(1/366)
وقلت: إن كان رجل عازما على الحج ثم نزلت به نازلة منعته عما أمل من قصده فأوصى بثلث ماله يحج به عنه، هل يجوز أن يدفع إلى من يحج به عنه من المدينة والكوفة، إذا كان لا يكفيه للحج من بلده، ولم تشرح المعنى جيدا في هذه الوصية فإن كانت النازلة التي نزلت به عند قصده للحج نازلة موت فأوصى بثلث ماله يحجج به عنه، فلا بأس أن يدفع بالمدينة أو بالكوفة يحج منها عنه إذا كان لا يبلغ من يخرج من بلده، وإن كانت النازلة بالرجل من مرض فهو على نيته. وما أمل في أو أداء حجه، فإذا أزاح الله ما به من علته خرج بنفسه ولم يكل ذلك إلى غيره.
وقلت: إنا جعلنا الحج من الثلث إذا أوصى به الميت، وكذلك فعلنا لأن كل وصية عند الوفاة فإنما تخرج من الثلث، ولم يجعل الله للموصي عند الموت أن يوصي بأكثر من ثلثه فأجزنا ما أجازه له خالقه، ومتعناه مما لم يجزه سبحانه له والحج فإنما هو فرض على الرجل في رقبته يؤديه لنفسه بحركاته وسفره وحطه ورحله، وأما إذا حضرت الوفاة فليس له في المال إلا الثلث.
وقلت: هل يخرج من سائر المال للحج إذا لم يكفه الثلث وليس ذلك على الورثة ولا يلزمهم من حكم الله فإن تبرعوا بشيء وأجازوه، فذلك بر منهم وإحسان وليس بلازم لهم ولا واجب عليهم.
وسألت: عن قول الله سبحانه: تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين، قال محمد بن يحيى عليه السلام الآيات فهي ما أنزل الله سبحانه من كتابه، وما جعل الله فيه من آياته ودلائله التي توجب الطاعة وتذهب المعصية ويتم بها من الله على عباده النعمة آيات حق ومبينات لصدق رسول أمين مقرب عند ذي العرش مكين مستودع من أخبار الأولين والآخرين مع علم ما سيكون في يوم الدين والآيات التي جاء بها محمد صلى الله عليه تشهد على نبوته وتفلج خصمه، وتقيم الحجة له.
(1/367)
ألا تسمع كيف يقول سبحانه في أول العشر، وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله، ومن يعتصم بالله، فقد هدى إلى صراط مستقيم، فكل هذه آيات وتبصرة وهداية للحق وتذكرة.
وسألت: عن قول الله سبحانه: إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذه آية قايمة بنفسها مستغنية عن التفسير لها، ألا تسمع كيف يقول عزوجل: إن أول بيت وضع للناس ببكة مباركا، وهو بيت آدم صلى الله عليه الذي ابتناه عند خروجه من الجنة التي كان فيها وفي ظلالها فاحتاج عند ذلك إلى الظل والكنان، فدله الله على بنائه فكان أو لبيت بني في الدنيا، فكان فيه صلى الله عليه ساكنا وحوله قاطنا وهو البيت الذي أقسم الله به في قوله: والبيت المعمور، وهو قبلة إبراهيم وقبلة محمد صلى الله عليهما، وقبلة الخلق إلى منقطع الدنيا، وذكرت أن بيت آدم رفع إلى السماء ليس من ذلك شيء بل هو البيت الحرام المتعبد به جميع الأنام الذي يطاف به الآن ويقصده جميع أهل الإيمان.
وسألت: عن قول الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدوركم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون، إلى قوله: إن الله بما تعملون محيط، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى قوله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم نهي منه عزوجل للمؤمنين أن يتخذوا بطانة والبطانة فهي الخاصة الموثوق بهم المحبون المكرمون فنهاهم الله سبحانه أن يتخذوا الكافرين بطانة وأولياء، ثم قال: لا يألونكم خبالا، فأخبرهم أن هؤلاء الذين اتخذوهم بطانة لا يألونهم خبالا.
(1/368)
والخبال: فهو الإفساد والمكيدة والاحتيال، ثم قال عزوجل: ودوا ما عنتم، فأخبر أنهم يودون ما عنت به المؤمنون والعنت فهو الهلاك فأخبره أنهم يودون ذلك ويحبونه ويشتهونه، ثم قال: قد بدت البغضاء من أفواههم بقبح اللفظ، والكلام والطعن على المؤمنين والإفساد على الصالحين والمساعدة لمن حاربهم من الكافرين..
ثم أخبر عزوجل أن ما تخفي صدورهم أكبر مما هم مضمرون، وله معتقدون في المؤمنين من التحسر عليهم، والطلب لهلاكهم والتغيظ عليهم في جميع أحوالهم فقلوبهم على المؤمنين وغرة وأنفسهم عليهم حنقة يطلبون بهم الغوايل ويولبون عليهم القبايل، ثم أخبرهم سبحانه تبيناً بذلك للمؤمنين، وإيقافا على مكايد الفاسقين، فقال: قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون، يقول: إن كنتم تفهمون، ثم قال عزوجل: هاءنتم أو لا تحبونهم ولا يحبونكم إعلاما منه سبحانه للمؤمنين أنكم تعاملونهم بالصحة وليس في محبتكم لهم غش ولا مكيدة وهم يعاملونكم بالبغض والخيانة ووغر الصدور والانطواء على أقبح الأمور.
ثم قال سبحانه: وتؤمنون بالكتاب كله ولا تكذبون شيئا من حكمه وإذا لقوكم، قالوا: آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ يقول عزوجل إذا لقوا المؤمنين أعطوهم ظاهرا من القول ومحالا من الكلام وإذا خلوا عضوا كما ذكر الله سبحانه عليهم الأنامل من الغيظ والأنامل فهي الاصابع، وهذا يفعله كل من اشتد غيظه وعظم حنقه تأسفا وتحسرا إذا قصرت يده عما لا يقدر أن يناله فإذا كان ذلك عض أنامله، فقال الله عزوجل: أمرا منه لنبيه وللمؤمنين أن يقولوا للكافرين عند ما أخبرهم به سبحانه من غيظ الظالمين عليهم، قل موتوا بغيظكم يريد أنكم كناصح تبلغوا ما تأملون ولا تقدرون عليه، ولا تلحقونه أو تفنون.
(1/369)
ومعنى: عليم بذات الصدور فهو عليم بما استجن في الصدور واستتر في القلوب وعلمه بغامض السر والخفيات كعلمه بما بان وظهر من الأفعال المعلنات الواضحات البينات لا يخفى عليه شيء وهو السميع العليم.
ثم قال عزوجل: إن تمسسكم حسنة تسؤهم، فأخبر سبحانه أنه أذا مس المؤمنين من الله حسنة وأنعم عليهم نعمة أو فتح عليهم فتحاسأ هؤلاء الكفرة المذكورين، وغمهم ثم قال سبحانه: وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها، ومعنى يفرحوا فهو يسرو ويستبشروا، ثم قال سبحانه: وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط، فأخبر سبحانه أنه محيط بأعمالهم مجازي لهم على جميع أفعالهم، حافظ للمؤمنين من كيدهم إذ هو سبحانه ذو الفضل والإحسان على جميع أهل الطاعة والإيمان، وهذا معنى الآيات وما يخرج تفسيرهن عليه، والله ولي التوفيق..
وسألت: عن قول الله سبحانه: إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما، قال محمد بن يحيى عليه السلام: سئل عن هذه المسألة أبي الهادي إلى الحق صلوات الله عليه، فقال: هما بنوا سلمة وبنوا حارثه فكانت بنوا سلمة نحو سَلْعٍ وبنو حارثة نحو أحد حين عبأ النبي صلى الله عليه الناس، وذلك يوم الخندق.
وسألت: عن قول الله سبحانه: سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض، وقد مضى تفسيرها في مسائلكم الأولة.
وسألت: عن قول الله سبحانه: خالدين فيها ما دامت السموات والأرض، فقلت: ما هذه السماء والأرض، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هي سماء الآخرة وأرضها الباقيتان المحكوم لهما من الله بالدوام.
(1/370)
وسألت: عن الآخرة، فقلت: هما داران جنة، ونار، فقلت: فأين يكون الموقف إذا لم يكن إلا جنة ونار، قال محمد بن يحيى عليه السلام كذلك الآخرة ليس فيها لساكن مثوى ولا قرار إلا جنة ونار، والحشر فإنما يكون قبل الموقف والقضاء والمحاسبة على جميع الأشياء والحساب، فإنما يقع من قبل المكافأة والجزاء وعند مصيرهم إلى منازلهم ودارهم لا يسكنون غيرها ولا يكونون أبدا إلا فيها، فلما أن حكم الله عزوجل للمؤمنين بالجنة ثوابا وبالنار لأهل المعصية جزاء، وعقابا لم يكن الموقف لهم بقرار، ولو كان لهم قرارا لكان مسكنا ودارا وما حالهم في الموقف إلا كحالهم عند خروجهم من قبورهم لأنه لابد لهم من الخروج منها، والمسير إلى غيرها.
فإن قلت: الموقف من الجنة أو من النار، فقيل لك: من الجنة، فقلت: فقد دخل أهل النار الجنة، وإن قيل من النار قلت: فقد دخل أهل الجنة النار، قلنا لك: أرأيت القبور التي خرج الناس منها، أليس كان خروجهم منها في الآخرة عند قيام الساعة، أفرأيت المواضع التي خرجوا منها وصاروا إلى المحشر فيها أم من الجنة أم من النار، فإن كان من النار كان ذلك فاسداً لأن أهل النار لايزالون فيها وليسوا بزائلين من النار وأهل الجنة، واقفون فيه وليسوا ممن يدخل النار، ومما يحتج به عليك أن يقال لك: أرأيت الآخرة، هل ذكر الله فيها مسكنا إلا جنة أو نارا و ليس ما زيل منه وخرج منه، وخرج من قراره بجنة ولا بنار ولن يخلوا هذا المقام من أن يكون على أحد ثلاثة وجوه:
إما أن يكون يرد في النار، فيدخل فيها فليس ما يكون فيها منها حتى يكون فيها كما لا يقال لمن كان من أهل النار، قد دخل النار حتى يدخلها أو يكون من الجنة، فليس يقال لما لم يدخل في الجنة أنه من الجنة وإنما يسمى بها إذا دخل في حدودها، وعند دخوله في حدودها يخلق سوا خلقه ويغير كتغيير غيره من السماء الأولى والأرض عند تغييره فليس هو بعينه.
(1/371)
وقد يمكن أن يكون الله عزوجل يجعل موقفا للخلق يحاسبون فيه، ويحشرون إليه كما ذكر سبحانه المحشر والوقوف بين يديه، ثم يبيده كما أباد السماء الدنيا وأرضها ونسف جبالها ويصير أهل الجنة وأهل النار إلى قرارهما ولا يبقى شيء غيرهما ولا منزل سواهما وأي ذلك فحسن جميل لا يلحق الله سبحانه فيه ذم ولا لقايل مقال وليس هذا مما تعبد الله به الخلق أن يعرفوه وإنما عليهم أن يصدقوا بالجنة والنار، وليس عليهم أن يصفوهما، فما مثل مسألتك هذه إلا كمثل إنسان قال: كم طول النار، وكم عرضها وما فيها من عدة عذابه، وهذا شيء قد وضعه الله عن الخلق لا يحتاجون إليه، ولا يسألون عنه والترك للجواب فيه واسع إلا أنا أحببنا أن نجيبك ببعض الجواب، ولو أردنا التفريع والتطويل لأمكن ذلك.
وأما ما سألت عنه من إطلاع أهل الجنة على أهل النار، وما قال فيه الهادي إلى الحق صلوات الله عليه، وما أجبنا به فليس بيننا اختلاف بل نحن ولله الحمد على غاية الائتلاف لأن الاطلاع يكون إطلاعا بخبر وإطلاعا بنظر، فقلنا: ما قال الله فاطلع فرأه في سواء الجحيم، وسواؤها وسطها، فلما أن قال: سواء، قلنا: نظرا إذا قال في سواد الجحيم، والعرب تقول: أطلعت على خبرك تريد بالاطلاع أي بالاخبار لا بالنظر، ويقول القايل: أطلعت على ما كنت تفعل بالاشراف والبصر، وقد صار الاطلاع بالنظر والاطلاع بالخبر كلاهما غير خارج من المعنى ولا مفسد لصفة الإطلاع، ولا يقع بهذا تحليل حرام ولا تحريم حلال نعنف على إختلافنا فيه، ولا كان في قولي أن أهل الجنة يدخلون النار، ولا أن أهل النار يدخلون الجنة، فتكون هذه المخالفة التي أحلت وحرمت.
(1/372)
فأما في اللغة المتسعة فجايز الاطلاع بالخبر والاطلاع بالنظر وكلاهما جايز في اللغة ثابت في العربية غير مفسد ولا مدخل ضدا و إنما يقع التضاد فيما أحل وحرم أو ممن أدخل في الوعيد، من كان من أهل الوعيد ففي هذا تكون المخالفة، فأما ما جاء في اللغة وخرج في الكلام فإنما حاله كحال من قال: يا رجل، وقال: يا إنسان، أو قال: يا غلام وكلهم يجمعه اسم الانسان، وإنما يقع الاختلاف، لو سمى الإنسان بجني أو فرس فيكون أحدهما مخالفا لصاحبه خارجا من حده ووقته وجنسه وصفته لأن من سما الإنسان باسم الفرس فلم يعرف الإنسان، وكان هذا خطأ من المقال وتناقضا في كل حال.
فأما من قال: يارجل، وقال: يا إنسان فهما جميعا مؤتلفان لا فرق بينهما ولا اختلاف فيهما وكل إسم يجوز أن يدعا به صاحبه فافهم هديت المعنى الذي يقع فيه الاختلاف بين لك فيه الصواب، ويخرج بعون الله من الارتياب، والهادي إلى الحق صلوات الله عليه فمصيب في جميع أحواله فما قال: فهو صواب، ولم نخالفه في شيء من الأشياء بل نحن تابعون له مقتدون بفعله ممتمثلون لرسومه فجمعنا الله معه في مستقر رحمته بمنه ورأفته.
وسألت: عن قول الله سبحانه: وتلك الأيام نداولها بين الناس، فقلت: ما معنى ذلك، قال محمد بن يحيى عليه السلام: قد قيل في ذلك أنها مداولة بينهم في الملك والغلبة، وقيل: إن الله عزوجل جعل بينهم الدولة، وهذا عندي، فقول مدخول ليس هو بصواب ولكن أقول، والله الموفق: إن معنى قوله سبحانه: نداولها بين الناس، فهو إفنأ قرون وإحداث قرون وأمور بعد أمور ومداولتهم فيها فهو ما جعل الله لهم من البقا في مدتها فقوم يموتون وخلق يحدثون إلى انقطاع الأيام وآخر الآية يشهد على ما قلنا به ليجزي الله سبحانه كلا بفعله ويعطيه على إحسانه ويعاقبه على سيئته.
(1/373)
وسألت: عن قول الله سبحانه: ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون، قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذه نزلت في يوم أحد، فيما امتحن به المؤمنون ونالهم به المشركون، ومعنى قوله سبحانه: فقد رأيتموه وأنتم تنظرون، يقول: عاينتم من الشدة والهول وحصول ما يقع به القتل والموت وأنتم تنظرون، والعرب تسمي كل شيء فظعها وهالها وأيقنت فيه بالهلكة والموت، تقول: إذا وقعت في خطر أو أمر شديد رأينا اليوم الموت عيانا ووقعنا في الموت، وهذا جايز في لغتهم حسن من كلامهم، وإنما خاطبهم الله بما يعرفون وناجاهم بما لا ينكرون.
وسألت: عن قول الله سبحانه: وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا، قال محمد بن يحيى عليه السلام: معنى بإذن الله أي بعلمه وكذلك فلا يموت أحد إلا بعلم الله والكتاب المؤجل، فهو الوقت الذي قد علمه الله وقدر فيه العمر والمدة، وقلت: إذا قتل الرجل هل يكون ذلك بإذن الله وبأمره فنقول: أكرم الله عن النار وجهك إن قتل الرجل يعلم الله، وليس علم الله الذي كان به قتله، وإنما علم الله ما كان من التعدي عليه، وأما بأمر الله وقضائه فمعاذ الله ما أمر الله به، وكيف يأمر به، وهو يقول عزوجل: قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون، ويقول سبحانه: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ويقول: من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم، الآية.
(1/374)
فنهى عن قتل النفس، وذم فيها وأوجب العقوبة على قاتلها، وكيف يجوز أن ينسب إليه ما تبرأ منه وأوجب العقاب عليه تعالى الله عن ذلك علوا كبير ا، وهل يمكن في عدل الحكيم أن يقضي بقتل عبد على عبد وقضاؤه لا حيلة فيه ولا مخرج منه ثم يعذب القاتل ويأمر بقتله، وهذا بعيد من العدل والله برئ من ذلك بل قد أمر خلقه بترك التعدي والظلم، فقال: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، وقال: النفس بالنفس، وقال: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا، فكيف ينسب إليه ما هو برئ منه سبحانه ويأمر بخلافه ويحكم بالتغيير على فاعله.
وإن كنت أردت بقولك: إن قتل المقتول بأمر الله من طريق ما حكم الله به على الظالمين، حيث يقول: فاقتلوهم حيث وجدتموهم، وقوله عزوجل: فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب، وما أطلق للأولياء من القتل للقاتل الظالم لهم المتعدي عليهم، فهذا لعمري من فعل الله تبارك وتعالى وأمره وحكمه على ظلمة خلقه مكافأة لهم على فعلهم ومجازاة على قبيح عملهم من بعد إقامة الحجة عليهم وتبيين الحق لهم، وفي هذا من الحجج كثير لو شرحناه واحتججنا به وفيه لكان متسعا كثيرا، والقليل المجزي الموافق في الديانه أنفع من الكثير عند من يخالف في المقالة نسأل الله التوفيق لما يرضيه ويقرب من الأمور إليه.
(1/375)
وسألت: عن قول الله سبحانه: ولا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزا، فقلت: لم قال: إذا ضربوا وهل يحتمل أن يطرح الألف من إذا، وهذا يرحمك الله كلام فصيح جايز مستقيم لو كان على غيره لدخله نقصان لأن الله سبحانه إنما أخبر عن قول الظالمين، فقال: لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض، أو كانوا غزا لو كانوا عندنا ما ما توا وما قتلوا، فأخبر الله عزوجل أنهم إنما يقولون هذا الكلام لإخوانهم إذا أخرجوا بأمر نبيهم وغزوا في طاعة ربهم وليسوا إذا قعدوا يقولون لهم من ذلك شيئا فلما أن كانوا يمسكون عن هذا الكلام في حال قعود إخوانهم، ويتكلمون به عند خروجهم في جهاد أعداء الله وعدوهم كانت هذه حالان.
فأخبر الله عزوجل بكلامهم في حال الغزو والضرب في الأرض وبسكوتهم في حال التخلف والخفض فلم يحسن ولم يجز في صحيح اللغة، إلا أن يقول: إذا لأن إذا إخبار عن كلام هؤلاء القوم لإخوانهم في كل مرة غزوا وضربوا في الأرض، قالوا لهم: هذا وخاطبوهم بهذه المخاطبة لا يقطعونها عنهم أصلا وإذا كان قولهم إذ ضربوا في الأرض كانوا كأنهم إنما خاطبوهم في فعلة واحدة وسفر منفرد وحده فهذا الفرق بين إذا وإذ.
وسألت: عن قول الله سبحانه: وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل، فقلت: كيف تقرأ بضم الياء وفتح الغين أم بنصب الياء ورفع الغين، وليس القراءة تجوز في هذا إلا برفع الياء ونصب الغين، وقد عندكم في القراءة مصحف أنفذناه إليكم فيه جميع ما تحتاج إلى معرفته من القراءة الصحيحة.
وسألت: عن قول الله سبحانه: هم درجات عند الله، وقد مضا تفسيرها إليكم وشرحها مبينا بتفضيل الله لأولياده في عطائه لهم على قدر أعمالهم وشدة اجتهادهم وصدق قولهم، وفي ذلك لكم كفاية إن شاء الله.
(1/376)
وسألت: عن قول الله سبحانه: ولا يحسبن الذين كفروا أنما تملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين، قال محمد بن يحيى عليه السلام: قد سئل عن هذه الآية جدي القاسم عليه السلام، فقال: الإملاء منه الإبقاء، وهو تأخير العذاب، والنقم فيما ارتكبوا من الإثم والجرم وبهذا كله وعنه وبما يولي الله منه أمراً من الإثم والإساءة ما أتوا وعصوا الله بما عصوا فأعلم أن الإملاء من الله نعمة وإحسان وازدياد الإثم منهم فإساءة وعصيان.
فمن الله سبحانه الإملاء ومنهم الاعتداء وتأخيره سبحانه لإنزال العذاب بهم، وإنما هو ليزدادوا إثما بكسبهم ليس لما يحبون من سرورهم ولا لما يريدون من أمورهم ولكن ليزدادوا بالبقاء والإملاء إثما ولأنفسهم بما ارتكبوا من الظلم هلكه وإخزا، وإن كان ما تركوا من الهدى، وإن لم يفعلوه لهم ممكنا، وكان ما تركوا من الهدى في نفسه حسنا، ولهم لو صاروا إليه ولن يصيروا محييا وكان كلهم بإتيانه له مهتديا.
والإملاء والإبقاء: فهو من فعل الله بهم وازدياد الإثم فهو من فعلهم وكسبهم وما يمكن ويكون بالإملاء من الأمور فسوى في المكنة من البر والفجور، فلما آثروا اعتداهم على ما يمكنهم من هداهم جاز أن يقال: أملوا ليزدادوا إثما وردا كما يجوز لو اهتدوا أن يقال: أملوا ليزدادوا برا وهد ا، ومثل ليزدادوا إثما قول الله تبارك وتعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، وهم وإن خلقوا ليعبدوه فيحتملون لغير العبادة وإن أرادوه والعبادة لله وخلافها إنما هو فعل منهم إن فعلوه نسب إليهم، ولم يزل عنهم، وكل ذلك ففعل لهم وصنع والله تعالى هو الصانع لهم المبتدع ففعل الله بريء من فعلهم فيما كان من الإملاء لهم ففعل الله تأخير وإملا وفعلهم إزدياد واعتداء، وبين ذلك فرق لا يجهله إلا جاهل.
(1/377)
وسألت: عن قول الله سبحانه: ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب، فقلت: ما معنى هذا وهل نقرأ يميز الخبيث من الطيب?. قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذه الآية نزلت في المؤمنين والمنافقين من قبل فرض الجهاد، فكان المؤمنون الصادق قولهم الخالصة نياتهم الصحيحة، عزائمهم يقولون: يا رسول الله لو فرض الله الجهاد عليك كما فرضه على من كان قبلك أو امتحنا بما كان يمتحن به الأمم من قبلنا لسلمنا ولقمنا واجتهدنا وأبلينا في الله ونصحنا وكان المنافقون يقولون: مثل قول المؤمنين سواء ويصفون عن أنفسهم ما يصفه المؤمنون من نياتهم فاستووا في الظاهر، واختلفوا في الضماير فلم يفرق بينهم في الضماير شيء من الأمور، فأنزل الله تبارك وتعالى: ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب.
ففرض الله سبحانه على نبيه صلى الله وعلى من معه الجهاد، فأماز أهل الشرك والارتياب وبانوا لجميع أهل الدين في الالباب فعرفوا بكذبهم واستدل عليهم بغشهم ونفذ المؤمنون لطاعة ربهم مصممون في مرضاة خالقهم لم يشكوا في دينهم ولم يرتابوا في بصايرهم بل زادهم ذلك إيمانا ويقينا، وهدى وعزما فميز الله بما افترض من جهاد أعدائه، وقد كانوا عند الله من المميزين وهوبهم عالم على سرايرهم مطلع ولكن أبانهم لنبيه صلى الله عليه وميزهم للمؤمنين ولجميع الصالحين فكان من المنافقين ما قد بلغك في خروج النبي صلى الله عليه إلى بدر ورجوعهم عنه، وما كان من عبدالله بن أبي سلول المنافق من الرجوع بكثير من الناس عن رسول الله عليه السلام فلم يضر بذلك إلا نفسه، وتولى الله النصر لنبيه صلى الله عليه وأظهر كلمته ولو كره المشركون، وسيعلم الذي ظلموا أي منقلب ينقلبون.
(1/378)
وسألت: عن قول الله سبحانه: لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول: ذوقوا عذاب الحريق. قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا إخبار من الله عزوجل بقول الفاسقين الظلمة المتمردين وما يقولون به في رب العالمين، والقايل لذلك فهم المشركون الجاحدون لله المنكرون لنبيه صلى الله عليه من أهل الكتاب ومن ساعدهم من الأشرار وأهل الكفر والارتياب وأمثالهم، ثم قال: سنكتب ما قالوا والكتاب فهو الحفظ من الله تبارك وتعالى لقولهم وما كان من سيء لفظهم ومعنى قتلهم الأنبياء بغير حق فهو الرضى منهم بقتل آبائهم لمن سلف من النبيين فلما أن رضوا بذلك كانوا من القاتلين ولفعل من سلف من المصوبين، وفي ذلك لا محالة من الداخلين.