وعلى صور أحرى أمرهم فأحاط بكل الأشياء خبرا ولم يدخلهم بعلمه في شيء جبرا فافهم ما يتصرف الخلق فيه من معلومات الله واعلم أن الخلق لا يتصرفون في علمه لا يرا بعلم خلاف تصرف الخلق وتصرف الخلق خلاف العلم، وإنما يتصرف الخلق في أفعالهم وأفعالهم هي معلومات الله فافهم الفرق بين المعلوم والعلم بين ذلك ما فيه التصرف من أفعال الخلق إن شاء الله.
ثم قلت: إن قال المعارض لنا، أليس قد علم الله أن فرعون يعصي ولا يطيع فلما أرسل إليه موسى وهارون وكذلك إلى غيره من الجبابرة والفراعنة قد أرسل إليهم الرسل وهو يعلم أنهم لا يطيعون.
الجواب: في ذلك أن يقال له: قد علم الله أنهم لا يطيعون ولم يعلم أنهم لا يقدرون على أن يطيعوه وعلم أنهم يعصون ولم يعلم أنهم لا يقدرون على الطاعة وقد علم سبحانه أنهم لو أرادوا الطاعة أطاعوا كما علم أنهم سيؤثرون المعصية على الطاعة، فلم يكن سبحانه ليعاقبهم على ما لم يفعلوا من المعصية ولم يكن ليعذبهم قبل أن يثبت عليهم الحجة فبعث المرسلين يدعون إلى طاعة الله وترك معصيتهم من هو قادر على أن يطيع وعلى أن يترك المعصية لو أرادوا لما جعل فيهم على ذلك كله من الإستطاعة الثابتة فيهم ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حيي عن بينة وإن الله لسميع عليم.
ثم قلت: أن قال المعارض هل كان فرعون يقدر أن يخرج مما قد علمه الله قيل له أيها لمعارض فيما أجبناك في أول المسلة بجواب هذا الكلام إذ أعلمناك أن علم الله إنما وقع على ما يكون منهم من الإختيار الذي لا يكون منهم أبدا غيره من الإختيار لأجد الأمرين فعلم سبحانه ما يؤثرون وما يختارون وما عليه يبيتون فاحاط علمه باختيارهم الذي هو معلوم له وهو فعلهم لا فعله وصنعهم لا صنعه.
(1/279)
فمثل العلم كالدار وفي الدار بيوت والبيوت فيها أبواب فهو ينتقل في بيوتها ولم يخرج منها كذلك العلم تحيط باختيار العبيد وبصيور أمرهم. وآخر إختيارهم وهم ينتقلون من فعالهم في معلوم إلى معلوم والعلم غير المعلوم كما البيوت التي في الدار غير سور الدار المحيط بها.
فالخلق في المعلوم منصرفون لا في العلم تعالى الله عما يقول الملحدون ويصف الجاهلون.
وسألت: عن قول الله سبحانه: كهيعص وحم والر، وما أشبه ذلك من أول السور وأعلم أعاننا الله وإياك على طاعته، أن هذه الأحرف أحرف لم يتعبد الله أحداً فيها بأكثر من الإقرار بها كنَّا الله تقسيرها عن نبيه فضلا عن غيره ولو اطلع عليها وصيه ولو اطلع عليها وصيه إذا لعرفها علماء أهل بيته فلما أن لم يحدد لك مفسرا عن رسول الله عليه السلام وآله ولا اللغة المستدل بها علمنا أن هذه الأحرف أحرف لم يكلف الله تفسيرها إذ ترك اطلاع نبيه عليها غير أنه قد تكلم متكلمون وخبط خابطون بغير معرفة ولا وصية بصيرة ثاقبة تكمهاً منهم وعما فأنكرنا ذلك من فعلهم وكرهنا من عملهم فخشينا إن فسرنا أن نقع في ما كرهنا ونصير إلى ما أنكرنا فتركنا المنكر عندنا لما بان من الصواب لدينا فنسأل الله العون على طاعته والقيام بواجب حقه.
قول الله تبارك وتعالى: حم حرف لم يتعبد الله أحدا بعلمه ليس فيه فرض من الله على عباده. الكتات المبين فهو كتاب محمد المبين معنا المبين بين الحق وبين الباطل. وعن قول الله من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان فقال الإكراه بالقول وفي القول لا في الفعل وهذه نزلت في عمار بن ياسر وصاحبه.
وعن قول الله تبارك وتعالى وبئر معطلة وقصر مشيد.فقال البئر والقصر في اليمن في أرض السهل في موضع عمار بن ياسر.
(1/280)
قال أحمد بن بريه في موضع يقال له هكره وسئل عن الفوة خلف اللاحن الأمي فقال:؛إذا كان مؤمنا عارفا بالله سبحانه ولم يكن يلحن في كل ما يقرأ وكان لحنه حرفا بعد حرف في السورة بعد السورة ولم يوجد خبر منه لموضعه واضطر إليه فلا بأس بالصلاة معه ولا يجوز أن يعطى على الصلاة أجره ولكن من كان فقيراً محتاجا أعطي معونة وقوتا لنفسه ولعياله علي طريق العون لا على طريق الأجرة لكي لا يموت جوعا.
وعن قوله يزيد في الخلق ما يشاء فقال معنا يزيد في الخلق ما يشاء أي يكون الرجل واحداً ثم يكونوا من بعد ذلك خمسة أو ستة أو أكثر من ذلك فهذه الزيادة التي ذكر الله تبارك وتعالى.
وعن قول الله تبارك وتعالى: جعلا له شركاء فيما أتاهما، فقال إن آدم وحوا صلى الله عليهما لما أن أسكنهما الله الجنة التي ذكر في كتابه نظر آدم صلى الله عليه إلى خلقه ونظر إلى خلق حوا عليهما السلام فقال: لئن آتيتنا ولدا على مثل خلق آدم لنخلينه لعبادتك وطاعتك فلما أن رزقهما الله تبارك وتعالى ولدا ذكرا وشب ذلك الغلام وكبر لم يستغن عنه أبوه في معونته في حرثه وزرعه وجميع مرافقه فاستخدمه يوما وخلاه لعبادة ربه يوما فكان على ذلك فعله فأنزل الله تبارك وتعالى قرآنا وهو قوله جعلا له شركاء فيما أتاهما لا ما يقول به الجاهلون القايلون على الله ما لا يعلمون.
وعن قول الله تبارك وتعالى يؤمنون بالجبت والطاغوت فقال: الجبت هو كل ماصد عن أمر الله وألها عن دينه، والطاغوت فهو كل ما أطغا وجبت عن دين الله وحمل أحدا من عباد الله على معصية الله من طواغيت جبابرة أرضه وملاعين كفرة عباده.
وعن العذاب الأدنى فقال: هو عذاب الدنيا بما يكون فيها من حلول يقمة من أي النقم كانت من جوع أو مخافة أو سيف، والعذاب الأكبر فهو عذاب النار في الآخرة وبئس المصير.
(1/281)
وعن قول الله: وبالنجم هم يهتدون، فقال العلامات وهي الدلالات من كل شئ من الإهتداء دليل على الله أو دليل على دين الله أو دليل على سبيل من السبل وبالنجم هم يهتدون والنجم هو النجوم التي يهتدي بها في البر والبحر والطرق والسبل ومن الإهتداء بالنجوم أيضا هو الإهتداء إلى معرفة الله تبارك وتعالى بما في النجوم من أثر صنعه والدليل على قدرته ووحدانيته.
وعن قول الله تبارك وتعالى ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا، فقال القايل هذا والعاض على يديه هو من قصر في إتباع الرسول واتخاذ الوسائل إلى الله معه بالطاعة له، وأما قوله يا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ففلان هو كل من صده عن سبيل فأطاعه أو أمره بمعصية الله فاتبعه من الفراعنه الضالين والطغاة المغوين.
وعن قول الله تبارك وتعالى: ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس، فقال: المضلان للكافرين اللذان سألوا ربهما أن يريهم إياهما فهو مضلي الإنس والجن ومغوياهم لأن كل ضال بالضلال مضل فلم يضل إلا بإطغا شيطان ووسوسته أو إطغا جبار من الإنس دخل في طاعته فجبار الإنس المضل لأتباعه والشيطان الموسوس بالمعصية لأوليائه هما المضلان للضالين وهما اللذان سألوا أولياوهما وأهل طاعتهما في الدنيا رؤيتهما في الآخرة تعسفا وغضبا عليهما لينا لا في العذاب بعض ما تشتفي به منهما صدورهم ويخف غيظهم ولا فرجا ولله الحمد لأحد من أهل جهنم في ذلك سلوا كان ولا غيره.
وعن قول الله فتلقا آدم من ربه كلمات فقال الكلمات هو كلمات الإستغفار والتوبة، والأمانة ذكرهن آدم بعد المعصية خطفا لهن ما وجب عليه من غضب ربه فلما أن تكلم بكلمات التوبة و أظهرن صرف الله عنه العقاب وصار حكمه عند الله حكم من أناب وتاب.
(1/282)
وقلت: ما الدليل على أن الله خلق الأشياء لا من شئ أو من غير شئ فإن خلقها من شئ أزلي فقد كان معه في الأزلية والقدم غيره من الأشياء ولو كان ذلك كذلك تعالى الله عن ذلك لم يصح له الأزلية وإذا لم تصح له الأزلية لم تصح له الوخدانية وإذا لم تصح له الوحدانية لم تصح له الربوبية لأن من كان معه شئ من خلقه فليس برب للأشياء كلها إذا لم يكن لها كلها خالقا فمن هاهنا صح أنه خلق الأشياء لا من لاشيء وابتدئ تكوين أبدائها من غير شئ.
وقلت: ؛لأي علة بعث الله الرسل«، فقا ل: ؛بعث الله سبحانه الرسل ليكونوا حجة له على خلقه وليبلغوهم عنه ما تعبدهم به من فرضه إذ مفروضاته سبحانه معقول ومسموع فما كان من المسموع فلابد فيه من مسمع يؤديه وناطق به عن الله بما فيه وهم الرسل عليهم السلام الؤودون إلى خلق الله رسائله والمبلغون إليهم عنه مراده منهم فلهذا المعنى من تأديتهم عنه بعثهم.
وسألت: عن قول الله سبحانه: وجعلنا بينهم موبقا فالموبق فهو الهلكة التي أوبقتهم بمعنا ما قدموا من عملهم وهو العذاب الذي صيرهم الله إليه وأوبقهم فيه فشغلهم موبق الهلكة عن إخوانهم الفسقة فهذا معنا موبقا.
وسألت: عن قول الله سبحانه: إنما النسيء زيادة في الكفر، فالنسيء:هي الأشهر التي كان أهل الجاهلية ينسونها ومعنى ينسونها فهو يبدلونها ويتركونها، كانوا يجعلونها هي ويعصون في الأشهر التي أبدلوا عن المظالم، ومعنى النسيء ينسون هذا ليتركوه مرة ثم يأخذونه وينسون غيره مرة يحرمون التظالم في شهر ومرة يحلونه فيه ولا يحرمونه في غيره فأخبر الله تبارك وتعالى أن هذا من فعلهم زيادة في ما هم عليه من كفرهم وتمردا على خالقهم فضل به الكافرون من فعلهم يحلونه عاما ويحرمونه عاما ويطلقونه وقتا ويحرمونه وقتا فأخبر الله بعصيانهم في ذلك واعلم أنهم في الكفر كذلك.
(1/283)
وسألته: عن قول الله سبحانه: وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم، فقال: هو لا أهل التوبة إلى الله من بعد المعصية فذكر الله سبحانه أنهم عملوا عملا سيئا ثم خلطوا أعمالهم بالصالحات فعملوا بها من بعد التوبة وبعد العمل الردي، ومعنا عسى الله فهو إيجاب لقبول التوبة عن التائبين من بعد الإخلاص لله بالتوبة وليس كما يقول الجهال أنهم يعملون قبيحاً وحسنا في حالة وأخذة ويقبل منهم الحسن هذا ما لا يكون لأن الله يقول: إنما يتقبل الله من المتقين، ومن كان في معصية ربه فليس بمتق ومن لم يكن بمتق فليس يقبل عمله منه.
وسألته: عن قول الله سبحانه: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما، يقول سبحانه لنبيه صلى الله عليه وعلى آله مخبرا له عن أصحابه مقسما بنفسه أن أصحابه لا يؤمنوا على حقيقة الإيمان حتى يردوا إليه عليه السلام ما تشاجروا فيه وهو ما اختلفوا فيه ثم يرضوا بحكمه في ذلك ولا يجدوا في صدورهم سآمة ولا غضبا منه ويسلموا تسليما أن ينفذوا حكمه ويسلموا له ويرضوا به ولا يردوه.
وسأله ابنه أبوالقاسم أعزه الله عن قول الله سبحانه: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، وعن قوله: فإذا الذي بينك وبينه عدواة كأنه ولي حميم، فقال يأمر نبيه عليه السلام: أن يدعوا إلى الله وإلى الإيمان به وبكتبه ورسله والسبيل اتباع الحق بالحكمة أي بالقول الحسن والموعظة: أي بالتخفيف والحسنة أي الرفيقة وجادلهم: أي في وقت المناظرة بالرفق والقول الجميل وبالتي هي أحسن: اللين في القول وفي المخاطبة فإنك إذا فعلت بهم ذلك صار العدو لك مثل الولي والولي المحب، والحميم هو: القريب، يقول سبحانه: يصير عدوك مثل قريبك المحب لك إذا فعلت له الجميل....
(1/284)
الجزؤ الأول من كتاب الفقه مما ولي تأليفه محمد بن الهدي إلى الحق يحي بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبن طالب صلوات الله عليهم أجمعين وسلم تسليما.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على نعمه التي لا تحصى وأياديه المتتابعة فلا تجزأ حمد من آمن به وتولاه وآثر أمره ورضاه وصدق وعده فرجاه وأيقن بوعيده فاتقاه وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له غافر الخطيات ومقيل العثرات ومبين الآيات وماحي السيئات، العدل في قضائه، المنصف لخلقه، البريء من ظلم عباده، لم يخرجهم سبحانه من طاعة، ولم يدخلهم أبدا في معصية تعالى عن ذلك، والعزة والسلطان والقدرة والبرهان، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خاتم أنبيائه وسيد اصفيائه، انتجبه لأمره، واختاره لوحيه، فبلغ صلى الله عليه وآله، ونصح واجتهد حتى أقام على الأمة الحجة وأوضح لهم المحجة ثم قبضه الله إليه عند كمال دينه وبث الحق في أرضه فعليه.. وإليه أفضل لصلاة والترحم من ربنا والواحد الكريم.
وسألت: وفقك الله للهدى وجنبك الغي والردى عن الرجل يعطس في الصلاة فيقول له من معه في الصلاة يرحمك الله فقلت هل يقطع تلك الصلاة ويجب على الذي قال الإعادة وقلت لم يذكر في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنها تعاد.
قال محمد بن يحي عليه السلام: الجواب في هذا أنه إذا قال في صلاته يرحمك الله فالإعادة أولى به وهي عندنا واجبة عليه لأنه قد قطع ما كان فيه من الصلاة وخرج من قرآنه وقد جآء التحريم عن رسول الله صلى الله عليه للكلام في الصلاة والإشتغال بغيرها لمن كان فيها فلما أن قال يرحمك الله كان قد أضمر في قلبه ونوى في نفسه الدعاء لصاحبه ولما أن أضمر ذلك في نفسه كان تاركا لضميره الذي أصمر لصلاته وصار متكلما إيجابا متعمدا للترحم عليه.
(1/285)
وسألت: عن سهو الإمام ثم لا يسجد لسهوه سجدتي السهو يرحمك الله فهما إرغام لإبليس ليستا لتمام صلاة ولا لنقصانها أولا ترى أنهما إنما يكونان بعد التسليم والتسليم فهو تحليل الصلاة وانقضاؤها وكل ما حدث من بعد التسليم فليس بموصول في الصلاة ولامحسوب في عددها وإنما هما مصغرة للشيطان وتعظيم للرحمن ولا ينبغي لأحد سهى في صلاته أن يترك سجدتي السهو فإن ذلك أزكى في فعله وأقرب له إلى ربه وهما غيرنا قصتين إن غفل عنها من صلاته.
وسألت: عن الإمام يسهو ولا يسهو من ورءاه هل ينبهونه بالتنحنح أو بالتسبيح أو بالكلام، فقلت إن فعل ذلك فاعل هل يفسد صلاته.
قال محمد بن يحي عليه السلام: ؛لانحب لمن كان في الصلاة أن ينبه مخطيا بالتنحنح والتسبيح لأن تقع به النية على الكلام لأنه إنما أقام التنحنح والتسبيح مقام قوله سهوت أو أخطأت وذلك اعتماد في تسبيحه وتنحنحه وهذا لا يجوز في الصلاة ولا نرى لمن خلف الإمام أن يتكلم بشيء إلا أن يتلجلج الإمام في القراءة ويسهو عن حرف يفلته فيتحير في طلبه فلا بأس أن يفتح عليه من وراءه لأن ذلك قد جآء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأمر به وعلى ما ذكرنا لك يعتمد وبه نأخذ.
(1/286)
وسألت: عن رجل دعاه إنسان ولم يره وهو يصلي فقلت أيجوز له أن يتنحنح، قال محمد بن يحي عليه السلام: الجواب في هذه المسئلة كالجواب فيما تقدم قبلها لا نرى له ذلك ولا نجيزه لأنه قد أقام التنحنح مقام الإجابة لأن الإجابة قد تكون بصورة في اللغة يثبتا يعرف الداعي أنه قد أجيب إذا كلم بشيء منها لأن الداعي إنما يدعوا ليعلم أين المدعي فسوا عليه أجابة بلبيك أو بنعم أو أجابة بهاه أو إجابة بالتنحنح لأن كل هذه إجابة تقرر عند الداعي موضع المدعي وإذا صار المصلي في صلاته يخاطب بهذه العلامات والإشارات فقد صار خارجا من نيته غافلا عن صلاته كما قد رأينا أيضا بعض الجهال إذا كلمه إنسان بشيء فأراد أن يقول نعم نغض برأسه وإذا أراد أن يقول لا رفع برأسه إلى أعلى وهذا مما لا يجوز في الصلاة لأن الله سبحانه يقول في كتابه: قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون، والخشوع فلا يكون إلا بتسكين الأطراف والهدوء والإقبال على الصلاة حتى لا يمزجها بعنبرها فأما من شابها بضدها وأدخل فيها ما ليس من أعمالها فقدنا عن خشوعها وبعد عما ذكر الله سبحانه من حدودها.
وسألت: عن رجل فاتته الركعتان الأولتان مع الإمام وأدركه في الركعتين الآخرتين وهو يسبح فقلت هل يقرأ هو خلف الإمام في نفسه أو يسبح أو يسكت.
قال محمد بن يحي عليه السلام: إذا فات الرجل الركعتان الأولتان مع الإمام وأدرك الركعتين الآخرتين فليقرأ في الركعتين ولا يسبح لأنهما الأولتان له والقرآءة فيهما عليه واجبة فليقرأ فيهما ويركع بركوع الإمام ويسجد بسجوده فإذا سلم الإمام نهض هو فأتم الركعتين بالتسبيح، وقلت إن من فاته ركعة ولحق الإمام في الثانية فصلى معه ثم جلس الإمام يتشهد فجلس معه هل يتشهد أم لا والقول في ذلك عندنا أن يسكت ولا يتشهد فإذا نهض الإمام نهض معه لأنها له هو ركعة وللإمام ثنتان ولا يجب على من صلى واحدة يتشهد فاعلم ذلك.
(1/287)
وسألت عن رجل لا يسمع قراءة الإمام لبعده منه هل يقرى أم يسكت.
قال محمد بن يحي عليه السلام:إذا لم يسمع قرآءة الإمام عند جهره لزمته القرآءة كما يلزمه عند مخافتة الإمام سواء سواء وذلك لقول الله سبحانه في كتابه: وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا، وإنما أمر عز وجل بالإنصات والإستماع في هذه الآية في الصلاة خاصة وإذا لم يسمع فلم ينصت وإنما يقع الإنصات على من سمع القراءة فإذا سمعها وجب عليه أن ينصت ويقف من القراءة خلف الإمام ولا يقرأ شيئا لأنه إذا قرأ لم يسمع ولم يكن منصتا فحظر الله سبحانه على المستمعين للقراءة أن يقرأوا وذلك لقوله: وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا على أنه إذا لم يجهر الإمام أن يقرى فيما خافت فلم يسمعوه فإذا لم يسمع من خلف الإمام قرآءته وجب عليهم أن يقرأوا.
وقد قال بعض من يتعاطا العلم أن هذا الذي لم يسمع قرآءة الإمام قد علم أن الإمام قد جهر فإذا علم بجهره وإن لم يسمعه فقد أجزأه وليس ذلك عندي بشيء بل الواجب عليه إذا سمع أن ينصت وإذا لم يسمع أن يقرأ لأن الله سبحانه إنما أوجب عليه الإنصات عند السماع فإذا عدم الصوت فلم يسمعه وجب عليه القرآءة ولا يسعه غير ذلك ولا يجوز له إلا هو.
وسألت عن الإمام، نجهر في صلاة النهار فيما يخافت فيه هل تفسد عليه صلاته أو يخافت في صلاة الليل عمدا أو يجهر بالتشهد فقلت هل تفسد عليه بذلك الصلاة.
قال محمد بن يحي عليه السلام إذا جهر الإمام في ما يخافت فيه أو خافت في ما يجهر فيه فقد أفسد صلاته ويجب عليه الإعادة لأن الصلاة بحدود قد جعلها الله سبحانه فإذا خولفت فلم تؤد الصلاة لأن من سجد قبل الركوع لم يكن له صلاة، وكذلك من ركع موضع السجود بطلت صلاته وكذلك أيضا من جهر في موضع المخافته والأسرار فقد خالف حكم العلي الجبار.