وسألته: متى يلزمني فرضه، فقال: إذا عرفته فقد لزمك فرضه فقلت: الإمام يعرف الناس بنفسه، قال: يعرف الناس بنفسه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والواجب على الناس أن يطلبوه في معدنه، قلت: فأين معدنه، قال: آل الرسول صلى الله عليه وعلى آله يكون أزهدهم وأعلمهم وأورعهم ويبين نفسه بالدعوة إلى الحق.
(1/68)
________________________________________
وسألته: عن الأرض هل تخلو من قائم لله بحجة، فقال: لا تخلوا من قائم لله بحجة، وذلك بعد النبي صلى الله عليه إذا كانت النبوة ختمت به.
وقال أبو عبدالله محمد بن القاسم كان أبي رضي الله عنه يقول في هذه المسألة إن الأرض لا تخلوا من حجة لله، والحجة عنده كتب الله وحقائق برهانه، وهذه حجة الله على جميع خلقه وأنه لابد أيضا في كل قرن من أن يكون فيهم عالم هو أفضلهم وأعلمهم وإن لم يبلغ علم من مضا قبله فهو في أيامه ودهره في فهمه وعلمه وإن قصر مبلغ أفاضل العلماء من آل النبي الذين مضوا في ما تقدم في أول الإسلام وخلا لأنه لا يقول أحد يعقل وينصف أن كان بعد علي عليه السلام من علماء آل النبي صلى الله عليه كان من العلم والفقه على مثل ما كان علي صلى الله عليه قد أحاط به وإياه كما لم يكن علي عليه السلام في فضل علمه يبلغ ما أتا الله النبي صلى الله عليه وعلى آله من فضائل الحكمة والعلم والفضل في جميع أحواله.
(1/69)
________________________________________
وأما ما كان يروى أن من مات لا إمام له مات ميتة جاهلية، فتفسيره واضح مشروح أن الله قد فرض على خلقه في كل حين إقامة أحكامه وشرائعه التي نزل في كتابه وسنن نبيه ولا يقيم ما فرض الله من الأحكام إلا أن يحكم بها الإمام فإن لم يكن إمام يقيمها ويحكم بها كان على الناس طلبه حتى يقيموه للأحكام وينفذها فإذا كانت دار الإسلام قد غلب عليها أئمة الجور لزم أهل الإسلام مجاهدتهم وإزالتهم حتى يقيموا إماما عدلا يؤمهم ويقيم أحكامهم عليهم وينفذ مقاسم الفي التي أمر الله بقسمها فيهم فإن كان الغالب عليهم الجورة من الأئمة الظلمة كان الفرض من الله فيهم المحاربة والمجاهدة فإنما الناس أبدا بين أمرين: إما أن يكون مع إمام حق يقوم بأحكام الله في الدين، فيكونوا مؤتمين بإمام حق ورشد في الدين، وإن كانوا في دولة الظالمين العاصين فيلزمهم أن يكونوا لهم مجاهدين محاربين فهم أيضا في هذه الحال مأمومين والناس في كل حين بين فريضتين من الله لازمتين فيما حكم الله به من أحكام الدين فرض طاعة إمام حق إن كان ظاهرا قائما أو فرض مجاهدة إمام جور إذا كان غالبا ظالما.
وسألته: من أين جاء فساد إمامين في عصر واحد، فقال: أما الإمامان فلا يخلوان من أن يكون أحدهما أفضل من الآخر فيكون المفضول بفضل الآخر عليه قد زالت إمامته ويلزمه تقديم الفاضل في الدين والعلم وطاعته، وذلك أن الله يقول في كتابه وفوق كل ذي علم عليم، وفي هذه المسألة جواب يكفي به من كان ذا لب شافي لأنه واضح مبين مفهوم كافي.
(1/70)
________________________________________
عن أبي إدريس عن أبي الجحاف قال: قال علي رضي الله عنه من مات ليس له إمام مات ميتة جاهلية إذا كان حرا تقيا. عن أبي جعفر أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله حين رجع من غزوة حنين وأنزلت عليه: إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا، يا علي ويا فاطمة قد جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبحان ربي وبحمده إنه كان توابا وإني لم أؤمر أن أسبح ربي وأستغفره إلا لما حضرني من لقا ربي رضي الله عنه.
ثم أنزلت على أثرها ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين، قال رسول الله صلى الله عليه يا علي ويا فاطمة إن الله قد فصل الفتنة على الذين يقولون إنا لنعلم الذين صدقوا في قولهم ويعلم الكاذبين في إيمانهم، فهذا وعد واقع واجب ثم أنزلت أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسقونا سآء ما يحكمون.
قال رسول الله صلى الله عليه: ؛ يا علي ويا فاطمة قد علم الرب أن أقوا ما من بعدي عند الفتنة سيعملون السيئات ويحسبون أنهم سابقون«، فقال علي رحمة الله عليه: فكيف يحسبون أنهم يسبقون يا رسول الله ومن ورائهم الموت فقال رسول الله صلى الله عليه يا علي إنهم لم يسبقوا قضى الله الذي قضى فيهم الموت، ثم أنزل من كان يرجوا لقاء الله، فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم محقين أن من رجا لقاء الله أن يستعد لأجل الله وكأ العبارة بحق أن أقول: إن من رجا لقاء الله أن يستعد لأجل الله، وأن يكون تايبا تابعا لطاعته مجتنبا لخلاف الله ومعصيته وأن يعلم أن الله يعلم ما يعمل ويسمع ما يقول، ولذلك قال الله سبحانه وهو السميع العليم.
(1/71)
________________________________________
ثم أنزل سبحانه من جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله قد قضى الله على عند المؤمنين الفتنة بعدي الجهاد، فقال علي: يا رسول الله على ما يجاهد الذين يقولون آمنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ؛يجاهدون على الإحداث في الدين«، فقال علي يا رسول الله: إنك تقول يجاهدونهم كأني سابقا بعدك إلى مجي الفتنة فأعوذ بالله والرسول أن أوخر بعدك فادع إلى ربك أن يتوفاني قبل ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه: ؛ما كنت حقيقا أن تأمرني أن أدع الله لك أن يقدم أجلك قبل ما أجل الله وقضاء«.
والله يقول سبحانه: وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا، فقال علي رضي الله عنه يا رسول الله فما هذه الأحداث التي نجاهدهم عليها، قال: ما خالف القرآن وخالف سنتي إذا عملوا في الدين بغير الدين وإنما الدين أمر الرب ونهيه، قال علي: يا رسول الله فإنك قلت لي يوم أحد إذا استشهد من المؤمنين من استشهد فأخرت على الشهادة فرأيت وجدي وأسفي أن الشهادة من ورائك، فقال رسول الله صي الله عليه فإن ذلك إن شاء الله كذلك وكيف ترى صبرك إذا خضبت هذه من هذا، وأهوا بيده إلى لحيته ورأسه.
(1/72)
________________________________________
فقال علي رضي الله عنه ليس ذلك يا رسول الله حينئذ من مواطن الصبر ولكنه من مواطن البشرى والشكر، فقال رسول الله صلى الله عليه: فأعدد قبل خصومتك فإنك مخاصم فقال علي عليه السلام: يا رسول الله إرشدني إلى الفكج عند الخصومة، فقال رسول الله صلى الله عليه آثر الهدى وأعطفه على الهوى من بعدي إذا عطف قومك الهوى على الهدى وآثروه واعطف القرآن على الراي إذا عطف قومك الرأي على القرآن وحرفوا الكلم عن مواضعه بالأهواء العارضة والآمال الطامحة والأفئدة الناكثة والغش المطوي والإفك الموذي والغفلة عن ذكر الموت والمعاد فلا يكون خصومك أولى بالقرآن منك فإن من الفلح في الدنيا أن يخالف خصمك سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وأن يخالف القرآن بعمله يقول الحق ويعمل بالباطل وعند ذلك يملا لهم ليزدادوا إثما ويضلوا ضلالا كثيرا.
وعند ذلك لايدين الناس بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يكون فيهم شهدآ لله بالحق وعند ذلك يتفاخرون بأموالهم وأنسابهم ويزكون أنفسهم ويتمنون رحمة ربهم ويستحلون الحرام والمعاصي بالشبهات والأسماء الكاذبة ويستحلون الربا بالبيع والخمر بالنبيذ والنجس بالزكاة والسحت بالهدية ويظهرون الباطل ويتعاونون على أمرهم ويزينون الجهلا ويفتنون العلماء من أولي الألباب ويتخذونهم سخريا، فقال علي يا رسول الله أبمنزلة ردة هم إذا فعلوا ذلك أو بمنزلة فتنة فقال رسول الله صلى الله عليه بل بمنزلة فتنة لو كانوا بمنزلة ردة أتاهم رسول من بعدي يدعوهم إلى الرجعة من بعد الردة ولكنها فتنة يستنقذهم الله منها إذا تأخرت آجال السعدا بأولياء من أولياء الله فيهديهم بهم، ويهتدى بهم حتى لا يكون فتنة ويكون الدين كله لله.
فقال علي عليه السلام من آل محمد الهداة أو من غيرهم فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله بل بنا يختم الله كما فتح بنا وبنا ينقذون من الفتنة كما بنا أنقذوا من الشرك بعد عداوة الشرك فصاروا إخوانا في دينهم.
(1/73)
________________________________________
عن من وطئ إمرأته في شهر رمضان ما عليه فقال: قد قيل نصف قوته سنة إلا أنه يلزمه حق الله في غلته أيخل له أخذ الزكاة والعشر إذا كان فيها دخل عليه من غلة أرضه أو يجب عليه بيع أرضه من الأصل كلها حتى لا يبقى له قليل ولا كثير، فقال: يحل له أخذ العشر والزكاة إذا احتاج إليها وإن كان له مال أو لم يكن له مال وليس له أن يبيع جميع ماله ويهلك نفسه.
وسألته: هل في الحيوان مثل البغال والحمير وغيرها من جميع الدواب شفعة قال: نعم في كل ذلك شفعة لأن الشريك أحق بذلك إذا أراد من غيره لما له فيها من الشركة فالواجب على من باع أن يعرض على شريكه إذا عزم بيعها.
وسئل: هل يجب للمرأة شرب الدواء لأن لا تلد ويسقى الرجل أمته لئلا تلد ويشرب الرجل ليقطع شهوته، فقال: لا يجوز لهم ذلك.
وسئل: عن من يقول بالتوحيد، والعدل وامرأته لا تقول به، فقال: ينبغي له أن يدعوا إمرأته جاهدا إلى التوحيد لله والإقرار بعدله وليست المعاندة في ذلك كالجاهلة لأن المعاندة إبآء وإلواء والجاهلة غلط وخطأ وقد يتوب المخطي من خطاياه ويقبل من المهتدين من الهدى ما هو عليه من رأيه والمعاند الذي لا يقبل ما يلقا إليه من الحق في توحيد الله ليس كالجاهل الذي يتوب من جهله، وينيب إلى الحق بعد ضلاله.
وسئل: عن رجل تزوج بمرأة وهما على غير ما ينبغي من الاستقامة من الجهل بمعرفة الله وغير ذلك مما لا يرضي الله، ثم تابا ورجعا أيجب عليهما تجديد النكاح أم لا، قال: هما على نكاحهما الأول ثابتان لأن النكاح إنما يثبت بالأولياء، ويصح، والدليل على ذلك الواضح أن رسول الله صلى الله عليه أقر جميع من أسلم من أصحابه وكل من دخل من العرب وغيرهم في دينه على نكاحهم الأول، ولم يأمر بأن يغير ولا يحدث ولا يعدل، وفي هذا ما كفى في ما سألت عنه وشفاء.
وسئل: عن من ركب كبائر العصيان أيزول عنه إسم الإيمان، فقال: من ركب كبائر العصيان زال عنه إسم الإيمان.
(1/74)
________________________________________
وسئل: عن رجل أوصى إليه رجل أن يحج عنه من مال الموصي فلم يفعل الرجل حتى جاء السلطان الجاير فأخذ المال منه فقال قد أثم هذا الرجل وظلم نفسه في ترك إنقاذ وصية الموصي حتى أخذها واعتصبها الظالم العاصي فأسلم له فيما بينه وبين ربه أن يبدلها من ماله إذا كان أبطلها بتوانيه وتغافله.
وسئل عن التهلكة، فقال: إن ذلك هو الاستسلام للعدو الظالم الذي لا يخاف الله في ارتكاب المظالم.
وسئل: عن رجل سعى برجل إلى سلطان جائر أن لفلان عليه كذا، وكذا درهما حتى أخذه السلطان ثار لما قال عليه الساعي، وكانت سعايته بزور وكذب وأخذه لما قال عليه السعاة ظلما وعدوانا فغصبه ماله، فقال السلطان الجائر: هالك بمثل هذا الظلم للمسلمين، وقبوله لقول شهود الزور وتلزم السعاة العقوبة الشديدة وأن لا يقبل لهم شهادة إلا أن يتوبوا وليس عليهم غير هذا.
وسئل: عن رجل حج حجة الإسلام وهو بمعرفة الله وتوحيده جاهل إلا أنه اعتقد أن يحج عن نفسه ما أوجب الله من فرضه، فقال: هذا هو مجزي عنه إن شاء الله وإن جددها بأخرى بعد المعرفة فهو أحوط له.
وسئل: عن مرأة مؤمنة خطبها رجل مؤمن وليس لها ولي، فقال: يزوجها أقرب من يليها من عشيرتها وإن لم يكن لها قرابة فيتولى عقد نكاحها رجل من المؤمنين، ويحضر الشهود لابد في النكاح والطلاق من الشهود لخوف المظلمة والجحود.
وسئل: عن الشيخ الكبير يطلب رجلا يحج عنه إذا كان لا يستطيع السبيل إلى الركوب لضعفه، فقال: لا بأس بذلك أن يطلب رجلا يحج عنه إذا كان لا يستطيع السبيل لضعفه عن السفر.
وسئل: عن إمرأة أسلمت مالها إلى بعض ولدها على أن يرزقها أيام حياتها ثم أنها هلكت في السنة الأخرى أو الثانية، فقال: المال لورثتها جميعا مع الابن الذي أفضت إليه.
(1/75)
________________________________________
وسئل: عن رجلين خرجا في طلب سلب الناس فسلب أحدهما رجلا فأعطى الشريك من السلب، فقال الذي سلب: ضامن غارم وهو الدافع إلى صاحبه السلب ولا يحل للمدفوع إليه أكل شيء مما أخذ ولا ينتفع به، وإن كان الشريكان تعاونا على الظلامة لزمهما جميعا الغرامة.
وسئل: عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله لا تحل الصدقة لغني ولا قوي ولا لذي مِرَّةٍٍ سويٍ، فقال: إعلم أن قوله ذي مٍرّة سَويٍ والمرة هاهنا القوة والسوي هو الصحيح الذي ليس به مرض ولا علة فتمنعه من اكتساب المعيشة والبلغة.
وسئل: عن رجل قتل إبنه، فقال: لا يقتل والد بولده ولا سيد بعبده إلا أن يكون قتله ظلما وفسادا في الأرض واعتدا فيفعل في ذلك إمام المسلمين ما يرى وأي ابن قتل أباه فعلى الإمام في ذلك النظر بما يراه.
وسئل: هل للأب أخذ مال إبنه وهو غني عنه لا يحتاج إليه، فقال: الأمر فيه ما جاء عن النبي صلى الله عليه من قوله: أنت ومالك لأبيك، وإنما الولد رحمك الله هو هبة وهبها الله للأب، قال الله سبحانه: يهب لمن يشاء أناثا ويهب لمن يشاء الذكور، وقال سبحانه في آدم صلى الله عليه: فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لأن أتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين.
فتفسير أتيتنا صالحا يعنيان لأن وهبت لنا وأعطيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين فدعواه كما ترى عطية وموهبة لهما من رب العالمين، وكذلك قالت إمرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني ولا محررا إلا ما هو لها موهبة وعطية من الله لها من طينه الولد وماله كما قال رسول الله صلى الله عليه لأبيه إلا الولد وماله كما قال رسول الله صلى الله عليه لأبيه إلا أن يخرجه الأب بتزويج أو غيره من يده فتقع المواريث والحقوق فيأتي أمر مفروق.
(1/76)
________________________________________
وسئل: عن إمرأة أرضعت جارية هل يجوز لولد زوجها من غيرها أن يتزوجها، فقال: إن كانت المرضعة أرضعت الجارية بلبنها من زوجها فلا يجوز لولد زوجها من غيرها أن يتزوجها لأن الجارية أخت الغلام من جهة لبن أبيه وهو لبن الفحل المنهي عنه.