وعبيدالله بن عمر بن الخطاب، قتل بين يدي معاوية.

وغير هؤلاء ممَّن صاحب رسول الله.

فليس أحد من العامة يخرج علياً من الإسلام، بل كلهم يشهد له بالطاعة لله ولرسوله إلى أن فارق الدنيا، ويختفلون فيمن حاربه من الناكثين، والقاسطين، فمنهم من يقول: إن شريعته في قتلهم، وقتل اليهود والنصارى والمشركين واحدة؛ لأنه قتل الكل بأمر الله وأمر رسوله، كما قال [صلوات الله عليه]([340]): (ما لي ولقريش قتلتهم كافرين واليوم أقتلهم مفتونين، فالشريعة فيهم واحدة).

وكان إذا قتل رجلاً واحداً قال: (اللهم إنه قاتل مع عدوك ليطفئ نورك ويغير ما جاء به نبيك، اللهم فأصل وجهه النار).

وفرقة من العامة يقولون: إن علياً مصيبٌ في قتلهم، وإنهم مخطئون في قتاله، إلاّ أن خطأهم هذا لا يخرجهم من الإيمان، فالله رؤف رحيم.

ترجو لهم الرحمة، وأمَّا أن يفصحوا لهم بالرحمة فلا.

وأمَّا المارقون فقولهم فيهم كقول المسلمين كما رووا عن النبي [صلى الله عليه وآله وسلم] أنه قال: ((هم شر الخليقة يقتلهم خير البرية))، فالإباضية إنما طعنوا على أمير المؤمنين صلوات الله عليه في قتال المارقين؛ (لأنهم زعموا أنهم شهدوا بالشهادتين، وقالوا بالصلاة والصيام والحج فمن هذه الجهة عابوا عليه وهم في خلال ذلك يصوبونه في قتال الناكثين)([341])  والقاسطين فهذان عندهم ممن يشهد بالشهادتين، وقال بالصلاة والزكاة والصيام والحج، فما أعجب أمرهم في هذا المعنى، إذ ميزوا بين الناكثين والقاسطين، وبين المارقين، ألزموا الناكثين والقاسطين الكفر وسموهم به بحربهم لأمير المؤمنين لا بشيء غيره، وألزموا أمير المؤمنين([342])  الكفر لقتله المارقين.

والناكثون والقاسطون، فالمارقون عندهم على شريعة واحدة ولمحاربتهم([343])  عندهم اسمان متضادان: الإيمان والكفر، سموه عند قتاله الناكثين والقاسطين إماماً مؤمناً ثابتاً على طاعة الله وطاعة رسوله، ونصروه على قتالهم، بأبدانهم، وأموالهم؛ وأخرجوه من الإسلام فسموه كافراً عند ما أحرب المارقين.

فهذا أشد ما يكون من الكفر والجحدان، واتباع الهوى والتقليد والخروج من الإيمان، فسحقاً وبعداً للقوم الظالمين.

 وأمَّا المؤمنون فشهادتهم لأمير المؤمنين كشهادة خالقه ورسوله أنه وصي رسول الله([344])  وأنه سار بسيرته في أمته سواءً سواء.

وأمَّا قتاله لأهل لا إله إلاّ الله من أمة محمد فهو كقتاله لأمة موسى وعيسى، لا فرق بين الفئتين؛ لأن أمة محمد يجتمعون يوم الجمعة إلى مساجدهم للصلاة، ويتلون كتاب ربهم، ويجتمعون أمة موسى إلى كنائسهم للصلاة، ويتلون كتاب ربهم، ويجتمعون أمة عيسى يوم الأحد إلى بيعهم للصلاة، ويتلون كتاب ربهم([345]).

ففي هؤلاء الفرق الثلاث من دان بدين الله وأخذ بما جاءت به رسل الله، فرسول الله لم يؤمر بقتالهم، ولا بأخذ الجزية منهم، بل صانهم الله من سخطه وعذابه في دنياهم، وآخرتهم؛ وإنما أمر الله سبحانه رسوله بقتال من خالفه من الفرق كلها، وأمَّا من صدقه منهم وائتمر بأمره فلم يقتلهم رسول الله، ولا وصيه في عصره ولا بعده بإجماع الأمة إلاّ من قاتل منهم مع الناكثين والقاسطين والمارقين، وكذلك الأئمة الصادقون من آل محمد من سبطي نبي الهدى، ومن تبعهما من أولادهما لم يحاربوا أحداً من أمة جدهم إلاّ من خرج من دين الله، وشاق رسول الله، وكفر نعمة الله، وخالف أمر الله وسفك دماء أمة محمد، وهتك حريمهم، وأخذ أموالهم؛ قال الله سبحانه: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} [المائدة:33] الآية؛ لأن قول النبي يوم غدير خم: ((من كنت مولاه فعلي مولاه))، كقول عيسى لبني إسرائيل في محمد، كما قال الله سبحانه: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ(6)وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(7)يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ(8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ(9)} [الصف:6ـ9].

فنبيهم عيسى عليه السلام قال: يأتي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالنور والبرهان.

قالوا هم: بل جاءنا محمد بالسحر والزور والبهتان؛ وتعاونوا كلهم على إطفاء نور الله، وإزالة رسول الله من الموضع الذي جعله الله فيه، وحكم له به، فلم يزل رسول الله يضربهم بالسيف حتى أظهر دين الله على رغم آنافهم وأبادهم، وسفك دماءهم، وأباح ديارهم، وسبى ذراريهم، كما قال الله سبحانه فيهم، وفي إخوانهم المشركين: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا}، يعني: المشركين، الذين حاربوا رسول الله يوم الخندق، ثم قال سبحانه: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ}[الأحزاب:25] بعلي بن أبي طالب؛ لأنه لما قتل عمرو بن عبدود انهزم جميع الأحزاب من المشركين واليهود، وانقلبوا خائبين، ثم وضع رسول الله السيف في اليهود حتى أذلهم وأخزاهم، وأوهن كيدهم، وأرداهم، كما قال سبحانه فيهم: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ}، إلى قوله: {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الأحزاب:26ـ27].

فقتل أمير المؤمنين هؤلاء المشركين، وأهل الكتاب بين يدي رسول الله بأمر الله؛ إذ وجب له ذلك عندما خالفوا قول رسول الله فيه، كما وجب لرسول الله قتل من خالف قول رسول الله عيسى فيه؛ إذ كلاهما لا ينطق ولا يتكلم إلاّ بأمر الله عز وجل.

وأمَّا قول الناكثين والقاسطين والمارقين لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، فهو كقول اليهود والنصارى لا إله إلاّ الله موسى وعيسى وهارون وداوود وسليمان رسل الله؛ وتصديقهم بكتاب الله كتصديق أولئك بالتوارة والإنجيل والزبور والفرقان.

 قول الجميع في ذلك كله كقول المجرمين، الذين ذكرهم الله في كتابه حين يقول سبحانه فيهم: {إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ(34)إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ(35)وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا ءَالِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ(36)بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ(37)}[الصافات:34ـ37].

 ألا ترى أن اليهود، والنصارى، والناكثين، والقاسطين، والمارقين كذبوا رسول الله، كما كذبه المجرمون سواء سواء؟.

فلو قالوا هؤلاء كلهم: (لا إله إلاّ الله) على الحقيقة، لم يقتلهم رسول الله ولا وصيه من بعده، ولا أحد من أولادهم الصادقين؛ لأن النبي قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله؛ فإذا قالوا حرمت عليَّ دماؤهم، وأموالهم، وحسابهم على الله)).

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((من قال: لا إله إلاّ الله، مخلصاً دخل الجنة)).

فالرسول، والوصي، وأولادهما الصادقون لم يقتلوا أحداً من أهل الجنة قط؛ بل كان رسول الله يستغفر لمن يقول([346]): لا إله إلاّ الله، مخلصاً، كما أمره الله، إذ يقول سبحانه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[محمد:19].

فليس من شبه الله بخلقه، ونسب إليه ظلم عباده، أو أبطل وعده ووعيده، أو كذب رسولاً من رسله، أو حارب ولياً من أوليائه، يقول في خالقه: لا إله إلاّ الله مخلصاً؛ ومن لم يخلص قوله في  الله، فصلاته وزكاته وصيامه وحجه باطل، كما قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم: ((كل صلاة لا تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بتلك الصلاة من الله إلاّ بعداً، ولم يزدد الله عليه إلاّ غضباً([347]))).

وقال يحيى بن عبدالله الحضرمي في روايته: أخذ سلمان الفارسي بيدي ذات يوم، فانتهينا إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فوجدناه جالساً في محرابه، فلما بصر بنا أقبل إلينا بوجهه، وحدثنا بحديث؛ ثم قال عليه السلام: (ألا أخبركم بالجاهل كل الجاهل حقيقة الجاهل ؟)

قال: قلنا: بلى يا أمير المؤمنين.

 قال: (من لهج بالصوم والصلاة على غير معرفة منه بربه وبدينه، قد أرخى ذقنه على صدره، وتماوت في منطقه، وقارب من خطوه، وأعجب بسجادته؛ ويل له ما يلقى من عذاب ربه!).

وتصديق ما قال النبي والوصي عليهما السلام قول الله عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ(2)}، إلى قوله: {نَارًا حَامِيَةً(4)}[الغاشية:2ـ4].

ثم قال: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:23].

 فأبطل الله عز وجل أعمالهم، وأحبطها؛ إذ كانت أعمالهم على تكذيب رسل الله، فمن كذب رسله، فقد كذبه الرسول من  المرُسِل.

وكذلك أعمال الإباضية على هذا المعنى؛ لأنهم كذبوا الله، ورسوله في وصيه، وقد ذكر الله عز وجل  قوماً من أهل الكتاب بأعمالهم، فقال لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران:75].

وقد يروى أن في شريعة عيسى عليه السلام مكتوباً: (إن من لطم خدك الأيمن، فأعطه خدك الأيسر، ومن يسخرك ميلاً، فامش معه ميلين، ومن غصبك ثوباً فأعطه ثوباً آخر، واستغفر لمن ظلمك، ولا تدع على من ظلمك).

وليس في الإباضية من يفعل هذا الفعل؛ فلم يمنع رسول الله فعلهم هذا عن قتلهم، وقتالهم حتى قتلهم وأمر أمته بقتالهم إلى آخر الدنيا.

[قتال المفسدين المتسمين بالإسلام مقدم على قتال المجاهرين بالكفر]

فلو ظهر رسول الله، لبدأ بقتال من قرب من منزله منه من القرامطة والإباضية، ثم مضى إلى اليهود والنصارى والمشركين؛ لقول الله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة:123]، يعني سبحانه: الذين بينكم كما فعل صلى الله عليه وآله وسلم عند مبعثه، بدأ بعشيرته قريش، فإذا ظهر الإسلام منهم، نهض إلى غيرهم ممن أنكره كإنكارهم، وكذبه كتكذيبهم، قال الله سبحانه في ذلك لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214].

 وأمَّا اليهود والنصارى والمجوس، الذين هم في دار الإسلام، إنما ترك رسول الله قتالهم عجزاً ليس من أجل الجزية التي تؤخذ منهم؛ لأنه إنما أجمع الناس على حربه، المشركون وأهل الكتاب، وضعف عن قتال الكل؛ أمر رب العزة أن يبدأ بالمشركين؛ إذ مع أهل الكتاب من كتب الله مثل ما معه، كما قال سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ}[المائدة:44] الآية، وقال: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ}[المائدة:43]، وقال سبحانه: {وَءَاتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ} [المائدة:46].

فنزل به صلَّى الله عليه وآله وسلم الموت قبل أن يفرغ من قتال المشركين.

ثم اشتغل الوصي بعده بقتال الناكث والقاسط والمارق.

وكذلك أولادهما الصادقون إلى وقتنا هذا، شغلهم ظلمة أمة محمد عن قتال غيرهم، فإلى الله في ذلك المفزع والمشتكى، وهو غاية المطلب والرجاء.

 فإذا ظهر الإمام دعا اليهود والنصارى الذين هم في دار الإسلام إلى دين الله؛ فمن قبل منهم الإسلام كان له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم، ومن كره الإسلام منهم، حاربه، كما يحارب ظالمي أمة جده صلى الله عليه وآله وسلم؛ وتصديق ذلك قول الله فيهم حين يقول: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء:159].

ذكر الله عز وجل أن رسوله عيسى عليه السلام إذ([348]) أظهره في آخر الدنيا أن أهل الكتاب  الذين يكونون على وجه الأرض يؤمنون بعيسى، وينصرون المهدي عليهما السلام، وأن عيسى يكون يوم القيامة شهيداً على عصاة أهل الكتاب من حين رفعه الله إلى حين([349])  أهبطه إلى الأرض؛ لأنه كان أمرهم باتباع محمد عليهما السلام، كما قال سبحانه: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}[الصف:6].

قول الله: {إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ}، إلهاً لعيسى عليه السلام.

وقوله سبحانه: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ}[الزخرف:61]، يقول عز وجل: ظهور عيسى يدل على قرب الساعة، {فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا}.

[ذكر اختلاف الناس عند موت النبي(ص)]

لأن الناس اختلفوا عند موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت الأنصار للمهاجرين عندما قالوا: نبايع أبا بكر؛ قالت لهم الأنصار: إذا عزمتم أن تخالفوا قول رسول الله في وصيه، ولا تطيعوا أمره، وتثبتوا مكانه غيره، فاجعلوا منَّا أميراً ومنكم أميراً.

فأجابوهم إلى ما سألوا، فأثبتوا من المهاجرين أبا بكر، ومن الأنصار سعد بن عبادة، وعزموا على ذلك حتى قال لهم سالم مولى أبي حذيفة([350]): سمعت رسول الله يقول: (الأئمة من قريش).

 فسلمت الأنصار بهذا القول إلى قريش الأمر، وعلي مشغول برسول الله، فلما فرغ من جهازه قال للفريقين: أنا أولى بمقام رسول الله منكم؛ لأن بيعتي في رقابكم جاءت من الله على لسان نبيكم.

فاختلف عليه قولهم.

فلما رأى اختلافهم، وقل أعوانه، وخاف الفتنة أشهد الله عليهم، ولزم منزله.

(فأقام أبو بكر سنتين ونصفاً، فلما جاءه الموت أوصى بهم إلى عمر، ثم جمعهم أمير المؤمنين، فعرفهم بقول الله وقول رسوله فيه، فلما غلبوه أشهد الله عليهم، ولزم منزله)([351])  فلما طعن عمر جمع المهاجرين والأنصار، فقال لهم: إني أريد أن أجعل هذا الأمر بعدي بين ستة نفر؛ منهم: علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيدالله، والزبير بن العوام، وعبدالرحمن بن عوف([352])، وسعد بن أبي وقاص([353])، فإنهم أخيار أصحاب رسول الله وخرج الرسول من الدنيا وهو راض عنهم، وولى عليهم صهيباً الرومي([354]) غلام النضر بن قاسط يصلي بهم وأنظرهم ثلاثة أيام، ثم قال للمهاجرين والأنصار: إن اتفقوا في هذه الأيام على إمامة رجل (فهو إمامكم، وإن لم يتفقوا واختلفوا، فاضربوا رقابهم، فهذا عبدالرحمن أميني عليهم.

ثم قال لهم: إن اتفق أربعة منهم على إمامة رجل)([355])  منهم، وكره واحد فاقتلوه، وإن مال معه واحد فاقتلوه معه وإن افترقوا نصفين، فكونوا أنتم في الحزب الذي يكون فيه عبدالرحمن.

وإنما أراد بقوله إن انفرد واحدٌ فاقتلوه يعني: علياً؛ لأنه علم أنه لا يساعدهم، وأراد بالثاني الزبير؛ إذ هو ابن عمته وأراد بالثالث طلحة؛ إذ كان صديقاً للزبير.

16 / 44
ع
En
A+
A-