وسألته: عن قول الله سبحانه: ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهره وباطنة إلى قوله: ولا كتاب منير، فقال: معنا سخر لكم فهو جعل وقدر لكم ما في السماء من المنافع من الأمطار والشمس والقمر والنجوم في دورانها مرة وغروبها مرة وطلوعها أخرى، وما في الأرض مما سخره وقدره وجعله من معايشها ومنافعها وما جعل الله سبحانه من الخيرات لبني آدم، فهذا معنا سخر لكم.
ومعنى أسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، فهو أكثر لكم من نعمه وعطائه ومننه ظاهرة، والظاهرة في ذلك ما ظهر وعلم وأبصر بالعين وفهم، والباطنة: فهو ما لا يرى بالعين ولا يعرف وسببه مما يوليه الله عباده لا يوقف عليه بحاسة ولا يعلم إلا بالمعرفة بالله والإيقان من دفع نوازل الشرور عن العباد في آناء الليل والنهار، وما يصرف عنهم من البلوى ويقيهم من آفات الدنيا وهم لا يعقلون ذلك ولا يفهمونه ولا ينال كذا رؤيته بحاسة من حواسه فيفهمونه، والله يفعله لهم من حيث لا يعلمون، ويتولى وهم الصنع فيه وهمن غافلون.
(1/171)
ثم أخبر سبحانه بخبر من يجادل في الله بغير علم فهي مجادلة الجهال للعلماء في أمر الله ومعارضتهم لهم فيما لا يعقلونه يخطئون أكثر مما يصيبون ويأثمون ولا يؤجرون إذ كانوا في أمر الله يحكمون وينطقون بما لا يعرفونه ولا يعقلونه وهم يخبطون فيه بجهالتهم ويتكلمون فيه بمجادلتهم، يثبتون ما نفى الله وينفون ما يثبت الله ويحكمون بغير حكم الله ويجهلون العلماء بالله ويزعمون أن الصواب في خطأ قولهم، وأن الخطأ ما جاء به العلماء فذمهم على ذلك تبارك وتعالى وأخبر بجهلهم وسوء نظرهم لأنفسهم.
وسألته: عن قول الله سبحانه: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون، فقال: معنا يدبر الأمر من السماء إلى الأرض فهو ينفذ ما يريد من الأمور من السماء إلى الأرض مع جبريل صلى الله عليه إلى أنبيائه عليهم السلام في أرضه ثم يعرج جبريل إليه من بعد إنفاذ ما أمر به إليه في مقدار يوم فينقطع في مقدار ذلك اليوم ما لو كان مبسوطا في الأرض لم يقطعه العالمون في مسيرة ألف سنة.
ومعنا قوله: يعرج إليه فهو يصير إلى الموضع الذي بعث منه وهو محل جبريل وموضعه الذي يعرج إليه جبريل راجعا فتبارك الله الذي ليس كمثله شيء ولا يشبهه شيء ولا يؤته مكان دون ولا تجري عليه نوائب الأزمان البعيد في دنوه والداني في علوه لا تخلوا منه المواضع والأمكنة ولا ينقصه طول الدهر والأزمنة وهو بالمرصاد للعبيد وهو أقرب إلى كل عبد من حبل الوريد.
وسألته: عن قول الله سبحانه: ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون، فقال: هذا إخبار من الله سبحانه عما يكون من المجرمين في يوم الدين من تنكيس رؤسهم يوم النشر، ووقت الشر عند الحساب وتنكيس الرؤس فهو فعال يفعله النادم المتحسر الموقن بالعقاب المؤنس من الثواب المستسلم المبلس.
(1/172)
ومعنا: عند ربهم فهو عند المصير إلى آخرتهم، والوقوف بين يدي خالقهم، ومعنا أبصرنا وسمعنا أي أبصرنا ما كنا نكذب به بالمعاينة وسمعنا بكل ما كنا نخبر به فجاء كل ما كنا نسمع من قولك، وقول أنبيائك على ما كنا نسمع سوا سوا، قولهم: فارجعنا يريدون أي ردنا إلى الدنيا حتى نعمل غير الذي كنا نعمل إذ كان عملنا في الدنيا أولا بور ا، وهو اليوم إذ قد عاينا فقد أصبح عندنا معلوما مخبور ا، إنا موقنون يقول: إنا اليوم بكل ما كنا نكذب به من قبل مؤمنون إذ قد رأيناه عيانا وواقعناه إيقانا.
وسألته: عن قول الله سبحانه: أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آبائهم، إلى قوله: غفورا رحيما، فقال هذه الآية نزلت في من كان يربي صبيا ويتبناه كانوا يدعوهم بهم إلى من يتبناهم ويذرون آبائهم، فيقولو: فلان بن فلان فيدعوه إلى من رباه وتبناه فنهاهم الله عن ذلك، ثم قال: لم تعلموا آبائهم فادعوهم إخوانا ومواليا ولا تدعوهم أبناء، ومعنا هو أقسط عند الله: يريد هو أعدل عند الله. ثم أعلم سبحانه أنه لا إثم عليهم فيما أخطؤا به من ذلك، ومعنا أخطأتم فهو جهلتم الحكم من الله فيه فالآن بعد أن نهيتم فمن فعله فقد تعمده ومن تعمده باء بإثمه، إذ قد نهاه ربه عن فعله.
وسألته: عن قول الله سبحانه: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم إلى قوله: كان ذلك في الكتاب مسطور ا، فقال: هذا تأكيد من الله سبحانه لحق رسوله صلى الله عليه وعلى آله وتعظيم منه لقدره فجعل الله نبيه صلى الله عليه أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأحق ببعضهم من بعض، وكذلك قوله: وأزواجه أمهاتهم فعلى هذا المعنى يخرج، وفي هذه الآية من تأكيد تحريمهن على غير النبي غاية ما يكون من التحريم فأربها تحريمهن على كل مسلم بالحكم إذ كان المسلم في الحكم كذا من أبنائهن.
(1/173)
ثم رجع الخبر إلى أولى الأرحام المسلمين فجعلهم أولى بعقد نكاح حرماتهم ووراثة أموالهم من غيرهم من أحلافهم، وذلك أنه كان يحالف بعض المؤمنين بعضا فإذا حالفه على المناصرة والمعاشرة انتسب بعضهم في بعض وتوارثوا فيما بينهم كما يتوارث المتناسبون فأنزل الله هذه الآية يخبر أن أولي الأرحام أولى بالموارثة والمناسبة ممن يحالف من المؤمنين والمهاجرين، ثم قال: إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا، والأولياء هاهنا فهم المحالفون يقول: لا بأس من أن توصوا لهم بعض الوصية فأما أن تتموا لهم بما شرطتم عند محالفتهم لكم من شروط الجاهلية في الموارثة والمناسبة فلا أولوا الأرحام أولى بذلك، وأحق وحكم الله أنفذ من حكمهم في ذلك وأصدق. ومعنا: كان ذلك في الكتاب مسطورا يقول: كان في حكم الكتاب من الله مثبتا واجبا.
وسألته: عن قول الله سبحانه: يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا، فقال: هذا تأديب من الله سبحانه لنساء نبيه كرامة لمحمد صلى الله عليه وعلى آله وحياطة من الله له في حرمه وأمرهن أن لا يخضعن بالقول والخضوع فهو الكلام اللين الذي يقع فيه المزاح والمعاتبة بين النساء والرجال فأمرهن ألا يفعلن ذلك كما يفعله غيرهن فيطمع الذي في قلبه مرض يقول: يطمع فيكن بما يطمع به في غيركن من المنكر.
والمرض: فهو الفسق والقول المعروف الذي أمرن به فهو القول الحسن لمن خاطبهن أو كلمهن الذي ليس فيه خضوع يطمع به الفاسق ولا سبب يطمعن به المنافق.
(1/174)
وسألته: عن قول الله سبحانه: ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، الى قوله: بكل شئ عليما، فقال: كان النبي صلى الله عليه قد ربا زيد بن حارثة وغذاه وتبناه كما كانوا يفعلون أولا فكانوا يسمونه قبل الإسلام زيد بن محمد، وفي طرف من الإسلام حتى كان من أمر زينب بنت جحش مرءة زيد ما كان من تزويج الله نبيه إياها، فقالت قريش: تزوج محمد مرة إبنه فأنزل الله سبحانه في ذلك ما تسمع ينفي أن يكون ربا إبنا ممن لم يلد ولم يرضع يثبت نسبه أو تحرم على المربى له زوجته وأمرهم بما أمرهم في الآية الأولى من أن يدعوهم لآبائهم فحرم عليهم أن يدعوهم إلى من يربيهم ويتبناهم.
وسألته: عن قول الله سبحانه: يآ أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها، فقال: هذا نهي من الله سبحانه عن أذية الأنبياء والاجتراء عليهم في سبب من الأسباب أو معنا، وقد قيل: إن الذين آذوا موسى صلى الله عليه هم الذين قالوا: ساحران نظاهرا فنسبوا إليه وإلى أخيه السحر فبرأه الله من ذلك بما أفلج من حجته وأظهر من حقه عند تلقف عصاه إفك السحرة وإبطال الله لسحرهم وتبيينه لفضيحتهم.
وقد قيل: إنه السامري ومن تبعه على دينه من خاصته حين عمل العجل، وقال لبني إسرائيل: هذا الهكم وإله موسى فبرأه الله من ذلك عند من اختدع بما أظهر موسى في العجل من التحريق والنسف له في اليم، فكلا المعنيين حسن إذ كان كلا الفريقين له مؤذيا والآخر أحسنهما عندي في المعنا إذ كان أهله من قبل كفرهم بموسى مؤمنين ولرب العالمين عابدين، ثم ذكروا في موسى ما ذكروا من بعد معرفتهم بالحق وبعدهم من الكفر والفسق فنها الله المؤمنين أن يفعلوا كفعل أولئك الإسرائيليين في الأذاء لمحمد صلى الله عليه في أي وجوه الأذا كان، ثم أخبر ذو الجلال والإكرام أن موسى عليه السلام كان عند الله وجيها، ومعنا وجيه فهو كريم معظم مقدم.
(1/175)
وسألته: عن قول الله سبحانه: إنا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فابين ان يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا فقال هذا مثل مثله الله تبارك وتعالى يريد سبحانه أنا لو جعلنا في السموات والارض تمييزا وفهما يفهمن به قدر الأمانة ثم عرضت عليهن الأمانة لابينها وأشفقن منها ومعنا عرض الأمانة عليهن فهو التكليف لحمل بوثقها يقول لو كلفنا هن حمل وثايق الأمانة لأشفقن من نقضها وأشفقن من خيانة ما فيها ولم يفعلن بعد المعرفة والتمييز لها ما يفعله الإنسان من الإقدام على نقضها والغدر بموكدات مواثيقها وحمل إثمهما وجليل سخط الله في نقضها وحمل الإنسان لها فهو حمل إثم الغدر بها والارتكاب لسخط الله فيها إنه كان ظلوما جهولا. يقول إن الإنسان ظلوم لنفسه جهول في الإقدام على معاصي الله بما عليه في ذلك عند الله.
وسالته: عن قول الله سبحانه: والذين سعوا في آياتنا معاجزين اولئك لهم عذاب من رجز أليم فقال معنا سعوا في اياتنا هو طغوا عليها وكذبوا بها فهذا سعيهم فيها ومعنا معاجزين فهو مضادين محادين ولما أمروا به من الطاعة مخالفين. والرِّجز فهو نقم الله واخزاؤه وما يحل بأعدائه فيقول لهم عذاب من انتقام الله أليم والأليم فهو الشديد العظيم.
(1/176)
وسالته: عن قول الله سبحانه: ولقد أتينا داود منا فضلاً يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد فقال: معه فضلا منا فهو نبؤتنا التي آتيناه إياها ووحينا وما جعلنا في الجبال والطير من التأويب في الجبال ومقاربة الطير له وما ألنا له من الحديد وما علمناه من عمل السابغات وهديناه له من التقدير في السرد حتى عمل جننا تقيه البأس تفل عنه حد بغاة الناس ومعنا أوبي فهو ما جعل الله في الجبال من ذلك وركبها عليه من التركيب كانت كذلك وهو الصوت الذي يجيب المصوت من الجبال والإصداح إذا كان الرجل بين جبلين نادى بشي أو تكلم به أوبت الجبال بالرد عليه بمثله ويقال إن هذا الذي في الجبال من التأويب وهو الذي تسميه العرب أيضا الصدا شي لم يكن قبل داود عليه السلام وأن الله جعله في ذلك الوقت ففي الجبال وقدره لكرامة داود ثم ابقاه الى اليوم فيها ليكون ذلك ذكرا لما اكرم الله به داود والله اعلم بذلك واحكم. ومعنا قوله والطير فهو رد على الأمر ومعنا أمره الطير فهو إلهامه اياها مما اراد من مقاربة داود إحنو اشها عليها وكينونتها قربة كل طير يصوت بصوته الذي جعله الله له مع صوت داود صلي الله عليه فكان داود يبكي ويدعو الله ويناجيه.
ويناديه والجبال فتأوب وترد بمثل صوبه وكلامه عليه والطير تصوت من حواليه حتى بلغ صلى الله عليه ارادته من رضى ربه واخلاص التوبه الى خالقه ورجوع كرامة الله إليه وحلولها من الله تعالى لديه، وألنا له الحديد فمعنى إلانة الحديد له فهي خاصة كان الله خصه بها فكان الحديد كما لين الشمع بلانار ولم يكن الحديد يلين لأحدقبله إلا بالنار فَلاَن له هو بلا نار فهذا معنى ألنا له الحديد ثم هداه لعمل السابغات والسابغات فهي الدروع الطوال السابريات، وقدر في السرد معناه قدر في تأليف الخِلَق بعضه إلى بعض وتسويته وتقدير ثقبه وسمره فكان صلى الله عليه أول من عمل الدروع وهدي إلى عملها ووفق لتقديرها.
(1/177)
وسألته: عن قول الله سبحانه: ولسليمان الريح غدوها شهر إلى قوله: وقليل من عبادي الشكور، فقال هذا ذكر من الله سبحانه لما أعطا سليمان صلى الله عليه من تسخير الريح له وإيتمارها بأمره ولسيرها به وبمن أراد شهراً في غدوته وشهراً في روحته فكانت تسير كذلك به تحمله ومن أحب من عسكره وأسلنا له عين القطر أذبناله عين القطر والقطر فهو النحاس فأذابه الله اخرجه ومكنه منه وسهله حتى كان يعمل منه كما يريد تماثييل وجفان وغير ذلك من ألات الصفر. ثم اخبر بما سخر له من طاعة الجن وأمرهم به من اتباع امر سليمان فكانوا يعملون له كما ذكر الله مما كان يامرهم به.
ثم أخبر أن من عصى الله بمعصية سليمان منهم فزاغ أذا قه الله العذاب الذي أوجبه على العصاة منهم. يعملون له ما يشاء من محاريب والمحاريب فهن محاريب المساجد وبناؤها. وتماثيل والتماثيل فهي التماثيل التي كانت الشياطين تعملها لسليمان عليه السلام تمثل له كلما ارادهن الصفر والزجاج والحجارة وغير ذلك ومثل ما مثلت من صرح صاحبة سبا وأشيا كثيرة معروفه وهي اليوم ظاهرة موجودة في الدنيا بالشامات وبمصر وفي بيت المقدس. والجفان فهي هذه الجفان المعروفة التي يكون فيها الما والطعام فكانت تنحتها له من الصخور وتعملها من الصفر على ما ذكر الله من العظم والكبر كالجواب. والجواب فهي الحفر الكبار بسمي العرب الحفرة الكبيرة جوبه من الارض وفي الارض. والجواب فهي جمع الجوبه الواحده. وقدور راسيات فالقدور هن البرام التي يطبخ فيها فكانت تعملها من الصفر على غاية ما يكون من العظم حتى كانت راسيات والراسيات فهي التي لا يحركها لكبرها إلا الخلق الكثير فهي لثقلها راسية على أرضها ثابتة في مكانها.
(1/178)
قائمة بأتا في منها مفرغة فيها توقد النار من تحتها ومن حولها إذا أريد أن يطبخ شيئ فيها ملثا تها مكانها سميت راسيات اذ كانت لثقلها في المكان متر وكات. إعملوا آل داود شكرا يقول إعملو لله شكرا على ما اعطاكم وخصكم به دون غيركم واولاكم. وقليل من عبادي الشكور. يقول قليل من عبادي من إذا أنعمت عليه بنعمة من نعمي كان شاكرا فيها لي أو قائما بما يجبُ فيها من حقي فلا يكونوا في ذلك كمن ذمها بقلة الشكر من اوليك...
وسالته: عن قول الله سبحانه فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الارض تاكل منساته. فقال: معنا قضينا هو اوقعنا عليه الموت إلا دابة الأرض فهي الأرضة التي تأكل العيدان حتى تكسرها، فأخبر أنه لما أن قضا عليه الموت لم تدل الشياطين ولا الآدميين على أنه ميت عليه السلام إلا هذه الدابة التي أكلت منسأته حتى انقطعت فسقطت، فلما سقطت خرت جثته ساقطة لأنها كانت إلى المنسأة مستندة وعليها متكية فلما انقطعت المنسأة سقطت الجثة فتبينت الجن عند ذلك أنهم لو كانوا يعلمون شيئا من الغيب لعلموا بموته فلم يلبثوا في العذاب من العمل والكد مذ مات إلى أن خر حين قطعت الدابة منسأته والمنسأة فهي العصا التي كان متكيا عليها، قائما إليها مستندا من الجدار إليها قد وضعها في صدره وشد عليها بكفه وهو قائم في محرابه ثابت في مقامه فأتاه الموت، وهو على تلك الحال فلم يزل حتى كان ما ذكر من الخبر عنه ذو العزة والجلال.
وسألته: عن قول الله سبحانه: قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون، فقال: معنا يبسط الرزق لمن يشاء هو يوسع على من يشاء في رزقه ويقدر فهو يقدر لمن يشاء أرزاقه وقوته لا يبسط له من السعة في الرزق والرزق فهو المال ما يبسط لغيره تدبيرا منه سبحانه وتقديرا ولطفا منه للكل وتدبير ا، وكل قد فعل به من ذلك ما هو خير له وأصلح في المعاني كلها عاجلها وآجلها.
(1/179)
وسألته: عن قول الله سبحانه: قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون، فقال: هذا إخبار من الله سحبانه عن من أطاع الشياطين في الدنيا واتبعهم وجرى في إرادتهم وإفك وساوسهم فأخبر أنهم يقفون من ذلك في الآخرة ويزعم أنه كان يتولى الله دونهم فأكذب الله قولهم وأخبر أنهم كانوا يعبدون الجن من دون الله وعبادتهم للجن فهي طاعتهم لهم وطاعتهم لهم فهو اتباعهم لوساوسهم، وقبولهم لما كانت الشياطين توسوس به لهم لأن من أطاع شيا فقد عبده لأن أفضل العبادة الطاعة لله كانت عبادة العابد له أو لغيره سبحانه من الإنس والشياطين، ومعنى أكثرهم بهم مؤمنون فهو مصدقون لأن الإيمان هو التصديق من صدق شيئا فقد آمن به ومن أنكر فقد كفر به.
وسألته: عن قول الله سبحانه: وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير، فقال: هذا إخبار من الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وعلى آله بما كان ممن كان قبل قريش ممن بعث إليه الرسل فكذب كما كذبت قريش فنزل بهم من نقم الله ما نزل بهم، فأخبر بذلك سبحانه عنهم تخويفا وإعذارا وإنذارا إلى قريش ليحذروا ما نزل بغيرهم قبل أن ينزل بهم.
فأما قوله: وما بلغوا معشار ما آتيناهم فإنما يريد بذلك بأن قريشا لم تنل في المقدرة والجدة وسعة الأموال والطاعة معشار ما أوتي الذي أخذوا بتكذيب رسلهم، معنا فكيف كان نكير بقول كيف كان تغييري عليهم وأخذي لهم على فعلهم.
وسألته: عن قول الله سبحانه: قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد، فقال: معنى جاء الحق فهو وقع الحق وحق الوعد وما يبدئ الباطل وما يعيد، يقول: ما يبدئ الباطل أمرا ينفع أهله في شيء من أمرهم وما يعيد، يقول: ولا يعود نفعه عليهم ولا ضره على عدوهم.
(1/180)
وسألته: عن قول الله سبحانه: ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير، فقال: هذا إخبار من الله سحبانه بأن الأمر كله والحكم له وبيده أن كل من يدعا من دونه لا يملك قطمير ا، والقطمير: فهو الأمر الصغير الحقير الذي لا يكون له وزن وهو مثل النقير والفتيل، وقد قيل: إنه أيسر منهما وأخف فأخبر سبحانه أنهم لا يملكون من الأمر شيئا ولا نصرا لأوليائهم ولا عونا ولا تفريجا عنهم ولا عونا نفاس بهذا القطمير فضلا عن غيره، فهذا معنى ما ذكر الله من القطمير ومثله.
وسألته: عن قول الله سبحانه: وما يستوي الأعما والبصير ولا الظلمات ولا النور إلى قوله: وما أنت بمسمع من في القبور، فقال: هذا أمثال ضربها الله عزوجل للحق والباطل والدين والكفر فجعل الباطل والمبطل كالأعما والظلمات والحرور والأموات وجعل الحق والمحقين كالبصير والنور والظلمة والإحياء ليعتبر بذلك المعتبرون ويميز بين ذلك المميزون.
وأما قوله: إن الله يسمع من يشاء فهو إثبات لقدرته تبارك وتعالى على ما يشاء، وأما قوله: وما أنت بمسبمع من في القبور، فإنما هذا مثل مثل الله به الكافرين أنهم في الإعراض وقلة الاستماع والقبول كأهل القبور.
وسألته: عن قول الله سبحانه: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا إلى آخر الآية، فقال: هم آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله المؤمنين منهم فهم صفوة الله وخيرته باختياره سبحانه لأبيهم محمد صلى الله عليه وعلى آله فأورثوا الكتاب وجعل فيهم من بعد الإسرائلييين تفضيلا من الله عليهم وإكراماً بذلك لهم ثم ميزهم وأخبر الخلق بأخبارهم ووصفهم لهم بصفاتهم لكي لا يبقى للخلق عليه حجة فيهم، ولأن لا يحمل أحد سواية مسيهم على محسنهم ولا يطعن طاعن على من مؤمنهم بفسق فاسقهم.
(1/181)
فقال: فمنهم ظالم لنفسه وهو فاسق آل محمد، ومنهم: مقتصد وهم أهل الدين والورع والعلم منهم أئمة الحلال والحرام وأهل الورع والإسلام، ومنهم سابق بالخيرات فهم أئمة آل محمد الطاهرون أهل السيف المجاهدون الذين نصبوا أنفسهم لله وباينوا بالحق في ذات الله وأخافوا أعدآء الله وخافوهم وجاهدوا في سبيل الله من عند عنهم وحكموا بكتاب الله وسنة نبيه وضربوا بالسيف من عند عن دينه فكملت فيهم صفات الأئمة فوجبت طاعتهم على الأمة حجة على العالمين ونعمة منه على المتبعين ونقمة في الدنيا والآخرة على المخالفين، ليهلك من هلك عن بينة وإن الله لسميع عليم بإذن الله يقول بحكم الله وأمره له بما قام فيه إليه من طاعته ذلك هو الفضل الكبير، يقول: الفضل لله الكبير العظيم في ما أورثناهم من الكتاب الكريم.
وسألته: عن قول الله سبحانه: إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان إلى قوله: فهم لا يبصرون فقال: هذا رد من الله سبحانه عليهم وإكذاب لهم في قولهم حين قالوا: قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه، إلى آخر الآية فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه صلى الله عليه هذه الآية يريد أءنا جعلنا في أعناقهم أغلالا، وجعلنا من بين أيديهم سد ا، كما قالوا: وكما ذكروا أن على قلوبهم أكنة وفي آذانهم وقرا، هذا ما لم يفعله بهم ولم يجعله على قلوبهم.
(1/182)
وكذلك في قوله: إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا يريد أئنا جعلنا ذلك بهم كما قالوا هذا ما لم يكن منا فيهم ولم نحكم به عليهم، ثم قال: وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبد ا، يقول: إن كنا فعلنا هذا بهم فلن يستطيعوا أن يخرجوا منه إلى الهدى ولن يطيقوا دخولا إذاً في هذا فلم أرسلناك إليهم وأمرناك بدعائهم لو كنا فعلنا ذلك بهم هذا إذا منا عبث واستهزأ وأمر منا إياك لمغالبة لنا وأمر منا لك بالدعاء لهم إلى خلاف أرادتنا وتكليف منا لك ولهم خلاف ما يستطيعون وأمر منا لهم بما لا ينالون فتعالى عن ذلك علوا كبيرا وتقدس تقديسا عظيما.
وسألته عن قول الله سبحانه: والشمس تجري لمستقر لها إلى قوله: كالعرجون القديم، فقال: معنى قوله لمستقر لها هو إلى مستقر لها، ومعنى مستقرها الذي تجري إليه فهو يوم القيامة الذي يكون فيه ذلك تقدير العزيز العليم، يقول: تدبيره في الشمس وفعله في قطعها لفلكها وجريها من تحت الأرض وفوقها.
والقمر: قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم، يقول: دبرناه وقدرناه على ذلك وجلعناه حتى صار يكون مرة صغيرا ومرة كبيرا بتقديرنا وتدبيرنا وما جعلنا فيه من أثر حكمتنا حتى عاد يقول حتى صار من بعد الكبر إلى شبه العرجون القديم والعجرون: فهو العود الذي يكون فيه ثمر النخل يكون معوجا منحنيا كإنحناء الهلال في آخر شهره، فشبه إنحناء الهلال في ذلك الوقت كالعرجون المنحني القديم، والقديم: فهو العتيق فأخبر سبحانه بأثر تدبيره فيه حتى عاد كما ذكر.
وسألته: عن قول الله سبحانه: واتخذوا من دون الله آلهة لعلم ينصرون لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون، فقال: هذا إخبار من الله سبحانه بخطأ المشركين في أنفسهم واتخاذهم من دونه ما لا ينصرهم ولا ينفعهم وجعلهم لهم آلهة يعبدونهم من دون إلههم، ثم أخبر أنهم لا ينصروهم ولا يستطيعون ذلك فيهم ولا في أنفسهم.