وسألت: عن قول الله سبحانه: ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى لا تطرد فهو لا تبعد ولا تقصي فكان ذلك من الله عزوجل تفهيما لنبيه عليه السلام وأمرا بحفظهم وردا على من سأل طردهم ومحمد عليه السلام فلم يطرد أحد ا، وإنما قالت له قريش: لما دعاهم إلى الله سبحانه، فقالوا: كيف نؤمن يا محمد وقد سبقنا من ليس له قدر فينا ولا رياسة من أوساط الناس واتباعنا فاطرهم فإن طردتهم آمنا بك، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية، تقريعا لهم وردا عليهم وأمرا بخلاف قولهم، وشهد الله سبحانه لمن اتبع رسوله بالدين وإخلاص النيات، فقال: يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، فأخبر أنهم يقصدونه، ويطلبون ما عنده فكان هذا مدحا لهم وثناء عليهم، وذما لغيرهم.

ثم أخبر نبيه عليه السلام أنه إن فعل ذلك كان من الظالمين، وهو عليه السلام فلم يكن ليفعل ذلك بالمؤمنين بل كان شفيقا عليهم عارفا بحقوقهم وكانت مسئلتهم هذه لمحمد صلى الله عليه وآله كمسألة أصحاب نوح عليه السلام، حين سألوه طرد من كان معه من المؤمنين حسدا لهم لما سبقوهم إلى الإيمان بالله عزوجل فقالوا: أنؤمن لك واتبعك الأرذلون..

والأرذلون: في اللغة فهم الذين لا خطر لهم ولا قيمة ولا رياسة سقاط الناس ومن لا ينظر إليه، منهم فسموهم بهذا الاسم احتقارا لهم واستخفافا بهم وكانوا عند الله سبحانه أفضل منهم وأعلا درجه وأعظم مرتبه فكان قول نوح عليه السلام وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملا قواربهم ولكني أراكم قوما تجهلون، ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون، فسألوا محمدا صلى الله عليه وآله ما سأل إخوانهم المبطلون في سالف الدهر نوحا وغيره، من الأنبياء عليهم السلام، وكذلك أهل الباطل أفعالهم متقاربة وأمورهم متشابهة.

(1/463)

ألا تسمع كيف يقول الله سبحانه: تشابهت قلوبهم. يعني الأولين والآخرين، فيما يسألون الأنبياء ويتقحمون به من جميع الأشياء فنعوذ بالله من الحيرة والعما والضلالة بعد الهدى.

وسألت: عن قول الله سبحانه: وكذلك فثنا بعضهم ببعض، فقلت: ما معنى ذلك، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه الفتنة هي المحنة والفتنة تكون من العذاب، وهذه لغة في اليمن إذا غاظ إنسان إنسانا، قال: فتنتني قال الله سبحانه: آلم ) أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، يقول: يمتحنون وقد امتحن الله سبحانه المؤمنين بجهاد الظالمين، وفتن الظالمين بمحاربة المحقين وعذبهم على ذلك وأوجب عليهم النكال فيه، وبه ومعنى فتنهم فهو عذبهم لأن الفتنة قد تكون من العذاب، قال الله سبحانه: إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات، فقال: فتنوا يريد عذبوا وقد فسرنا لك في مسائلك الأولى الفتنة على كم من الوجوه.

وأما ما سألت عنه من القراءة في قوله سبحانه: ولتستبين سبيل المجرمين، فقلت: كيف تقرأ وقد مضا إليك المصحف الذي فيه القراءة الصحيحة فاعتمد عليه وخذيه وقد استغنينا عن جوابك فيما سألت عنه من القراءة بما صار إليك وفيه الكفاية والجزا..

(1/464)

وسألت: عن قول الله سبحانه: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه الغيب فهو ما استتر واستجن وغبي فلم يعلم، وذلك لا يعلمه إلا الله عزوجل المطلع على السراير العالم بالضماير، فلا يعلم الغيب من الأ شيئا، إلا هو ولا يعرف منه إلا ما دل عليه وفتحه وبينه لعباده وأخبربه ومفتاح الشيء، فهو علمه لأنه لا يوصل إلى ما كان منغلقا إلا بمفتاحه، وإنما هذا مثل ضربه الله عزوجل لخلقه وبينه لعباده بأنهم يعلمون الأغلاق، لا يفتحه إلا المفاتيح فلما أن كان الغيب منغلقا عن الخلق والله سبحانه هو العالم، قال: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، إذ هو العالم بالمحجوبات المطلع على السراير المستورات، ثم قال: وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين.

يريد عزوجل أنه العالم به المطلع عليه، فإنما أخبر سبحانه بعلمه وإحاطته بجميع الأشياء، فقال: وما تسقط من ورقة إلا يعلمها عند سقوطها ولا تغباا عنه عند انحتاتها فكذلك الحبة في ظلمات الأرض فهو مطلع على مكانها عالم بقرارها ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين.

والكتاب: فهو العلم فسبحان من لا يستتر عنه علم محجوب ولا يسقط عليه دقيق من الأمور، ولا جليل في الأرض، ولا في السماء وهو السميع المبين.

(1/465)

وسألت: عن قول الله سبحانه: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضون في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين، قال محمد بن يحيى عليه السلام: الذين يخوضون في آياته عزوجل فهم أهل الشرك وخوضهم فيها فهو تكذيبهم بها، وطعنهم عليها واستهزاؤهم فيها وبها فأمره الله عزوجل ألا يقعد معهم، وهذه المخاطبة فلنبيه عليه السلام وللمؤمنين عامة دلهم الله سبحانه على أفضل الأعمال وأدبهم بأحسن الأدب ونهاهم عن القعود مع الخايضين.

ثم قال عزوجل: وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين، فنهاه عزوجل ألا يقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين، ولم يكن عليه السلام يغشى حِلقهم ولا مجالسهم، وإنما كانوا يغشونه ويقعدون عنده، فإذا وعظهم وتلا عليهم ما أنزل الله سبحانه إليه خاضوا في ما لا يجوز من الأقوال وتكلموا بالباطل والمحال، فأمره الله سبحانه عند ذلك بالقيام عنهم والمجانبة لهم من بعد ما كان من إقامته عليهم للحجة.

وسألت: عن قول الله سبحانه: وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله من ولي ولا شفيع، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا غاية الوعيد من الله عزوجل لمن اتخذ دينه لعبا ولهوا، كما قال الله سبحانه: فمهل الكافرين أمهلهم رويد ا، فكان هذا وعيدا لهم وتعريفا بجهلهم ثم قال عزوجل وغرتهم الحياة الدنيا والحياة: فهي هذه المهلة التي جعلها الله سبحانه لكل نفس متحركة فاغتروا بالدنيا ومالوا إلى الهوا واتبعوا الجهل والردا وآثروا العاجلة على ما جعل الله عزوجل لهم في الآخرة من العطا والفوز والجزا.

(1/466)

وقوله: وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت، يقول: إعذر وأنذر من قبل أن تبسل نفس والابسال: فهي كلمة عربية يقول القايل لمن خالف أمره ولم يقبل نصيحته إذا وقع في البلاء بسلا بسلا، وهي من طريق التبكيت والتقريع والخذلان والافراد يقول: أبسلوا أي أفردوا.

وسألت: عن قول الله سبحانه: كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا مثل ضربه الله عزوجل لكل من عند عن الحق وتركه من بعد الدعا إليه والتبيين له فكان حاله في جهله وعماه عن الحق بعد إذ عاينه ورآه كحال المستهوا في الأرض، والمستهوا فهو المتحير الضال في الأرض الذاهب عن القصد المايل عن الصدق التارك للحق من بعد أن شرع له الدين، وأبانه الله عزوجل لجميع العالمين. والشيطان: فقد يكون من الجن والإنس وهم المغوون المفسدون المجترؤن.

وسألت: عن قول الله سبحانه: قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى هو القادر فهو الله سبحانه القادر على خلقه الذي لا يعجزه ما طلب ولا ينجوا منه من هرب، ثم قال سبحانه على أن يبعث عليكم عذابا فأخبرهم سبحانه إن شاء أنزل عليهم عذاباً من فوقهم وهو مثل ما يكون من القذف بالحجارة والصواعق وما ينزل الله عزوجل من النقم بأعدائه المعرضين عن طاعته أو من تحت أرجلهم فهو مثل الخسف وما ينزل من متالف الأرض بهم وذهاب معايشهم ونقص ثمارهم، وهو سبحانه قادر على ذلك إذا أراد كونه لا معقب لحكمه ولا راد لأمره ومعنى: أو يلبسهم شيعا: فهو يذلهم ويخرجهم ويفرقهم حتى يصبحوا بعد العز أذلة، وبعد الجماعة شيعا يتفرقون في الأرض.

(1/467)

ألا تسمع كيف يقول سبحانه: إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، يقول: من بعد الاجتماع على الدّين تفرقوا عن ذلك ومضوا في سبيل غيره، فمال كل قوم في هوا والتفرقة لهم والتبديد شيعا فهو من أشد الذل، والهوان والقلة والصغار، ونذيق بعضكم بأس بعض فهو بالخذلان، لهم والترك من التوفيق حتى تقع بينهم الشحناء، والبأس والبلاء فيقتل بعضهم بعضا، ويقع عند ذلك العداوة والبغضاء فيكون اجتماعهم على الباطل سببا لإهلاكهم وطريقا إلى تبديدهم ونكاية من الله عزوجل لهم وإزالة لنعمهم وإذهابا لعزهم.

وسألت: عن قول إبراهيم لأبيه آزر، فقلت: ما معنى هذا الاسم، وقد يقال: إن اسم أبيه كان آزر، فدعاه باسمه وليس هذا مما تعبدك الله سبحانه به ولا أوجب عليك معرفته، ويقال: إن آزر هو الصنم الذي كانوا يعبدونه..

وسألت: عن قول الله سبحانه: وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه الملكوت، فهو ما خلق الله عزوجل من السموات والأرض ومن فيهن وما أظهر في ذلك من قدرته وملكه سبحانه لجميع خلقه لا يمتنع عليه شيء من مفطوراتها ولا يحتجب عنه شيء من محجوبات سرايرها فأرى إبراهيم عليه السلام قدرته وسلطانه كما قال ليكون من الموقنين.

ومعنى: آراه فهو عرفه وهداه، وكان تكرمة له وتبيينا وتعريفا مثل ما كان آراه من الطير الذي أمره بأصرها عند مسألته لله عزوجل أن يريه كيف يحيي الموتى، وغير ذلك مما اطلعه عليه سبحانه فآراه سبحانه من قدرته التي قامت بها الدنيا وما فيها من جميع الأشياء ما بهره، وزاد في نيته وعظم به شكره وعلم بذلك منزلته عند الله سبحانه وكرامته، وقد كان بالله عارفا وله مجلا ولأ مره مقدما.

(1/468)

ألا تسمع كيف يقول تبارك وتعالى: فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء، فأخبر أن ملكوت كل شيء في يده وملكه سبحانه وتعالى عما يقول به المبطلون، وأهل الزيغ الظلمة الملحدون الكفرة الجايرون عز ربنا سبحانه وتعالى عما يقولون.

وسألت: عن قول الله سبحانه: فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين، قال محمد بن يحيى عليه السلام: سألت أبي الهادي إلى الحق عليه السلام عن هذه الآية، فقال: معنى جن عليه الليل فهو غشية وأجنه وركبه وأظله ومعنى هذا ربي توبيخ وتقريع لعبدة النجوم على غلطهم وكفرهم في عبادتهم ما لا يضرهم ولا ينفعهم، فقال: هذا ربي يريد أهذا ربي يجب الذي تزعمون أنه لي ولكم رب وتدعونني إلى عبادته من دون إلهي وخالقي، وهو زايل آفل ذاهب غافل هذا لا يكون لي ربا ولا يجوز أن يدعا خالقا، وكذلك قوله في الشمس والقمر على هذا المعنى الذي قاله في النجم يريد بذلك كله التوقيف لهم على خطأ أفعالهم والشرك بربهم.

ألا ترى كيف قد تبرأ من أعمالهم في عبادة النجوم والشمس والقمر حين يقول: إني برئ مما تشركون، من بعد التقريع لهم والتوقيف..

(1/469)

وسألت: عن قول الله سبحانه: فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون، قال محمد بن يحيى رضي الله عنه الفريقان فهما فريق الحق وفريق الباطل، ألا تسمع كيف يقول عزوجل في أول المخاطبة وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله مالم ينزل به عليكم سلطانا يقول عليه السلام: إن الذي معكم وما تعبدون من هذه النجوم والشمس والقمر والأصنام أشياء لم ينزل الله بها سلطانا، يعني حكماً ولا أمرا ولا وحيا، وإنما ذلك ابتداع منكم وعمىً وكفر واتباع هواء فكان عليه السلام على بينة وبرهان من الله عزوجل والفريق الذي أحق بالأمن فهو إبراهيم عليه السلام ومن تبعه الماضون على بصيرة المتبعون لحكم الله عزوجل الصادون عن الهواء التاركون لما ضل فيه أهل الجهل والفتنة الأشقياء فكان عليه السلام أحق بالسلامة وأولى بالجنة والكرامة إذ هو على المحجة ومن أمره على بصيرة وبينة فكان حقيقا من الله عزوجل بالثواب، وحسن المويل والمآب.

ثم قال سبحانه: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، فدل على الفريق بعينه ونسبه بمذهبه ونعته، فقال: ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، يقول: لم يدخلوا فيه فسادا ولم يلبسوا فيه ظلما، ولا بعد اليقين والمعرفة شكا فكانت هذه حجة على المشركين لإبراهيم الخليل عليه السلام أتاه الله سبحانه إياها وفهمه الاحتجاج بها عليه السلام ولقد آتاه الله عزوجل من الحجج على قومه ما فلجهم بها وقطع حججهم عندها مثل ما رأوا من الآيات والعلامات ومثل مخاطبته للكافر الجاحد المتمرد المعاند، حين قال: إن الله يأتي بالشمس من المشرق فات بها من المغرب فبهت الذي كفر.

(1/470)

وسألت: عن قول الله سبحانه: ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين ) وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين ) وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين، فقلت: أمن ذرية إبراهيم هؤلاء أم ذرية نوح?، قال محمد بن يحيى عليه السلام: قوله، ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون، فإخبار منه عزوجل بأنهم لو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ولم يكونوا ليشركوا عليهم السلام وإنما قال لو ولم يقل فعلوا فأخبر سبحانه عن فعله فيهم على محلهم عنده وكرامته لهم أنهم لو زالوا عن الحق ما قبل منهم ولأحبط أعمالهم، فإذا كان ذلك حكمه سبحانه فيهم لو كان منهم ما ذكر عزوجل ولن يكون فكيف بغيرهم إذا ظلم وتعدا وتقحم في المهالك والردا وصد عن طريق الحق والهدى.

وفي هذا إبطال لقول المزخرفين لأنفسهم الأباطيل الذين مالت بهم الدنيا واتبعوا الغى والهواء ثم يزعمون بجهلهم ورداوة تمييزهم أنهم ممن يغفر له خطيته ويتجاوز عن سيئته بغير توبة ولا رجعة ولا خروج عن معصية، ثم قالوا بجهلهم وقلة بصايرهم أنه لا يدخل النار من أمة محمد عليه السلام أحد وإن ظلم وقعدا وأفسدو عصا كأن لم يسمعوا ما ذكر الله عزوجل في أول القصص إذ ذكر الأنبياء عليهم السلام حين يقول سبحانه: ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون، فإذا كانت الأنبياء في قدرها وعظيم محلها لو كان منهم بعض ما قد كان من هؤلاء الظلمة وحاش لأنبياء الله سبحانه من الدخول في معصيته أو مخالفة شيء من أمره لحبطت أعمالهم، فكيف بغيرهم من أهل الجهل والعما التابعين للغي والردا إذ هذا هو العدل من الله عزوجل في خلقه وعين الإنصاف لبريته إذ الحق كلا بذنبه وجازاه على فعله وأخذه بعمله.

(1/471)

ألا تسمع كيف يقول عزوجل: ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا، يقول: يكافأ عليه ويعاقب فيه فكان هذا إكذابا لقولهم وإبطالا لمحال ظنهم فأوضح سبحانه لهم الحق الذي لا شك يدخله ولا فساد يلحقه أنه يجزي كلا بعمله ويكافيه على فعله ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، فسبحان العدل في حكمه المنصف لخلقه البري من ظلم عباده.

وسألت: عن قول الله سبحانه: فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين، فقلت: من هم، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هم قريش ومن تبعهم من أهل الكتاب، يقول: إن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين..

يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وآله، فأخبر أنهم غير كافرين بها ولا تاركين لما أمر الله عزوجل به من فرضها، كما كفر أهل الكتاب وتركوا ما عرفوه من الحق، ومن هذه الشريعة النيرة الواضحة لمن عقل وأنصف، ثم قال: أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده فرجع الخبر إلى إبراهيم عليه السلام، ومن ذكر الله سبحانه من الأنبياء عليهم السلام فأمره أن يقتدي بفعلهم ويتبع سبيلهم ويصبر كصبرهم إذ هو عليه السلام كأحدهم فكان عليه السلام صابرا يحتسبا حريصا على أمته شفيقا وعلى جميع أهل طاعته مقيما لحجج ربه ناصحا لله سبحانه بجهده حتى قبضه الله سبحانه حميدا مفقودا فعليه أفضل الصلاة والترحيم، من ربنا الواحد الكريم: وقد يخرج تفسير الآية وشرحها أن الموكلين نهاهم الأئمة القايمون على الأمة المعروفة طاعتهم المحكوم من الله عزوجل بولايتهم.

(1/472)

وسألت: عن قول الله سبحانه: وما قدروا الله حق قدره، قال محمد بن يحيى عليه السلام: يقول سبحانه: ما قدروا الله حق الحقيقة التي تجب عليهم، ثم قال: إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء، وهذا قول من كفرة أهل الكتاب، وقد قيل: إنه مالك بن الصيف آخر الأحبار قالها جحدانا لمحمد صلى الله عليه وتعلقا بكفره وصدودا عن الحق الذي بان له، ثم قال عزوجل: قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس يقول سبحانه: فمن أنزل كتاب موسى إذ كان الله عزوجل لم ينزل على بشر حبار وموسى عليه السلام من البشر، فقد جحدتم بقولكم هذا كتاب موسى عليه السلام، وأكذبتموه، ثم قال سبحانه: تجعلو به قراطيس تبدونها وتخفون كثير ا، يقول: تجعلون الكتاب الذي أنزل سبحانه، والوحي المحكم كحال القراطيس عندكم التي تكتبون فيها فتخفونها مرة وتظهرونها أخرى وتغيرون فيها وتبدلون وتزيدون وتنقصون فجعلتم كتب الله عزوجل في النقصان والزيادة والتبديل كنقصانكم في كتبكم وزيادتكم وتخفون ما كرهتم وتطهرون ما أحببتم، فذمهم الله في فعلهم ووقفهم على عظم جرمهم.

ثم أخبرهم عزوجل بما علمهم من الحق وهداهم إليه، وما كانوا ليعلموا هم، ولا آباؤهم، إلا بفضل الله عزوجل وإحسانه إليهم فكفروا بنعمه وخالفو حكمه فأمر الله سبحانه نبيه عليه السلام عند ذلك أن يقول لهم: قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون، أراد عزوجل بقوله: قل الله أي هو الذي أنزل الكتب التي جاءت بها الرسل ثم أمره من بعد إقامة الحجة عليهم أن يذرهم في خوضهم يعلبون.

(1/473)

واللعب: فهو اللهو والعبث والسهو، والاشتغال بالباطل والمحال، وقد قيل: إن معنى قوله عزوجل: تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا يقول: تطهرون من الصحف التي كتبتموها ما ليس فيه صفة رسول الله عليه السلام ووقت مبعثه وصحة نبوته وتخفون ما كان له فيه صفة ولنبوته علامة والقول الأول أشبه بالحق، والله المعين والموفق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وسألت: عن قول الله سبحانه: ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أوقال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء، فقلت: في من نزلت هذه الآية قال محمد بن يحيى قد قيل إنها نزلت في مسيلمة وهي عامة لكل من ادعا وحي آ ولم ينزله الله عزوجل إليه من الأولين والآخرين ومسيلمة فإنما كان على عهد أبي بكر وقد كان من الأولين المردة الكافرين ممن يدعي النبوة في الإسلام، فقد ادعا النبوة مسيلمة والأسود الكذاب والزنديق ابن فضل الذي هو الآن باقي لا يوجد على قتاله أنصار ولاعلى جهاده أعوان فإنا لله وإنا إليه راجعون مصيبة عظمت ورزية في الإسلام جلت، فهذه الآية عامة لكل من ادعا الوحي ممن قد سلف من الأولين ومن تبعهم من الآخرين.

وقوله: ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله فإنما هذا نسق يقول من أظلم ممن افترى على الله الكذب، أو قال أوحي إلى ولم يوح إليه شيء، ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله فهو ظالم كافر محكوم عليه من الله عزوجل بالقتل والقتال، والذل والهوان، فأما ما قيل به في عبد الله بن سعيد بن أبي سرح فإنما ذلك كذب منه على رسول الله صلى الله عليه، وقد قيل: إنه قال سأنزل مثل ما أنزل الله، فأما ما ذكر من أملا النبي صلى الله عليه الله غفور رحيم، فقال: سميع عليم.

(1/474)

ومثل ذلك وأشباهه، وقوله: أحسن الخالقين، فقال له النبي صلى الله عليه أكتبها فهكذا نزلت فهذا كذب منه على رسول الله صلى الله عليه وآله لا يحل لمسلم القول به ولا يسمع الكلام فيه قد برأ الله محمداً من أن يحَّرف حرفا واحدا مما أنزل الله سبحانه عليه أو يبدله.

ألا تسمع كيف يقول حتى برأه من ذلك أن أتبع إلا ما يوحى إلي، وقوله: وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال: الذين لا يرجون لقاءنا أيت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي أن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم فقال إن أتبع إلا ما يوحي إلي ولم يكن عليه السلام، ولم يكن عليه السلام، ليحرف كتاب الله سبحانه ولا يزيد فيه ولا ينقص منه وإنما كان يتبع ما نزل إليه سوا سوا، ولو كان يبدل موضع غفور رحيم، سميع عليم، لكان قد بدل لهم كما سألوه ولم ينف الله سبحانه ذلك عنه، ولم يكن عليه السلام بمتكلف ولا مفتر وإنما كان يتبع الوحي من الله عزوجل فيتلوه كما أنزل عليه سوا سوا لازيادة فيه ولا نقصان وإنما يقول بما ذكرت عن عبدالله بن أبي سرح الذين لا يؤمنون.

وقلت: لأي معنى لم تدخل الأحاديث في أقوالنا ويمنعنا أن ندخل من الحديث ما كان باطلا عندنا لأنا رأينا في كثير من الأحاديث مخالفة لكتاب الله عزوجل ومضادة له فلم نلتفت إليها، ولم نحتج بما كان كذلك منها، وكل ما وافق الكتاب وشهد له بالصواب، وصح عندنا أخذنا به وما كان أيضا من الحديث مما رواه أسلافنا عن أب فأب عن علي بن أبي طالب عن النبي عليه السلام فنحن نحتج به ومما كان مما رواه الثقات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه قبلناه وأخذنا به ونفذناه وما كان خلاف ذلك لم نره صوابا، ولم نقل به.

(1/475)

45 / 47
ع
En
A+
A-