قال: (أصحاب عمي زيد؛ أنت يا شيخ وأصحابك قوم حملونا على حواجبهم ـ قال: وأشار بيده إلى حاجبه ـ وناشروا([508])  السيوف دوننا بجباههم، والقنا دوننا بنحورهم، أولئك في الرفيق الأعلى، من سمع منهم واعيتنا، وأجاب منهم داعينا، فاستشهد، فهو شهيد مع شهداء بدر، بحفظه لرسول الله فينا بعد موته، ومن كان يظهر فضلنا وينتظر أمرنا، ويوالي ولينا، ويعادي عدونا، فهو شهيد يمر على الأمر شهيداً، فإذا مات، كان مع الشهداء).

قلت: يا ابن رسول الله، ما أحسن هذا الحديث !.

عن محمد بن كثير، قال: قال عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام: (علامة ما بيننا([509])  وبين الناس علي بن أبي طالب عليه السلام، وعلامة ما بيننا وبين شيعتنا زيد بن علي عليه السلام؛ من تولى زيداً على صفته، توليناه؛ ومن بريء من زيد على صفته، برئنا منه؛ إن زيداً كان صحيحاً، إن زيداً كان صحيحاً).

ثم قال: (اللهم إني أشهدك، وأشهد حملة عرشك، وملائكتك، ومن حضرني من خلقك، أني أتولى زيد بن علي، وأبرأ إليك ممن بريء منه، ومن أصحابه؛ مضى والله زيد ما خلف فينا لدين ولا لدنيا مثله؛ أضحى زيدٌ في العراق([510])  فأوضح للناس الطريق؛ أما والله إن أوثق خصال زيد عندي أنه ثبت الجنان، واللسان والأركان([511])؛ لما أوضح للناس من كتاب ربهم، وسنة نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم).

ثم قال: (والله ما على ظهر الأرض رابطة غيركم معاشر الزيدية).

عن سهل بن سليمان الرازي قال: حدثني أبي قال: شهدت زيد بن علي عليهما السلام، يوم خرج لمحاربة القوم بالكوفة، فلم أرى يوماً قط ([512])   أبهى ولا أكثر جموعاً، ولا أوفر سلاحاً، ولا أشد رجالاً، ولا أكثرقرآناً وفقهاً، من أصحاب زيد بن علي، فخرج عليهم زيد بن علي، على بغلةٍ شهباء، وعليه عمامة سوداء، وبين يدي قرموسه([513])  مصحف، فقال: (أيها الناس، أعينوني على أنباط أهل الشام، فوالله ما يعينني عليهم أحد، إلاّ رجوت له أن يجيء يوم القيامة، آمناً حتى يجوز الصراط، ويدخل الجنة؛ والله ما قمت هذا المقام، حتى علمت التأويل والتنزيل، والمحكم والمتشابه، والحلال والحرام، وما بين الدفتين).

ثم قال: (نحن ولاة أمر الله، وخزان  علم الله، وورثة وحي الله، وعترة نبي الله؛ وشيعتنا ولاة الشمس والقمر، والله، لاتقبل التوبة إلاّ منهم، ولا يختص بالرحمة يوم القيامة سواهم).

عن أبي خالد الواسطي قال: سمعت زيد بن علي عليهما السلام، اليوم الذي خرج [فيه] يقول: (اللهم انتقم لنفسك ولدينك، ولكتابك ولنبيك، ولأهل بيتك ولأوليائك من المؤمنين).

قال: ولمَّا خفقت الراية على رأس زيد بن علي، قال: (اللهم مرضاتك طلبت، ولعدوك نصبت، وهذا الجهد مني وأنت المستعان).

عن يحيى بن زيد قال: قال لي جعفر بن محمد، يوم ودَّعته: أقريء عمي زيداً مني السَّلام، وقل له: يا عم، أسأل الله أن ينصرك، وأن يعينك([514])  ولا يرينا مكروهاً فيك؛ يا عم، إن كنت أزعم أنني إمام عليك، فأنا مشرك.

قال: ولمَّا بلغه قتل عمه زيد، تغرغرتا([515])  عيناه؛ ثم قال: ذهب ـ والله ـ عمي زيد وأصحابه، على ما ذهب علي بن أبي طالب والحسن والحسين، شهداء إلى الجنة؛ التابع لعمي زيد مؤمن، والشاك فيه ضال، والراد عليه كافر؛ أما والله ما من عمل ألقى الله به أحب إليَّ من العمل الذي لقي الله به زيد، وإنه لدين الله الذي أدينه؛ كان ـ والله ـ عمي زيدٌ أبذلنا لملكه، وأوصلنا لرحمه، كان ـ والله ـ عمي زيد ملي([516]) حلماً وعلماً، كان ـ والله ـ عمي زيد أرجلنا لدنيانا وآخرتنا؛ والله ما كان فينا زمان  عمي مثل عمي؛ ومضى ـ والله ـ عمي على ما مضى عليه آباؤه.

 قال القاسم بن كثير: قلنا له: ما تقول يا ابن رسول الله، فيمن قُتِلَ مع عمك زيد ؟.

 قال: من قتل مع([517])   زيد، كمن قتل مع الحسين، ومن قتل مع الحسين، كمن قتل مع علي، ومن قتل مع علي، كمن قتل مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

حدثني علي بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم، قال: قلت لابن أخي الحسن بن عبدالله بن الحسين: اعلم أن أخي وابن أخي ماتا، وأنا صغير، فأيهما كان أفضل؟.

 قال: أبي كان رجلاً فاضلاً؛ وأمَّا محمد بن الهادي فكان شبيه جبريل عليه السلام.

وحدثني عمي أنَّ الهادي إلى الحق أمر جماعة من الطبريين، أن يصيروا إلى ابنه محمد، وكان معسكره في بلد، فقال لهم: (إنما أنتم تذهبون إلى رجل كنفسي). عليهما السلام.

وحدثني قوم من الطبريين أثق بهم، أن الحسين بن عبدالله الطبري سأل الهادي إلى الحق، أن يريه كتاب الجفر؛ لينظر هل يجد فيه اسمه.

قال له الهادي عليه السلام: اسمي يحيى ويحيى في الناس كثير، ولكن انظر إلى فعلي، فإن كان موافقاً للكتاب والسنة، فطاعتي واجبة عليك، وإن كان مخالفاً لهما، فلا سبيل لي عليك؛ وأمَّا كتاب الجفر فلا يحل لي أن أريكه ولا غيرك، فهؤلاء أهل بيتي أبي وأخي وأولادي وبنو عمي، ما رآه أحد منهم إلاّ ابني محمد، وقفته على شيء منه.

ثم حدثوني ([518]) أن الإمام حدثهم عندما بنى المسجد فكتب فيه: هذا ممَّا أمر بعمله الإمام المرتضى.

 قال لهم: الاسم الذي كتبته في قبلة المسجد وجدته في بعض الكتب؛ وهو يومي لهم إلى كتاب الجفر، على نحو ما سمعوا من الهادي عليه السلام.

ورووه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال لابنته فاطمة: ((منَّا محمد المصطفى وهو أبوك، ومحمد المرتضى وهو ابنك، ومنَّا محمد المهدي وهو من أولادك، الذي يختم الله به الأئمة الهادين كما ختم([519])  الأنبياء بأبيك)).

قال محمد بن الحسن بن القاسم في كتابه إلى الطبريين، فذكر فيه إمامة الإمام محمد بن الهادي عليه السلام، يقول فيه: إنه أكمل أولاد الرسول، وأحقهم بالإمامة، وأولاهم بمقام الرسول.

قال الهادي إلى الحق في ابنه الإمام المرتضى لدين الله، عليهما السلام ([520]):

ومن هو للإسلام ركنٌ معاضدٌ

ومن هو بالمعروف يأمر جهده

 

ومن هو جاف للفسوق وللكفر

وينهى عن الفحشاء والفسق والشر

ولبعضهم في الإمام رضي الله عنه:

هذا النقيب لآل أحمد كلهم

 

برح الخفاء ولات حين خفاء

قال الإمام المرتضى لدين الله في أبيه  الهادي إلى الحق عليهما السلام: إن الهادي إلى الحق مما أخبرت به العلماء، وبشرت بقيامه الأنبياء.

ـــــــــــــــ

[ذكر خطايا الأنبياء صلوات الله عليهم]

اعلم يا أخي، أني قد عرفتك بمعصية إبليس من الجن، وبمعصية ابن آدم من الإنس، الذي قتل أخاه، وأنهما تعمدا المعصية على وجه التجبر، والعتو والتكبر، كما قال الله سبحانه: {إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [ص:74]، وقال سبحانه في ابن آدم: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة:30]؛ فهذان أول من شرع المعصية في الجن والإنس، وابتدعا وأسساها من تلقاء أنفسهما، ورفضا رشد عقولهما؛لأن  العقل والهوى متضادان متباينان؛ والعقل يدعو إلى الخير والرشد والصلاح والسداد، والهوى يدعو إلى الظلم والجور والفساد؛ فمن تبع عقله أفلح، ومن تبع هواه خسر.

تبع إبليس وابن آدم هوى أنفسهما، ثم أصرا على ذلك ولم يقلعا، فكل من عصا خالقه من الجن والإنس، فهو تابع لهما إلى آخر الدنيا؛ ولذلك أمر الله رسوله أن يتعوذ به عز وجل من شرهما ووسوستهما؛ إذ تبعا وسوسة أنفسهما، وابتدعاها في الثقلين ورسماها فيهم، كما قال لرسوله: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ(1)مَلِكِ النَّاسِ(2)إِلَهِ النَّاسِ(3)مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ(4)الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ(5)مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ(6)} [الناس:1ـ6].

 فقال: من شر الوسواس؛ والوسواس فهو الشيطان، والخنَّاس فهو الذي يخنس عن أعين الناس، فلا يرونه، فهذا إبليس وهو من الجن وهو الذي أغوى آدم، ثم قال سبحانه: {من الجِنَّة والناس} هم الإنس والجن([521]) فأمر الله نبيه أن يتعوذ من شر شياطين الجن والإنس، وفي ذلك ما يقول سبحانه: {عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام:112].

والشياطين من الإنس أقوى على الإنس وأشر عليهم من شياطين الجن؛ فعلى هذا الوجه نسب الله عز وجل كل وسوسةٍ تكون من الإنسان إلى آخر الدنيا، إلى شياطين الجن والإنس، كما قال سبحانه لصفيه آدم عليه السلام: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ} [طه:120]؛ فأصل هذه الوسوسة كانت من آدم، كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق:16]، فآدم من الإنس بل هو أولهم.

[ذكر وسوسة إبليس وما قصَّ الله سبحانه على رسوله في كتابه]

منها إلى أبي البشر وإلى جميع أولاده من بر وفاجر؛ فتفسيره في وسوسته على وجه الإضمار، كما ذكر الله عز وجل في كتابه، ممَّا يشاكل هذا، كقول أولاد يعقوب لأبيهم: {واسئل القرية} [يوسف:82]، وقوله:{لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الأنعام:92]، وكقوله: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} [البقره:93]، ثم قال يوسف عليه السلام: {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} [يوسف:100]، وقال أيوب عليه السلام: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص:41]؛ ثم قال سبحانه لرسوله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ(175)وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [الأعراف:175ـ176]، إلى آخر الدنيا.

ألا ترى أن الله آتى هذا المذكور آياته، وبينها له، فانسلخ منها من تلقاء نفسه، ورضي الشيطان بفعله؛ إذ هو موافق له في معصية خالقهما؟.

ثم قال: {فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}، يعني: هذا الإنسان، ثم قال: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا}، يقول سبحانه: رفعه بهذه الآيات وفضله بها، فلم يقبلها ولم يأخذ بها، بل أخلد إلى الأرض وركن إلى زينتها، واتبع هوى نفسه، وأعرض عن آيات ربه، التي رفعه بها في دنياه وآخرته.

ثم قال سبحانه: {ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}[الأعراف:176]، يقول عز وجل: كل من كذب بآيته وأعرض عنها واتبع هوى نفسه، كان مثله كمثل هذا الذي ظلم نفسه وخسرها وأهلكها.

وأمَّا قول الحشوية: إن هذه الآية في نبي من أنبياء الله، فقولهم فاسد؛ لأن  رسل الله صلوات الله عليهم أجمعين، لا يصرون على معصية الله؛ فهذا مصرهم([522]).

ثم قال موسى عليه السلام عندما قتل القبطي: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}[القصص:15]، قال: من عمل الشيطان، لم يقل: إن الشيطان الذي قتله.

والشيطان الذي عنى به موسى يمكن أن يكون أراد ابن آدم الذي قتل أخاه، وأراد إبليس، وكل ذلك جائز.

فالإنسان إذا سلم([523]) من نفسه، فهو سالم من شياطين الجن والإنس، كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ(201)وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ(202)} [الأعراف:201ـ202]، يعني سبحانه: أنَّ أولياءه([524]) المتقون، إذا حدثتهم أنفسهم بشيء من عمل الشيطان، تحصنوا بالله وآياته من عمل الشيطان، وتباعدوا؛ وأنَّ أعداءه إخوان الشياطين اتبعوه، وعملوا عمله، وتمادوا في الغي ولم يقصروا، ولم يقلعوا منه، ولم يتذكروا فيبعدوا الشيطان منهم، كما أبعده المتقون؛ لأن  الشيطان ليس له سلطان على من اعتصم بحبل الله وبه عز وجل، كما قال سبحانه لرسوله: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(98)إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(99)إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ(100)} [النحل:98ـ100].

 ألا ترى أن الله قد بين لرسوله، أنه ليس لعدوه على رسوله ولا على من آمن به وبرسله سبيل ولا سلطان؛ إنما سلطانه على الذي يتولاه ويشركه في معصية خالقه، حتى يكونا شريكين في المعصية؟.

ثم قال سبحانه: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ(20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [سبأ:20]؛ ثم قال سبحانه: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}[الاسراء:65].

27 / 44
ع
En
A+
A-