المسألة الثالثة: ما يقع من صدام السيارات الذي يقع به إتلاف نفوس هل هو خطأ فيجري فيه أحكام الخطأ من لزوم الدية على عاقلة القاتل ومن لزوم الكفارة ؟

إعلم أنه لا يتحقق البحث إلا بعد بيان جناية الخطأ ما هي : 

فنقول : هي ما وقع على أحد وجوه أربعة :

الأول: أن يقع بسبب من مكلف .

الثاني: أن تقع من غير مكلف كالصبي والمجنون وسواء وقعت منهما عمداً أم غير عمد مباشرا أم مسبباً فعمدهما خطأ في سقوط القود ولزوم الدية على العاقلة.

الثالث: أن تقع الجناية على المجني عليه من الجاني وهو غير قاصد لنحو المقتول بل قصد غيره فأصابه وسواء وقعت في هذا الوجه من مكلف أو غيره مباشرةً أو تسبيباً.

الرابع: أن يقتله بما مثله لا يقتل في العادة إلا أن يكون الجاني قاصدا للقتل ولو كان بما مثله لا يقتل في العادة فإنه عمد.

إذا عرفت ما ذكرنا فأقول: لا بُدَّ من ذكر مقدمة قبل إيضاح صور من الحوادث تنطبق على ما قدمناه من الوجوه الأربعة وبيان ذلك أن نقول أن السيارة لا تمشي ولا تتحرك إلا بفعل السائق من تشغيلها بالمفتاح ووضع نحو رجله على الآلة التي تمدُّ المحرك بالوقود , ليجري في الآلات لتحريك المحرك , وعمل يديه في مِقْوَدها ,لتعديل مسار سيرها نحو الجهة التي يريدها , فهو يحرك السيارة ويحولها يمنة ويسرة , وقدّاماً ووراءً , يقدم ويقهقر , ويسرع ويتريث , ويوقفها فهي طوعه كيفما أراد , وإن خرجت عن طوعه فخروجها بسببه وبفعله , فلا شك أنه إن اصطدم بشيء  فالفعل فعله سوا قلنا هو فعل مباشر أو متعدي , فإذا ثبتت هذه المقدمة , فإن قصد السائق قتل المقتول وتعمده فهو عمد يجرى عليه أحكام العمد , وإن لم يقصد المقتول ولا تعمده بل قصد صوب السكة فعرض له المصدوم فقتل بغير قصد فهو خطأ يجري عليه أحكام الخطأ ويدخل تحت الآية الكريمة : )وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمناً إلاّ خطأ ( [النساء – 92] ولست بصدد الاستدلال من السنة لإثبات الخطأ وأحكامه ولكنا نورد ما ورد في مثل صدام السيارتين من ذلك ما رواه في الجامع الكافي قال: وروى محمد بإسناده عن عمر بن على عن علي (عليه السلام) في سفينة صدمت سفينةً فيها طعام فأفسدته فضَمَّن علي (عليه السلام) أصحاب السفينة الصادمة , قال محمد حدثنا علي عن حميد عن حسن في سفينة غلبت أصحابها قال: من فيها ضامن لما أصابته بمنزلة الراكب على الدابة , وفي المجموع عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام أن فارسين اصطدما فمات أحدهما فقضى علي (عليه السلام) على الحي بدية الميت , وقول علي (عليه السلام) عند الهدوية حجة وأيضا فإنه لا مخالف له من الصحابة وإلا لنقل فإذا ثبت تضمين الفارس الحي للميت وضمان أهل السفينة الصادمة لما تلف في المصدومة فبالأولى أن يضمن سائق السيارة ما صدمته لأن الفرق بين سائق السيارة وراكب الدابة واضح جلي لأن راكب الدابة لا عمل له في سيرها لأنها هي التي تحدث سيرها بنفسها وبفعلها وليس للراكب فعل إلا حثها وتوجيهها إلى جهة مراده وكذلك السفينة سيرها وحركتها بالريح وليس لأهلها عمل في سيرها إلا توجيهها بالآلة وما يحصل بها من التعديل والتهيئة وأما سائق السيارة فلو لم يفتح السيارة بمفتاحها ويضع رجله أو نحوها على آلة التزويد بالوقود لَمَا تحركت ولا سارت , ولا شك أن انطلاق السيارة إذا فعل ما ذكرناه كانطلاق الرصاصة من البندق حين يضع واضع ما يحرك آلة البندق وهذا أمر مشاهد محسوس والمشاهدة من أقوى الدلالات ومن هاهنا قلنا انه إذا تعمد ذلك فله أحكام العمد وإن قصد الطريق وعرض له المصدوم ولم يقصده فهو من الخطأ من القسم الثالث المحكي سابقاً ويثبت فيه ما يثبت في قتل الخطأ من التفاصيل في الدية والكفارة .

ومن صور الخطأ أن يسوق سائق السيارة فينفك منها إطارٌ أو شيء من الآلات فتنقلب السيارة فيموت أحد ركابها وقد يموت السائق مع من هلك فهذه الصورة من قتل الخطأ لأن حركة السيارة بفعل السائق كما قررنا إذ لو لم يفعل ما ذكرناه لما تحركت السيارة وانفكاك إطارها أو شيء من آلاتها هي بحركة السيارة التي حركها السائق فهو فعل السائق إلا أنه فعل غير مباشر بل هو فعل متعد من فعل السائق فالسائق مسبب لا مباشر وفاعل السبب فاعل المسبب .

نزيده وضوحاً أن رجلاً لو رمى بحجر من شاهق فانقلب لسبب تلك الرمية أحجارٌ فأصابت إنساناً فهلك لضمنه رامي الحجر بلا إشكال .

38 / 270
ع
En
A+
A-