ما كذب الفؤاد ما رأى يقول: ما كذب فؤاد محمد وقلبه فيما قد أيقن به من آيات ربه من تدلي جبريل إليه بوحي خالقه، أفتمارونه على ما يري يقول تكابرونه وتجاحدونه فيما قد عاينه عيانا ورآه، ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى ) عندها جنة المأوى فشهد سبحانه لمحمد صلى الله عليه أنه قد رأى جبريل في الصورة التي خلقه الله فيها مرتين حين دنا فتدلى وعند سدرة المنتهى وسدرة المنتهى فهي أعلا عليين وعندها جنة المأوى في أعلان عليين أيضا من فوق السماء السابعة العليا، وهذه الآية حجة بأنه أسرى بعبده ليلة إسرائه إلى المسجد الأقصا إلى السماء السابعة العليا، التي فوقها سدرة المنتهى حتى رأى جبريل عندها نزلة أخرى.

(1/234)

وهذه الآية أيضا حجة في أن الله قد خلق الجنة، إذ يغشا السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى فالسدرة هي سدرة المنتهى والذي غشيها فهو جبريل حين رآه محمد عندها وفوقها غاشيا لها ولغيرها في خلقه الأعظم الذي خلق فيه ما زاغ البصر يقول: ما عدل عنه ولا شبهه ولا تخايله ولا ظنه بل قد رآه بحقائق الرؤية وأبصره وما طغى رجع الخبر إلى محمد عليه السلام، يقول: ما طغى في ما خبركم به عن ربه ولا دخله في ذلك أسر ولا يعا بل قد صدقكم عما أبصر ورأى.

لقد رأى من آيات ربه الكبرى، يقول: لقد رأى من جبريل في هذه الصورة مرة بعد مرة آية من آيات الله العظما لا يشبهها شيء من الأشياء، أفرأيتم اللات والعزى اللات هي: قبة كانت بالطائف والعزى: فهي آخر كانت لهم بنظر نخلة على مرحتلين من مكة كانوا يزينوهما بالجوهر، والذهب والفضة والثياب الحسنة وكانوا يعبدونهما كما يعبدون الأصنام ويرونهما أعظم قدرا من الأصنام، ومناة الثالثة الأخرى، فهو صنم كان لهم على الكعبة فعنفهم الله في عبادة مثل ذلك يقول: أرأيتم ما تعبدون من هذه لأي معنا تعبدونه ولأي سبب تتخذونه آلهة من دون الله وهن لا ينفعنكم ولا يضررنكم.

(1/235)

ألكم الذكر وله الأنثا ) تلك إذا قسمة ضيزا هذا في ما كانوا يزعمون من أن الملائكة بنات الله إناث، وأن لهم هم البنين الذكور، فقال الله: أي حكم هذا أو عدل عندكم أن تجعلوا لربكم البنات وتجعلون لأنفسكم البنين هذا إذا قسمة ضيزا، والضيزا: فهي الجائر الفاسدة التي لم تقع على عدل، ولا على حق إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم وكذب كذبتموه على الله لم ينزل به سلطانا والسلطان فهو الحجة والدليل والبرهان، إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس، يقول: إن يتبعون فيما يسمون ويذكرون إلا هوى أنفسهم، وظن منهم بلا حقيقة ولا بيان، ولقد جاءهم من ربهم الهدي يقول: قد جاءهم من الله نفي ذلك على لسان نبيه، وبان لهم طريق الهدى والحق والتقوى.

وسألته: عن قول الله سبحانه: أم للإنسان ما تمنا إلى قوله: لمن يشاء ويرضى فقال: أم للإنسان ما تمنى يقول: هل يكون للإنسان ما تمنا هل يأتيه ويستوي له تمنيه إذا تمنا أم ليس له غير الحق وإن لم يكن يشأه، فلله الآخرة والأولى يقول لله الأمور كلها أمور الآخرة والأولى، والأولى فهي الدنيا، فأخبر سبحانه أنه لا ينفع أحدا ما يتمنا ولا يصح في يده شيء من ذلك أصلا وأن الأمر كله لله الواحد الأعلى، وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا، فقال: هذا نفي من الله لما تروي الحشوية والإمامية من الشفاعات لأهل المعاصي، فأخبر سبحانه بما أخبر من كثرة الملائكة في السموات، وأنهم لا تغني شفاعتهم لأحد من خلق الله لو شفعوا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى يقول: إنهم لو شفعوا بأسرهم في مذنب واحد ممن قد حق عليه الوعيد لم ينفعه ذلك، ولم تجز شفاعتهم عند الله فيه إلا من بعد أن يأذن الله للمستشفعين فيشفعوا للمؤمنين الذين قد رضي الله سعيهم فتشفع لهم الأنبياء في زيادة الثواب وكثرة العطا وبلوغ ما لا يبلغونه بأعمالهم من الأشياء.

(1/236)

وسألته: عن قول الله سبحانه: الذين يجتنبون كبائرالإثم والفواحش إلا اللمم، فكبائر الإثم والفواحش فهو ما وعد الله عليه النار إلا اللمم واللمم هو ما ألم به الإنسان من غير تعمد ولا قصد ولا إرادة، إن ربك واسع المغفرة: معناه كثير المغفرة، هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الإرض يقول هو عالم بكم وبأخباركم وبما يكون منكم إلى يوم القيامة فقد علم ذلك كله مذ وقت أنشأئه لكم من الأرض، ومعنى أنشأكم من الأرض فهو خلقه لآدم عليه السلام في بدئ الخلق من التراب والأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم يقول إذ أنتم مستجنون في بطون أمهاتكم قبل خروجكم إلى الأرض فهو يعلم ما ستفعلون عند كبركم وبلوغ أشدكم فلا تزكوا أنفسكم فهو أعلم بمن اتقى يقول لا تقولوا أنكم أزكياء ولستم بأزكياء ولا تسموا أنفسكم أتقياء وأنتم تعملون غير عمل أهل التقوى هو أعلم بمن اتقى أي بمن آمن واهتدى واستوى.

أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا يقول: ممن أعطا حق الله قليلا، وأكدى: على كثير منه، ومعنا أكدى فهو منع وأبا أن يدفع ما عليه من حق الله، فقال تبارك وتعالى: أعنده علم الغيب في ما فعل أنه لا يعاقب عليه فهو يرى أي فهو يعلم ما له وعليه في ذلك أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفا، الذي في كتبهما صلوات الله عليهما فهو ما ذكر أنه: لا تزر وازرة وزر أخرى.

ومعنا وفاَّ فهو بلّغ وأدّا، ومعنا وازرة فهي حاملة يقول: لا تحمل حاملة حمل أخرى، وهذا مثل فالذي لا يحمل هاهنا فهو العمل لا يحمله غير صاحبه أي لا يلزم عمل واحد غيره بل كل إنسان مأخوذ بعمله دون غيره، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى يقول: ليس يجب للإنسان ولا عليه إلا عمله، وأن سعيه سوف يرى يقول: عمله سوف يظهر، ويوجد غدا عند الله جزاءه.

(1/237)

ألا ترى كيف يقول: ثم يجزاه الجزاء الأوفى يقول: يعطا عليه العطا الأوفى من خير وشر وإلأوفى، وفي فهو الذي لا يزيد ولا ينقص، وأن إلى ربك المنتهى، يقول: إلى الله المصير غداً، وأنه هو أضحك وأبكى يخبر سبحانه أنه الذي جعل في الإنسان استطاعة الضحك والبكى وركب فيه السخط والرضى، وأنه هو أمات وأحيى يخبر أن الموت منه والحياة في مبتدأ الخلق والإعادة بعد الموت والإنشاء.

وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى فأخبر أنه يريد النطفة في الرحم حينا ذكراً وحينا أنثا حتى خلق من هذا الماء المهين الزوجين اللذين منهما يكون نسل الآدميين، وأن عليه النشأة الأخرى يقول سبحانه: إن عليه أن يبعث الخلق ويردهم بعد فنائهم ويوادهم أحياء يحاسبهم ويعاقبهم ويثيبهم بأفعالهم المتقدمة فالبعث من القبور هي النشأة الأخرى والنشأة الأولى فابتدأ الخلق من النطفة في الرحم بشرا كاملا، وأنه هو أغنى وأقنى معنا أغنى فهو رزق وأعطا ومعنا أقنى: فهو رزق وكفى وتولى كفاية عبيده، وأرزاق خليقته، وأنه هو رب الشعرى والشعرى نجم معروف في السماء، وفي ذلك ما يقو الشاعر:

نظرتكم العَشَا إلى سهيل... أو الشِعرى فطال بي الأنا

يقول: انتظرت قِراكم أن يأتي إلى طلوع سهيل أو طلوع الشعرى، فطال بي الانتظار ولم يأت شيء، وأنه أهلك عاداً الأولى ) وثمود فما أبقى ) وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى معناه يخبر سبحانه أنه الذي أهلك عادا الأولى، ومعنا الأولى الأولة وثمودا فما أبقى فلم يبق منهم أحدا لما أن عقروا الناقة وعصوا صالحا، وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى، يقول: أظلم من ثمود وأطغا، ومعنا: أطغى فهو أبغاء وأشر وأردا.

(1/238)

والمؤتفكة أهوى معنا أهوى فهو أهلك وأردا فغشاها الله من عذابه: ما غشا، ومعنى غشا نزل عليهم وابتلا، فبأي آلاء ربك تتمارى يقول ففي أي آلاء ربك تشك وإلا لاء فهي الآيات هاهنا والابتلاء، هذا نذير من النذر الأولى معنى نذير فهو معذر منذر من النذر الأولى يريد كالنذر الأولى يخبر أنهم قد أنذروا كما أنذ الأولون فإن عصوا كما عصوا أهلكوا كما أهلكوا، أزفت الآزفة، قربت القريبة الأزفة فهي القيامة الأخرة، ليس لها من دون الله كاشفة يقول: ليس لها من بعد مجيء الله بها دافع ولا مؤخر.

أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون يريد سبحانه أفمن إخبارنا إياكم بالآزفة وقرب الآخرة ووقوع الواقعة تعجبون أي تشكون ولا تصدقون وتضحكون إذا قرئ عليكم ما تسمعون ضحك ممتري في قولنا شاك في وعدنا ووعيدنا ولا تبكون وأنتم سامدون، والسامد: فهو المنصت المغموم الهائم الوجل الراهب الذي قد انقطع كلامه لخوف ما أمامه وقدامه.

فاسجدوا لله واعبدوا أمر منه سبحانه لهم بالإيمان والتصديق بما جاء به رسولهم من الوعد والوعيد، والسجود، فهو وضع الجبهة على الأرض والعبادة بالقول والطاعة.

وسألته: عن قول الله سبحانه: أقتربت الساعة وانشق القمر إلى قوله: هذا يوم عسر، فقال: اقتربت الساعة وانشق القمر، فهو إخبار من الله سبحانه لنبيه بقرب الساعة ودنوها إنه لم يبق من الديا إلا يسير، وقوله: انشق القمر: يقول اقتربت الساعة واقترب انشقاق القمر وانشقاقه فهو في يوم الدين في وقت تبديل السموات والأرضين وأن يروا آية يقول تبارك وتعالى وإن يرى المشركون آية من آياتنا يعرضوا عنها بالتكذيب بحقائقها ويقولوا: هذا سحر مستمر، أي مستوى متتابع كل يوم يأتينا منه شيء، وكذبوا واتبعوا أهواهم يقولوا: كذبوا واتبعوا أهواءهم يقول كذبوا بالآيات واتبعوا في ذلك ما يهوون من الباطل.

(1/239)

وكل أمر مستقر يقول: كل أمر يكون منهم فهو مستقر عندنا حتى نجازيهم غدا عليه ونوفيهم ما كان من وعدنا فيه، ومعنا: مستقر فهو محفوظ باين لا ينسا ولا يضل، ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر، يقول: قد جاءهم من الأخبار والآيات الصادقات والدلائل الباهرات ما فيه زجرهم، عما هم عليه ومعنا زجرهم فهو نهاهم ومنعهم عما هم فيه من باطلهم.

حكمة بالغة فما تغني النذر يقول: آيات محكمة ودلائل كافية بالغة فما تغني النذر، يقول: ما تردعهم الرسل عند ذلك، والنذر هنا فهي إنذار الرسل لهم وبعثها بذلك من الله سبحانه فتول عنهم يقول: دعهم إذ لم يقبلوا وأعرض عنهم إذ لم يطيعوا، ثم ابتدأ سبحانه الخبر، فقال: يوم يدع الداع إلى شيء نكر معنا ذلك ستعلمون يوم يدع الداعي لشيء نكر، والنكر فهو الأمر المنكر الذي ينكرونه حتى يعاينوه ويفزعهم حين يرونه، خشعا أبصارهم معنا خشعا فهي مغضوضة لا يرفعون رؤسهم ولا يمدون أبصارهم أمامهم من الفزع والخوف والإيقان بالبلاء العظيم.

يوم يخرجون من الأجداث فالأجداث هي القبور كأنهم جراد منتشر فشبههم في كثرتهم بالجراد المنتشر وهو الكثير المعروف، مهطعين إلى الداعي معنا مهطعين: فهم تابعون مسرعون إلى نحو الداعي، والداعي: فهو الذي يدعوهم إلى موضع الحشر، ويأمرهم بالمصير إليه، يقول الكافرون هذا يوم عسر، ومعنا هذا يوم عسر، أي عسر لدينا شديد علينا إذ حق وعد الله فينا.

(1/240)

وسألته: عن قول الله سبحانه: وحملناه على ذات ألواح ودسر ) تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر، فقال: هي السفن التي تعمل من الألواح وتشد بالدسر، والدسر فهي الحبال والمسامير التي يربط بها وتدسر، تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر فهي في تسير في البحر بعلمنا جزاء لمن كان كفر، والذي كُفر هو نوح صلى الله عليه يقول: جزيناه على صبره على من كان كفر نعمته وعصى أمره بالنجاة في هذه السفن مما وقع بالكافرين لنعمهِ المشركين بما جاء من الله به.

وسألته: عن قول الله سبحانه: إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر ) تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر، فقال: هذا إخبار من الله سبحانه بما أرسل على عاد من ريح الصرصر وريح الصرصر فهي الريح الباردة الشديدة العظيمة القوية في يوم نحس مستمر تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر: يريد تنزع نفوس الناس من أبدانهم تخرجها من جثثهم حتى تبقا أبدانا مطرحة ميتة لا أرواح فيها كأنهم أعجاز نخل منقعر شبه جثثهم وعظمها بأسافل النخل الساقط المتقلع المنقعر فهو المتقلع من أصله.

وسألته: عن قول الله سبحانه: إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر، ونبيهم أن الماء قسمه بينهم كل شرب محتضر، فقال: معنا مرسلوا الناقة أي جاعلوا الناقة فتنة لهم أي محنة لهم فارتقبهم أي انتظر معصيتهم فيها واضطبر أي أصبر حتى يعصوا في فعلهم فيرا ما يجب فيهم، ونبئهم أن الماء قسمة بينهم يقول: أعلمهم وقل لهم أنا قد قسمنا الماء بين الناقة وبينهم فيوم لها شربه كله لا يشربون معها ولا يردون الماء يوم وردها، ويوم لهم لا ترد فيه الناقة عليهم، كل شرب محتضر، يقول: كل يوم فهو شرب لأهله يشربون فيه الماء ويحتضرونه، ومعنا يحتضرونه: يشهدونه فكانوا كذلك حتى عقروا الناقة ونزل بهم عذاب الله فكانوا كهشيم المحتظر، والعذاب الذي نزل بهم فهو ما ذكر الله من الصيحة الواحدة.

(1/241)

والصحية: فهي الأمر الذي نزل بهم فأهلكهم، هشيم المحتظر، فهو دقاق ما قد بلي من الشوك والعيدان الذي احتظر به المحتظر على نفسه وغنمه ثم طال عهده فبلى وتفتت وهو شيء كانت العرب تفعله يجمع الرجل الشوك والعيدان فيحظره حظيرة، على غنمه حتى لا يخرج منها شيء فشبه الله هؤلاء الذين أهلكهم بهشيم ذلك الشوك الذي جعل حظيرة بعد فنائه وبلائه.

وسألته: عن قول الله سبحانه: إنا أرسلنا عليهم حاصبا فقال الحاصب: هو الرمي الذي وقع بهم والرجم الذي نزل من السماء عليهم.

وسألته: عن قول الله سبحانه: ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فقال: هو لوط صلى الله عليه راوده هؤلاء المرجومون ليسلم إليهم ضيفه وهم الملائكة المقربون وكانوا يظنون أنهم فتية آدميون فطمس الله أعينهم ومعنا طمس أعينهم فهو حجبناها عن رؤيتهم ومنعناها عن الوقوع على ملائكة ربهم.

وسألته: عن قول الله سبحانه: أكفاركم خير من أوليائكم أم لكم براءة في الزبر أم يقولون نحن جميع منتصر ) سيهزم الجمع ويولون الدبر، فقال: شبه سبحانه قصص من ذكر في هذه السورة ممن أهلكهم من القرون بكفرهم، ثم قال: أكفاركم يعني قريشا والعرب خير من أوليائكم يقول: من أولئك الذين قصصنا عليكم هلكتهم أم لكم براءة في الزبر، يقول: أهم خير فنصرف عنهم ما أوقعناه بغيرهم ممن كفر ككفرهم، أم لهم براءة في الزبر، والزبر: فهي كتب الله من التوارة والإنجيل والزبور والفرقان، يقول: هل لكم من الله حكم بالبراءة مما وقع بغيركم فأنتم تجترون لذلك على ربكم.

أم يقولون نحن جميع منتصر يريد أم يقولون: يا محمد نحن لكثرة جماعتنا وعددنا منتصرون من جنود الله إن قاتلتنا فهذا قليل من جهلهم وضعف رأيهم، وقولهم: سيهزم الجمع الذي به يدلون، وعليه من دون الله يتكلون حتى ينهزموا من جند الله ويولون أدبارهم، هاربين من أولياء الله.

(1/242)

وسألته: عن قول الله سبحانه: ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر، فقال: أشياعكم هي أمثالكم ونظراؤكم وإخوانكم في كفرهم فهل من مدكر، يقول: هل من مدكر أو معتبر.

وسألته: عن قول الله سبحانه: وكل شيء فعلوه في الزبر إلى آخر السورة، فقال: الزبر هنا هي العلم يقول: كل شيء فعلوه وأحدثوه وقالوه، هو في علمنا ثابت مستقر لا يزال منه ما كبرو ما صغر، وكل صغير وكبير مستطر، معنا مستطر فهو مكتوب، ومعنا مكتوب فهو محفوظ إن المتقين في جنات ونهر، فالنهر نهر الأنهار التي تجري في الجنان، ومعنا مقعد صدق فهو محل صدق عند مليك مقتدر، معنا عند لدا مليك فهو المالك لكل شيء مقتدر فهو القادر على كل ما يريد الذي لا يمتنع منه قريب ولا بعيد.

وسألته: عن قول الله سبحانه: الرحمن علم القرآن فقال: الرحمن هو الواحد ذو المن والإحسان والرحمة ذو الامتنان، علم القرآن، فمعنا علمه هوأنزله وأمر بقراءته وتعلمه خلق الإنسان فهو فطره وجعله وصوره وقدره علمه البيان فهو هداه إلى البيان وفهمه اللغة واللسان، وفهمه لما يحتاج إليه من الحجج والبيان.

والشمس والقمر بحسبان فمعنا الحسبان هو الحساب، ومعنا يحسبان فهو لحسبان، ومعنا لحسبان، يقول: خلقهما للحساب يعرف بهما السنون والشهور والأزمان، والنجم والشجر يسجدان فمعنا سجودهما هو إسجادهما للمعتبرين المستدلين على الله ممن رآهما فلما أن كان السجود من معنا الساجدين، جاز أن يطرح الساجدين ويثبت السجود، كما قال: واسأل القرية لما كانت القرية من سبب الأهل طرح الأهل وأثبت القرية، وقد فسرنا يسجدان في موضع آخر واستقصينا التفسير فيه مع تفسير قوله: وإن من شيء إلا يسبح بحمده، والسماء رفعها ووضع الميزان، معنا رفعها هو علقها سماء وأقلها فوق الأرض، ووضع الميزان فهو جعل الميزان، وهدا إليه.

(1/243)

ألا تطغوا في الميزان يقول: لا تظلموا فيه ولا تحتالوا بحيلة باطل عليه واستوفوا وأوفوا فقد جعلته عدلا بيننا وبينكم وخلقته مبينا لكم، وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا واعدلوا الوزن وأوفوات بالحق ولا تبخسوا يقول ولا تنقصوا الميزان ) والأرض وضعها للأنام ومعنا وضعها وخلقها وبسطها ومهدها للأنام فهم الخلق فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام، فالفاكهة هي الفاكهة المعروفة من ألوان الفواكه والأشجار والنخل فهي النخل المفهومه، ذات الأكمام والأكمام هي قشر الطلع الذي ينشق عما فيه من الشماريخ حتى يخرج الثمر من جوف الأكمام ويبقا الأكمام معلقة لا شيء فيها وهي القشور التي يكون عليه أول ما يخرج.

والحب ذو العصف والريحان فالحب ذو العصف فهو الحب من البر والشعير، والعصف: فهو العصف الذي يدق فيكون تبنا وهو الذي ذكر الله عزوجل أنه جعل أهل الفيل كالعصف المأكول، والريحان: هاهنا فهو الرزق الواسع من الرحمن وهو في لغة العرب موجود أطلب من ريحان الله أي أطلب من رزق الله، وإنما سمت العرب الرزق ريحانا، لما لها فيه من الطيب والمعيشة والإحسان.

فبأي آلا ربكما تكذبان، يقول: بأي نعم الله وإحسانه تكذبان ومعنا تكذبان أيها الثقلان والثقلان: فهما الجن والإنس، خلق الإنسان من صلصال كالفخار، والإنسان فهو آدم عليه السلام وهو بدي الناس والذي تفرعوا منه كلهم، والصلصال فهو الطين اليابس الذي يتصلصل إذا حرك عند يبسه وصدم بعضه بعضا كالفخار، يقول: هذا الطين في اليبس والصلصلة كالخفار الذي صوته إذا دقر بعضه ببعض وإنما كان آدم صلصلا من بعد تصوير الله له جسما من صلصال قبل أن ينقله إلى اللحم والعظم والدم ومن قبل الصلصال كان طينا لازبا طبا منعلكا.

(1/244)

وخلق الجان من مارج من نار والجان: هي الجن كلها، والمارج الذي خلقت الجن منه، فهو اللسان الذي ينقطع ويذهب في الهوى من النار إذا احتجت وأوقدت وهو خالص النار وحقيقتها وإنما سمي مارجا لمرجه في الهواء ومرجه فهو ذهابه وسرعته، تقول العرب: فلان قد مرج أي قد ذهب في معناه وأسرع.

فبأي آلا ربكما تكذبان ) رب المشرقين ورب المغربين، فقد تقدم تفسير فبأي آلاء ربكما تكذبان، والمشرقان والمغربان، فهما مشرقا الشمس والقمر، ومغرباهما من حيث يطلعان في الصيف ويغيبان وذلك أن لهما في الشتاء مطلع ومغرب وفي الصيف مطلع ومغرب غير مطلع الصيف ومشرقه.

مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان مرج البحري: معناهما خلقهما وجعلهما وبغيهما وإخراجهما وأساخهما على وجه الأرض كاحتجاجنا في قوله: مرج، وفي قول العرب مرج الإنسان، وقد تقدم شرح ذلك في أول السورة. والبحران فهما البحر المالح والبحر العذب وهو الذي يسما دجله والبحر المالح الذي بمصر إلى فارس وهما يلتقيان بموضع يقال له: رأس نهر السد عند مقصاه من البصرة، ومعنا يلتقيان فهو جعلهما يلتقيان ويصطدمان وقدرهما على ذلك سبحانه من الشأن فيلتقي البحران حتى ينظر إليهما الناظر بالعينين وتقف السفن على ملقتاهما فينظر شق السفينة هذا أخضر وشقها هذا أبيض يشرب من يمينها مالحا ومن يسارها عذبا ليس بينهما سبب يحجزهما ولا معناه بينهما برزخ لا يبغيان.

(1/245)

والبرزخ: فهو فعل الله تبارك وتعالى فيهما وتقديره لالتقائهما وإصطدامهما وما حجزهما به من قدرته سبحانه عن اختلافهما كما قال ذو الجلال والسلطان بينهما برزخ لا يبغيان، ومعنا يبغيان: فهو لا يجوز أن ما جعلا له ولا يقدران على أن يخرجا مما ركبا عليه، فبأي آلاء ربكما تكذبان ) يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان فاللؤلؤ هو اللؤلؤ المعروف، المستغنا بفهم من سمع ذكره له من تفسير معناه، والمرجان: فهو شيء أحمر يخرج منه فجعل خرزا يلبسه من شاء وأراده.

26 / 47
ع
En
A+
A-