هذا كله منقول من تلخيص نصير الدين الطوسي على محصل الرازي.
إذا عرفت مذاهب القوم في النفس امتنع أن يريد أمير المؤمنين (عليه السلام) المعنى الأخير الذي سماه الشارح المحقق بالمعنى الباطن لأن أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يريد المعنى الفاسد لعصمته ولمعرفته الكاملة بربه لان هذا المعنى تَرُدُّه الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة على نفي القدماء مع الله تعالى والدالة على فناء كل ما سوى الله تعالى فقد أعرضنا عن نقل مذاهب الفلاسفة من أن النفس مصدر الإدراك إلا أنها تدرك الكليات بغير آلة وتدرك الجزئيات بآلة ، وأعرضنا عن ذكر النفوس المجردة وتعلقها كما أشار إليه الشارح المحقق لأن كل ذلك هراء لا طائل تحته إذا عرفت هذا علمت أنه لا يصح إلا المعنى الأول الذي ذكره الشارح المحقق وعرفت أن الشارح لا يعتقد صحة المعنى الثاني لما فيه من الفساد ولم يورده إلا لأن الكلام يحتمله على مذاهب القوم ولم يصرح بأنه رأيه ويؤيد هذا أنه قال على قول من يقول ببقاء النفس وقول الشارح المحقق أن قول الإمام (عليه السلام) وأمثالهم في القلوب موجودة كناية ولغز ومعناه ذواتهم في حظيرة القدس، كلام لا طائل تحته وصرف للكلام عن حقيقته ورَدَّه إلى ألغاز ومعميات بغير برهان يصرفه عن الحقيقة وتفسير لكلامه (عليه السلام) بتخيلات الفلاسفة والصوفية القائلين بالوصول وهي المرتبة التي لا شيء عندهم بعدها.
أمَّا قول أمير المؤمنين (عليه السلام) : (إن هاهنا لعلماً جماً .... الخ) ، وقول الشارح المحقق: هذا عندي إشارة إلى العرفان والوصول إلى المقام الأشرف إلى آخر كلامه .
أقول: حصر معناه على العرفان محل نظر ويحسن حَمْل الكلام على العلوم المحتاج إليها ، هذا إن أراد الشارح المحقق بالعرفان والوصول ما يقصده الصوفية ، وأظنه لم يرد إلا ذلك بدلالة قوله : ( لم يصل إليه إلا الواحد الفذ ممن لله فيه سر ) وهذا صرف للكلام عن ظاهره ولا يقال أن آخر كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) يدل على ما استوحاه الشارح من قوله: (هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة وباشروا روح اليقين ، واستلانوا ما استوعره المترفون , وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ...... الخ ) .
لأنَّا نقول: أن هذه الصفات هي صفات العالم الرباني الذي تسهلت له المقاصد وعذبت له الموارد وراض نفسه على العلوم الإلهية وخشى ربه في السر والعلانية )إنما يخشى اللهَ من عبادهِ العلماءُ( [ فاطر – 38 ] .
أما قول أمير المؤمنين (عليه السلام) : (بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجه إما ظاهرا مشهوراً أو خائفا مغموراً ) ... إلى آخره , وقول الشارح المحقق أن هذا الكلام يكاد أن يكون تصريحا بمذهب الإمامية .
فكلام بعيد جداً يجانب الصواب لان إمامهم الثاني عشر لا وجود له فكيف يكون حجة أو قائما بحجج الله هذا ما لا يقبله عقل عاقل ولا يهضمه فهم فاهم هب أن الصادق والباقر وزين العابدين عليهم السلام من القائمين بحجج الله فأما الثاني عشر من أئمتهم فعده من الحجج مع عدم وجوده بعيد .
أمَّا الأبدال الذين أشار إليهم فهو إعتماد منه على الأحاديث المصرحة إنّ لله أربعين بدلاً في الأرض إذا مات أحدهم أبدله الله بغيره مع ضعف تلك الأحاديث كما صرح به بعض المحدثين لا يصح أن يكونوا حججاً لله تعالى على خلقه لان الحجة الذي تؤخذ معالم الدين عنه لا بد أن يكون معروفاً والشارح قد قال أن بعضهم معروف وبعضهم غير معروف وما هو الذي حجب على ناظره أن يصرح أن حجج الله هم آل محمد صَلّى الله عَليهِ وَآلَهُ وَسَلّم الذين لا يفارقهم الكتاب ولا يفارقونه كما دلت على ذلك الأدلة القطعية فهم حجج الله فمنهم الظاهر الشاهر لسيفه المعلن لدعوته ومنهم الخائف المغمور الذي أخافه أعداء الدين وهذا واضح.
أمَّا إشارة الشارح المحقق إلى العقل المفارق فهي إشارة فلسفية يزعمون أن هنالك عقلاً يسمى العقل المفارق وللخواجة نصير الدين رسالة في العقل المفارق طَوَّل فيها الاستدلال بما لا محصول له وتارة يسميه بالعقل الكامل فلا نطيل البحث بنقل كلامه فهذا ما تيسر لي من البحث في الموضوع مع شغل شاغل واعتوار عدة عوامل وقلة في المتاع وعدم إلمام واطلاع بحث من الإفادة للإمام المؤيد بالله بحث نقلته من الإفادة للإمام المؤيد بالله (عليه السلام) له تعلق بما حررناه
قال: وسئل([1]) عن معنى قول أمير المؤمنين صلوات الله عليه في حديث كميل بن زياد (اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهراً مكشوفاً أو خافياً مغموراً)؟