أقول: أن هناك مسائل كثيرة قطعية ولم يعدوها من أصول الدين فليست العلة في وضعها في أصول الدين كونها قطعية فقط إذ لو كانت هي العلة وحدها لعدوا كل مسألة دليلها قطعي منه وأدخلوها فيه ولكن العلة الواضحة هي أن الإمامة لما كانت خالفة النبوة أراد الأصوليون من أصحابنا رفع شأنها وإعلاء منارها وإنزالها من القلوب منزلة رفيعة وكما أن النبوة من فن الكلام  لأنها فعل من أفعال الله تعالى ذكرت في باب العدل, والإمامة لما كانت خالفة النبوة كما قلنا سابقا ذكرت في فن الأصول وذكرت في آخر الفن ويمكن أن يقال أن أصحابنا الزيدية لما جعلوا معرفة الإمام من الفروض اللازمة للأعيان وأنه لا يعذر عن معرفتها إنسان وضعوها في ذلك الفن تعظيماً لشأنها وتنويهاً لأمرها ولها نظير وهي مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المخوف فقد جعلوها من مسائل الفن وما سبب ذلك إلا التنويه بأمرها والتعظيم لقدرها ومسألة الإمامة لها خصوصية زائدة على مسائل الأمر بالمعروف لأنها خالفة النبوة ولعل عذر من قال أن الأولى بها فن الفقه هو أنها تدور بين علمي وعملي وليس ينبغي أن يعد من علم الكلام إلا ما كان علماً بالله تعالى وبصفاته وأفعاله وأحكام أفعاله ويمكن أن يعتذر لمن عدها من فن الفقه أن أحكام قتال البغاة مبحوث لها في فن الفقه ويحتاج إليها الفقيه ولما كانت كذلك لحقت به .

فهذا يمكن أن يكون هو العذر لمن قال أن الأولى بها فن الفروع مع أنه يعدها قطعية لا ظنية.

قال السائل: هل أجمع أهل البيت عليهم السلام على أن الإمامة قطعية ؟

أقول: أن من تأمل موضوعاتهم ونظر في سبب قيام كل إمام من أئمتهم عليهم السلام السابقين والمتأخرين واطلع على سيرهم وأخبارهم ومنشورات دعواتهم علم علماً قطعياً أن سبب قيام القائم تحتم الواجب عليه بل وصرح أكثرهم أنه إن أخل بالقيام أخل بفرض واجب وبعضهم يمتنع عن القيام حتى يلزمه العلماء بأن الفرض قد تحتم عليه بل وصرح أكثر مؤلفيهم بأنها قطعية وقد نقلنا إجماع الصحابة على وجوب نصب الإمام وذلك يفيد أنها قطعية والظاهر أنه إجماع أهل البيت .

أمَّا قول السائل: وإذا وجد أن جماعة من أهل البيت عليهم السلام قالوا بعدم قطعية الإمامة فكيف تفسرون ذلك؟

أقول: أن الظاهر من أقوال أهل البيت إطباقهم على أنها قطعية كما قدمنا فليتفضل السائل بتعريفنا بمن قال أنها ظنية.

 وأمَّا قول السائل: فكيف تفسرون ذلك ؟

فنقول: أنهم إن صح إجماعهم فقول من قال ذلك بعد إجماعهم لا يعتد بقوله وإن لم يصح الإجماع فلا مانع وليس ببعيد أن يختلف أحوال الناظرين في الأدلة فيرى بعضهم مثلاً أن الدلالة قطعية ويوصله نظره إلى برد اليقين , ومنهم من لم يوصله ذلك إلا إلى الظن والتخمين فمن قال إن مسائل الإمامة وشروطها ولواحقها قطعية فهذا أوصله نظره إلى العلم وطمأنينة النفس فيصدق فيما حكاه عن نفسه إذ ما يجده المرء من نفسه أقوى الأدلة ولا سبيل لنا إلى ذلك إلا إخباره عن نفسه وإذا فرض على كلام السائل أن هنالك منهم من يعتقد أنها ظنية حملناه على صدق ما أخبر عن نفسه لأنه أعرف بذلك ولأن الفهم منح آلهية , وقسم ربانية , والممقوت إنكار الحق عناداً ورده علواً واستكباراً .

والله الهادي إلى الصواب وإليه المرجع والمآب .

قال السائل: وإذا سلمنا بوجود الدليل على صحتها وإقامتها ففي من تكون؟

41 / 270
ع
En
A+
A-