________________________________________

وسألت عن قول الله سبحانه: نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا، فهذا إخبار من الله سبحانه أنه خلق خلقه بلا عون من أحد في ذلك له وأنه هو التنفرد بخلقهم وإيجادهم وشد أسرهم فهو تقوية أسرهم وأسرهم فهو ثباتهم عقدهم وتركيبهم وعقبهم وتركيبهم على ما جعلهم عليه وقدرهم ومعنى قوله وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا، المعنى فيه إذا شئنا أهلكناهم وأبدناهم وأنشأنا خلقا غيرهم مثلهم تبديلا فهو جعلناه جعلا وآتينا بمثلهم بدلا منهم إقتدارا ونفاذ إراده، فهذا معنى تبديلا تأكيد لما ذكر من تبديل المبدل وأحداث ما يجب بدلا من الذاهب وهي كلمة للعرب تؤكد بها المعنى الذي تريده وتذكره تقول العرب كلمناه تكليما تؤكد الكلام وتقول ضربنا ضربا تؤكد بها الضرب وأخرجناه إخراجا بقولها إخراجا وكذلك أدخلناه إدخالا تؤكد الإدخال بقولها إدخالا، وتقول بدلنا تبديلا تؤكد معنى التبديل بقولها تبديلا فعلى هذا يخرج ما عنه سألت من قول الله سبحانه: وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا.

وسألت عن قوله سبحانه: ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لايسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون، فمعنى قوله: ذرأنا، هو أنشأنا وجعلنا وهو الذرؤ الآخر والنشأة الآخرة في يوم القيامة عند خروج الناس من قبورهم فيساق أهل كل دار إلى دارهم من عمل في الدنيا خيرا أحشر إلى الجنة وذرئ لها ومن عمل في الدنيا شرا حشر إلى النار وأنشئ لها وإليها جزاء على عمله وإعطاء لما أسلف من فعله.

(1/128)

________________________________________

وأما ما ذكر الله من القلوب والأعين والأذان فإنه أخبر بذلك أنهم كانوا لا ينتفعون بها في الدنيا كانوا لا يميزون بقلوبهم ما أمروا بتمييزه ولا يعتبرون بما يرونه من أثر صنعة الله لغيرهم ولا يقبلون عن الله ما يسمعونه بآذانهم فهم في قلة القبول والإقتداء وترك الإنتفاع بما يسمع ويرى كالأنعام بل هم أضل من الأنعام لأن معهم من التمييز ما ليس معها ثم هي في الإعراض وقلة الإنتفاع كهم سواء فهم بذلك وشبهه أشر منها وأردا أفك عن الحقيقة وأبلا فنعوذ بالله من الحيرة والعمى والهلكة بابتاع الهوا كذا.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا، قال أبو القاسم الإمام المرتضى لدين الله مخمد بن يحيى سألت أبي الهادي إلى الحق صلوات الله عليهما ورحمته عن قول الله وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم، فقال يعني سبحانه أنه أخذ على آدم صلى الله عليه وآله وعلى ذريته العهد لما ذكر عن المعرفة والإقرار بربوبيته والتوحيد له والقول بالحق فيه وألزمه وإياهم الإقرار بذلك فكان ذلك عهد أخذه من بني آدم في عصره وذريته عقداً باقيا وفرضا عل ذريته لازما لهم إلى يوم الدين وحشر العالمين فلما أن كان سبحانه قد أخذ العهد على آدم بذلك وجعله فرضا ثابتاً على ذريته لا يتغير حاله ولا يزول فرضه وإيجابه له على الخلائق أبدا وكان ذلك عهدا عقده الله غز وجل على آدم وذريته إلى يوم الدين جاز أن يقول أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم ومعنى من ظهورهم يقول من نسولهم وعقبهم نسلا فنسلا وعقبا بعد عقب.

(1/129)

________________________________________

وأما قوله وأشهدهم على أنفسهم فهو بما جعل وركب من العقول لهم فكانت تشهد لمن أنصفها بأمر الصنع فيها لخالقها وتدل بذلك على الله صاحبها، فهذا معنى قوله سبحانه: وأشهدهم على أنفسهم وقد يكون الإشهاد يخرج على معنى الشهادة منهم على أنفسهم والإقرار بما أخذ سبحانه من العهود عليهم وكل ذلك حسن معناه جائز لمن إحتذاه فافهم هديت ما عنه سألت نسأل الله لنا ولكم التوفيق والتسديد.

وسألته عن قول الله سبحانه: أنزل من السماء ماء، فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما توقدون عليه في النار إلى قوله للذين استجابوا لربهم الحسنى، فقال هذا مثل ضربه الله للحق والباطل فجعل الباطل كزبد السيل يذهب فلا يبقى وجعل الحق كالذي يبقا مما يوقدون مما يحمل السيل من الحطب ويأتي به من عيدان الأشجار التي ينتفع بها وتوقدونه في تسوية الحلية وغيرها، ومعنى قوله قدرها فهو على قدرها وما تحتمل من الماء وما يسعها منه، ومعنى قوله: زبدا رابيا فهو زبدا منتفخا مجتمعا متكاثفا وكذلك تسمى العرب كل منتفخ مجتمعا متكاثفا رابيا.

وسألت عن قول الله سبحانه: فأرسلنا عليهم سيل العرم، إلى قوله: لكل صبار شكور، فقال هما جنتا مارب كانتا كما ذكرهما الله فكفر أهلها أنعمة فأذهبهما وأبدلهم مكانها ما ذكر من هذا الخمط والأثل والسدر والخمط فهو ألفاف الشجر والشوك والأثل فهو هذا الأثل المعروف الذي يسمى الطرفى والسدر فمعروف يسمه أهل اليمن علوبا، وسيل العرم فهو السيل الغالب الشديد الكثير أرسله على الجنتين فقلعهما واحتمل حجارتهما وإنما سمي العرم لأنه اشتق له من العرامة والعرامة فهي الصعوبة في الشيء والإتعاب لما داناه فلما أنغب السيل ما داناه شبهه بذلك فقيل سيل العرم لشدة بأسه ونعت ما يلقا منه الشجر وغيره.

(1/130)

________________________________________

والقرا التي بورك فيها فهي قرا الشام بيت المقدس وقد كان منهم ما ذكر الله سبحانه من سؤالهم وطلبتهم البعد ما بينهم فصاروا يطلبون المرافق التي كانت حاضرة في جنتهم على البعد منهم، والقرا الظاهرة التي بينهم وبين الأرض المباركة وهي هذه القرا المباركة والمناهل والمدن التي بينهم وبين الشام وتمزيقه لهم فهو ما كان من خروج أهلها بعد خرابها إلى آفاق البلاد وقد قيل أن بقيتهم اليوم بجبلي طي وتلك النواحي.

وسألت عن قول الله سبحانه: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة، فقال إتيان الملائكة فهو حضورها لقبض أرواحهم عند الموت، ومعنى قوله: أو يأتي ربك، فهو يأتي حكم ربك عليهم بذلك، ومعنى قوله: أو يأتي بعض آيات ربك، يقول يأتيهم بعض آيات الله وغِيَرِه وانتقامه لأهل معصيته والآيات فكثيرة منها الجوع ومنها العطش ومنها ذهاب الأموال ومنها نزول بعض نقمه عليهم من هلكة أو غيرها ومنها تسليط بعضهم على بعض وذلك قوله سبحانه: وكذلك نولي بعض الظلمين بعضا بما كانوا يكسبون، وما أشبه ذلك من آيات الله ونقمه وفعاله بمن إجترا عليه من خلقه.

وسألته عن قول الله سبحانه: ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون، فقال معنى قوله: آتينا موسى الكتاب تماما، يقول آتيناه التوراة تماما لإحساننا إليه الأول من إرسالنا له إلى فرعون وملائه بالآيات والدلائل والعلامات فأخبر سبحانه أنه قد أتم له كل إحسان كان منه إليه بما أعطاه من الكتاب،ومعنى على الذي أحسن فهو تماما للذي أحسنا به أولا فقامت (على) مقام (اللام) إذ هي من أخواتها من حروف الصفات، ومعنى تفصيلا فهو تبيانا لكل شيء افترضه عليهم فأخبر أن الكتاب الذي آتاه موسى صلى الله عليه وهو التوراة تبين كل شيء افترضه على أهلها مما أمرهم به ونهاهم عنه.

(1/131)

________________________________________

وسألته عن قول الله سبحانه: يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول، فقال الأنفال فهي الغنائم التي نفلها الله المسلمين وجعلها لهم وأطلقها ولم يكن أطلقها لأحد قبل محمد صلى الله عليه وآله فأخبرهم الله أنه لا يجوز لهم فيها هبة ولا قبض ولا انبساط وأعلمهم أن الحكم فيها إلى الله ورسوله فحكم الله عز وجل فيها ورسوله بما قد علمته من خمسها وقسم الأربعة الأخماس على ما حضرها من الرجال والفرسان على الأسهم المعروفة للراجل سهم وللفارس سهمان.

وسألته عن قول الله سبحانه: وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوأى لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة، فقال أمرهما أن يتبوأى لقومهما بمصربيوتا وهي القرا والأمصار ومعنى قوله بمصر أي لمصر من الأمصار فقد قيل أنها مصر هذه المعروفة، ومعنى قبلة فقد قيل أنها مواجهة أبوابها للقبلة وقد قيل إن معنى اجعلوا بيوتكم قبله أي اجعلوا جميع قراكم أهل ملة ودعوة وصلاة إلى بيت المقدس وصله والمعنى الآخر أحبهما إلي وأحسنهما عندي.

وسألته عن قول الله سبحانه: ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون، فقال معنى قوله: لأسمعهم فهو لوفقهم ولسددهم فهداهم وأرشدهم إلى صواب ما يسمعون وإليه من الحق يدعون ولكن لم يعلمهم ممن يريد الحق ولا يصدق فيستاهل منه ما ذكر من الأسماع الذي هو الهداية والتوفيق والتسديد بل علم أنه لو فعل ذلك بهم ما قبلوه ولتركوه وتولوا عنه وهم معرضون عن قبوله وعن الإقرار به.

(1/132)

________________________________________

وسألته عن قوله سبحانه: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته، فقال الطائفتان فهم عسكر قريش الذي لقي النبي صلى الله عليه وآله ببدر والطائفة الأخرى فهي العير التي أقبلت من الشام إلى مكة لحمل الطعام فلما أن وعدهم الله أن يظفرهم بإحديهما أحب المسلمون وودواأن تكون طائفة العير والطعام الذي ليس فيها إلا الحمّالين الذين لا يحاربون ولا يدافعون عنها ولا شوكة فيها وأشفقوا من طائفة العسكر والجيش الذي فيه السلاح والخيل والقتال فأحبوا أن يلقو غيرهذه الطائفة فتكون أهون عليهم في المعاناة وأسلم لهم وكان الله يريد غير ذلك من إذلال العسكر ومن فيه وقتل أعداء نبيه وإظهار النصرة على عدوه وإحقاق الحق وإبطال الباطل.

وسألته عن قول الله سبحانه: ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها، فكان أمرهم أن يدخلوا من أبواب معروفة ونهاهم أن يدخلوا من باب معا لأنه خشي عليهم عند إجتماعهم العين لما كانوا عليه من الهيئه والجمال والكثرة والكمال فأخبر الله تبارك وتعالى أنه لولا دفاعه عنهم لم ينفعهم ما أوصاهم به وأخبر تبارك وتعالى أن يعقوب صلى الله عليه كان عالما بأن ذلك الذي أمرهم به لا يغني عنهم شيئا إلا بمدافعة الله عنهم وإحسانه إليه فيهم غير أنها حاجة في نفسه قضاها يريد سببا كان في نفسه أن يلقيه إليهم فألقاه إحتياطا وشفقة وعالم أنه لا ينفعهم إلا بالله سبحانه ولا يدفع عنهم ما كره إلا بدفعه عز ذكره.

(1/133)

________________________________________

وسألته عن قول الله سبحانه: قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين به سامرا تهجرون، فقال معنى قوله تنكصون ترجعون وتدبرون عن قبول الحق ومعنى سامراً تهجرون فهو ليلاً لأن السمر هو حديث الليل يقول كنتم تسمرون بالكذب ودفع الحق وتهجرون فهو تهذون وتكلمون بما لاتعقلون وسألته عن قول الله سبحانه وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيثاً أو من وراء حجاب أويرسل رسولا إلى قوله: وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم، فقال الوحي الذي ذكر الله هاهنا فهو وحي النوم كما أوحى إلى أم موسى عليه السلام فيما أمرها به من إرضاعه فإذا خافت عليه القتل ألقته في اليم ومثل وحيه إلى إبراهيم في المنام أن يذبح إبنه إسماعيل صلى الله عليهما أو من وراء حجاب يخلق صوتا يسمعه السامع كما كان فعله في موسى خلق له صوتاً في الشجرة فسمعه موسى.

والحجاب فمعناه أن يأتي الصوت ولا يرى له مصوتا فهذا الحجاب الذي بين الصوت وبين السامع، أو يرسل رسولا معناه الملك الذي كان يأتي إلى الأنبياء بوحي الله وهو جبريل صلى الله عليه، ومعنى قوله روحا من أمرنا فهو أمر يحي به العباد، ومعنى حياتهم به فهو إيمانهم به لأن من آمن فقد حي ومن كفر فقد مات وفي ذلك مايقول الله سبحانه: أفمن كان ميتا فأحييناه، ومعنى من أمرنا فهو قبلنا وعندنا.

(1/134)

________________________________________

وسألت عن قول الله سبحانه: ولما ضرب بن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون إلى قوله: هذا صراط مستقيم، فقال روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لعلي عليه السلام ذات يوم يا علي لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في المسيح عليه السلام لقلت فيك مقالا لا تمر بملأ إلا أخذوا من أثرك التراب يبغون به البركة غير أنك يكفيك أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فقال المنافقون لما أن سمعوا ذلك ما رضي محمد أن يضرب لابن عمه مثلا إلا عيسى بن مريم ثم قالوا: والله لآلهتنا التي كنا نعبدها خير منه يعنون عليا فأنزل الله ما أنزل فيهم وهم الحارث بنجلزة وأصحابه من المنافقين.

ثم أخبر الله سبحانه بأنهم إنما ذكروا جدلا وطلبا للتعنت لا إعظاما لعيسى بن مريم صلى الله عليه، ثم أخبر أن عيسى بن مريم عبد من عباد الله أنعم الله عليه فكيف لا يضرب الله به المثل لأخوانه المؤمنين وأنه لعَلَمٌ للساعة يقول هبوطه إلى الأرض وظهوره دليل على قرب الساعة.

وسألته عن قول الله سبحانه: لقد رضي الله عن المؤمنين إلى قوله: وكان الله على كل شيء قديرا، و فقال الشحرة التي بايع المؤمنون رسول الله تحتها فهي شجرة بالحديبيه بايعوا تحتها رسول الله على الصبر والبلوى أو يدخلوا مكة وهم بالحرم وبجانب فخ فأنزل الله على نبيه: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله، فلما طلبوا السلم أجابهم رسول الله إلى ذلك وكتب الكتاب بينه وبين سهيل بن عمرو على الهدنة عشر سنين وعلى شروط شرطوها بينهم ونحر هدي عمرته في الموضع ورجع على أن يأتي في السنة الأخرى فيدخل مكة هو وأصحابه ويقيمون بها ثلاثا ويخرجون.

(1/135)

________________________________________

وكذلك فعل رسول الله عليه السلام وآله من السنة المقبلة وتم لهم على الهدنة حتى نقضوا، ومعنى قوله: فعلم ما في قلوبهم يقول علم ما في قلوبهم، من النية والصبر والإحتساب له سبحانه فأثابهم فتحا قريبا يقول أعطاهم ورزقهم فتحا قريبا وهو فتح خيبر ومغانمها الكثيرة التي أخذوا منها من النخيل والأثاث والذهب والفضة والتي لم يقدروا عليها في ذلك الوقت ثم قدروا عليها من بعد فهي بلاد الروم والشامات وما والاها ثم افتتحوها في غزوة تبوك ثم افتتحوها من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله لنبيه.

وسألته عن قول الله سبحانه: إقتربت الساعة وانشق فقال هذا إخبار من الله سبحانه وتعالى لبنيه بقرب الساعة ودنوها أنه لم يبق من الدنيا إلا يسير وقوله إنشق القمر يقول إقتربت الساعة واقترب إنشقاق القمر وانشقاقه فهو في يوم الدين وفي وقت تبديل السماوات والأرضين وسئلته عن قوله سبحانه الشمس والقمر بحسبان، فقال معنى الحسبان فهو بحساب وعدد ومعنى بحساب وعدد فهو للحساب والعدد يقول سبحانه: خلقنا الشمس والقمر، وجعلناهما يعرف بهما وبسيرهما عدد الشهور والأيام والسنين والدهور والأزمان.

وسألته عن قول الله سبحانه: وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون، فقال معنى قوله سبحانه:وتجعلون رزقكم أنك تكذبون يقول: تجعلون شكرنا على ما رزقناكم تكذيبا منكم لقولنا وجحدانا لحقنا فقال سبحانه: لذلك إذ كان شكرهم له على نعمته التكذيب بآياته وهذا لا يكون شكرا للمنعم على نعمته إلا من المتعرض لحلول نقمه.

وسألته عن قول الله سبحانه: ولقدرءاه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى، فقال جبريل الذي رءاه محمد نزلة بعد نزلة في صورته التي خلقه الله فيها صورة الملائكة ولم يره صلى الله عليهما على صورة الملائكة الأمرتين مرة يوم أحد ومرة عند سدرة المنتهى حين أسري به وسدرة المنتهى فهي أعلا عليين في السماء السابعة.

(1/136)

________________________________________

وسألته عن قول الله سبحانه: سنفرغ لكم أيها الثقلان فبأي آلاء ربكما تكذبان فقال معنا سنفرغ لكم هو سنفرغ من إفناء مدة الأجل الذي جعلناه أجلالاء مهالكم وتأخيركم فإذا أفنينا هذه المدة وفرعنا منها أتى كلاً ما قد أوعدناه عند فناء مدته وقضاء مهلته وإمهاله من موت أو حلول نقم فهذا معنى سنفرغ لكم والثقلان فهما الجن والإنس وقد يكون المعنى الذي ذكر الله أنه يفرغ منه هو مدة الدنيا التي جعلها ووقتها ويكون عند فراغه منها وإفنائه لها ما يكون من الجزاء في يوم الدين جزاء المثابين وجزاء المعاقبين.

وسألته عن قول الله سبحانه: فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به فقال: معنى قوله فبما نقضهم ميثاقهم هو فبنقضهم ميثاقهم لعناهم إذ نقضوه وتركوه و(ما) هاهنا فإنما هي صلة للكلام لا أصل لها في هذا الموضع والعرب تزيد (ما) و(لا) في كلامها وهي لا تريدهما ولا أصل لهما في الكلام وهذا كثيرفي لغة العرب موجود.

وسألته عن قول الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام، فقال هذا نهي من الله سبحانه للمؤمنين أن يحلوا شيئا مما حرم الله من هذه الأشياء والشعائر فهي الإبل التي تشعر عند الإحرام وإشعارها فهو شق اسنمتها والهدي فهو ما آهداء المحرمون إلى مكة والقلائد فهي الإبل أيضا المقلدة التي يقلدها الحاج بعد إخرامهم، ولا آمين البيت الحرام فهو القاصدون له المتوجهون نحوه من حاج كان أو معتمر فنهى الله تبارك وتعالى عن إباحة ما ذكر والشهر الحرام فهو الشهر الحرام الذي حرم الله فيه عليهم القتال.

(1/137)

________________________________________

ومعنى الشهر الحرام فهو الأشهر الحرم فقال: الشهر الحرام وهو يريد الشهور كما قال ياأيها الإنسان ما غرك بربك وهو يريد الناس والأشهر الحرم التي نهوا عن الإحداث فيها فهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب وهن اللواتي ذكر الله تبارك وتعالى حين يقول منها أربعة حرم وهذا كان من قبل ظهور محمد عليه السلام وحق هذه الشهور فواجب إلى يوم القيامة ولكل محق أن يقاتل فيهن على الحق وبالحق وإنما منعوا من القتال فيهن إذا كان قتال فتنة وعصبية وباطل يأمروا بإحلال هذه الأشهر عن المكافأة بباطل على باطل.

17 / 47
ع
En
A+
A-