علم الله عز وجل أن رسوله إذا دخل مكَّة بعسكره، أنه ينال هؤلاء المؤمنين المحصورين بمكة من معرة العسكر ما ينال غيرهم من المشركين؛ وتصديق ذلك ما قاله عز وجل في آخر الآية، حين يقول: {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}[الفتح:25].
إنما أمر الله عز وجل رسوله بالرجوع من ذلك الموضع في ذلك السفر، شفقة منه على المؤمنين والمؤمنات، الذين كانوا بمكَّة، ولم يقدروا أن يخرجوا إلى النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم، فأجابهم إلى ذلك ورجع المدينة([447])، ففر أبوجندل بن سهيل([448]) من أبيه ولحق بالنبي، فرده على أبيه، فوضع أبوه في رجليه قيداً، وحبسه، حتى نقض المشركون العهد، الذي كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فأمر الله حينئذ نبيه بقتلهم وقتالهم، فقال: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة:5] الآية.
ثم قال سبحانه: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقره:256]، أمره أن لا يكره أحداً على دين قريش، كما أكره أبا جندل، فإنه قد بين الرشد من الغي.
فهذه البيعة، التي ذكرها الله([449]) هي بيعة الرضوان، فمن حضرها وبايع رسول الله تحتها، واستقام عليها، حتى لقي الله على ذلك، فرضاء الله عليه ثابت أبد الأبد؛ وإن نكث وحنث وأخلف، فقد أسخط الله بفعله على نفسه، وأزال الرضاء عنها، كما قال الله عز وجل، كما قال لرسوله في هذه البيعة بعينها:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح:10].
فإذا قالت الحشوية: إنَّ الله لم يرض إلاّ على هؤلاء العشرة، فقد زعموا أنه سخط على من بايع رسول الله، عند هذه الشجرة، ([450]) وهم خلق كثير من المهاجرين والأنصار وغيرهم من المسلمين؛ لأن الله عز وجل قال: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا(18)وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا} [الفتح:18ـ19]، فيقول: إن الله لم يثب (ولم يغنم إلا هؤلاء العشرة وهل كانت الدولة تثبت)([451])، وهم ثلاثون رجلاً من المسلمين، فأخرجتهم قريش؛ مع أن هذه العشرة اختلفوا فيما بينهم، وسفك بعضهم دماء بعض مشهورٌ ذلك عند الأمة؛ وقد ذكرنا أخبارهم في أوَّل الكتاب.
عن عبدالله بن الحسن([452]) قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم:((التارك لولاية علي بن أبي طالب، المضاهي أعداءه يبعثه الله يوم القيامة على الجاهلية ويحاسبه بما عمل في الإسلام)).
[رد قول الحشوية: إن رسول الله قال: ما نفعني مال إلا مال أبي بكر]
وقالت الحشوية: إن النبي ([453]) قال: ما نفعني مال إلاّ مال أبي بكر، كذباً منهم؛ لأن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم عندما ولد أسلمه جده عبدالمطلب إلى حليمة السعدية، فأقام عندها خمس سنين ثم ردته إلى جده، ثم مضت به أمه آمنة بنت وهب، إلى أخواله، إلى الأبواء، إلى بني زهرة، فماتت أمه، ورد هو([454]) إلى جده إلى مكة، وهو ابن ست سنين، ثم مات جده، وهو ابن ثمان سنين، فأخذه عمه أبو طالب، فكان في الكفاية معه، حتى خطب له خديجة ابنة خويلد.
فذكر أن أبا طالب حين خطب له خديجة، أخذ بعضادتي باب خويلد بن أسد بن عبدالعزى، فقال: الحمدلله الذي جعلنا من زرع إبراهيم، وذريَّة إسماعيل، وجعل له ([455]) بيتاً ([456]) معموراً، وجعلنا الحكام على الناس.
ثم إن ابن أخي محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف، لا يقاس برجل من قريش، إلاّ عظم عنه، ولايوازن بسيد منهم، إلاّ رجح عليه، فإن كان في المال قلٌ، فإن المال زرق فاني ([457]) وظل زائل، وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة، والصداق ما سألتم عاجله وآجله من مالي، وله خطر عظيم، وشأن كائن جسيم، فزوجوه على اسم الله وبركته ويمنه، وسنة خليله إبراهيم، صلَّى الله عليه وآله وسلم.
فكان في مالها إلى أن ماتت رضي الله عنها، ماتت بعد النبوة بتسع سنين، ومات أبو طالب، ثم صار في جوار مطعم بن عدي، فأقام عنده أربع سنين، ثم هاجر إلى يثرب فجرد السيف، فأغنى كل من معه، فمتى أنفق عليه أبو بكر ماله؟
فكذبهم هذا ككذبهم في عمر، عندما زعموا أنه جرد السيف يوم الذي([458]) أسلم، فقال: لا نعبد الله سراً.
فكان إسلامه بمكة، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم، لم يؤمر بتجريد السيوف([459]) بمكة، فعندما جرد سيفه فيمن وضعه؟.
فالأمة([460]) مجمعة بأسرها أن أبابكر وعمر وعثمان ما قتلوا أحداً قط.
قالت الحشوية: إنهم قدموهم على علي؛ لأن علياً كان قد أكثر القتل في أهل الشرك والكفر وأهل الكتاب، فأخروه، رضاً لأولياء المشركين ومخافة من سخطهم، ولم يبالوا بسخط ربهم ولابرضائه، والله عز وجل يقول: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ}.
قال لي رجل إباضي: هما خارجان من هذا الأمر.
قلت له: فقد أخرجتهما من الإيمان؛ لأن الله عز وجل قال: {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ}.
افتخار الحشوية لهؤلاء الثلاثة بإمساكهم عن قتال المشركين بين يدي رسول رب العالمين؛ وكذبهم في معاوية عندما زعموا أنه كاتب الوحي، فمعاوية أدخل في الإسلام كرها، يوم فتح مكة قبل موت النبي بثمانية عشر شهراً؛ وإنما كاتب الوحي الذي أسلم يوم ثاني النبوة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه صلوات رب العالمين.
وأعجب من هذا كله أنهم مجمعون أن رسول الله زوج عثمان ابنته([461])، ورد أبابكر وعمر، فالذي رده النبي تقدمونه على الذي قدمه وقربه، خلطوا في جميع أمورهم، ولبسوا على أتباعهم الجهال إلى آخر الدنيا.
[إختلاف قول الحشوية والإمامية في سبطي رسول الله]
اختلف قول الحشوية والإمامية في سبطي رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم.
قالت الإمامية: إن الحسن ركن إلى معاوية، ووقف عن حربه، وهو قادر على ذلك.
ومعاوية عندهم ظالم، ففي قولهم([462]) هذا إبطال قول النبي؛ لأنه قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة))([463])، فالنبي يشهد له بالجنة، والإمامية تشهد عليه بالنار، فالنبي أحق من([464]) يتبع؛ وفي قولهم هذا كسر على الحسين أيضاً؛ لأنه إذا صح قولهم إن الحسن كان معه أنصار، يضطلع بهم على حرب معاوية، فلم يفعل ووقف الحسين أيضاً مع الحسن، فقد ركنا كلاهما إلى ظالم.
وإنما وقف الحسن والحسين عن حرب معاوية، كما وقف أبوهما عنه، ورجع من صفين إلى العراق، كما رجع جدهما من الحديبية إلى المدينة، على جميعهم السلام.
وقالت الحشوية: إن الحسن مصيبٌ في صلحه لمعاوية؛ لأنه حقن دماء المسلمين؛ وإن الحسين خارجي؛ إذ خرج على يزيد بن معاوية.
وقالت الزيدية: نحن نقول فيهما وفي أبيهما، بقول النبي حين يقول، صلى الله عليه وآله وسلم: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خيرٌ منهما))([465])، (وهما)([466]) كما قال الله عز وجل:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد:31]، الحسن من الصابرين، والحسين من المجاهدين؛ فلا فرق بين المنزلتين؛ لقول النبي حين يقول عليه السلام: ((المنتظر لقائمنا كالمتشحط بين سيفه وترسه بدمه في سبيل الله([467])))، فالحسن المنتظر، والحسين المتشحط عليهما السلام، مع أن الحسن ذهب مسموماً، فالمسموم شهيد كالمقتول سواء سواء.
وأمَّا وقوف أمير المؤمنين، في المدينة فهو كوقوف النبي بمكة، وخروجه إلى البصرة، كخروج النبي إلى المدينة صلى الله عليه وآله وسلم.
قال الله عز وجل لرسوله: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ(62)وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(63)} [الأنفال:63].
فليس النبي ولا الوصي ولا الإمام يحارب أعداء الله، إلاّ بالأنصار، كما قال الله لنبيه: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ}...إلى قوله: {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
[بيان من هم الروافض]
وأمَّا قول الحشوية للشيعة: إنهم روافض، [فهم] غير مصيبين في هذا القول؛ إنما الروافض هم الإمامية، رفضوا زيد بن علي عليه السلام، بعد البيعة له، عندما خافوا عقوبة هشام بن عبدالملك، فقال زيد حينئذ فيهم: (اللهم اجعل لعنتك ولعنة آبائي من قبلي، ولعنتي على هؤلاء الروافض الذين رفضوني، اللهم إني أستحل دماءهم، كما استحل أمير المؤمنين دماء الخوارج، الذين خرجوا عليه يوم النهروان).
فالإمامية لا ينسبون إلى الشيعة، وإن تسموا بهذا الاسم، كما لا تنسب الحشوية إلى السنة والجماعة، وإن تسموا بها؛ لأن الشيعي [الذي] يأخذ بملة إبراهيم، والسني الذي يأخذ بسنة محمدٍ، والجماعي الذي يأخذ بما تجمع عليه الأمة عن النبي، فمن رغب عن ملة إبراهيم وسنة محمد([468]) فذلك لا يسمى شيعياً ولا سنياً، كما قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة:130]، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:((ومن رغب عن سنتي فليس مني))([469]).
والإمامية فرق كثيرة، منهم: القرامطة؛ وكذلك الحشوية كثير منهم: المارقة، والإباضي منهم؛ فلو كانوا هؤلاء من أهل السنة والشيعة، لم يحاربوا آل رسول الله قديماً وحديثاً.
[حرب المارقين لأهل البيت (ع)]
فالمارقون حاربوا أمير ا لمؤمنين وسبطي رسول رب العالمين)([470]) ومن تبعهم من أولادهما الصادقين إلى وقتنا هذا؛ لأنهم([471]) لا يأخذون بقول آل رسول الله من معرفة الكتاب والسنَّة، ولا يدينون بدينهم، بل يشهدون على أمير المؤمنين، وسبطي رسول رب العالمين، وعلى من تبعهم من أولادهم الطاهرين، من الرجال والنساء بالكفر؛ حتى أنه من شدة استقصائهم في عداوتهم، زعموا أن هذه، الذي فرضها الله وأحلها لهم، أنها عليهم حرام، والله عز وجل يقول: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ ءَامَنْتُمْ بِاللَّهِ}[الأنفال:41]، ثم قال سبحانه: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:7].
فالإباضي مجتهد في إبطال ما جاء به كتاب الله وسنة رسوله، إذ يقول: إن هذا الذي رزق الله رسوله وأهل بيته وذوي قرابته من الفيء والغنائم، وأحله لهم، حرام عليهم لا يجب لهم.
ألا ترى أنه محارب لله ولرسوله، ومتعرض لنقم الله؛ إذ يحل ما حرم الله ويحرم ما أحل الله؟ وهو كما قال الله سبحانه: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ(7)يَسْمَعُ ءَايَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(8)وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءَايَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ(9)}، إلى قوله:{لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ(11)}.
فهو عارف موقن أن الفيء والغنائم والأخماس لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ لقرابتهم منه عليه وعليهم السلام؛ لقول الله وقول رسوله بإجماع الأمة أن رسول الله حرَّم على نفسه ([472]) وأهل بيته الصدقة وأحل لهم الفيء والأخماس عوضاً من الصدقة، إذ حرمها عليهم ولكنه يقول: لا يحل له أن يخالف إمامه عبدالله بن إباض؛ لأن عبدالله بن إباض يقول: كل من رضي بفعل علي بن أبي طالب، في قتل ذي الثدية المارقي، من آل محمد ومن غيرهم من المسلمين، فهو خارج من دين الله (كما يقول ناحوم اليهودي لأصحابه: إن علياً ابن أبي طالب خارج من دين الله)([473]) إذ([474]) قتل مرحباً اليهودي يوم خيبر وغيره، [و] أخذ كريمتنا صفية لابن عمه محمد، وخرب حصننا، وأصفى ضياعنا، وأباح ديارنا، وهتك أستارنا، وأذلنا إلى آخر الدنيا.
فغيظ اليهود وحردهم([475]) على أميرالمؤمنين أشد من غيظ الإباضية؛ لأن الإباضية لم ينقموا عليه إلاّ قتل المارقين، واليهود يقولون: إنه قتل من بني قريضة، وبني النظير، وخيبر، وبني قينقاع، وغيرهم من اليهود.
وكذلك ذرية المشركين الذين قتلهم ببدر وأحد وحنين وغيرها من المواطن كلها، يحقدون عليه ويطلبونه القصاص([476]) في أولاده إلي يومنا هذا؛ حتى رووا على رجل أنه قال لابن له: انهض يا بني إلى حرب بني المختار إلى صعدة، فإن جدك فلانا قتل يوم صفين مع معاوية، قتله علي بن أبي طالب.
فذكر أنه مضى في عسكر بني العباس إلى صعدة، ليأخذ بثأر جده فقتل هنالك مع من قتل.
فهذا ـ لعمر بني إباض ـ أعذر منهم؛ لأنه قد صح له قتل جده يوم صفين، وبنو إباض ليس بينهم وبين ذي الثدية قرابةٌ ولا رحم، إلاّ على وجه التقليد، واتباع الهوى والحمية والعصبية.
فهم ومن أشبههم ممَّن ذكرنا من أهل الكتاب وغيرهم من ذرية المقتولين، كما قال أمير المؤمنين في خطبته أيام صفين: (ألا إنه سيشرك في دمائنا من في أصلاب الرجال وأرحام النساء).
فقال له رجل من أصحابه: كيف ذلك يا أمير المؤمنين؛ قومٌ لم يخلقوا بعد ؟.
قال: (يأتي بعدنا قوم فيرضون بفعلنا فيكونون منَّا، ويسخطون فعلنا فيكونون من عدونا).
وتصديق ما قال أمير المؤمنين عليه السلام قول الله عز وجل، في أهل الكتاب: {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة:91]، فاليهود الذين كانوا في عصر النبي لم يقتلوا أحداً من الأنبياء، إلاّ أنهم رضوا بقتل من قتل الأنبياء من أسلافهم بدهر طويل؛ إذ صَّوَّبوهم في قتل أنبياء الله وحاربوا محمداً، وهو رسول من رسل الله، وقال سبحانه فيهم: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [آل عمران:181].
وكذلك كل من أدبر اليوم عن إمام المسلمين من ذرية([477]) خاتم النبيين، ولم يأخذ بما جاء به من دين جده عليه السلام، فهو كمن أدبر عن خاتم النبيين، وأمير المؤمنين، وسبطي رسول رب العالمين، سواء سواء، وحذوا بغير حذوهم؛ إذ هم أمناء الله في خلقه، كما قال رسول الله فيهم: ((أهل بيتي أفضل الخلق وهم صفوة الله في خلقه وأمناؤه على عباده وبريته([478]))).
[محاربة المارقين للهادي عليه السلام ]
وكذلك من أدبر عن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين [عليه السلام]، ولم يأخذ من علمه، أو حاربه أوخذله، وهو كمن حارب جديه محمداً وعلياً، كما قال زيد بن علي[عليهما السلام]: (خاذلنا والمخذل عنَّا، والناقض عهده منَّا، والناصب لنا الحرب عندنا في منزلة واحدة).
فالقرامطة ومن أشبههم من أعداء الله ممَّن قاتلهم([479])، والإباضية ومن ضاهاهم من أعدائهم وخذلوهم ورفضوهم.