وسألته: عن قول الله سبحانه: وهو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السموات والأرض إلى قوله: كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون، فقال: معنا قوله: وهو أهون عليه يخبر تبارك وتعالى أن من عمل شيئا وابتدعه فأعاده إلى الصورة التي ابتدعها مرة ثانية أهون عليه من ابتدائها واختراعها أولا، وإنما هذا مثل ضربه الله للخلق مما يعقلونه ويفهمونه من أفعالهم لا أن شيئا يمتنع على الله ولا أن شيئا أصعب عليه من شيء إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.

(1/158)

فأما قوله: هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم، فإنما هذا مثل مثله الله للخلق يريد سبحانه إن كان يجوز أن تكونوا أنتم ومماليككم في أموالكم وفيما رزقتموه سوأ أمركم وأمرهم وإرادتكم وإرادتهم حتى تخافوهم في أموالكم فيما تنفقون وتقبضون وتبسطون كما يخاف بعضكم بعضا في ماله فقد يجوز أن تكونوا سواء شركاء لسيدكم في خلقه وعباده وملكه وإن كان لا يجوز هذا أن يكون العبد والسيد سواء في مال سيده فلن يكون أحد منكم لله شريكا في عباده ولا أمره ولا ملكه.

وسألته: عن قول الله سبحانه: ومن الناس من يقول آمنا بالله إلى قوله: في صدور العالمين، فقال: هذا إخبار من الله عن من يقول بلسانه أنه يؤمن فإذا أنزل به خوف من أعداء الله رجع عن قوله واستسلم في أيدي أعداء الله، فأخبر الله سبحانه بجهله وكفره ونفاقه في كل أمره وأنه لا يعقل ما بين عذاب الله وفتنة الناس، وفي أولئك ومن كان من الخلق كذلك ما يقول الله سبحانه: ومن الناس من يعبد الله على حرف إلى آخر الآية.

وسألته: عن قوله الله سبحانه: واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرور ا، فقال: هذه كلها أمثال ضربها الله لا أن ثم خيل ولا رجال والعرب تقول بعضها لبعض إذا اختصمت أو تحاجت أو تناظرت، قالت: لمن لا خيل له ولا رجال أجلب عليهم بخيلك ورجلك تريد أجهد علينا بغاية جهدك أبلغ فينا أقصا طاقتك فعلى ذلك يخرج معنا قول الله أجلب عليهم بخيلك ورجلك وذلك أي أجهد فيهم بغاية جهدك. وأما قوله: استفزز فهو اختدع.

(1/159)

وسألته: عن قول الله سبحانه: فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الدينار وكان وعد مفعولا، فقال: هذا إخبار من الله عزوجل لبني إسرائيل بما يكون وما ينزل من النقم بالظالمين منهم ومعنا فإذا جاء وعد أولاهما فهو أول العذابين، وهي وقعة ينزل بهم وما نال منهم ومعنا بعثنا هو خلينا بينهم وبينكم.

وسألته: عن قول الله سبحانه: إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم إلى ما علوا تتبيارا، فقال: هذا إخبار من الله بأن كل فعل كان من أحد من الخلق فهو له وعليه من خير أو شر لا يجوز ذلك نفسه ولا يشركه فيه غيره، وأما قوله: فإذا جاء وعد الآخرة فهو آخر الميعادين، وهي الكرة الثانية الآخرة من المرتين وهو فتح بيت المقدس الذي فتح بعد النبي صلى الله عليه.

فتحه علي عليه السلام فطرد الإسرائيليون الروم وساؤا وجوههم بذلك، ومعنى يتبروا ما علوا فهو يتبروا عزهم الذي بنوه وجعلوه وأسلفوه.

وسألته: عن قول الله سبحانه: وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس إلى قوله: طغيانا كبير ا، فقال: معنى قوله أحاط بالناس فهو أحاط بعلم أخبارهم وعلم صغيرهم، ومعنى قوله: وما جعلنا الروياء التي أريناك إلا فتنة للناس ومعنى أريناك فهي التي أخبرناك بها وأعلمناك وهو ما وعده من فتح مكة، وقد قيل فتح خيبر.

والفتنة: فهو ما كان من سؤالهم وتقاضيهم ما وعدهم الله من الفتح على لسان نبيه فكانوا يتقاضونه ذلك ويقولون: يا رسول الله، قلت: لنا كذا ووعدتنا بالفتح، وقد أبطا ذلك، وكان صلى الله عليه يقول: لم أوقت لكم وقتا ولم أذكر لكم وقتا وإنما وعدتكم أمراً وستصلون إليه فكان تأخير الموعد بالفتح فتنة للناس بما كان يقع في قلوبهم من استبطأ الفتح وكان في قلوب المنافقين أن رسول الله صلى الله عليه لم يصدقهم فهذا معنا ما ذكر الله من الفتنة في هذا الموضع من المؤمن والكافر، والشجرة الملعونة: في القرآن فهي بنوا أمية.

(1/160)

وسألته: عن قول الله سبحانه: فيما يذكر عن نبيه زكريا عليه السلام وإنى خطت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقر ا، فقال: الموالي فهم العصبة الوارثون، وقوله: خفت فهو خفتهم على دينك أن يعطلوه من بعدي ويرفضوه بعد وفاتي ولا يقومون بما أوصيتني به وأمرتني فسأل ربه أن يهب له عقبا ولدا ذكرا يرثه حكمته وعلمه ويرث حكمة أبآئه وأجداده آل يعقوب، فأجابه الله فوهب له يحيى صلى الله عليهما، ومعنا قوله: كانت امرأتي عاقر ا، والعاقر التي لا تلد.

وسألته: عن قول الله سبحانه: وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا، فقال: معنا قوله: حنانا من لدنا هو رحمة وتحننا عليك، ومعنا تحنن فهو تعطف ورحمة وإجابة وكرامة وزكاة فهو زاكيا طاهرا والتقي فهو المؤمن لله المتقي، ومعنا قوله: من لدنا من قِبَلِنا وعندنا ومنا.

وسألته: عن قول الله سبحانه: كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا، فقال: معنا كلا فهو بلا وهي كلمة تستعملها العرب فيما توجبه على أنفسها، ومعنا سنكتب فهو سنحفظ ما يقول ونحصية حتى نوقفه يوم القيامة عليه، ومعنا قوله: ونمد له من العذاب، مدا فهو نمد له من الإملاء مدا طويلا فسمى الإملا هاهنا عذابا إذ كان أملاه له بما يزداد به إثما ويكسب له عذابا في الآخرة وخريا فلما أن كان الإملاء سببا للعذاب جاز أن يقول نمد له من العذاب مدا.

وسألته: عن قول الله سبحانه: ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أز ا، فقال: الإرسال من الله للشياطين على الكافرين هو التخلية بينهم وبينهم وترك الدفع لهم عنهم ومعنا تؤزهم أزا فهو تجزيهم أجزا بما يكون منهم إليهم من الإطغا الذي به يصلون إلى عذاب الهون، والأز فهو كل ما كان من طريق الخزي والصغار والهلكة والإدعار.

(1/161)

وسألته: عن قول الله سبحانه: فيما يذكر عن نبيه موسى صلى الله عليه، قال: فما خطبك يا سامري إلى قوله: في اليم نسفا، فقال: هذه مخاطبة من موسى صلى الله عليه للسامري الذي أهلك بني إسرائيل من بعد موسي.

ومعنا قول السامري: بصرت بما لم يبصروا به يريد رأيت مالم يروا ومعنا فقبضت قبضة من أثر الرسول فهي قبضة تراب من أثر جبريل رما بها السامري في الذهب الذي جمعه ثم عمله عجلا فدخل الشيطان في العجل فخار لهم فقال السامري ما قال من الكفر بسبب العجل إلى أنه إله بني إسرائيل فهذا الذي سولت له نفسه ووسوس له به الشيطان فقال له موسى صلى الله عليه: اذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس يريد موسى صلى الله عليه أنك تستطيع لما جعل الله فيك من الإستطاعة أن تقول ذلك لا أنه أمره به والمساس فهي المصافحة والمعاشرة فأخبره صلى الله عليه وآله أنه يستطيع أن يقول إن أراد أن لا يحل بكم أن يسلم بعضكم على بعض ولا يعاشر بعضكم بعضا بما جعل الله فيه بما جعل الله فيه من الإستطاعة على ذلك.

فقال صلى الله عليه: أنت تقدر أن تقول ذا ونفعله لو أردت وتمنع منه لوشئت وهو شيء بين الناس من أحسن ما يكون من الفعل الذي يعرفونه ويفهمونه بينهم فكيف لا تقدر أن تأمرهم بما لا يفعلونه من عبادة هذا العجل الذي جعلته إلاها فظلت عليه عاكفا ومعنى ظلت عليه فهو ظلت له عابدا لنحرقنه يقول:لنطرحنه في النارحتى يذوب ويحترق ثم ننسفنه في اليم نسفا، وإنما أراد بإحراقه صلى الله عليه أن يخبر السامري ومن أطاعه أن هذا شيء ذليل يحرق وينسف في البحر فكيف يجوز أن يكون من يفعل به هذا ولا ينتصر للخلق إلاها هذا لا يكون أبدا ولا يتوهمه إلا غير ذي هدى.

(1/162)

وسألته: عن قول الله سبحانه: فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون، فقال هذا أخبار من الله بما كان من الكافرين المجترءين عليه عند نزول العذاب عليهم وأنهم لما أيقنوا به هربوا من القرية وولوا مد بربن في الأرض هاربين فأخبرهم الله أنهم لن يغني عنهم ركضهم ولا هربهم وأن العذاب يلحقهم ويأخذهم فقال: ارجعوا إلى ما أترفتم فيه يريدا ارجعوا إلى الأموال والنعم التي أترفتكم وأطغتكم وأشرتكم وإلى المساكن التي ضننتم بمفارقتها وعصيتم رسلنا وتركتم الجهاد في سبيل الله محبة لها وميلاً إليها لعلكم تسألون يقول لعلكم توقفوا على ما كنتم تنكرون وتدفعون وبه تكذبون من نزول العذاب عليكم إذ قد نظرتموه عذابا ونصرتموه صراحا.

وسألته: عن قول الله سبحانه: أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ، فقال: يريد سبحانه بذلك التوقيف لمن كان شاكا في نصر الله لنبيه وإعلامهم أنه لا يغني كيدهم في نبي الله شيئا فضرب لهم هذا المثل يقول: من كان شاكا في أمره حاسدا له مغتاظا عليه فليمدد بسبب إلى السماء إن قدر على ذلك، ثم ليقطع ومعنا ليقطع فهو ينفذ ما قدر عليه من كيده لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله ثم لم لينظر هل يذهب ذلك الفعل إن قدر عليه، وهذا الكيد الذي يكيد به رسول الله صلى الله عليه ما يغيظه من أمر النبي صلى الله عليه ونعمه ولن يقدر لو فعل ذلك وناله على إذهاب شيء مما يغيظه من أمر رسوله صلى الله عليه إذ السبب الذي غاضه منه هو من الله سبحانه عطاء لنبيه وكرامة وإحسانا منه إليه ورحمة فلن يزيله كيد كايد ولا عناد معاند.

(1/163)

وسألته: عن قوله سبحانه: ومنهم من يقول أئذن لي ولا تفتني، فقال: نزلت هذه الآية في جد بن قيس، وذلك أنه أمره رسول الله صلى الله عليه بالخروج معه في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله قد علمت إعجابي بالنساء ومحبتي لهن وأنا أخشا إن رأيت بنات الأصفر أن لا أصبر وافتتن بهن فأنزل الله سبحانه ألا في الفتنة سقطوا، يقول سبحانه: إلا في العذاب وقع وسقط والفتنة فمعناها العذاب، فأخبر سبحانه أنه حاد وتعلل لمعنا قد وقع فيه بتخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وآله.

وسألته: عن قول الله سبحانه: يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إلى قوله عليما حليما و فقال:هذه ميمونه الهلاليه وهبت نفسها للنبي صلوات الله عليه وآله فأجاز الله ذلك له من دون المؤمنين وجعلها خالصة له وخاصة من دون المسلمين، ومعنى قوله ترجي فهو تترك وتقصي من شئت منهن وتؤى إليك من شئت يقول تدعو وتخلوا بمن أحببت منهن وذلك أن الله أمره أن ينحيهن كلهن عنه إلى دار معتزلة عنه ويكون هو في دار على حدة فإذا أراد منهن وأجدة أرسل لها فدعاها وإذا لم يرد واحدة أرجاها وكان ذلك أحب إليهن وأقر لأعينهن من أن يغشى واحدة إلى منزلها أكثر مما يغشى منازلهن فعرفه الله سبحانه ما فيه الرشاد له ولهن.

وسألته: عن قول الله سبحانه: وقل للمؤنات يغضضن من أبصارهن إلى قوله لعلكم تفلحون، فقال: الغض للبصر هو ألا ترفع بصرها إلى من لا يجوز لها النظر إليه وحفظ الفرج هو حفظها عما حرم الله عليها وإظهارهن الزينة فهو مالا بد منه من الكحل والخاتم فهذا ما لا يقدرن بأن يسترنه والضرب بالخمر على الجيوب وهو إرخا الخمر على الوجوه حتى يبلغ الصدور ويستتر الوجوه كلها والخمر فهي المقانع.

(1/164)

وأما قوله: أو نسائهن فيقول أهل ملتهن من النساء المسلمات دون الذميات والمشركات وهذه الآية تحرم على المسلمة إظهار زينتها والتبدل للذمية، وأما ما ملكت أيمانهن فهن الذميات المملوكات فيقول لا جناح عليها أن تبديها للذمية إذا كانت مملوكتها دون الحرة منهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال فقد قيل أنهم العنانة الذين لا يأتون النساء ولا يقدرون عليهن ولا يرغبون فيهن ولا لهم أرب في مجامعتهن أو الطفل فهو الصغير من الغلمان ابن الخمس والست والسبع الذين لم يظهروا على عورات النساء فهم الذين لم يعلموا ما يكون بين الرجال والنساء ولم يفهموا ذلك ولم يقفوا عليه بعد.

والضرب بالأرجل الذي نهين عنه فقال:كان النساء المتبرجات في الجاهلية يفعلنه حتى يتحسحس الحلى وتصلصل الخلاخيل في أرجلهن فيسمعوا الرجال فيعلمون أن في أرجلهن حلي فأمر الله المؤمنات ألا يفعلن من ذلك ما كان تفعله المتزهلقات للرجال المتبرجات لذلك من الحال.

(1/165)

وسألته: عن قول الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم،إلى قوله: والله عليم حكيم، فقال هذا أخبار من الله للمسلمين وتأديب فأمر بان يستأذن في هذه الأوقات على الرجال وأزواجهم إذا خلوا فيهن في منازلهم من سمّاه مما ملكت الأيمان والذين لم يبلغوا الحلم وما ملكت الأيمان فهن الإماء والذين لم يبلغوا الحلم فهو الذي لم يبلغ ممن كان يدخل المنازل من الصبيان من الأولاد وغيرهم في هذه الثلاثة الأوقات وذلك أن المسلمين كانوا يختارون المجامعة والمداناة لنسائهم في هذه الثالثة الأوقات ليكون غسلهم مع وقت الطهور للصلاة ولأوقات الصلاة وكره الله سبحانه عليهم الدخول على الرجل ومرأته في هذه الثالثة الأوقات بلا إذن لما لايؤمن من الهجوم ومن الدخول على الزوجين في مداناة وغشيان واطلق للاماء والصبيان الدخول بغير إذن في غير هذه الأوقات التي كانوا يختارون المجامعة فيها والمدانة للنساء.

وسألت عن قول الله سبحانه: ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض، فقال:الخبء فهو السر والغيب الذي لا يستخرج علمه إلا الله ولا يطلع على مكنون سره غيره.

(1/166)

وسألته: عن قوله سبحانه: كما أخرجك ربك من بيتك بالحق إلى قوله: وهم ينظرون، فقال هذا إخبار من الله تبارك وتعالى بما كان من خيرته لنبيه صلى الله عليه وآله في خروجه إلى أحد وتنذره عن المدينة حتى كان الحرب بأحد ولم يكن على أبواب المدينة فكان ذلك خيرة من الله لنبيه فأما قوله: وإن فريقا من المؤمنين لكارهون، فقد كان رسول الله صلى لله عليه وآله شاورهم أين يكون قتالهم أترون أن نثبت حتى يأتونا المدينة فنقاتلهم على دروبها أو نخرج فنقاتلهم ناحية منها فأشاروا عليه بالقتال في المدينة فأطاعهم ثم بدا لهم فأشاروا بالخروج فأطاعهم فدخل منزله ولبس لامته ثم ركب وخرج فلما أن خرج قالوا يا رسول الله ارجع بنا إلى الرأي الأول إلى القتال على أبواب المدينة نثبت لهم حتى يأتونا إلى هاهنا.

فقال صلى الله عليه واله: ما كان لنبي إذا لبس لامته يعنى درعه أن يفسخها حتى يقاتل ومضا صلى الله عليه وآله نحو أحد فكرهوا ذلك وجادلوه فيه وثقل عليهم الخروج إلى قريش ورجع من الطريق عبد الله ابن أبي الأنصاري في ثلاثمائه ومضى رسول الله صلى الله عليه وآله في باقي الناس وبهم من الهيبة والفرق ما قال عز وجل: كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون، من لقاء القوم وحاربهم وكان من الأمر ما كان.

وسألته: عن قول الله سبحانه: وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون، فقال: الذي يعدهم هو الإنتقام منهم فقال سبحانه: إن أريناك ذلك فبفضل منا و إن لم نرك إياه في الدنيا فستراه وتعلمه في الآخرة عند رجوعهم إلينا ونزول العذاب بهم في يوم الدين.

(1/167)

وسألته: عن قول الله سبحانه: وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين، قال هذا خبر عن يوسف صلى الله عليه وصاحبيه المسجونين معه حين رأيا الرؤيا وقصاها عليه فعبرها لهما فكانت كما قال صلى الله عليه وكان منه تقدمة إلى الذي علم أنه ينجو منهما من القتل أمره أن يذكره عند ملكهم بحسن تعبير الرؤيا والفهم بما أتي من الأمور ويذر فما أن كان من رؤيا الملك ما كان وسأل قولمه وأهل مملكته أن يفسروها له فلم يجد ذلك عندهم ذكر الناجي من الحبيسين يوسف وبصره بالتعبير فأخبر به الملك فأحضره وسأله عن تعبير رؤياه فعبرها فتمكن عنده بذلك وعظم قدره، فأما قوله فأنساه الشيطان ذكر ربه فهو أنساه الشيطان أن يذكر أمر يوسف لربه قبل رؤيا الملك وربه فهو سيده وكبيره، وقوله فلبث في السجن بضع سنين يعني يوسف والبضع فهو ما بين الست إلى السبع سنين.

وسألته: عن قول الله سبحانه: ولقد خلقنا الإنسان من صاصال من حمأ مسنون والجان خلقناه من قبل من نار السموم، فقال:الصلصال هو الطين اليابس الذي يتصلصل ويتقعقع إذا أصاب بعضه بعضا والحمأ المسنون فهو الطير المتغير اللون الريح يقول سبحانه: خلقنا الإنسان من طين، هذه خلقته وأما الجان فهم الجن فذكر سبحانه أنه خلقهم من نار السموم ونار السموم فهي مارج النار ومارجها فهو اللهب المنقطع في الهواء الذي ينفصل ويخرج من لسان النار عند تأججها ومعنى قوله السموم فهو الاهيل المسموم والمسموم فهو الذي فيه التلف لمن قاربه وداناه لما فيه من الحر والإحراق ومن ذلك اشتق للريح التي تضرب بمثل النار اسم السموم فسميت سموما إشتق لها الإسم من نار السموم لما فيها من الإذا والحرارة والقذا حتى ربما قتلت من نصيبه هذه الريح ريح السموم فأهلكته.

(1/168)

وسألته: عن قول الله سبحانه: ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ مطلع الشمس إلي قوله بما لديه خبرا، فقال يقول لم نجعل لهم ما جعلنا لغيرهم من الأكنان والبيوت واللباس وهولاء قوم في مطلع الشمس في طرف الأرض، ومعنى قوله: أحطنا بما لديه خبر ا، فهو إبقاؤه من وراء هؤلاء القوم فيما لم يصله من الأرض.

وسألته: عن قول الله سبحانه: وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورءيا يقول نعمة ورياشا والأثاث ما ينتفع به من الفرش والألة وما يحتاجون إليه الخلق في منازلهم وديارهم، ومعنى رءيا فهو نعمة ومنظر يقول أحسن منظرا وأهيا خلقا منهم.

وسألته: عن قول الله سبحانه: فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا إلى قوله ولن تجد لسنة الله تحويلا، فقال معنى هل ينظرون إلا سنة الأولين يقول هل ينظر صاحب المكر السيئ والمعصية لله العلي إلا أن يأتيه ما أتى الأولين الذين كانوا فيما كانوا فيه الأولون من المعاصي من إحلال النقم بهم وإزالة النعم عنهم فهذا سنة الأولين وهذه سنة الله التي لا يوجد لها تحويل ولا تبديل يريد حكم الله الذي حكم به في الأولين وسننه في أهل المعاصى منهم من إنزاله النقم عليهم فهذا شئ لايحول من أهل المعاصي والذنوب فكان ذلك من الله في الزمان الأول على صنوف فيمن عصاه وهو اليوم في أمة محمد صلى الله عليه وآله على صنوف وآخر تنزل بمن عصى منهم وتحل من اجترى على ربه فكان العذاب في الأولين يكون بالمسخ والقذف والخسف والرجز وهو في أمة محمد عليه السلام بالجوع والهلكة والخوف والسيف والقتل والموت ثم يضطرهم إلى عذاب النار وبئس المصير.

(1/169)

وسألته: عن قول الله سبحانه: وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقينا كموه وما أنتم له بخازنين، فقال: معنى قوله:أرسلنا الرياح فرفعت السحاب وأقلته، ومعنى لواقح فهي القوية ذات السلطان الشديد المنفذة ما تريد، والعرب تسمى كلما نفذ لقاحا تقول لقد ألقح فلا بما يريد أي أنفذه وأمضاه فلما أن كانت السحاب منفذة لما أمرت به سميت لواقح ومعنى قوله بخازنين أي يريد لستم له بحافظين ولا ممسكين في الأرض ولولا لزوم الله له وإثباته إياه في الأرض وخزنه إياه لكم في طينها إذا لأصبح غورا ولما وجد إذا في الأرض منه شيء.

وسألته: عن قول الله سبحانه: ومن الناس من يشتري لهوا الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هوزواً أولئك لهم عذاب مهين فقال هذا من إخبار الله تبارك وتعالى عمن يشتري لهو الحديث ولهو الحديث فهو الغناء والملاهي كلها من شطرنج أو نرد أو وتر يضرب به أو شيء من الملاهي التي حرمها الله على عباده، ومعنا يشتري فهو يختار ويؤثر ويجتبي هذا اللهو على غيره من الخير ليضل على سبيل الله، معناه يشتغل ويشغل بذلك نفسه وعباد الله عما سوا اللهو من سبل الله وسبيلة فهي طاعته وإتباع مرضاته، فأخبر الله سبحانه أن من الناس من يؤثر الشر على الخير يطلب بذلك التلهي والطرب في أرض الله بما يصده وغيره عن سبيل الله.

وسألته: عن قول الله سبحانه: ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور، فقال: هذه وصية من لقمان رحمة الله عليه لابنه بأمره ألا يصعر خده للناس ومعنا تصعر خدك فهو تعرض بوجهك عن الناس وتصفح لهم خدك وتعصره لهم استخفافا بهم وإعراضا عنهم عند إقبالهم عليك ومسائلتهم لك فأمره أن يقبل بوجهه إليهم ويبسط وجهه لهم ولا يعرض له عنهم.

(1/170)

وهذا فعال يفعله جبابرة الأرض بالناس ومتكبروها إذا أقبل الناس إليهم وعليهم أعرضوا بوجوههم عنهم وأعطوهم خدودهم فكلموهم وخدودهم مصعرة عنهم ومعنا مصعرة فهي ملوية منحرفة ومعنا ولا تمش في الأرض مرحا فهو لا تمش في الأرض أشرا وبطرا ساهيا لاهيا وامش فيها منذلاً للله متصغرا متفكرا ناظرا في أثر صنع الله فيها متدبر ا، ولا تكن عند مشيك فيها عن ذلك معرضا ولا له تاركا.

20 / 47
ع
En
A+
A-