قال: ((نعيت إلي نفسي)).

فقلت: استخلف.

قال: ((من؟)).

قلت: عثمان وعبدالرحمن وطلحة والزبير.

فسكت، ثم تنفس، فقلت: ما شأنك يا رسول الله ؟.

 قال: ((نعيت إلي نفسي)).

قلت: استخلف.

قال: ((من؟)).

 قلت: علي بن أبي طالب.

قال: ((أما والذي بعثني بالحق نبياً، لئن أطاعوه، ليدخلن الجنة، أجمعين أكتعين([439]))).

 قال ميمون السرادي([440]): (سألنا عبدالرزاق عن هذا الحديث، ومعنا ابن أخته أحمد بن داوود، قال: فقال: كُتِب إلي فيه من العراق، وفي حديث غدير خم أن لا أحدث بهما، فإن فيهما تكفير أصحاب محمد، ولكن قم يا أحمد فحدثهم به عني في الحجرة.

قال أحمد بن موسى الطبري: هذا مذهب القوم، ورأيهم لأنفسهم؛ رد قول رسول الله أسهل عليهم من ذكر أصحاب محمد بأفعالهم.

[العلامة بين أهل البيت (ع) وغيرهم وأن قول الزيدية في الصحابة هو الحق]

 علامة ما بين أمير المؤمنين، وبين الناكثين والقاسطين والمارقين، الأذان بحي على خير العمل، والصلاة خير من النوم؛ فحي على خير العمل أذان النبي، وبه كان يؤذن أمير المؤمنين، والصلاة خير من النوم أذان عمر، وبه كانوا يؤذنون، خلاف أذان رسول الله؛ ولهذا المعنى حاربهم أمير المؤمنين، وجميع أولاده الصادقين، إلى أن يلقوا جدهم يوم القيامة، كما قال رب العالمين: {وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] الآية؛ لأن حجة الله بينه وبين خلقه، محمد بن عبدالله رسول الله، ليس عمر بن الخطاب - ولله الحمد -.

وأمَّا من قال بالسنة والجماعة وهم الزيدية، فاتبعوا قول الله وسنة رسوله في جميع أمورهم، ثم ذكروا أصحاب رسول الله، كلا بفعله، لم يزيدوا على أفعالهم شيئاً، ولا([441])  يكتموا من أعمالهم خوفاً، بل قالوا: إن أبابكر وعمر وعثمان، جلسوا في مجلس رسول الله، وكان علي أحق بذلك المقام؛ لما ذكرنا فيهم من قول الله وقول الرسول.

 قالوا: إن عثمان أقامه أصحابه ونصروه، ثم بدا لهم فقتلوه.

ثم ذكروا الناكثين والقاسطين والمارقين بأفعالهم، وذكروا أمهات المؤمنين، وأجدادهم وأخوالهم، فقالوا: خرجت عائشة في قتال علي، ولزم سائر نساء رسول الله منازلهن.

 وقالوا في الأخوال: نصر محمد بن أبي بكر أمير المؤمنين، حتى قتله عمرو بن العاص بمصر بأمر معاوية؛ وحاربه معاوية؛ وخذله عبدالله بن عمر، وحاربه عبيدالله [بن] عمر.

 وأمَّا الاجداد، فزعم أبو بكر وعمر أنهما أولى بمقام النبي من علي؛ وأمسك أبوسفيان بن حرب، ولم يدع شيئاً.

والحشوية هم الذين كذبوا على الله وعلى رسوله؛ لما ذكرنا من مقالتهم في كتابنا هذا؛ ثم ذكروا أصحاب رسول الله، صلَّى الله عليه وآله وسلم، بخلاف ما كانوا عليه من الاختلاف والتناقض والقتال؛ ثم لم يرضوا بذلك، حتى نسبوا أفعالهم إلى الله وإلى رسوله؛ لأنهم زعموا أنهم ممَّن رضي الله عنهم، وأن النبي شهد لهم بالجنة، خلافاً لقول الله، وكذباً على رسول الله، وكل هذا فعل قريش؛ لأن قريشاً هم الذين حاربوا الله ورسوله، وأخرجوه من مكَّة، كما قال سبحانه لرسوله عليه السلام: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ} [محمد:13].

 وقال النبي عليه السلام:((اللهم إن قريشاً أخرجتني من أحب البلاد إليَّ فأسكني أحب البلاد إليك))([442]).

فأسكنه الله المدينة بين الأوس والخزرج، حتى نصروه وآووه، وجاهدوا معه أعداءه، بأموالهم وأنفسهم، حتى أخذ مكة وأهلها بالأنصار عزاً، وأدخلهم في الإسلام كرهاً.

[تحيّل قريش لإبطال دين الله ولإزالة أولاد رسول الله عن مقامهم]

فلما غلبهم ولم ينتصروا منه، جاءوا بحيلةٍ ليبطلوا بها دين الله، ويزيلوا أولاد رسول الله من  مقامهم، الذي جعله الله لهم، ورآهم لذلك أهلاً، فاختاروا من تلقاء أنفسهم ـ بغير أمر من الله ولا من رسوله ـ عشرة رجال، كلهم من قبائل قريش، لم يدخلوا معهم من الأنصار أحداً، حتى جعلوهم شرفاء، عند جهال هذه الأمة وإلى وقتنا هذا، وقالوا: أبوبكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبدالرحمن وأبو عبيدة.

وقالوا: هؤلاء الذين رضي الله عنهم يوم بيعة الشجرة، والذين شهد لهم النبي بالجنَّة، فصاروا عند الناس شرفاء.

ثم قالوا: إن النبي قال: ((الأئمة من قريش))، كذباً([443]) على رسول الله، يريدون إبطال ما جاء به رسول الله، وساعدهم على ذلك الأنصار.

[ذكر استذلال قريش للأنصار وذكر يوم الحرة]

فما برحوا على ذلك الحال، حتى رفعوا قريشاً، وأذلوا الأنصار، حتى كان من يزيد بن معاوية يوم الحرة أنه أباح الأنصار لعسكره ثلاثة أيام، يحكمون فيهم بحكم الجاهلية، مكافأة بزعمه لخزاعة، عندما أباح النبي قريشاً لخزاعة ثلاثة أيام، يوم فتح مكَّة؛ وذلك أن النبي دخل ذلك اليوم مكَّة بالمهاجرين والأنصار، ومن تبعه من سائر المسلمين، ورايته مع سعد بن عبادة الأنصاري([444])، وهو يقول: اليوم يوم الدمدمة، اليوم يوم الهمهمة، اليوم يذل الله قريشاً.

فلما ولي الخلافة أبوبكر، قال عمر بن الخطاب: اقتلوا سعداً قتله الله.

فهرب سعد من المدينة إلى الشام، حتى مات بها.

فكذلك تمثل يزيد بن معاوية بأبيات ابن أبي الزبعر السهمي، وذكر الأوس والخزرج عندما وضع رأس سبط الرسول، الحسين، بين يديه، وهو ينكث ثناياه بقضيب في يده ـ [التي] طال ما قبَّلها رسول الله عليه السلام ـ، وهو يقول:

ليت أشياخي ببدر شهدوا

لأ هلوا واستهلوا فرحاً

لستُ من عتبة إن لم أنتقم

 

جزع الخزرج من وقع الأسلْ

ولقالوا يا يزيد لا تشلْ

من بني أحمد بما كان فعلْ

عتبة هذا جده، أبو أم أبيه هند، قتله حمزة سيد الشهداء، يوم بدر، مبارزة، وقتل علي ابنه الوليد بن عتبة، ثم قتل علي وحمزة شيبة بن ربيعة، أخا عتبة؛ فيزيد يتمنى رجوع هؤلاء المشركين، وحضورهم، حتى يعلموا أنه قد قام بثأرهم، وأنه قتل الحسين بن أحمد، رسول الله؛ والأمة تشهد له أنه أمير المؤمنين، ثم تزعم أنها أمة مرحومة، خلاف ما قال الله إذ يقول سبحانه: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}) [الأعراف:56]، وقال رجلٌ (من الأنصار)([445]) عندما رأى الذل والهوان من قريش:

فيا ضيعة الأنصار بعد نبيها

 

لقد لقيت بؤساً ولم تلق أنعما

وذلك فعلهم بأنفسهم وتخاذلهم فيما بينهم، وإدبارهم عن وصي رسول الله، وقيامهم مع عدوه؛ فلو نصروه كما أمرهم رسول الله، لعزُّوا في دنياهم وآخرتهم؛ ولإدبارهم عن الوصي (قال لهم سلمان الفارسي: كرديد ونكرديد.

يعني: علمتم ولم تعلموا، نصرتم النبي [صلى الله عليه وآله وسلم] وخذلتم الوصي)([446]).

[سب الحشوية أصحاب رسول الله وبيان بيعة الشجرة]

الحشوية هي التي تسب أصحاب رسول الله، ليس الشيعة؛ إذ زعموا أن هؤلاء العشرة هم أصحاب الشجرة؛ إذ يقول سبحانه: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:18] الآية، وأنا أبين لك هذه البيعة التي ذكرها الله في كتابه أين كانت؟ وكيف كانت ؟.

اعلم أن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم خرج من المدينة، يريد الحج إلى مكَّة، بجميع المهاجرين والأنصار، ومن أجابه من المسلمين؛ فلما صار إلى الحديبية قرب مكة، لقيه أبوسفيان صخر بن حرب، وسهيل بن عمر، بمشركي قريش، فقالوا له: يا محمد، لا ندعك تدخل بلدنا.

فلما سمع أصحاب رسول الله قول قريش، جّددوا البيعة لرسول الله، تحت هذه الشجرة على نصرته.

فلما رأت قريش القوة مع رسول الله، وأيقنت أنه يغلبهم، قالوا له: يا محمد، اقبل منَّا الهدنة هذا الوقت، وارجع من موضعك في سفرك هذا إلى منزلك، وتعود إلينا في السنة المقبلة، ونأذن لك في دخول بلدنا بغير سلاح، وعلى أنك ترد إلينا من خرج منَّا إليك، يريد الإسلام، ومن فرَّ منك إلينا فلا نرده إليك.

فجاءه جبريل عليه السلام، فأمره أن يقبل منهم، ويجيبهم إلى ما سألوا؛ لقول الله سبحانه: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الفتح:25].

23 / 44
ع
En
A+
A-