قلت: فهل نال من الحرم منالا أو وصل إليهم بسبب من الأسباب، قال: معاذ الله أن يكون نال شيئا من ذلك أو فعله غير الذي شرحته لك من كلامه فقط.
(1/147)
________________________________________
وسألته: عن قول الله سبحانه: وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن الن نقدر عليه فقال: أما ذو النون فهو يونس، وأما النون فهو الحوت، وأما قوله: إذ ذهب مغاضبا فإنما كان ذهابه غضبا على قومه واستعجالا منه دون أمر ربه لا كما يقول الجهلة الكاذبون على أنبياء الله ورسله من قولهم: إن يونس خرج مغاضبا لربه وليس يجوز ذلك على أنبياء الله صلوات الله عليهم وإنما كان ذلك كما ذكرت لك من غضبه على قومه ومفارقته لهم واستعجاله دون أمر ربه، وهو قوله سبحانه لمحمد صلى الله عليه: ولا تكن كصاحب الحوت، وهو يونس يقول: لا تعجل كعجله واصبر لأمري وطاعتي ولا تستعجل كاستعجاله، فهذا معنى قوله: إذ ذهب مغاضبا.
وقوله: فظن الن نقدر عليه، أراد بذلك من قوله: فظن أي أفظن الن نقدر عليه، وهذا معنا الاستفهام، ولم يكن ظن ذلك صلى الله عليه، وهذا مما احتججنا به في (الألف) التي تطرحها العرب، وهي تحتاج إلى إثباتها وتثبتها في موضع وإن لم تحتج لها مثل قوله: لا أقسم، وإنما أراد ألا أقسم، وقوله: وعلى الذين يطيقونه فدية، وإنما أراد على الذين لا يطيقونه فدية، فطرح (الألف) وهو يريدها، ومن ذلك قول الشاعر:
نزلتم منزل الأضياف منا... فعجلنا القرا أن تشتمونا
(1/148)
... وإنما أراد لأن لا تشتمونا فطرح (الألف) وهو يريدها، ومثل هذا كثير في الكتاب وهي حروف الصفات، فلما صار يونس عليه السلام في السفينة وركب أهلها واستقلت بهم وطابت الريح لهم أرسل الله حوتا فحبس السفينة فلم تجر فعلم القوم عند احتباسها أنها لم تحبس بهم إلا بأمر من الله قد نزل بهم فتشاور القوم بينهم، وتراجعوا القول في أمرهم، وما قد نزل بهم وأشفقوا فقال لهم يونس: يا قوم أنا صاحب المعصية وبسببي حبست بكم السفينة فإن أمكنكم أن تخرجوا إلى الساحل فافعلوا، وإن لم يمكنكم ذلك فالقوني في البحر وامضوا، فقال بعضهم: هذا صاحبنا، وقد لزمنا من صحبته ما يلزم الصاحب لصاحبه، وليس بشبهنا أن نلقيه في البحر فيتلف فيه على أيدينا ونسلم نحن، ولكن هلموا نستهم فمن وقع عليه السهم القيناه في البحر.
فتساهم القوم فوقع السهم على يونس، ثم أعادوا ثانية فوقع السهم عليه، ثم أعادوا ثالثة: فوقع السهم عليه فرما بنفسه البحر فالتقمه الحوت ومضا في البحر فكان يونس عليه السلام ينظر إلي عجائب البحر من بطن الحوت وجرت سفينة القوم بهم، قال: ولبث يونس في بطن الحوت ما شاء الله من ذلك فاستمط شعره وجلده حتى بقي لحمه ومنع الله منه الموت فلما علم الله توبته وقد نادا بالتوبة أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
فاستجاب له، وقبل توبته ورحم فاقته وأرسل ملكا من الملائكة فساق ذلك الحوت إلى جزيرة من جزائر البحر فالقا يونس من بطنه، وقد ذهب شعره وجلده وذهبت قوته فرد الله عليه جسمه على ما كان عليه أولا من تمام صورته وحسن تقويمه وأنبت الله له شجرة اليقطين، وهي الدبا فكان يأكلها فلما اشتدت قوته واطمأن من خوفه وإشفاقه أرسله إلى قومه وكانوا في ثلاث قرا فمضا إلى أول قرية فدعاهم إلى الله وإلى دينه فأجابه نصفهم أو أكثر من النصف وعصاه الباقون فسار بمن أطاعه إلى العصاة لأمره فحملهم عليهم وقاتلهم فقتلهم وأبادهم.
(1/149)
ثم سار إلى القرية الثانية فدعا أهلها وأعذر إليهم وأنذرهم فأجابه منهم طائفة فحمل المطيع على العاصي فقتلهم وأبادهم ثم سار إلى القرية الثالثة، وكانت أعظم القرا وأشدها بأسا ومنعة فدعاهم إلى الله وأعذر إليهم وأنذرهم وحذرهم ما حل بإخوانهم فلم يجبه منهم أحد واستعصموا على كفرهم فسار إليهم وخرجوا إليه فحاربهم فلم يقدر عليهم فلما كان بعد وقت وعلم الله منه الصبر على ما أمره به من طاعته والإعذار إلى خلقه أمر الله جبريل صلوات الله عليه فطرح بينهم نارا ثم أرسل الله الرياح فأذرت النار عليهم وعلى منازلهم ورحالهم فاحرقتهم جميعا ودمرتهم فهذا ما سألت عنه من خبر يونس عليه السلام.
وسألته: عن قول الله سبحانه: ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ما الآيات التي أتاه الله ? فقال: العصا التي تلقف ما يأفكون ومنها اليد البيضاء وهي قوله: وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء، ومنها: الكلام الذي سمعه من الشحرة، ومنها الكلام الذي سمعه من النار، قلت: وما سمع منها قال: قول الله في كتابه فلما أتاها نودي أن بورك من في النار، ومن حولها وسبحان الله رب العالمين.
قلت: وما معنى قوله: أن بورك من في النار قال: أما قوله من في النار فإنما أراد بذلك ما سمع من الكلام في النار، وأما قوله: ومن حولها فهو من حضر من الملائكة حول النار، ومنها: الحجر التي كان يحملها على حماره من مكان إلى مكان وكانت حجرا ململمة لا صدع فيها فكان إذا احتاج إلى الماء ضربها بالعصا فانبجست بالعيون ثم يدفنها فيخرج الماء من كل جانب منها، فإذا استغنا هو وأصحباه أخرجها فرجعت على حالتها أولا، ثم حملها معه ومنها البحر الذي ضربه بالعصا فانفلق حتى سار في وسطه هو وأصحابه بأمر الله سبحانه حتى خرج آخر أصحابه ودخل آخر أصحاب فرعون تباعا لموسى وقومه فأغرق الله فرعون وقومه ونجى نبيه عليه السلام والمؤمنين.
(1/150)
ومنها: طور سيناء، وقد قيل: والله أعلم أن من الآيات التي أتاه الله الجراد والقمل والضفادع والدم ولا ندري ما صحة ذلك غير أن الصحيح من الآيات ما ذكرت لك أولا وبينٌ نيرٌ، قلت: فما معنى قوله في فرعون: فلما أدركه الغرق، قال: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين، فهل قبل الله ذلك منه، قال: لا، ألا تسمع كيف يقول الله الآن، وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين، وقوله: فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإنما أمر الله البحر فألقاه على جانبه شلواً ميتاً وقوله ببدنك فالبدن، هو الدرع، وإنما كانت درع من جوهر وياقوت قد اتخذها وكان لا يلبسها إلا في عظائم أموره الجسيمة الفادحة فأراد سبحانه أن ينجيه بها لمعرفة من رآه من قومه فيعتبرون به ويعلمون أن الله تباركت أسماؤه هو الذي أهلكه، وأنه لا مغالب لحكمه وهو السميع العليم.
قلت: فما الدليل على ما قلت في البدن من أنها الدرع بينه لي من لغة العرب حتى أفهمه قال: الدليل على ذلك ما يقول الشاعر:
يخفون المركبات في الأبدان
وذلك عندما يكون من بيده الحرب بينهم، وهذا دليل على ما سألت عنه، وذلك فيه كفاية إن شاء الله.
وسألته: عن قول أيوب صلوات الله عليه إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب، قال: معنى قوله مسني فهو ما كان من كلامه ووسوسته له، وذلك أن أيوب صلوات الله عليه كان قد جعل ضيافة أضيافه إلى مرءته فأتاه إبليس اللعين فقال: يا أيوب مرتك قد فضحتك اليوم في أضيافك فأتاها فقال: ما الذي حملك على أن تفضحيني في أضيافي أقسم لأضربنك مائة ضربة بالعصا، فلما هم بالذي أقسم به من ضربها أتاه الملعون إبليس فقال: يا أيوب سبحان الله أيحل لك أن تضرب مرة ضعيفة لم تجرم جرما ولم تأت قبيحا ولم تفعل أمرا تستحق به ضربا، وليس لها قوة على ضربة واحدة فكيف مائة ضربة ولا تهلكها ولا تأثم بربك في أمرها فلما تركها.
(1/151)
وكف عنها أتاه من موضع آخر، فقال: يا أيوب سبحان الله كيف يحل لك أن تقعد عنها، وقد حلفت لتضربنها ولا ترجع عن يمينك ولا تأثم بالله ربك فلما رجع إليها ليضربها أتاه بالوسوسة على مثل الذي أتاه به أولا، فلم يزل يفعل ذلك حتى دخله الغم وعظم عليه الأمر فانقلب على ظهره وهو يفكر وينظر وخالطه من الوسوسة ما غلبه على أمره فلما يزل كذلك حتى تقرح ظهره ولزمه المرض العظيم.
وشد به الأمر وتمادت به العلة، وذهبت ما شيته وافترق ماله ومات أولاده ومرضت المرة من الغم والحزن فلما رآء ذلك من كان معه في المنزل أخرجوه صلى الله عليه إلى ناحية منهم على خط الطريق وليس يقدر أن يرفع يدا ولا رجلا وشد به البلا وهو مع ذلك صابر محتسب فلما كان يوم من الأيام مضا به نفر فلما رأوه ونظروا إلى ما هو فيه من عظيم البلا وشدة النتن، قالوا: والله لو كان هذا ولياً لله لأجابة ولكشف ضره ولما أصابه شيء من هذا فلما سمع ذلك من قولهم نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب فجاز أن يقول: مسني الشيطان لما أن ذلك من وسوسته وكيده وسببه.
فاستجاب الله له فقال: اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب، ولم يقدر أن يرفع يدا ولا رجلا فضرب بعقبه فانبثقت عليه عين ففارت وارتفعت حتى كانت أكثر من جلسته فجعلت تنسكب عليه وهو يغتسل بها وهي تقلع عنه كل ميت وتنقي عنه ما كان به من الأقذار وتميط عنه الأذاء وجعل يشرب منها ويخرج ما في جوفه من العلة حتى تنقا بدنه ورجع إلى أفضل ما كان عليه أولا، ورد الله عليه أهله وماله وأمره أن يأخذ ضغثا فيضرب به المرأة كفارة اليمين التي حلف فقال بعض الرواة أنه أخذ من هذا الذي يكون فيه الثمر فجمع منه مائة غصن فضربها به ضربة.
(1/152)
وقال بعضهم: أنه ضربها ضربتين واختلف في ذلك غير أن الصحيح من ذلك أنه قد جمع ضغثا فضربها به، قلت: فإبليس كيف كان إتيانه إلى أيوب صلى الله عليه قال: لم يره عيانا وإنما سمع كلامه ولم يبد له شخصه، وقد قال بعض الجهلة أنه تصور له في صورة غير صورته وليس ذلك كما قالوا: وكيف يقدر مخلوق أن يغير خلقته ويحول نفسه صوراً مختلفة وليس يقدر على ذلك إلا الله رب العالمين الذي خلق الصور والأجسام ونقلها من حال إلى حال فسبحان الله رب العرش عما يصفون، ولا إله إلا هو الرحمن الرحيم.
وسألته: عن قول الله تبارك وتعالى في يوسف صلوات الله عليه: ولقد همت به وهم بها لو لا أن رأى برهان ربه، كيف كان همها به وكيف همه بها، فقال: كان همهها هي هم شهوة ومراوده وكان همه هوبها صلى الله عليه هم طباع النفس والتركيب.
ألا ترى أنك إذا رأيت شيئا حسنا أعجبك وحسن في عينك وإن لم تهم به لتظلمه وتأخذه غصبا من أهله، وكذلك إذا رأيت طعاما طيبا أو لباسا حسنا أعجبك وتمنيت أن يكون لك مثله وأنت لا تزيد بإعجابك به أخذه ولا أكله إلا على أحل ما يكون وأطيبه ولم ترد بقولك أنك تأكله أو تلبسه أو تنكحه إلا حلالا.
قلت: بلا، قال: كذلك كان هم يوسف صلى الله عليه في زوجه الملك، قلت: فقد سمعنا بعض الرواة يذكر أنه إنما منع يوسف عليه السلام من إتيانها أنه رأى يعقوب صلى الله عليه كأنه يزجره عنها ويخوفه، قال: قد قيل فيه سننه من ذلك وليس القول فيه كذلك وحاش لله أن ينسب ذلك إلى نبي الله.
قلت: فقد كان ذلك يروى لنا بين الملا ويتحدث به في المساجد قال: قد ذكر ذلك جل الله وتعالى عن كل ما يقول فيه الملحدون ونسب إليه الضالون، وليس قولهم: هذا في أنبياء الله وروايتهم الكاذبة عليهم بأعظم من كذبهم وجرأتهم على الله سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
(1/153)
ألا ترى كيف شبهوه بالأشياء من خلقه وجعلوه جسما ذا أعضاء وأجزا مختلفة فتعالى الله عن ذلك من ليس كمثله شيء، ولقد ناظرت رجلا ممن ينتحل التشبيه فألزمته أن يقول الله مخلوق أو ينفي عنه التشبيه فاختار أن يجعله مخلوقا، وكره أن ينفي عنه التشبيه فهذا أعظم الأمور وأقبح الأقاويل كلها.
قلت: فالبرهان الذي رآه يوسف صلى الله عليه ما هو قال: ما جعل الله فيه من علمه وخصه به من المعرفة والخوف له في علانيته وسره وإنما كان ذلك ابتداءً منها، ومراودة له على نفسه كان من قولها له إن يا يوسف أن لم تأتيني أتيت أنا إليك، فقال: معاذ الله من ذلك فقامت فارخت سترا كان على باب البيت وكان في البيت صنم لها تعبده من الذهب له عينان من ياقوتتين حمراوين فكانت تستحسنه وتعبده، فقال لها يوسف صلى الله عليه: لم أر خيت هذا الستر، فقالت: إني أخاف أن يراني هذا الذي في البيت فأرخيته حياءً منه وإجلالا له، فقال لها: فإذا كنت تستحين أنت من صنم لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع فكيف لا أستحيي أنا من الذي خلقني وخلقك وخلق هذا الذي تخافين. ومنه تستحين بل أخاف وأستحي من الذي خلقني وخلقكم وهو خالق السموات والأرضين.
ثم نهض منها هاربا بنفسه فلحقته إلى باب الدار، فقدت قميصه والفيا سيدها لدا الباب وهو زوجها الملك، وذلك أنهم كانوا يسمونه السيد لموضعه عندهم ورفعته فيهم، فقالت له: ما جزاء من أراد بأهلك سواء إلا أن يسجن أو عذاب إليم، قال يوسف: هي راودتني عن نفس فتحير الملك واشتبه عليه الأمر، وكثر فيه القول فذكر بعض الرواة أن الذي حكم في ذلك صبي صغير كان في المهد.
(1/154)
واختلف فيه والذي صح في ذلك عندنا أنه كان صبيا قد عقل، وهو من أبناء خمس سنين أو ستة بها فأتي به إلى الملك فقال: إن كان قميصه قد من قبل فصدقت هي فيما ذكرت من مراودته لها على نفسها، وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت فيما ادعت وهو من الصادقين، في قوله: ومراودتها له على نفسه فأتي بالقميص إلى الملك فنظر إليه فإذا هو مقدود من دبره، فقال: إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم.
ثم بدالهم من بعد ذلك فألقى في السجن وكان في السجن رجلان من خدم الملك فلما كان من إعلامه لهما بتأويل رؤياهما على الحقيقة بعينها فلما رأى الملك رؤياه أتا أحد الرجلين إلى يوسف فقص عليه ذلك فاخبره بتأويله فلما انتها ذلك إلى الملك بعث إلى النسوة يسألهن عن خبرة، فقالت إمرأة العزيز: الآن حصحص الحق أنا راودته نفسه وإنه لمن الصادقين فيما تبرأ منه وأنكره ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخآئنين. وما أبريء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم، فهذا ما كان من خبره عليه السلام.
وسألته: عن قول الله سبحانه: إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون فقلت: ما معنا تزيينه الله عزوجل لهم وما مخرجه، ومعنى ترتيبه سبحانه فترك المعاجلة بالعقوبة لهم والأخذ بإكظامهم عند معصيتهم فكان تزيين الله لهم تأخير المغافصة بالنقم كذلك تقول العرب في مخاطبتها بعضها لبعض إذا أخطأ أحدهم على الآخر مرارا فلم يجازه قال له: الذنب لي لا لك أنا أفسدتك وزينت لك عملك بتركي المكافأة لك على قبيح فعلك حتى ظننت أنه حسن جايز، فهذا معنا التزيين من الله عزوجل، ومعنا يعمهون أي يتحيرون ويتخبطون ويموجون في ضلالهم ولا ينتهون من غفلتهم.
(1/155)
وسألته: عن قول الله سبحانه: ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون، فقال: هذا إخبار من الله تبارك وتعالى عن ما رزقهم من ثمرات الأشجار الذي يتخدون منه الأرزاق ويدخرونها من التمر والزبيب وغير ذلك من الحبوب التي هي معيشة لهم وحياة ويتخذون منها أيضا السكر الذي نهاهم عنه وحرمه عليهم فوقفهم هاهنا في هذه الآية على كفر من فعل ذلك لنعمه إذ صرفوا رزقه في السكر الذي حرمه.
ثم أخبر أن فيما جعل وفعلوا من حسن رزقه لهم وجميل فعله بهم وإيجاده لهم سكراً أو صرفهم له عن الطاعة إلى المعصية لآية لقوم يعقلون.
وسألته: عن قول الله سبحانه: ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار فقال هم قوم أنعم الله عليهم وكفروا أنعم الله ولم يشكروه وبدلوا مكان الشكر كفرا فأتبعهم بكفرهم على ذلك فهلكوا كلهم بأسباب رؤسائهم.
وسألته: عن قول الله سبحانه: كذلك نسلكه في قلوب المجرمين، فهو يدخله ويبينه في قلوبهم حتى يوقنوا به ويثبته في قلوبهم فهو بالحجج النيرة البالغة التي نزلها مع نبيه صلى الله عليه حتى يثبت بها الحق عليهم وتشهد عقلوهم أنه حق فإذا كابروا بعد ثبات الحق نزل بهم العذاب، وذلك قوله سبحانه: لا يؤمنون به، وأما قوله: وقد خلت سنة الأولين، فهو منهاجهم وسبيلهم، والمعنا الذي هلكوا به فهو التكذيب بآيات الله.
(1/156)
وسألته: عن قول الله سبحانه: كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عظين فقال معنى قوله كما أنزلنا على المقتسمين يريد أنا ننزل بهؤلاء من اللعنة والفضيحة والحكم بالكفر والوعيد بالنار في الآخرة من بعد الهتك لهم في الدنيا مثل ما أنزلنا بالمقتسمين، فقامت (على) مقام (البا) والمقتسمين فهم الذين كانوا يقتسمون بالأزلام من قريش وأتباعها وهؤلاء الذين مثلوا بالمقتسمين فهم من عصى الله ورسوله وبغى وطغى ممن عصى بعد أولئك وأسا واجترء على الله ورسوله واستهزء بدينه.
وأحسب: والله أعلم أنهم النفر الذين أستهزؤا بأمر الله وبرسوله في غزوة تبوك، وقالوا: إنما كنا نخوض ونلعب فأكذبهم الله، وأنزل فيهم: ولقد قالوا كلمة الكفر فدعاهم بذلك كافرين، ومعنى قوله: الذين جعلوا القرآن عضين، فهي كلمة كانت قريش تقولها وتهزؤا فيها بالنبي صلى الله عليه وآله وبالقرآن كانوا إذا قرأ عليهم القرآن ووعظهم قالوا: يعضنا بقراءته فيقلبون الظآضا دا استهزأ وعبثا وجرأة على الله وكفرا فأخبر الله سبحانه بما أنزل عليهم وفيهم من السخط والغضب وأبدا من فضيحتهم وأطلع عليه نبيهم من سرهم وأنزل فيهم هذا العيب في القرآن فهذا معنى قوله: كما أنزلنا على المقتسمين.
وسألته: عن قول الله سبحانه: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى القا الشيطان في آمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكمم الله آياته والله عليم حكيم، فقال: معنى قوله: إذا تمنا فهو إذا قرأ ومعنا أمنيته فهي قرأته، ومعنا إلقا الشيطان وسوسته التي يشغل بها القاري حتى تتخلط عليه قرأته، ومعنا نسخ الله لما يلقي الشيطان فهو إذهابه له من قلب القارئ بعد وقوعه فيه وشغله به حتى يفرغ القلب لقرأته ويرجع إلى ما كان في بادي أمره ومعنى يحكم الله آياته فهو يثبتها في قلوب أوليائه.
(1/157)
وسألته: عن قول سبحانه: فاطر السموات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فقال: معنى فاطر السموات فهو مبتدعها ومبتدئها ومعنى قوله: جعل لكم من أنفسكم أزواجا فهو خلق لكم من أنفسكم رجالا ونساء يتزاوجون ويتناسلون، وكذلك قوله: من الأنعام أي خلق أيضا من الأنعام إناثا وذكورا تتناسل، ومعنا قوله: يذرؤكم فهو ينبتكم ويخرجكم ويخلقكم ويصوركم ويكثركم.
وسألته: عن قول الله سبحانه: خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها، فقال: النفس الواحدة آدم صلى الله عليه وخلقه منها زوجها فهو خلقه من آدم حواء، وقد قيل: إن حواء خلقت من بعض آدم، فهذا معنا قوله: خلق منها زوجها وقد يكون خلقه لها منه قبل نفخه فيه الروح إذ هو صورة من طين ملقاة.