(21)وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ(22)} [التكوير].

[الوصاية وأن حجج الله لا تنقطع]

ثم إذا أراد الله عز وجل قبض رسول من رسله إليه، أمره أن يوصي بأمته إلى من يقوم فيهم مقامه، ويسير فيهم بسيرته، في جميع ما تعبد الله به خلقه؛ لأن الرسول يوجد ويعدم، والذي يقوم في خلقه مقام رسوله لا يعدم ولا يفقد كما قال سبحانه:{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ}([34]) [المائدة:19] لم يقل سبحانه على فترة من الحجة؛ لأن الحجة إذا عدمت، رفعت عنهم العبادة، والعبادة فلا ترفع عنهم في دار دنياهم؛ لأن دار الدنيا هي دار عمل وبلوى وعبادة وطاعة، والآخرة دار جزاء وثواب.

ومن الحجة في أن حجج الله عز وجل لا تنقطع، أن سلمان الفارسي رحمة الله عليه أدرك محمداً صلى الله عليه وآله وسلم، وسلمان على دين عيسى؛ ولذلك قال الله عز وجل لجميع المؤمنين:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] فأمرهم عز وجل بثلاث طاعات ترجع كلها إلى طاعة واحدة، وهي طاعة الله عز وجل.

ثم قال سبحانه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم   لجميع أمته:((أيها الناس إني مسائلكم غداً فمحف([35]) بكم في المسألة عن كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبداً إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض)) يعني عليه السلام حوضه يوم القيامة، الذي ذكره الله في كتابه حين يقول سبحانه:{إنَّا أعطيناك الكوثر} [الكوثر: 1] فالكوثر نهر في الجنة، حبى الله به رسوله.

ثم قال سبحانه: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} [الإنسان: 6] فكما لا يجوز ترك التمسك بالكتاب، فكذلك لا يجوز ترك التمسك بالعترة؛ لأن الكتاب يدل على العترة، والعترة تدل على الكتاب، ولا يقوم واحد منهما إلاّ بصاحبه، لم يذكر الله سبحانه أنه أخلى أرضه من حجة، ولا رفع العبادة عن خلقه في دار دنياهم، بل الحجة ثابتة في الخلق من لدن آدم إلى وقتنا هذا؛ لأن الله عز وجل بعث الرسل مبشرين([36])، ومنذرين لخلقه، فكان آخر الأنبياء صلوات الله عليهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فلما ختم الله عز وجل الأنبياء بمحمد، أقام أولاده الطاهرين في أمة جدهم مقام رسله في الأمم الخالية {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}[النساء: 165].

فلما أراد الله قبض رسوله إليه أمره أن يأمر أمته باتباع وصيه علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، ثم علم عز وجل أنه يقبض علياً كما قبض رسوله عليهما السلام، فأمره أن يأمر أمته باتباع السبطين الحسن والحسين، ثم باتباع الأئمة الهادين الذين يهدون بالحق وبه يعدلون، فدل صلى الله عليه وآله وسلم بقوله:((علي مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي([37]))) وبقوله:((من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله([38]))) ودلَّ صلى الله عليه وآله وسلم بهذا القول: بأن علياً هو أولى بإمته من بعده، ثم بين الأمر في الحسن والحسين، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما))([39])  وقال عليه السلام وآله لأمته:((إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض)([40])). 

قال عز وجل يؤكد الأمر ويبين أن الأئمة الهادين من ولد رسول الله وأنه لا يسع أحداً خذلانهم ولا التخلف عنهم؛ لقوله عز وجل لرسوله:{قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}[الشورى:23].

[فائدة ظهور الإمام]

فإذا ظهر إمام من ولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فسار بسيرة جده في أمته، وألزمهم المعرفة بالله، وبرسوله، وما جاء به، وجميع ما تعبد الله به خلقه من المعرفة به عز وجل، وإثبات وعده ووعيده، وتصديق رسله، ثم عرفهم بالصلاة والصيام والزكاة والحج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنعهم عن البدع التي يكونون عليها، وإظهار المنكرات، فهم كما قال الله عز وجل فيهم وفيمن كان قبلهم ممن يهدي إلى أمره وينهى عن نهيه:{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41].

مثل: الهادي إلى الحق عليه السلام؛ الذي أظهر صلاة جده في البلد الذي ملكها الله إياه، وأجاز حكمه على أهلها، وأزاح عنهم صلاة المبتدعين، وغيرها من البدع من التشبيه والتجوير، وإنكار الوعد والوعيد، وتكذيب الرسل، والطعن على أولياء الله، وأذاء الله ورسوله، والمؤمنين والمؤمنات، كما حكى الله عز وجل عنهم حين يقول سبحانه:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} إلى قوله:{فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}[الأحزاب: 57 ـ 58]، منعهم عليه السلام عن هذا الطعن على الله ورسوله والمؤمنين وألزمهم كلمة([41])  التقوى، ونهاهم عن قول الفحش والردى، كما أمره به خالقه؛ إذ يقول سبحانه له ولغيره:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[آل عمران: 104].

وقال لجده عليه السلام:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] فالإنسان يذكر ـ في مخلاف([42])  الهادي عليه السلام ـ خالقه بما هو أهله، ورسله وأولياءه؛ ويذكر أعداء الله بأفعالهم القبيحة مجترياً، وفي غير مخلافه لا يقدر أحد أن يتكلم بالحق، ويكون كلامه فيما بينه وبين خالقه سراً بغير إعلان إلى المخلوقين؛ إلاّ أن إنكار المنكر باليد واللسان والقلب.

وقال النبي عليه السلام:((من أحيا سنة من سنتي قد أميتت، فله أجر من عمل بها إلى يوم القيامة من الناس لا ينقص ذلك من أجور الناس شيئاً، ومن ابتدع بدعةً لا يرضاها الله كان عليه إثم من عمل بها لا ينقص ذلك من إثم الناس شيئاً([43])))، فهنيئاً لابن رسول الله الهادي إلى الحق بما أحيا من سنة جده في أمته صلى الله عليه وآله وسلم.

[فرية الحشوية والإمامية]

قالت الحشوية الضالة: إن إبراهيم عليه السلام فتش بيوت الأنبياء عليهم السلام فوجد محمداً جالساً في بيته، وعن يمينه شيخ، وعن يساره كذلك، وبين يديه شاب، وعند ظهره كذلك، فزعموا أنه أبوبكر وعمر وعثمان وعلي قبل أن يخلقهم الله.

 فقولهم هذا كقول الإمامية عندما زعموا أن الله خلق محمداً وعلياً قبل آدم بأربعة عشر ألف عام([44])،وكذلك قولهم في رؤية معبودهم، كقول الإمامية إلاّ أنهم قالوا: إن ذلك في الدنيا عندما زعموا أنه حل بمحمدٍ ثم  بعلي ثم بإمام بعد إمام من أئمتهم.

3 / 44
ع
En
A+
A-