وسألته عن قول الله سبحانه: ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا فهو ينفق منه سرا وجهرا، إلى قوله: وهو على صراط مستقيم، فقال:هذا مثل ضربه الله لأهل الشك والإرتياب ممن كان يعبد الأصنام من دون الله فأخبره الله أن مثل ما هو فيه من الشك في الله والعبادة لمن دون الله كهذا المثل وإنما تعبدون من دون الله كهذا الضعيف الذي لا يقدر على شيء، وكذلك ضرب مثل هذا العبد الأبكم الذي لا يأتي بخير فجعله شبها لأصنامهم التي يعبدونها من دون الله وجعل الأمر بالعدل والحق مثلا للحق.

وسألته عن قول الله سبحانه: ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين، فقال كانت قريش ومن معهم من المشركين يتكلمون في رسول الله صلى الله عليه وآله ويقولون أن رجلا كان ينزل بالطايف أعجمي اللسان يعلم النبي صلى الله عليه وآله ما يأتي به عن الله فاكذبهم الله واحتج عليهم وبين فضيحتهم بما ذكر من عجمة الذي يلحدون إليه أنه يعلم النبي فلسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين يقول هذا القرآن الذي جاء به والذكر عن الله محمد صلى الله عليه وآله بلسان العرب لا بلسان العجم.

(1/138)

________________________________________

وسألته عن قول الله سبحانه: والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي أرزاقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون، فقال:هذا إخبار من الله تبارك وتعالى لإنبساط رزقه لعباده وتفضيل من فضل فيه بالسعة والإتساع وأن الذين فضلوا بالرزق غير مستطيعين أن يرزقوا ما ملكت أيمانهم ولا أن يردوا لهم خيرا وأنهم في الرزق سواء المالك والمملوك كلهم لا يقدر أن يرزق نفسه إذ كانوا كلهم لا ينبتون زرعا ولا يفلقون في الأرض وا ولا ينزلون غيثا ولا يخلقون أنعاما فلما أن كانوا كذلك في الضعف عما ذكرنا كان المالك والمملوك في اجتلاب الرزق إلى نفسه من دون الله سواء.

وسألته عن قول الله سبحانه: أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيئوا ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون، فقال هذا إخبار من الله سبحانه عن عظيم الآية التي جعل وكثير دلائله التي أنزل في الظلال من تفييها بالغدو والآصال فيكون القمر بالغدو شرقا وبالعشي غرباً ينقلب بقدرة الله فيما جعل ممن مسير الشمس في فلكها وتقلبها بقدرة الله في حورها ومعنى سجدا فهو مسجدا لمن اعتبر من المؤمنين وعقل ما فيه من آيات رب العالمين، وقد تقدم شرح سجود الأشياء في غير هذه المسئلة ومعنى داخرين فهو صاغرون مضطرون بما في الذي أسجدهم من الحجج لله والدلايل عليه لا يجدون بدا من الإقرار به والمعرفة له.

(1/139)

________________________________________

من مسائل: إسحاق بن إبراهيم التي سأل عنها الهادي إلى الحق نجران الحصن:

بسم الله الرحمن الرحيم

قال أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل، سألت: إمام المسلمين في عصره يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه، وعلى آبائه السلام عن قول الله تبارك وتعالى: وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كيف كان السجود من الملائكة صلوات الله عليهم، فقال: معنا قوله: اسجدوا لآدم إنما أراد بذلك السجود من أجل آدم تعظيما لخالقه إذ خلقه من أضعف الأشياء وأقلها عنده وهو الطين فجاز أن يقال: اسجدوا لآدم لما أن كان السجود من أجل خلقه وقوله فسجدوا إلا إبليس فإنما جاز أن يجعل معهم إبليس في الأمر وإن لم يكن من جنسهم إذ كان حاضرا لأمر الله لهم فأمره بالسجود معهم وإن لم يكن جنسه من جنسهم إذ كان حاضراً عليهم إنما خلقوا من الريح والهواء لم يكن جنسه من جنسهم لأن الملائكة صلوات الله عليهم إنما خلقوا من الريح والهواء وخلقت الجن كلها من مارج النار ومارج النار فهو الذي ينقطع منها عند توقدها وتأججها.

قلت: فما الدليل على أن إبليس من الجن، فقال: قول الله جل ذكره: إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه، قلت: فهل أمرت الجن كلها بالسجود أم خص الله إبليس بذلك دونهم? قال: لم يأمر الله سبحانه أحداً منهم إلا إبليس فقد أمره الله بالسجود دونهم.

(1/140)

________________________________________

قلت: أفمخصوصا كان بذلك دونهم ? قال: نعم، كان مخصوصا بالأمر، قلت: فعصيان آءم صلوات الله عليه في أكل الشجرة كيف كان ذلك منه تعمداً أم نيسانا فقال: قد أعلمك الله ذلك في كتابه في قوله: ولقد عهدنا إلى آءم من قبل فنسي ولم نجد له عزما يقول: لم نجد له عزما على أكلها واعتمادها بعينها ولكن سلني فقل لي: فإذا كان آدم في أكل الشجرة ناسيا كيف وجبت عليه العقوبة، وقد أجمعت الأمة على أنه إذا نسي الرجل فشرب ماءً في رمضان وهو ناسي أو أكل وهو ناسي أو ترك صلاته حتى يخرج وقتها وهو ناس أو جامع الرجل إمرأته في طمثها وهو ناس، لم يجب عليه في ذلك عقوبة عند الله، فكيف: يجب على آءم صلوات الله عليه العقوبة في أكل الشجرة ناسيا فإن سألتني عن ذلك..

قلت لك: إنما عوتب آدم صلى الله عليه في استعجاله في أكل الشجرة، وذلك أن الله تبارك وتعالى لما نهاه، عن اكل الشجرة وهي البر وامره باكل الشعير ولمم يحظره عليه فكان ياكل من شجرة الشعير، وهي ورق لم تحمل ثمرا فلما ان صار فيها الحب والثمر اشتكل عليه امرهما فلم يدر ايهما نهيي عنها فأتاه اللعين إبليس فخدعه وغره وقاسمه على ما ذكر الله في كتابه فقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين، فاستعجل آدم فأكل من الشجرة، ولم ينتظر الوحي في ذلك من عند الله فعوقب لاستعجاله وقلة صبره لإنتظار أمر ربه.

قلت: فكيف كان كلام إبليس وخدعه إياه هل كان تصور له جسما، ورآه عيانا قال: لا إنما سمع آدم كلامه ولم يره جسما، وقد رويت في ذلك روايات كذب فيها من رواها وكيف يقدر مخلوق أن يخلق نفسه على غير مركب خلقه وفطرة جاعله هذا ما لا يثبت، ولا يصح عند من عقل وعرف الحق.

(1/141)

________________________________________

قلت: فقد كان النبي محمد صلى الله عليه خاطب جبريل وعاينه على عظيم خلقه وجسيم مركبه، فقال: إنما كان جبريل عليه السلام ينزل على محمد صلى الله عليه في صورة لطيفة يقدر على رؤيتها وعيانها، وقد صح عندنا أن النبي محمدا عليه السلام راء جبريل في صورة دحية الكلبي وإنما ذلك خلق أحدثه الله فيه وركبه عليه لما علم من ضعف البشر وأنهم لا يقدرون على النظر إلى خلق الملائكة لعظيم خلقهم وجسيم مركبهم فلما علم الله تبارك وتعالى من محمد عليه السلام ذلك، ولم يكن جبريل عليه السلام يقدر على تحويل صورته ومركبه من حال إلى حال لضعف المخلوقين وعجزهم عن ذلك نقله الله سبحانه على الحالة التي رآه محمد عليه السلام فيها نظراً منه لنبيه صلى الله عليه وما فعله الله فليس من فعل خلقه فلك في هذا كفاية إن شاء الله.

قلت: فهل كان آدم صلوات الله عليه طمع في الخلد لما قاسمه إبليس على النصح، قال: إنما كان ذلك منه صلى الله عليه طمعا أن يبقا لعبادة الله وطاعته فأراد أن يزداد بذلك قربة من ربه.

قلت: فقوله: ينزع عنهما لباسهما، فقال: قد اختلف في ذلك قلت: فما معنا قوله: فاكلا منها فبدت لهما سوآئتهما قال: معنا قوله بدت لهما سوآتهما فهو سوء فعلهما لا كما يقول: من جهل العلم، وقال بالمحال إن الله تبارك وتعالى كشف عورة نبيه وهتكه وكيف يجوز ذلك على الله في أنبيائه والله لا يحب أن يكشف عورة كافر به فكيف يكشف عورة نبيه.

قلت: فقوله: ينزع عنهما لباسهما، فقال: قد اختلف في ذلك، ورويت فيه روايات، وأصح ما في ذلك عندنا والذي بلغنا عن نبينا محمد صلى الله عليه أن لباسهما هو لباس التقوى والإيمان لا ما يقول الجاهلون أنه لباس ثياب أو ورق أو ورق من ورق الشجر فهذا معنا قوله: ينزع عنهما لباسهما، وإنما أراد بذلك من قوله: لباسهما أي لباس التقوى بما سوّف وسوّس لهما من الكذب والقسامة التي سمعتها منه.

(1/142)

________________________________________

قلت: فقوله: وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، فقال: إنما كان في الجنة في ظلها وتحت أشجارها فلما خرجا منها وأصابتهما الشمس بحرها ورمض الأرض فأرادا أن يجعلا لهما موضعا يكون لهما فيه ظلالا كما يفعله من يخرج من منزله وبلده في سفره إلى غيره من البوادي وغيرها فلا يجد ظلالاً ولا مسكنا ولا يجد بدا من أن يعرض عريشا يكنه ويستره من الحر ويقيه شدة البرد فهذا معنا قوله: يخصفان.

قلت: فالجنة التي كانا فيها في السماء كانت أو في الأرض? قال: هي جنة من جنان الدنيا والعرب تسمي ما كان ذا ثمار وأنهار جنة، قلت: فقوله: إهبطوا منها جميعاً قال: ذلك جايز في لغة العرب، ألا ترى أنك تقول هبطنا من اليمن ونريد أن نهبط إلى الحجاز فلما أن كان ذلك معروفا في اللغة جاز أن يقال: إهبطوا منها.

وسألته: عن قول الله سبحانه: فتلقا آدم من ربه كلمات فتاب عليه ما الكلمات التي تلقاها آدم من ربه ? قال: قد اختلف فيها، والصحيح عندنا أن الكلمات هو ما كان الله تبارك وتعالى قد علمه بخلق من سيخلقه من ذرية آدم ونسله أنه سيكون منهم مطيع ويكون منهم عاص باختيارهم وأنه سبحانه يقبل التوبة من تائبهم إذا تاب وأصلح وأخلص التوبة وراجع فلما كان منه من أكل الشجرة، وذكر ما كان الله قد أعله من القبول للتوبة قالا: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، فهذه الكلمات التي تلقاها آدم من ربه صلوات الله عليه.

(1/143)

________________________________________

وسألته: عن قول الله تبارك وتعالى في إبراهيم صلوات الله عليه فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم فقال معنا ذلك أن قومه كانوا يعبدون النجوم السبعة فلما نظر إلى جهلهم وما هم عليه من عبادتهم لما هو مخلوق مربوب يدخل عليه الزيادة والنقصان وأنه آفل زايل منتقل حايل فقال: إني سقيم، معنى قوله:إني سقيم أي سقيم القلب لما أنتم عليه من عبادة هذه المخلوقات المحدثات وإصراركم عن الله في كل الحالات وقلة نظركم وتدبيركم وفكركم في عظمة خالقكم وجهلكم في عبادة أصنامكم واجتنابكم عن طاعة ربكم وإلاهكم وخالق هذه التي تعبدون ونظره في النجوم فإنما هو فكره وتدبره فيما هم عليه من عمايتهم وقلة نظرهم لأنفسهم لا كما يقول الجاهلون من أنه كان منجما وأنه كان يستعمل النجوم ويحسب بها وليس ذلك ولا يجوز على نبي الله شيء من ذلك

و قلت فمعنى قوله: فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي، وكذلك قوله في النجم والشمس حين قال: هذا ربي هذا أكبر، قال: معنى ذلك منه صلى الله عليه وآله هو على معنى الذم لهم والعيب لفعلهم يريد أهذا ربي الذي يزول وينتقل ويحول وهو على معنى الإستفهام وذلك موجود في القرآن في قوله سبحانه: لا أقسم بيوم القيامة، ومعنى لا أقسم فهو ألا أقسم فطرح الألف وهو يريدها ومن ذلك قوله في سورة المنافقين: رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فاصدق وأكن من الصالحين، ومعنى لولا أخرتني هو:لو أخرتني وفي ذكل ما يقول الشاعر:

بيوم جدود لأفضحكم أباكم... وسالمتم والخيل تدما شكيمها

فقال لا فضحتم أباكم وأراد فضحتم أباكم فأدخل الألف وهو لا يريدها صلة في الكلام ومن ذلك قول الله سبحانه في يونس صلوات الله عليه: وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون، ومعناها ويريدون فطرح الألف وهو يريدها وأثبتها في الشيء وهو لايريدها ومن ذكل ما قال شاعر العرب

نزلتم منزل الأضياف منا... فعجلنا القرآن تشتمونا

(1/144)

________________________________________

... فقال:أن تشتمونا وإنما أراد لأن لا تشتمونا ولا ندم فجاز ذلك من قوله في العربية والبيان فعلى هذا يخرج معنى قول إبراهيم صلوات الله عليه هذا ربي.

وسألته عن قول إبراهيم صلوات الله عليه: رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي، قال أراد ذلك صلى الله عليه أرن آية أزدادها علما وبصيرة وأعرف سرعة الإجابة لي منك حتى يثبت ذلك عندي ويقر في قلبي معرفة ذلك فأمره الله أن يأخذ أربعة من الطير وأن يجعل على كل جبل منها جزأ ثم أمره يدعهن ليريه عجيب قدرته وشواهد حكمته ما يزداد به معرفة في دينه ويثبت عنده علم ما سال عنه مزأية ربه فاراه الله ذلك فازداد به بصيرة وإيقانا ومعرفة وتبيانا.

بسم الله الرحمن الرحيم

قال أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل، سألت: إمام المسلمين في عصره يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه وعلى آبائه السلام عن قول الله تبارك وتعالي: ولقد فتنا سليمان والقينا علي كرسيه جسدا ثم أناب، فقال: معنى قوله: فتنا يقول: امتحنا وإنما كان ذلك من أجل ما سألته مليكة سبأ من طلبها حين طلبت منه قربانا تقربه على ما كانت تفعل وتعرف من قديم فعلها، فسألته صلى الله عليه أن يأذن لها في بقرة تقربها فلم يجبها، ثم سألته شاة فكره ذلك عليها.

(1/145)

________________________________________

ثم سألته: طائرا فأعلمها أن ذلك لا يحل لها فوقعت في صدرها جرادة، فقالت له: فهذه الجرادة إيذن لي فيها فتوهم فظن أنها مما لا إثم عليها فيه إذ كانت مما لا يقع عليه ذكاة فسكت عنها ولم يمنعها عن ذلك فقطعت رأس الجرادة وأضمرت أنها قربانا فلما خرج صلى الله عليه يريد أن يتطهر على جانب البحر نزع خاتمه من يده وكان لا يتطهر حتى ينزع الخاتم من يده، وهذا الواجب على كل متطهر إذا أراد أن يتطهر من جنابة أو غيرها لصلاته أن ينزع خاتمه أو يديره في أصبعه حتى يصل الماء إلى الشعر الذي يكون تحته وينقا من الدرن ما حوله، فلما نزع الخاتم من يده ومضا لطهوره خرج حوت من البحر فابتلع الخاتم وذهب في البحر فلما فرغ سليمان من طهوره نظر إلى الموضع الذي كان وضع فيه خاتمه فلم يقدر عليه فعلم أن ذلك لسبب قد أحدثه وأن الله سبحانه أراد بذلك فتنته فدعا الريح فلم تجبه، ثم دعا الطير فلم تجبه، ثم دعا الجن فلم تجبه، لما ذهب عنه الخاتم.

وإنما كان الخاتم سببا من الله قد جعله فيه، وبه كان يطاع فعلم سليمان أن العقوبة قد وقعت به. ووثب العفريت الملعون على سريره عند ذلك، وهو ملكه وكان يتكلم على شبه كلام سليمان عليه السلام وهو من وراء حجاب لا يظهر ولا يرى له شخص ودعا فلم يجبه إلا الإنس ومضى سليمان باكيا نادما على فعله وجعل يتبع الصيادين على سواحل البحر يخدمهم ويعينهم وهم لا يعرفونه ولا يعلمون أنه سليمان، فأقام على ذلك وقتا اختلف فيه الرواة، فقال بعضهم: أقام أربعين يوما، وقال آخرون: بل مكث خمسين يوما.

(1/146)

________________________________________

وقال قوم: سبعين يوما، وهو أكثر ما قيل فيه فجعل يتبعهم ويعمل معهم ويعطونه في كل يوم حوتين فيبيع أحدهما فيشتري به خبزا ويشوي الآخر فيأكله فلما علم الله منه التوبة والرجوع والإنابة والخضوع أراد أن يرد عليه نعمته فانصرف ذلك اليوم ومعه الحوتان اللذان عمل بهما في يومه ذلك فشق بطن أحدهما على ما كان يفعل فإذا الخاتم قد خرج من بطن الحوت فعرفه عند ذلك فأخذه وشكر الله وحمده على ما أولاه.

ثم دعا الريح فأجابته وكان قد أبعد عن بلده فأمر الريح فاحتملته من ساعته إلى موضعه وهرب اللعين العفريت لما رآه، وقال بعض الرواة أنه قد كان حبسه ورد الله على نبيه ملكه ورجع إلى ما كان الله قد أعطاه فدعا الطير والجن والريح فأجابته ودامت نعمته.

قلت: فالجسد الذي ألقي على كرسيه هل كان جسما يظهر ويرى فقال: لا إنما كان الذي يظهر إليهم منه ما يسمعون من كلامه وكان مستترا عنهم فكانوا يظنون أنه سليمان وأنه إنما احتجب عنهم لسبب أمره الله به أو فعل فعله من نفسه ولو ظهر لهم لبان أمره عندهم ولكن تمكن منهم بالتمويه عليهم والمكر بهم.

18 / 47
ع
En
A+
A-