وقلت: هل يعطى الرجل قريبه إذا كان فقيرا من كفارته شيئا، واعلم حاطك الله أنه إن كان ممن يجب عليه النفقة فلا يحل أن يعطيه من كفارته شيئا وإن كان ممن لا يجب عليه نفقته فهو من المساكين والفقراء غير أنا لا نحب أن يعطا المساكين أكثر من شبعة يومه ذلك ويعطا الفقراء معه ولا يخص بالكفارة واحداً ولا إثنين، فيعطيهم إياها كلها ولا بدأن يعطي عشرة مساكين كما أمر الله عزوجل.

وسألت: عن رجل استحلف بطلاق فحلف بطلاق وسما اسم إمرأته وهو يعني إمرأة أخرى، وافق اسمها اسم إمرأته ولم ينو لمرأته طلاقا، فقلت: هل يحنث? قال محمد بن يحيى عليه السلام: إذا نوى غير إمرأته وسما باسم مشابه لاسمها ولم يعتقدها في قلبه فلا حنث عليه وإنما يقع الحنث بالاعتقاد والقصد لأن تطليقه إمرأة ليست له بزوجة عبث وكذب منه للذي حلف له.

وسألت: عن رجل له إمرأتان باسم واحد، فقال: فلانه طالق وأشهد الشهود على لفظه ولم يدروا أيهما عنا، ولم ينسبهما إلى أبيهما فتعرف، قال محمد بن يحيى عليه السلام: يسأل أيهما أعقد عليها قلبه ونيته فالتطليقة لازمة لها وهو أولى بها في عدتها فتكون معه بثنتين، ثم قلت: أرأيت إن مات عند لفظه بطلاقها ولم يسأل أيهما أراد ووقعت الشبهة واللبسة فهذه يرحمك الله شبهة قد وقعت إذ الاسمان مستويان ولم يسأل الزوج أيهما نوى فكلاهما تقول لصاحبتها أنت المطلقة وليس معها على ذلك بينة يصح المقصود بها منهما.

(1/438)

فالجواب: فيه عندي أنه يلزمهما تطليقة تطليقة وترثانه إذهما في العدة التي جعل الله على المتوفا عنها زوجها وكل مطلقة طلقت أو مات عنها زوجها وهي في عدتها، أو ماتت فهي ترثه ويرثها إلا أن تكون التطليقة الثالثة التي لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فلا ترثه إن مات ولا يرثها وقياس ذلك رجل له ثلاث نسوة، ثم حلف بطلاق مرة من نسائه فحنث ولم يدر أيتهن عنا ولم يعتقد منهن واحدة بعينها فالطلاق لازم لهن كلهن وله عليهن الرجعة في عدتهن.

وسألت: عن قول الله سبحانه: يآ أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى ليبلونكم هو ليمتحننكم بالصيد الذي تناله أيديكم ورماحكم أراد بذلك عزوجل الإختبار لهم والإمتحان بالطاعة لينظر كيف صبرهم وقد كان عزوجل عالما بهم ولكن امتحنهم بذلك ليكافي المطيع على فعله ويعاقب المسيء على علمه فكان الصيد في إحرامهم كثيرا لا يذعر منهم كما كان يذعر حتى لو شاء أحدهم أن يضربه بالسيف لضربه أو يطعنه بالرمحة لطعنه فكان ذلك من الله سبحانه اختبارا لهم كما اختبر أصحاب الحيتان فكانت الحيتان في يوم سبتهم تأتيهم شرعا حتى لو شاؤا لأخذوها بأيديهم وإذا كان ساير الأيام لم يقدروا عليها إلا بالشبك والحيل والطلب.

وقلت: فإن قتل رجل صيدا متعمدا ثم قتل صيدا ثانيا هل يجب عليه كفارة أو كفارتان والذي يجب عليه في كل ما قتل وهو محرم كفارة كفاره، ولو قتل خمس بقرات من الوحش لوجب عليه خمس بقرات من الأوانس، فإن لم يجد فقيمتهن في ذلك البلد الذي قتل فيه. فإن لم يجد القيمة وجب عليه عدل ذلك صياما وهو ثلثمائة وخمسون يوما عن كل بقرة سبعون يوما.

(1/439)

وقلت: لم قال الله سبحانه: يحكم به ذوا عدل منكم ولم يقل يحكم به ذو عدل وذوا العدل فهو واحد وذو عدل فهما اثنان فأراد الله سبحانه أن يحكم في هذه القيمة ذوا عدل لأن الاثنين أوثق من الواحد وأجدر أن يصح القيمة بالتراجع بينهما والنظر فيها منهما ولم يجز سبحانه شيئاً من الأحكام إلا بشاهدين.

وسألت: عن قول الله سبحانه: أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم، فقلت: لم يذكر الله سبحانه الخمس في الكتاب في صيد البر والبحر.

وسألت: من أين أوجبناه نحن وليس له في كتاب الله ذكر، قال محمد بن يحيى عليه السلام: إعلم هداك الله وأعانك أنما ذكرنا من الخمس في البحر والبر وأوجبناه معنا فيه آية من كتاب الله عزوجل والذين لم يوجبوه وأنكروه فإنما استحلوا ورخصوا فيه لأنفسهم وجرت بهم سوء العادة عليه وعدموا المودب والمنبه فصار عندهم حكما واجبا باستحسان أنفسهم وقلة المنكر عليهم، وليس ما فعله العباد بجهل أو تجاوز وترخيص تبع فيه الأول الثاني وتبع الثاني الثالث بحكم الله إذ رضوا به وأجمعوا عليه لأن إجماعهم على غير الحق غير موجب لهم صدقا ولا مثبت من الله إتباعا فلا تنظر إلى الإجماع على ما لا يشهد له به كتاب ولا سنة.

وإنا وجدنا الله سبحانه يقول في كتابه: وأعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه، فقال: من شيء ولم يقل شيئا واحدا فكل ما وقع عليه اسم الغنيمة فقد أوجب فيه الخمس وإن كنت تقول حتى نجده لك مسما في كتاب الله خمس البحر، فقلت تجده كذلك ولكن قوله سبحانه ما غنمتم من شيء يوجب في البر والبحر الخمس و إلا كان قال لك مناظرا وجدنا للمعادن في كتاب الله تسمية في الخمس أو في الركائز فلن تجد ذلك أبد ا.

(1/440)

وإذا لم تجده وجب عليك أن تطرح الخمس من المعادن والركاز، وكذلك اللؤلؤ والجواهر الذي تخرج من البحر ليس فيه أيضا خمس وإذا قال بذلك قايل فقد رد حكمه وضاد أمره وعاند نبيه وخالف فرضه، وإن أوجب الخمس فقد أصاب الحق وإذا أوجبه في هذه الأشياء التي ليس لها في كتاب الله ذكر، وكذلك أيضا لا يجب في الاشياء الأخر سوا سوا.

وقد احتججنا في هذا بحجج قد صارت إليك، ووصلت بك، والقاسم صلوات الله عليه فإنما أراد بقوله يحول الحول عليه ثم تكون فيه الزكاة إن كل ما كان من الغنايم فإنما أراد يجب فيه الخمس عند أخذه ثم ليس فيه شيء على مالكه غير ذلك، حتى يحول عليه الحول فإذا حال عليه الحول، وجبت عليه فيه الزكاة إذا كان قيمته مائتي درهم أو عشرون مثقالا لأن بعض الناس يوجب فيه من بعد الخمس العشر، ولسنا نرى ذلك حتى يحول عليه الحول، ثم فيه ربع عشره، وعلى ذلك يجرى حسابه في العشرين مثقالا نصف مثقال، وفي المائتي درهم خمسة دراهم، ولا اختلاف عندنا أن القاسم صلوات الله عليه كان يوجب الخمس.

وكذلك يروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، وبذلك كان يقول الهادي إلى الحق صلوات الله، وبه أقول وعليه اعتمد وكفى بالآية شاهدا ومبينا.

وقلت: إن كثيرا من أئمة الحلال والحرام، لم يتكلموا في ذلك بشيء، واعلم حاطك الله أن أئمة السلف أعلم ومعهم من التوفيق والتسديد ما ليس مع الآخرين ولعلهم لو سئلوا عنها أو كشفوا عن جوابها أن يجيبوا فيها بما أجبنا.

وسألت: هل يوصى المريض في مرضه بما عليه من الأعشار والأخماس، قال محمد بن يحيى عليه السلام: ذلك عليه واجب وله لازم لأنه حق لله سبحانه في رقبته واجب عليه تأديته لأن الزكاة غلها عظيم، وقد أوعد الله سبحانه فيه لفاعله العذاب الأليم. وفي ذلك ما يقول رسول الله صلى الله عليه مانع الزكاة وآكل الربا حر باي في الدنيا والآخرة، وقال عليه السلام: لا تقبل الصدقة من غلول.

(1/441)

وسألت: عن إمام قائم في بلد هل يجوز التوجيه بالأعشار والأخماس إليه، قال محمد بن يحيى عليه السلام: ذلك واجب على الناس أن يرسلوا إليه بأعشارهم وأخماسهم لأن الله سبحانه قد فرض ذلك عليهم وأمره بقبضه منهم، فقال تبارك وتعالى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها.

وقلت: إن وجَّه الرجل بها مع رسول الإمام فذهبت هل يغرم ?، واعلم هداك الله أنه لا يجب عليه غرامه لأنه قد سلمها إلى رسول صاحبها المأمور بقبضها وكذلك أيضا إن جعل الإمام لأهل البلد أن يوجهوا بها إليه مع رسل ثقات فأرسلوا بها مع ثقة كما أمرهم فذهبت في الطريق فلا شيء عليهم لأنهم قد أنفذوها على ما أمرهم به فيها وإذا خرج بها إنسان بغير أمر الإمام فذهبت منه، في الطريق فهو ضامن لها أبدا حتى يوصلها إلى صاحبها لأن الضمان لازم له إذا خرج بها بغير مشورة ولا رأي ولا إطلاق له بذلك، فهي في رقبته حتى يسلمها.

(1/442)

وسألت: عن رجل اشترى من رجل ما يجب عليه فيه الخمس وقد علم أن البايع لم يخرج خمسه، فقلت: هل يجب عليه هو أن يخرج الخمس ؟، قال محمد بن يحيى عليه السلام: يجب على المشتري إذا علم أن البايع قد غل ولم يؤد الأمانة المفروضة عليه أن يخرج خمس ما اشتراه، وقلت: إن تاب البايع هل يجب عليه للمشتري ثمن ما أخرج، وذلك واجب عليه لازم له، وقد قيل: في ذلك أن الخمس إنما هو على الغانم لا على المشتري وليس على المشتري أن يخرج خمسا، وليس هذا عندي بقول بل أرى لمن عرف الحق أن يتخلص مما غله ذلك الظالم ويخرجه من يديه فإن ذلك أقرب إلى الصواب، وأبعد من الباطل والارتياب، مثل ذلك مثل ظالم باع سلعة كانت بينه وبين رجل فاغتصبت شريكه حقه الذي كان معه فيها، وقد علم المشتري وأيقن بسهم المغصوب الذي اشتراه من هذا الغاصب، فعلى المشتري له إن كان مؤمنا أن يرد إلى المغصوب سهمه، لأنه اشتراه ممن لا يملكه، وقد أيقن بذلك عند شرائه وتقرر ظلمه في قلبه، فلا يجوز لنفسه ولا يسوغها أحد حرام قد علمه وأيقن به وله على البايع قيمة هذا السهم إذا قدر عليه ووجد حاكما يحكم له به لأنه باعه ما لا يملك ظلما وعدوانا وجهلا وعصيانا.

وسألت: عن قول الله سبحانه وجل عن كل شأن شأنه: قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هما كما ذكر عزوجل لن يستويا عند الله تبارك وتعالى في منزلة ولا يحلان لديه في درجة لأن الخبيث وإن كثر وغزر حرام كثير الأثام، وعقوبته المجازاة فيه الخزي الطويل والويل والعويل في العذاب الأليم الدائم المقيم فعاقبته وخيمة وآثامه جمة، وليس فيه لأحد منفعة بل هو عليه وبال ومضرة في جميع الأحوال.

(1/443)

والطيب: فزكي مطهر مرضي يثاب عليه بأكرم الثواب، مقبول عند الله في كل الأسباب، وقد يكون الطيب من المؤمنين أهل البصائر، والدين والمعرفة واليقين، فقد سماهم الله سبحانه طيبين، فقال: الطيبون للطيبات، فكل هذا يسما طيبا إذ هو من النجس بعيد، وعند الله سبحانه مكرم قريب، وقد يكون الخبيث من مكاسب الدنيا وجمايع الكفرة وزهاها وكثرة زينتها وكبرها في أعين أبناء الدنيا، وعظمها في صدورهم لما يرون من العدد والتملك فتهواهم قلوبهم وتأمقهم أنفسهم فيزدرون عند ذلك جمايع المؤمنين لقلة عددهم وخمول الدنيا وزينتها لديهم فلا ينظرون إليهم من الاعجاب بما ينظرون به أبناء الدنيا، فمدح الله الطيب من كل شيء وعاب الخبيث، ثم قال: ولو أعجبك كثرة الخبيث، فهو غير زكي ولا نامٍ رضي فذمه الله سبحانه، ولم يحمده، فهذا معنى الآية، والله ولي العون والتوفيق.

وفي أهل الكفر والعصيان ما يقول ذو المنة والإحسان: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم، فقال: ولا تنكحوهن ولو أعجبكم حسنهن، ثم قال: ولا تنكحوهم يعني الرجال يقول: ولو أعجبكم كثرة أموالهم، وشرف أصولهم لأنهم عند الله مذمومون ولديه من الهالكين.

(1/444)

وسألت: عن قول الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى يا أيها الذين آمنوا فهم المؤمنون المصدقون بالله الذين آمنوا نفوسهم من عذاب الله بما كان من اجتنابهم لمعصية واتباعهم لحكمه، فآمنوا بذلك من العقاب وصاروا به إلى محل الخلد والثواب، ثم قال: عليكم أنفسكم، يقول عزوجل: أصلحوها بالطاعة فاستنقذوها، ثم قال: لا يضركم ضلال الضالين ولا تحاسبون بفعل المبطلين ولا تسألون عن شيء من أعمال المفسدين، وإنما أفعالهم عليهم وضرهم في رقابهم.

وقد ذكر أن اليهود، قالوا للمسلمين: كيف تطمعون بالنجاة وآباؤكم مشركون، ولستم بناجين من فعلهم، فأنزل الله تبارك وتعالى: عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم، وقال سبحانه: ولا تزر وازرة وزر أخرى، فأخبر أنه لا يعذب أحدا يجرم أحدا والدا كان أو ولد ا.

وسألت: هل يعرِّف الله عزوجل الخصمين المتنازعين بقبيح أفعالهما وما يكون من تظالمهما، قال محمد بن يحيى عليه السلام: كذلك الله عزوجل يوقف كلا على فعله ويحاسبه على عمله وينصف المظلوم من ظالمه، ألا تسمع كيف يقول عزوجل: ويخبر عما يتكلم به الظالمون، حين يقولون: يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا. ويقول عزوجل: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين.

(1/445)

وسألت: عن قول الله سبحانه: يآ أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية إثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم، قال محمد بن يحيى عليه السلام: قد سئل عن هذه المسألة جدي القاسم عليه السلام فقال: كذلك أمر الله لا شريك له كما قال لكل من آمن إذا حضره الموت فأوصى أن يشهد على وصيته ذوي عدل من المؤمنين فإن لم يمكنهم من يشهد فأشهدوا من غيرهم من أمكنه فإن أرتيب بهما واتهما أقسما وحلفا كما قال الله سبحانه لا شريك له على شهادتهما:ألا يشريان بشهادتهما ثمنا ولا يأخذان عليها جعلا.

وسألت: عن قول الله سبحانه: يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا: لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى قوله سبحانه: يوم يجمع الله الرسل، فهو يوم القيامة وهو اليوم الذي قال الله عزوجل: فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا، فيحضر عزوجل أنبياءه وأممهم ثم يقول سبحانه لهم عندما يكون من تغيير الأمم وفعالهم خلاف ما أعطوا أنبيائهم من أنفسهم وأبانوه من علانيتهم عند كشف سرايرهم وتوقيفهم على أعمالهم التي خالفوا فيها ما كان من ظاهرهم، فيقول تبارك وتعالى: لأنبيائهم ما هذا أجبتم، أي ليس هذا الفعل الذي أعاقبهم عليه وأجزيهم فيه الذي أعطوكم من أنفسهم ولم يفوا بما أظهروا لكم من ألسنتهم بل كانت لهم أعمال دون ذلك، فيقول الأنبياء عليهم السلام: سبحانك لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب.

أرادوا بذلك أنه لا علم لهم بضمايرهم، ولا ما استجن في قلوبهم، ولم يكن عندهم من العلم إلا ما أظهروا من أنفسهم ولا يعلمون منهم، إلا ما كان يظهر من قولهم الذي كانوا يبدونه لأنبيائهم، وهو ظاهر الأمور لا باطنها. ألا ترى كيف يقول إنك أنت علام الغيوب، فهذا دليل على أن الله عزوجل، أعلم أنبياه بما كان من ضمايرهم أن سألهم عند معاقبته لهم مما لا علم لهم به.

(1/446)

وأما ما يقول به من لا علم له أنه سألهم يوم القيامة سبحانه عن مطيعي أممهم فأنكروه ولم يعرفوه فعلى ما أحضرهم عزوجل شهودا إذ كانوا لا يعرفون من أطاعهم في عصرهم فهذا ما لا يقول به أحد يميز، وليس القول فيه إلا القول الأول الذي قلنا، وقد قيل: في ذلك عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله: يوم يجمع الله الرسل فيقول ما ذا أجبتم، فقال: يقول ماذا أجابكم قومكم، وهذا في بعض مواطن القيامة، قالوا: لا علم لنا من شدة هول المسألة، وهول ذلك الموطن، قالوا: لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب.

ثم رجعت إليهم عقولهم فشهدوا على قومهم أنهم قد بلغوهم الرسالة، وهذا قول ليس هو عندي بثابت بل هو مدخول وكيف يحزن أولياء الله ورسله المطهرون، في ذلك اليوم والله سبحانه يخبر بأن المؤمنين الذين آمنوا في ذلك اليوم غير محزونين ولا خايفين، وذلك قوله عزوجل: لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون.

فكيف يجزن من تتلقاه الملائكة عند خروجه من قبره تبشره بالرضا من الله عزوجل والجنة وحسن الثواب والأمن من اليم العقاب، والقول الأول الذي قلنا به في صدر جوابنا هذا هو أقرب إلى الحق، وهو الصواب عندنا وبالله نستعين على طاعة خالقنا.

وسألت: عن قول الله سبحانه: وإذ أيدتك بروح القدس، فقلت: ما معنى روح القدس، قال محمد بن يحيى عليه السلام هو الروح المطهر الزكي المكرم، فلما أن أيده الله به كان فضلا منه سبحانه عليه وتعظيما العيسى عليه السلام.

وقد قيل: إنه جبريل عليه السلام أيده الله به عزوجل وأعانه به على أهل الكيد له والطلب لتلفه، وأما ما سألت عنه من قوله عزوجل فنادها من تحتها فقد تقدم تفسيرها إليكم.

(1/447)

وسألت: عن قول الله سبحانه: وإذا أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى أوحيت إلى الحواريين هو ما أوحى عزوجل إلى عيسى عليه السلام من الأمر لهم والنهي والدعاء إلى الله عزوجل، فلما كان ذلك إليهم جاز أن يقول أوحيت لأن الأمر والنهي كان لهم ومنهم.

وسألت: عن قول الله سبحانه: إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم، هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مايدة من السماء، قال محمد بن يحيى عليه السلام: قد سئل جدي القاسم عليه السلام عن هذه المسألة فقال: معنى هل يستطيع ربك يقولون: هل ذلك مما يجوز طلبنا له والحواريون فلا يشكون ولا ينكرون أن الله سبحانه يستطيع ويقدر والشك في هذا كفر بالله عزوجل فهل يتوهم على الحواريين الشك في قدرة الله عزوجل، وقال: يستطيع يقرأ بالياء ولا يقرأ بالتاء.

وسألت: عن قول الله سبحانه: إني منزلها عليكم، فقلت: هل أنزلها عليهم أم لا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: بل قد أنزلت عليهم، ألا تسمع كيف يقول، وقوله الحق إني منزلها عليكم، ومعنى قوله عيدا لأولنا وآخرنا وإنما سألوا أن تكون لهم المائدة، عيدا فكان ذلك يوم عيد من أعيادهم، فقالوا: لأولنا وآخرنا أرادوا جميعهم والأول منهم فهو نبلهم المقدمون والآخر: المؤخر فهو الأوسط منهم التابع للأول، وهذا موجود في لغة العرب، يقول: بلغت الرسالة أولهم وآخرهم يريد بقوله ذلك أي جميعهم ويقول القايل خرجوا عن آخرهم، وهذا الكلام حسن جميل جايز، وقد قيل: إنها لم تنزل عليهم وليس ذلك عندي كذلك لأن الله سبحانه يقول: إني منزلها عليكم، وقوله الحق ووعده الصدق تعالى علوا كبير ا.

(1/448)

وسألت: عن قول الله سبحانه: وإذا قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس أتخذوني وأمي الهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفس ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب، قال محمد بن يحيى عليه السلام: قد سئل عن هذه المسألة جدي القاسم عليه السلام فقال: هذا تسبيح لله وإكبار لله عزوجل عن أن يقول في ذلك على الله سبحانه على ما كان وما يكون يقول: إفك مفترا مكذوب لا يصح فيه أبدا قول في فطرة ولا يقوم في عقل سليم ولا فكرة، فقال صلى الله عليه: ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد.

فأنبأهم عليه السلام أنه عبد له كما هم كلهم جميعا لله عزوجل عبيد وأخبر الله سبحانه من قوله في ذلك بما لا تنكره النصارى كلها، وإن اختلفت في أديانها وفرقتها البلدان في كل مفترق من أوطانها لما رأوا منه عيانا وأيقنه من غاب عنه منهم إيقانا من عبادته عليه السلام لله سبحانه واجتهاده في طاعة الله عزوجل وكان فيما عاينوا من مشابهته لهم في الخلقة، دليل مبين على أنه عبدالله يجري عليه من حكم الله عزوجل أنه عبد لله ما جرى عليهم بما بان من أثر تدبير الله وصنعه فيه وفيهم.

(1/449)

وسألت: عن قول الله عزوجل في ما يذكر عن إبراهيم عليه السلام حين يقول رب: إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبغي فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم، قال محمد بن يحيى عليه السلام أراد إبراهيم عليه السلام بقوله أضللن كثيرا من الناس يعني الأصنام التي اعتكف عليها الجهال واتخذوها ألهة من دون الرحمن عزوجل وجهلوا في فعلهم وتبعوا فعل من مضا من أسلافهم من أهل الجهل والعما والميل عن طريق الهدى، ثم قال عليه السلام: فمن تبعني فإنه مني يقول على ملتي وديني ومن عصاني فإنك غفور رحيم، صفة الله سبحانه بالمغفرة والرحمة والرأفة والمنة على من تاب إليه راجعا عن معصيته تايبا من ذنبه.

43 / 47
ع
En
A+
A-