(1/222)
الحاملات وقرا: فهن السحاب والوقر فهو ما فيهن من الماء الجاريات يسرا، فقد قيل: إنهن السفن، والمقسمات أمرا فهي الملائكة التي تقسم رحمة الله بأمره ونسوق أرزاقه إلى خلقه من ماء السماء الذي به حياة جميع الأشياء إنما توعدون لصادق هو جواب قسم بما أقسم الله به من هذه الأشياء المتقدمة فأخبر أن وعده حق، وأن قوله في ذلك كله صدق وأن الدين لواقع الدين فهو الجزا والجزا: هو يكون في يوم الدين ويوم الدين فهو يوم حشر العالمين، وفي ذلك يقع الدين، والدين: فهو ما ذكرنا من أنه الجزا للخلق على أفعالهم يجازا ويدان أهل المعاصي بعذاب النيران ويدان ويجازا أهل الإيمان بالثواب الكريم في الجنان، ومعنى قوله: لواقع هو واقع بأهله حال بمستأهله.
وسألته: عن قول الله سبحانه: والسماء ذات الحبك إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أفك قتل الخراصون الذين هم في غمرة ساهون، فقال: الحبك هو الاستواء والانحباك والمنحبك من الأشياء فهو المعتدل المستوي الذي لا اختلاف فيه ولا افتراق، إنكم لفي قول مختلف يقول: إنكم لفي آراء وأقاويل مذاهب مختلفة لا يجتمعون على الحق، ولا يقولون ما يجب من كلمة الصدق، يؤفك عنه من أفك، معنا: يؤفك فهو يعجز عن قول حقه وإتباع صدقه من عجز والعاجز هاهنا من قبوله: فهو المكذب بما سمع من قيله، قتل الخراصون: معناه لعن الخراصون.
والخراصون: فهم الكاذبون المتقولون على أهل الحق بالباطل الذين ينطقون فيهم من المنكر ما ليس فيهم ويقولون بالمحال والكذب عليهم، في غمرة ساهون أي في غفلة ويجوز جهالة ساهون أي معرضون غافلون عما يجب عليهم في تكذيبهم وعما هو نازل بهم من العقوبة على كفرهم.
(1/223)
وسألته: عن قول الله سبحانه: يسألون أيان يوم الدين يوم هم على النار يفتنون، فقال: معنا يسألون أيان يوم الدين هو إخبار من الله عن قولهم، وذلك أنهم كانوا يقولون أيان يوم الدين، ومعنا أيان أي متى يوم الدين وأي يوم الدين الذين تصف يا محمد، والدين فهو الجزاء، فقال الله تبارك وتعالى: يوم هم على النار يفتنون، يريد هذا اليوم الذي يسألون عن وقته ويكذبون بك وبه هو يوم هم على النار يفتنون ومعناهم على النار يفتنون هم في النار يفتنون فقامت (على) مقام (في)، ومعنا يفتنون فهو يعذبون فأخبرهم الله أن يوم الدين يوم عذابهم في النار وخزيهم وحين ملاقاتهم لسؤ فعلهم.
وسألته: عن قول الله سبحانه: وفي السماء رزقكم وما توعدون ) فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون، فقال: يريد أن في السماء، ومن السماء ينزل الماء الذي منه، وبه حياة كل شيء وصلاح أرزاق كل شيء من الثمار والأشجار والزروع مما يأكله الأنام ويعيش به سوائم الأنعام وما توعدون.
يخبر أن من السماء ينزل عليهم كل وعيد من العذاب الفادح الشديد المهلك العتيد، ثم أقسم سبحانه أن كل ما ذكر وعذر لنا وخبر من التعب والحساب والثواب والعقاب وهبوط الأرزاق حق كما أنكم تنطقون حقا لا شك فيه ولا إمترا.
(1/224)
وسألته: عن قول الله سبحانه: هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إلى قوله: ألا تأكلون، فقال ضيف إبراهيم هم الملائكة التي أرسلها الله إلى لوط ننجيه وأهله وتهلك قومه الذين يعملون السيئات أتوا إلى إبراهيم بديا فقالوا: سلاما سلموا عليه فرد عليهم السلام، ثم قال قوم منكرون، أي لا يعرفكم من أهل دهرنا ونحن ننكر حليتكم وصوركم، فراغ إلى أهله يقول: عطف إلى أهله ومنزله فجاء إلى القوم بعجل سمين مشوي يطعمهم إياه فوضعه بين أيديهم، ثم قال: ألا تأكلون فلما رأى صلى الله عليه أيديهم لا تصل إليه كما ذكر في غير هذه السورة وأوجس منهم خيفة والخيفة فهي الفزع والمخافة.
ومعنى: أوجس أحسَّ منهم بالحق وعلم عند ذلك أنهم ملائكة فقالوا له: لا تخف وبشروه بغلام عليم بإسحاق صلى الله عليه فوهب الله له إسحاق بعد إسماعيل عليهما السلام كما قال في غير هذه السورة.
وسألته: عن قول الله سبحانه وفي موسى: إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين إلى قوله: كالرميم، فقال: يريد وفي موسى آيات وعبرة إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين، يريد بحجة وبرهان مبين، فتولى بركنه يريد بجانبه أي حول وجهه وثنا شقه وجانبا ملتفتا عن موسى معرضا عما جاء به من الهدى ناسيا ما جاء به موسى إلى السحر والجنون، وهذا شيء يفعله الجبابرة المتكبرون الفراعنة الطاغون فإذا سمعوا ما لا يحبون وواجهوا ما لا يريدون صدوا بأحد جانبهم وثنوا وجوههم مع مناكبهم منحرفين عن من بذلك يقاربهم.
(1/225)
معنا: أخذناه وجنوده أي أوقعناه وجنوده في النقم، معنا فنبذناهم في اليم أي رمينا بهم في اليم، واليم فهو البحر المالح الأعظم، وهو مليم معنا وهو مليم مستوجب للعقوبة بفعله مستدعي لدواعي اللاّئمة إلى نفسه فاعل لكل ما يلام به واللائمة هنا فهو الذنب الذي عوقب عليه ولامه الله فيه، وعاقبه عليه، وقد قيل: إن المليم هو الصامت المتحير الباهت يرى من الأمر ما قد بهته وأفزعه والقول الأول أحبهما إلي وأصحهما عندي.
وفي عاد يقول: وفي عاد أية وعيره وتذكرة وتفكرة لمن أراد التذكرة إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم والريح العقيم فهي ريح العذاب الشديد الأليم الذي لا فسحة معها ولا فرج فيها ولا تنفس لمن استوجبها فلما أن لم يكن فيها رائحة ولا تخفيف ساعة واحدة قيل: هي عقيم من الفرج والراحة أي لا فرج فيها، كما يقال: رجل عقيم وإمرأة عقيمة وهما اللذان لا يلدان ولا يكون منهما ولد، فكذلك هذه الريح الشديدة العظيمة التي لا راحة فيها، ولا يكون منها سكون طرفة عين عن أهلها حتى تدمر كل ما أتت عليه.
معنا إلا جعلته كالرميم يقول ضربته وطحنته وأبادته حتى تركته مثل الرميم، والرميم: فهو الحسيس البالي القديم العهد بالحياة الذي قد بلي واسوادَّ وفني ولم يبق فيه إلا فتات لا منفعة فيه.
(1/226)
وسألته: عن قول الله سبحانه: والسماء بنيناها بأيد إلى قوله: لعلكم تذكرون، فقال: معنا بنيناها هو جعلناها وخلقناها وقدَّ رناها سقفا عليكم ودبرناها، ومعنا بأيد فهو بقوة واقتدار، وإنا لموسعون يقول: إنا لها لمعظمون موسعون، فهي واسعة عظيمة طبق على طبق غير ناقصة ولا صغيرة، والأرض فرشناها: يقول: بسطناها لكم ومهدناها فصارت لكم بتقديرنا فراشا ولأحياكم وأمواتكم برحمتنا كفاتا والماهدون: فمعناها الباسطون: المسوون الموطون لصعبها المسهلون لسهلها، ومعنا قوله: ومن كل شيء خلقنا زوجين يريد سبحانه: إنا خلقنا من كل صنف ذكرا وأنثى ثم خلقنا منها نسل ذلك الصنف والمعنا وأخبر سبحانه بأصل التناسل له من الزوجين. والزوجان: فهو الزوجة والزوج المتزاوجان لعلكم تذكرون: يقول: لعلكم تتفكرون في قدرة من جعل ذلك ودبره كذلك حتى توالد كل صنف من ذكر وأنثا فتعلموا أن الذي دبر ذلك في الابتدا قادر سبحانه على أن يحيي الموتى.
وسألته: عن قول الله سبحانه: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون إلى قوله: فلا تستعجلون، فقال: هذه شهادة من الله، وقول بالحق وإخبار عن فعله الصدق أنه لم يخلق خلقا إلا لطاعته والعمل بمرضاته لا ما يقول الكفرة الفاسقون الجورة المجترؤن من أنه خلق فريقا للعصية وفريقا للطاعة فأكذبهم الله تبارك وتعالى بما ذكر في هذه الآية.
(1/227)
ثم أخبر أنه لم يخلقهم ليرزقوه ولا ليطعموه وإنما على هذا المثل تبارك الله وتعالى عن الأكل والشرب والحاجة إلى الرزق والذي ليس كمثله شيء ولا يشبهه شيء وهو على خلاف كل شيء مباين لكل شيء وهو السميع العليم، ثم أخبر أنه الرزاق غير المرزوق الذي لا يحتاج إلى المخلوقين، وهم إليه محتاجون، وإلى رزقه وفضله مضطرون، ذو القوة المتين: يقول ذو القدرة والسطوة والمتين فهو القوي العزيز العظيم المحال الشديد النكال، فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم، يقول: سجال من العذاب واقع بهم كما نزل بالأولين العاصين.
وفي ذلك ما يقول الشاعر:
لنا ذنوب ولكم ذنوب... فإن أبيتم فلنا القليب
يقول: لنا جزء ولكم جز ولنا دلو ولكم دلو، فإن أبيتم أن نستقي وتستقون طردناكم عن القليب وأخذناه كله والقليب فهي البير العادية.
وسألته: عن قول الله سبحانه: والطور وكتاب مسطور، إلى قوله: وتسير الجبال سيرا، فقال: هذا قسم من الله سبحانه بهذه الأشياء لما فيها من عظيم الآيات والثناء والبركة والخير لمن اهتدى، الطور: فهو جبل بالشام يسما الطور كثير البركة والخير وكتاب مسطور، فهو كتاب محمد صلى الله عليه وعلى آله المذكور في رق منشور، والرق فهو الرق المعروف الذي تكتب فيه المصاحف منشور فهو مفتوح معلوم والبيت المعمور، فهي كعبة الله التي جعلها قبلة للمؤمنين، وهي بكة وهي بقعة البيت التي في وسط مكة.
والسقف المرفوع، فهي السماء المرفوعة التي جعلها الله سقفا للأرض الموضوعة، والبحر المسجور فهو البحر الأخضر المالح الأكبر، والمسحور فهو ذو الصوت والهيجان والأمواج فشبه الله اضطرابه وتقلب مياهه واصتدام أمواجه بالتنور المسجور والمسجور: فهو الموقد الذي قد تأججت ناره واستوقدت فيه فهاج لها صوت لديه والعرب تقول: اسجرا لتنور أي أوقده، فشبه الله تبارك وتعالى البحر بالسجير تسجير النار في التنور.
(1/228)
إن عذاب ربك لواقع فوقع القسم على وقوع العذاب ماله من دافع يقول ما فيه من حيلة ولا له من مانع، ثم أخبر متى يقع العذاب الذي عليه أقسم، فقال: يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا، وذلك فهو يوم القيامة الذي تمور فيه السماء ومورها فهو محاقها وذهابها وتقطعها ورجوعها إلى ما منه خلقها ربها، وفي ذلك اليوم تسير الجبال سير ا، ومعنا تسير سيرا فهو نسفها من وجه الأرض وذهابها ممن الأرض كما ذكر الله سبحانه حين يقول: وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب أي تنقطع وتذيب وتمحق كتقطع السحاب وذهابه من بعد تجسَّمه واجتماعه فهذا معنا تسير الجبال.
وسألته: عن قول الله سبحانه: فويل يومئذ للمكذبين الذين هم في خوض يلعبون إلى قوله: أم أنتم لا تبصرون، فقال: هذا إخبار من الله بأن الويل ينزل بالمكذبين في يوم تمور السماء مور ا، وتسير الجبال سيرا، والويل فهو العذاب والمكذبون فهم الذين كذبوا بما جاء به محمد صلى الله عليه في خوض يلعبون فالخوض هو التكذيب والهروج والشك والمزح ويلعبون فهو يعبثون ويهزؤن، يوم يدعون إلى نار جهنم دعا معنا يدعون أي يدفعون ويدقون ويجرون ويضربون تقول العرب: دعه أي أدفعه بيدك. والكزهٌ بجمعك، هذه النار التي كنتم بها تكذبون في الدنيا تجحدون ومواقعتها في هذا اليوم تنكرون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون هذا سحر كما كنتم تفعلون في الدنيا إذا أنذرتم بذلك أم أنتم لا تضرين ما قد وقعهم قد وقعهم فيه يريد بلا أنكم لتبصرونه وترونه عيانا بعد أن كنتم تكذبون به وتنكرونه إنكارا.
(1/229)
وسألته: عن قول الله سبحانه: والذين آمنوا وتبعتهم ذريتهم بإيمان إلى قوله: كل امرئ بما كسب رهين، فقال: يريد سبحانه: إن كل مؤمن يتبعه ذريته بإيمان مثل إيمانه ولقيت الله بذلك فإنهم يلتقون به في دار الثواب، وقوله: وما التناهم يريد وما انتقصناهم بما وعدناهم على إيمانهم شيئا، فأما قوله من عملهم فإنما يقول من جزاء عملهم، وأما قوله: كل امرئ بما كسب رهين، فهو يخبر أن كل امرئ بعمله مرتهن وبكسبه مجازا فخير فخيرا وشرا فشرا.
وسألته: عن قول الله سبحانه: يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم، فقال: اللغو: فهو الهذيان، والكلام الذي يخرج ممن قدزال عقله فيلغو في لفظه عند سكره وشربه لخمره فأخبر الله أن خمر الآخرة لا يفسد منها العقول ولا ينطق شار بها باللغو والفضول، وأما قوله: ولا تأثيم، فهو لا إثم على شارب خمر الآخرة من الإثم والعقوبات، وما أوعد الله عليها شاربها من النكرات.
وسألته: عن قول الله سبحانه: قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم، فقال: هذا قول من المؤمنين عندما ينجيهم الله في الآخرة من العذاب المهين، يخبرون أنهم كانوا في الدنيا وهم بين أهليهم مشفقين من عذاب الله ومعنا مشفقين فهو خائفون وجلون فمن الله علينا بصرف ما كان منه وجلنا وأشفاقنا من عذاب السموم، وإنما اشتق السموم من الأمر الشديد من وجه السموم، والسموم: فهي النار ذات الحريق والحر المهيل ومنه استق اسم السموم للريح الحارة الشديدة الحر التي يلفح الوجوه منها كما يلفح وهيج النار.
(1/230)
وسألته: عن قول الله سبحانه: فذكر فما أنت بنعمت ربك بكاهن ولا مجنون، فقال: هذا أمر من الله أمر به نبيه صلى الله عليه وعلى آله أن يذكر به ويدعوا إليه، ثم أخبر أنه ليس كما يقول الكافرون فيه ويقذفونه به من الكهانة والجنون فنفا الله ذلك عنه، فقال: فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون بل أنت الرسول الكريم الأمين.
وسألته: عن قول الله سبحانه: أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون إلى قوله: سحاب مركوم، فقال: هذا إخبار من الله عما يقول الكافرون في رسول الله صلى الله عليه وعلى آله كانوا يقولون: إنه شاعر لا رسول، وكان بعضهم يقول لبعض تربصوا به ريب المنون، معنا تربصوا فهو تنظروا وتوقعوا ريب المنون، والريب: فهو الوقوع والنزول والمنون: فهي الموت فأمر الله نبيه عليه السلام أن يقول لهم: تربصوا إني معكم من المتربصين يقول: انتظروا بي فإني أنتظر بكم مثل ما تنتظرون بي وأعظم من ذلك مما أرجوه من نزول عذاب الله عليكم.
أم تأمرهم أحلامهم بهذا يقول: أليس يزعمون أن لهم أحلاما وعقولا أفحلامهم تأمرهم ودلهم على المكابرة للحق وقول الباطل أم هم قوم طاغون يريد أم هم قوم قد طغوا عليك فينزل بهم البلاء على طغيانهم ويحل بهم النقم على كفرهم معنا أم يقولون تقوله يريد أم يقولون أنه كذبة وادعا أنه من الله وليس من الله، بل لا يوقنون، يقول: بل هم لا يصدقون أنه من الله.
(1/231)
فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صاقين يريد سبحانه إن كانوا صادقين أنك تقولته فليأتوا بحديث مثله يريد بقرآن مثله لأنه إن كان منك فسيقدرون على أن يأتوا بمثل ما أتيت به، وإن كان من عندنا فلن يقدروا على ذلك أبد ا، ثم قال سبحانه: أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون يريد أفلا يعتبرون فينتظروا في خلقهم أمن غير شيء خلقوا أم من شيء جعلوا فإن نظروا فسيبين لهم من أثر صنعنا ما يدلهم على أن ما جيئت به من عندنا. ثم أنتظروا أهم الخالقون أم غيرهم الخالق، فإن أقروا بخلق غيرهم لهم وبأنهم لم يخلقوا أنفسهم فيعلمون أن الذي أرسلك إليهم هو الخالق لهم.
أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون ) أم عندهم خزائن ربك أم هم المصطبرون، فكل هذا يريد سحبانه أنهم إن كانوا كذلك وكانوا يفعلون ذلك فالقول قولهم وإن كانوا ليسوا بفاعلين ذلك ولا قادرين عليه فليعلموا أن الفاعل لما عجزوا عنه هو الباعث لك والمنزل لما معك مما عجزوا أن يأتوا بمثله أم هم المصيطرون، يريد أم هم المستحصون لكل الأشياء الموكلون عليها الحافظون لقليلها وكثيرها فلن يكونوا كذلك أبدا ولن يكون غير الله كذلك ولن يعلمه ويحصيه سواه.
أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين هذا مثل مثله الله تبارك وتعالى يقول: أم لهم سلم يرقون فيه إلى السموات حتى يسمعوا وحي الله الذي ينطق به ملائكته عنه فإذا ذلك كذلك عندهم فليأت الذي استمع في السلم لهم بسلطان مبين، أي بحجة يدل على ذلك ويبينه وإلا فهم مبطلون والحجة فهي السلطان والمبين بين الظاهر أم له البنات ولكم البنون هذا إنكار من الله لقولهم أن الملائكة بنات الله، فقال الله تبارك وتعالى: هل يكون ما قلتم من ذلك ويجوز أن يصفكم بالبنين ويدع لنفسه البنات، لو كان كما تقولون تعالى الله عن ذلك علوا كبير ا، وتقدس عما يقول فيه الكافرون تقديسا عزيزا كريما.
(1/232)
أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون يقول: أم هذا الصدق والمنافرة لك لأجر سألتهم إياه والأجرة فهي الآجرة على ما جاء به فهم من مغرم يقول: فهم من شدة الغرم الذي الزمتهم إياه مثقلون فمعنا مثقلون أي مندوحون لا يطيقون ما كلفتهم ولا يجدون ما سألتهم فهم كارهون لأمرك لعظيم ما كلفتهم من أجرك.
أم عندهم الغيب فهم يكتبون يقول: أم عندهم علم الغيب فهم يعلمون كل شيء فيكون ما قالوا من علم غيبهم، ومعنا يكتبون فهو يعلمون، أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون، يقول: أم هذا الذي يفعلون بك من التكذيب وغيره هو مكر يمكرونه وكيد لك يريدونه فالذين كفروا هم المكيدون هم المعذبون الذين يقع عليهم الكيد ويحقهم دون غيرهم، حتى يكون ما أملوا إيقاعه بك من الكيد عليهم تكون أنت سالما لما من ذلك وهم فيه واقعون.
أم لهم إله غير الله يقول: أم لهم خالق ومدبر غير الله فهم إليه يلجون وبه يتعززون كلا مالهم من آله غير الله الذي عليه يجترؤن وبه يكفرون، سبحان الله عما يشركون، يقول تعالى الله وتنزه عما يقولون ويفعلون من شركهم وكفرهم هو أن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا: سحاب مركوم.
الكسف: هو العذاب النازل من السماء فأخبر سبحانه أنهم عند معاينتهم لو عاينوه لقالوا: هذا سحاب مركوم المركوم فهو الذي بعضه على بعض فإذا رأوه توهموا أنه سحاب حتى يقع عليهم فيهلكم وذلك مثل قوله سبحانه: فلما رأوه عارضا مستقبلا أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم.
وسألته: عن قول الله سبحانه: والنجم إذا هوى إلى قوله: ولقد جاءهم من ربهم الهدى فقال: هذا قسم من الله سبحانه بالنجوم عند هويها، ومعنا النجم فهو النجوم جميعا كما قال الله: يا أيها الإنسان، وهو يريد الناس طرا، ومعنا هوى فهو غاب وتدلا فأقسم بهويه عند هويه لما في ذلك من عظيم الآيات وكبير الدلالات على مسير الأرضين والسموات.
(1/233)
ثم قال: ما ضل صاحبكم وما غوى فأقسم بالنجم أن محمدا صلى الله عليه وعلى آله ما ضل عن الهدى ولا عدى عما أمره به العلي الأعلى وأنه ما أفك ولا غوى ومعنا غوى فهو ضل وهلك إذا أساء، إن هو إلا وحي يوحى يقول: ما يأتيكم صاحبكم إلا بوحى يوحى إليه ولا يأمركم إلا بما ينزل من الله عليه، علمه: معناها فهمه وأمره به شديد القوى: فهو جبريل صلى الله عليه يقول: شديد الأمر والخلق، ذو مرة والمرة فهي العزيمة والقوة والنفاذ فيما يؤمر به، فاستوى معناها فتم وكمل، وهو بالأفق الأعلى والأفق الأعلى أفق السماء الدنيا ثم دنى فتدلا، يقول: تقرب ودنا، ونزل حتى كان من محمد صلى الله عليه في الهوى.
قاب قوسين أو أدنا ومعنا قاب قوسين: فهو قدر علوتين في الهوى أو أدنا يقول: أو أقرب من القوسين وفوق القوس، فأوحى إلى عبده ما أوحى يقول: أوحى جبريل المتدلي على قاب قوسين أو أدنا إلى عبدالله محمد ما أوحى من الوحي الذي بعثه به الواحد الأعلا.