وسألته عن قول الله سبحانه: مثل الجنة التي وعد المتقون إلى قوله: فقطع أمعائهم فقال أراد الله تبارك وتعالى هل يستوي من كان في هذه الجنة وفي أسرتها. بين أسرتها ولذاتها....... ومن هو خالد في النار يسقا الحميم لايستويان أبدا صدق الله تبارك وتعالى لايستوي محل أوليائه ومحل أعدائه أعداؤه في عذاب النار وأشر قرار وأولياؤه في خير دار، فقلت ما هذه الخمر فقال هي الخمر التي لا فيها غول والغول فهو ما اغتال العقول ولا هم عنها ينزفون والنزف فهو ما ينال بشراب خمر هذه الدنيا النجسة فيزفون من طرفيهم مشيا وقيا فأخبر الله تبارك وتعالى بطهارة هذه الخمر وبعدها مما تفعل خمر الدنيا بأهلها.
(1/210)
وسألته: عن قول الله سبحانه: قل للمخلفين من الأعراب إلى قوله: يعدكم عذابا أليما، فقال:المخلفون هم الذين تخلفوا في أهليهم وتخليف رسول الله صلى الله عليه وآله لهم فلم يكن بالإذن منه لهم ولكن باختيارهم هم لمعصيتهم لربهم وإنما جاز أن يقول للمخلفين وهم المتخلفون من أجل أن رسول الله صلى الله عليه وآله أعرض عنهم حين اختاروا التخلف ولم يغصبهم على الخروج معه فلذلك جاز أن يقول المخلفين والقوم الذين هم أولوا البأس الشديد فهم أهل فارس وخراسان فقال: ؛ستدعون إلى قتالهم أو يسلمون فإن تطيقوا في ذلك يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا عن قتالهم وتخلفوا كما توليتم وتخلفتم من قبل يعذبكم عذابا أليما«، فكان دعاهم إلى جهاد أهل فارس من بعد النبي صلى الله عليه وآله وقد قيل أن أولي البأس الشديد الروم وأنها وقعت موته وهذا عندي أشبه المعنيين بالحق بأسباب يدخل فيه ومعاني توضح ذلك وتبينه.
وسألته: عن قول الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم، فقال: هذا نهي من الله سبحانه للمؤمنين أن يقدموا بين يدي الله ورسوله في شيء من الأشياء ببسط أمر أو أحد أو عطاء أو إيمان عدو أو مسالمة أو لقاء دون الله ورسوله والأذن في ذلك من الله ونبيه.
وسألته عن قول الله سبحانه: إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله...إلى آخر الآية، فقال:هذا إنباء من الله تبارك وتعالى على من يفعل ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وآله إجلالا له وتعظيما مما يكون من غض صوته وتكريما فأنبأ الله على من فعل ذلك وأخبر أنه ممن قد امتحن الله قلبه للتقوى وامتحان الله لقلبه فهو بما أمره به من تعظيم لنبيه وإجلال ما جاء به صلى الله عليه وآله من وحيه فكان غضهم للأصوات عنده قياما منهم لمؤكد المحبة وكان قيامهم بالإمتحان تقوى منهم وإيمانا.
(1/211)
وسألته عن قول الله سبحانه: واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر إلى قوله: أولئك هم الراشدون، فقال: يخبر سبحانه بتوفيق الله لنبيه لمعرفته بما جهله غيره في الأحكام والرأي في جميع أمور أهل الإسلام فيقول سبحانه: لو أطاعكم الرسول في ما تهوون وتريدون وتشاءه قلوبكم وتظنون من طرق كثيرة وأسباب تقبلون إليها جليلة وحمية وعصبية لقد عنتم ومعنى العنوت هو هلكتم عند الله وعطبتم، ثم أخبر سبحانه بمنته عليهم في إياديه العظيمة لديهم في ما مَّن به فيهم من تحبيب الإيمان إليهم وإدخاله في قلوبهم وتبغيض ما كانوا عليه أولا من الكفر إليهم وإخراج كل ما كانوا فيه بديا من صدورهم حتى عادوا لجهالتهم الأولة متعصبين ولما دخلوا فيه من محض الحق محبين حتى صاروا برحمة الله لله ولرسوله مطيعين وعن عصيانهما نازحين فصاروا لله من بعد العداوة أولياء وبحقائق الإسلام من بعد الكفر أتقياء.
وسألته عن قول الله سبحانه: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا إلى قوله: إن الله يحب المقسطين فقال هذا أمر من الله سبحانه لنبيه وللمؤمنين فيمن يشاجر وخرج بالجهل والمعصية إلى ما ذكر الله من القتال فأمرهم إذا صارت فئتان من المؤمنين إلى هذا الحد أن يصلحوا بينهما ويمنعوهما من التقاطع فإن فعلهما فإن بغت إحداهما على الأخرى وأبت القبول وأقلبت الأخرى إلى الحق في الفعل والقول قاتلوا التي تبغي وتأبا حتى تفيء إلى الحق والتقوى والمقاتلة فهي المحاربة بالطعن والضرب والرمي أبداً حتى ترجع إلى ماى خرجت منه من النصفة وتترك ما صارت إليه من البغي والحمية، يقول: يحب العادلين المحقين ثم قال سبحانه: فإن فاءت فأصلحو بينهما، يدل على أنه أراد فإن لم تف فقاتلوها حتى تفنوها وتهلكوها وتبيدوها أوترجع إلى الحق الذي منه خرجت وتترك الباطل الذي فيه دخلت.
(1/212)
وسألته عن قوله سبحانه: ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون، فقال: معنى لا تلمزوا أنفسكم هو لا يقع بعضكم في بعض بالباطل ولا يؤذيه بالكذب والوقيعة فيه بالمحال ومعنى لا تنابزوا بالألقاب فالتنابز هو التداعي بالألقاب وتسمية بعضهم بعضا بها والألقاب فهي أسامي مكروهة عند الناس ينبز بها بعضهم بعضا لينتقصه بذلك فنهى الله من كان كذلك عن العودة إلى ما يورث الشحناء ويوقع البلة بين أهل التقوى، ثم ذكر سبحانه أن من فعل هذا بعد أن نهاه عنه فقد دخل في اسم الفسوق بالمعصية لله إذ نهاه عن ذلك فقال:بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان يقول بئس الرجل رجل عصى فسمي بعد ما كان مطيعا بفعله ومعصية فاسقا فبئس البدل من تبدل الفسق بالإيمان، ومعنى قوله: ومن لمن يتب فأولئك هم الظالمون، يقول من لم يتب عما نهي عنه من التنابز وغيره فهم الظالمون لأنفسهم بما أوقعوها فيه من الهلكة عند الله على فعالهم.
وسألته عن قول الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن، إلى قوله: إن الله تواب رحيم، فقال هذا نهي من الله سبحانه لعباده عن سوء الظن بإخوانهم المؤمنين الذين قد عرفوا منهم محض الإيمان وأيقنوا منهم بترك معاصي الرحمن.
ثم أخبر سبحانه أن من ظن بأخيه المؤمن ما قد علم منه خلافه من التقوى فقد دخل في الإثم والردا، ثم قال سبحانه: ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا، يقول سبحانه: ولا تجسسوا من طرق طلب العيب من إخوانكم والبحث أن تجدوا لهم عيوبا تعيبوهم بها من بعد أن قد شهدتم بالإيمان لهم وأقررتم بالتقوى لهم فهذا الذي نهى الله المؤمنين أن يتجسسو اعليه وفيه وله.
(1/213)
فأما من كان ذا تهمة من أهل الزله والعثره والدخول في ما يسخط الله من المعصية فالتجسس عليه واجب ليظفر به ويشهد على فعله فيقام واجبات حدود الله عليه في صنعه فيكون ذلك نكالا له ولغيره من شكله، وأما قوله: ولا يغتب بعضكم بعضا، فهو نهي منه سبحانه عن أن يقع بعضهم في بعض من ورائه بالباطل والبهتان بالظن الكاذب في بعض الإنسان، ثم قال سبحانه: أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا، بالأغتياب له من ورائه وجعلهما سيان في كل معنى..
وفي ذلك ما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله أنه قال أن الله يبغض البيت اللحم يريد الذي يوقع فيه بالمؤمنين يغتابون ويوذون وبالباطل فيه يرمون كذلك وفي ما روي عنه صلى الله عليه وآله حين رجم ماعز بن مالك الأسلمي الذي أقر عنده بالزنا فرجمه ثم انصرف والمسلمون معه فقال طلحة والزبير انظروا إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم يستر على نفسه حتى رجم مرجم الكلب فسمعهما رسول الله صلى الله عليه وآله فسكت عنهما حتى أجاز بحيفة حمار شاغر برجله فوقف ثم قال: لهما إنزلا فأصيبا من هذه الحيفة فقالا نعيذك بالله يا رسول الله أناكل الميتة ونصيب منها فقال صلى الله عليه وآله لقد أصبتما من أخيكما آنفا أعظم مما تصيبان من هذه الجيفة إنه الآن ينغمس في أنهار الجنة يريد لما أصبتما من ماعز بن مالك من الأذية.
والاغتياب أعظم عند الله من أكل كما هذه الميتة لأن الله سبحانه قد حرم أغتياب المؤمنين كما حرم أكل الميتة ثم للمؤمنين حرمة ليست للميتة فمن عصى الله بقطيعة رحم ذي حق فاغتيابه أعظم من إصابته من الميتة المحرمة التي لا حرمة لها مع تحريمها.
(1/214)
وسألته: عن قول الله سبحانه: قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا إلى قوله: إن الله غفور رحيم، فقال: هذا إخبار من الله سبحانه وشهادة منه على أن الإيمان قول مقول وعمل معمول واعتقاد في العقول وتكذيب لمن قال بغير ذلك من أن الإيمان قول بلا عمل فأخبر سبحانه أن الأعراب الذين قالوا وأقروا وصدقوا ولم يعملوا أنهم في قولهم أنهم مؤمنون مبطلون كاذبون وأمرهم أن يقولوا أسلمنا ومعنا أسملنا فهو صدقنا واستسلمنا للحكم.
ألا ترى كيف قال: ولما يدخل الإيمان في قلوبكم يريد لم يصح الإيمان لكم، ولم يدخل في قلوبكم بالقول دون العمل ولستم من المستسلمين القائلين ولستم من المؤمنين المخلصين، ثم أخبرهم سبحانه أنهم إن تابوا ورجعوا إلى العمل فعملوا بعد القول واعتقدوا طاعة ذي الجلال والطول فعملوا بأمره كله وانتهوا عن نهيه كله وكانوا مع إقرارهم بالوحدانية له عاملين مجتهدين كانوا من بعد ذلك عنده، من المفلحين وصح لهم إسم المؤمنين، وذلك قوله: لا يلتكم من أعمالكم شيئا.
يريد لا ينتقصكم من جزاء أفعالكم وسعيكم ولو كان كما يقول أهل الجهل والبهتان أن الإيمان قول بلا عمل لما قال: لا يلتكم من أعمالكم شيئا، ولما قال للأعراب الذين وحدوا وشهدوا بالشهادتين وصدقوا وجاهدوا ولم يعملوا بكل الفرائض: قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا يريد سبحانه لن تكونوا أبدا مؤمنين حتى تكونوا بالفرائض كلها عاملين.
وسألته: عن قول الله سبحانه: يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين، فقال: هذا ذم من الله سبحانه لمن منَّ على رسول الله صلى الله عليه بالطاعة والمعاونة والقيام فيما أوجب الله عليه، فأخبر الله سبحانه أن من يمن بطاعة رسول الله أو بالدخول في طاعته والقيام بواجب فرض الله مخطيء في فعله عاص لربه، منتقص لدينه غير شاكر لنعمة خالقه.
(1/215)
ثم أمر نبيه صلى الله عليه أن يبين لمن كان كذلك أو فعل، شيئا من ذلك فيعلمه أنه ليس على رسوله له في إسلامه منة فإنه لم يفعل في ذلك إليه حسنة، ثم أخبر أن المنة على من فعل ذلك لله ولرسوله إذ هداه إلى النجاة وخلصه من الهلكة حتى صار من أهل الجنان بعد أن كان من حطب النيران، وحتى صار برحمة الله ومنته لله وليا مستوجبا لثوابه بعد أن كان الله حربا عدوا مستأهلا لعقابه.
ثم قال: بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين أي إن كنتم صادقين في أنكم مؤمنين، وفيما تدعون من الإخلاص فاقروا بما قلنا واخضعوا لحقنا فإن لم تقروا بذلك وتخضعوا فلستم بصادقين فيما تدعون من الإيمان وتنسبون إليه أنفسكم من الإخلاص للرحمن، وهذه الآية نزلت في بعض من كان مع النبي صلى الله عليه من كبار قريش كان عتب عليه النبي في بعض أفعاله ومنَّ على النبي بإسلامه وإتباعه له وقيامه معه ونصره له فأنزل الله عزوجل فيه ما تسمع وأوقع عليه في ذلك من الذم ما أوقع.
وسألته: عن قول الله سبحانه: ق إلى
قوله: هذا شيئ عجيب، فقال: ق هو جبل كريم جعل الله فيه بركة وخيراً عظيما، ويقال: إنه أكبر جبال الدنيا أعظمها عظما وأبعدها أمدا أو أشدها ارتفاعا، والقرآن المجيد هو قرآن محمد صلى الله عليه وعلى آله ومعنى المجيد فهو العظيم الكريم، بل عجبوا: معناها لقد عجبوا، وهو جواب القسم بق، وبالقران، فقامت الباء مقام اللام، والمعنا فهو باللام أن جاءهم منذر، فالمنذر هو محمد صلى الله عليه على آله ومعنى منذر فهو مخوف معذر بين يدي عذاب الله ونقمه وأخذه وبطشه.
(1/216)
وسألته: عن قول الله سبحانه: قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ، فقال: يخبر سبحانه أنه عالم بكل ما تنقص الأرض ممن يقع في جوفها من موتاها، فأخبر أنه يعلم ما يأكل منهم الأرض وما يبقا من ترابهم ورميمهم، ومعنا قوله: وعندنا كتاب حفيظ: يقول: عندنا من ذلك علم محفوظ حتى نردهم من حيث ما كانوا و نجمع أجزائهم وأعضاءهم من حيث ما توجهوا حتى نلم بعضها إلى بعض من حيث ما كانت من الأرض.
وسألته: عن قول الله سبحانه: أفلم ينظ-روا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج، فقال: تزيينها فهو بما فيها من النجوم، وذلك قوله سبحانه: ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين، ومعنا قوله:ومالها من فروج هو وما فيها من فروج فقامت (اللام) مقام (في) لأنها من حروف الصفات وحروف الصفات يعقب بعضها بعضا.
والفروج: فهي الفتوق والشقوق والاختلاف بالفطور، فأخبر سبحانه أنها مستوية ليس فيها من ذلك شيء وأصل ما أراد بذكر السماء وأمرها وما جعل فيها من زينتها ونقاعتها من فطورها أنه أراد سبحانه أفلا يوقن يُريد ما هذا من فعلنا بقدرتنا على ما أنكر بما ذكرنا له من حشرنا لعبادنا وبعثنا البشر من فعل ما فعل في السماء بقادر على أن يحشر ويعيد الأشياء.
وسألته: عن قول الله سبحانه: ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد، فقال: هذا مثل قوله سبحانه: وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون، فأخبر أنه أنزل من السماء ماء فأنبت به ما أنبت من الجنان والحب الحصيد والنخل الباسقات ذوات الطلع النضيد.
(1/217)
وأما معنا قوله: جنات فالجنات هي البساتين والحدائق ذوات الالتفاف والثمار والائتلاف ذوات الأنهار الجاريات والثمار المذللات اللواتي قد جمعن كل الثمار وجرت فيها بينهن وخلالهن الأنهار فما كان هكذا فالعرب تسميه جنانا فعلى ذلك يخرج ما سمي حصيدا ليبسه وبلوغه واستحصاده، فكل شيء بلغ غايته وبلغ تسمية العرب مستحصدا و حصيدا أي قد جاء وقت حصاده وقطعه وبلغ غايته وما ينتظر به وأخذه.
ومعنا قوله: والنخل باسقات فالباسقات هن الطوال المشرفات المرتفعات الساميات لها طلع نضيد: فالطلع هو هذا الطلع الذي يخرج في النخل المعروف ومعنا نضيد فهو منضود بعضه على بعض مداخل بعضه في بعض مجتمع متقارب وتلك صفته ما دام في أكمامه حتى تنفلق عنه أغشيته ثم تنفرق من بعد التناضد شما ريخه وتتباعد خيطانه.
وسألته: عن قول الله سبحانه: أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد، فقال: هذا تقريع من الله للكافرين وإخزا منه بالتبكيت للمكذبين الذين كذبوا النشأة الآخرة وأنكروا ما ذكرفي البعث والقيامة وكبر ذلك في صدورهم ولم يوقنوا برد الأبدان بعد بلائها وفنائها وتفرقها في الأجداث وذهابها فقال سبحانه: أفعيينا بالخلق الأول، يريد إن كان الخلق الأول أعيانا وأتعبنا فسيعيينا إعادته في النشأة الآخرة وإن لم يكن بدء وخلقكم أعيانا فإن ردكم هو أهون من ابتدائكم علينا، ثم قال بل هم في لبس من خلق جديد أي بل هم في شك من ردنا لهم بعد البلاء في خلق جديد.
(1/218)
وسألته عن قول الله سبحانه: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد، فقال: يخبر سبحانه بحفظ الحفظة له الذين عن يمينه وهما الملكان اللذان ذكر الله عن اليمين وعن الشمال قعيد يحفظان عليه كل لفظه وفعله وهما الرقيب العتيد الذي مع كل آدمي والرقيب وهو المحصي لفعل كل فاعل والعتيد فهو الثابت الراتب الذي ليس بمفقود، وجاءت سكرة الموت فهي:عشيه وشدته وإزالته لعقل الميت وكربته فشبه الله زوال عقل الميت وكربته وما ينزل به من غشيته بالسكرة التي تذهب بالعقل وتفسد العقل والعرب تمثل كل شدة أزالت عقل صاحبها بالسكر تقول مرت بنا من هذه الأمور سكرات بعد سكرات تزيد شدائد حالات بعد حالات، ومعنى قوله: بالحق، فهو: حقائق ما وعد الله من ذلك وقوله: كل نفس ذائقة الموت، فجاء وعد الله على حقائق ونزل بأهله على يقينه وصدقه، ذلك ما كنت منه تحيد، يقول ذلك ما كان منه هذ الميت يحيد ومعنى يحيد فهو يفر منه ويكره قربه ولا تريده نفسه.
وسألته عن قول الله سبحانه: وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاك فبصرك اليوم، فقال هذا في يوم القيامة عند خروج الخلق من قبورهم ومصيرهم إلى حشرهم ووقت حسابهم حيث تأتي كل نفس معها ما ذكر الله من السائق والشهيد والسائق والشهيد فهو الرقيب الذي ذكر الله العتيد وهما الملكان اللذان قال الله: عن اليمين وعن الشمال قعيد، فهما يشهدان عليه ويسوقانه، لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطائك فبصر، فيقول سبحانه: قد كنت لتكذيبك وقلة نظرك لنفسك والإعراض عن العمل في الدنيا بما يخلصك في هذا اليوم في غفلة والغفلة فهي من التارك للعمل.
(1/219)
معنا: كشفنا عنك غطاك فهو بما أظهر له من المعاينة لما كان فيه شاك وعن العمل له معرض حتى رآه عيانا وواجهه صراحا فبصرك اليوم حديد، فهذا مثل مثل به الله له يريد إنك كنت من قبل تكذب بهذا وبرؤيته فقد أصبحت اليوم حديد البصر بمعاينته زال عنك الخبر ووقع العيان.
وسألته: عن قول الله سبحانه: وقال قرينه هذا ما لدي عتيد، قال: القرين الذي يقول: هذا فهو الصاحب الفاسق المغوي له في الدنيا والمشارك له في الإثم من حتى موسوس مغوي أو أنسي ردي فاجر مؤذي، معنا ما لدي عتيد فهو ما عندي ولي مما استوجبه بفعلي عتيد فهو مقيم وهو عذاب الله الأليم النازل به وبقرينه المشارك له في أيامه.
وسألته: عن قول الله سبحانه: قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد، فقال: فأخبر سبحانه باختصام الفاجر وقرينه وتلاومه ونظيره فكان من رد الله عليهما حين كان عنهما ما كان من قولهما أن قال: لا تختصموا لدي يقول: لا تختصموا عندي وقد قدمت إليكم بالوعيد، يقول: قدمت إليكم بالإعذار والإنذار والوعيد لهذا النهار فلم ينفعكما إعذاري ولم يردعكما عن المعصية وعيدي فاليوم لا يبدل القول لدي وتبديله فهو تحريفه، والتحريف فهو من الكافرين عند تخاصمهم يقول: بعضهم لبعض هذا بأفعالكم وهذا بأسبابكم نزل بنا وحق علينا، وعيد ربنا ويقول الآخرون: مثل مقالتهم وينسبون سبب ذلك إليهم فكل يطرح الذنب على صاحبه ويحيل الإغوا عليه.
(1/220)
وسألته: عن قول الله سبحانه يوم يقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد: فقال: هذا اليوم يوم القيامة يوم الحسرة والندامة، ومعنا قوله: يوم يقول لجهنم هل امتلأت هو قوله: لخزنتها هل امتلأت وكذلك قوله: وتقول هل من مزيد لما أن كان الخزنة من أسبابها جاز أن يطرح الخزنة ويكون الخطاب لها على مجاز الكلام وهذا في الكلام موجود في اللغة ومثل ذلك من كتاب الله كثير، وقوله سبحانه: وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم، والعجل لا يشرب في القلب، وإنما الذي شربه القلب حبه فأراد وأشربوا في قلوبهم حب العجل، فطرح حبه، وأقام العجل مقامه إذ كان من سببه، وفي ذلك ما يقول الشاعر:
ألا إني سقيت أسود حالكا... الأبجلي من الشراب الأبجلي
فقال: سقيت أسود والأسود لا يسقاه أحد وهو سم الأسود، فطرح السم وأثبت الأسود مكانه إذ كان من سببه، والشاهد على ذلك من كتاب الله سبحانه أيضا: قوله: واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها، والقرية فإنما هي البيوت والأبنية وليس شيء من هذا يخاطب، ولا يسأل وإنما أراد أهل القرية، وساكنها فطرح الأهل والساكن إذ كانوا من سبب القرية وأثبت القرية، وكذلك قوله: يوم يقول لجهنم هل امتلأت أرد لخزنة جهنم فطرح الخزنة إذ كانوا من سبب جهنم وأثبت جهنم فجاء المنادا كأن المخاطبة لجهنم وإنما المخاطبة لخزنتها والقومة بها.
(1/221)
وسألته: عن قول الله سبحانه: وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب، فقال: أزلفت معناها كرمت وشرفت وقربت منهم وقربوا منها، وهذا مشتق من الزلفا والزلفا فهي الكرامة بالخلاصة العالية معنا من خشي الرحمن بالغيب فهو خشية في الغيب والغيب: فهو ما غاب عن الناس واستتر من ضمير القلوب أو عمل مستور، ومعنا جاء بقلب منيب فهو جاء يوم القيامة بقلب نايب راجع، وقد رجع في دنياه إلى الله وأناب إلى طاعة الله فكان لها في دنياه من العاملين ورجع إلى الله وهو من المنيبين المكرمين.
وسألته: عن قول الله سبحانه: وكم أهلكنا قبلهم من قرن إلى قوله: وهو شهيد، فقال: معنا نقبوا هو ركضوا فهربوا خوفا من العذاب، فلم يفدهم ذلك ولحقتهم من الله النقم والمهالك، معنا: قوله هل من محيصا هو هل وجدوا من الله محيصا ومعنا محيص فهو مهرب وملجأ يحيصون إليه أو يرغبون إليه أو يلجون نحوه، لذكرى يقول تذكرة وعبرة لمن كان له قلب أي من كانت له فكرة ونظر واستعمال للتمييز بغفله إذا أفكر، معنا: إلقا السمع فهو إلقا بالطاعة إلى الله ورسوله فسمع لأمر الله وأطاع وكان لأحكام الله ذا قبول واتباع وهو شهيد يقول شاهد لله بالحق قايل فيه بالصدق يشهد إنما جاء به نبيه من الله وأنه أنزل بأمر الله وأنه من عند الله.
وسألته: عن قول الله سبحانه: والذاريات ذروا إلى قوله: لواقع، فقال: الذاريات هي الرياح اللواتي تذرا ما تذري من التراب وغيره مما تحمله الرياح وتذروه ذروا فهو تأكيد لذروها وتعجيب لأمرها وهو كقول الرجل فلان تضرب ضربا شديدا وفلان جرا جرياً.