وقد: قيل في الآمين البيت الحرام أنه شريح بن ضبيعة في مسيره من اليمامة إلى مكة فأراد المؤمنون أن يعارضوه ويكافوه على ما كان من أخذه لسرح أهل المدينة، وذلك أنه وصل برسول الله صلى الله عليه ثم خرج من عنده ولم يسلم فأجاز بسرح أهل المدينة فأخذه ومضى به وليس تفسير الآية بهذا المعنى، والقول الأول أصوب إن شاء الله لزن شريحا كان كافرا معاند ا، والله سبحانه فأخبر أنهم يبتغون فضلا منه ورضوانا والكافر فليس الله عنه براض ولا له بمقرب.
ثم الجزء الرابع:
وسألت: عن قول الله سبحانه: ولا يجرمنكم شنأن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا أمر من الله عزوجل للمؤمنين وتأديب لهم، ودلالة على ما فيه نجاتهم والسلامة في آخرتهم، فقال: ولا يجرمنكم شنآن قوم، والشنآن: فهو البغض والقلا، يريد لا يحملنكم بغض قوم على أن تعتدوا و تميلوا عن الحق فتهلكوا و التعدي فهو الظلم والحيف فنهاهم الله سبحانه عن ذلك وحذرهم منه وأمرهم أن يكونوا منصفين وبالحق حاكمين لا يزيلهم عنه بغض لمن شنوا ولا إيثار لمحبة فتظلموا ولا يخرجهم ذلك إلى الميل والهوى وأن ينفذوا أحكامه سبحانه فيهم على السواء لأن الله عزوجل لم يجعل في حكمه تناقضا ولا فسادا ولا زلفة لأحد ولا إيثارا بل جعلهم في ذلك معا وحكم عليهم ولهم فيه بالسواء إنصافا لخلقه وتسوية بين بريته، فقال: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين.
فأمرهم أن يقوموا بالقسط، وهو العدل في من ولدهم وقرب نسبه إليهم بالسواء، فلا يحل لمؤمن عرف ربه وأيقن بيوم بعثه أن يعدل عن القسط، والحق بالحكم في عدوه وقريبه على ما أمر الله سواء سواء، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون، والحق فيه الناس جميعا مشتركون.
(1/415)
وسألت: عن قول الله سبحانه: وأن تستقسموا بالأزلام، فقلت: ما الأزلام، وهي القداح التي يقتسمون بها ويرضون بما يكون من أمرها فنهاهم الله عزوجل عنها إذ كانت من فعلالجاهلية..
وسألت: عن قول الله سبحانه: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى أكملت فهو أتممت لكم دينكم، وهو ما لا يكون له نقص ولا يكون بعده تعبد ولا شريعة ولا نقصان ولا زيادة لأن الأنبياء عليهم السلام كانوا يأتون بشرايع مختلفة للذي أراد الله سبحانه من التعبد بالأمر النهي وامتحان الخلق وتبيين المطيع من العاصي، وكان سبحانه ينقلهم من طاعة إلى طاعة حتى ختم الأنبياء بمحمد صلى الله عليه وأكمل به التعبد وجعل الإسلام خاتم الأديان إلى آخر الدنيا لا دين بعده، ولا فرض سواه ولا نقصان فيه ولا زيادة، فمحمد صلى الله عليه خاتم النبيين ودينه أكمل أديان المتعبدين، قال الله سبحانه: ورضيت لكم الاسلام دينا..
فذكر أنه قد ارتضاه لخلقه واختاره لهم، وافترضه عليهم، فكملت به النعمة، وقامت على العباد به الحجة، فهذا معنى ما عنه سألت وهذه الآية فنزلت على رسول الله صلى الله عليه بعرفة وكان ذلك يوم الجمعة..
وسألت: عن قول الله سبحانه: غير متجانف لإثم، قال محمد بن يحيى عليه السلام: أراد عزوجل بقوله: غير متجانف لإثم، يقول: غير متحرف له ولا قاصد لمحرم عليه، ألا تسمع كيف يقول: من قبل هذا فمن اضطر في مخمصة والمخمصة فهي المجاعة، يقول: فمن اضطر في ذلك إلى أكل شيء مما قد حرم عليه مثل: الميتة والدم ولحم الخنزير، وكان ذلك على حد مخمصة وجوع، فلا إثم عليه ومن تجانف له لظلم نفسه واستحلال لما حرم عليه منه فهو المعاقب فيه والمأخوذ به.
(1/416)
وسألت: عن قول الله سبحانه: وما علمتم من الجوارح مكلبين، فقلت: هل يجوز لمن أطلق كلبا معلما على صيد فأكل الكلب بعض الصيد أن يأكل الرجل ما بقي منه، قال محمد بن يحيى عليه السلام: الجوارح فهي الصقور والشواهين والبواشق والباز، ومعنى المكلبين، فهو ما علموا من الكلاب، فإذا كان الكلب معلما لصيد يغرا فيأخذ ويدعا، فيجيب ثم أغري على صيد فلحقه فقتله ثم لحقه صاحبه فوجده قد أكل منه، فلا بأس بأكل ما بقي لأنه معلم.
وقد أطلق الله سبحانه كل ما أمسك الكلب المعلم، وأحب لمن توارى كلبه من عينه في الجبال والعياض ألا يأكل ما فضل منه لأنه لا يؤمن أن يكون الصيد تردا أو غرق فإذا قتله في موضع براز من الأرض وهو يبصره ثم أكل منه ولحقه صاحبه فلا بأس بأكل بقيته، وقد قال بعض الناس: إن الكلب إذا أكل من صيده فلم يمسك على صاحبه، وإنما أمسك لنفسه وليس ذلك بصواب، بل كان السلف عليهم السلام يجيزون أكله على ما ذكرت لك.
وسألت: عن قول الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين، فقلت: هل يجوز غسل اليدين قبل الوجه أو يسع ذلك، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى فاغسلوا وجوهكم، فهو أمر من الله بغسل الوجه عند وضوءه للصلاة والغسل: فهو الإنقاء للدرن بالماء، ثم قال: وأيديكم، فأمر سبحانه بغسل اليدين بعد الوجه، ثم قال: وامسحوا برؤسكم، فأمر بمسح الرأس مسحا، ولم يأمر بغسله ثم قال: وأرجلكم تقرأ بالنصب عطفا على الوجه واليدين ولا يجوز لأحد أن يقدم مؤخرا ولا يؤخر مقدما.
(1/417)
فمن فعل ذلك فقد خالف حكم الله عزوجل، وترك ما أمر به ولا يجوز لأحد أن يغسل اليدين قبل الوجه، ولا أن يغسل الرجلين قبل مسح الرأس فمن فعل من ذلك شيئا أعاده ولو أن رجلا نسي غسل وجهه حتى غسل يديه ومسح رأسه وغسل رجليه لوجب عليه أن يستأنف الوضوء ويبتديه، ولو أنه غسل وجهه ونسي المضمضة والاستنشاق لوجب عليه أن يعيد وضوءه; فيتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه، ثم يده اليمنى ثم اليسرى، ثم يمسح رأسه وأذنيه ورقبته وعابته.
والعابة: فهي ما تحت اللحية، ثم يغسل رجله اليمنى، ويخلل أصابعه ثم رجله اليسرى فيفعل كذلك بها فإن نسي يده اليمنى غسلها، ثم أعاد اليسرى ثم رأسه، ثم رجليه وإن نسي اليسرى غسلها ثم أعاد مسح رأسه، وكذلك إن نسي مسح رأسه مسحه ثم أعاد غسل رجليه وإن نسي رجله اليمنى غسلها ثم أعاد على اليسرى، وإن نسي اليسرى غسلها فقط، وقد تم وضوءه فعلى هذا فقس الوضوء فكل ما قدمت شيئا من الأعضاء قبل المقدم قبله غسلت المقدم، ثم أعدت ما كان بعده.
وبذلك أمر الله ذو الطول والإحسان والنعمة والإمتنان والاستنجاء فواجب لأن الله سبحانه يقول في كتابه: أو جاء أحد منكم من الغائظ أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء، فأوجب الاستنجاء عند الوضوء وافترضه، وليس مع من قال: إن الاستنجاء لا يكون إلا من الغائط حجة لأن الله قد ذكر الاستنجاء عند الوضوء وافترضه فإن قال قائل: ليس إلا من ملامسة النساء والغائط فما تقول في البول فليس البول يدعا غايطا، ولا يدعا المذي غايطا فيجب عليه أن يقول: إن المذي والبول لا يقطعان الوضوء ولا يجب منهما الاستنجاء.
وإن قال بذلك قائل; فقد خرج من حد المعرفة، وخالف الكتاب وما نطق به مع ما جاء في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه من الأمر بالاستنجاء نصا والتشديد فيه.
(1/418)
ومن أعجب عجائبهم أنهم يرون إعادة الوضوء من الريح والدود يخرج من الددبر فيرون إعادة الوجه واليدين والرأس والرجلين ولا يرون الاستنجاء فالذي وقع منه من الحديث ونقض الوضوء أحق بالغسل والإنقاء مما لم يحدث فيه شيء من الأشياء بل الوجه واليدان والرأس على غاية الطهارة والنقاء، وإنما جاءت الإعادة مما كان من الحدث والأذا، فالذي جاء منه الحدث أحق بالغسل والإنقاء وإلا فإن عارضهم معارض، فقال: من أين قلتم بإعادة الوضوء من الرعاف والقي، وليس له ذكر في كتاب الله فنحن نراكم لا توجبون الإستنجاء، وهو في كتاب الله قايم فكيف توجبون ما ليس في كتاب الله فيجب عند ذلك ألا تعيدوا الوضوء من الدم، ولا من القيء، وإذا فعلوا ذلك فقد خرجوا من المعرفة إلى الجهل، ومن الحق إلى الضلال، ولكن يقال لمن قال: بهذه المقالة: إن الله سبحانه قد أمر بإعادة الوضوء على لسان نبيه صلى الله عليه فكل ما جاء به محمد صلى الله عليه فمن الله عزوجل، ومن خالف قوله صلى الله عليه فقد خالف حكم ربه..
وكذلك أيضا الاستنجاء: قد ذكره الله في كتابه ووكده نبيه بلسانه، وقد كان جدي القاسم صلوات الله عليه قد أجاب فيها، واحتج بحجج في كتاب الطهارة، وهو عندكم مثبت، وفي ما ذكرنا حجة، وغنا لمن قصد الحق واهتدا.
(1/419)
وسألت: عن قول الله: يآ أيها الذين آمنوا أذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم، قال محمد بن يحيى عليه السلام: القوم الذين أرادوا أن يبسطوا أيديهم فهم بنوا قريظه وبنوا النظير، وذلك أن النبي صلى الله عليه لما وقعت عليه الدية التي لزمت في الرجلين اللذين قتلهما المسلمون وظنوا أنهما لم يسلما وكانا ممن يطالبه المسلمون بالقتل، فقدما على رسول الله صلى الله عليه فأسلما، ثم خرجا فلقيهما بالحرة من لم يعرفهما، ولم يقع عنده إيمانهما فقتلا خطأ بلا تعمد ظلم، ولا اجترا فخرج صلى الله عليه يستعينهم في ديتهما فرحبوا به ولقيوه بأحسن لقا، وقالوا: أقعد يا محمد حتى نأتيك فقعد صلى الله عليه ومعه أنفار من أصحابه يسير أقل من عشرة أو عشرة، ثم مضوا من عنده فأزمعوا بقتله عليه السلام وتعاملوا على ذلك، فأنزل الله عليه جبريل عليهما السلام فأخبره بخبرهم، وما يهمون به من مكرهم فنهض صلى الله عليه مسرعا، وكان الذي بينه وبين المدينة قريبا، ثم جاؤا يطلبونه في الموضع الذي تركوه فيه فلم يجدوه فأرسلوا إليه يعاتبونه في مضيه من قبل أن يأتوه فأعلمهم صلى الله عليه بما كان منهم، وما أرادوا به ونهض في حربهم من ساعته فأذلهم الله وأخزاهم وأباح عزهم وأرداهم، وكان من أمرهم ما قد وقفت عليه فسلم الله نبيه من كيدهم، وخبرهم عما أرادوا من قتله وجعل دايرة السوء بأعدائه وكان ذلك كفا لأيديهم وقبضا لأنبساطها على إتلاف نبيه والمؤمنين معه، فكف الله شرهم، وأوهن كيدهم وما هموا به من عظيم فعلهم، وردهم بغيظهم.
(1/420)
وسألت: عن قول الله سبحانه: فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى أغرينا أي خذلنا وتركناهم من التوفيق والتسديد لما كان من معصيتهم وتركهم لما أمروا به من عظيم طاعة خالقهم فلما أن خذلهم ضلوا عن رشدهم ووقع البلاء بينهم والبغضاء في قلوبهم، كما قال ربنا تبارك وتعالى: إنما نملي لهم يريد بالإملاء الترك والخذلان، فدام ذلك فيهم وفي أولادهم، وعقبهم إلى يوم القيامة بما اكتسبوا لأنفسهم واجتلبوه من الخذلان على فعلهم.
وسألت: عن قول الله سبحانه: يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذه المخاطبة من الله عزوجل لأهل الكتاب وتوقيف لهم والرسول، فهو محمد صلى الله عليه قال: يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب يريد ما كنتم تغيرون من أحكامه وتكتمون من صفة محمد صلى الله عليه ونبوته والأمر بطاعته، فكان مما يخفون الرجم فأبانه لهم وأوقفهم فيه على كذبهم، ومثله من الأشياء التي كانوا يحرفونها وعمن لا يعرفها من الخلق يغمضونها فكان هذا شاهدا له صلى الله عليه بالنبوة إذ أخبرهم بما كانوا يخفون وأظهر لهم كثيرا مما كانوا يسترون مما لم يكن ليدرك علمه إلا بالوحي من الله عزوجل.
ويعفو عن كثير، فالذي يعفو عنه صلى الله عليه فهو ما ستره عنهم وعفى عن كشفه لهم، ومن العفو أيضا تخفيف الله سبحانه التعبد الذي كان عليهم لو رجعوا إلى طاعة الله لكانوا في التكليف كالمؤمنين مثل عبدالله بن سلام، وأصحابه الذين أسلموا معه فزاح عنهم ما كان من التشديد الأول في التعبد لأن الله عزوجل جعل أمة محمد أمة وسطا في التعبد فخفف عنهم المحن العظيمة والأسباب الشديدة فضلا منه وإنعاما ومنة وإحسانا.
(1/421)
وسألت: عن قول الله سبحانه: وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا قول من اليهود والنصارى يكذبون فيه، ويقولون البهتان والزور والفاحش من جميع الأمور، فأكذبهم الله عزوجل في قولهم، فقال: بل أنتم بشر ممن خلق يقول: مثل من قد خلق من الأمم تؤمرون وتنهون وتماتون وتحيون وتثابون وتعاقبون.
ثم قال: يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، الذي يشاء عزوجل المغرفة له فهو المطيع لأمره المتبع لحكمه، فحكم لمن كان كذلك بالثواب والنعيم، والنجاة من العذاب الأليم، ولم يحكم سبحانه بالمغفرة إلا لمن أطاعه واتقاه، وكذلك عزوجل يعذب من عصاه وخالف أمره وأباه فقد شاء سبحانه عند ذلك عذابه وحكم به عليه في فعله واكتسابه وما كان من صدوده وعناده فلا يشاء تبارك وتعالى للمؤمنين إلا الثواب، وكذلك فلن يشاء سبحانه، ولن يحكم أبدا للعاصين بنجاة وإذا لم يحكم لهم سبحانه بالنجاة، فقد شاء لهم العقاب وحكم عليهم بأليم العذاب.
وقلت: قد قال قوم إن الله عزوجل حين قال: يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، فقد أبطل الفعل والعمل فقد أخطئوا في قولهم وتأولوا غير ما نطق به كتاب ربهم، ولو كان ذلك لفسد الوعد والوعيد، وإذا فسد الوعد والوعيد جاز أيضا أن يفسد البعث والحشر لأنه يقول سبحانه لا يخلف الله الميعاد، ويقول: وما ربك بظلام للعبيد..
(1/422)
فإذا دخل أهل الجنة النار، ذهب الوعد، ووقع الظلم وإن جاز أن يدخل أهل الجنة النار، جاز أن يدخل أهل النار الجنة، وإن جاز ذهب الوعد والوعيد، وبطل الأمر والنهي، فإذا بطل ذلك فسد إرسال الأنبياء، وكان ذلك عبثا واستهزاء والله سبحانه برئ من ذلك متعال عنه بل وعده الحق، وقوله الصدق لا يخلف الميعاد، ولا يظلم العباد، ولا يدخل النار أهل طاعته، ولا يوصل الجنة أبدا من مات على معصيته عز سلطانه وعظم برهانه وجل عن كل شأن شأنه.
فأما ما زعم أهل الحديث، واحتجوا به من قوله: لا يسئل عما يفعل وهم يسألون، فقالوا: هو في تعذيب المؤمنين إن شاء إدخال الكافرين الجنة إذا شاء، فبيس ما نطقوا إذ عن الحق عدلوا، وله في كل الأمور باينوا وإنما أراد الله عزوجل بقوله: لا يسأل عما يفعل من الموت والحياة والأمر والنهي والخلق والتصوير والتعذيب والتقدير، فهذا معني الآية لا ما ذهبوا إليه من فاحش قولهم وعظيم فريتهم، فأين قوله سبحانه: فمن يعمل مثقال ذرة خير يره ومن يعمل مثقال ذرة شرايره، بُعداً والله ممن أدخل النار أن يوتا خيرا أو غبطة أو سرورا أو يعرف لصالح عمله جزا أو ينال أبداً راحةأو نعماً كذب المفترون على الله في قولهم وضلوا عن طريق رشدهم بل هو تبارك وتعالى عدل في فعله غير ظالم لخلقه بري مما نسبه إليه أهل الإفك من عباده، وليس قولهم لهذا المقال الفاسد المحال، إلا مثل قولهم: إن الله سبحانه يقضي بالمعاصي ويأمر بها ويشأها ويعذب خلقه عليها.
(1/423)
ومثل قولهم: إن الله جسم، وصورة فوصفوه بما نفا عن نفسه وشبهوه بالمحدثين من خلقه فأوجبوا أن خالقهم مصور مجسم فيه آثار الصنع والتدبير والتأليف والتقدير فحكموا بجهلهم أنه مخلوق كخلقهم، مؤلف كأحدهم فصاروا يعبدون شبحا مقدرا وجسما مؤلفا فكفروا وهم لا يعلمون، وعبدوا غير الله وهم لا يشعرون، عماً من قلوبهم وقلة معرفة بخالقهم وجهلا بدينهم يخبطون في عشوا مظلمة لم يستضيئوا بنور الحكمة، ولم يقبسوا من معدن الرسالة، فيعرفوا الحق ويقفوا منه على الصدق اتبعوا الشهوات وتركوا الواضح من المحكمات وصاروا في المهالك والظلمات وأخذوا دينهم من كذب المقالات فضلوا عن الصواب وصاروا بذلك إلى شر مآب، جهنم يصلونها فبئس المهاد، فلا تلتفت يرحمك الله إلى شيء من مقالتهم فإنها حجج داحضة وأقاويل مختلطة ومذاهب مهلكة فهم كما قال الله عزوجل: الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
وسألت: عن معنى قوله: على فترة من الرسل، والفترة: فهي المدة التي بين الرسل، وقد يقال: إنه كان بين عيسى ومحمد عليهما السلام أربعمائة سنة وبين موسى وعيسى مثل ذلك.
وسألت: عن قول الله سبحانه: إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا، فقلت: ما معنى الأنبياء، وهل يجوز أن يدعا باسم النبوة غير الانبياء، قال محمد بن يحيى عليه السلام: الأنبياء فهم المبلغون عن الله عزوجل والمقيمون للحجج على خلقه والملوك الذين جعلهم الله فيهم، فهم ولاة أمرهم العادلون فيهم المحكوم من الله بالطاعة لهم، ثم قال سبحانه: وآتاكم مالم يؤت أحدا من العالمين، فهو ما آتاهم من الملك والنبوة والآيات المنزلات بينهم وما خصوا به في عصرهم، وفضلوا به على غيرهم، فكان ذلك لهم نعمة، وعليهم لله حجة.
وقلت: هل يجوز أن يدعا أحد من الناس باسم الأنبياء، ويسما نبيا، فهذا يرحمك الله لا يجوز، ولكن قد يجوز أن يقال: منبي يريد مخبرا، كما قال الشاعر:
...
(1/424)
أنبيت عمرا حز بين السنابك... ألا فمتى بالفايزين كذلك
قال: أنيت يريد أخبرت ويقال: أنبأني فلان عن فلان، وقال الله عزوجل: ولا ينبئك مثل خبير، يقول: لا يخبرك مثل خبير فجعل الإخبار إنباء، قال الشاعر:
أنبيت أن أبا قابوس أوعدني... ولا مقام على زار من الأسد
... وقال الشاعر أيضا:
...
أنبيت عمرا غير شاكر نعمتي... والكفر محبثة لنفس المنعم
... فقال: أنبيت أي أخبرت، ولا يجوز أن يقال: لإنسان نبيء، ولكن يقال: منبي.
وسألت: عن قول الله سبحانه: يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة، والمقدسة، فهي المفصلة الطاهرة، وقد يقال: إنها بيت المقدس والشامات كلها، وهي التي قال الله سبحانه: والقرى التي باركنا فيها، والمقدس فهو اسم لما طهر من الأنجاس، ونقي من المعاصي والأدناس، فيقال: مقدس أي مطهر.
وسألت: عن قول الله سبحانه: قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما، فقلت: من الرجلان؟، قال محمد بن يحيى عليه السلام: قد قال فيهما الناس بأقاويل مختلفة، وهما حاطك الله فرجلان كانا خائفين لله عارفين بأمره مسلمين لحكمه متبعين لأمر موسى صلى الله عليه، وقد قيل: إن أحدهما يوشع بن نون، وليس معرفة أسمائهما مما تعبد الله به خلقه، فافهم هديت ذلك.