وأمَّا عبدالرحمن، فقد علم أنه يميل مع عثمان؛ إذ هو صهره، ومع سعد؛ إذ هو([356])  ابن عمه فأدار بذلك رأيه في إزالة علي من الخلافة.

وأعجب من هذا أن أصحابه سمعوا شهادته لهؤلاء الستة أنهم من أهل الجنة !

(أفلا يقولون)([357])  ألا تتقي الله يا إنسان ؟.

بل أطرقوا وأهطعوا، أتباع كل ناعق وسيقة كل سائق.

فحرص القوم على إزالة أمير المؤمنين وإسقاطه، فأبى الله إلاّ رفعته وعلوه؛ لأن بنيان رب العالمين لا يهدمه هادم، وأمره لا يعدوه أحد، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

فلما انقضت الأيام قال عبد الرحمن لعلي: أمدد يدك أبايعك على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر.

قال علي: (أبايعكم على أن أحكم فيكم بكتاب الله وسنة رسوله).

فأرسل عبد الرحمن يده، ثم قال لعثمان: امدد يدك نبايعك على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر.

قال: نعم.

فبايعوه ([358])، فلما عزموا على ذلك قام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على رجليه، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واحتج عليهم بنيف وأربعين حجةً من كتاب الله وقول نبيه تثبت إمامته فيهم([359]).

[ذكر احتجاج علي بن أبي طالب يوم الشورى]

عن أبي الجارود بن عامر بن وائلة وغيره  قال: كنَّا عند الباب يوم الشورى فارتفعت الأصوات (فسمعنا([360])  علي بن أبي طالب يقول: (بايع الناس لأبي بكر، وأنا ـ والله ـ كنت أولى بها منه، وأحق بذلك؛ إن بيعتي في رقابكم جاءت من الله ورسوله صلَّى الله عليه وآله وسلم، فنقضتم العهد والميثاق، والله بيني وبينكم.

 ثم بايع الناس عمر، وأنا ـ والله ـ كنت أولى بها منه وأحق.

ثم تريدون أن تبايعوا لعثمان، فالله بيني وبينكم يوم نلقاه.

ثم قال: أما والله لأحتجن عليكم بحجج، لا يستطيع معاهد منكم، ولا مشرك، ولا مصل، يرد خصلة منها .

ثم قال: أنشدكم الله أيها العصابة، وأنتم أيها الناس، أتعلمون أن فيكم من وحد الله قبلي ؟.

 قالوا: اللهم لا.

قال: أفيكم من صلى القبلتين غيري؟.

قالوا: اللهم لا.

 قال: أفيكم من اتخذه رسول الله أخاً لنفسه غيري ؟.

 قالوا: اللهم لا.

 قال: أفيكم من قال فيه رسول الله: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي)) غيري ؟.

 قالوا: اللهم لا.

 قال: أفيكم من له عم مثل عمي حمزة، أسد الله وأسد رسوله، وسيد الشهداء الذي غسلته الملائكة غيري ؟.

 قالوا: اللهم لا.

 قال: أفيكم من له أخ مثل أخي جعفر، الذي له جناحان من جوهر، يطير مع الملائكة غيري ؟.

 قالوا: اللهم لا.

 قال: أفيكم من له زوجة مثل زوجتي فاطمة، سيدة نساء العالمين غيري؟.

 قالوا: اللهم لا.

 قال: أفيكم من له سبطان مثل سبطي: الحسن، والحسين سيدا شباب أهل الجنة غيري ؟.

 قالوا: اللهم لا.

قال: أفيكم من يجري له سهمان: سهم في الخاصة، وسهم في العامة غيري؟.

 قالوا: اللهم لا.

قال: أفيكم من كان له الخمسان غيري ؟.

 قالوا: اللهم لا.

قال: أفيكم من قدم بين يدي نجواه صدقة غيري ؟.

 قالوا: اللهم لا.

 قال: أفيكم من أعظم عناءً عن رسول الله حين اضطجعت في مضجعه، وبذلت له مهجة نفسي فأنزل الله فيَّ {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقره:207] غيري ؟.

 قالوا: اللهم لا.

 قال: أفيكم من قتل يوم بدر ستة رجال في المبارزة غيري ؟.

قالوا: اللهم لا.

 قال: أفيكم من كان أقتل لصناديد العرب عند كل شديدة تنزل برسول الله غيري ؟.

قالوا: اللهم لا.

 قال: أفيكم من ثبت مع رسول الله يوم أحد، حين انهزمتم جميعاً، فأنزل الله فيَّ ما أنزل في كتابه حين يعيبكم بانهزامكم عن رسول الله، وسماني صابراً غيري ؟.

 قالوا: اللهم لا.

 قال: أفيكم من قال جبريل يؤمئذ: ((يا محمد، لقد عجبت الملائكة من مواساة هذا الرجل لك من ذي اليوم بنفسه !)) فقال رسول الله: ((إنه مني وأنا منه([361]))) فقال جبريل: وأنا منكما غيري ؟.

 قالوا: اللهم لا.

قال: أفيكم من قال له رسول الله مثل الذي قال لي، يوم الذي بعثني إلى ذي السلاسل، حيث بعث إليهم أبا بكر فانهزم، ثم بعث إليهم عمر فانهزم، ثم بعث إليهم عمرو بن العاص فانهزم، فقال رسول الله: ((لأبعثن عليهم رجلاً طاعته كطاعتي، ومعصيته كمعصيتي، لا ينهزم كما انهزمتم حتى يفتح الله عليه إن شاء الله )) غيري ؟.

 قالوا: اللهم لا.

 ثم قال: أفيكم من قتل عمراً وأصحابه يوم الخندق غيري حتى أنزل الله فيَّ: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ}[االأحزاب:25] غيري ؟.

17 / 44
ع
En
A+
A-