وأما التشهد فما قيل به فيه فجايز كله التشهد الذي يذكر عن علي والتشهد الذي يذكر عن ابن عباس، وما يذكر من ذلك عن ابن مسعود وأحسن ما سمعنا به في ذلك عن علي وزيد بن علي بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله والصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد سمعنا في آمين ما سمعت، ولم أسمع أحدا من العرب يتكلم في كلامه ولا أحسبها إلا من اللسان العبراني، وإنا لنمسك عنها وعن القول بها.

وأما الدعاء في المكتوبه في أمر الدنيا والآخرة فجايز حسن، وهو في الحمد لله رب العالمين، إياك نعبد وإياك نستعين، إهدنا الصراط المستقيم، فهذا كله دعاء، والسجود في السهو للصلاة والزيادة والنقصان، فهو بعد التسليم، وما كان قبل التسليم من زيادة في ركوع أو سجود فهو زيادة يحتاج فيها، ولها إلى ما ذكر الله من السجود في مثلها.

(1/39)

________________________________________

ولا بأس بالجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء ودخول وقت العصر في آخر وقت الظهر لمن جمع، ووقت المغرب والعشاء لمن جمع فقبل غروب الشفق إن اراد ذلك مريده ومن صلى الصبح سبح بعد صلاته ولم يصل بينه وبين طلوع الشمس والتسليم من الصلاة عن اليمين والشمال ورفع اليدين فقد اختلفت فيه الاقاويل وإن احب ذلك الينا أن يسكنا تسكين غير هما لأن تسكينهما هو خشوعهما وكذلك تسكين العين فهو لها خشوع، ويجزي في الوضوء مرة مرة، ويقرأ في الصلاة على الجنائز في التكبيرة الأولى وما بعد ذلك فيدعا، وليس يجب الغسل من الحجامة ولكن من احتجم توضى، ويغتسل للجمعة والرواح إلى عرفة والعيدين وكل ذلك من السنة.

ومن صلا صلاة فثبت في مقعده ولم يخرج من مسجده صلى ما بعدها من صلواته بوضؤه، وإن أكثر الاشتغال والإدبار والإقبال كان أحب إلينا له يجدد وضوءه، وكذلك بلغنا أن عليا صلوات الله عليه ورضوانه كان يفعل بحدد وضوءه لكل صلاة من الفريضة.

والإقران أفضل من الإفراد والتمتع بالعمرة إلى الحج ولا يقرن بين العمرة والحج إلا من ساق هديا ومن قرن طاف طوافين وسعى سعيين ولم يحل عن عمرته حتى يحل من حجته والإفراد للحج أفضل، والله أعلم من التمتع بالعمرة إلى الحج لأن حجة عراقية أو مدنية أفضل من حجة مكية والإهلال إذا طال أفضل منه إذا قصر لطول الإحرام، وتقطع التلبية في الحج إذا رميت جمرة العقبة وأفضل الهدي ما وقف بعرفة وإن قلت: حتى اشترى من منىً أجزأ المتمتع.

والضحية واجبة على كل ذي يسار وحده ممن حج أو لم يحج وصيام يوم عرفة أفضل من إفطاره، والدعاء في الصيام أقرب إلى الإجابة من الافطار.

(1/40)

________________________________________

وكل ما سال أو قطر من الدم ففيه الوضوء وليس في مس الإبط وقص الشارب وتقليم الأظفار والقي والقلس وضوء وما جاء من الوضوء من ما مسته النار فليس للنار وإنما أحسبه والله أعلم للأكل والاشتغال، ولا نحب للجنب أن يتعوذ بشيء من القرآن لما في ذلك لتنزيل الله من الإجلال.

وسألت: عن قوله: وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة فهي البر والأمور المرتضاه ومنها زكاة الأموال وصالح عمل العمال الذين يعملون لله ويسعون في مرضات الله، وأما قوله: الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين النكاح هاهنا قد يكون المسيس والمجامعة ويكون العقد والملك والترويج الذي جعله الله طاعة وأما قوله لا ينكحها هو لا يأتيها ولا يرتكب سخط الله فيها إلا مشرك من المشركين بالله أو زان مثلها عند الله وهذا كله كما قاله الله سبحانه.

وأما قوله: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنا شئتم الحرث: هو المزدرع الذي جعله الله في النساء والنما، وأنى شئتم هو متى أردتم لأن العرب كانت تزعم أن إتيان النساء وهن حوامل أو مرضعات حرام خوفا للفساد.

وسألت: عن قوله: هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون خلقه سبحانه لهم من طين فهو خلقه لأبيهم آدم صلى الله عليه لأن ما كان نسلا منه فمخلوق مما خلق منه، ثم قضى أجلا الأجل المقضي هو الموت والوفاة والأجل المسمى عنده هو أجل يوم الحساب والمجازاة.

وسألت: عن الأرواح بعد مفارقتها الأبدان أحية أم ميتة، أرواح المؤمنين إذا فارقت أبدانها في نعيم وكرامة وأرواح الظالمين إذا فارقت أبدانها في خزي وندامة حتى ترد الأرواح إلى أبدانها في يوم البعث والقيامة، فإذا جاء ذلك فهو التخليد والدوام الذي ليس له فناء ولا زوال ولا له عن أهله براح ولا انتقال.

(1/41)

________________________________________

وسألت: عن قوله: قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته، الذين كانت العرب تدعوهم ملآئكة الله وكانت العرب تزعم أن الملائكة بنات الله كما قال الله سبحانه: ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون والملائكة هم الذين كانت العرب تدعوا والملائكة الذين كانوا يدعون فهم الذين يبتغون الوسيلة إلى الله ويرجون من الله الرضوان والرحمة.

وسألت: عن قوله: بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا، يقول سبحانه: بعثنا أهل الكهف بعد طول نومهم في كهفهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا في كهفهم مقيمين أهم أم من علم لبثهم من الملائكة لبثهم في كهفهم هم الحزبان وهم في العلم والمكث مختلفان.

وسألت: عن والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور، والطور: هو طور سيناء، وقد ذكره الله في غير مكان والبلد الأمين فأقسم بهما لما هو أعلم به سبحانه من أمرهما وكتاب مسطور في رق منشور هو ما نزل الله من كتبه وكتب في رق وغيره، والبيت المعمور هو بيت الله الذي يعمر أبدا بذكر الله وبالوافدين في كل حين، إلى الله كما قال سبحانه لإبراهيم وإسماعيل صلى الله عليهما: طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود.

والسقف المرفوع: هو السماء والبحر المسجور هو البحر الأعظم، المسجور: فهو المحبوس على حدوده ومنتهاه، فليس يجوز حدا من حدوده ولا يتعداه.

وسألت: عن قول الله تبارك وتعالى إن إبراهيم لأواه حليم، فإن الأواه المتأوه هو الرحيم والحليم هو اللبيب الحكيم.

(1/42)

________________________________________

وسألت: عن قوله سبحانه: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم الآية فتأويل فهل عسيتم هو لعلكم أنتم أيها المدعون من كنتم وتأويل توليتم هو أدبرتم عن الإجابة والقبول والإنابة أن تفسدوا في الأرض بقتل بعضكم لبعض فتقطعوا الأرحام، إذا لم يجيبوا الإسلام لأن من لم يجبه أفسد في أرض الله إذ لم يتبع حكمه ففجر في دين الله وقطع رحمه. ومن أجابه أصلح، ووصل إذا سمع عن الله وقبل ولم يتول ولم يدبر فلم يفسد ولم يفجر.

وسألت: عن تأويل قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا، وقلت: ما معنا أو ادفعوا فتأويل قاتلوا يعني كونوا بقتالكم لله مطيعين أو ادفعوا فكونوا بقتالكم عن أنفسكم وحرمكم مدافعين إن لم تكونوا لله مجيبين، وفي ثوابه على القتال لعدوه راغبين.

وسألت: عن قوله: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا الآية يقول الله سبحانه ليس على من اتقا وأمن جناح يعني إثما فيما أكل وطعم من طيبات الأطعمة التي ليست عند الله بمحرمة لأن من المؤمنين من كان يترك أكل بعض الطيبات زهادة في الدنيا والتماسا في ذلك لما يحب الله ويرضى، وممن ذكر بذلك عثمان بن مظعون كان فيما بلغنا قد حرم على نفسه أكل اللحوم فنهاه الله وغيره من المؤمنين عن تحريم مالم يحرم من المطاعم الطيبة، وقال: يآ أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين فأخبرهم سبحانه وغيرهم من الأتقياء البررة أنها لمن أمن به في الدنيا خالصة في الآخرة، فقال سبحانه: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة.

(1/43)

________________________________________

وسألت: عن قوله سبحانه: يآ أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتيدتم الآية، إنما قال سبحانه للذين قالوا: حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا من دينهم وأكثروا الاتباع لدين غيرهم عليكم بأنفسكم خاصة فليس يضركم إذا اهتديتم ضلال من اعتقد ضلاله كان أبا أو غيره، لأن كل أمرئ إنما يحاسب بما عمله وما له فإن اهتدى نجا سالما وإن ضل هلك ظالما، لأنه لا يزر وازرة وزر أخرى، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى.

وسألت: إن الذين يدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين ) ألهم أرجل يمشون بها الآية، إن الذين تدعون من دون الله فهو من دونه سبحانه كذبا وافتعالا وقد يكون تأويل من دونه أنهم دونه كبريا وجلالا، والذين كانوا يعبدون فهم من عبدوا من الملائكة المقربين، ومن كانوا يعبدون من دونه من الآدميين، ومن عبد من الناس أحدا من الشياطين هؤلاء كلهم فهم عباد أمثالهم وقد عبدوا من عبدوا من العباد ما كانوا يعبدون من الأصنام والتماثيل والأوثان التي ليس لها أرجل ولا أيدي ولا أعين ولا أسماع ولا عندها لأحد عبدها أو لم يعبدها ضر ولا انتفاع وفي الأصنام ما يقول الرحمن له الكبرياء والجلال.

ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها، وما ذكر من غير ذلك عند ذكرها وليس شيء من ذلك كله لها، فكيف يعبدونها مع زوال ذلك كله عنها، وهو أفضل في ذلك كله منها، إلا لفعلهم الفاسد المدخول بالمكاثرة لحجة العقول.

وسألت: عن قوله: يوم يجمع الله الرسل فيقول ما ذا أجبتم قالوا لا علم لنا، ومسألة الرسل من الله عن ما أجيبوا في يوم البعث فمسألة عن الله ذات حقيقة وحكمة ورحمة برية من كل جهل وعبث وإنما هي تقرير لهم ولأممهم وتعريف وتوقيف وإبانة أنه لا يأخذ أممهم إلا بجرمهم لأنه هو الله الرحيم الرؤف وأنه علام ما خفي عن الرسل من غيرهم فيما كان من الجواب لهم في حسناتهم وذنوبهم.

(1/44)

________________________________________

وسألت: عن قوله سبحانه لرسوله صلى الله عليه: فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك ليس قوله سبحانه: فإن كنت في شك أنه فيه، ولا أنه يشك في شيء مما نزله الله إليه، ولكنه تنزيه له من ذلك كله، وتثبيت ليقينه وليفضله فيه على غيره، ألا ترى أنه يقال لمن كان موقنا يقينا صادقا، وكان فيما اعتقده منه كله معتقدا اعتقادا محقا أن كنت يا هذا في شك مما أمرك فنسب فيه بغيرك فيغضب على من قال له ذلك لنفسه كان موقنا بذلك في دنياه أو دينه، وقد يكون من أسباب اليقين لغيره برسالته وما نزله الله عليه من حكمة وآياته ما في أيدي أهل كتب الله من ذكره وهدايته في دينه وأمره فقال سحبانه: إن كنت ولم يقل إن كان غيرك ممن آمن أو لم يؤمن في شك أو ارتياب، فاسأل عن أمرك أهل الكتاب.

وسألت: عن قوله: يآ أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم الآية شهادة بينكم هي الشهادة بينكم في قضاياهم ومواريثهم عند نزول الموت وحضوره عند ما يكون في ذلك للميت من أموره أن يستشهدوا عند الموت شهيدين من أنفسهم أو آخرين من غيرهم أن لم يحضر مسلمان عند الموت مرة لأنه ربما حضر الموت الرجل المسلم في السفر أو غيره، وليس عنده إلا كافر أو مجرم فيضطر إلى شهادتهما وإن هو لم يرض بهما.

(1/45)

________________________________________

فإذا كانا معروفين في دينهما بالتحرج من الزور والظلم، استشهدا على الوصية وغيرهما إذا لم يظفر بمسلم فإن عثر وهو ظهر على أنهما آثمان وأنهما ليسا بصادقين فيما عليه، يشهدان حبسا بعد صلاة من الصلوات وحبسهما وقفهما فأقسما في وقت مما ذكر الله من الأوقات، وإن ارتبتم هو ظننتم أنهما كذبا فزادا أو نقصا فليحلفان بالله لا نشتري بشهادتنا وقولنا ثمنا، ولا نشهد بغير الحق لأحد ولو كان ذا قربى ولإن فعلنا فكتمنا شهادتنا إنا إذا لمن الآثمين، يريد إنا إذا لمن الظالمين، وفيما في الشهادة من الظلم بالإخفاء لهم في الكتم ما يقول الله سبحانه: ومن يكتمها فإنه آثم قلبه فإن إستحقا أنهما كاذبان حلف من المظلومين آخران.

مما سئل عنه الإمام القاسم بن إبراهيم عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

سألت يرحمك الله عن قول الله سبحانه فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري، فقال: فتنهم في بلوى الله لهم من بعد موسى بما كان من العمل فيهم، وإضلال السامري لهم فهو بدعائه إياهم إلى ما قالوا به من العجل أن يقولوا هذا الهكم وإله موسى، وبما ألقى من القبضة التي أخذها من أثر الرسول فنبذها في جوف العجل فخار فكان لهم في ذلك من الفتنة ما كان، وكان قولهم في ذلك، ولما رأوا منه في العجل، إنما قالوا: لما سمعوا صوت خواره ضلوا به كما ضلوا أن قالوا فيه بما قالوا.

وسألت: عن قول الله سبحانه: وما أنزل على الملكين ببابل إلى قولهم: وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله، فقال: الإذن من الله في هذا الموضع هو التخلية والاستطاعة التي جعلها الله في السامري والتقوية، وليس بإذن من الله ولا رضى.

(1/46)

________________________________________

وسألت: عن قوله: (أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم، فقال: الختم من الله على قلوبهم وعلى سمعهم وما جعل على أبصارهم من الغشاوة كالرين الذي قال الله: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون، والختم فهو الإقفال وهو الطبع فمعنى هذه كله واحد فيهم وهو بما وجب من لعنة الله عليهم.

وسألت: عن قوله: ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا فقال: والأكنة هي الحجب وهي مثل الطبع والختم.

وسألت: عن قول الله سبحانه: ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم يقول الملائكة ما أنتم عليه بغالبين ولا إليه بمجبورين إلا من هو صال الجحيم يقول لا يجيبكم إليه ولا يرضى قولكم فيه إلا من هو أهل النار والعذاب الأليم.

وسألت: عن قوله: ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم فقال: ومن يرد الله فتنته من بريته ابتلاه أو إضلاله أو أخزاءه فمن شاقه وعصاه فلن تملك له من الله في ذلك شيئا، والملك في ذلك والقدرة لله وحده لم يرد الله أن يطهر قلوبهم يريد سبحانه أنه لم يرد تزكية قلوبهم ولا تطيبها بما هم عليه من معصيته لأنه إنما يطيب ويزكي قلوب أهل طاعته فأما من لم يرد أمره ولا توبته فليس يزكي قلبه ولا يطهره.

6 / 47
ع
En
A+
A-