فإن قلت: إن أمير المؤمنين وسيد الوصيين هو أول المتكلمين ومنه أخذ علم الكلام ومن مقاماته انتظم سلك ذلك النظام .

قلت: نعم هو الفاتح للباب والناهج نهج الصواب ولكنه بعلم إلهي نقي عن الشوائب سهل المأخذ فمنه اخذ وعليه اعتمد فكلامه بعيد عن تمحلات المتكلمين وقريب من الأفهام رشيق العبارة قوي الدلالة فهو لم يفتح باب معرفة الله تعالى بالجدال العقيم ولا الخروج عن العقل القويم وأنت إذا تأملت كلامه في النهج وكلام أولاده العلماء الحكماء المقتفين لنهجه كزيد والقاسم والهادي وسائر الأئمة عليهم السلام , وجدت ذلك النهر من ذلك اليعبوب, فهم من بحره يغترفون , ولنهجه مقتفون , موضوعاتهم سليمة من التمحلات, ذرية بعضها من بعض , يسروا ولم يعسروا , وبيّنوا ولم يهملوا , وأوضحوا ولم يغفلوا , لم يرفعوا إلى الفلسفة رأسا , ولم يجعلوا الجدال العقيم لهم أساسا  , دينهم دين أبيهم المصطفى وعلي المرتضى صلوات الله عليهما وعلى آلهما.

 

لم يـثبتوا صفـةً للذات زائـدة         ولا قـضوا باقـتـضاء حال لأحوال

ولا قضوا بثبوت الـذات في أزل        وليـس لله إلا صـنـعـة الـحـال                

 

فان قلت: قد أكثرت التثريب على المتعمقين.

قلت: نعم أنت تعرف أن مقام التكفير والتفسيق شديد فلا بد فيه من الدليل القاطع وقد عرفت أن معرفة الله بالدلائل القريبة كافية وان تهليك العوام الذين عرفوا الله بما ذكرنا أمر شديد وما سببه إلا التعمق في الدقائق التي أكثرها من الفضول وبعضها تجاوز حد العقل وَلَسْتُ ممن ينهى عن قرآءة علم الأصول وتحقيقه , بل أنا ممن يدعو إليه ويدرّسه, وإنما أقول أن تكليف العوام بمعرفة المشكلات وان لم يعرفوها هلكوا قول مردود بل الذي أختاره أنهم يكفيهم ما قلناه ((معرفة عن غير تقليد )) فأما المتأهلون لخوض غماره وركوب لجج بحاره مع طلب الحق وإخلاص النية ليتمكن من دفع الخصوم ورد الشبه وإقامة الحجة فقد يكون فرضاً على الكفاية وقد يكون فرض عين إذا لم يقم به غيره وللمهدي (عليه السلام) في أول شرح القلائد كلام مفاده (أن ليس كل ما يسمى أصول الدين من فروض الأعيان بل فيه ما هو فرض عين وما هو فرض كفاية ومنه ما ليس بفرض) هذا معنى كلامه (عليه السلام) .

وقال المؤيد بالله (عليه السلام) في الإفادة: فصل آخر/ أقل ما يلزم المكلف معرفته من التوحيد انه يلزمه أن يعرف أن لهذا العالم صانعاً قادراً عالماً حياً سميعاً بصيراً وانه لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء وانه واحد لا ثاني له ولا يجوز أن يعتقد في أصول الدين إلا عن دليل, فلاضير أن تعذر علية العبارة عما اعتقده وليس في مقدار ما يجب على المكلف من العلم ما يقطع عليه ولكن يجب معرفة ما ذكرنا من أصول الدين إلى آخر كلامه (عليه السلام) .

32 / 270
ع
En
A+
A-