(1/183)
ثم قال: وهم لهم جند محضرون، يقول الآلهة التي يعبدونها من دون الله لا تنفعهم ولا تضرهم في شيء من أمورهم وهم مع ذلك للآلهة جند محضرون يقول مجتمعون على عبادتهم وعلى التذلل والخشوع لهم كتخشع الجند لمالكهم فشبه اجتماعهم على آلهتهم وعبادتها من دون ربها باجتماع الجند لمالكهم فسماهم بفعلهم وتذللهم وتخشعهم للآلهة جندا وهم لا يجدون عندهم مع ذلك مضرة ولا نفعا.
وسألته: عن قول الله سبحانه: فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون، فقال: معنى قوله فسبحان يقول هو جل وعظم وتقدس وكرم الذي بيده ملكوت كل شيء وملكوت كل شيء فهو الله بيده كل شيء وأزمتها، وقدرته جارية عليها بأسرها.
وسألته: عن قول الله سبحانه: والصافات صفا ) فالزاجات زجرا ) فالتاليات ذكرا، فقال: الصافات فهي الملائكة وذلك قوله سبحانه: وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون، ومعنى صافات فهو قوف صفوفا لله عابدون، والزاجرات زجر ا، فالزاجرات فهي الملكية أيضا الزاجرات للخلق عن معاصي الله الخالق بما ينزل به من أمر الله ونهيه ومؤكدات فرصه، فالتاليات ذكرا فهن الملكية أيضا التي تتلوا وحي الله على أنبيائه وتنزل بزواجر آياته لأنبيائه.
وسألته: عن قول الله سبحانه: فاستفتهم أهم أشد خلقاً أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب، فقال: معنى استفتهم فهو سلهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا يقول من الملائكة والجن وغير ذلك ممن خلقنا يريد إن الذي خلق من الملائكة والجن وغير ذلك ممن خلقناهم أشد خلقا وأعظم أمرا وأبين في المقدرة من خلق الإنس، ثم أخبر سبحانه بالذي خلق منه الإنس من هذا الطين اللازب فهو الطين العلك الشديد الملتصق.
(1/184)
وسألته: عن قول الله سبحانه: فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين ) قالوا بل لم تكونوا مؤمنين، فقال: هذا إخبار من الله سبحانه عن تساؤل أهل النار وتلاومهم فقال: التابعون للمتبوعين بل كنتم تأتوننا عن اليمين، ومعنى تأتوننا عن اليمن فهو تأتوننا عن الأمر الميمون المابرك الذي فيه لو اتبعناه اليمين والنجاة كنتم تأتوننا دونه أي تغوننا في تركه فهذا معنى أتيانهم إياهم عنه أي دونه يصرفونهم منه وينأون بهم عنه، فقال: المتبعون للتابعين بل لم تكونوا مؤمنين أي لم تكونوا مهتدين ولا بالذي كذبنا به مصدقين.
وسألته: عن قول الله سبحانه: يطاف عليهم بكأس من معين والمعين هاهنا فهي خمر الجنة المباركة الطيبة بيضاء لذة للشاربين يصف حسنها وصفاها ويخبر أنها بيضا يلتذها كل من شربها ويستطيب طعمها،لا فيها غول يقول: لا فيها أمر يغتال عقولهم ولا يزيل أفهامهم ولا يضعف أبدانهم بل هي تشد أعضاءهم وتحسن حالهم، ثم أخبر أنهم لا ينزفون عنها، والنزف: فهو ما ينزل بشراب الخمر في الدنيا من القي الذريع وغير ذلك مما يكون منهم من الفضائح الشنيعة والأمور القبيحة، فأخبر سبحانه أن خمر الآخرة برية من كل غول وبلا أو آفة أو ردا.
(1/185)
وسألته: عن قول الله سبحانه: قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول: أئنك لمن المصدقين، إلى قوله: في سواء الجحيم، فقال: هذا إخبار من الله سبحانه عن مخبر يريد خبرا عما كان فيه أهل الدنيا من الكفر والتكذيب فأخبر عن هذا المخبر أن المؤمن سيقول: هذا القول يخبر به عن قرينه الذي كان يصده عن التصديق بوعد الله ووعيده وبعثه لخلقه من قبورهم بعد موتهم وزوالهم، فأخبر أنه كان يقول أئنك لتصدق بما يقول به محمد من أنك تبعث بعد موتك هذا ما لا يكون لن تبعث بعد الموت، ولن ندان ومعنى ندان فهو نجازا على أعمالنا ونحاسب فكان المؤمن مصدقا بما كذب به الكافر غير مطيع له في قوله: ثم ذكره في الآخرة، فأحب أن يدري أين صار فأطلعه الله على أمره وأراه موضع محله من النار، وسوء القرار والدار، وذلك قوله عزوجل: فاطلع فرآه في سوآء الجحيم قال تالله إن كدت لتردين يقول: كدت أن تهلكني بما كنت تغويني به في الدنيا وتأمرني أن أكفر بربي، فلو لا رحمة الله لي لكنت من المحضرين في العذاب معك غير أن رحمة الله تخلصني مما أوقعت فيه نفسك إذ كنت بوعيد الله من المكذبين وكنت أنا بوعيده من المصدقين.
وسألته: عن قول الله سبحانه: وإن إلياس لمن المرسلين إذ قال لقومه ألا تتقون أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين، فقال: كان الياس صلى الله عليه نبي مرسل عاتب قومه وزجرهم عن عبادة هذا الصنم الذي يعبدون من دون الله الذي اسمه بعل فقال صلى الله عليه: أتدعون بعلا أي صنمكم هذا فمعنى تدعون هو تعبدون وتطيعون هذا المعبود من دون الله الذي لاينفع ولا يضر تدعونه إلاهاً لكم وتذرون أحسن الخالقين الذي هورب العالمين الله إله اتلأولين والآخرين ومعنى قوله أحسن الخالقين فهو أحسن الخالقين، فهو أحسن الفاعلين والصانعين.
والعرب: تسمي كل من فعل شيئا خالقه تقول: خلق فلان ثوبا أي خيطه وخلق فلان جدارا أي بناه، وفي ذلك ما يقول الشاعر:
(1/186)
ولا نت تفري ما خلقت... وبعض الناس يخلق ثم لا يفري
... يريد: يعمل ثم لا يتم.
وسألته: عن قول الله سبحانه: فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين إلى قوله: وإنا لنحن المسبحون، فقال: هذا من الملائكة صلوات الله عليهم تخبر الآدميين أنهم ما يعبدون مما هم عليه فاتنين لمن يفتنون فأخبرت أنهم لا يفتنون في دينهم أي لا يدخلون معهم فأخبرت عليها السلام أنه لا يطيعهم على شركهم ولا يدخل معهم في عبادة غير الله ربهم إلا من شريك في الضلال والعذاب معهم.
ثم أخبر أنها صلوات الله عليها وجميع الخلق لهم كلهم مقام معلوم، أي موقف ومحشر مفهوم ويحشر فيه الخلق ملك أو جني أو إنسي، ثم أخبرت أنهم هم الصافون وهم المسبحون ومعنى الصافون فهم الوقوف صفوفا في عبادة الله يجتهدون وعلى طاعته بالتسبيح والتهليل والتكبير والتعظيم والتقديس يسبحون الليل والنهار لا يفترون.
(1/187)
وسألته: عن قول الله سبحانه: وهل أتاك نبأ الخصم إلى قوله: وخر راكعا وأناب، فقال: هذا خبر من الله سبحانه عما كان نبه ربه نبيه داود صلى الله عليه على أمنيته التي كان تمنى من نكاح إمرأة أوريا، وذلك أنه لما أن تبع الطير أشرف به على رأس جدار فأشرف داود لينظر أين توجه الطائر فوقعت عينه على إمرأة أرويا وهي حاسرة فرأى من جمالها ما رغبه فيها، فقال: لوددت أن هذه في نسائي ولم يكن منه غير هذا التمني، وكلما يروى عليه صلى الله عليه من سواء ذلك، فهو باطل كذب، فلما أن تمناها نبهه الله وعاتبه في السر وقد أعطاه أكثر من حاجته فبعث الله إليه ملكين فتمثلا في صورة آدميين فتسورا عليه من المحراب وهو يصلي فدخلا عليه ففزع منهما وظن أنها داهية قد دهمته وعدو قد هجم عليه في محرابه في وقت خلوته فقالا له: لا تخف خصمان بغا بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط، واهدنا إلى سواء الصراط يقول: يريد لا تشطط يقول: لا تمل حكمك مع أحدنا فتشطط على الآخر، ومعنى تشطط فهو تشدد على أحدنا في غير حق.
سواء الصراط: فهو معتدله ومستقيمه ووسطه وقيمه، والصراط فهو طريق الحق هاهنا وأوضحه، وكان لداود صلى الله عليه تسع وتسعون منكحا من الحرائر والإماء، وكان لأوريا هذه المرأة وحدها، فمثلا أنفسهما لداود يا داود وبأوريا، فقال أحدهما: إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة، فقال: أكفلنيها، ومعنى أكفلنيها فهو أتبعنيها وزدنيها إلى نعاجي وعزني في الخطاب يقول: شطي في الطلب وألحّ في تمنيها وطلبها، وذلك أنها لم تكن تسقط من نفس داود من يوم رآها يتذكرها ويتمناها.
(1/188)
فقال داود صلى الله عليه: لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطا ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم ) وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب، فلما قال هذا لهما: تغيبا من بين عينيه فإذا به لا يبصرهما ولا يراهما فعلم عند ذلك الأمر كيف هو وأنهما ملكان وأن الله بعثهما إليه لينهياه عن غفلته ويقطعا عنه بذلك ما في قلبه من كثرة تذكره مرة صاحبه فأيقن أنها فتنة من الله.
والفتنة: ها هنا فهي المحنة ومعنا ظن داود فهو أيقن داود بذلك من الله فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب إليه من ذلك التمني والذكر لهذه المرأة فلم يذكرها بعد ذلك اليوم حتى زوجه الله إياها حين أراد تبارك وتعالى من بعد أن اختار لأوريا الشهادة، فاستشهد وصارت إليه من بعد ذلك زوج الله داود مرة أوريا وبلغه أمله وأعطاه في ذلك أمنيته فجاءه ذلك، وليس في قلبه لها ذكر ولا أرادة، ولا تمني ولم يكن لداود صلى الله عليه في أوريا ولا في قتله شيء مما يقول المبطلون من تقديمه في أول الحرب ولا ما يذكرون من طلبه وتحيله في تلفه بوجه من الوجوه، ولا معنا من المعاني كذب العادلون بالله، وضل القائلون بالباطل في رسول الله عليه السلام، فهذا تفسير الآية ومخرج معانيها.
(1/189)
وسألته: عن قول الله سبحانه: واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار ) إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار، فقال: معنا قوله: واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب فهو أذكر فعلهم وصبرهم فينا ولنا فاقتد به ومعنى أولي الأيدي والأبصار، فهو أهل الأيدي والأيدي فهو الحسنات المقدمات التي أسدوها إلى أنفسهم من طاعة ربهم والعمل لمرضاة خالقهم، فكانت أفعالهم الحسنة من طاعة الله، والإخلاص له أياد قدموها لأنفسهم إلى الله وعلى ذلك يخرج معنى قول الله: بل يداه مبسوطتان يريد أفعاله الحسنة وأياديه إلى خلقه الجميلة.
ومعنا الإبصار: فهو الاستبصار في أمر الله والمعرفة والعلم به وعلى ذلك يخرج معنا قول الله عزوجل في نفسه سميعا بصيرا يريد عليما خبير ا، إنا أخلصناهم بخالصة، يريد إنا اختصصناهم بخاصة وجعلناها لهم وفيهم ذكرى الدار، فهو بقاء ذكرهم في دار الدنيا بما ذكرهم به في كتابه فبقي ذكرهم باق في ذريتهم وغير ذريتهم إلى يوم القيامة، وذلك سؤال إبراهيم صلى الله عليه لربه حين قال: واجعل لي لسان صدق في الآخرين، يريد اجعل لي ذكر الخير في الآخرين يقول: من بعدي من أهل هذه الدار إلى يوم الدين فأجابه الله، وأخبر بما جعل له من الذكر الباقي في هذه الدار.
ثم أخبر أنهم عنده في الدار الآخرة الباقية أعظم منهم ذكراً في الدار الفانية فقال إنهم عندنا لمن المصطفين يريد في آخرتنا ودار ثوابنا لمن المصطفين الأخيار، ثم قال: واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار يقول: اذكرهم بأنهم ممن جعلنا لهم الذكر في دار الدنيا، وفي الآخرة مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب.
ألا ترى كيف قال: هذا ذكر يقول ذكرنا له في هذه السورة ذكر باق لهم كما سأل إبراهيم ربه إلى يوم الدين وأن للمتقين لحسن مآب، يقول: لحسن مأوا ومرجع عند حشرهم وإيابهم إلى ربهم.
(1/190)
وسألته: عن قول الله سبحانه: قل هو نبأ عظيم إلى قوله: أنا نذير مبين، فقال: يقول سبحانه: إنما أنبأهم به من هذه الأخبار، ومن أخبار الملائكة عليهم السلام نبأ عظيم، يقول: علم غيب عظيم أنتم عنه معرضون، يقول: أنتم عن تفهمه غافلون، ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون والملأ الأعلى فهم الملائكة، ومعنا يختصمون، فهو يتحاورون ويجيبون ويجابون وذلك حين قال الله لهم: إني جاعل في الأرض خليفة يريد عزوجل آدم عليه السلام، فقالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك فقال سبحانه: إني أعلم ما لا تعلمون يقول: إني أعلم من بركته وبركة ما يخرج منه من المطيعين ما لا تعرفونهم ولا تفهمونهم منهم من لولاه ما خلقته ولا خلقت الدنيا محمد صلى الله عليه السراج المنير البشير النذير.
ألا ترى كيف قال: إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين، ومعنا فقعوا له ساجدين فهو قعوا من أجل ما أظهرت فيه من عظيم صنعي ساجدين، فلما أن كان السجود من سبب آدم جاز أن يقول: قعوا له وإن الوقوع والسجود لله من دونه ولكن هذا على مجاز الكلام كما قال: واسأل القرية التي كنا فيها، والقرية لا تسأل وإنما يسأل أهلها فلما كانت القرية من سبب أهلها، قال: سل القرية.
(1/191)
وسألته: عن قول الله سبحانه: الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها إلى قوله: ذوقوا ما كنتم تكسبون، قال: كذلك الله سبحانه نزل أحسن الحديث ومعنى أحسنه فهو أحكمه والحديث فهو الخبر من توراة أو إنجيل أو زبور أو فرقان، وأخبر أنه أحكم الكتب وأقومها وأفضلها لديه وعنده، وهو كتاب محمد صلى الله عليه، ومعنى قوله: متشابها، فهو متشابه التنزيل محكم التأويل، مثانى: فهو مكرر الإعذار والإنذار والأمر والنهي لإثبات الحج وتمام النعمة تقشعر منه جلود يريد تقف منه هيبة وإجلالا وتصديقا وتعزيزا عظيما جلود الذين آمنوا واتقوا ربهم وخشوا وعيده وطلبوا وعده، ثم تلين من بعد الفزع والهيبة ومعنى تلين فهو تطمئن قلوبهم وتخفض ثقة بوعد الله.
ثم أخبر سبحانه: بما ترى من كان كذلك من الهدى جزاء على ما اختار من التقوى، ومعنى قوله: ومن يضلل الله فهو من يخذل الله فما له من مرشد ولا هاد مسدد، فمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة يقول: من عمل في الدنيا عملا يستوجب به العذاب يوم القيامة ويصلى بوجهه له ثم أضمر هنا شيئا وهو معنى مثل فهو من الهالكين، فهو من الخاسرين أو مثل ذلك، ومعنى: وقيل للظالمين فهو قول الملائكة لهم جهنم وغيرها ذوقوا عذاب النار الذي به تكذبون في الدنيا وتجحدون البعث ولا توقنون بالحساب والعقاب الآن فذوقوا شر العذاب.
(1/192)
وسألته: عن قول الله سبحانه: ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون فقال: هذا مثل ضربه الله تبارك وتعالى للذين يعبدون مع الله غيره ويشركون في أنفسهم من لم يخلقهم فمنهم من كان يزعم أنه يتقرب بذلك إلى الله ومنهم من كان يفعل جهلا لله فضرب الله هذا المثل لهم يعملهم فيه أن من أخلص العبادة لله ولم يجعل في نفسه شريكا لله خلاف من يجعل مع الله في نفسه شريكا، وأن المخلص لله المفرد لعبادته الذي لم يجعل له في نفسه شريكا يعبده معه، أفضل وأعظم ممن جعل نفسه لإثنين.
ثم أخبر سبحانه أن مملوكا لرجل سلما له أفضل عنده من يشرك مملوكا بين إثنين، فهذا ما أراد الله سبحانه بهذا المثل تبارك وتعالى أراد بذلك تنبيههم على إفراد العبادة له وترك ما يعبدون من دونه ومعه.
(1/193)
وسألته: عن قول الله سبحانه: الله يتوفا الأنفس حين موتها إلى قوله: لقوم يتفكرون فقال: هذا إخبار من الله سبحانه بقدرته على قبض أرواح العالمين في كلتا الحالتين حالة الموت وحالة المنام، فأخبر سبحانه أنه يتوفا نفس الميت عند انقضا أجله وفنا عمره ويتوفا نفس النائم عند نومه، ومعنى توفيه لنفس النائم فهو بما ركب سبحانه وجعل وقدر من خروج روح الإنسان عند نومه حتى يبقى بدنه ميتا لا روح فيه، فأخبر عزوجل أن الروحين خارجان في هذين الوقتين وأنه يحبس روح البدن الذي قضى عليه الموت عن الرجوع إلى بدنه ويرسل روح النائم الذي لم يقض عليه الموت، فيرجع إلى أجل مسما يقول: إلى وقت معلوم كما كان للآخر فإذا جاء الوقت لم يرجع الروح بعد خروجه من البدن ثم أخبر أن في ذلك لآيات للمتفكرين، ودلائل على الله للمستبصرين وأي دلالة أو أية أدل على الله روحين يخرجان من بدنين فيمسك أحدهما، فيذهب روحه عن بدنه ويصير إلى موته ويرجع الروح الآخر إلى مكانه إلى يوم مفهوم، وقدر عند الله معلوم، وهذا ما لا يجهل دلائله من فعل الله إلا أعما جايرٌ عن الله أو مشرك جاحد لآيات الله.
(1/194)
وسألته: عن قول الله سبحانه: وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده إلى آخر السورة، فقال: هذا إخبار من الله سبحانه عن قول المؤمنين في يوم الدين وعند مصيرهم إلى كرامة رب العالمين فأخبرهم أنهم يقولون عند ذلك الحمد لله الذي صدقنا وعده يقولون الذي أنجز لنا ما وعدنا من ثوابه وأكمل لنا ما وعدنا من كرامته، وأورثنا الأرض يريد الأرض الآخرة وأرض الجنة نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين يقول حيث نحب ونريد فنعم أجر العاملين يقولون الجنة أفضل جزاء للعاملين في الطاعة لرب العالمين، معنى حافين فهو محدقون بكل أهل الحشر في ذلك اليوم والعرش فهو الملك وحفوفهم بالملك فهو قيامهم فيه وبه في ذلك اليوم وقضى بينهم يقول بين الخلق بالحق الذي لا ظلم فيه والحق العدل الذي لا جور فيه والقائل الحمد لله رب العالمين فهم الملائكة المسجون والمؤمنون الناجون المخصوصون بالكرامة المثابون.
وسألته عن قول الله سبحانه: إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إلى قوله: فهل إلي خروج من سبيل الله، فقال:معنى ذلك أن الله يخبر عن أهل الناروما يكون من مقتهم لأنفسهم ومعنى مقتهم فهو بغضهم لأنفسهم وبغضهم لها في ذلك اليوم فهو على ما تقدم منها من المعاصي في الدنيا حتى أهلكتهم بذلك في الآخرة فلما أن صاروا إلى النار بغضوا أنفسهم وتمنوا أنها كانت في التراب هالكة كما كانت بالية فانية فنادتهم ملائكة الله عند ذلك فأخبرتهم أن مقت الله لهم في هذا الوقت أكبر من مقتهم لأنفسهم فردوا على ملائكة الله ما تسمع من هذا القول من قولهم ربنا أمتنا اثنتين وأحيينا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلي خروج من سبيل يقولون جعلتنا في أصلاب آبائنا ماء مهينا مواتا فهذه الموتة الأولى.
(1/195)
ثم أمتنا من بعد الحياة الأولى والإيجاد فصيرتنا إلى القبور فهذه اثنتان وأحييتنا الحياة الأولى التي جعلتنا في بطون أمهاتنا أجساما وأرواحا من بعد أن كنا نطفة وعلقة ومضغة مواتا لا حياة فينا ثم أحييتنا الحياة الثانية وهي نشرك لنا من القبور بعد الفناء وإخراجك إيانا بعد الفناء والبلاء من أجداثنا أجساما متجدده أحيأ فهذه الحياتان والموتتان ثم قالوا فهل إل خروج من سبيل يقول هل من رجعة إلى الدنيا من سبيل فنعمل صالحا غير الذي كنا نعمل إذ قد رأينا وأبصرنا وعاينا وشاهدنا واعترفنا بذنوبنا ومعنى اعترفنا فهو أقررنا بها وشهدنا على أنفسنا بما كان منها.
وسألته عن قول الله سبحانه: لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار فقال معنى لينذر يوم التلاق هو ليحذر ما يكون من العقاب في يوم التلاق ويوم التلاق فهو يوم الإجتماع يوم يلتقي الخلق كلهم إلى موضع واحد وهو يوم الحشر ويوم الميقات ويوم الميعاد معنى بارزون فهم ظاهرون غير مستترين بدار ولا جدار قد برز بعضهم لبعض وعاين بعضهم بعضا لايخفى على الله منهم شيء معنى لا يخفي على الله منهم شيء هو لا يخفى على الله من سرائرهم شيء ولا من أعمالهم ظاهرا كان أو مستتراً من أفعالهم لمن الملك اليوم لله الواحد القهار يخبر سبحانه أنه يوم قد انقطع فيه ملك كل ملك وأثر كل متملك إلا الله سبحانه الواحد القهار النا فذ أمره الماضي في ذلك حكمه المذل فيه للملوك الجبارين المعز لأوليائه المؤمنين الواحد فهو الذي ليس معه في الحكم في الدين أحد يحكم ولا يأمر القهار فهو الغالب الجبار.
(1/196)
وسألته عن قول الله سبحانه: وأنذرهم يوم الأزفة، إلى قوله: وما تخفي الصدور، فقال:الأزفة فهو الهاجمة الواقعة السريعة الهجوم والنزول بأهلها، وهي يوم القيامة والساعة الهاجمة على الخلق، إذ القلوب لدا الحناجر يقول: من شدة الهول والأمر العظيم الذي يعاينون قد ارتفعت قلوبهم حتى قاربت حناجرهم من الفزع المفزع والروع المفظع، كاظمون فهو سكوت كاظون والكاظم فهو الصامت الذي لا ينطق يقلب عينيه ويسمع لهول ما فيه قد وقع.
ما للظالمين من حميم يقول: ما لهم من ولي ولا قريب ينفعهم لا طفل في طفولته ولا أحد ينتسب الظالمون إليه يطمعون في ذلك اليوم عنده لمنفعة ولا يطمع هو لهم بخلاص من النقمة فهؤلاء هو الحميم، يريد القريب المناسب.
ولا شفيع يطاع، يقول: ليس في ذلك للظالمين شفيع يجيب الله دعوته ولا يجيز في الظالمين شفاعته فهذا معنا يطاع أي يعطا أمنيته فيهم ويجاب، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون، خآئنة الأعين معناها ما تشير به الأعين وتومي به فأخبر سبحانه أنه يعلم ذلك من الأعين قبل كونه وقبل كونها به، وما تخفي الصدور فهو غيب الصدور من خفي أمرها ودقيق ضميرها مما لم يظهر في شيء من الجوارح عنها.
(1/197)