وسألت: عن قول الله سبحانه: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا أمر من الله عزوجل لعباده في أموال الأيتام ألا يقربوها إلا بالتي هي أحسن، والذي هو أحسن فهو الإصلاح فيها والتوفير لها.
وسألت: عن قوله سبحانه: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه هو حضور الموت فلا ينفع عبدا إيمانه عند نزول ذلك به.
وسألت: هل يجوز للرجل أن يقر عند مرضه بالديون التي عليه، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه ذلك عليه واجب لا يسعه غيره ولا يحل له إلا تبيينه وشرحه فإن اتهم المقر له بالدين أنه ولج إليه استحلف أن هذا الدين حق له واحب على المقر له وما ولج إليه ثم يقبض حقه، وما أقر له به.
وسألت: عن رجل يقول: إن موضع كذا وكذا معروفا، فالمرأته فلانة ولم يذكر هبة ولا صدقة إلا أنه قال: إنه لها وليس لأحد فيه سبيل عليها، قال محمد بن يحيى عليه السلام: إن كان ذلك الموضع يعرف من ماله فلم يرد به إلا هبة لها لأن قوله لا سبيل لأحد عليه يدل على تسليمه إليها، ولكن كثيرا من الناس لا يحسن الشرح.
وقلت: هل يجوز إن كان أكثر من الثلث، وهو جايز إن أجازة الورثة وإن أنكروا ذلك وكرهوه رجع إلى الثلث، ولا يجوز للميت أن يوصي بأكثر من ثلثه للخبر الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه، والكتاب أيضا ينطق بذلك في قول الله عزوجل نصيب مما اكتسبوا ولم يقل كلما اكتسبوا.
(1/487)
وسألت: هل يجوز لرجل أن يهب ثلث ماله لموهوب ثم يهب له ثلثا آخر، ثم يهب له أيضا أو لغيره ما بقي من ماله، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه ما أحب لأحد من المسلمين أن يفعل ذلك لأنه يضر بولده ويهلك نفسه، ويخالف تأديب ربه ولا نحظر عليه فعله في ماله فإن مات كان لورثته في ذلك نظر، وكلام على قدر ما يعرف من فعله وما قصد إليه في مذهبه ويكون فيه نظر لأهل العلم، يوفق الله عزوجل له، وقد جاءت في ذلك أخبار وروايات، وقد يكون هذا من فعل الفاعل على طريق الظلم لورثته والتوليج عنهم، وقد شرح الهادي عليه السلام هذا في كتاب الأحكام وبينه وهو عندكم. نسأل الله العون والتوفيق والهداية والتسديد بمنه ورأفته.
وسألت: عن رجل قتل رجلا عمدا أوخطأ فعفى الأولياء عن القود والديه في الخطأ والعمد، فقلت: هل يجوز ذلك له، قال محمد بن يحيى عليه السلام: إذا عفى الأولياء عن الدية من بعد أن يعرض عليهم فذلك جايز حسن، ألا تسمع كيف يقول سبحانه: ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فأجاز الهبة والتصدق بها والإحسان فيها، وقد قال عز وجل في موضع آخر، ولا تنسوا الفضل بينكم، فإذا وهب الولي الدية التي حكم الله بها، فذلك جايز.
وسألت: عن من لزمه عتق رقبة عن قتل الخطأ فأعتق عنه رجل آخر، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه إن كانت هذه الرقبة التي أعتقها عنه غيره، قد وهبها له فقد صارت في ملك صاحب الكفارة فجايز له عتقها، وهي تجزي عنه وتقوم لكفارته وإن كان الرجل أعتقها هو عن صاحب الكفارة ولم يعتقها صاحب الكفارة فهي من مال المعتق، وعلى صاحب الكفارة رقبة لأنه لا يجوز له ولا يخلصة إلا عتق رقبة يملكها فإن بره أخوه المسلم ووهب له رقبة فأعتقها هو من بعد ملكه إياها كان ذلك له جايزا وعنه مقبولا.
(1/488)
وقلت: أيما أفضل في كفارة القتل، العبد أم الأمة، والعبد والأمة في ذلك سواء إذا كانا مؤمنين لأن الله سبحانه يقول: فتحرير رقبة ولم يذكر عبدا ولا أمة، وأما قاتل العمد فإذا أقاد من نفسه فصفح عنه ولي الدم، وقبلت الدية منه وأناب إلى الله عزوجل، فقد خلص من ذنبه لأنه قد أقاد نفسه، وفعل ما أوجب الله عزوجل فعله عليه فصفح الأولياء عنه، وليس عليه إلا دية يسلمها فإن وهبوا له الدية، فحسن وذلك له جايز، وليس عليه رقبة غير أني أحب له من غير أن أوجبه عليه أن يعتق لأن في عتق الرقبة المؤمنة أجرا عظيما.
ويخلص لله سبحانه التوبة من ذنبه وما ارتكبه من عظيم فعله، وفي عتق الرقبة له فضل عظيم، وأجر لأن الله سبحانه يقول: فمن تطوع خيرا فهو خير له، وقال: إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما، ودية الخطأ على العاقلة: ودية العمد إذا عفي عن صاحبها ولم يقتل وقبلت الدية منه، فهي في ماله وليس على العاقلة منها شيء لأن العاقلة لا تعقل عمدا ولا عبدا ولا اعترافا ولا صلحا فافهم هديت ما عنه سألت.
(1/489)
وسألت: عن قوم شركوا في شبكة كانوا يصطادون بها فمرض أحدهم واصطادوا شركاؤه وعملوا بها فطالبهم المريض بحصته التي تلزم له في جزؤه وحقه من السكه، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا على قدر ما بنا عليه المشاركون أمرهم فإن كانوا بنوا أمرهم على الشركة في الشبكة على أنهم إن اصطادوا بها مجمعين أو مفترقين فهم فيه سواء وجعلوا ذلك مثل المشتركين المتفاوضين فله حقه وإن مرض ولم يحضر فإن كانوا جعلوا الشركة على أنهم يصطادون كلهم معا ويتعاونون فمرض أحدهم واصطاد الآخرون فالصيد لهم وعليهم أن يعطوه ما يجب له من كرا الشبكة فإن كانوا خمسة فله خمسها فينظركم يكون كرا الشبكة في الأيام التي اصطادوا بها وهو مريض، ثم يعطونه خمس الكرا، وفي هذا أيضا باب حسن إذا وقع مثل هذا والتبس ولم.....بتحديد دخل بينهم بصلح فإن الله يقول: والصلح خير.
وسألت: عن قوم من الموحدين خرجوا مع قوم من الفاسقين في حرب أعدائهم من الكفرة الظالمين، بغير إمام خوفا على أموالهم وحرمهم، وديارهم فقاتلوا حتى قهروا عدوهم وغنموا أموالهم ثم انصرفوا إلى بلدهم ولم يعثوا في الأرض فسادا.
قال محمد بن يحيى عليه السلام: إن كان هؤلاء القوم الموحدين خرجوا في حرب عدو قد قصدهم يريد إهلاكهم وهتك حريمهم واستعانوا معهم بغيرهم ليدفعوا به عن أنفسهم ويقوو بهم على الدفع لهذا الظالم القاصد لهم الطالب لهلكتهم، فذلك جايز حلال لأن رسول الله صلى الله عليه يقول: من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون عقال بعيره فهو شهيد.
(1/490)
والله سبحانه يقول: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وقال سبحانه: الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، فإذا قصد المسلمين ظالم يريد إهلاكهم، وكانوا يطيقون الإنتصار منه فعليهم أن يحموا دماهم وكرايمهم وما أنعم الله عزوجل عليهم به من نعمهم ولا أحب لهؤلاء الموحدين أن يسيروا إلى هذا الظالم إلى موضعه ولا يقاتلوه إلا أن يكونوا مع إمام فأما إذا قصدهم فجايز حربه حلال عند الله عزوجل جهاده وإن كان عدوهم هذا على مسيرة عشرة أيام منهم وكانوا له خايفين ولم يقصدهم ثم جاء ظالم، يقصد هذا العدو ويطمع بقتله وإزالته وأخذ مكانه فليس لهم أن يسيروا معه إلى العدو الذي يخافون لأن هذا الظالم يقصد ظالما يطلب ما في يده ويحاربه على بلده، يريد الرياسة والظلم والنهب والغشم، فلا يحل اتباعه لأنهم إذا تبعوه فقد قووه وإذا قووه فقد أظهروه وإذا أظهروه فقد أعانوه على هلاك الاسلام والمسلمين.
وشركوا معه في ما أهلك من المؤمنين، وثبتوا عزه ونصبوا ملكه، ومن فعل ذلك فليس من الله في شيء إن الله لا يصلح عمل المفسدين، فعلى من فعل ذلك التوبة والرجعة والإقلاع والانابة فإن الله سبحانه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، وفي هذه المسألة جواب لو فسرناه وفرعناه لكان كثيرا، و قليل ينفع ويجزي خير من كثير لا ينفع ولا يغني، نسأل الله سبحانه العون والتوفيق والهداية والتسديد، فإن من وفقه الله فقد سدده ومن سدده فقد أمن الزلل والخطأ وصار إلى أفضل درجة وأكمل نعما.
وسألت: عن رجل ظالم منع الناس طريقهم وقطع عليهم سبلهم، وكان في جواره رجل لم يرض بفعل هذا الظالم ثم أدخل هذا الظالم نصف هذه الطريق في داره وقطع طريق المسلمين المسلوكة وأضر في ذلك بهم وضيق بفعله عليهم وبقي نصف الطريق مما يلي جاره معطلا، فقلت: هل يحل لجار هذا الظالم أن يزرع بقية هذه الطريق.
(1/491)
وقلت: إن زرعه فما حال ثمره، قال محمد بن يحيى عليه السلام: إن كان هذا الغاصب لطريق المسلمين الظالم لهم قطع الطريق طولا فقد ضيف مسلكها وظلم في أخذها ولا نحب لجارها أن يأخذ باقيها بل يتركه ينفذ فيه من احتاج إليه وسار فيه ووسعه وإن كان أخذها عرضا فقد قطعها عليهم فلا يحل لجاره أن يأخذ ما فضل عنده منها لأن هذا قد ظلم وتعدا، ولو وجد المسلمون من ينصفهم منه لهدم الحاكم ما بنا وعاقبه فيما فعل وأتا لأن قطع طرق المسلمين حرام، وعلى من فعل ذلك أكثر الآثام، وإن زرع هذا الرجل باقي هذه الطريق فد زرع فيما لا يملك فيأخذ بذره، وما يجب له في أرض لو عملها لغيره بغير إذنه ويخرج باقيها للمساكين، وضعفة المسلمين.
فهذا أقرب له إلى الخلاص، ولا يعود لزرعها، وقد قيل في هذا بأشياء رخص فيها ولسنا نرى ذلك صوابا ولا نقول به.
وسألت: عن رجل تزوج بإمرأة فزنت قبل أن يدخل بها، فقلت: هل يدفع إليها مهرها أم لا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: حالها في مهرها إذا زنت قبل دخولها كحالها إذا فعلت ذلك بعد دخوله بها لأنها إذا أتت بغيا وهي عنده.
تم الموجود من الكتاب والحمد لله رب الأرباب، منشيء السحاب ومذلل الصعاب،..
الحمد لله حسبي الله وحده وصلى الله على محمد وآله:
هذا الكتاب مشتمل من علم آبائنا على بحوث يثلج أمواهها الصدور، ويطلع متأملها على حقايق مذاهب أئمة العترة وما اختاروه من المذاهب لأنفسهم وأبنائهم وشيعتهم الصدور، ولا زموه في الورود والصدور، فيا أسفى على ما أضاعت الأتباع بزعمهم من علوم الأئمة الأطهار، ويا عجبا مما اختاروه وهو عند أئمتهم غير مختار، ومن حوادث الدهر وعجايبه وعظيمات مصايبه أن كتب أئمة العترة صارت في زماننا بالمشاهدة تباع في الأسواق بالأثمان الباخسة ويجلد بها محدثات الكتب والأقوال التي معالم أربابها طامسة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
(1/492)
كتبه إبراهيم بن محمد بن عبدالله الهادي بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضل بن الهادي إلى الحق عليهم السلام، وكان ذلك بصنعاء اليمن برجب من سنة ست وستين وثماني مائة أحسن الله خواتمها ونشر باليمن والتوفيق قوادمها، وحرس مذهب العترة النبوية وكف عنه أكف الفرق الغوية.
الحمد لله وحده: هذا التفسير القويم الكاشف معاني القرآن الكريم، من تفسير الإمام القاسم بن إبراهيم وأبنائه الأكرمين، صلوات الله عليهم أجمعين، فأوله إلى الشمس وضحاها من تفسير شيخ آل رسول الله القاسم بن إبراهيم، وعاقته عن التمام شواغل منعته إلى أن نزل به الحمام، ومن لا أقسم بهذا البلد من تفسير علامة العترة وقاموس الأسرة محمد بن القاسم بن إبراهم عليه السلام إلى آخر والنازعات غرقا.
ومن عم يتساءلون إلى سورة المنافقين من تفسير الإمام الأعظم الذي بشر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين يحيى بن الحسين بن القاسم عليه السلام ومن بعد ذلك مسائل للقاسم عليه السلام ثم تفسيره مما سأل المرتضى بن الهادي عنه أباه ثم مسائل سئل عنها الأئمة ثم تفسير للمرتضى عليه السلام ثم مسائل أجاب عنها، فهذا حاصل ما في هذا السفر على الترتيب..
(1/493)