بسم الله الرحمن الرحيم

سألت: أرشدك الله عن قول الله سبحانه: فأتوهن من حيث أمركم الله، فقلت: أي موضع أمر أن يؤتين فيه وهو أعانك الله لأقبالهن لا أدبارهن لأن الله سبحانه يقول: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم والحرث الذي أمر الله عزوجل بإتيانه فهو حيث يكون النسل والمزدرع.

(1/93)

________________________________________

ألا تسمع كيف يقول الله الواحد العلي الأعلى: فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله فدل بقوله من حيث أمركم الله على أن فيهن موضعا عنه نهاكم ولو لم يكن فيهن موضع نهى عنه المأمورون لما جاز أن يقول: من حيث أمركم الله إذ هن في ذلك مطلقات ففي ذلك دلالة شافية مبينة لما قلنا به، والحمد لله كافية مع ما جاء عن الرسول في ذلك من الأحاديث المكررة المذكورة في النهي عن الأدبار المشددة من ذلك قوله صلى الله عليه وعلى آله: ؛إتيان النساء في أعجازهن كفر«.

وسألت: عن الأشهر المعلومات وعن الأيام المعلومات فأما الأشهر المعلومات فهي أشهر الحج المفهومات وهن شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، فأما الأيام المعدودات فهي أيام التشريق يوم أحد عشر ويم اثني عشر ويوم ثلاثة عشر من ذي الحجة فهذي الأيام المعدودات وسألت: عن قول الله سبحانه: وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ما كان أخذ الميثاق ومتى كان، وأخذ الله سبحانه لميثاق أهل الكتاب فهو بلا شك ولا ارتياب ما أخذ الله منهم على لسان موسى وعيسى صلى الله عليهما من التصديق بمحمد صلى الله عليه وعلى آله والإيمان به والإقرار بما ينزل عليه من وحيه والنصر له صلى الله عليه وآله، والقيام معه.

وسألت: عن السارق متى يجب عليه القطع، فقد قيل في ربع دينار أو قيمته وقيل في عشرة دراهم أو قيمتها، وقيل: إن قيمة المجن الذي قطع فيه الرسول صلى الله عليه كان ربعا، وقيل: قيمته كانت عشرة دراهم ونختار في ذلك عشرة دراهم قفله، وذلك فأصح ما ذكر عندنا فيه من الأخبار.

(1/94)

________________________________________

وسألت: عن قول الله سبحانه إنما يستجيب الذين يسمعون فقلت ما معنا دعا من لا يسمع المعنا في يسمعون هو يطيعون ويقبلون ما يأتيهم به من ربهم فيستبصرون بنور الله ويهتدون لا أنهم صم لا يسمعون. ألا ترى كيف تقول العرب لمن كان منها ذا عصيان، ألا تسمع يا هذا، قول فلان فإنه ناصح شفيق، حريص عليك رفيق مؤيد تقبل قوله وتصير إليه لا تخالفن بعملك عليه.

وسألت: عن قول الله سبحانه: وإذ قالت أمة منهم لم تعطون قوما الله مهلكهم، فقلت: هل دخلت هذه الأمة القائلة لم تعظون قوما في الهلكة أم هي من الهلكة ناجية، وكيف تدخل في العذاب والنقم وهي منكرة على أهل العصيان من الأمم.

وسألت: عن قول الله سبحانه: ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى، ثم قال: بل لله الأمر جميعا، فقلت: ما معنا هذا وهو لا يجري في نظمه فأما قول ذي الجلال ولو أن قرآنا سيرت به الجبال فإنما يريد لو أنا جعلنا قرآنا تسير به الجبال المرسية أو تقطع به الأرض المدحية أو تنطق به الجثث الفانية والمتمزقة في الأجداث البالية لكان هذا القرآن الذي نزله الرحمن على محمد المصطفى وأمينه المرتضي فطرح سبحانه لكان هذا القرآن لعلمه بفهم المخاطبين بما نزل في القرآن المبين إذا كان في لغة العرب الذي نزلعليها وجعل وحيا باقياً أبدا فيها وشأن العرب أبدا الإختصار فيما تنصه وتذكره من الأخبار.

ومثل هذا وشبهه فموجود في كتاب الله ووحيه من ذلك قوله: وأشربوا في قلوبهم العجل، فقال: العجل والعجل والقلوب لا تشربه وإنما أراد سبحانه إجلاله وحبه أراد وأشربوا في قلوبهم حب العجل فطرح للاختصار وعلم المخاطب الحب وأثبت العجل، وقال في ذلك الشاعر:

ألا اتقي سقيت أسود حالكا... ألا بجلي من الشراب الأبجلي

...

(1/95)

________________________________________

فقال: سقيت أسود حالكا والأسود لا يشرب وإنما أراد سقيت سم أسود حالكا، وهذا فكثير في اللسان موجود في اللغة والبيان، وفي غير ذلك ما نزل الله من القرآن وعلى ذلك مخرج قول الله أو كلم به الموتى ثم ابتدأ فأخبر أن له الأمر جميعا في كل الأشياء إظهارا منه لقدرته واحتجاجا على بريته وتثبيتا فيهم لحجته.

وسألت: عن قول الله سبحانه: ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ) ولو لا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم ثم قال: إن الذين، فقلت: ليس هذا جواب لولا إنما جوابها لكان، ولقد فكيف العمل في هذا المعنى فهذا رحمك الله المعنى فيه كالمعنى في قوله ولو أن قرآناً سيرت به الجبال سواء سواء أراد سبحانه لولا فضله ورحمته لكان له ولرسوله في ذلك حكم سواء ما حكم به السان من الأحكام التي تكزن نكالاً لمن كان كذلك منكم، ولكن بفضله ورحمته عفى عنكم وتفضل بالستر عليكم.

وسألت: عن قول الله سبحانه: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء فقلت: ما القرؤ ومتى أول الثلاثة ومتى آخرها فالقروء هو المحيض والدم نفسه لا شيء في المعنى غيره وإنما سمى قرؤا لما تقري المرأة في حرقها منه وتجمع وكل ما جمع فاجتمع فقد قرى فيما يجتمع فيه من خرق أو كرسف أو إناء أو حوض أو غير ذلك من الأوعية والأشياء.

ألا ترى أن العرب تقول للمسافر إقر في الحوض ولا تني تريد إجمع الماء ولا تهرقه واقره في حوضه ولا تفرقه واما أول الاءقرا الماموربها لمن طلق بها على العدة من النساء فأول دم نزل من بعد ذلك الطهر الذي طلقها فيه وعلى وجهه فعلها فأما من طلق منهن حايضا فإنها لا تعتد بتلك الحيضه في الإقراء ويبتدي من بعد ما يأتي بعد تلك من أقرائها حتى تأتي على ما ذكر من عدتها وهو عند كمال الثالثة من حيضها واغتساها بالماء وطهرها ثم هي من بعد ذلك أولى بنفسها.

(1/96)

________________________________________

وسألت عن قول الله عز وجل وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا، فقوله وإذا أردنا أن نهلك فهو إخبار منه أنه لا يريد إهلاك قرية إلا من بعد العصيان منها له والمخالفة لأمره، وقوله أمرنا مترفيها ففسقوا، يقول أمرناهم بالطاعة فأتوا بالفسق والمعصية، فحق عليها القول منا وهو الحكم منه بمواقعه الوعيد لهم ووقوع العذاب عليهم، فدمرناها تدميرا يريد أهلها لأجٌدُرَّها وأبنيتها.

وسألت عن المحيض كم أكثر ما يكون وأقله، فأكثره عندنا عشرة أيام لا غيرها ولا يحل لهن أن يتركن الصلاة أكثر منها وأقله فثلاثة أيام عند أهل العلم والتمام.

وسألت عن قول الله سبحانه فيما حكى عن المؤمنين من عبيده القائلين: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، فقلت: كيف يزيغ قلب من هداه الله وكيف جاز لهم أن يظنوه بالله سبحانه فهذا دعاء منهم بالتثبيت لهم بالمعونة والتوفيق والتسديد والإرشاد يقولون ربنا زدنا هداً إلى هدانا ومعونة إلى قوتنا ولا تتركنا من رحمتك فنهلك وتزيغ قلوبنا بعد ما نحن عليه من اجتهادنا في طاعتك وإتباعنا لمرضاتك لا أنهم يتوهمون على ربهم أو يظنون بخالقهم ظلما لهم أو إزاغة عن رشدهم أو إدخالا لهم في تقصير أن كان منهم.

وسألت: عن قول الله سبحانه: أن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ومعناها أن تسمع بآياتنا عندما نلقى في آذانهم من وحينا وتتلوا عليهم من وعدنا ووعيدنا إلا من يؤمن بها ويصدق بما يتلو من وحيها من المسلمين فأما من ضل عن الحق والهدى وجنب عن الصدق، واتبع الهوى أو كان بذلك كافرا وفي دين الله فاجر ا، فلا يستمع ما نأمره وننهاه عنه، والسمع هاهنا فهو الطاعة والقبول لما جاء به عن الرسول ومن الحجة على أن السمع هو الطاعة ما يقول الله سبحانه: ولو أنهم قالوا: سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا.

(1/97)

________________________________________

وسألت: عن من فعل مثل فعل الثلاثة الذين خلفوا هل يجوز أن يفعل فيهم مثل ما فعل الرسول صلى الله عليه وعلى آله من المنع لهم من أهلهم والنهي عن معاشرتهم فاعلم هداك الله وأعانك أن ذلك كان فعلا من الرسول صلى الله عليه وعلى آله فعله بهم لما أراد من توبه الله عليهم وشاء من صفحه عنهم، فأحب صلى الله عليه وعلى آله إذ صدقوه ولم يكذبوه أن يفعل ذلك بهم استدعاء لرحمة الله لهم وحسن جزائه على صدقهم وإن ذلك لا يجوز لأحد من العباد أن يفعله لمن تخلف عن الجهاد ولكن له أن يفعل بهم غير ذلك من الآخزاء والفضيحة والإبعاد وطرح شهادتهم وإزالة عدالتهم عند حكام المؤمنين.

وسألت: عن قول الله سبحانه: من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون، وقلت: فإن قال قائل من المجبرة فإذا كان هو الموفى ذلك إليهم أليس ذلك فعله بهم فما المعنى في ذلك، ثم قال: أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون.

وكذلك الله الصادق في قوله العادل في فعله يفعل لمن أراد الحياة الدنيا ولهي عن الآخرة التي تبقى فإنه يوفى إليه عمله ومعنى يوفي إليهم أعمالهم فيها هو موفي إليهم في الآخرة جزاء أعمالهم وما حكمنا به من العقاب على من فعل مثل أفعالهم. وقوله: وهم فيها لا يبخسون يريد وهم لا يظلمون.

وأما معنى قوله: أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها، وباطل ما كانوا يعملون فهم الأولون من المذكورين بالميل إلى الدنيا وزينتها والرضا بما فيها من زخرفها دون ما هو خير منها فأخبر الله سبحانه أنه لا نصيب لهم في الآخرة إذ لم يعملوا لها بعملها وينصبوا في طلبها إلا النار التي خلقت مقرا ودار آ للعاصين ومحلا لهم وموئلا في يوم الدين.

(1/98)

________________________________________

وقوله: حبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون هو إخبار من الله جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله إنما كانوا يعملون في الدنيا حابط والحابط الباطل الذي لا منفعة له ولا حاصل فأخبر سبحانه أن أعمالهم حابطة إذ لم ينفعهم منها في الآخرة نافعة كما نفع المؤمنين على ما عملوا وأحلهم دار الخلد بما صنعوا وليس بحمد الله للمشبهين ولا للمجبرين في هذا حجة على رب العالمين.

وسألت: عن قول الله سبحانه: وما تغيض الأرحام وما تزداد فغيضها هو ما ينقص منها مما هو فيها من الأولاد دون غيرها وزيادتها فهو ما يحدث فيها ومنها.

وسألت: عن قوله إلا اللمم واللمم فهو الخطرة والنظرة وما جاء عن غير محمد ولا مباينة بعصيان لخالقه الواحد ذي السلطان.

وسألت: عن قول الله سبحانه: ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا فلا تعجل عليهم إنما تعد لهم عدا، فقلت: ما الحجة في ذلك عليهم ولم يعذبهم إذ كان هو المرسل لهم، فمعنى الإرسال من أرحم الراحمين لمن ذكر أنه أرسله من الشياطين هو التخلية من الشياطين والكفرة الفاسقين، وترك الحول بينهم وبينهم لأن الله لا يوقع الخذلان بأحد ممن عصاه من الإنسان إلا من بعد تركه للطاعة والتقوى والإيمان، ومن رفع عنه التوفيق والإحسان وقع عليه ولزمه الخذلان فأزته الشياطين ومن كان الشيطان له قرينا فساء قرينا، وإلأ زمن الشيطان فهو الإغواء والوسوسة للكافرين والتدلية لهم فيما يكون به عذابهم يوم الدين، فهذا معنا إرسال الله للشياطين لا ما يتوهم عليه من ضعف من الجاهلين.

وسألت: عن قوله الله سبحانه وتعالى عن كل شأن شأنه ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون، وذلك إخبار من الله عزوجل لنبيه بأن لهم أعمالا من الفسق والغي والباطل والعنود عن الحق وغير ذلك مما كانوا يعملون، وفيه دهرهم يتكمهون وبها عما يدعوهم إليه من الحق مشتغلون وبدون ما أدبهم به مؤتمرون.

(1/99)

________________________________________

وسألت: عن قول الله سبحانه: فأحبط الله أعمالهم. وهذه المسألة قد أجاب فيها أبو الحسين بما أجابك به من المسائل وليس يحتاج في ذلك إلى تكرار قول أحد.

وسألت: عن قول الله سبحانه: وكان أمر الله قدرا مقدور ا، وقد أجابك أبو الحسين فيما سألت من القدر في هذا وغيره بما فيه كفاية وشفا والحمد لله العلي الأعلى.

وسألت: عن قول الله سبحانه: ولو تواعدتم لأختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا، فقلت: ما هذا الأمر الذي يقضيه الله وما قضاؤه وهذا فإخبار من الله للمؤمنين بما وفق لهم من المعونة والنصر ومن به في ذلك عليهم من الظفر، والأمر المقضي فهو النصر من الله للمؤمنين على من ناصبهم من الكافرين.

وقوله: كان مفعولا يريد كان لله حكما وفعلا مفعولا في قديم الدهر وحديثه، وقيل: إيجاد يوم بدر وتكوينه لأن الله لم يزل مذ خلق الدنيا حاكما بالنصر منه لأهل القتوى فمن اتقاه ونصره أعانه وأيده ونصره، وذلك قوله: ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز، وقوله: إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم. وقلت: ما قضاؤه له فهو إيجاده له وفعله.

وسألت: عن قول الله سبحانه: الرحمن ) علم القرآن إلى قوله: والحب ذو العصف والريحان، وعن قوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان، فقلت: لم يذكر في أول هذه السورة اثنين فمن هاذان، فقوله: الرحمن، فهو ذو الرحمة والإحسان علم القرآن، فقد يكون تعليمه له هو تنزيله والحض على قراءته وتعليمه بما جعل في ذلك من الثواب لمن كان له من القارئين، وبه في الليل من المتهجدين، وقد يكون معنى ذلك هو الدلالة منه سبحانه على تأويله والتسديد والتوفيق لعلم غامض سننه والمن بذلك على عباده المؤمنين والإحسان به إلى أوليائه الشاكرين.

(1/100)

________________________________________

فأما قوله: خلق الإنسان علمه البيان فخلقه إيجاده له وتعليمه إياه البيان فهو تركيبة فيه ما به يميز بين السواية والإحسان ويفرق به بين الخير والشر، وينقلب به فيما يحتاج إليه من الأمر وينال به الطاعات وينحرف به عن المهلكات من المعقول المفطور عليه المركب بفضل الله فيه، ومن البيان ما جعله فيه من استطاعة القول والكلام باللسان وما ينال به من المحاجة لمن حاجه من الإنسان.

13 / 47
ع
En
A+
A-