ثم قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119]، ثم قال عز وجل في محمد وأولاده الصادقين: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج:78].
فهؤلاء المعصومون الذين عصمهم الله، واختارهم واصطفاهم، وأمر جميع خلقه بطاعتهم، والقيام معهم والقبول منهم في صلاتهم وزكاتهم وحجهم، كما قال سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ}[البقرة:110]، ثم قال سبحانه فيهم: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا}، إلى قوله: {وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[آل عمران: 103ـ105].
ألا ترى أن الله عز وجل قد بين في هذه الآية وما أشبهها من الآيات، أنه دل جميع خلقه إلى دينه، الذي تعبد به إبراهيم ومحمد وآلهما الصادقين حين يقول سبحانه: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ}[الحج:78]، وبقوله سبحانه: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(127)رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(128)رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(129)}[البقرة:127ـ129] يعني: محمداً يتلو عليهم آياتك.
إلى قوله: {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ ءَابَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[البقرة:133]، لأن الأئمة الصادقين من ولد محمد شهداء على أمة جدهم([278]) وجدهم شهيد عليهم، كما قال سبحانه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[البقره:143].
[بحث في أن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام كالأنبياء في الأمم السابقة]
وإنما أنقذ الله عز وجل جميع خلقه من شفا حفرة من النار بمحمد وآله، إذ أقام الأئمة الصادقين في أمة جدهم مقام رسله في الأمم الخالية، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لجميع أمته: ((عليكم بأهل بيتي فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ردى))([279])، وقال سبحانه في جدهم المصطفى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا(45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا(46)} [الأحزاب:45]، ولذلك قال النبي لأمته: ((إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي إذ هما نور الله في خلقه وحجته على جميع عباده فمن اهتدى بهداهم نجا من غرق الدنيا وعذاب الآخرة)).
ولذلك قال النبي: ((مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى([280]))).
ألا ترى أنه من ركب سفينة نوح نجا من غرق الدنيا وعذاب الآخرة، ومن تخلف عنها لم يسلم من الغرق والعذاب الأليم، كما قال سبحانه فيهم: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا} [نوح:25]؟.
وكذلك من اعتصم بحبل آل محمد نجا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة قال الله عز وجل فيهم: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}[النور:55].
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيهم: ((من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر من ذريتي فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسوله وخليفة كتابه([281]))).
وقال سبحانه فيهم: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}[الحج:41]، وقال الرسول فيهم: ((ما دخل في دمائنا أهل البيت أحد من الناس بسهم ولا سيف ولا رمح ولا شطر كلمة إلاّ جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله)).
وقال الله عز وجل فيهم لرسوله: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23].
وقال الرسول فيهم: ((ما أحبنا أهل البيت أحد فزلت به قدم إلاّ ثبته قدم حتى ينجيه الله يوم القيامة([282]))).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم:((المرء يحفظ في([283]) ولده))([284]).
وقال الله سبحانه فيهم: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}[الأحزاب:33]، وقال عز وجل فيهم: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا(5)}...إلى قوله: {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا(22)} [الإنسان:5ـ22].
وقال الرسول فيهم: ((النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهبت النجوم من السماء أتى أهل السماء ما يوعدون وإذا ذهب أهل بيتي من الأرض أتى أهل الأرض ما يوعدون([285]))).
[بحث في أن علياً عليه السلام أفضل أهل البيت وأكرمهم على الله وعلى رسوله]
فأفضل أهل هذا البيت وأقربهم إلى الله عز وجل، وأكرمهم عليه وعلى رسوله، أخو رسول الله، ووزيره في حياته، ووصيه في مماته، أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، علي بن أبي طالب عليه صلوات رب العالمين، الذي مدحه الله في كتابه الناطق، وعلى لسان رسوله الصادق، صلى الله عليه وآله وسلم، قال الله سبحانه في رسوله وفي وصيه: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر:33]، جاء جبريل بالصدق وصدق به محمد، ثم علي، ثم المهاجرون والأنصار، ثم التابعون بإحسان إلى آخر الدنيا، لأن النبي عليه السلام بعث يوم الاثنين، فصدق به علي يوم الثلاثاء، وفي ذلك ما يقول السيد الحميري([286]):
بعث النبي فما تخلف بعده
حتى تحنف غير يوم واحد
قال الله سبحانه في رسوله ووصيه وفيمن آمن به: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} [الفتح:29] إلى آخرها؛ لأن محمداً أول من آمن بالله، ثم وصيه ثم المؤمنون إلى آخر الدنيا، ذكر الله محمداً وعلياً وأتباعهما بهذه الصفة، ثم ذكر سبحانه أن هذه صفة رسوله وأوليائه في التوراة والإنجيل؛ لقوله: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ}[الفتح:29].
قولي في علي: إنه أسلم، على مجاز الكلام، وإنما يقال: آمن فلان وأسلم، إذا خرج من الكفر إلى الإيمان، فعلي لم يكفر بالله قط، إنما إسلام علي كإسلام محمد، وإسلام محمد كإسلام أبيه إبراهيم، كما قال الله:{وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ(83)إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(84)} [الصافات:83،84]، وقال سبحانه:{إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة:131].
وإيمان علي بمحمد كإيمان لوط بعمه إبراهيم، كما قال سبحانه فيه: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} [العنكبوت:26]، هؤلاء لم يكفروا بالله قط على جميعهم السلام.
قال أمير المؤمنين عندما بايع الناس لأبي بكر: (الحلم خير، والتقى زين، والمورد القيامة، والحجة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، سدوا ـ رحمكم الله ـ متلاطمات أمواج بحار الفتن بسفن النجاة، وعرجوا عن سبيل المنافرة، وحطوا تيجان المفاخرة، أفلح من نهض بجناح، واستسلم فأراح؛ ماء آجن، ولقمة تغص آكلها؛ ومجتني الثمرة في غير وقت نضاجها، كالزارع في غير أرضه، والله لو أقول ما أعلم، لتداخلت أضلاع قوم تداخل أسنان دوَّارة الرحى، وإن أسكت، يقولوا جزع ابن أبي طالب من الموت، هيهات هيهات، والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة، لعلي آنس بالموت من الطفل بثدي أمه، ولكني اندمجت على مكنون علم لو بحت به، لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة)([287]).
قال الله سبحانه في رسوله ووصيه: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}[هود:17]، جاء محمد بالنور والبرهان، فنشره في أصحابه، ثم نشره وصيه بعده في أمته، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها([288]))).
فمن أخذ بملة باب رسول الله، فهو في نور الله، كما قال الله عز وجل في كتابه: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ} [النور:35] الآية.
الله عز وجل بيَّن للعباد دلائله التي يهتدون بها إليه بالعقول والرسل والكتب، ثم قال: {مَثَلُ نُورِهِ} يعني: النبي عليه السلام {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ}، فالمشكاة الكوة، كان مثل القوم الذين أرسل إليهم النبي، كمثل قوم كانوا في بيت مظلم حتى جاءهم رجل بمصباح، فوضعه في كوة البيت، فاستنار به أهل ذلك البيت واستضاؤا بضوء ذلك المصباح، ثم ذكر سبحانه زيت هذه الشجرة الذي منبتها في بارزة من الأرض تطلع عليها الشمس، وتغرب عنها لا يظلها شيء، فزيتها أودك([289]) وأصفى من دهن غيرها إذا صب في القنديل، ثم قال سبحانه: {نُورٌ عَلَى نُورٍ}، أي مع نور {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:35].
فمن تبع النبي والوصي، فهو داخل في نور الله عز وجل الذي ذكره في كتابه، ومن خالفهما، فهو خارج من هذا النور، وداخل في الظلمات، الذي ذكرها الله في كتابه حين يقول سبحانه في آخر آيات النور:{أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40].
فمن أعرض عن وصي رسول الله، فقد أعرض عن الرسول، ومن أعرض عن الرسول فقد أعرض عن الله، (ومن أعرض عن الله)([290]) فقد باء بغضب من الله، ومأواه جهنم، وبئس المصير، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((من سب علياً فقد سبني ومن سبني فقد سب الله ومن سب الله أدخله النار([291]))).
وقال: ((يا علي من أحب ولدك فقد أحبك، ومن أحبك، فقد أحبني، ومن أحبني، فقد أحب الله، ومن أحب الله أدخله الجنة، ومن أبغض ولدك، فقد أبغضك، ومن أبغضك، فقد أبغضني، ومن أبغضني، فقد أبغض الله، ومن أبغض الله أدخله النار([292]))).
ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنا وعلي كهاتين([293]))) فمدّ المسبحتن؛ يعني: أن علياً يسير بسيرته في أمته، ويحكم فيهم بحكمه سواء سواء.
ثم قال لابنته فاطمة الزهراء سيدة نساء أهل الجنة عندما زوجها إياه: ((أو ما ترضين أن يكون الله عز وجل اختار من جميع ولد آدم رجلين فجعل أحدهما أباك والآخر بعلك([294]))).
[بحث في ولاية أمير المؤمنين علي عليه السلام ]
قال الله سبحانه في رسوله، وفي وصيه لجميع خلقه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة:55].
الله عز وجل أولى بخلقه من أنفسهم، ثم رسوله، ثم وصي رسوله بإجماع الأمة عن رسول الله أن الذي زكى وهو راكع علي بن أبي طالب، دون جميع المسلمين، إذ كان المتصدق في صلاته، المؤدي لما يقربه من ربه من زكاته.
ثم قال سبحانه فيه: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ(10)أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ(11)فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ(12)}[الواقعة:10ـ12]، فكان السابق إلى ربه غير مسبوق.
ثم قال سبحانه: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [يونس:35].
فكان الهادي إلى الحق غير مهدي، والداعي إلى الصراط السوي، والسالك طريق الرسول الزكي، ومن سبق إلى الله، وكان الهادي إلى غامض أحكام كتاب الله، فهو أحق بالإمامة، لأن أسبقهم أهداهم، وأهداهم أتقاهم، وأتقاهم خيرهم، وخيرهم بكل خير أولاهم، وما جاء به من الذكر الجميل، في أوضح التنـزيل، فكثير غير قليل.
وفيه أنزل الله بغدير خمٍ على رسوله:{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[المائدة:67].
فوقف صلى الله عليه وآله وسلم، وقطع سيره، ولم يستجز أن يتقدم([295]) حتى ينفذ ما عزم عليه في علي عليهما السلام، فنـزل صلى الله عليه وآله وسلم تحت الدوحة مكانه، وجمع الناس، ثم قال: ((أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟
قالوا: بلى يا رسول الله.
فقال: ((اللهم اشهد))، ثم قال: ((اللهم اشهد فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من ولاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله([296])))، والخلق كلهم مجتمعون يسمعون كلام رسول الله، وهو رافع بيد علي حتى أبصر بياض آباطهما، وهو ينادي بهذا القول، فكان ذلك في شهر ذي الحجة منصرفه من مكة في حجة الوداع إلى المدينة، فأقام المحرم وصفراً، ومات في شهر ربيع الأول صلى الله عليه وآله وسلم تسلمياً.
قوله عليه السلام: ((ألست أولى بكم من أنفسكم؟)) يدل على أنه أراد الولاء الذي ذكره الله في كتابه حين يقول سبحانه: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب:6]، فلما أن أقروا بذلك أنه أولى بهم من أنفسهم، وأشهد ربه عليهم، قال حينئذ: ((فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).
بين لهم أن الله سبحانه أمره أن يُعْلِمهم أن الولاء الذي كان له عليهم أنه صيَّره إلى وصيه علي، ليعرفوا لوصيه ما عرفوا له، وعلى أنهم لا يخالفوا أمره، ولا يضادوا حكمه، ولا يتقدموه ولا يعصوه فيما يأمرهم وينهاهم.
[فساد قول من قال: إن حديث الولاية كان من أجل زيد بن حارثة]
وأمَّا قول الجاهل: إن ذلك كان من أجل زيد بن حارثة رحمه الله، فهو قول فاسد؛ إذ هو مخالف لقول الله، وقول رسوله، ولحجة العقل.
وذلك أنهم زعموا أن علياً قال لزيد: أنت مولاي.
قال زيد: أنا مولى رسول الله.
فزعموا أن علياً شكاه إلى رسول الله، فقال رسول الله: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)).