هذا ومكتوب على غلاف المخوطة:

المنير أو الأنوار، في معرفة الله؛ ومعرفة رسله؛ وصحّة ما جاؤا به عليهم السلام على مذهب الهادي إلى الحق أمير المؤمنين يحيى بن الحسين بن القاسم ابن إبراهيم بن إسماعيل الحسني الرّسي سلام الله عليهم.

ثانياً:

 ما اختلفت فيه النسختان، اعتمدت فيه نسخة (أ)، وأثبته في الأصل لكونها أقل خطأً، وأسلم عبارةً، إلا أنها لم تخلُ من سَقْط لكن لم يثننا عن اعتمادها ؛ لأنه في مواضع محدودة، وقد نبّه عليه الكاتب بأن ترك له بياضاً فارغاً، وقد نبّهتُ عليه في موضعه.

وجعلت المخالف لنسخة (أ) في الهامش، ما عدا قليل من الألفاظ التي لا يلتفت إلى الاختلاف فيها، فقد استغنيت بما في (أ)، وذلك كأن يقول في (ب): (الله) وفي (أ) (الله تعالى)، أويسقط من (ب) كلمة التنزيه، أو أن يكون في إحدى النسختين: (الله سبحانه)، وفي الأخرى (الله تعالى)، أو يسقط من (ب) الصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وآله وسلم فنثبت ذلك من (أ)، من دون تنبيه على سقوطها من (ب).

ثالثاً:

جعلتُ بعض المواضيع القليلة التي كانت عبارة (ب) فيها أسلم  في الأصل، وجعلت لفظ(أ) في الهامش.

وأما ذلك السقط الذي في (أ) فقد أثبت مكانه الذي في (ب).

رابعاً:

ترجمتُ لأكثر الأعلام الواردة أسماؤهم في هذا الكتاب.

 

خامساً:

خرّجت أكثر الأحاديث الواردة في هذا الكتاب بحسب معرفتي القاصرة مع فقدان الخدمات العصرية الحديثة المستخدمة في هذا المجال المتوفّرة لدى كثير من المحققين في هذا العصر.

 وقد أعانني في تحقيق هذا الكتاب مجموعة من الإخوان الزملاء آجرهم الله، وكثّر سوادهم، ونفع بهم العلم وأهله.

ولم آلُ جهداً في تحقيق هذا الكتاب وإخراجه ليكون في متناول طلبة العلم، لكن بحسب معرفتي القاصرة.

ـــــــــــــ

هذا وأسأل الله العلي القدير، أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخراً لنا يوم القيامة، بعظيم جوده، وجسيم إكرامه، وصلى الله وسلم على النبي المختار، وعلى آله الطيبين الأطهار.

                                           علي سراج الدين عدلان

                                                الأربعاء: 8/4/1420هـ

                                      مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية

                              اليمن ــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم([4])

وبه نستعين ربّ يسر وعن ياكريم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وسلم تسليماً.

[أقسام الهدى]

قال أبو الحسين أحمد بن موسى الطبري رضي الله عنه وأرضاه، وجعل الجنة مصيره ومأواه، جزاء بما قدم وأبدى، وكافاه فيما علم وهدى:

اعلموا معاشر الإخوان، وذوي البصائر والإيمان أن أول ما تعبد به العباد، وقصد بسببه الرشاد، توحيد الله ذي العزة والأياد، باني السماء بغير عمد وساطح الأرض ذات المهاد، فله الحمد فيما ألهم من معرفته، وقدم من هدايته، وأعلم من إرادته، بالهديين اللذين ركبهما، ابتدأ بهما جميع عباده، ليدركوا بهما جميع مراده،فالهدى الأول العقول، والرسل، والكتب (التي فيها التنزيل)([5]) فقد هدى الله سبحانه خلقه كلهم بإثبات الحجة، وإكمال النعمة عليهم.

فمن اهتدى بالهدى الأول، زاده الهدى الثاني مكافأة على فعله، وجزاءً على عمله، كما قال سبحانه:{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَءَاتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17]

والهدى الثاني:هدى توفيق وتسديد، وعون وتأييد، قال الله سبحانه في الضال والمهتدي:{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ(125) صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} [الأنعام:125،126].

فبين([6]) الله سبحانه في هذه الآية أنه هدى جميع خلقه، فمن اهتدى بهداه، شرح صدره للإسلام، ونوَّر قلبه بالهدى، وأعانه وأيده، ووفقه وسددَّه، ومن أدبر عن هداه، واتبع هواه([7])، وأعرض عن عبادة خالقه، أضله وجعل في قلبه الرجس وخذله من التوفيق والتسديد، والعون والتأييد؛ لقوله سبحانه:{كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}[الأنعام:125]([8]) {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا}[الأنعام:126] يعني سبحانه أنه هداهم إلى ما يرضيه من الصراط المستقيم، وإلى ما يردهم من الضلال، والكفر والجحدان، ثم قال سبحانه: {قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُون}[الأنعام:126] (يقول سبحانه وتعالى قد بينا لهم الهدى من الضلال بالعقول والكتب، والرسل من ذي الجلال كما قال([9])) سبحانه([10]): {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} [الإنسان:3] وقال: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى: 3] وقال:{إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} [الليل: 12] وقال:{وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم:23].

وقال كليم الله موسى [صلى الله عليه وسلم] لفرعون اللعين: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 5] وقال سبحانه: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس:8] وقال:{ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ}[عبس: 2].

[بيان المشيئة في الضال والمهتدي وأن الإضلال منه تعالى تسمية]

ثم بين سبحانه مشيئته في الضال والمهتدي فقال:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27].

وإنما الإضلال من الله عز وجل تسمية كما قال سبحانه: {يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[المدثر: 31] وقال:{يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ(26)} [البقره: 26] إلى قوله: {أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[البقرة:27] وقال تعالى: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ(34) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي ءَايَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ} [غافر:34ـ 35] ثم قال تعالى:{وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية: 23] {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} [طه: 79] وقال تعالى:{وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ(85)} [طه: 85] وقال تعالى حاكياً:{وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ} [الشعراء: 99]وقال تعالى حاكياً:{وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب: 67] وقال تعالى حاكياً:{لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} [الفرقان:29].

فليس تفسير قوله: وأضله الله على علم كتفسير قوله: {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى}[طه:79] وإن اشتبه الضلال فهو مختلف عند من تذكر واهتدى، وخاف ربه العلي الأعلى، ونفى عنه([11]) قول أهل الغي والردى؛ لأنه سبحانه أمر جميع خلقه بطاعته وطاعة رسله عليهم السلام، وفرعون وهامان وقارون والسامري والمجرمون، أمروا أتباعهم بمعصية الله، ومعصية رسله.

وإنما بيان قوله: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ}[الجاثية:23] في أول([12]) الآية حين يقول سبحانه:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:23].

فلما أن اتخذ إلهه هواه، وأعرض([13]) عن عبادة مولاه، أوقع عليه اسم الضلال، وسماه به ذو الجلال؛ لاستحقاقه لذلك، ثم خذله من التوفيق، والتسديد، وأغفله من([14]) العون والتأييد، كما قال  سبحانه لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم:{وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًاً}[الكهف: 28] كذلك قال كليم الله عليه الصلاة والسلام لربه: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} [الأعراف: 55] قال عليه السلام: ماهي إلاّ فتنتك يقول: محنتك كما قال سبحانه:{قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ(85)}[طه:85]؛ لأن بقاء السامري كان محنة لهارون عليه الصلاة والسلام وقومه، فنسب رب العزة تعالى هذه المحنة إلى نفسه، إذ كان قادراً على إهلاك السامري قبل أن يموه عليهم بذلك العجل، ويقول لهم هذا إلهكم وإله موسى، وأما الإضلال فكان من السامري ليس من الله، وكذلك قال لهم هارون عليه السلام {يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي(90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى(91)} [طه].

 وإنما قال موسى عليه السلام: {تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ}[الأعراف:155]، يعني أنك يارب توقع بعد هذه الفتنة اسم الضلال على من أعرض عن عبادتك وأقبل على عبادة العجل وتدعوه به، وتوقع اسم الهداية على من ثبت على عبادتك، وأعرض عن عبادة العجل، كقوله سبحانه في الفريقين:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} [السجدة: 24] الآية، {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [القصص: 41] يقول سبحانه: إنه يسميهم بأسمائهم التي يستحقون، بالهدى والضلال.

[معاني الجعل من الله سبحانه] 

لأن الجعل من الله على وجهين:

جعل خلق: كما قال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان: 62].

والجعل الثاني: حكم وتسمية كما قال سبحانه: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ}[النحل: 57]، {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} [النحل: 62] وقال:{فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ}[يونس:59].

[بيان أن الله عز وجل لا يضل أحداً بمعنى يخرجه من النور إلى الظلمات]

فالله عز وجل لا يضل أحداً ولا يخرجه من النور إلى الظلمات، بل أخرج جميع خلقه من الظلمات إلى النور كما قال سبحانه: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ ءَامَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 257].

فالله عز وجل خلق خلقه لعبادته، وابتدأهم بنعمته، وأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته، بعد أن ركَّب فيهم العقول، وأرسل إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، وهداهم النجدين، ومكنهم من العملين، كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه في خطبته:

(خلقنا ربنا عز وجل، ولم نك شيئاً، وأخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئاً، فغذانا بلطفه، وأحيانا برزقه، وأطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، ووضع عنّا الأقلام، وأزال عنا الآثام، ولم يكلفنا معرفة حلال من حرام، حتى إذا أكمل لنا العقول، وأوضح لنا السبيل، ونصب لنا العَلَمَ والدليل، من سماء رفعها، وأرض وضعها، وشمس أطلعها، ورتوق فتقها، وعجائب خلقها؛ فعرفنا الخير من الشر، والنفع من الضر، والحسن من القبيح، والفاسد من الصحيح، والكذب من الصدق، والباطل من الحق، وأرسل إلينا الرسل، وأنزل علينا الكتاب، وبين لنا الحلال من الحرام، والحدود والأحكام؛ فلمَّا وصلت دعوته إلينا، وقامت حجته علينا، أمرنا ونهانا، وأنذرنا وأعذرنا، ووعدنا وأوعدنا، فجعل لأهل طاعته الثواب، وعلى أهل معصيته العقاب، جزاءً وافق أعمالهم، ونكالاً ساوى أفعالهم، فمن أحسن فلنفسه، ومن أساء فعليها، وماربك بظلام للعبيد) تم كلامه عليه السلام.

أفلا ترى أن الله عز وجل بدأ([15]) خلقه برحمته كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((سبقت رحمة الله غضبه))([16])، وتصديق ما قال النبي والوصي صلوات الله عليهما  وعلى آلهما وسلم: قول الله عز وجل يحكي قول أهل الجنة حين قالوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[الأعراف: 43] فبين الله سبحانه أنه لا يصل أحد إلى معرفته ومعرفة رسله، وما جاءت به من الحلال والحرام إلاّ به عز وجل.

[تقسيم العبادة إلى معقول ومسموع]

ثم لم يستوجبوا ثوابه يوم القيامة بعد المعرفة إلاّ بأعمالهم؛ لأن الله سبحانه تعبد الخلق بمعقول ومسموع، فالمعقول ما أدرك بالعقل والنظر والتمييز، والمسموع لا يدرك بالعقل؛ لأن في المسموع الحلال والحرام، والأمر والنهي، فالأمر والنهي لايعلمه أحد إلاّ بمسمع مترجم، مبين معلم، من الله عز وجل، فالمسمع لايكون إلاّ ملكاً مقرباً أونبياً منتخباً أو إماماً مهتدياً؛ لأن الله عز وجل قذف في قلب الملك الأعلى جميع ما تعبد به خلقه من الحلال والحرام، فقرره في قلبه، فهذا الملك الأعلى أعطى هذا الوحي رسل الله الملائكة مثل: جبريل وميكائيل وملك الموت صلوات الله عليهم، وهبطت به رسل الملائكة إلى رسل الإنس وألقت الرسل إلى أممهم من الإنس والجن، لأن الجن ليس فيهم رسل منهم فرسولهم ورسول ولد آدم من الآدميين؛ فمن الجن من آمن بالله وبرسله، ومنهم من كفر كولد آدم، كما قالت الجن: {مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} [الجن:14]، لأن الجن يستمعون كتب الله كما تسمع الإنس.

ثمّ علّم بعضهم بعضا ما سمعوا من رسل الإنس، كما قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم:{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَءَامِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأحقاف:29 ـ 32].

2 / 44
ع
En
A+
A-