(1/402)

وسألت: عن الحديث الذي يروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه في صفة المتقين إن كان الرجل منهم في الغافلين كتب من الذاكرين، وإن كان في الذاكرين لم يكتب من الغافلين يعفو عن من ظلمه ويعطي من حرمه ويصل من قطعه، فأما العفو عن من ظلمه والصلة لمن قطعه والإعطاء لمن حرمه، فقد سمعنا عن رسول الله صلى الله عليه أنه قال: ليس البر أن تعطي من أعطاك، ولا أن تصل من وصلك ولا أن تبر من برك ولكن البر أن تعطي من حرمك وتصل من قطعك وتبر من عقك وتعفو عن من ظلمك، وأما ما ذكرت من الكينونة مع الغافلين فلا نعرف عنه ذلك عليه السلام.

وسألت: عن قول الله سبحانه: لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: قد سئل عن هذه الآية جدي القاسم بن إبراهيم صلوات الله عليه، فقال: معنى قوله: لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا يعني من لم يمكنه النقلة والهجرة عن أهل المعصية الظلمة الفجرة، ثم قال: فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله غفورا رحيما.

ثم قال سبحانه: مؤكدا على من أمكنه النقلة والهجرة والاعتزال لأهل المعصية والفسق والريبة: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة يعني بالمراغم الإعتزال لجوار أئمة الظلمة والمغاضبة وإن غاظ ذلك الفساق وأرغمهم وغمهم.

(1/403)

وسألت: عن قول الله سبحانه: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا تبيين من الله عزوجل للمؤمنين وإعلام لمن حظر عليهم معاشرته من الفاسقين ومن أطلق لهم مكاونته من المخالفين، فنهاهم عزوجل عن الذين حاربوهم وأدخلوا عليهم واستجلبوا العدو إلى حربهم، وطلبوا العوايل ولم ينههم تبارك وتعالى عن من كان غير محارب لهم ولا موجف عليهم، ولا مكاون لعدوهم والقسط: فهو العدل وترك الظلم. فأمر نبيه صلى الله عليه والمؤمنين معه أن يقسطوا في من وفاء بعهدهم ويبروا من لم يشهد نفسه بعداوتهم وكان منصفا لهم، فهذا معنى الآية وتفسيرها.

وسألت: عن قول الله سبحانه: إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى قوله: تألمون، ألم الجراح، ووجعها عند الجهاد ومحاربة أهل الكفر والعناد مع التعب في الحركة والاسفار والمسير في الليل والنهار، فأخبرهم عزوجل أن عدوهم يألم كما يألمون وتجد من الألم أكثر مما يحدون وأنتم فترجون من الله من الرحمة والرضوان والمغرفة والجنان ما لا يرجون الكفرة الأشرار، فإذا صبروا على ما فيه هلكتهم ولا نجاة عند الله سبحانه لهم فأنتم أولى وأحق منهم بهم إذ أنتم أهل الثواب الكريم والمحل عند الله العظيم، فكان هذا تثبيتا من الله لنيَّات المؤمنين ومعونة منه سبحانه لعزائم المتقين أهل الصدق واليقين والطاعة لرب العالمين خصيما.

(1/404)

وسألت: عن قول الله سبحانه: ولا تكن للخائنين خصيما، قال محمد بن يحيى عليه السلام: أراد الله عزوجل إكرام نبيه وتعظيمه من بعد إقامة الحجة على أهل الشرك من أهل الكتاب ألا يكون لهم خصيما في ما قد بان لهم من الحق وعرفوه معه صلى الله عليه من الصدق ووجدوه في كتبهم وثبت في عقولهم وهم يجادلون في الحق بعد ما تبين مضادة لله ولرسوله فأمره الله ألا يكون لهم خصيما من بعد ذلك، وأن يحكم بما أراه الله من الحق وينفذه عليهم وعلى غيرهم وهم كارهون.

وقد ذكر ذلك عزوجل، فقال: وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم، فأمره الله سبحانه أن يحكم بينهم بما أنزل الله فكان صلى الله عليه ينفذ أحكام الله فيهم ويمضيها برغمهم عليهم، وقال عزوجل: فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين، فأمره أن يصدع بالحق وما أنزل الله عليه من الصدق وأن يعرض عن مخاطبة الجاهلين وأهل الزيغ المردة المعاندين.

وقد قيل: إن هذه الآية في طعمة، وذلك أنه سرق درعا لبعض أصحاب النبي عليه السلام ثم استعدي عليه فقامت عشيرته دونه وجحدوا عنه، وسألوا النبي صلى الله عليه أن يبريه عند الناس مما شيع به عليه، فأنزل الله: ولا تكن للخائنين خصيما معارضة لكلامهم ولم يكن النبي عليه السلام ليحتج عنه ولا يفعل ما قالوا، فأنزل الله تحقيق ما ذكر عليه فقطع النبي صلى الله عليه يده، وكلاهما معنى حسن، والمعنى الأول فأحسن عندنا وأصوب لدينا.

وسألت: عن قول الله سبحانه فيما يحكى عن إبليس اللعين في قوله: لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا، يريد جماعة وحزبا يضلهم، وعن الحق يصدهم ويختزلهم من طاعة الله سبحانه ويجْترُّهم في أمره، فلما أن كان من شأن الملعون الإفساد والإغوا والمكر لهم والاستهزاء والوسوسة في قلوبهم والتلبيس لدينهم وجعل ذلك على نفسه مثل الفريضة سواء.

(1/405)

وسألت: عن قول الله سبحانه: واتخذ الله إبراهيم خليلا، فقلت: ما معنى الخليل، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى اتخاذه سبحانه إبراهيم خليلا فهو اصطفاؤه له وتفضيله إياه وتكرمته وتعظيمه وما من به عليه من فضله وإحسانه.

وسألت: عن قول الله سبحانه: ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتاما النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتاما بالقسط وما تفلعوا من خير فإن الله كان به عليما، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى: ويستفتونك أي يسألونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتاما النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن، ويتاما النساء فهي الاطفال منهن ومعنى: ترغبون أن تنكحوهن فهو تزهدون في نكاحهن، وقد كانت الجاهلية لا يؤتون الصبيان من الميراث شيئا.

وكانوا يفعلون ذلك قبل نزول حكم الميراث وفرضه، فقال سبحانه: اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن يقول: تمنعونهن حقهن لصغرهن والمستضعفين من الولدان فهم الصبيان من الذكور والإناث الذين في أيدي الأوصياء، وغيرهم من الأقارب والصبي فلا يزال يتيما حتى يبلغ ثم يخرج من حد اليتم، ويجب على الوصي إن أنس منه رشدا، والرشد: فهو الصلاح والعقل والمعرفة فإذا بان ذلك للوصي سلم ما في يده إليه، وأشهد عند ذلك عليه، ومالم يبن منه رشد، فلا يجب دفعه إليه بل الحضر واجب عليه، ثم قال: وأن تقوموا لليتاما بالقسط.

(1/406)

والقسط: فهو العدل في أموالهم والحفظ في أنفسهم، ثم قال: وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما، يريد عزوجل أنكم ما فعلتم إليهم من خير أو أنلتموهم إياه إن الله كان به يقول عليه مطلعا، ولكم فيه مكافيا، وقد قيل: إن معنى ترغبون أن تنكحوهن تريدون نكاحهن، والقول الأول أصوب عندنا لأن معنى ترغبون أن تنكحوهن أي تزهدون فيهن، وذلك في كتاب الله موجود في قوله: ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه فصارت الرغبة كراهية، وقد تكون في موضع آخر من طريق المحبة، فأما في هذا فليس إلا من طريق الزهد والكراهية، وذلك صحيح في اللغة.

وسألت: عن قول الله سبحانه: ولا تتبعوا الهواء أن تعدلوا وأن تلووا أوتعرضوا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى قوله: ولا تتبعوا الهوى، يريد لا تتبعوا هوا النفس، ومالم يجز الله لكم إتباعه فلا تعدلوا عند ذلك، وأن تلووا فمعنى تلووا أي تحرفوا ولا تقيموا الحق، وتعرضوا فهو تتركوا الواجب وتصدوا عنه وتجانبوه فإن الله كان بما تعملون خبير ا.

يقول: عليما، مطلقا فأمرهم أن يعدلوا في شهادتهم وأن يقولوا بما افترض من الحق عليهم في القريب والبعيد وأن يكونوا عندهم في الحق بمنزلة سواء.

(1/407)

وسألت: عن قول الله سبحانه: إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هؤلاء قوم ممن آمن مع النبي صلى الله عليه ثم رجعوا إلي قريش وارتدوا عن الإسلام، ثم رجعوا ثم هفوا ثانية فرجعوا إلى الكفر فازدادوا فيه ومضوا عليه، فأخبر الله سبحانه أنهم حين ازدادوا كفرا ثم مضوا على ذلك أن الله لا يغفر لهم ولا يهديهم سبيلا، بل تركهم من التوفيق والتسديد والعون والتأييد وحكم عليهم، عند ذلك سبحانه بالهلكة والخذلان بما استوجبوه من تركهم للحق والإيمان فصاروا بذلك معذبين ولديه سبحانه من الهالكين في السلاسل والاغلال مصيرون إلى شر حال.

فأخبر سبحانه أنه لم ينفعهم ما كان من إيمانهم أولاً، وما كانوا عليه في إسلامهم لأن ما ختموا به أعمالهم من الردة والكفر موجب لهم النار مصيرون به إلى شر دار جهنم يصلونها فبئس القرار، وقد قيل في ذلك آمنوا بموسى ثم كفروا به وغيروا دينه، ثم آمنوا بمحمد ثم كفروا به ثم مضوا على كفرهم والمعنى الأول أقرب إلى الحق، وهو الذي وضح من الخبر، والله ولي التوفيق والعون والتسديد.

وسألت: عن قول الله سبحانه: إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار، وقد سئل عن هذه المسألة جدي القاسم صلوات الله عليه قال: المنافقين في دين الله وإحلاله من كان مخالفا لقوله فيه بفعاله يقر بما لا يعمل، ويقول ما لا يفعل، وفي أولئك ومن كان كذلك ما يقول الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون، وفي ذلك وأولئك ما يقول سبحانه ومنهم من عاهد الله لإن أتانا من فضله لتصدقن، ولنكونن من الصالحين، فلما آتاهم من فضله يخلوا به وتولوا وهم معرضون.

(1/408)

وسألت: عن قول الله سبحانه: فيما عني عن قوم موسى إذ قالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هؤلاء قوم من بني إسرائيل سألوا موسى صلى الله عليه أن يريهم الله جهرة فأنزل الله سبحانه عليهم الصاعقة فأهلكتهم بظلمهم وشدة كفرهم وما طلبوه من محال مسألتهم وعظيم فريتهم فسبحان الذي لا تدركه الأبصار ولا تحيط به الأقطار ولا تجدوه الفكر ولا يلحقه النظر.

ثم قصَّ عزوجل ما كان من فعل بني إسرائيل وحربهم إخبارا لمحمد صلى الله عليه وللمؤمنين بما كان عليه أولئك من شرارتهم، وقلة إنصافهم وبعداوتهم وشدة كفرهم وهم يرون الآيات العظام فلا يرجعون ولا بها ساعة يتعظون ولا إلى الله سبحانه من جهلهم يستفيقون، فأخبرهم سبحانه أن هؤلاء الذين تشاهدون وبالمعاينة تنظرون هم من أولئك الذين قد غابوا عنهم يحتذون بفعلهم ويسيرون بسيرهم أهل جهل وضلال، وباطل وإدغال وكفر ومحال.

ثم ذكر سبحانه اتخاذهم العجل بعد أن أنقذهم من آل فرعون وما أبان لهم في ذلك من اللطف والعون وما رأوا من الآيات العظام من إنفلاق البحر لهم طريقا ومشيهم فرقا في قعره يبسا عددا فلم ينتفعوا بذلك إذ عاينوه ولم يرجعوا عن عبادة العجل، ولم يرفضوه فكان هذا ذما لهم وتبيينا لعوراتهم وتوقيفا على كفرهم، وقلت: كيف اتخذوا العجل من بعد أن أخذتهم الصاعقة، قال: قد أخبر الله سبحانه بحياتهم وبعثهم بعد موتهم، فقال: وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم يعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون.

(1/409)

وسألت: عن قول الله سبحانه: وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم، قال محمد بن يحيى عليه السلام: أراد سبحانه بذلك عيسى صلى الله عليه لما أخذه الظالمون ليهلكوه وسجنوه في البيت ليقتلوه فسلمه الله من كيدهم ودفع عنه ما هموا به من عظيم كفرهم وألبس الكافر الذي كان يحرسه شبه عيسى في صورته وخلقه، فلم يفرقوا عند ذلك بينه وبين عيسى عليه السلام في شيء من أمره فلما أن نهضوا لقتل عيسى صلى الله عليه وجدوا صاحبهم في مكانه فقتلوه ولم يشكوا فيه عندما عاينوه أنه عيسى صلى الله عليه فأخبرهم عزوجل عنه، فقال: وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم، ثم رفعه الله عنهم وأخرجه من بينهم سالما مسلما.

وقوله: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته فهذا دليل على حياته، وأنهم سيؤمنون به قبل موته، وذلك على ما يروى عند نزوله مع المهدي وإسلام الخلق ورجوعهم وما وعد الله به نبيه أن يظهر دينه على الأديان جميعا ولو كره المشركون.

وقلت: هل يجوز أن تقرأ قبل موتهم، وهذا لا يجوز والذين يؤمنون به، فهم أهل الكتاب، وقد يقال: إن عيسى بن مريم صلى الله عليه يقيم بعد المهدي سنينا ثم يموت، ومعنى قوله: لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون، والله سبحانه يشهد بالحق، وقد أخبر أنه من عنده أنزله بعلمه لاشك ولا أمترا، ثم قال: والملائكة يشهدون على صحته، وصدقه ولم يضر الحق جحدان الفاسقين ولا إنكار المبطلين..

(1/410)

وقلت: لم لم يستشهد عليه الجن والإنس عامة، فكيف يستشهد عليه قوما منهم من يجحده وأكثرهم يصد عنه وينكره، ولما أن جحده أهل الكتاب وأنكروا أن تكون صفته في كتابهم وإيجاب تصديقه وطاعته عليهم، قالت قريش: يا محمد أيتنا بمن يشهد على صدقك فإن أهل الكتاب قد جحدوك وما جيت به يعنون اليهود والنصارى، فاحتج بذلك المشركون من قريش ومن كان معهم، وأبطلوا أن يكون ما جاء به محمد عليه السلام من الله، فأخبر سبحانه بإكذابهم وشهد بالصدق لرسوله بقوله: لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون فكانوا صلوات الله عليهم يشهدون على أنه من الله فكانت الملائكة مجمعة على التصديق وليس منهم مخالف ولا عن الحق معاند.

وسألت: عن قول الله سبحانه: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد، قال محمد بن يحيى عليه السلام: الكلالة ما خلا الولد والوالد، وهذه الآية يروى أنها نزلت في جابر بن عبدالله وفي أخته أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال له: إن لي أختا فمالي من ميراثها بعد موتها، فنزلت هذه الآية.

وقلت: ما معنى قوله سبحانه: ليس له ولد هل أراد الذكور والإناث، وهذا المعنى سواء لأن الأنثى والذكر كلاهما ولد، وكذلك ولد الولد، إذا لم يكن ولد قاموا مقام الولد الذكور مثل الذكور والإناث، مثل الإناث سواء مثل ابن الابن وبنت الابن وما سواهم كلالة، وذكرت أن بعض من يدعي العلم يحجب العصبة بالبنت ولا يعطيهم شيئا معها ويقيمها مقام الإبن، وليس هذا قول من له علم، وكيف يقيمها مقام الذكر والله عزوجل لم يقيمها كذلك مع العصبة، وإنما يقول بهذا بعض فرق الإمامية الجهلة المفسدين في الإسلام المعطلين للأحكام الرافضين للفرقان.

(1/411)

والبنت تحجب الزوج: عن النصف وتحجب الزوجة عن الربع، فليس لزوج مع إبنةٍ ولا ابن الاَّربع ولا لزوجة مع بنت ولا ابن الاثمن والبنت فلها النصف وإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان وما بقي فللعصبة مثل العم وابن العم والاخ، وابن الاخ، ومن كان من العصبة.

وقلت: إنك قبلت الحجة في العول فقد، والحمد لله قلت صوابا وأزحت عنك في ذلك شكا، وارتيابا وفقك الله للهدى وأعانك على التقوى، وقلت: إني كتبت إليك إن الفرائض بالإتباع للثقات فما كان منها يرحمك الله منصوصا في الكتاب مشروحا، فقد اجتزينا به عن النظر في غيره وما كان فيه مجملا يحتاج إلى تفسير، فذلك موجود في السنة عن رسول الله صلى الله عليه والاتباع له فرض من الله عزوجل لقوله: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا، مع ما قد برأه الله منه سبحانه في كتابه من التكلف فقال: إن أتبع إلا ما يوحى إلي.

وقال في موضع آخر: قل ما أسئلكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين فشهد له سبحانه بالبراءة من التكلف وأنه لا يتبع إلا ما يوحى إليه، ثم قال عزوجل: وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول، وقال: من يطع الرسول فقد أطاع الله، فكل ما جاء به النبي صلى الله عليه فمن الله أمره به، وإذا صح عنه سبب ونقله الثقات تبعناه وعملنا به لأن الله قد أمرنا بذلك أمرا وحكم به حكما لا معقب لحكمه، وهو سريع الحساب.

وذكرت في مسألتك هذه عن القاسم بن إبراهيم صلوات الله عليه وعن غيره أشياء لم نقف في شرحها على صحة فاعلم ذلك، وفي ما كتبنا لك أولا وآخرا كفاية وغنا.

ومن سورة المائدة:

(1/412)

وسألت: عن قول الله سبحانه: أحلت لكم بهيمة الأنعام، فقلت: كم هي من الأصناف، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هي البهايم التي أجاز الله أكلها وأحل لخلقه لحومها وأنعم على البرية بها، وهي الإبل والبقر والغنم وغير ذلك، مثل الظبا وبقر الوحش والوعل وما أشبه ذلك من بهيمة الأنعام، ثم قال سبحانه: إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم.

فأخبرهم أن هذه البهائم التي من الأنعام مثل الضبا وبقر الوحش والوعل محرمة عند الإحرام امتحانا من الله لخلقه وتعبدا منه لعباده فحظرها عليهم في حال إحرامهم وأباحها لهم عند إحلالهم اختيار منه: ليجزي الذي أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.

وسألت: عن قول الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام إلى آخر الآية، قال محمد بن يحيى عليه السلام: الشعاير فهي ما تعبد الله به خلقه في الحج مثل: الصفا والمروة والمواقف والجمار والبدن فأمرهم الله ألا يبيحوا ذلك ولا يتركوه ولا يفرطوا فيه، وقد قيل: إنهم في سالف الدهر من بعد إبراهيم يتركون بعض هذه الأشياء ولا يرون في تركها بأسا، وكان ذلك من فعلهم خطأ فنهاهم الله سبحانه عنه، ومن إحلالها أيضا الإفساد فيها واستجازة الظلم والصد عنها، والمعنى الأول هو تفسيرها. وقد يلحق في الكلام ما يفرع عليه وجوه المسألة نريد بذلك إفهام المسترشد وتبيين الحق والله ولي التوفيق والعون والتسديد.

(1/413)

والهدي والقلايد: فهن الشعاير والهدي هو البدن، والقلايد فهو تقليدها وإشعارها فهو شق سهامها، وهو من التعبد الذي أمر الله به فيها والشهر الحرام، فهي الأشهر الحرم التي ذكر الله عزوجل حين يقول: منها أربعة حرم، فأخبر بقول الشهر الحرام عن ذكر جماعتها إذ كان ذكرها قد تقدم وشرحها كما قال سبحانه: يا أيها الإنسان فإنما أراد يا أيها الناس، وقال عزوجل: الشهر الحرام بالشهر الحرام، فأجاز لمحمد صلى الله عليه ولأصحابه حين تعتدي عليهم الأشهر الحرم وغزوا فيها أن يغزوهم صلى الله عليه فيها وإنما أراد عزوجل الاشهر الحرم كلها لا واحدا منها واجتزا بقوله: الأشهر الحرام عن ذكر الاشهر وعلم السامع أنه قد أجاز الانتصار في كلها لأن هذا من لغة العرب، فصحيح معروف في إيجاز الكلام والآمون البيت الحرام فهو من أمَّه وقصده من المؤمنين الطالبين لرضى الله فحرم سبحانه صدهم عنه، ومنعهم منه، والإعتراض لهم دونه، تأديبا منه عزوجل لخلقه ودلالةً على أرشد طرقهم، وإن كانوا لم يفعلوا ذلك كما قال عزوجل: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن.

فكان ذلك عظة منه وتعليما وتفهيما لما لهم فيه الصلاح ونهيا عن أفعال الجاهلية الأولين، من فسادهم لأموال اليتاما وصدهم عن البيت الحرام، وإن كان المؤمنون لم يفعلوا ذلك في إيمانهم، ولكن كان ذلك من الله تعليما لهم ودلالة على أرشد أمورهم، ثم قد أصبح أهل الظلم اليوم، وهم صادون عنه ما نعون لأهل الإسلام عنه مخيفون للمؤمنين دونه، فالله عزوجل على ذلك المستعان وإليه المشتكا.

(1/414)

40 / 47
ع
En
A+
A-