[حوار مع أحد العامة]

 قال أحمد بن موسى الطبري: قد كان رجل من العامة خاطبني فقال لي: اختلف المسلمون بعد النبي واقتتلوا.

 قلت له: عالمان لا يختلفان، ومسلمان لا يقتتلان، لقول الله سبحانه: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ(118)إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود:119]، الاختلاف يكون بين المسلمين والكافرين، أو يكون بين الكافر والظالم، كما قال سبحانه فيهم: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}، ثم قال: {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}، إلا المؤمنين هم مؤتلفون غير مختلفين، ثم قال: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}[الزخرف:67]، ثم قال: {إِلَّا الْمُتَّقِينَ}.

بين عز وجل أن المؤمنين أن لا يختلفون أبداً، لا في دنياهم ولا في آخرتهم.

فقال: أليس قد اقتتل علي ومعاوية ؟.

 قلت له: فمعاوية عندك مؤمن ؟!.

 قال لي: أفهو كافر ؟!.

 قلت: نعم؛ لأن الله عز وجل قال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة:44]، فلو كان مؤمناً لم يقاتل مولاه؛ لأن علياً مولى المؤمنين؛ لقول رسول الله فيه: ((فمن كنت مولاه فعلي مولاه))، قال الله عز وجل: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب:6]، وكذلك علي أولى بأصحاب النبي في أنفسهم.

 قال لي: فما تقول في عائشة ؟.

 قلت: عائشة لم تؤمر بقتال، إنما أمرت بلزوم البيت، كما قال الله عز وجل فيها وفي صواحبها([428]):{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}[الأحزاب:33] الآية، وعلي أمر بقتال من خالفه على لسان النبي حين يقول فيه: ((اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)).

قال: فطلحة ؟.

قلت: عدو الله؛ لقول النبي في علي: ((وعاد من عاداه يا رب)).

قال: فالزبير ؟.

 قلت: مخذول؛ لقول  النبي في علي: ((وانصر من نصره، واخذل من خذله))؛ وكذلك عبدالله بن عمر، وسعد بن أبي وقاص، ومحمد بن مسلمة؛ لأنهم خذلوا أمير المؤمنين، ولذلك قال أمير المؤمنين لعمار بن ياسر، عندما أوجب عليهم طاعة علي من كتاب الله وقول نبيهم: (دع يا أبا اليقضان هؤلاء، فإني أعرف بهم، أمَّا عبدالله بن عمر، فرجل ضعيف في دينه، وأمَّا سعد، فرجل حسود، وأمَّا محمد قد نبي إليه أني قتلت قاتل أخيه مرحباً يوم خيبر).

 قال: أليس اختلف أصحاب رسول الله في المواريث وغيرها ؟.

 قلت له: لا أقول أبداً: إنَّ العلماء يختلفون، ولا يتهيأ لي أن أصدقك على قوم لم أشاهدهم، ولا أسمع كلامهم، غير أني أقول: إنه من خالف وصي رسول الله فهو جاهل؛ لقول الرسول في علي: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها))([429])، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم بإجماع الأمة:((علي أقضاكم)).

 وقال أمير المؤمنين عليه السلام لأصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم:(ولو أطعتموني، لقضيت بينكم بالتوراة، حتى تقول التوراة: اللهم إنه قد قضى بي؛ ولو أطعتموني، لقضيت بينكم بالإنجيل، حتى يقول الإنجيل: اللهم قد قضى بي؛ ولو أطعتموني، لقضيت بينكم بالقرآن، حتى يقول القرآن: اللهم قد قضى بي، ولكن والله لا تفعلون، ووالله لا تفعلون).

[بيان أن من تقدم الوصي غير أهل للخلافة]

واعلم أنه لا يجوز أن يقوم مقام رسول الله، صلَّى الله عليه وآله وسلم، من كان إذا قضى بقضيةٍ، أو أحدث حدثاً، مما لم يأت عن الله، ولم يحكم به النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، فراجعه فيه من هو أعلم به منه، رجع عن حكمه واعتذر، وكان عذره، يقول: إنَّ عليَّ شيطاناً يعتريني، فإذا رأيتم مني ذلك، فاجتنبوني لا أبدر في أشعاركم وأبشاركم.

فمثل هذا لا يصلح للإمامة، ولا يقعد في مجلس رسول الله.

ولا من إذا حكم بحكم، يقال له: أصبت يا أمير المؤمنين، فيعلو القائل بالدرة، ويقول: لا تزكونا في وجوهنا، فوالله لا أدري أصبت أم أخطأت ؟ وما هو إلاّ رأي رأيته من نفسي.

فيخبر أنه لا يدري أصاب أم أخطأ، وهم يشهدون له أن السكينة تنطوي على لسانه، فيخبرون عنه بخلاف ما يخبر عن نفسه، ويجعلون له من التوفيق ما لا يجعلون لرسول الله.

وإنما يصلح للإمامة، ويخلف رسول الله في أمته من بعده ومن أهل بيته، من كان إذا صعد المنبر قال: (سلوني من قبل أن تفقدوني، فإنَّ بين الجوانح علما جماً؛ سلوني فعندي علم الميثاق والقضايا، والوصايا وفصل الخطاب؛ والله لأنا أعلم بطرق السماء، أعلم من العالم منكم بطرق الأرض؛ والله، ما من آية نزلت في ليلٍ أو نهارٍ، أو جبلٍ أو سهلٍ، إلاّ وأنا أعلم فيمن نزلت، وفيم أنزلت؛ والله، لقد أسرَّ إليَّ رسول الله، صلَّى الله عليه وآله وسلم، ألف بابٍ من مكنون علمه، يفتح كل باب منها ألف باب؛ نحن النجباء وأبناء النجباء، وأنا وصي الأوصياء، وأنا من حزب الله وحزب رسوله، والفئة الباغية من حزب الشيطان؛ وإنَّ أفراطنا([430])  أفراط الأنبياء؛ فلا يقوم أحد يسأل شيئاً([431])،  إلاّ أخبرته عنه، غير متريث فيه).

فمن خالف هذا لا يسمى عالماً، ولا يؤخذ بقوله، ولا يحكم به؛ لأنه مخالف لحكم الله، فحكم الله أحق أن يتبع.

[ذكر مناظرة الزبيري والمريسي]

 وإنما علي من جنس رسول الله، كما قال الزبيري للمريسي في مناظرة كانت بينهما، إذ قال له المريسي: أتقول إن علياً أفضل من أبي بكر ؟

قال: لا.

قال: أفتقول: إن أبا بكر أفضل من علي ؟.

 قال: لا.

قال: أفتقول: إنهما في الفضل سواء ؟.

 قال: لا.

قال: فما تقول فيهما ؟.

قال الزبيري: اعلم أن من نسب الجنس إلى غير جنسه، والشكل إلى غير شكله، نسب إلى الجهل، لا يقال: الليل أضوأ أم النهار؟ ولا يقال: السكر أحلى أم الصبر؟ ولكن يقال: الشمس أضوأ أم القمر ؟ فيقال: الشمس؛ ويقال: العسل أحلى أم  السكر ؟ فيقال: العسل؛ ويقال في هذا الفن: محمد أفضل أم علي ؟ فيقال: محمدٌ؛ ويقال: أبوبكر أفضل أم عمر ؟ فيقال: أبو بكر؛ وبذلك حكم رسول الله، عندما آخا بين (المهاجرين والأنصار، فآخا بين)([432])  أبي بكر وعمر، وقال لعلي: ((أنت أخي في الدنيا والآخرة([433]))).

ومن خالف حكم رسول الله، فقد خرج من دين الله؛ لقول الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44].

قال المريسي: قاتلهم الله أنى يؤفكون.

 قال الزبيري: فبهت الذي كفر.

 قال المريسي: أمَّا الكافر فمبهوت، وأمَّا أنا فمقر بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

[ذكر رجوع الثلاثة إلى علي عليه السلام وذكر حديث الاستخلاف]

هذا هو إجماع الأمة: إنه متى اشتكل على أبي بكر وعمر وعثمان شيء، من التحليل والتحريم، وشاوروا علياً، وأشار عليهم، أخذوا بقوله، ورفضوا قول غيره، فلو أنهم أخذوا بقوله، في جميع أمورهم، لأصابوا الرشد ولم يضلوا، كما قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم.

وفي ذلك ما حدثنا أبو الحسن، علي بن الحسن بن عبدالوارث الصنعاني، قال: حدثنا أحمد بن عبدالله قال: حدثنا ميمون بن الحكم الشيرازي، قال: أخبرنا محمد بن خلف، وأحمد بن داوود، قالا: أخبرنا عبدالرزاق([434])، قال: أخبرني أبي، عن مينا([435])، وأحمد بن عبدالرحمن بن عوف قالا([436]): قال عبدالله بن مسعود([437]): كنت مع النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم ليلة وفد الجن فتنفس، فقلت([438]): ما شأنك يا رسول الله ؟.

قال: ((نعيت إلى نفسي)).

قال: قلت: استخلف.

قال: ((من؟)).

قلت: أبابكر.

فسكت، ثم تنفس، فقلت: ما شأنك يا رسول الله ؟.

 قال: ((نعيت إلي نفسي)).

قال: قلت: استخلف.

قال: ((من؟)).

قلت: عمر.

فسكت، ثم تنفس، فقلت: ما شأنك يا رسول الله ؟.

22 / 44
ع
En
A+
A-