وخامسها: أنَّ الروح أجسام لطيفة حية لذاتها متشابكة في البدن سارية فيه سريان ماء الورد في الورد والنار في الفحم والدهن في السمسم فبسبب مشابكتها وسريانها يصير هذا الهيكل حياً والذوبان والإنحلال يتطرق إلى الهيكل دونها والموت إستخراج هذه الأجزاء اللطيفة من الهيكل وهذا القول لبعض الفلاسفة ولقوم من المسلمين منهم النظام وقال الواحدي عن ابن عباس : الروح إذا خرج من الإنسان مات الجسد وصار الروح صورة أخرى ينظر إلى الناس يبكونه ويغسلونه ولا يستطيع أن يتكلم لأن الجسد خرج والروح كان يصوت من جوفه كما أن الريح إذا دخلت في مكان ضيق سُمِعَ لها دوِيٌّ فإذا خرجت لم يسمع لها وكذلك أصوات المزامير وأرواح المؤمنين يجدون ريح الجنة وينظرون إليها وأرواح الكفار ينظرون إلى النار ويدركون عذابها حتى إذا نفخ في الصور ماتت الأرواح كلها ورفع العذاب عن الكفار فيما بين النفختين وذلك قوله تعالى: )كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إلاَّ وَجْهه( [القصص – 88] ثم تعاد.
ومَنْ قال بأنَّه جسم يحتج بنحو قوله تعالى: )الله يتوفى الأنفس حين موتها( [الزمر – 42] وبنحو )ونفخنا فيه من روحنا( [التحريم – 12] وبقولهم : قبض روح فلان , وهذا يدل على أنه جسم يقبض لا أنه عرض وبما جاء في بعض الأخبار من أنه : (( إذا قبض روح الميت وحمل على نَعْشه رفرف روحه فوق النعش)) , وبنحو ما جاء في الشهداء أن أرواحهم تأوي إلى قناديل خضر في الجنة , وكل هذا لا يصح في العرض لأن العرض لا يقوم بنفسه وهذا يدل على أن الأرواح باقية فهي قائمة بنفسها وقد رد بعضهم هذا القول بأنه يستلزم أن يكون الحي حياً لذاته ويؤدي إلى أن تكون الأجسام كلها حية وأكثر أهل هذه الأقوال يقولون النَفْسُ والروح معناهما واحد.
وقال قوم من المعتزلة: النفس والروح والحياة أشياء متباينات مختلفة , فالنفس عبارة عن أجزاء الحي الأصلية التي توجه إليها الأمر والنهي والمدح والذم ويشار إليها بنحو ( أنت فعلت ) , والحياة عبارة عن المعنى الذي يصير به الحي حياً , والروح عبارة عن الريح والنَفَس الذي يتردد في مخارق الحي وهو جسم رقيق كذلك صح أن يقال: ( قبض روحه نفخ فيه الروح ) وهذا القول لابن متويه والحاكم.
وأمَّا القول بأنه ليس بجسم ولا عرض فهو لقوم من الفلاسفة والغزالي ومعمر من المعتزلة.
ويُروى عن أبي القاسم الكعبي قالوا : (الروح جوهر بسيط غير قابل للإنقسام وغير عرض وهو النَفْس أيضاً ) , وقد أجيب عليهم بأن كل جوهر أو جسم موجود فهو متحيز ويبطل بما بطل به قول النظام .
وأمَّا الواقفون فقالوا هذه الأقوال وغيرها باطلة لقول الله تعالى : )ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أُوْتيتم من العلم إلا قليلاً( [الإسراء – 85] وقد عُرِفَ من أقوال العامة التخبط والتقحم لما لم يدل عليه سمع ولا عقل وأن الوقف عند الآية هو اللآئق وإذا أبهم الله جل جلاله الروح على نبيه وصفيه صلى الله عليه وآله وسلم فما يحق لنا أن نقطع القول في ذلك لعدم الدلالة السمعية والعقلية.
وإذا قلنا أنه جسم وأنه باقٍ بعد موت الإنسان فهو لقيام الدلالة إلا أنها ليست قطعية لأن الآيات ليست صريحة في ذلك والأحاديث آحادية ولسنا مكلفين بمعرفة ذلك .
والقول بأن النَّفْسَ غير الروح هو الراجح .
هذا والله المسئول أن يوفقنا ويسددنا في الأفعال والأقوال , وأن يجعل أقوالنا وأعمالنا خالصةً لوجهه , وصلى الله على محمد وعلى آله .
سؤال: ما هو اللطف ؟