مسألة في الروح
وسُئِلتَ عن الروح وعن الفرق بينه وبين النفس .
والجواب عن ذلك: بأن نقدم بحثاً في الروح ننقل ما وجدته من أقوال الأئمة الهداة من أهل البيت عليهم السلام وننقل ما وجدته من الكلام في الروح لغيرهم فأقول :
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : (الروح شيء أوجده الله من ملكه وأودعه في ملكه وجعل له أجلاً معلوماً ورزقاً مقسوماً فإذا فرغ مالك عنده أخذ ماله عندك).
وقال القاسم بن إبراهيم (عليه السلام) في جواب مَنْ سأله عن الأرواح بعد مفارقتها الأبدان أحية أم ميتة : (أرواح المؤمنين إذا فارقت أبدانها في نعيم وكرامة وأرواح الظالمين إذا فارقت أبدانها في خزي وندامة حتى ترد الأرواح إلى أبدانها يوم البعث والقيامة فإذا جاء ذلك فهو التخليد والدوام الذي ليس له فناء ولا زوال) .
وقال الهادي (عليه السلام) في جواب مسائل الرازي: (وقلت كيف يميت البدن ولا يميت الروح وكلٌ سيموت فأما معنى خبر الله تعالى من إحياء الروح فإن ذلك بحكمة الله وفضله وما أراد من الزيادة في كرامة المؤمنين وأراد من بيان الزيادة في عذاب الفاسقين فجعل الأرواح حية باقية إلى يوم الدين ليكون روح المؤمن بعد فناء بدنه بالبشارات والسرور والنعيم والحبور بما يسمعون من تبشير الملآئكة بالرضاء والرضوان من الواحد ذي الجلال والسلطان وما أعد من الخير العظيم والثواب الجسيم كل ذلك يتناهى إليه عمله ويصل إليه من ربه فهمه فيكون ذلك زيادة في ثوابه , ومبدأ ما يريد الله تعالى من إكرامه حتى يكون يوم القيامة المذكور ثم ينفخ في الصور النفخة الأولى فيقع بهذه الروح من الموت ما يقع بغيره في ذلك اليوم فيموت ويفنى كما فني البدن أولاً وكذلك تدبير الله تعالى في إبقاء روح الكافر بعد هلاك بدنه لما في بقاء روحه عليه من الحسرة والبلاء مما يعاين ويوقن ويبلغه من أخبار الملائكة وذكرها بما أعد الله له من الجحيم والأغلال والسعير وشرب الحميم وما يصير إليه من العذاب الأليم فروحه في خزي وبلاء , وحسرات تدوم ولا تفنى , وحلول العويل به والشقاء , فيكون ذلك زيادة في عذابه وبلائه , ومقدمة لما أراد الله من إخزائه , حتى ينفخ في الصور فيحق بهذا الروح ما يحق بغيره من الفوت , ويواقعه ما وقع بجسمه من الموت , ثم ينفخ النفخة الثانية من بعد موت كل شيء وهلاك كل حي ما خلا الواحد الفرد الصمد المميت الذي لا يموت المحيي الذي لا يخشى من شيء فوتاً ولو كانت الأرواح تموت مع موت الأبدان لكان في ذلك فرج وراحة للكفار وغفلة وفرحة للأشرار و لكان ذلك غم وكآبة على المؤمنين ونقصاناً وتضعيفاً لسرور الصالحين) إنتهى كلامه (عليه السلام) .
وقال الناصر للحق الحسن بن علي الأطروش (عليه السلام) في جواب سائل سأله : (ولا يُمتنع أن تكون الروح حيّّة درَّاكة) .
وحكى الإمام أحمد بن سليمان (عليه السلام) عن المؤيد بالله (عليه السلام) ما لفظه : (وقال المؤيد بالله (عليه السلام) في تعليق شرح الإفادة : والروح والهوى جسمان لطيفان والعقل عرض واختلف الناس في الروح فقيل يبقى بعد مفارقة الجسد حتى يفنى عند أزف القيامة كما قال الله تعالى : )كُلُّ مَنْ عليها فان( [الرحمن – 26] وقيل لا يكون حياً بعد مفارقة الجسد).
وقال الإمام الحسين بن القاسم بن علي العياني (عليه السلام) في جواب من سأله: (وسئلت عن العقل ما هو في ذاته ؟ وهو عرض ركبه الله تعالى في قلوب المتعبدين وجعله حجة على المكلفين , والعقل والنفس ضدان وهما في القلوب متعلقان والجسم والروح لهما موضعان وأحقهما بحمل النفس والعقل والروح لأن العقل والنفس روحيان وهما في ذاتهما عرضان)) إلى قوله (عليه السلام) : (( ثم نقول من بعد أن الروح محل لهذه الأقسام لأنه جسم لا ندري ما هو من الأجسام لأن الروح ينتقل من الموضع إلى غيره وذلك بلطف الله وتدبيره ولا يجوز الانتقال إلا على الأجسام وما ركب الله من الأجرام) .
وقال الإمام المتــوكل على الرحمن أحمد بن سليمان (عليه السلام) في حقائق المعرفة: (اعلم أن الروح جسم لطيف يُجانس الهوى والدليل على أنه جسم أنه قائم بنفسه بل لا يعلم الحيوان ولا يقدر إلاّ به , ألا ترى أن الدواب تحمل الأثقال فإذا زايلها الروح لم تحمل أنفسها فضلاً عن حمل غيرها فصح انه جسم ولو كان عرضاً لضعف عن القيام بنفسه وعن الحمل لغيره) .