وسألته: عن قول الله سبحانه: فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا يستهزؤن، فقال: المعنا في ذلك أن الله أخبر نبيه صلى الله عليه وعلى آله بخبر هؤلاء الذين جائتهم رسلهم بالبينات فكذبوا بها وفرحوا بما عندهم من العلم، والعلم الذي فرحوا به فهو ما كان من عندهم من أخبار من كان قبلهم ممن عصى الله من آبائهم ممن تحل به نقمه وإخزاء الله لأعدائه به فقالوا لرسلهم: قد جاء غيركم أبانا بمثل ما قد جئتم به فلم ينزل بهم إذ عصوهم ما تعدوننا أنتم أنه ينزل بنا إذا عصيناكم ففرحوا بما عندهم من علم سلامة من سلم من آبائهم من علم من وقع به العذاب من أوائلهم ففرحوا سلامة السالمين وطمعوا بمثلها ولم يخافوا ما نزل بالمعذبين فيتوقعوا أكبر منها حتى جاءهم ما كانوا به يستهزؤن من هذا الوعيد الذي وعدهم به ربهم من العذاب إذ لم يزالوا به مكذبين مستهزئين حتى حاق بهم ما كانوا به يستهزؤن، ومعنا حاق فهو وقع ونزل.
وسألته: عن قول الله سبحانه: ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض أتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين، فقال: معنى قوله: استوى إلى السماء فهو صار حكمه إلى تدبير السماء وخلقها وهي إذ ذاك دخان في الهواء فخلق من ذلك الدخان هذه السموات العلى فهذا معنا استوى أي صار حكمه وفعله إلى خلق من بعد خلق الأربعة الأشياء الأصلية، وهي الهواء والماء والريح والنار فهذا معنى قوله: استوى لا أنه تبارك وتعالى انتقل إليها من الأرض ولا كان في الأرض دون الهواء هو محيط بكل الأشياء مستغني عن الأمكنة والأشياء تبارك وتعالى ذو الجلال والبقاء.
(1/198)
ومعنا: قوله فقال لها وللأرض أتيا طوعا أو كرها، هو أراد أن يأتيا فأتيا وليس، ثَم قول: وإنما هذا مثل يخبر سبحانه أن سرعة نفاذ إرادته ومضي مشيئته أسرع من قول القائل: كن و معنا أتينا هو كونا ولم يكن، ثم أمر منه لهما لأنهما في ذلك الوقت دخان وحراقة وإنما هو مثل مثل بالأمر وإنما معنا أئتيا أي أراد فجعل وشاء كونهما فكانتا فإيجاده لهما مراده لهما هو إيجاده إياهما لا يسبق إرادته موجوده ولا وجوده إرادته إذا شاء شيئا كان بلا تكلف ولا إظمار ولا استعانة بأعوان.
ومعنى: قالتا أتينا طائعين: هذا أيضا مثله في الطاعة والإستواء أراد سبحانه أنهما عند إرادته لإيجادهما كانتا لم يمتنع عليه من أمرهما ممتنع ولم يعسر عليه في خلقهما عسير ولم يؤده من تدبيرهما صغير ولا كبير، فهذا معنى أتينا طائعين.
وسألته: عن قول الله عزوجل: وقيضنا لهم قرناء إلى قوله: كانوا خاسرين، فقال: معنا قيضنا: هو خلينا وأمهلنا ولم يحل بين هؤلاء القرنا وبين من أخبرا علينا، والقرنا: فهم قرناء السوء من شياطين الجن والإنس فلما أن كان الله تبارك وتعالى قادر على أن يصرف عن أعدائه هؤلاء كيد هؤلاء القرناء فلم يفعل جزاء على فعلهم وخذلانا بكفرهم جاز أن يقول: قيضنا يريد تركنا وأمهلنا حتى زينوا لهم معنا التزين فهو التحسين بما يبسطون لهم من الأمل في الدنيا ويمنونهم من المغفرة في الآخرة التي تبقى، فهذا معنى ما بين أيديهم وما خلفهم.
معنا: وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم، فهو أغووهم حتى حق عليهم ما نزل بالأمم من قبلهم على مثل فعلهم، معنا خاسرين: فهو منتقصون، وانتقاصهم فهو فوت ما ظفر به المؤمنون من الثواب الذي حرمه العاصون، وانتقصوه بمعصيتهم وفاتهم بترك الطاعة لربهم.
(1/199)
وسألته: عن قوله سبحانه: وقال الذين كفرا ربنا أرنا اللذين أظلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين، فقال: المعنا في ذلك أن هذا السؤال من الكفار الضالين، وطلبا إلى الله أن يريهم من أضلهم وأغواهم من جبابرة الآدميين ومغويهم من فراعنة الشياطين الموسوسين بالمعصية لهم المزينين لما في صدورهم نجعلهما تحت أقدامنا، يقول: تحتنا في النار ونطأهم ونذلهم كما أهلكونا، معنا ليكونا من الأسفلين، فهو ليكونا تحتنا في العذاب المهين، وأن جهنم ظلل من فوقها ظلل معنا: ظلل أي درجات متفاوتات فأشد عذابها أسفلها فكل ما كان أسفل فهو أشد عذابا ممن هو فوق فأراد هؤلاء أن يكون المغوون لهم أسفل منهم في الدرجة التي هي أنكا عذابا وأشد نكالا وأشقا.
وسألته: عن قوله سبحانه: حم ) عسق إلى،
قوله: سبحانه ألا إن الله هو الغفور الرحيم، فقال: حم عسق حروف تولى الله علمها لم يبينها لأحد من خلقه إذ ليس له فيها أمر ولا نهي ولا فرض ولا أمر تعبد به عباده يحتاجون إلى علمه ومعرفته، كذلك يوحي إليك إخبار من الله تبارك وتعالى أنه الذي يوحي إليه، وإلى جميع الأنبياء الذين كانوا قبله تكاد السموات يتفطرن من فوقهن معنا ذلك إجلالا وإعظاما وإكبارا لما لما فعل المكذبون بآيات الله ووحيه ووعده ووعيده وما نزل من جميع أخباره فيقول سبحانه: لو كان في السموات تيميز وفهم لما قالوا وبه كذبوا ليتفطرن إجلالا لله وإعظاما وإكبارا لما جاء به المشركون من تكذيب قول الله والصد عن آيات الله.
(1/200)
ثم أخبر بطاعة الملائكة وإعظامها أيضالما يأتون به فقال: والملائكة يسبحون بحمد ربهم يقول: لما أن فعل المشركون ما فعلوا سبحته الملائكة وهللته وعظمته إجلالا له عن قولهم وتقد يساله عن شركهم، ثم أخبر بفعل الملائكة في المؤمنين المصدقين بما كذب به الكافرون المسلمين لما جحده المشركون المصدقين بوعد الله ووعيده الموقنين بحشره وثوابه وعقابه يقول: ويستغفرون لمن في الأرض يريد لمن فيها من المؤمنين المصدقين المتقين.
وسألته: عن قول الله سبحانه: وما أنت عليهم بوكيل، فقلت: أوليس قد كان صلى الله عليه وكيلا عليهم ومأمورا بهم ومجاهدا لمن عند منهم، فقال: معنى وما أنت عليهم أي ما أنت على إخلاص ضمائرهم بوكيل إذ أنت غير عالم بذلك ولا محيط به، وإنما أنت وكيل على ظاهرهم معامل لهم عليه، فأما الضمير فالله الحافظ له عليهم والعالم به منهم وإنما كلفناك ما تقدر على القيام به ولم يكلفك ما لا تستطيع مما لا تقدر عليه من علم ضمائرهم لو فعلنا ذلك بك لكلفناك إذاً شراً أو لافترضنا عليك عسرا.
ألا تسمع كيف بين في أول الآية وفي وسطها ما قلنا من أنه سبحانه الحافظ لسرائرهم المعامل لهم عليها دون نبيه، وذلك قوله: والذين اتخذوا من دونه أولياء في السرائر وأعطوك يا محمد غير ذلك في الظاهر الله يحفظ ذلك عليهم ويعلمه منهم إذ لا تعلمه أنت من فعلهم حتى يجازيهم عليه في يوم حشرهم، ويبدئ عليهم فضائح ما كان من ضمائرهم.
(1/201)
وسألته: عن قول الله سبحانه: وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وينذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير، فقال: أم القرا هي مكة ومن حولها من القرى فهي أعمال مكة وما قاربها من الحجاره كله، ومعنى تنذر أم القرا ومن حولها وإنما ينذر أهلها وأهل القرا التي حولها فلما أن كان الأهل من سبب القرا طرح الأهل وأثبت القرا، وإنما يريد الأهل كما قال في قوله: واسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها يريد أهل القرية وأهل العير.
ومعنى قوله: وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فهو أيضا على هذا المعنا أراد وتنذر العذاب الذي يكون في يوم الجمع فطرح العذاب، وأقام يوم الجمع مقامه كما فعل في أم القرا، ويوم الجمع فهو يوم القيامة الذي يجتمع فيه إلى موضع الحشر لا ريب فيه يقول لا شك أنه سيكون فريق في الجنة وفريق في السعير يخبر أن ذلك اليوم يوم يصير فيه فريق من الناس في الجنة ويصير فريق منهم في السعير والإنذار فهي إلى أم القرا، ومن حولها وإلى جميع أهل الأرض غير أنه خص أم القرا بالذكر لعظيم ذكرها وأنها كانت المبتدأ في الإعذار والإنذار، ثم يبلغ إعذاره صلى الله عليه جميع شرق الأرض وغربها وشامها ويمنها.
(1/202)
وسألته: عن قول الله سبحانه: والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد، فقال: يقول: إن الذين يحاجون في الله أي يدافعون عن تصديق الله ويكذبون ما جاء عن الله من بعد ما استجيب له يقول: من بعد ما قد تبينت حجته فظهرت دلالته وقبلها المؤمنون واستجابوا لربهم وآمنوا به فأخبر أن حجتهم حجة من أنكر ما قد وضح وبأن فحجتهم داحضة عند ربهم يقول: لم يبق لهم حجه فصرف بها عنهم العذاب، ولا يجب تبيينها لهم ولا يلزمنا بها تأخير العذاب عنهم، قد بينا وأوضحنا واحتججنا حتى شهدت عقولهم بأن ذلك هو الحق ثم كابروا فليس مكابرتهم بعد المعرفة حجه عند الله يجب بها تأخير العذاب كما يجب من قبل ثبات الحق عندهم وظهوره لهم.
وسألته: عن قول الله سبحانه: والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون إلى قوله: إنه لا يحب الظالمين، فقال: معنا قوله: والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون، يقول: والذين إذا أصابهم الظلم في دينهم لم يقروا به وانتصروا ممن بغي في دينهم، أو في أموالهم أو في دمائهم حتى يثبتوا الحق ويزيل الباطل فأخبر أنه لم يثبت باطلا، ولم يترك حقا.
وأما قوله: وجزاء سيئة سيئة مثلها، فذلك في ما يجوز المكافأة به من السيئات لا في شيء من المحرمات، وإنما ذلك في القتل والجراح والمال فيجوز أن يكافأ من فعل شيئا من ذلك بمثل ما فعل، فأما في مالا يجوز فعله مثل ظلم بريء أو فعل فاحشة يأتيها، فاسق دنيء إلى حرمة مسلم، فلا يجوز فعله لمسلم أن يأتي مثل ذلك في بري ولا حرمة فافهم الفرق بين هذين المعنيين وقف على وجه هاتين الحالتين.
(1/203)
وسألته: عن قول الله سبحانه: وتراهم خاشعين من الذل إلى قوله: في عذاب مقيم، فقال: صفة الكافر في يوم الدين أخبر الله بما ينزل بهم فيه من الذل والخزي، ومعنا ينظرون من طرف خفي ينظرون بطرف خفي، والطرف الخفي فهو الطرف الذليل الخاشع العي، وقد يستدرك ذلك من نزل به بلا في الدنيا، وترى ذلك في طرفه ظاهرا لا يخفى إذا قارب من يهابه من الجبارين أو واجه من يخشى منه من السلاطين والخاشع فهو المطأطي الرأس المنكس إلى الأرض.
ومعنى: الذين خسروا أنفسهم وأهليهم فهو من ذهب منه نفسه بالعذاب وحصلت بسؤ فعله في العقاب، وأهليهم فقد يخرج على معنين، إما أهله الذي كان يعرفهم في الدنيا، ويألفهم فيها فخسرهم بمفارقتهم، وإما بمصيرهم إلى عذاب أليم، وإما بمصيرهم إلى ثواب كريم ففي كلا المعنيين قد خسرهم الكافر، والمعنا الأول فقد يخرج على أن الأمل هم حوريات الجنة اللاتي جعلهن الله ثوابا للمؤمنين وخلقن أهلا للمتقين فكان من عمل بغير الهدا وجنب عن التقوى خاسراً للأهل الذين جعلوا للمتقين فخسرهم الفاسقون بفعلهم ما لا يجب الحوريات لمن فعله ولا ينالهن.
وسألته: عن قول الله سبحانه: أفنضرب عنكم الذكر صفحا إن كنتم قوما مسرفين، فقال: معنا ذلك من الله سبحانه على معنا الإحتجاج عليهم والتقريع لهم لما هم عليه من إسرافهم يقول أبدا كنتم قوما مسرفين يجوز لنا أن نضرب عليكم الذكر بذلك ونصرفه عنكم ولا نقيم به الحجة عليكم هذا ما لا يكون من فعلنا لأن مع إشراككم نزول النقم عليكم والنقم منا، فلا تنزل إلا على من ثبتت عليه حجتنا فكيف نضرب عنكم الذكر صفحا بإسرافكم وقلة قبولكم ونحن فلا تنزل النقمة بكم إلا من بعد ثبات الحجة عليكم.
(1/204)
وسألته: عن قول الله سبحانه: وجعلوا له من عباده جزاء إن الإنسان لكفور مبين، فقال: هذا إخبار من الله سبحانه بكفر من جعل لله شريكا من عباده فيعبد من دونه شيئا من خلقه كمن عبد المليكة من دون الله، وكذلك كل من أطاع كافرا في ما يأمره به من معاصي الله وترك أمر الله فقد عبد من طاعة لأن أكثر العبادة هي الطاعة، ومن أطاع عبداً من عباد الله في معصية الله فقد جعل لله جزأ من عمله بل قد أخلص التوبة لغبر ربه إذا أخلص الطاعة لمن هو مستسلم في يده من أعداء الله ربه وخالقه.
وسألته: عن قول الله: أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين، فقال: هذا تفزيع من الله تبارك وتعالى للمشركين في قولهم وإثبات الحجة عليهم إذ زعموا أن الملائكة بنات الله وأن الملائكة أناث فأنزل الله تبارك وتعالى: أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم، يريد سبحانه إن كان قولهم في ما زعموا من أن الملائكة أناث، وأنهم لله بنات، فقال: كيف يصفيكم أنتم بالبنين ويتخذ هو البنات لنفسه فلو كان كما تقولون إذا لم يتخذ إلا البنين إذ البنون أفضل من البنات فكيف تنسبون إلى الله ما تكرهون وتجعلون له ما منه تنفون من البنات اللواتي إذا بشر بها أحدكم ظل وجهه مسودا وهو كظيم مستحيي خجلا منهم واغتماما بولادتهن، ثم قال سبحانه: أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين.
يريد أو من كان هكذا في الصفة كالبنين الذكور، وأهل البيان في الخصام وأهل الخير والتمام لا يكون ذلك كذلك أبداً فأضم الذكور لعلم المخاطب به، فقال: أو من ينشأ في الحلية والذي ينشأ في الحلية فهن البنات اللواتي يزين به في الحلي ويتزين به وكذلك فهن اللواتي قال الله: وهو في الخصام غير مبين، يقول في الخصام غير قائم بحجته لضعفهن وقلة معرفتهن بمالهن وعليهن.
(1/205)
وسألته: عن قول الله سبحانه: وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلى قوله: لعلهم يرجعون، فقال: هذا قول من إبراهيم صلى الله عليه لقومه: تبرأ فيه من كل ما يعبدون من دون الله ويثبت التولي منه لرب العالمين الذي فطره ومعنا قوله: سيهدين، فهو سيوفقني للحق ويهديني إليه ويبينه لي والتي جعلها باقية في عقبه فهي كلمة الإخلاص ودين الحنيفية الباقي في عقبه إلى يوم الدين.
وسألته: عن قول الله سبحانه: وإنه لذكر لك ولقومك إلى قوله: آلهة يعبدون، فقال: الذكر الذي له صلى الله عليه ولقومه فهو كتابه ووحيه الذي نزل على نبيه، وقوله: وسوف تسألون يعني بالسؤال من أعرض عن الحق وعن الذكر وقبوله ليسأل بأي حجة كذب وصدق وبأي معنا أعرض عن الحق، ومعنا قوله: واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا فهو سل كتبهم وفتش أخبارهم.
، واسأل عما فرضنا عليهم مما أتوا به داعين فانظر هل تجد في هذه الكتب التي أتوا بها منا الذين أبلغوا منهم عنا شيئا مما عليه من أشرك بنا واتخذ آلهة من دوننا عبد شيئا من دون عبادتنا فلن تجد ذلك أبد في شيء من كتبنا ولا مما جاءت به رسلنا وإنما ذلك خطأ من فاعله واجترأ ممن يعبد شيئا من دون خالقه، وقد نهاهم الله سبحانه عن عبادة غيره وأمرهم بالعبادة له.
وسألته: عن قول الله سبحانه: من يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين، فقال: معنا يعش فهو يصد ويترك ويعرض عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو نخلي عليه شيطانا لا أن الله تبارك وتعالى أمر الشيطان بذلك، ولكنه خلاه وإياه ولم يمنعه منه، فلما أن كان ذلك منه كذلك جاز أن يقول قيضنا أي تركنا وخلينا بينه وبينه ولم يكن منا حاجزا له عنه ولا مانعا له منه.
(1/206)
وسألته: عن قول الله سبحانه: قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين، العابدون هم الآنفون: يقول الله سبحانه لمحمد يا محمد قل لمن زعم أن لنا ولدا إن كان للرحمن ولد كما تزعمون فأنا أول الآنفين المبغضين عن عبادة من له ولد.
وسألته: عن قول الله سبحانه وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون، فاصفح عنهم، وقل سلام فسوف تعلمون، فقال: هذا خبر من الله سبحانه عن قول نبيه أن من قدر بنؤمن به فأمره الله أن يصفح عنهم، ومعنا يصفح أن يتركهم ويرفضهم ومعنا قوله: وقل سلام أي قل أمرا حسنا جميلا يثبت به عليهم الحجة ويسلم به من أذيتهم، وقوله: فسوف تعلمون يقول: قل لهم فسوف تعلمون صدق ما جئت به وحقيقة ما اعذرت وأنذرت منه.
وسألته: من قول الله سبحانه: فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين، يغشى الناس هذا عذاب أليم، فقال: اليوم الذي تأتي به السماء بدخان مبين: هو يوم القيامة وإتيانها بالدخان فهو عروجها ومصيرها إليه وذلك أنها عند تبديل الله لها في ذلك اليوم تعود إلى ما منه خلقت وهو الدخان فتصير بعد هذا التجسيم والعظم إلى حالة الدخان ومعنا قول: من يقول: هذا عذاب أليم، فهو قول الكافرين إذا رأوا السماء قد صارت إلى ذلك الحال وأيقنوا بالجزاء، قالوا: حينئذ هذا عذاب أليم، فطرح الله اليوم وأقام العذاب مقامه فصار مرفوعا.
والعرب تفعل ذلك تقيم الشيء مقام ما كان من شبهه كقوله: واسأل القرية التي كنا فيها، والعير التي أقبلنا فيها، فأراد أهل القرية وأهل العير، فطرح الأهل وأقام القرية والعير مقامهم.
وسألته: عن قول الله سبحانه: ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم، فقال: معنا قوله فتنا قبلهم قوم فرعون أي عذبناهم علي معصيتهم بالغرق والرسول الكريم فهو موسى صلى الله عليه.
(1/207)
وسألته: عن قول الله سبحانه: قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون آيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون، فقال: معنا يغفروا يعرضوا عن عبادتهم ومقالتهم ويتركوهم، ومعنا الذين لا يرجون أيام الله فهم الذين لا يصدقون بوعد الله ووعيده، ومعنا ليجزي فهو إخبار منه بأنه سيجزيهم بأعمالهم فهذا معنا ليجزئ قوما أي ذرهم حتى يقع الجزاء عليهم، وعلى صدق ما أنكروا من وعد ربهم.
وسألته: عن قول الله سبحانه: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه.. إلى قوله: أفلا تذكرون، فقال هذا إخبار من الله تبارك وتعالى عن من عبد ما يهواه من الأشياء فجعل الألهة هواه وأضله الله على علم منه به ومعنا على علم منا بأفعاله واختياره وعبادته ما يهوى من الأشياء دون ربه فلما أن علم منه ذلك أضله ومعنى أضله فهو خذله وسماه بالضلال وأخبر عنه به ومعنى ختم على سمعه هاهنا في هذه الآية وقلبه وجعل على بصره غشاوة فهو بالخذلان له وترك التسديد له لما يسدد له المؤمنين لا أنه فعل به شيئا من ذلك ولاحال بينه وبين الإهتداء تقدس الله عن ذلك وتعالى فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون يقول من يوفقه للصواب أن يخذله الله أو يرشده إن تركه الله أفلا تذكرون في ذلك فتعلمون في ذلك أنه لا هادي لمن خذله الله ولامرشد لمن لم يرشده الله.
وسألته: عن قول الله سبحانه: وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون، فقال معنى جاثية هي باركة على ركبها منتظرة لما يكون من حكم الله فيها ومعنى تدعى إلى كتابها هو توقيف عليه وتدعى إلى جزائه خيراً فخير أو شرافشرا ومعنى كتابها فهو ما علم من فعلها تجازا عليه وتدان به.وما أ،ا إلا نذير مبين.
(1/208)
وسألته: عن قول الله سبحانه: قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إ ن أتبع إلاما يوحى إلي وما أنا إلا نذيرمبين، قال:يقول ما أتيت بغير ماأتت به الرسل من الدعاء وبعض الناس يخلق ثم لا يفري إلى الله وإلى حقه، ومعنى بدعا من الرسل فهو تستنكرون ما أتيت به وتستعظمون ما نطقت به هي سبيل الرسل كلماأتيت وإلى مادعت به من طاعة الله وما أدري ما يفعل بي ولا بكم يقول من موت ولا حياة ولاخير ولاشر في الدنيا إذ لست أعلم الغيب وما يعلم الغيب إلا الله وما أنا إلانذير يقول: منذر لكم أنذركم ما أمرت به مبين يقول: مبين بقولي مظهر لما أتيت به إليكم من ربي.
وسألته عن قول الله سبحانه: قل أرأيتم إن كان من عند الله إلى قوله إن الله لا يهد ي القوم الظالمين، فقال: هذا كلام تحته ضمير يريد قل إن كان من عند الله وكفرتم به ألستم متعرضين للنقمة أن تنزل بكم، فأما قوله وشهد شاهد من بني إسرائيل فهي الشهادة التي شهد بها مؤمن آل فرعون مثلهذه الآية وضميرها سوا سوا وهوقوله وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه إلى قوله مسرف كذاب، فشهد بأنه إن كان مؤمنا صادقا أصابهم بعض ما يعدهم به موسى من النقم من تكذيبهم بآيات الله فهذا معنى وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله يريد على مثل الآية الأوله وضميره على أن من كذب بآيات الله ورسله نزل به من الله تبارك وتعالى ما نزل بغيره من النقم المهلكات والآفات المتتابعات.
(1/209)
وسألته عن قول الله سبحانه: والذين قاتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم،فقال: معنى لن يضل أعمالهم هو لن يبطلها ولن يلتهم إياها بل سيجازيهم عليها ويعظهم لهم الأجر فيها، ومعنى سهديهم هو يهديهم إلى دار ثوابه ويصيرهم إلى ما أعدلهم من دان كرامته، ومعنى يصلح بالهم البال الحال والأمر، ومعنى عرفها لهم فهو طيبها لهم، وتطييبه لها فهو جمعه فيها للخيرات التي هي مجموعة فيها حتى طابت لأهلها بوجودهم كلما يحبون فيها.