وأما ما سألت عنه من تفسيرنا الكتاب، فإنما نفسره بتوفيق الله وعونه لمن خصه الله سبحانه وأعانه على معرفته فإذا رزق رجل معرفته فسره واستنبطه واستشهد بعضه على بعض واستخرج غامضه بما فضله الله سبحانه به من معرفته وما كان يخرج من اللغة بينه وفسره وشرحه لأن الله عزوجل يقول: قرآنا عربيا غير ذي عوج، ولم يخاطب الله سبحانه العرب إلا بما تعرف من لغتها ومنه ما يفسر بالرواية عن السلف بالإسناد إلى النبي عليه السلام تلقينا وتعريفا مع توفيق الله عزوجل وتسديده لمن قصده من أهل طاعته كما قال الله سبحانه: والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم..

وفي الحديث الذي ترويه العامة ما لا تقوم له حجة، ولا تتضح به بينة ولا يشهد له كتاب ولا سنة وكل ما قلنا به وأجبنا عليه فشاهده في كتاب الله عزوجل. وفي السنة المجمع عليها عن رسو الله صلى الله عليه أو حجة من العقل يصدقها الكتاب، فكل ما كان من هذه الطريق فهو أصح مطلوب وأنور حجة في القلوب وليس يجوز تفسيره إلا لأهله الذين خصهم الله عزوجل بعلمه من أهل بيته عليه وعليهم السلام.

وسألت: عن قول الله عزوجل: ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت، والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا عند خروج أنفسهم وحضور وفاتهم ونزول الملائكة لقبض أرواحهم وبسط أيديهم فهو نزعهم لأنفس الظالمين، وأخذهم لها وقوله: أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون، وعذاب الهون، فهو الهوان والذل والصغار بالعذاب الأليم، والخزي الدايم المقيم.

(1/476)

ألا تسمع كيف يقول سبحانه: ولو ترى إذ يتوفا الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق، فضرب الملائكة عليهم السلام لوجوه الظالمين وأدبارهم عند خروج أنفسهم هو من أول عقابهم مع ما يعاينونه من سوء منقلبهم وقبيح مآبهم وكذلك فعل الله عزوجل بالكافرين، ومن عند عن أمره من الظالمين.

وليس يخرج عبد من الدنيا حتى يرى محله ويعرف من الآخرة مكانه بأخبار الملائكة عليهم السلام له عند قبض روحه وخروج نفسه فإن كان فاسقا أيقن بالنيران وبالمصير إلى سوء دار مع إتعاب الملائكة عليهم السلام له في إخراج نفسه وضربها لوجهه وظهره كما قال الله عزوجل يضربون وجوههم وأدبارهم، وإن كان مؤمنا تلقته الملائكة بالبشاره والكرامة وقبضت روحه قبضا رفيقا سهلا لا متعبا ولا معذبا.

ألا تسمع كيف يقول سبحانه: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، فأخبر سبحانه ببشارة الملائكة للمؤمنين عند خروج أنفسهم وتطمينهم لهم بما يطلعونهم عليه، ويخبرونهم من رضا ربهم عنهم، وقبوله لهم على طاعة ربهم، والجنة والنعيم الدايم المقيم حيث لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

وأما ما سألت: عنه من ضرب الملائكة لوجوه الظالمين، فقلت: كيف لا نسمع ذلك من فعلهم، قال محمد بن يحيى عليه السلام: وكيف نسمع رحمك الله من حجب الله سبحانه عن الخلق الإحاطة به لو سمع ضربهم لنُظُر إليهم، وما ضربهم بأكبر من صورهم ولكن الله سبحانه حجب أعين الخلق عن درك الملائكة فلا ينظر إليهم أبدا إلا من حضرته الوفاة أو في يوم القيامة فينظرون ويعاينون.

(1/477)

وقلت: قد رأيت الفاسق يكون أسرع خروج نفس من المؤمن، قال محمد بن يحيى عليه السلام: قد يناله في سرعة خروج نفسه من التعب والألم وعنف الملائكة عليهم السلام، به ما لا يعد له من النكاية وقد يكون التعب والعنف في سرعة قبض روحه أشد في أليم العقوبة، وقد يكون المؤمن في إبطا خروج روحه على أحد معنيين كلاهما فيه راحة، وإما أن يكون في بطو موته يجد إفاقة ساعة بعد ساعة وتُسَلُّ نفسه هونا فيكون أسهل عليه من العنف بها وأيسر في خروجها، وإما أن يكون محنة من الله عزوجل ليثيبه على ذلك ويكافيه عليه، وقد يروى عن رسول الله صلى الله عليه، أنه قال: أشد الناس محنا الأفضل، فالأفضل نسأل الله حسن الإستعداد ليوم المعاد، وقد تخرج نفس المؤمن بسهولة وسرعة فيكون ذلك من الله عليه نعمة، وبه لطف ورحمة.

وسألت: عن قول الله سبحانه: ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه الفرادى فهو المنفرد الوحيد، ألا تسمع كيف يقول سبحانه: وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم، يقول: تركتم أموالكم وخدمكم وأولادكم ونعمكم التي ورثتموها وراء ظهوركم وحيتم فرادى من ذلك مؤخرين منه منفردين.

وسألت: عما ذكر أنه قيل: من إتيان الخلق عند حشرهم عراة، فليس ذلك بشيء، وليس يخرج أحد من قبره عاريا بل كلهم يخرج في كفنه ويصل به إلى موقفه، وبذلك جاء الخبر عن النبي عليه السلام، وقد اجبناك على هذه المسألة قبل هذا بشرح بين اجتزينا به عن التطويل.

(1/478)

وسألت: عن قول الله سبحانه: فمستقر ومستودع، فقلت: ما معنى ذلك، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه المستقر من الآدميين، فهو ما قر في الأرحام، ألا تسمع كيف يقول عزوجل: ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، والمستوع: فهو ما كان في الأصلاب فسبحان ذي القدرة والسلطان والرأفة والإمتنان إلى جميع من خلق من عباده المحسن إليهم والمنعم بفضله عليهم، فتبارك الله أحسن الخالقين، ذي العزة والقدرة المتين وتعالى سلطانه وجل عن كل شأن شأنه.

وسألت: عن قول الله سبحانه: وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه معناها حفظت وأتقنت فكانوا إذا سمعوا ورأوا ما يجي به رسول الله عليه السلام من آيات الله عزوجل ويصرفه من أحكامه وبيينه من حلاله وحرامه، قالوا: درست يريدون أنه محكم لما هو فيه دارس له يوهمون أنه عليه السلام يتعلم ذلك ويدرسه من أخبار الأولين، وقلت: ما الصواب في قراءة هذا الحرف والصواب فيه درست.

وسألت: عن قول الله سبحانه: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جائتهم آية ليؤمنن بها، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه: هذا إخبار من الله عزوجل عن أهل الكفر والنفاق والصد عن الحق والشقاق من أهل الكتاب وغيرهم وكانوا يحلفون بالله لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها ويصدقون لمحمد عليه السلام عند إتيانها، فقال الله سبحانه: إنما الآيات عند الله، ومعنى عند الله إنما أرادتها من الله سبحانه، ثم قال: وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون.

(1/479)

فأخبر سبحانه: بما علم من سرهم وأحاط به من غامض كفرهم، وأنهم إذا رأوا الآيات لم يؤمنوا بها ولا عند المعاينة يصدقونها ولا يرجعون بها، ولقد جاءهم من الآيات والمعجزات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ثبتت له به النبوة والتصديق وزاح به الشك عنه وسوء الظن فيه فلم ينتفعوا بذلك، ولم يؤمنوا به، بل ثبتوا على كفرهم وأصروا على معصيتهم، فأصبحوا بذلك من الخاسرين. وعند الله سبحانه من الهالكين، ولديه من المعذبين، وإنما كان هدا منهم عبثا وتمردا وعنادا وتعنتا لغير قصد لهدى ولا طلب لتقوى ولقد جاءهم من ربهم الهدى ونالهم فيه أكبر الشقا..

وسألت: عن قول الله سبحانه: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكةوكلمهم الموتا وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا تعريف من الله عزوجل لنبيه عليه السلام بكفر المشركين، وأهل الصدود من المعاندين، أخبر عزوجل بما أطلع عليه من قولهم وعلمه من سرايرهم أنهم لا يؤمنون، أبد ا، ولو نزلت عليهم الملائكة حتى يعاينوها وكلمهم الموتا وحشرنا عليهم كل شيء قبلا مجموعا مشاهدا معاينا حتى يعاينوه ويروه، ما كانوا ليؤمنوا ولا يرجعون إلى الله سبحانه ولا يهتدون للذي قد علم من تصميمهم على الكفر وبعدهم من الإيمان.

ثم قال: إلا أن يشاء الله إيمانهم قسرا ويدخلهم في الإيمان جبرا، فأما طوعا من أنفسهم واختيارا فلا يكون أبدا، والله تبارك وتعالى فلا يدخل أحد في طاعته جبرا، وإنما يأمره سبحانه به أمر ولا يحمله على معصية قسر ا، ولا يحتم بها عليه حتما ولو كان ذلك كذلك ما حمد مطيعا، ولاذم عاصيا كما لم يحمدهم في ما جبرهم عليه من صورهم والوانهم بل أمرهم تخييرا ونهاهم تحذيرا وكلفهم يسيرا وأعطاهم على القليل كثير ا.

(1/480)

وسألت: عن قول الله سبحانه: فلا تكن من الممترين، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه: لم يكن محمد عليه السلام من الممترين، ولم يخبر الله سبحانه أنه من الممترين، وإنما قال لا تكن منهم كما قال لئن أشركت ليحبطن عملك وهو فلم يشرك عليه السلام، وهذا في اللغة جايز..

ألا تسمع كيف يقول سبحانه: وذا النون إذ ذهب مغاضبا، فظن الن نقدر عليه، وهو فلم يظن ذلك بل أيقن أن الله عزوجل يقدر عليه، وقال عزوجل ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يظنوا ولكن أيقنوا و يقول القايل عسى أن تأكل وإنما يريد نأكل فأدخل عسى، فصارت شكاه وليست بشك وإنما أراد يقينا، وهذا في اللغة كثير موجود.

وسألت: عن قول الله سبحانه: فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك، فسأل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك، قال محمد بن يحيى عليه السلام: ليس رسول الله صلى الله عليه وآله في شك مما أنزل إليه بل هو على أيقن يقين، ولم يقل الله سبحانه أنه في شك، وإنما قال إن كنت في شك وليس هو عليه السلام في شك بل هو على بصيرة ثابتة، وعزيمة ماضيه بعيدة من الشك والإرتياب، وليس يظن أحد أن رسول الله صلى الله عليه كان في شك إلا أعما القلب بعيد الذهن كثير الجهل.

وهذه المخاطبة في لغة العرب تستعملها وتتكلم بها ويخاطب بعضهم بعضا، فيها وبها يقول القايل إن كنت في شك من قطع هذا السيف فيك فجرب وهو فلا يشك بل يوقن ويقول لصاحبه آتنا غداءنا عسى أن نأكل فأدخل عسى لمجاز الكلام، وإنما أراد أن نأكل، ولم يكن شاكا في ذلك بل كان قصده له قال الله سبحانه: وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن الن نقدر عليه، ولم يظن عليه السلام أن الله عزوجل لا يقدر عليه بل هو موقن بقدرة الله عزوجل، ونفاذ أمره وقد يخرج فظن على الإستفهام كما يقول القايل لم باع فلان طعامه وترك نفسه أظن أنه لا يحتاج إلى الأكل، وهو فلم يظن ذلك.

(1/481)

وهذا مما تعارفه العرب في لغتها وتجيزه في كلامها. ومعنا فسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك فإنما أراد عزوجل كتبهم المنزلة وما فيها من القصص وأخبار الأنبياء عليهم السلام، وما لقوا وما امتحنوا به من أممهم مما قص الله عزوجل عليه من أخبارهم فأقامهم مقام كتبهم لأنهم لوكانوا قصدوا بالمسألة لكانوا في موضع الصدق، ولو صدقوا ما خالفوا أمر الله عزوجل ولا نبيه عليه السلام ولكن حرفوا وكذبوا وغيروا وبدلوا، ومن كانت هذه حاله لم يكن في موضع المسألة ولكن الله عزوجل أراد ما في كتبهم من القصص والأخبار.

وقد قيل: إن الذين يمين أمر بمسألتهم هو من كان معه مسلما من مؤمني أهل الكتاب، وليس المعنى فيه إلاعلى ما شرحنا، ألا تسمع كيف يقول الله عزوجل: لتنذر أم القرى ومن حولها وأم القرى فإنما هي مكة، فأقام القرية مقام أهلها، ومثل قوله في قصة يعقوب حين يقول: واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها، والقرية فإنما هي لبن وحجارة والعير، فهي الإبل وليس هي تتكلم ولكن أقيمت مقام أهلها، ومثل قوله سبحانه: وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم.

والعجل: فلا يشرب وإنما إراد حب العجل، ومحمد عليه السلام: فأشد الخلق معرفة لله سبحانه وإعظاما لعلمه وفضله وما من الله عزوجل به عليه من تفهيمه وتعريفه فرحمة الله ورضوانه وصلواته وبركاته عليه.

وسألت: عن قول الله سبحانه: فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه: هذا أمر من الله عزوجل للمؤمنين أن يأكلوا مما ذكر اسم الله عليه ثم نهاهم عزوجل ألا يأكلوا مما لم يذكر اسم عليه، فقال: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه، وإنه لفسق، فنهاهم الله سبحانه عن أكل ذبايح الملحدين والجاحدين..

(1/482)

المشبهين: والكفرة المتمردين لأن هؤلاء كلهم غير عارف بالله عزوجل ولا مقر وإنما يعرفه من آمن به وصدق رسله ووحده وذبايحهم فميته غير ذكية لا يحل أكلها ولا يسع مسلما الانتفاع بها.

وسألت: عن قول الله سبحانه: وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتا مثل ما أوتي رسل الله، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه هذا إخبار من الله عزوجل عن الظالمين الخونة الكافرين، أنهم إذا جاءتهم آية من آيات الله سبحانه مع محمد عليه السلام تبهر العقول وتصحح النبوة قالوا: لن نومن بها حتى نؤتا مثلها كما أوتيتها فإذا أوتينا ذلك آمنا وصدقنا أنه من الله عزوجل فقال الله عزوجل الله أعلم حيث يجعل رسالاته أراد إنكم لستم في موضع الرسالة ولا منزلة الطهارة، ولا بأهل ثقة، ولا أمانة فاختار سبحانه لرسالته، وما أنزل من حجته محمداً عليه السلام لأمانته وفضله ومعرفته بالله عزوجل وقدره عنده، وقد يروى أن الذي قال هذه المقالة الوليد بن المغيرة المخزومي وأبو مسعود الثقفي.

وسألت: عن قول الله سبحانه: يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آيأتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا، قالوا: شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين، فقلت: ما معناها، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه، هذا قول من الله سبحانه لهم في الآخرة عند مصيرهم إلى النار، يقول: ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم أياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا، وما صرتم إليه من العذاب فيشهدون على أنفسهم بالكفر، والتقصير حين يقولون شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين بما أنزل الله إليهم مخالفين لما أمروا به من طاعة ربهم.

(1/483)

وقلت: هل كان إلى الجن رسول أفلا تسمع كيف يقول الله سبحانه في كتابه، وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يسمعون القرآن، فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي، ولَّو إلى قومهم منذرين، فكان رجوعهم إلى قومهم وإنذارهم لهم إقامة حجة عليهم، ومحمد عليه السلام فكان الحجة على الثقلين. وقد تقدم تفسير ذلك، وفي هذه الآية لك شفا وكفاية، والقرآن فيفسر بعضه بعضا ويشهد بعضه لبعض هدى للناس، ومذهبا للشك والإلتباس..

وسألت: عن قول الله سبحانه: ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه: كذلك الله عزوجل لم يظلم خلقه ولم يتعد على أحد من بريته، ولم يكن ليهلك القرى بظلم لأنه تبارك وتعالى عدل في حكمه رؤف بعباده، فأخبر سبحانه أنه لا يهلكهم وهم غافلون، لأن الإهلاك لهم على غفلة من غير دعوة ظلم، والله عزوجل بري من ذلك متعال عنه لا يعذب إلا من بعد الإعذار والإنذار.

فإذا أرسل الله سبحانه إلى أهل القرى المرسلين، فدعوهم إلى الطاعة وأمروهم بأمره ونهوهم عن نهيه وأقاموا عليهم الحجة، وأوقفوهم على المحجة زاح عنهم بذلك الجهل، والعما وتمت عليهم من الله سبحانه النعما وعرفوا ما أنكروا وأوقفوا على ما إليه دعوا، وبه أمروا وإن أبوا واستعصموا وصدوا عن الحق وأدبروا قامت الحجة عليهم، ولم يكونوا حينئذ بغافلين عما دعوا إليه إذ قد أوقفوا عليه فحق عليهم العذاب، عند قيام الحجة، كما قال سبحانه: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا، يقول: ما كان عزوجل ليأخذ قوما على ظلم حتى يبينه ويدعوهم إلى تركه، ثم يأخذهم عند كراهتهم لأمره وبعدهم عنه وثباتهم على ضده، فعند ذلك يستوجبون من الله عزوجل البلا.

(1/484)

وسألت: عن قول الله سبحانه: وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه معنى أنشأ فهو خلق وجعل هذه الجنات التي ذكرهن سبحانه فالمعروش منها ما كان مثل العنب يعرش تحته، ويرفع فقال سبحانه: إن مما خلقنا من هذه الجنان ما هو معروش، فدل عليه بعينه والعنب فلا ينتصب باسقا في السماء، وإنما يذهب على الأرض منبسطا فلما أن كان كذلك لم يكن له بد من العرش والرفع من الأرض وإلا فسد حمله وتغير أكله.

وغير معروشات: فهو ما كان من الأشجار، مثل النخل، والرمان، وما أشبه ذلك مما ينتصب ولا يعرش تحته كل ذلك خلق الله سبحانه وأقامه حجة، منه على عباده ونعمة وتفضل على بريته وإنعام عليهم ليشكروه ويذكروا آلاءه، ويحمدوه وقليل من عباده سبحانه كما قال الشكور.

وسألت: عن قول الله سبحانه: وآتوا حقه يوم حصاده، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه: حقه، فهو زكاته وما جعل الله سبحانه فيه لضعفة عباده، وقلت: هل تجب الزكاة في قليله وكثيره، واعلم حاطك الله أن الزكاة قد جعل الله سبحانه لها جدا، فإذا بلغ شيء مما تخرجه الأرض ذلك الحد، فقد وجبت فيه الزكاة وإذا نقص عنه فلا زكاة فيه وتفسير ذلك غير مجهول عندكم، ولا مستتر عنكم بل قد وصل بكم من قِبَلنا شرحه وتبيينه.

وقلت: أرأيت ما أكل منه وانتفع به من قبل حصاده، هل تجب فيه الزكاة وكل ما قطع أو أكل و انتفع به وأكثر الأخذ منه ففيه الزكاة، إذا كانت الزكاة واجبة في أصله، وما كان مما يأكل الداخل للضيعة والطايف فيها فقد رخص في ذلك والحيطة في الدين أصلح، واحتجوا في ترخيصهم بقول الله سبحانه: كلو من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده، فجعلوا ذلك لهم حجة فصاروا يحملونه ويقطعونه ويأكلونه من قبل حصاده حتى يذهبوا منه فأكثر من ربعة وثلثه ثم يزعمون ألا زكاة فيه، ويقولون إنما تجب عليك الزكاة فيه عند حصاده، وهذا قول فاسد مدخول.

(1/485)

وقد يخرج في تفسير الآية: كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده، أن يأكلوا الثمر ويؤدوا الحق الذي فيه فكان ذلك منه عزوجل رحمة لهم وإنظارا بما يجب عليهم فيه، ولو حظره عزوجل عليهم حتى يحصدوه لأضر ذلك بهم، ولأتعبهم ولكن أطلق لهم سبحانه أكله وأمرهم بتأدية ما تحب في أوله وآخره عند كماله.

وقلت: إن الهادي إلى الحق عليه السلام كان يوجب الزكاة في ما أخذ منه قبل الحصاد، فعلى ما ذكرت لك كان يوجب الزكاة لأنهم كانوا يأخذون عامة الثمار ويتصرفون في ذلك غاية التصرف، وكذلك كان جدي القاسم عليه السلام أيضا لم يجز لهم أن يسرفوا والقول مؤتلف.

فأما ما ذكرت أن الهادي عليه السلام جعل في ما تبلغ قيمته من الفواكه مائتي درهم العشر كاملا على قدر شرب الماء، فكذلك فعل رحمة الله عليه في كل ما كان يحمل في الحول مرة واحدة أو مرارا وكان يقول عليه السلام في ذلك إذا بلغت قيمة الخضر والفواكه مائتي درهم في السنة أخذ في ما سقي بالدلا نصف العشر وما سقي سيحا أو بماء السماء أخذ منه العشر كاملا.

وقلت: إني جعلت في ورق التوت زكاة قبل يحول الحول عليه، وحال الورق كحال القضب والفواكه وحال ما يأتي في السنة مرارا مثل القطن وغيره، فإن كان هذا الورق يأتي في السنة مرة واحدة قوم عند حضوره وإن كان يأتي في السنة مرارا أخذ منه بحساب ذلك إذا كان يوفى في السنة مائتي درهم وكان من الأموال المستغلة، وذكرت القز وما أوجب فيه القاسم والهادي عليهما السلام، وما هو إلا مال من الأموال.

وسألت: عن قول الله سبحانه: وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هو ما كان له ظفر يعرف به ويقع عليه إسم الظفر فهو عليهم محرم ولكن أباحوه وأكلوه وتعدوا فيه.

(1/486)

46 / 47
ع
En
A+
A-