وله الجوار المنشأت في البحر كالأعلام فهي قلوعها التي يرفع بالحبال في رؤوس الأدقال، ليدخل الريح فيها فتجري بها فتحملها على ظهر الماء بتقدير ربها كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام فبأي آلاء ربكما تكذبان يخبر سبحانه أن كل شيء فان مما عليها، وهذه التي ذكر الله سبحانه أن ما عليها يفنا فهي الدنيا أراد بعليها كل من فيها فقامت (على) مقام (في) والدنيا فهو كل ما خلق من سموات وأرضين وما فيهن من أبنيتهن وبينهن إنسين أو جنيين ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام فمعنا وجه ربك هو ربك أراد الذات لا أن ثم وجها موجها واعضا غيره مؤلفه تعالى الله عن ذلك علو كبيرا.

فأخبر سبحانه أن كل ما في الدنيا فان، وأنه تبارك وتعالى الوارث كل شيء الباقي، يقرأ بالخفض ذي الجلال، ولا يجوز أن يقرا ذو الجلال كما يقرأها الجهال ردا على ربك لا ردا على الوجه، الجلال: فهو الكبريا والعظمة والمحال والإكرام فهو التقديس والإجلال والإنعام.

(1/246)

يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن ) فبأي آلاء ربكما تكذبان معنا يسأله من في السموات والأرض فهو يطلب منه الحوائج ويسأله الفضل والرزق والمغفرة والرحمة كل يوم هو في شأن يقول كل يوم هو في شأن يقول: كل يوم في هو في تدبير ما يحتاج إليه ملكه وتقدير أمر خلقه من موت من يموت أو خلق من يخلق، سنفرغ لكم أيها الثقلان فبأي آلاء ربكما تكذبان معنا سنفرغ لكم هو سنفرغ من إفنا الأجل الذي جعلناه أجلالاء مهالكم وتأخيركم فإذا أفنينا هذه المرة وفرغنا منها أتاكلا ما أوعدناه عند فناء مدته وانقضا مهلته وإمهاله من موت أو حلول نقم فهذا معنا نفرغ لكم.

والثقلان: فهما الجن والإنس وقد يكون المعنا الذي ذكر الله أنه يفرغ منه هو مدة الدنيا التي الذي جعلها ووقتها ويكون عند فراغه منها وإفناءه لما يكون من الجزا في يوم الدين جزا المثابين وجزا المعاقبين، يا معشر الجن والإنس إلى قوله: إلا بسلطان هذا إخبار من الله سبحانه وتوقيف للثقلين على عجزهما وأنهما غير خارجين من قدرة الله ولا إرداته ولا ما جعلهما مسكنا من الأرض والهواء إلا بسلطان.

والسلطان: فهو السبب من الواحد الرحمن يقول: لا تنفذونه أي لا تقطعونه ولا تجوزونه ولا تخرجون منه إلا أن يشاء الله ذلك فيقدركم على ما يشاء وينقلكم إلى ما يجب من الأشياء فهذا معنا السلطان الذي ذكره العلي الأعلى.

(1/247)

يرسل عليكما شواظ من نار الشواظ: فهو اليسير من النار، وهو اللهب ونحاس، فالنحاس: هو الدخان فلا تنتصران يقول: إن نزل بكم ما ذكرنا وأرسلناه عليكم كما قلنا: لم يكن عندكم لأنفسكم انتصار ولا امتناع، فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان هذا يوم الدين عند تبديل السماء فحينئذ تنشق للبواد والفنا ثم تعود وردة كالدهان، والوردة: فإنما هي مثل مثله الله تبارك وتعالى يخبر أنها تكون عند تمحقها وتقطعها كاصفرار الورد، كالدهان يقول: يكون لونها كلون الوردة ويكون بعد هذا التجسيم كالدهان والدهان: فهو المهل الذي شبه الله به في غير هذا الموضع، وهو ماء القطران وصفوه، فأخبر سبحانه أنها تكون كهذا الدهن عند رجوعها إلى الدخان الذي منه خلقت بعدما هي عليه اليوم من العظم والجسم الذي عليه جعلت.

فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان معناه لا يسأل هو لا يسأل عن إستفادة أمر مجهول وإنما يسال للتقريع والإخزا لا على أن يعلم منه شي من الاشيا يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام السيما الذي يعرف به المجرمون فهو خلقهم وشناعتهم واسوداد وجوههم في ذلك اليوم مع ايات كثيره يبددها الله فيهم ويجعلها علامات عليهم يعرفهم بها خزنة جهنم فحينئذ تأخذهم بنواصيهم وأقدامهم والنواصي فهي شعور رؤسهم وأرجلهم حتى تلقيهم في جهنم وبئس المصير. هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن معنى يطوفون بينها وبين حميم هويعذبون بها وبالحميم والآن فهو الشديد الحمو الحارة جدا الذي قد انتها وبلغ في الحرارة كل مبلغ.

(1/248)

وسالته:عن قول الله سبحانه فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فقال قاصرات الطرف هن غواض الطرف عن غير أزواجهن عفة وطهارة وكرما. لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان يقول لم يدن منهن إنس ولا جان والجان فلا تدنوا وإنما هذا على مجاز الكلا م كما تكلم العرب يقول ما قال هذا القول جني ولا انسي. فقال جني والجن فلا نقول ذلك المقال وإنما هذا على مجاز الكلام.

وسالته: عن قول الله سبحانه مدهامتان فقال هما الجنتان فهما ذواتا الأشجار والأنهار والمدهامتان عهما الربانياتان اللتان قد رويت أشجارهما حتى ادهامت معنا ادهامت فهو علاها السواد لربها وشدة خضرتها. فيهما عينان نضاختان. فهاتان العينان فهما الماء المنبثق الذي يثج من الارض ثجاجة منهما حتى يتطاير ويخرج من ينبوعه خروجا. نضاختان فهما اللتان ينضخ مآوهما لكثرة خروجه منهما حتى يتطاير عند انسكابه تطايرا يقع منه النضخ على ما حواليهما، وإنما اخذ ذلك من نصح الشيء تقول العرب أنح وأنضخ بالحا والخا جميعا فالحا افصح اللغتين.

وسالته عن قول الله سبحانه: فيهن خيرات حسان فقال: الخيرات فهي كل خير مجتمع من حوريات او طعام او شراب اوفواكه او شي من النعم فجمع الله ذلك كله في ما سمي من الخيرات. وحسان فهن فاضلات في معانيهن كاملات في شبابهن حور مقصورات في الخيام فالحور هن النساء الحور العين والحَوَر فهو نعت من صفات الاعين. وهو حَوَر يكون في العين دَعَج حسن يحسن به الأعين إذا كان فيهن وتفخر به من كان فيه منهن مقصورات فهن محبوسات مصونات محجوبات ليس بدوارات ولا خارجات بل هن منَافنات لساكنهن خفرات والخيام فهي خيام الدر والياقوت المنضود المنسوج وهي القباب المعمولات المرفوعات في قصور الحوريات،

(1/249)

وسألته عن قول الله سبحانه: متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان، قال الرفرف: فهو اللين من الفرش، والعبقري فهو اسم صنف من فرش الجنة وقد تقول العرب لما كانت حمزته الغالبة على غيرها من الألوان عبقري.

وسألته عن قول الله سبحانه: إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعه، فقال: الواقعة فهي السابقة النازلة والقيامة الواقعة بأهلها، ليس لوقعتها كاذبة يقول: ليس لوقوعها ونزولها بهم كاذبة فالكاذبة فهي الباطلة الدافعة لما يهجم منها زايلة عن من تقصده بقولها فتقول العرب للشيء المصمم الواقع بالشيء أنا غير مكذب حتى وقع فيه، ويقول لما أكذب حتى أصابه أو حتى ضربه تريد ما أنصرف ولا التوي ولا عوّج ولا عرّج حتى وقع بمن أراد أن يقع به، خافضة رافعة ; الخافضة فهي الخافظة لمن يخفض من الخلق عن محل الثواب فتصيرهم بخفضها لهم إلى أليم العقاب، والحفض هاهنا فهو من باب الإطراح والقلة والزلة، رافعة فهي رافعة للمؤمنين إلى مرابت الصالحين مصيرة لهم إلى رضى رب العالمين.

إذ ارجت الأرض رجا:هو زعزعت للبواد والفناء فأرتحت وقلقلت للتبديل وزعزعت ومعنى رجت فهو تحريكها وقلعها، وبست الجبال بسا، معنى بست فهو أبيدت وأفنيت حتى انبسطت بغيرها من الأشياء واختلطت فصارت بعد العظم كالبسيس والبسيس فهو الشيء المايع كالطعام المسكوب فيه الماء وهو الدهن من السمن والزيت وإنما أراد الله بذلك أن يخبر أنها تعود بعد ماهي عليه من العظم إلى الذهاب والبواد والإختلاط بغيرها من الأشياء التي تبس بها بسا التي تختلط بها خلطا.

(1/250)

فكانت هباء منبثا، والهباء فهو الغبار الخفي الذي يدخل مع الشمس من الكواو المنبث فهو الكثير المنتشر فأخبر سبحانه أنها تعود بعد ما هي عليه من الهباء للذهاب والفناء وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة إلى قوله: وقليل من الآخرين، معنى أزواج ثلاثة فهي أصناف ثلاثة فأصحاب الميمنة فهم أصحاب اليمني والبركة والإيمان والطاعة، وأصحاب الشؤم واللعنة والسابقون فهم الذي سبقوا إلى الله بالطاعة وقدموا إليه في الحياة الدنيا أولئك المقربون، يخبر أنهم عند الله في القيامة مدنون من كراماته ومن جزيل ثوابه مدخلون في جنات نعمته، ثلة من الأولين وقليل من الآخرين، الثلة فهي الجماعة الصالحة فأخبر أن المتقين يكونون ثلة من الأولين ويكونون قليلا من الاخرين، على سرر موضونه السرر فهي السرر المعروفة باسمها موضونة فهي منسوجة معمولة وهي سرر تنضد المؤمنين بالذهب والجواهر تنضد للمؤمنين بالذهب والجواهر متكئين فهو مضطجعون على جنوبهم بعضهم جدا عليها متقابلين معنى متكئين فهو يطوف عليهم متقابلون فهو بعض ولدان مخلدون بأكواب وأباويق وكأس من معين.

والولدان فيهم الوصفاء والمخلدون فهم الباقون الذين لا يفنون ولا يزالون في الآخرة بأكواب وأباريق، فالأكواب فهي ضرب من آنية من آنية الشرب تكون من الجوهر من الدر والياقوت يشرب فيها المؤمنون في الآخر وأباريق فهي الآباريق المعروفة في الدنيا من الصفر ومن الفضة والذهب يعملها المتجبرون فتكون في الآخرة من الدر والياقوت وأنواع الجوهر.

(1/251)

وكأس من معين، فهي الخمر خمر الآخرة التي لا يصدعون عنها ولا ينزفون كما يصدع شراب خمر الدنيا منها وينزفون والنزف، فهو القي وغير ذلك مما يكون من شراب الخمر في ما ذكر لنا عنها الله أعلم بأمرها فقد ذكر أنهم ينزفون من طرفيهم من فوق ومن أسفل إذا شربوها. ومعنا يترقون يبرقون فهو يخرج منها ينزف ما في بطونهم، فأخبر الله تبارك وتعالى أن الخمر الآخرة لا ينزل بشاربها ما ينزل بشارب خمر الدنيا من الآفات بل خمر الآخرة فيها اللذات والطيبات والصحة والسلام والنعمة الكاملة، تم ولله الحمد.

قال علي بن محمد بن عبيدالله العلوي رحمة الله عليه: سألت الهادي إلى الحق صلوات الله عليه عن قول الله سبحانه: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي، فقال: هذا أمر من الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه بأن يقول لخفرة قريش وجاهليها فيما كانوا يفعلون بمن أسلم منهم وآمن واتبع محمداً صلى الله عليه، وذلك أنهم عاقدوا رسول الله عليه السلام يوم هدنة الحديبية على أنه يرد إليهم من أتاه من أصحابهم وعاقدهم على ذلك وأوجبه صلى الله عليه على نفسه بأمر الله لهم وكان يرد إليهم من أتاه راغبا في الإسلام منهم فيكرهونه على ترك الإسلام، وعلى الدخول في دينهم والرجوع.

(1/252)

فلما أن انتقض العهد الذي كان بين رسول الله وبينهم أمره الله ألا يرد إليهم أحدا ممن يهاجر إليه وأعمله أن الحق قد بلغ منتهاه وقامت شرائع الدين وظهرت أمور الله وأنه لاسبيل للكفرة إلى إكراه أحد ممن اختار دين محمد صلى الله عليه ولا رده إلى دينهم ومنعهم لهذا القول مما كانوا يفعلون بمن هاجر ومنع الرسول به من رد أحد ممن يهاجر إليه إلى قريش وأعلمه أن الرشد قد تبين من الغي والرشد هاهنا فهو الحق والهدى وقيام الحجة على الكفرة الأعداء والغي فهو الباطل الذي كانوا فيه من كفرهم وغيهم، ثم أذن لرسوله صلى الله عليه في أن يضع عليهم السيف حتى يسلموا أو يبيدهم بالسيف ومنعه من كل هدنة ومرافقة وأمره تقتلهم إن لم يدخلوا كافة في الإسلام، ولم يرض في العرب إلا بالقتل والإسلام لا غير ذلك، ولم يجز له أن يقبل منهم جزية كما قبل من الإسرائيليين من أهل الكتابين فهذا تفسير: لا إكراه في الدين، يقول: لا ترخيص لكم في الباطل.

قال الهادي إلى الحق صلوات الله عليه: سألني إبني محمد رضي الله عنه عن هذه المسائل: فأحببت أن أثبتها في هذا الكتاب.

سألني: عن قول الله سبحانه: يآأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم إلى قوله: إن كنتم تعلمون، فقلت: المؤمنون ولله الحمد عند الله من العذاب فمبعدون ومن غيرهم يوم القيامة فمميزون كما قال الله الرحمن الرحيم في ما نزل على نبيه الكريم صلى الله عليه يوم يقوم الساعة يومئذ يتفرقون، فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون، وأما الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون، وفي ذلك من تمييزهم ما يقول أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون إلى قوله: الذي كنتم به تكذبون.

(1/253)

فأخبر تبارك وتعالى بالفرق بين المؤمنين والفاسقين وقص علينا ما يكون في عباده يوم الدين والحمد لله العدل في كل أفعاله المتفضل بالاعذار والانذار إلى خلقه معين المطيعين ومذل الفاسقين المصدق بقوله لقول الموحدين الشاهد لهم في ذلك بالحق واليقين المكذب للفسقة المبطلين من المشبهة المجبرين، وإنما أراد الواحد الأحد المتقدس الفرد الصمد لصناعته.

سألت: من قوله الدلالة على فضل الجهاد والقيام بالحق في الخلق والبلاد فدلهم بما قال وبما ضرب لهم من التجارة في الأمثال على أنه لا شيء عنده يعدل الجهاد من جميع ما افترض على العباد فنبههم للخطر والفضل المبين وأخبر أنه أعظم وأجزل ما يلقونه يوم الدين وكيف لا يكون يا بني ما ذكر الله من الجهاد كذلك، ولا تكون تجارة عند الله سبحانه للعباد من العذاب والمهالك وبه تقوم أحكام رب العالمين وتحيى سنن خاتم النبيين ويعز المؤمنون ويذل الفاسقون وتشبع الأكباد الجايعة وترفع الرقاب الخاضعة وتظهر حجج الحق الدامغة وتموت البدع السابغة الحسنات وتماط وتنفا الفاحشات ويعمل في كل البلاد بالصالحات ويبصر المظلومون ويردع الجايرون وتكسى الظهور والجنوب العاريات وممات الظلم والشرور.

وتقضى الغرامات عن الغارمين وينصر الله به المستضعفين ويعز به الإسلام والمسلمين فيالها تجارة ما أربحها ودعوة ما أنورها لو كان لها من الأنام مجيبون أو في هذه الأمة المخذولة طالبون ولا طالب لها ولا تاجر لها فيه ولا مقبل إليها تعلقوا بالشبهات وتسلوا بالأمنيات وكرهوا الوفاة واستطابوا تافه الحياة ومالوا إلى غرور الدنيا وجروا واستبقوا في ميادين الهوا، وزهدوا في دار الخلد التي تبقا التي لا نصب فيها ولا تعب ولا شقا كأن لم يسمعوا الواحد العلي الأعلا يقول في ما نزل من الوحي على نبيه المصطفى: وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وأن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون.

(1/254)

فلعمري أنها القدرةُ من القنل لئلا في من الموت ما هو أشد وأبلا وأطول نكدا وأعظم هولاً وما عن الموت لهم من مصدر وما ينجوا منه من أحد كما قال رب العالمين: كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا يرجعون، فما عسى من فر من القتل والقتال أن يتمنع وأن جمع في الإعتزاز وطول الأيام أيام يسيره وحياة غير كثيرة، ثم إلى الله المصير كما قال في ذلك اللطيف الخبير، قل لن ينفعكم الفرار أن قدرتم إلى قوله: لا تجدون وليا ولا نصيرا.

وسألت: عن قول الله سبحانه: وأوحى ربك إلى النحل إلي قوله: سبل ربك ذللا، قال: كيف كان وحيه إليها، فقلت: له الوحي يخرج على وجوه أربعة منهن وحي إلهام وإلقا في القلوب من ذي الجلال والإكرام مثل ما ذكر عن النبي عليه السلام أنه سأل جبريل الروح الأمين، فقال: كيف تأخذ الوحي من رب العالمين، قال: آخذه من إسرافيل، قال: فكيف يأخذه إسرافيل، قال: يأخذه من ملك فوقه، قال: فكيف يأخذه الملك، قال: يلقا في قلبه إلقا ويلهمه إلهاما، وعلى ذلك يخرج معنا الوحي إلى النحل ألهمها إلهاما ما ذكر أنه القاه إليها.

والمعنا الثاني: فوحيه إلى أنبيائه المصطفين بالمشافهة والمكالمة لهم من الملائكة المقربين، وذلك قوله: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح إلى قوله: داود زبورا.

والوجه الثالث: فهو الجعل والتقدير للصلاح والتدبير، وذلك قوله: فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها إلى آخر الآية، والوجه الرابع: فوحي الله عزوجل في ما يراه الأنبياء عليهم السلام في منامهم من ذلك قول إبراهيم لإبنه إسماعيل عليهما السلام: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فكان في ذلك وحي من الله وأمر، والدليل على ذلك قول إسماعيل: يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، فدل بذلك على أنه وحي من الله وأمر.

(1/255)

وما قيل وروي في وحي الله إلى أم موسى أنه كان في المنام أو رثه فإن يكن ذلك كذلك فهو داخل في ذلك وإن لم يكن ذلك كان من الله سبحانه إلهاما ألهمها إياه فذلك ما نشك فيه بأن الله على كل شيء قدير، ولا أحسب والله أعلم إلا أنه كان وحيا في منامها لأنه عزوجل يقول يأخذه عدو لي وعدو له وهذا القول فلا يكون إلهاما لأنه خبر وقصص وقول وإنما يلهم من الأشياء ما كان فعلا يدرك بالعقول ويميز بالمعقول.

وسألني: عن قول الله سبحانه: والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الذي آتاكم، فقال: من المأمورون بأن يؤتوهم من مال الله الذي آتاهم، فقلت: قد قال غيرنا أنهم المكاتبون لهم من ساداتهم وأنه واجب عليهم أن يطرحوا عنهم ربع ما كاتبوهم عليه، وليس قولنا: ولله الحمد فيه كقولهم فيه لأن الله تبارك وتعالى لم يلزم البايع من بعد رضا المتبايع أن يضع من الثمن درهما إذا لم يكن للبايع على المتبايع شرطا جايزا بل الزم المكاتب إذا ما كوتب عليه وجعله في يسير ذلك إن عجز عنه مملوكا مسترقا وكيف يكون بعجزه عن قليل ما تراضيا عليه عبدا مملوكا وتكون الوضيعة من ذلك للمكاتب على المكاتب فرضا فهذا يا بني ما لا يقبله عقل عاقل ولا يقول به من الناس إلا جاهل.

وإنما أمر الله بإتيانهم من ماله ولاة الأمر من خلقه الأئمة الهادي والصفوة من الخلق المطهرين أمرهم أن يؤتوهم مما جعل لهم في أيديهم من ثمن الصدقات فلقد دل على ذلك من قولنا سبحانه بأبين الدلالات حين يقول سبحانه: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والرقاب، فبما نبذوا أمر الله بإعطائهم وأنبيائهم من مال الله الذي آتا أمر لهم.

(1/256)

وقوله: أتاكم فمعناها أجراه على أيديكم لهم وجعلكم المستخرجين له من غيركم لأنه أعطاهم إياه كما أعطاهم غيره من الأشياء مثل أجز الرسول وخمس الغنائم الذي جعل أمره إلى الإمام يحكم فيه بأمره، وبما يراه من الأحكام ويأكل ويشرب وينكح فيه ويركب ويلبس ويتكل في كل أموره عليه ومثل نصيبه في الفي، ومثل ما جعل له مما أجلى عنه المحاربون من غير أن يجلب عليهم المؤمنون، وكل ما ذكر من ذلك وشرحنا فللإمام أكله والانتفاع به.

وأما ما ذكر الله من الصدقات اللواتي أمر الله الأئمة بأخذها من ذي المقدرات وجلعها في الرقاب وغيرها من الثمانية الأصناف المعروفات فلا يحل لإمام المسلمين ولا لأهل بيته أجمعين فيها أكل ولا شرب ولا مناكح ولا صرف درهم منها في شيء من المصالح فلذلك وبه قلنا أن بينما جعله لهم رزقا وبين ما جعله الله على أيديهم وأمرهم بالتسليم له إلى غيرهم فرقا.

وسألني: عن قول الله سبحانه: فلا وربك لا يؤمنون إلى آخر الآية يقول سبحانه لنبيه صلى الله عليه مخبرا له أصحابه مقسما بنفسه أن أصحابه لا يؤمنون على حقيقة الإيمان حتى يردوا إليه عليه السلام ما تشاجروا فيه وهو ما اختلفوا ثم لم يرضوا بحكمه في ذلك ولا يجدوا في صدورهم شكا فيه ولا غضبا منه ويسلموا تسليم ا، أي ينفذوا حكمه ويسلموا له ويرضوا به ولا يردوه.

وسألني: عن قول الله سبحانه: وإنهما لبإمام مبين فقلت: هما قريتان أهلكتا ودمرتا لما طغتا وعصتا فكانتا على طريق قريش في الرحلتين رحلة الشتاء والصيف والإمام فهو الطريق الواضح والأعلام التي يستدل بها على مسالكهما ومياههما فذكر الله أمرهما احتجاجا على من خالقه ممن يفعل كفعلهما من عصيان ربه ومخالفة خالقه، فقال: وإنهما لبإمام مبين، ترونهما وترون في كل رحلة آثار قدرتنا عليهما وأخذنا لهما بما كان منهما من البغي والعصيان من مثل ما أنتم عليه من مخالفة الرحمن.

(1/257)

وسألني: عن القضا من الله ما هو فقلت له القضايا بني يخرج على ثلاثة معاني فمنها قضا أمر وحكم وذلك قوله: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه يريد أمر وحكم بأن لا تعبدوا معه سواه، والمعنا الثاني بأن يكون القضا خبرا عما يأتي أو سيأتي ويكون، وذلك قوله: وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين و لتعلن علوا كبير ا، يقول: وأوحينا بذلك إليهم وأعلمناهم بما سيكون من أخباركم وأفعالكم.

والوجه الثالث: أن يكون القضا قضا حتم جاريا وفعلا من الله في كل ما يريد ماض، وذلك قوله جل جلاله فقضاهن سبع سموات في يومين، ومثل قوله: فيمسك التي قضا عليها الموت.

وسألني: عن قول الله تبارك وتعالى: قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم، فقال: ما معنا كتب، وما الكتاب فقلت: الكتاب يكون على ثلاثة معاني وكلها والحمد له بين مبين عند من رزقه الله المعرفة بالكتاب والتفسير.

فمنها العلم، وهو ما سألت عنه وما كان في الكتاب مثل قول الله: ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون، يريد بكاتبين عالمين، ومثل قوله إن الله يعلم ما في السموات والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير، يريد سبحانه وجل عن كل شأن شأنه يقول في كتاب أي في علم معلوم عند الله غير مكتوم.

27 / 47
ع
En
A+
A-