فأقاموا في طاعة عثمان اثني عشر سنة، ثم غضبوا عليه، فقالوا له: اعتزل من هذا الأمر.

 قال لهم: هذا لباس ألبسنيه الله لا أخلعه أبداً.

قالوا له: نحن ألبسناك، فإن اعتزلت وإلاّ قتلناك.

فحاصروه في داره أربعين يوماً، ثم ضربوا رقبته وطرحوه على مزبلة، والصبيان يقولون:

أبا عمرو أبا عمرو 

فما ينفعك المال

(ولقاك من النيران

 

رماك الله بالجمر

إذا أُدليت في القبر

مكاناً ضيق القعر)([368])

[ذكر بيعة أمير المؤمنين علي (ع) وما تلاها من الأحداث]

ثم جاؤا إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فسألوه البيعة فكره، فأقاموا ثلاثة أيام يطلبون إليه، حتى أخذ بيعتهم فما ثبتوا إلاّ أياماً([369])  يسيرة، حتى نكث بيعته طلحة والزبير ومن تبعهما من الناكثين، ثم أخذوا عائشة ابنة أبي بكر، فمضوا إلى البصرة، فقتلوا جماعة من المسلمين يقال لهم: السيابحة، عندما لم يريدوا يدخلوا معهم في قتال أمير المؤمنين، ثم خرج أمير المؤمنين بمن معه من المهاجرين والأنصار وسائر المسلمين طريق الكوفة؛ فخرج معه قوم من أهل الكوفة، فلما وصل إليهم دعاهم إلى الرجوع إلى طاعته، فأبوا عليه، فأشهد الله عليهم، ثم وضع السيف فيهم، فقتل منهم على – ما يتناقله الرواة – خمسة وعشرين ألفاً، وقتل فيهم طلحة وفرَّ الزبير، حتى بات عند رجل يقال له: عمير بن جرموز التميمي، فلما رقد حزَّ رأسه، وذهب به إلى علي بن أبي طالب.

فلما بصر به علي قال: سمعت رسول الله يقول: ((بشر قاتل ابن صفية بالنار)).

قال: يا علي إن قاتلناك([370])  فنحن في النار، وإن قتلنا عدوك فنحن في النار.

فقتل يوم النهروان مع المارقين، وبقيت ذلك النهار عائشة وحدها، في هودجها على بعيرها، فقال لهم علي: اعقروا البعير.

فلما عقروه حملت الخيل عليها، فقال علي للحسن بن علي([371]) ومحمد بن أبي بكر([372]) وعمار بن ياسر والأشتر النخعي([373]) وسعيد بن قيس الهمداني([374]): أدركوا حرمة رسول الله لا نفتضح بها.

 وأصحابها يقولون:

يا أمنا عائش لن([375]) تراعي

 

يقيك كل بطل شجاع

وأصحاب علي يقولون:

جزيت عنَّا أمَّنا عقوقا 

قتلت من أمَّتنا فريقا

 

 

كما تنكبت بنا الطريقا

ورمت أمراً نكداً سحيقا

ويقولون فيها أيضاً:

عائش يا قادمة المقدمات

 

إنَّ لنا سواك أمهات

 

في مسجد الرسول ثاويات

 

ثم وجه بها أمير المؤمنين إلى المدينة.

فقول الحشوية: إنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((ثلث علمكم من عائشة))، فالله عز وجل يقول:{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف:81].

كما قلت لرجل نجدي عندما قال لي: توالي عائشة؟.

 قلت: أوالي من حاربته عائشة.

ثم قلت له: أراك تلح في  عائشة، ولم تذكر حفصة، فالله ذكرهما جميعاً؛ لقوله سبحانه: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}[التحريم:4]، إلاّ أنني أظنك تفضلها؛ لقوله: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:95]، عندما حاربت أمير المؤمنين علياً، وسنت لأمة محمد قتال ولد النبي والوصي إلى آخر الدنيا؛ لأنها أول من حارب علياً، والحسن والحسين، ومن معهم من المهاجرين والأنصار، والتابعين بإحسان، ولولا هي لم يقدم على حرب عليّ من هؤلاء أحدٌ؛ لأن الزبير ذهب منهم، وطلحة قتل في أول النهار؛ غير أن حفصة تغلبها؛ لقول الله: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}[الأحزاب:33] الآية، والله عز وجل لم يجز شهادة ألف امرأة في درهم واحد إلاّ برجل معهنَّ، فكيف يكلفها تبليغ معرفة الكتاب والسنة إلى خلقه ؟!.

وأعجب من هذا كله أنهم يزعمون أنها قالت: كنت أحفظ للبيد وحده ألف بيت، وهم مجمعون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذها وهي ابنة تسع([376])  سنين في المدينة، والله يقول: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} [يس: 69]، قال مرة:

 

* ويأتيك بالأخبار من لم تزود([377]) *

 

فأنكر عمر، فتبسم عليه صلوات الله ضاحكاً من قوله، عندما وقع عند عمر أنه أفصح من النبي.

 ثم ولىَّ عبدالله بن عباس البصرة، وطلع الكوفة، ثم أرسل إلى معاوية يدعوه إلى طاعة الله فكره، فكان بينهما ما قد بلغك؛ فات بينهما على ما ذكروا سبعون ألف رجل: خمسة وأربعون من أصحاب معاوية، وخمسة وعشرون من أصحاب علي بن أبي طالب صلوات الله عليه.

ثم قتل المارقين على نحو ما ذكرت لك.

ثم قتله عبدالرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله.

ـــــــــــــــ

[ذكر بيعة الحسن والحسين (ع) وما جرى بعدها]

19 / 44
ع
En
A+
A-